الحادي والأربعون: أمالي الشيخ بهذا الإسناد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا كان يوم القيامة وفرغ الله من حساب الخلائق دفع الخالق عز وجل مفاتيح الجنة والنار إلي فأدفعها إليك فأقول لك: احكم، قال علي: والله إن للجنة إحدى وسبعين بابا يدخل من سبعين منها شيعتي وأهل بيتي ومن باب واحد سائر الناس(2).
الثاني والأربعون: الشيخ في كتاب المجالس قال: أخبرنا جماعة عن أبي المفضل قال: حدثنا أبو الطيب محمد بن الحسين بن حميد بن الربيع اللخمي الكوفي ببغداد قال: حدثنا أبو عبد الله جعفر بن عبد الله بن جعفر العلوي المحمدي قال: حدثنا نوح بن دراج القاضي عن ثابت بن أبي صفية قال: حدثني يحيى بن أم الطويل أنه أخبره عن نوف بن عبد الله البكالي قال: قال لي علي (عليه السلام):
يا نوف خلقنا من طينة طيبة وخلق شيعتنا من طينتنا فإذا كان يوم القيامة ألحقوا بنا.
قال نوف: فقلت له: صف شيعتك يا أمير المؤمنين؟ فبكى لذكري شيعته ثم قال: يا نوف شيعتي والله الحكماء العلماء بالله ودينه العاملون بطاعته وأمره المهتدون بحبه أنضاء عبادة، أحلاس زهادة(3) صفر الوجوه من التهجد عمش العيون من البكاء ذبل الشفاه من الذكر خمص البطون من الطوى، تعرف الرهبانية في وجههم والرهبانية في سمتهم مصابيح كل ظلمة وريحان كل قبيل، لا يثنون من المسلمين سلفا ولا يقفون لهم خلفا، شرورهم مكنونة وقلوبهم محزونة وأنفسهم عفيفة وحوائجهم خفيفة، أنفسهم منهم في عناء والناس منهم في راحة فهم الكاسة الألباء والخاصة النجباء، وهم الرواغون فرارا بدينهم إن شهدوا لهم لم يعرفوا وإن غابوا لم يفتقدوا، أولئك شيعتي الأطيبون وإخواني الأكرمون ألا ها شوقا إليهم(4).
الثالث والأربعون: أمالي ابن بابويه قال: حدثنا الحسن بن عبد الله بن سعيد قال: أخبرنا عمر بن أحمد بن حمدان القشيري قال: حدثنا المغيرة بن محمد بن المهلب قال: حدثنا عبد الغفار بن محمد بن كثير الكلابي الكوفي عن عمرو بن ثابت عن جابر بن أبي جعفر محمد بن علي عن علي ابن الحسين عن أبيه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): حبي وحب أهل بيتي نافع في سبعة مواطن أهوالهن عظيمة: عند الوفاة وفي القبر وعند النشور وعند الكتاب وعند الحساب وعند الميزان وعند الصراط(5).
____________
(1) أمالي الطوسي: 366 ح 779.
(2) أمالي الطوسي: 369 ح 784.
(3) الانضاء: جمع نضو وهو المهزول، والزهادة: الملازم للزهد في بيته.
(4) أمالي الطوسي: 576 ح 1189.
(5) أمالي الصدوق: 60 ح 17.
