السادس: ابن أبي الحديد قال: قال الزبير: وحضر أبو سفيان بن حرب فقال: يا معشر قريش إنه ليس للأنصار أن يتفضلوا على الناس حتى يقروا بفضلنا عليهم، فإن تفضلوا فحسبنا حتى انتهى بها، وإلا فحسبهم حيث انتهى بهم، وأيم الله لئن بطروا المعيشة وكفروا النعمة لنضربنهم على الإسلام كما ضربونا عليه، فأما علي بن أبي طالب فأهل والله أن يسود على قريش وتطيعه الأنصار.
السابع: ابن أبي الحديد وقال: قال أبو بكر: وأخبرنا أبو زيد عمر بن شبه عن رجاله عن الشعبي قال: قام الحسن بن علي (عليهما السلام) إلى أبي بكر وهو يخطب على المنبر فقال له: انزل عن منبر أبي، فقال أبو بكر: صدقت والله إنه لمنبر أبيك لا منبر أبي، فبعث علي (عليه السلام) إلى أبي بكر إنه غلام حدث وإنا لم نأمره فقال أبو بكر: صدقت إنا لم نتهمك(2).
الثامن: ابن أبي الحديد قال أبو بكر: وأخبرنا زيد قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا غسان ابن عبد الحميد قال: لما أكثروا في تخلف علي (عليه السلام) عن البيعة واشتد أمر أبي بكر وعمر في ذلك خرجت أم مسطح بن أثاثة فوقفت عند قبر النبي ونادته يا رسول الله:
قد كان بعدك أنباء وهينمة | لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب |
إنا فقدناك فقد الأرض وابلها | فاختل قومك فاشهدهم ولا تعب(3) |
التاسع: ابن أبي الحديد قال قال أبو بكر أحمد بن عبد العزيز: وسمعت أبا زيد بن عمر بن شبة يحدث رجلا بحديث لم أحفظ إسناده قال: مر المغيرة بن شعبة بأبي بكر وعمر وهما جالسان على باب النبي (صلى الله عليه وآله) حين قبض فقال: ما يقعدكما؟ قالا: ننتظر هذا الرجل يخرج فنبايعه - يعنيان عليا (عليه السلام) - فقال: أتريدون أن تنتظروا حبل الحبلة من أهل هذا البيت، وسعوها في قريش تتسع قال:
فقاما إلى سقيفة بني ساعدة أو كلاما هذا معناه(4).
انظر كيف رجع أبو بكر وعمر عن الحق ورجعا إلى المغيرة بن شعبة الذي شهد عليه المعتزلة بالكفر كما صرح به ابن أبي الحديد، وإنه زان فاسق كما ذكره ابن أبي الحديد وذكر فيه الروايات الكثيرة في الشرح، والعجب أيضا من ابن أبي الحديد ومن قال بمقالته كيف يعتقد إمامة من هذه صفته.
العاشر: ابن أبي الحديد في الشرح قال: قال نصر يعني بن مزاحم: وكتب محمد بن أبي بكر:
____________
(1) شرح نهج البلاغة: 6 / 22.
(2) شرح نهج البلاغة: 6 / 42.
(3) شرح نهج البلاغة: 6 / 43.
(4) شرح نهج البلاغة: 6 / 43.
