الصفحة 270

الباب الثاني والأربعون

في رجوع أبي بكر وعمر وعثمان في العلم والحكم
وغيرهم من الصحابة إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)

من طريق الخاصة وفيه اثنا عشر حديثا


الأول: محمد بن يعقوب في الكافي عن أبي علي الأشعري عن الحسن بن علي الكوفي عن العباس بن عامر عن سيف بن عميرة عن عبد الرحمن العزرمي قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: " وجد رجل مع رجل في إمارة عمر فهرب أحدهما وأخذ الآخر، فجئ به إلى عمر فقال للناس ما ترون؟ قال: فقال هذا: اصنع كذا، وقال هذا: اصنع كذا قال: فما تقول يا أبا الحسن؟ قال: اضرب عنقه فضرب عنقه قال: ثم أراد أن يحمله فقال: مه إنه قد بقي من حدوده شئ، قال: أدع بحطب، فدعا عمر بحطب فأمر به أمير المؤمنين (عليه السلام) فأحرق به "(1).

الثاني: الشيخ في التهذيب قال: أخبرني الشيخ يعني المفيد أيده الله عن أحمد بن محمد عن أبيه عن الحسين بن الحسن بن أبان عن حسين بن سعيد عن حماد عن ربعي بن عبد الله عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: " جمع عمر بن الخطاب أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: ما تقولون في الرجل يأتي أهله فيخالطها ولا ينزل؟ فقالت الأنصار: الماء من الماء، وقال المهاجرون: إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل فقال عمر لعلي (عليه السلام): ما تقول يا أبا الحسن؟ فقال علي (عليه السلام). أتوجبون عليه الحد والرجم ولا توجبون عليه صاعا من ماء؟ إذا التقى الختانان فقد وجب عليه الغسل، فقال عمر: القول ما قال المهاجرون، ودعوا ما قالت الأنصار "(2).

الثالث: محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن موسى بن بكر عن زرارة قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: " إن الوليد بن عتبة حين شهد عليه بشرب الخمر قال عثمان لعلي (عليه السلام): اقض بينه وبين هؤلاء الذين زعموا أنه شرب الخمر، فأمر به فجلد بسوط له شعبتان أربعين جلدة "(3).

____________

(1) الكافي 7: 200 / 6.

(2) التهذيب 1: 119 / 5.

(3) الكافي 7: 215 / 6.


الصفحة 271
الرابع: محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن عبد الله بن سنان قال أبو عبد الله (عليه السلام): " الحد في الخمر إن شرب منها قليلا أو كثيرا، ثم قال أتي عمر بقدامة بن مظعون قد شرب الخمر وقامت عليه البينة فسأله عليا (عليه السلام) فأمره أن يجلد ثمانين، فقال قدامة يا أمير المؤمنين ليس علي حد، أنا من أهل هذه الآية: * (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا) *(1) قال: قال علي (عليه السلام) لست من أهلها، إن طعام أهلها لهم حلال، ليس يأكلون ولا يشربون إلا ما أحله الله لهم ثم قال علي: إن الشارب إذا شرب لم يدر ما يأكل ولا ما يشرب فاجلدوه ثمانين جلدة "(2).

الخامس: محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن فضال عن ابن بكير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " شرب رجل الخمر على عهد أبي بكر فرفع إلى أبي بكر فقال له، أشربت خمرا؟

قال: نعم، قال له: وهي محرمة؟ قال: فقال له الرجل: إني أسلمت وحسن إسلامي ومنزلي بين ظهراني [ قوم ] يشربون الخمر ويستحلون، ولو علمت أنها حرام اجتنبتها: فالتفت أبو بكر إلى عمر فقال ما تقول في أمر هذا الرجل فقال: عمر: معضلة وليس لها إلا أبو الحسن، أدع لنا عليا، فقال عمر: يؤتى الحكم في بيته فقال: قاما والرجل معهما ومن حضرهما من الناس حتى أتوا أمير المؤمنين (عليه السلام) فأخبراه بقصة الرجل فقص الرجل قصته قال: فقال: ابعثوا معه من يدور به على مجالس المهاجرين والأنصار، من كان تلا عليه آية التحريم فليشهد عليه، ففعلوا ذلك به فلم يشهد عليه أحد بأنه قرأ عليه آية التحريم، فخلى عنه وقال له، إن شربت بعدها أقمنا عليك الحد "(3).