الخامس والأربعون: أمالي ابن بابويه قال: حدثنا محمد بن إبراهيم قال: حدثنا أبو جعفر محمد ابن جرير الطبري قال: حدثني أبو محمد الحسن بن عبد الواحد الخزاز قال: حدثني إسماعيل بن علي السدي عن منيع بن الحجاج عن عيسى بن موسى عن جعفر الأحمر عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليهم السلام) قال: سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا كان يوم القيامة تقبل ابنتي فاطمة (عليها السلام) على ناقة من نوق الجنة مدبجحة الجنبين خطامها من لؤلؤ رطب قوائمها من الزمرد الأخضر ذنبها من المسك الأذفر عيناها ياقوتتان حمراوان، عليها قبة من نور يرى باطنها من ظاهرها وظاهرها من باطنها، داخلها عفو الله وخارجها رحمة الله، على رأسها تاج من نور للتاج سبعون ركنا كل ركن مرصع بالدر والجوهر والياقوت يضئ كما يضئ الكوكب الدري في أفق السماء، وعن يمينها سبعون ألف ملك وعن يسارها سبعون ألف ملك وجبريل آخذ بخطام الناقة ينادي بأعلى صوته: غضوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة بنت محمد، فلا يبقى يومئذ نبي ولا رسول ولا صديق ولا شهيد إلا غضوا أبصارهم حتى تجوز فاطمة فتسير حتى تحاذي عرش ربها جل جلاله فترمي بنفسها عن ناقتها وتقول: إلهي وسيدي احكم بيني وبين من ظلمني اللهم احكم بيني وبين من قتل أولادي فإذا النداء من قبل الله عز وجل: حبيبتي وابنة حبيبي سليني تعطي واشفعي تشفعي فوعزتي وجلالي لا جازني ظلم ظالم، فتقول: إلهي
____________
(1) أمالي الصدوق: 66 ح 32.
أين ذرية فاطمة وشيعتها ومحبوها ومحبوا ذريتها، فيقبلون وقد أحاط بهم ملائكة الرحمة فتقدمهم فاطمة (عليها السلام) حتى تدخلهم الجنة(1).
السادس والأربعون: أمالي ابن بابويه قال: حدثنا حمزة بن محمد بن أحمد بن جعفر بن محمد ابن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب قال: أخبرنا علي بن إبراهيم عن أبيه عن علي بن معبد عن الحسين بن خالد عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أحب أن يركب سفينة النجاة ويستمسك بالعروة الوثقى ويعتصم بحبل الله المتين فليوال عليا بعدي وليعاد عدوه وليأتم بالأئمة الهداة من ولده، فإنهم خلفائي وأوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي وسادة أمتي وقادة الأتقياء إلى الجنة، حزبهم حزبي وحزبي حزب الله وحزب أعدائهم حزب الشيطان(2).
السابع والأربعون: أمالي ابن بابويه قال: حدثنا محمد بن أحمد السناني (رضي الله عنه) قال: حدثنا محمد ابن أبي عبد الله الكوفي قال: حدثنا موسى بن عمران النخعي عن عمة الحسين بن يزيد عن علي ابن سالم عن أبيه عن أبان بن عثمان عن أبان بن تغلب عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قال الله جل جلاله: لو اجتمع الناس كلهم على ولاية علي لما خلقت النار(3).
الثامن والأربعون: كتاب تحفة الإخوان نقل عن كتاب بشارة المصطفى لشيعة علي المرتضى بحذف الإسناد قال: دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فرحا مسرورا مستبشرا فسلم عليه فرد (عليه السلام) فقال علي (عليه السلام): يا رسول الله ما رأيتك أقبلت علي مثل هذا اليوم؟
فقال: حبيبي وقرة عيني أتيتك أبشرك: إعلم أن هذه الساعة نزل علي جبرئيل الأمين وقال:
الحق جل جلاله يقرئك السلام ويقول لك: بشر عليا (عليه السلام) أن شيعته الطائع والعاصي [ منهم ] من أهل الجنة، فلما سمع مقالته خر لله ساجدا فلما رفع رأسه رفع يديه إلى السماء ثم قال: اشهدوا الله على أني قد وهبت لشيعتي نصف حسناتي، فقالت فاطمة الزهراء: يا رب اشهد علي بأني قد وهبت لشيعة علي بن أبي طالب نصف حسناتي، قال الحسن (عليه السلام): يا رب اشهد علي أني قد وهبت لشيعة علي بن أبي طالب نصف حسناتي، قال الحسين (عليه السلام): يا رب اشهد أني قد وهبت لشيعة علي بن أبي طالب نصف حسناتي، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): ما أنتم بأكرم مني اشهد علي يا رب
____________
(1) أمالي الصدوق: 69 ح 36.
(2) أمالي الصدوق: 70 ح 37.
(3) أمالي الصدوق: 755 ح 1016.