وقد رأيتك تساميه وأنت أنت وهو هو، السابق المبرز في كل خير، أول الناس إسلاما وأصدق الناس نية وأطيب الناس ذرية وأفضل الناس زوجة وخير الناس، ابن عم رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأنت اللعين ابن اللعين لم تزل أنت وأبوك تبغيان لدين الله الغوائل، وتجتهدان على إطفاء نور الله وتجمعان على ذلك الجموع، وتبذلان فيه المال وتحالفان في ذلك القبائل، على هذا مات أبوك وعلى ذلك خلفته، والشاهد عليك بذلك من يأوي ويلجأ إليك من بقية الأحزاب ورؤوس النفاق والشقاق لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، والشاهد لعلي مع فضله وسابقته القديمة أنصاره الذين ذكرهم الله تعالى في القرآن ففضلهم وأثنى عليهم من المهاجرين والأنصار، فهم معه كتائب وعصائب، يجالدون حوله بأسيافهم ويهريقون دماءهم دونه، يرون الفضل في اتباعه، والشقاق والعصيان في خلافه فكيف - يالك الويل - تعدل نفسك بعلي وهو وارث رسول الله (صلى الله عليه وآله) ووصيه وأبو ولده وأول الناس له اتباعا وآخرهم به عهدا يخبره بسره ويشركه في أمره وأنت عدوه؟ وابن عدوه فتمتع ما استطعت بباطلك وليمددك ابن العاص في غوايتك، فكان أجلك قد انقضى وكيدك قد زها وسوف تستبين لمن تكون العاقبة العليا.
واعلم أنك إنما تكايد ربك الذي قد أمنت كيده وآيست من روحه وهو لك بالمرصاد وأنت منه في غرور، وبالله وبأهل بيت رسوله عنك الغناء والسلام على من اتبع الهدى.
فكتب إليه معاوية: من معاوية بن أبي سفيان: إلى الزاري على أبيه محمد بن أبي بكر، سلام الله على أهل طاعة الله، أما بعد فقد أتاني كتابك تذكر فيه ما الله أهله في قدرته وسلطانه وما اصطفى به نبيه مع كلام ألفته ووضعته، لرأيك فيه تضعيف ولايتك فيه تعنيف، ذكرت حق ابن أبي طالب
الحادي عشر: روى عامر الشعبي وهو من النواصب المنحرفين عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، رواه عن عروة بن الزبير بن العوام قال: لما قال المنافقون: إن أبا بكر تقدم عليا، وهو يقول: أنا أولى بالمكان منه قام أبو بكر خطيبا فقال: صبرا على من ليس يؤول إلى دين ولا يحتجب برعاية ولا يرعوي لولاية، أظهر الإيمان ذلة وأسر النفاق غلة، هؤلاء عصبة الشيطان وجمع الطغيان يزعمون أني أقول:
إني أفضل من علي، وكيف أقول ذلك وما لي سابقته ولا قرابته ولا خصوصيته؟ عبد الله [ وحد الله ] وأنا موحده، وعبده قبل أن أعبده، ووالى الرسول وأنا عدوه، وسبقني بساعات لو انقطعت لم ألحق شأوه ولم أقطع غباره، وإن ابن أبي طالب فاز من الله بمحبة ومن الرسول بقربة ومن الإيمان برتبة، لو جهد الأولون والآخرون لم يبلغوا درجته ولم يسلكوا منهجه، بذل لله مهجته ولابن عمه مودته، كاشف الكرب ودامغ الريب وقاطع السبب إلا سبب الرشاد وقامع الشرك ومظهر ما تحت سويداء حبة النفاق محنة لهذا العالم، لحق قبل أن يلاحق، وبرز قبل أن يسابق، جمع العلم والفهم فكان جميع الخيرات لقلبه كنوزا، لا يدخر منها مثقال ذرة إلا أنفقه في بابه فمن ذا يؤمل أن ينال
____________
(1) شرح نهج البلاغة: 3 / 188.
الثاني عشر: ابن أبي الحديد في الشرح عن ابن عباس في حديث طويل يشكو عثمان عليا (عليه السلام) وفي الحديث قال عثمان: يا بن عباس الله يعلم أنك تعلم من علي ما شكوت منه قال: اللهم لا، إلا أن يقول كما يقول الناس ينقم كما ينقمون، فمن أغراك به وأولعك بذكره دونهم فقال عثمان: إنما أفتى من أعظم الداء الذي ينصب نفسه لرأس الأمر وهو علي بن أبي طالب ابن عمك، وهذا والله من نكده وشؤمه قال ابن عباس: مهلا استثن يا أمير المؤمنين قل: إن شاء الله قال: إن شاء الله، ثم قال: إني أنشدك بابن عباس الإسلام والرحم، فقد والله غلبت وابتليت بكم والله لوددت أن هذا الأمر صار إليكم دوني فحملتموه عني وكنت أحد أعوانكم عليه إذا والله لوجدتموني لكم خيرا مما وجدتكم لي، ولقد علمت أن الأمر لكم ولكن قومكم دفعوكم عنه واختزلوه دونكم، فوالله ما أدري أدفعوه منكم أم دفعوكم عنه.