السادس: ابن يعقوب عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن أبي عبد الله عن عمرو بن عثمان عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " لقد قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) بقضية ما قضى بها أحد كان قبله، وكانت أول قضية قضى بها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وذلك أنه لما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأفضى الأمر إلى أبي بكر أتي برجل قد شرب الخمر فقال له أبو بكر، أشربت الخمر؟

فقال الرجل: نعم فقال: ولم شربتها وهي محرمة؟ فقال: إني أسلمت ومنزلي بين ظهراني قوم يشربون ويستحلوني لها، ولو أعلم أنها حرام اجتنبتها، قال: فالتفت أبو بكر إلى عمر فقال:

ما تقول يا أبا حفص في أمر هذا الرجل؟ فقال: معضلة وأبو الحسن لها فقال أبو بكر: يا غلام أدع

____________

(1) المائدة: 93.

(2) الكافي 7: 216 / 10.

(3) الكافي 7: 217 / 16.


الصفحة 272
لنا عليا، فقال عمر: بل يؤتى الحكم في بيته، فأتوه ومعه سلمان الفارسي فأخبروه بقضية الرجل فاقتص عليه قصته، فقال علي (عليه السلام) لأبي بكر: ابعث به من يدور به على مجالس المهاجرين والأنصار، فمن تلا عليه آية التحريم فليشهد عليه، فإن لم يكن تلا عليه آية التحريم فلا شئ عليه، ففعل أبو بكر بالرجل ما قال علي (عليه السلام)، فلم يشهد عليه أحد فخلى سبيله.

فقال سلمان لعلي (صلى الله عليه وآله): لم أرشدتهم؟ فقال علي (عليه السلام): إنما أردت أن أجدد تأكيد هذه الآية فيهم وفيهم: * (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون) *(1) "(2).

السابع: الشيخ في التهذيب بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن علي بن السند عن محمد بن عمرو بن سعيد عن بعض أصحابنا قال: أتت امرأة إلى عمر فقالت: يا أمير المؤمنين إني فجرت فأقم في حدود الله، فأمر برجمها وكان علي (عليه السلام) حاضرا فقال له: " سلها كيف فجرت "؟

قالت: كنت في فلاة من الأرض فأصابني عطش شديد فرفعت لي خيمة فأتيتها فأصبت فيها رجلا أعرابيا فسألته الماء فأبى على أن يسقيني إلا أن أمكنه من نفسي فوليت عنه هاربة فاشتد بي العطش حتى غارت عيناي وذهب لساني فلما بلغ مني، أتيته فسقاني ووقع علي فقال له: " يا عمر هذه التي قال الله تعالى: * (فمن اضطر غير باغ ولا عاد) *(3) هذه غير باغية ولا عادية إليه " فخلى سبيلها فقال عمر: لولا علي لهلك عمر(4).

الثامن: الشيخ أيضا بإسناده عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن محمد بن الفرات عن الأصبغ بن نباتة قال: أتي عمر بخمسة نفر أخذوا في الزنا فأمر أن يقام على كل واحد منهم الحد، وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) حاضرا فقال: " يا عمر ليس هذا حكمهم " قال: فأقم أنت الحد عليهم، فقدم واحدا فضرب عنقه، وقدم الآخر فرجمه، وقدم الثالث فضربه الحد، وقدم الرابع فحده نصف الحد وقدم الخامس فعزره، فتحير عمر وتعجب الناس من فعله، فقال عمر: يا أبا الحسن خمسة نفر في قضية واحدة أقمت عليهم خمسة حدود ليس شئ منها يشبه الآخر؟

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): " أما الأول فكان ذميا فخرج عن ذمته لم يكن له حد إلا السيف، وأما الثاني فرجل محصن كان حده الرجم، وأما الثالث فغير محصن حده الجلد، وأما الرابع فعبد ضربناه نصف الحد، وأما الخامس فمجنون مغلوب على عقله "(5).