التاسع والأربعون: أيضا في تحفة الإخوان قال النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي بن أبي طالب (عليه السلام): إذا كان يوم القيامة يؤتى بك على نجيب من نور وعلى رأسك تاج قد أضاء نوره يكاد يخطف أبصار أهل الجمع والموقف وإذا النداء من قبل الله تعالى العلي الأعلى: أين خليفة محمد المصطفى؟ فتقول أنت: ها أنا، قال: فينادي مناد من قبل الله تعالى: يا علي أدخل من أحبك الجنة وأدخل من عاداك النار: يا علي أنت قسيم الجنة والنار(2).
الخمسون: ابن بابويه قال: حدثنا محمد بن عبد الله الشيباني (رحمه الله) قال: حدثنا جعفر بن محمد بن جعفر الحسيني قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن عبد المنعم الصيداوي قال: حدثنا المفضل بن صالح عن أبان بن تغلب عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) قال: سألته عن الأئمة (عليهم السلام) قال: والله لعهد عهده إلينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن الأئمة بعده اثني عشر تسعة من صلب الحسين (عليه السلام)، ومنا المهدي الذي يقيم الدين في آخر الزمان، من أحبنا حشر من حفرته معنا ومن أبغضنا أو ردنا أو رد واحدا منا حشر من حفرته إلى النار(3).
الحادي والخمسون: ابن بابويه قال: أخبرني القاضي أبو الفرج المعافى بن زكريا البغدادي قال:
حدثني أبو الحسن علي بن عقبة القاضي قال: حدثنا محمد بن إسحاق الأنصاري قال: حدثنا عبد الله بن مروان بن معاوية قال: حدثني سداد بن عبد الرحمن من أهل بيت المقدس قال: حدثني إبراهيم بن أبي عيلة عن واثلة بن الأصقع قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): حبي وحب أهل بيتي نافع في سبعة مواضع أهوالهن عظيمة: عند الوفاة والقبر وعند النشور وعند الكتاب وعند الحساب وعند الميزان وعند الصراط فمن أحبني وأحب أهل بيتي واستمسك بهم من بعدي فنحن شفعاؤه يوم القيامة، فقيل: يا رسول الله وكيف الاستمساك بهم؟ فقال: إن الأئمة من بعدي اثنا عشر فمن أحبهم واقتدى بهم فاز ونجا ومن تخلف عنهم ضل وغوى(4).
الثاني والخمسون: تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) أبي محمد في تفسير قوله تعالى: *(الرحمن الرحيم)* قال: قوله (الرحيم) فإن أمير المؤمنين قال: رحيم بعباده المؤمنين ومن رحمته أنه خلق
____________
(1) كتاب الأربعين للماحوزي: 107، والمناقب المرتضوية: 206، ومستدرك سفينة البحار: 6 / 116.
(2) البحار: 32 / 358 ح 227.
(3) أمالي الصدوق: 442 ح 590.
(4) البحار: 32 / 322 ح 177.
وما ذكرنا في هذا الباب من طريق الأصحاب فيه كفاية ومن أراد الزيادة في ذلك فعليه بكتابنا كتاب: فضل الشيعة وكتاب: بشارات الشيعة لابن بابويه فإن فيهما ما لا مزيد عليه.
____________
(1) تفسير الإمام العسكري: 38 / 13.