قال ابن عباس: مهلا يا أمير المؤمنين فإنما ننشدك الله والإسلام والرحم مثل ما نشدتنا أن يطمع فيك وفينا عدو أو يشمت بك وبنا حسود إن أمرك إليك ما كان فعلا فإذا صار فعلا فليس إليك ولا في يديك، وإنا والله لنخالفن إن خولفنا ولننازعن إن نوزعنا، ما تمنيك أن يكون الأمر صار إلينا دونك إلا أن يقول قائل منا ما يقوله الناس ويعيب كما عابوا، فأما صرف قومنا عنا الأمر فعن حسد قد والله عرفته، وبغي قد والله علمته فالله بيننا وبين قومنا، وأما قولك: إنك لا تدري أدفعوه عنا أم دفعونا عنه، فلعمري إنك لتعرف أنه لو صار إلينا هذا الأمر ما ازددنا به فضلا ولا قدرا إلى قدرنا وإنا لأهل الفضل وأهل القدر وما فضل فاضل إلا بفضلنا ولا سبق سابق إلا بسبقنا، ولولا هدانا ما اهتدى
____________
(1) الإحتجاج للطبرسي: 1 / 115.
قال ابن عباس: مهلا حتى ألقى عليا ثم أحمل إليك على قدر ما أرى فقال: افعل، فقد فعلت وطال ما طلبت فلا أطلب ولا أجاب ولا أعتب قال ابن عباس: فخرجت فلقيت عليا وإذا به من الغضب والتلظي أضعاف ما بعثمان، فأردت تسكينه فامتنع فأتيت منزلي وأغلقت بابي واعتزلتهما، فبلغ ذلك عثمان فأرسل إلي فأتيته وقد هدأ غضبه فنظر إلي ثم ضحك فقال: يا بن عباس ما أبطأ بك عنا إن تركك العود إلينا لدليل على ما رأيت عند صاحبك وعرفت من حاله، فالله بيننا وبينه، خذ بنا في غير ذلك، قال ابن عباس: فكان عثمان إذا أتاه بعد ذلك عن علي شئ فأردت التكذيب عنه يقول: ولا يوم الجمعة حين أبطأت عنا وتركت العود إلينا فلا أدري كيف أرد عليه(1).
الثالث عشر: ابن أبي الحديد قال: روى الواقدي في كتاب الشورى عن ابن عباس (رحمه الله) قال:
شهدت عتاب عثمان لعلي (عليه السلام) يوما فقال له في بعض ما قال له: نشدتك الله أن تفتح للفرقة بابا فلعهدي بك وأنت تطيع عتيقا وابن الخطاب كطاعتك لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ولست بدون واحد منهما وأنا أمس بك رحما وأقرب إليك صهرا، فإن كنت تزعم أن هذا الأمر جعله رسول الله لك فقد رأيناك حين توفي نازعت ثم أقررت، فإن كانا لم يركبا من الأمر جددا فكيف أذعنت لهما بالبيعة وبخعت بالطاعة؟ وإن كانا أحسنا فيما وليا ولم أقصر عنهما في ديني وحسبي وقرابتي فكن لي كما كنت لهما؟ فقال علي (عليه السلام): أما الفرقة فمعاذ الله أن أفتح لها بابا وأسهل إليها سبيلا ولكني أنهاك عما ينهاك الله ورسوله عنه، وأما عتيق وابن الخطاب فإن كانا أخذا ما جعله رسول الله (صلى الله عليه وآله) لي فأنت أعلم بذلك والمسلمون، وما لي ولهذا الأمر وقد تركته منذ حين؟ فأما أن لا يكون حقي، بل المسلمون فيه شرع فقد أصاب السهم الثغرة، وأما أن يكون حقي دونهم فقد تركته لهم، طبت به نفسا ونفضت يدي منه استصلاحا، وأما التسوية بينك وبينهما فلست كأحدهما، إنهما وليا هذا الأمر فظلفا أهلهما وأنفسهما عنه، وعمت فيه وقومك عوم السايح في اللجة فارجع إلى الله أبا عمرو، وانظر هل بقي من عمرك إلا كظم الحمار؟ فحتى متى؟ وإلى متى؟ ألا تنهي سفهاء بني أمية عن أعراض المسلمين وأبشارهم وأموالهم؟ والله لو ظلم عامل من عمالك حيث تغرب الشمس لكان إثمه مشتركا بينه
____________
(1) شرح نهج البلاغة: 9 / 9.