التاسع: الشيخ بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن علي بن إسماعيل عن أحمد بن النضر

____________

(1) يونس: 35.

(2) الكافي 7: 249 / 4.

(3) البقرة: 173.

(4) التهذيب 10: 50 / 186.

(5) التهذيب 10: 50 / 188.


الصفحة 273
عن الحصين بن عمرو عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن معاوية كتب إلى أبي موسى الأشعري أن ابن الجسرين وجد رجلا مع امرأته فقتله وقد أشكل على القضاة، فسل لي عليا عن هذا الأمر، قال أبو موسى: فلقيت عليا (عليه السلام)، قال: فقال علي (عليه السلام): " والله ما هذا في هذه البلاد " - يعني الكوفة - ولا بحضرتي، فمن أين جاءك هذا "؟ قلت: كتب إلي معاوية لعنه الله إن ابن أبي الجسرين وجد مع امرأته رجلا فقتله، وقد أشكل عليه القضاء فيه، فرأيك في هذا.

فقال: " إنا أبو الحسن إن جاء بأربعة يشهدون على ما شهد وإلا دفع برمته "(1).

العاشر: الشيخ بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن بعض أصحابنا عن إبراهيم بن محمد الثقفي عن إبراهيم بن يحيى الدوروي عن هشام بن بشير عن أبي بشير عن أبي روح أن امرأة تشبهت بأمة الرجل وذلك ليلا فواقعها وهو يرى أنها جاريته فرفع إلى عمر، فأرسل إلى علي (عليه السلام) فقال: " اضرب الرجل حدا في السر، واضرب المرأة حدا في العلانية "(2).

الحادي عشر: الشيخ بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن موسى بن جعفر البغدادي عن جعفر بن يحيى عن عبد الله بن عبد الرحمن عن الحسين بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن آبائه:

قال: " أتي عمر بن الخطاب بقدامة بن مظعون وقد شرب الخمر فشهد عليه رجلان، فشهد أحدهما أنه رآه يشرب وشهد الآخر أنه رآه يقئ، فأرسل عمر إلى ناس من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيهم أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال لأمير المؤمنين (عليه السلام): ما تقول يا أبا الحسن، فإنك الذي قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنت أعلم هذه الأمة وأقضاها بالحق، وإن هذين قد اختلفا في شهادتهما، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): ما قاءها حتى شربها، فقال: وهل تجوز شهادة الخصي؟

فقال: ما ذهاب لحيته إلا كذهاب بعض أعضائه "(3).

الثاني عشر: الشيخ بإسناده عن علي بن الحسن قال: حدثني محمد الكاتب عن علي بن عبد الله بن معاوية بن ميسرة بن شريح قال: حدثني عبد الله بن معاوية عن أبيه ميسرة عن أبيه شريح قال ميسرة: تقدمت إلى شريح: امرأة فقالت: إني جئتك مخاصمة، فقال لها: وأين خصمك؟

فقالت: أنت خصمي فأخلى لها المجلس وقال لها: تكلمي فقالت: إني امرأة لي إحليل ولي فرج فقال: قد كان لأمير المؤمنين في هذا قضية ورث من حيث جاء البول قالت: إنه يجئ منهما جميعا، فقال لها: من حيث سبق البول قالت: ليس منهما شئ يسبق، يجيئان في وقت واحد

____________

(1) التهذيب 10: 314 / 1168.

(2) التهذيب 10: 47 / 169.

(3) التهذيب 6: 281 / 774.


الصفحة 274
وينقطعان في وقت واحد.

فقال لها: إنك لتخبرين بعجب، فقالت: أخبرك بما هو أعجب من هذا، تزوجني ابن عم لي وأخذ مني خادما فوطيتها فأولدتها، وإنما جئتك لما ولد لي لتفرق بيني وبين زوجي فقام من مجلس القضاء فدخل على علي (عليه السلام) فأخبره بما قالت المرأة، فأمر بها فأدخلت وسألها عما قال القاضي فقالت: هو الذي أخبرك، قال: فأحضر زوجها، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): " هذه امرأتك وابنة عمك "؟

قال: نعم.

قال: " قد علمت ما كان قد أخدمتها خادما فوطئها فأولدتها ثم قال وطئتها بعد ذلك "؟

قال: نعم.

قال له علي (عليه السلام): " لأنت أجرى من خاصي الأسد، علي بدينار الخصي " وكان معدلا وبامرأتين فأتى بهم فقال لهم: " خذوا هذه المرأة إن كانت امرأة فادخلوها بيتا وألبسوها نقابا وجردوها من ثيابها وعدوا أضلاع جنبيها " ففعلوا ثم خرجوا إليه فقالوا له: عدد الأيمن اثنا عشر ضلعا والجنب الأيسر أحد عشر ضلعا، فقال علي (عليه السلام): " الله أكبر ائتوني بالحجام " فأخذ من شعرها وأعطاها رداء وحذاء وألحقها بالرجال، فقال الزوج: يا أمير المؤمنين امرأتي وابنة عمي ألحقتها بالرجال، ممن أخذت هذه القضية؟

فقال (عليه السلام): " إني ورثتها من أبي آدم، وحواء خلقت من ضلع آدم، وأضلاع الرجال أقل من أضلاع النساء بضلع، وعدوا أضلاعها أضلاع رجل " فأمر بهم فأخرجوا(1).

____________

(1) التهذيب 9: 355 / 1272.


الصفحة 275

الباب الثالث والأربعون

في أن علم رسول الله (صلى الله عليه وآله) كله عند أمير المؤمنين (عليه السلام)
وقول أمير المؤمنين (عليه السلام): " لو ثنيت لي الوسادة وجلست عليها
لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم "

من طريق العامة وفيه أربعة أحاديث


الأول: موفق بن أحمد من أعيان علماء العامة قال: أخبرني سيد الحفاظ أبو منصور شهردار بن شيرويه بن شهردار الديلمي الهمداني فيما كتب إلي من همدان، أخبرني أبي، أخبرني أبو إسحاق القفال بأصفهان، حدثني أبو إسحاق بن خرسيد، حدثني أبو سعيد أحمد بن زياد الأعرابي، حدثني نجيح بن إبراهيم بن محمد بن الحسن الزهري القاضي، حدثني أبو نعيم ضرار بن مرد، حدثني علي بن هاشم، حدثني محمد بن عبد الله الهاشمي عن أبي بكر محمد بن عمر بن حزم عن عباد بن عبد الله عن سلمان (رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: " أعلم أمتي بعدي علي بن أبي طالب "(1).

الثاني: ابن المغازلي الشافعي في كتاب المناقب قال: أخبرنا أبو محمد الحسن بن أحمد الفندجاني قال: حدثنا أبو الفتح هلال بن محمد الحفار قال: حدثني إسماعيل بن علي بن رزين قال: حدثني أبي قال: حدثني أخي دعبل بن علي الخزاعي قال: حدثني شعبة بن الحجاج عن أبي الصباح عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " أتاني جبرئيل (عليه السلام) بدرنوك من درانيك الجنة فجلست عليه، فلما صرت بين يدي ربي كلمني وناجاني، فما علمت شيئا إلا علمته عليا فهو باب مدينة علمي " ثم دعاه إليه فقال: " يا علي سلمك سلمي وحربك حربي، وأنت العلم فيما بيني وبين أمتي "(2).

الثالث: موفق بن أحمد من أكابر علماء العامة قال: أخبرنا الشيخ الزاهد أبو الحسن علي بن أحمد العاصمي الخوارزمي قال: أخبرنا شيخ القضاة إسماعيل بن محمد الواعظ، حدثني والدي أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، أخبرنا الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ، حدثنا أبو

____________

(1) مناقب الخوارزمي 82 / 67.

(2) مناقب الخوارزمي 50 / 73، بحار الأنوار 38: 149.