قال ابن عباس: فقال عثمان: لك العتبى وافعل واعزل من عمالي كل من تكرهه ويكرهه المسلمون ثم افترقا فصده مروان بن الحكم عن ذلك وقال: يجترئ عليك الناس، فلم يعزل أحدا منهم(1).
الرابع عشر: ابن أبي الحديد في الشرح قال عثمان: أنا أخبركم - مخاطبا لعلي وطلحة والزبير وكان معاوية حاضرا - عني وعما وليت، إن صاحبي اللذين كانا قبلي ظلما أنفسهما ومن كان منهما بسبيل احتسابا، وأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يعطي قرابته وأنا في رهط أهل عيلة وقلة معاش فبسطت في شئ من ذلك لما أقوم به فيه، فإن رأيتم خطأ فردوه فأمري لأمركم تبع فقالوا: أصبت وأحسنت، أنك أعطيت عبد الله بن خالد بن أسيد خمسين ألفا وأعطيت مروان خمسة عشر ألفا فاستعدهما منهما فاستعادها فخرجوا راضين(2).
الخامس عشر: محمد بن علي الحكيم الترمذي وهو من أكابر العامة في كتابه في كلام له في فضائل أمير المؤمنين علي (عليه السلام) قال: إذا تحققت هذا فقد تحققت أن له الخلافة الحقيقية اليقينية الأصلية المعنونة، ولهذا جعل رضاه بعد مضي أيام إجماعا على خلافة أبي بكر (رضي الله عنه) يقينيا وكان يأتيه في الحقيقة، ولهذا قال أبو بكر الصديق: أقيلوني فإن عليا أحق مني بهذا الأمر، قال وفي رواية:
كان الصديق (رضي الله عنه) يقول ثلاث مرات: أقيلوني أقيلوني فإني لست بخير منكم وعلي فيكم، وإنما قال ذلك لعلمه بحال علي كرم الله وجهه ومرتبته في الخلافة في الحقية الحقيقية الأصلية اليقينية تخلفا وتحققا وتعقلا وتعلقا(3).
____________
(1) شرح نهج البلاغة: 9 / 15.
(2) شرح نهج البلاغة: 2 / 138.
(3) تفسير القرطبي: 1 / 272، الغدير: 5 / 368 بتفاوت.
الباب الرابع والخمسون
في قول علي أمير المؤمنين (عليه السلام) لأبي بكر أنه ليعلم والذين حوله
إن الله ورسوله لم يستخلفا غيري
ذكر سليم بن قيس في كتابه وهو كتاب مشهور معتمد، نقل منه المصنفون في كتبهم، وهو من التابعين رأى عليا وسلمان وأبا ذر، وفي مطلع كتابه ما هذه صورته: فهذه نسخة كتاب سليم بن قيس الهلالي رفعه إلى أبان بن أبي عياش وقرأه علي وذكر أبان أنه قرأ على علي بن الحسين (عليهما السلام) فقال: صدق سليم هذا حديثنا نعرفه.