الصفحة 276
محمد أحمد بن عبد الله المزني إملاء، حدثنا أحمد بن محمد بن حرب، حدثنا أبو طاهر أحمد بن عيسى بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، حدثنا عبد الله بن يحيى العلوي، حدثنا جعفر بن محمد، حدثنا نوح بن قيس عن الأعمش عن عمر بن مرة عن أبي البختري قال: رأيت عليا كرم الله وجهه وقد صعد المنبر بالكوفة وعليه مدرعة كانت لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، متقلدا سيف رسول الله (صلى الله عليه وآله) معتمما بعمامة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وفي إصبعه خاتم رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقعد على المنبر فكشف عن بطنه وقال: " سلوني قبل أن تفقدوني فإن ما بين الجوانح من علم جم، هذا سفط العلم، هذا لعاب رسول الله، هذا ما زقني رسول الله (صلى الله عليه وآله) زقا من غير وحي أوحي إلي، فوالله لو ثنيت لي وسادة فجلست عليها لأفتيت أهل التوراة بتوراتهم ولأهل الإنجيل بإنجيلهم حتى ينطق الله التوراة والإنجيل فيقول: صدق علي، قد أفتاكم بما أنزل في، وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون "(1).

الرابع: إبراهيم بن محمد الحمويني من العامة في كتابه فرائد السمطين بإسناده المتصل إلى السبيعي قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن محمد العلوي عن الحسين بن الحكم، أنبأنا إسماعيل بن صبيح، أنبأنا أبو الجارود عن حبيب بن يسار عن زادان قال: سمعت عليا (عليه السلام) يقول: " والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو كسرت لي وسادة - يقول: لو ثنيت - فأجلست عليها لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم، وبين أهل الزبور بزبورهم، وبين أهل الفرقان بفرقانهم، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما من رجل من قريش جرت عليه المواسي إلا وأنا أعرف آية تسوقه إلى جنة أو تقوده إلى نار " فقام رجل فقال: أنت أي شئ نزل فيك؟ فقال علي صلوات الله عليه: " أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه "(2).

والأحاديث في قوله (عليه السلام): " سلوني " قد تقدمت في الباب الخامس والثلاثين، وباب غزارة علم أمير المؤمنين (عليه السلام) وسعته من طريق العامة تقدم وهو الباب الخامس والعشرون فليؤخذ من هناك.

____________

(1) مناقب الخوارزمي 91 / 85.

(2) فرائد السمطين 1: 338 - 339 / 261، شواهد التنزيل للحاكم 1: 280 / 384.


الصفحة 277

الباب الرابع والأربعون

في أن علم رسول الله (صلى الله عليه وآله) كله عند أمير المؤمنين والأئمة:
وقول أمير المؤمنين (عليه السلام): " لو ثنيت لي الوسادة وجلست عليها
لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم "

من طريق الخاصة وفيه تسعة عشر حديثا


الأول: محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن أحمد بن أبي زاهر أو غيره عن محمد بن حماد عن أخيه أحمد بن حماد عن إبراهيم عن أبيه عن أبي الحسن الأول قال: قلت له: جعلت فداك، أخبرني عن النبي (صلى الله عليه وآله) ورث النبيين كلهم؟

قال: " نعم " قلت: من لدن آدم حتى انتهى إلى نفسه؟

قال: " نعم، ما بعث الله نبيا إلا ومحمد (صلى الله عليه وآله) أعلم منه " قال: قلت: إن عيسى ابن مريم كان يحيي الموتى بإذن الله قال: " صدقت، وسليمان بن داود قال: كان يفهم منطق الطير، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقدر على هذه المنازل قال: فقال سليمان بن داود للهدهد حين فقده وشك في أمره * (فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين) * حين فقده وغضب عليه فقال: * (لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين) *(1) وإنما غضب لأنه كان يدله على الماء، فهذا وهو طائر قد أعطي ما لم يعط سليمان، وقد كانت الريح والنمل والأنس والجن والشياطين والمردة له طائعين، ولم يكن يعرف الماء تحت الهواء وكان الطير يعرفه وإن الله يقول في كتابه: * (ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى) *(2) وقد ورثنا نحن هذا القرآن الذي فيه ما يسير به الجبال وتقطع به البلدان ويحيى به الموتى، ونحن نعرف تحت الهواء، فإن في كتاب الله لآيات ما يراد بها إلا يأذن الله به مع، ما قد أذن الله مما كتبه الماضون جعله الله لنا في أم الكتاب إن الله يقول: * (وما من غائبة في السماء والأرض إلا في كتاب مبين) *(3) ثم قال: * (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا) *(4) فنحن الذين اصطفانا الله عز وجل، وأورثنا هذا الكتاب فيه تبيان كل شئ "(5).

____________

(1) النمل: 20 - 21.

(2) الرعد: 31.

(3) النمل: 75.

(4) فاطر: 32.

(5) الكافي 1: 226 / 7.


الصفحة 278
الثاني: ابن يعقوب عن محمد بن يحيى عن محمد بن عبد الجبار عن محمد بن إسماعيل عن علي بن النعمان عن ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " قال لي: يا أبا محمد، إن الله عز وجل لم يعط الأنبياء شيئا إلا وقد أعطاه محمدا، قال: وقد أعطى محمدا جميع ما أعطى الأنبياء، وعنده الصحف التي قال الله عز وجل: صحف إبراهيم وموسى "(1).

الثالث: ابن يعقوب عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه سأله عن قول الله عز وجل * (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر) * ما الزبور؟ وما الذكر؟ قال: " الذكر عند الله، والزبور الذي أنزل على داود، وكل كتاب نزل فهو عند أهل العلم ونحن هم "(2).

الرابع: المفيد في الإختصاص عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن الحسين بن سعيد عن فضالة بن أيوب عن عمر بن أبان الكلبي عن أديم بن الحر عن حمران بن أعين قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): بلغني أن الله تبارك وتعالى قد ناجى عليا (عليه السلام)، فقال الرجل قد كانت بينهما مناجاة بالطائف، نزل بينهما جبرائيل (عليه السلام) وقال: إن الله علم رسوله الحرام والحلال والتأويل، فعلم رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليا ذلك كله(3).

الخامس: محمد بن الحسن الصفار في بصائر الدرجات عن السندي بن محمد عن يونس بن يعقوب عن أبي خالد الواسطي عن زيد بن علي قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): " ما دخل رأسي يوما ولا غمضنا غمضا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى علمت من رسول الله ما نزل به جبرائيل في ذلك اليوم من حلال أو حرام أو سنة أو أمر أو نهي، فيما نزل فيه وفيمن نزل، فخرجنا فلقينا المعتزلة قد ذكرنا ذلك لهم فقالوا: إن الأمر عظيم، كيف يكون هذا وقد كان أحدهما يغيب عن صاحبه؟ فكيف يعلم هذا؟ قال: فرجعنا إلى زيد فأخبرناه بردهم علينا فقال: كان يتحفظ على رسول الله (صلى الله عليه وآله) عدد الأيام التي غاب بها، فإذا التقيا قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا علي نزل علي في يوم كذا وكذا وكذا ويوم كذا وكذا وكذا حتى يعدها عليه إلى يومه الذي وافى فيه، أخبرناهم بذلك "(4).

السادس: محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن عبد الجبار عن الحسن بن علي بن فضال عن حماد بن عثمان عن عبد الأعلى بن أعين قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: " قد ولدني رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنا أعلم كتاب الله، وفيه بدء الخلق وما هو كائن إلى يوم القيامة، وفيه خبر السماء وخبر

____________

(1) الكافي 1: 225 / 5.

(2) الكافي 1: 225 / 6.

(3) الإختصاص: 278.

(4) بصائر الدرجات 197 / 1.


الصفحة 279
الأرض وخبر الجنة وخبر النار وخبر ما كان وخبر ما هو كائن، أعلم ذلك كأنما أنظر إلى كفي، إن الله يقول: فيه تبيان كل شئ "(1).

السابع: الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي حمزة الثمالي قال: قال لي علي (عليه السلام): " لو ثنيت لي وسادة لحكمت بين أهل القرآن حتى يزهر إلى الله، ولحكمت بين أهل الإنجيل حتى تزهر إلى الله، ولحكمت بين أهل التوراة بالتوراة حتى تزهر إلى الله، ولحكمت بين أهل الزبور بالزبور حتى يزهر إلى الله، ولولا آية في كتاب الله لأنبأتكم بما تريدون إلى أن تقوم الساعة "(2).