قال: سمعت سلمان الفارسي يقول: كنت جالسا بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مرضه الذي قبض فيه فدخلت فاطمة، فلما رأت ما برسول الله (صلى الله عليه وآله) من الضعف خنقتها العبرة حتى جرت دموعها على خديها فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما يبكيك يا بنية؟ قالت: يا رسول الله أخشى على نفسي وعلى ولدي الضيعة من بعدك، فقال رسول الله وقد اغرورقت عيناه بالدموع: يا فاطمة أما علمت أنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وأنه حتم الفناء على جميع خلقه، وإن الله تبارك وتعالى اطلع إلى أهل الأرض فاختارني منها فجعلني رسولا ونبيا، ثم اطلع إلى الأرض ثانية فاختار منها بعلك فأمرني أن أزوجك إياه، وأن أتخذه أخا ووزيرا ووصيا، وأن أجعله خليفتي في أمتي، فأبوك خير أنبياء الله ورسله، وبعلك خير الأوصياء، وأنت أول من يلحق بي من أهلي، ثم اطلع اطلاعة ثالثة فاختارك وأحد عشر من ولدك وولد أخي بعلك منك، فأنت سيدة نساء أهل الجنة وابناك الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأنا وأخي وأوصيائي إلى يوم القيامة كلهم هادون مهديون.
أول الأوصياء بعد أخي الحسن ثم الحسين ثم ولد الحسين في منزل واحد في الجنة. وليس منزل أقرب إلى الله من منزلي ثم منزل إبراهيم وآل إبراهيم، أما تعلمين يا بنية أن من كرامة الله إياك أن زوجك خير أمتي وخير أهل بيتي؟ أقدمهم إسلاما وأعظمهم حلما وأكثرهم علما وأكرمهم نفسا وأصدقهم لسانا وأشجعهم قلبا وأجودهم كفا وأزهدهم في الدنيا وأشدهم اجتهادا، فاستبشرت فاطمة (عليها السلام) بما قال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله) [ وفرحت، ثم قال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): ] يا بنية أن لعلي أخي
قالت: يا رسول الله سيد الشهداء الذين قتلوا معك قال: سيد الأولين والآخرين ما خلا النبيين والوصيين، وجعفر بن أبي طالب ذو الجناحين المضرجين يطير بهما مع الملائكة في الجنة، وابناك الحسن والحسين سبطا أمتي ومنا، والذي نفسي بيده مهدي هذه الأمة يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما قالت: يا رسول الله فأي هؤلاء الذين سميت أفضل؟ فقال: علي أخي أفضل أمتي، وحمزة وجعفر هذان أفضل أمتي بعد علي [ وبعدك ] وبعد ابني وسبطي الحسن والحسين وبعد الأوصياء من ولد ابني هذا، وأشار بيده إلى الحسين (عليه السلام)، منهم المهدي، إنا أهل بيت اختار الله عز وجل لنا الآخرة على الدنيا، ثم نظر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى فاطمة (عليها السلام) وإلى بعلها وإلى ابنيها فقال: يا سلمان اشهدوا الله إني حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم، أما إنهم معي في الجنة ثم أقبل النبي (صلى الله عليه وآله) على علي (عليه السلام) وقال: يا أخي أنك ستلقى بعدي من قريش شدة من تظاهرهم عليك وظلمهم لك، فإن وجدت أعوانا عليهم فجاهدهم وقاتل من خالفك بمن وافقك، وإن لم تجد أعوانا فاصبر وكف يدك ولا تلق بها إلى التهلكة، فإنك بمنزلة هارون من موسى ولك بهارون أسوة حسنة أنه قال لموسى: إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني(1).