الثامن: الصفار عن محمد بن الحسين عن عبد الله بن حماد عن أبي الجارود عن الأصبغ بن نباتة قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): " لو كسرت لي وسادة فقعدت عليها لقضيت بين أهل التوراة بتوراتهم، وأهل الإنجيل بإنجيلهم، وأهل الفرقان بفرقانهم بقضاء يصعد إلى الله يزهر، والله ما نزلت آية في كتاب الله في ليل أو نهار إلا وقد علمت فيمن أنزلت ولا أحد مر على رأسه المواسي إلا وقد نزلت فيه آية من كتاب الله تسوقه إلى الجنة أو إلى النار، فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين ما الآية التي نزلت فيك؟ قال له: أما سمعت الله يقول: * (أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه) *(3)

فرسول الله (صلى الله عليه وآله) على بينة من ربه، وأنا شاهد له فيه واتلوه معه "(4).

التاسع: الصفار عن إبراهيم بن هاشم عن أبي عبد الله البرقي عن خلف بن حماد عن داود بن فرقد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): " لو ثني الناس لي وسادة كما ثنى ابن صوحان لحكمت بين أهل التوراة بالتوراة حتى تزهر ما بين السماء والأرض، ولحكمت بين أهل الإنجيل بالإنجيل حتى يزهر ما بين السماء والأرض، ولحكمت بين أهل الزبور بالزبور حتى يزهر ما بين السماء والأرض، ولحكمت بين أهل الفرقان بالفرقان حتى يزهر ما بين السماء والأرض "(5).

العاشر: الصفار عن محمد بن عبد الحميد عن عاصم بن حميد عن أبي بصير قال: سمعت المنهال بن عمر وقال: أخبرني زادان قال: سمعت عليا أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو يقول: " ما رجل من قريش جر عليه المواسي إلا وقد نزلت فيه آية أو آيتان تقوده إلى الجنة أو النار، وما من آية نزلت في بر أو بحر أو سهل أو جبل إلا وقد عرفت حيث نزلت وفي من نزلت، ولو ثنيت لي وسادة

____________

(1) بصائر الدرجات 197 / 2.

(2) بصائر الدرجات 132 / 1 و 134 / 7.

(3) هود: 17.

(4) بصائر الدرجات 133 / 2.

(5) بصائر الدرجات 133 / 2.


الصفحة 280
لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم، وبين أهل الزبور بزبورهم، وبين أهل الفرقان بفرقانهم حتى يزهر إلى الله "(1).

الحادي عشر: الصفار عن إبراهيم ابن هاشم عن جعفر بن محمد عن عبد الله بن ميمون القداح عن جعفر عن أبيه عن علي (عليه السلام) قال: " لو وضعت لي وسادة ثم اتكيت عليها لقضيت بين أهل الزبور بالزبور حتى يزهر إلى ربه ولو وضعت لي وسادة ثم اتكيت عليها لقضيت بين أهل الفرقان بالفرقان حتى يزهر إلى ربه "(2).

الثاني عشر: الصفار عن محمد بن عيسى عن عبد الرحمن عن فضيل عن أبي بكر الحضرمي عن سلمة بن كهيل قال: قال علي (عليه السلام): " لو استقامت لي الأمة وثنيت لي وسادة لحكمت في التوراة بما أنزل الله فيه، ولحكمت في الزبور بما أنزل الله فيها حتى يزهر إلى السماء، إني قد حكمت في القرآن بما أنزل الله "(3).

الثالث عشر: الصفار عن سلمة بن الخطاب عن عبد الله بن محمد عن عبد الله بن القاسم عن عمرو بن أبي المقدام يرفعه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: " لو ثنيت لي وسادة لحكمت بين أهل الفرقان بالفرقان حتى يزهر إلى الله، ولحكمت بين أهل التوراة بالتوراة حتى تزهر إلى الله ولحكمت بين أهل الزبور بالزبور حتى يزهر إلى الله، لولا آية في كتاب الله لأنبأتكم بما يكون حتى تقوم الساعة "(4).

الرابع عشر: الصفار عن الحسن بن أحمد عن أبيه أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن العباس بن حريش عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: " قال علي (عليه السلام): والله لا يسألني أهل التوراة ولا أهل الإنجيل ولا أهل الزبور ولا أهل الفرقان إلا فرقت بين كل أهل الكتاب بحكم ما في كتابهم "(5).

الخامس عشر: الصفار عن محمد بن الحسين عن عيسى بن عبد الله عن أبيه عن جده عن علي (عليه السلام) قال: " لأنا أعلم بالتوراة من أهل التوراة، وأعلم بالإنجيل من أهل الإنجيل "(6).

السادس عشر: الشيخ في أماليه بإسناده عن علي (عليه السلام) قال: " سلوني عن كتاب الله فوالله ما أنزلت آية من كتاب الله عز وجل في ليل أو نهار ولا مسير ولا مقام إلا وقد أقرأنيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلمني تأويلها، فقام ابن الكوا فقال: يا أمير المؤمنين، فما كان ينزل عليه وأنت غائب عنه؟ قال:

كان يحفظ على رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما كان ينزل عليه من القرآن وأنا عنه غائب حتى أقدم عليه فيقرئنيه

____________

(1) بصائر الدرجات 133 / 4.

(2) بصائر الدرجات 134 / 5.

(3) بصائر الدرجات 134 / 6.

(4) بصائر الدرجات 134 / 7.

(5) بصائر الدرجات 134 / 8.

(6) بصائر الدرجات 135 / 9.


الصفحة 281
ويقول لي: يا علي أنزل الله علي بعدك كذا وكذا، وتأويله كذا وكذا فيعلمني تأويله وتنزيله "(1).

السابع عشر: الشيخ في أماليه بإسناده قال: سمعت عليا (عليه السلام) يقول لرأس اليهود: " على كم افترقتم فقال: على كذا وكذا فرقة، فقال علي (عليه السلام): كذبت ثم أقبل على الرأس فقال: والله لو ثنيت لي الوسادة لقضيت بين أهل التوراة بتوراتهم وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم وأهل القرآن بقرآنهم، افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة سبعون منها في النار وواحدة ناجية في الجنة، وهي التي اتبعت يوشع بن نون وصي موسى، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة إحدى وسبعين فرقة في النار وواحدة في الجنة وهي التي اتبعت شمعون وصي عيسى (عليه السلام)، وتفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة اثنتان وسبعون فرقة في النار وواحدة في الجنة، وهي التي اتبعت وصي محمد (صلى الله عليه وآله)، وضرب بيده على صدره ثم قال: ثلاث عشرة فرقة من الثلاث والسبعين فرقة كلها تنتحل مودتي وحبي، وواحدة منها في الجنة وهم النمط الأوسط واثنتا عشرة في النار "(2).

الثامن عشر: الشيخ المفيد في كتاب الإختصاص عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن محمد بن سنان عن عمار بن مروان عن المنخل بن جميل عن جابر بن يزيد عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله عز وجل: " * (الله نور السماوات والأرض مثل نوره) * فهو محمد (صلى الله عليه وآله) * (فيها مصباح) * هو العلم * (المصباح في زجاجة) *(3) الزجاجة أمير المؤمنين (عليه السلام) وعلم نبي الله عنده "(4).

التاسع عشر: المفيد عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن عبد الرحمن بن أبي هاشم عن عنبسة بن بجاد العابد عن المغيرة الحواري مولى عبد المؤمن الأنصاري عن سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة قال: سمعت عليا (عليه السلام) يقول على المنبر: " سلوني قبل أن تفقدوني فوالله ما من أرض مخصبة ولا مجدبة، ولا فئة تظل مائة أو تهدي مائة إلا وعرفت قائدها وسائقها، وقد أخبرت بهذا رجلا من أهل بيتي يخبر بها كبيرهم وصغيرهم إلى أن تقوم الساعة "(5).

____________

(1) أمالي الطوسي 523 / 1158.

(2) أمالي الطوسي 523 / 1159.

(3) النور: 35.

(4) الإختصاص: 278.

(5) الإختصاص: 279.