قال سلمان: فلما أن قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) وصنع الناس ما صنعوا جاء لهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح وخاصموا الأنصار بحجة علي فخصموهم فقالوا: يا معاشر الأنصار قريش أحق بالأمر منكم لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) من قريش والمهاجرون خير منكم لأن الله سبحانه بدأ بهم في كتابه وفضلهم، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الأئمة من قريش، قال سلمان: فأتيت عليا (عليه السلام) وهو يغسل رسول الله وقد كان أوصى عليا (عليه السلام) أن لا يلي غسله إلا هو فقال: يا رسول الله ومن يعينني عليك؟ فقال
____________
(1) كتاب سليم بن قيس: 132 - 135 مع تفاوت بالنقص القليل.
قال: لست أسألك عن هؤلاء ولكن هل تدري أول من بايعه حين صعد المنبر؟ قال: لا، ولكني رأيت شيخا كبيرا متوكيا على عصا، بين عينيه سجادة، شديد التشمير، صعد المنبر أول من صعد وهو يبكي وهو يقول: الحمد لله الذي لم يمتني حتى رأيتك في هذا المكان، ابسط يدك، فبسط يده فبايعه ثم نزل فخرج من المسجد فقال علي (عليه السلام): وهل تدري يا سلمان من هو؟
قلت: لا، وقد ساءتني مقالته كأنه شامت بموت رسول الله (عليه السلام)، قال علي (عليه السلام): فإن ذلك إبليس لعنة الله عليه، إن إبليس وأصحابه شهدوا نصب رسول الله (صلى الله عليه وآله) إياي بغدير خم لما أمره الله تعالى وأخبرهم إني أولى بهم من أنفسهم وأمرهم أن يبلغ الشاهد الغائب، فأقبل إلى إبليس أبالسته ومردة أصحابه فقالوا: إن هذه الأمة مرحومة معصومة لا لك ولا لنا عليهم سبيل، قد أعلموا مقرهم وإمامهم بعد نبيهم فانطلق إبليس آيسا حزينا.
قال: فأخبرني رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد ذلك وقال: تبايع الناس أبا بكر في ظلة بني ساعدة حتى بعد تخاصمهم بحقنا وحجتنا، ثم يأتون المسجد فيكون أول من يبايعه على منبري إبليس في صورة شيخ كبير مغمر يقول له كذا وكذا، ثم يخرج فيجمع أصحابه وشياطينه وأبالسته فيخرون سجدا، فيحث ويكسع ثم يقول: كلا زعمتم أن ليس لي عليهم سلطان ولا سبيل، فكيف رأيتموني صنعت بهم حين تركوا ما أمرهم الله به من طاعته وأمرهم به رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وذلك قول الله تعالى: * (ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين) * قال سلمان: فلما كان الليل حمل فاطمة على حمار وأخذ بيد الحسن والحسين (عليهما السلام) فلم يدع أحدا من أهل بدر من المهاجرين ولا من الأنصار إلا أتاه في منزله وذكره حقه ودعاه إلى نصرته، فما استجاب له إلا أربعة وأربعون رجلا، فأمرهم أن
[ فقلت لسلمان: من الأربعة؟ ]
قال: أنا وأبو ذر والمقداد والزبير بن العوام ثم غادرهم ليلا يناشدهم فقالوا: نصحبك بكرة فما أتاه منهم أحد غيرنا، فلما رأى علي غدرهم وقلة وفائهم لزم بيته وأقبل على القرآن يؤلفه ويجمعه، فلم يخرج من بيته حتى جمعه، وكان في المصحف القرطاس والاسيار والرقاع، فلما جمعه كله كتبه [ بيده ] على تنزيله والناسخ منه والمنسوخ، وبعث إليه أبو بكر أن أخرج فبايع فبعث إليه علي (عليه السلام) إني مشغول ولقد آليت على نفسي يمينا أن لا أرتدي برداء إلا للصلاة حتى أؤلف القرآن فأجمعه، فجمعه في ثوب واحد وختمه، ثم خرج إلى الناس وهم مجتمعون مع أبي بكر في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فنادى بأعلى صوته: يا أيها الناس إني لم أزل منذ قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) مشغولا بغسله ثم بالقرآن حتى جمعته كله في هذا الثوب الواحد، فلم ينزل الله تعالى على رسوله آية منه إلا وقد جمعتها، وليست منه آية إلا وقد أقرأني إياها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلمني تأويلها ثم قال لهم علي لئلا تقولوا يوم القيامة إني لم أدعكم إلى نصرتي ولم أذكركم حقي، فأدعوكم إلى كتاب الله من فاتحته إلى خاتمته.
فقال عمر: ما أغنانا بما معنا من القرآن عما تدعونا إليه، ثم دخل علي (عليه السلام) بيته فقال عمر لأبي بكر: أرسل إلى علي (عليه السلام) فلسنا في شئ حتى يبايع ولو قد بايع أمناه، فأرسل أبو بكر: أجب خليفة رسول الله فأتاه الرسول فقال له ذلك فقال له علي (عليه السلام): ما أسرع ما كذبتم على رسول الله، إنه ليعلم والذين حوله أن الله ورسوله لم يستخلفا غيري فذهب الرسول فأخبره بما قال له فقال: اذهب فقل له: أجب أمير المؤمنين أبا بكر، فأتاه فأخبره بذلك فقال له علي (عليه السلام): سبحان الله، والله ما طال العهد فينسى، فوالله إنه ليعلم أن هذا الاسم لا يصلح إلا لي، وقد أمره رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو سابع سبعة فسلموا عليه بإمرة المؤمنين فاستفهمه هو وصاحبه ومن بين السبعة وقالا: أحق من الله ورسوله؟
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): نعم حقا حقا من الله ومن رسوله إنه أمير المؤمنين وسيد المسلمين وصاحب لواء الغر المحجلين، يقعده الله عز وجل يوم القيامة على الصراط فيدخل أولياءه الجنة وأعداءه النار فانطلق الرسول فأخبره بما قال، فسكتوا عنه يومهم ذلك، فلما كان الليل حمل علي (عليه السلام) فاطمة (عليها السلام) وأخذ بيد ابنيه الحسن والحسين فلم يدع أحدا من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا أتاه في منزله فناشدهم الله حقه ودعاهم إلى نصرته، فما استجاب له منهم أحد غير الأربعة، فإنا
قال: نرسل إليه قنفدا، رجلا فظا غليظا جافيا من الطلقاء أحد بني عدي بن كعب، فأرسله إليه وأرسل معه أعوانا فانطلق فاستأذن عليا (عليه السلام) فأبى أن يأذن لهم فرجع أصحاب قنفذ إلى أبي بكر وعمر وهما في المسجد والناس حولهما فقالوا، لم يؤذن لنا فقال عمر: اذهبوا فإن أذن لكم وإلا فادخلوا عليه من غير إذن، فانطلقوا فاستأذنوا فقالت فاطمة (عليها السلام): أحرج عليكم أن تدخلوا علي بيتي فرجعوا فثبت قنفذ الملعون.
فقال: إن فاطمة قالت كذا وكذا فتحرجنا أن ندخل عليها بيتها من غير إذن فغضب عمر فقال:
ما لنا وللنساء، ثم أمر أناسا حوله يحملون حطبا فحملوا الحطب وحمل عمر معهم فجعلوه حول بيت علي (عليه السلام) وفيه علي وفاطمة وابناهما صلوات الله عليهم، ثم نادى عمر حتى أسمع عليا وفاطمة: والله لتخرجن ولتبايعن خليفة رسول الله وإلا أضرمت عليك بيتك نارا، ثم رجع قنفد إلى أبي بكر وهو متخوف أن يخرج علي إليه بسيفه لما يعرف من بأسه وشدته فقال أبو بكر لقنفد:
ارجع فإن خرج وإلا فاهجم عليه بيته، فإن امتنع فاضرم عليهم بيتهم نارا، فانطلق قنفد الملعون فاقتحم هو وأصحابه بغير إذن، وسار علي (عليه السلام) إلى سيفه فسبقه إليه وهم كثيرون، فتناول بعضهم سيفه وكاثروه فألقوا في عنقه حبلا وحالت بينهم وبينه فاطمة عند باب البيت، فضربها قنفذ لعنه الله بسوط كان معه، فماتت صلوات الله عليها وإن في عضدها مثل الدماليج من ضربته لعنة الله عليه ولعن من بعث به، ثم انطلق به يعتل عتلا حتى انتهى إلى أبي بكر بالسيف وخالد بن الوليد وأبو عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل والمغيرة بن شعبة وأسد بن حصين وبشر بن سعد وسائر الناس حولهم عليهم السلاح.
قال: قلت لسلمان: أدخلوا على فاطمة بغير إذن؟ قال: أي والله ما عليها خمار فنادت وا أبتاه وا رسول الله يا أبتاه، لبئس ما خلفك أبو بكر وعمر وعيناك لم تنفقأ في قبرك، تنادي بأعلى صوتها، فلقد رأيت أبا بكر ومن حوله يبكون وينتحبون، وما فيهم إلا باك غير عمر وخالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة، وعمر يقول: إنا لسنا من النساء ورأيهن في شئ، فانتهوا به إلى أبي بكر وهو يقول: أما
فقال له علي (عليه السلام): إن أنا لم أبايع فما أنتم صانعون؟
قالوا: نقتلك ذلا وصغارا، فقال: إذا تقتلون عبد الله وأخا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال أبو بكر: أما عبد الله فنعم، وأما أخو رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلا نعرفك بهذا، فقال: أتجحد أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) آخى بيني وبينه؟
قال: نعم، فأعاد عليه ذلك ثلاث مرات، ثم أقبل علي (عليه السلام) فقال: يا معاشر المسلمين والمهاجرين والأنصار أنشدكم الله، أسمعتم رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول يوم غدير خم كذا وكذا، وفي غزوة تبوك كذا وكذا فلم يدع شيئا قال فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) علانية للعامة إلا ذكرهم إياه.
قالوا: اللهم نعم، فلما أن تخوف أبو بكر أن تنصره الناس وأن يمنعوه منه بادرهم فقال له: كلما قلت: حق قد سمعناه بأذاننا وعرفناه ووعته قلوبنا ولكن سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول بعد هذا: إنا أهل بيت اصطفانا الله تعالى واختار لنا الآخرة على الدنيا، فإن الله لم يكن ليجمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة، فقال علي (عليه السلام): هل أحد من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) شهد هذا معك؟
فقال عمر: صدق خليفة رسول الله قد سمعته منه كما قال، قال: وقال أبو عبيدة وسالم مولى حذيفة ومعاذ بن جبل قد سمعنا ذلك من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال لهم علي (عليه السلام): لقد وفيتم بصحيفتكم التي تعاهدتم عليها في الكعبة، إن قتل الله محمدا أو مات لتزوون هذا الأمر عنا أهل البيت.
فقال أبو بكر: فما علمك بذلك؟ أطلعناك عليها فقال علي (عليه السلام): يا زبير وأنت يا سلمان وأنت يا أبا ذر وأنت يا مقداد أسألكم بالله وبالإسلام، أسمعتم رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول ذلك: وأنتم لتسمعون أن فلانا وفلانا - عد هؤلاء الأربعة(1) - قد كتبوا بينهم كتابا وتعاهدوا فيه وتعاقدوا أيمانا على ما صنعوا، إن قتلت أو مت أن يتظاهروا عليك وأن يزووا عنك هذا الأمر يا علي قلت: بأبي أنت يا رسول الله فما تأمرني إذا كان ذلك؟ فقال لي: إن وجدت عليهم أعوانا فجاهدهم ونابذهم وإن لم تجد أعوانا فبايع وأحقن دمك فقال: أما والله لو أن أولئك الأربعين الرجل الذين بايعوني وفوا لي لجاهدتكم
____________
(1) في المصدر: الخمسة.