الباب الثالث والسبعون
في جرأة عمر بن الخطاب على رسول الله
حين علم عمر أنه (صلى الله عليه وآله) أراد أن ينص على علي (عليه السلام)
بأنه صاحب الأمر بعده (صلى الله عليه وآله) في مرضه وقال إنه (صلى الله عليه وآله) يهجر
الأول: ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة وهو من أعيان علماء العامة من المعتزلة قال: روى ابن عباس (رحمه الله) قال: دخلت على عمر في أول خلافته وقد ألقي له صاع من تمر على خصفة فدعاني إلى الأكل فأكلت تمرة واحدة وأقبل يأكل حتى أتى عليه، ثم شرب من جرة كانت عنده واستلقى على مرفقة له وطفق يحمد الله يكرر ذلك ثم قال: من أين جئت يا عبد الله؟ قلت: من المسجد، قال:
كيف خلفت ابن عمك؟ فظننته يعني عبد الله بن جعفر، قلت: خلفته يلعب مع أترابه، قال: لم أعن ذلك إنما عنيت عظيمكم أهل البيت، قلت: خلفته يمتح بالغرب على نخيلات من فلان ويقرأ القرآن، قال: يا عبد الله عليك دماء البدن إن كتمتنيها هل بقي في نفسه شئ من أمر الخلافة؟ قلت:
نعم، قال: أيزعم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نص عليه؟ قلت: نعم وأزيدك سألت أبي عما يدعيه فقال:
صدق، فقال عمر: لقد كان من رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أمره زورا من قول لا يثبت حجة ولا يقطع عذرا، ولقد كان يرتع في أمره وقتا ما ولقد أراد في مرضه أن يصرح باسمه فمنعت من ذلك إشفاقا وحيطة على الإسلام، لا ورب هذه البنية لا تجتمع عليه قريش أبدا ولو وليها لانتقضت عليه العرب من أقطارها فعلم رسول الله (صلى الله عليه وآله) أني علمت ما في نفسه فأمسك وأبى الله إلا إمضاء ما حتم.
ذكر هذا الخبر أحمد بن أبي طاهر صاحب تاريخ بغداد في كتابه مسندا. إلى هاهنا كلام ابن أبي الحديد(1).
الثاني: ابن أبي الحديد قال في الشرح قال: روى ابن عباس قال: خرجت مع عمر إلى الشام في إحدى خرجاته فانفرد يوما يسير على بعيرة فاتبعته فقال لي: يا بن عباس أشكو إليك ابن عمك سألته أن يخرج معي فلم يفعل ولم أزال أراه واجدا فما تظن موجدته؟ قلت: يا أمير المؤمنين إنك
____________
(1) شرح نهج البلاغة: 12 / 20.
وقد روى معنى هذا الخبر بغير هذا اللفظ وهو قوله: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أراد أن يذكر له الأمر في مرضه فصددته عنه خوفا من الفتنة وانتشار أمر الإسلام فعلم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما في نفسي فأمسك وأبى الله إلا إمضاء ما حتم إلى هنا كلام ابن أبي الحديد(1).
قال مؤلف هذا الكتاب: الذي رواه ابن أبي الحديد ورواه عن غيره يدل على كفر عمر بن الخطاب حيث جعل مراد الله عز وجل غير مراد رسوله ومراد رسوله غير مراد الله تعالى لأن كل ما أراده الله أراده رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمر الله تعالى وأمر رسوله واحد وطاعتهم واحدة، قال الله تعالى:
*(من يطع الرسول فقد أطاع الله)*(2) وقال تعالى: *(إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله)*(3).
وقال سبحانه: *(وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى)*(4) وقال جل وعلا: *(وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)*(5) فكيف عمر بن الخطاب يفرق بين الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله) فكفر عمر بذلك. قال الله جل جلاله: *(إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقا واعتدنا للكافرين عذابا مهينا)*(6).
الثالث: ابن أبي الحديد في الشرح بعد أن ذكر أحاديث فيها النص على أمير المؤمنين (عليه السلام) بالإمامة والخلافة من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال ابن أبي الحديد: سألت النقيب أبا جعفر يحيى بن محمد ابن أبي زيد وقد قرأت عليه هذه الأخبار فقلت له: ما أراها إلا تكاد تكون دالة على النص ولكني أستبعد أن يجتمع الصحابة على دفع نص رسول الله (صلى الله عليه وآله) على شخص بعينه، كما استبعدنا من الصحابة على رد نصه على الكعبة وشهر رمضان وغيرهما من معالم الدين، فقال رحمه الله: أبيت إلا ميلا إلى المعتزلة(7).
ثم نقل ابن أبي الحديد عن أبي جعفر هذا أحاديث مما رده عمر بن الخطاب على رسول
____________
(1) شرح نهج البلاغة: 12 / 78.
(2) النساء: 80.
(3) الفتح: 10.
(4) النجم: 3.
(5) الحشر: 7.
(6) النساء: 150 - 151.
(7) شرح نهج البلاغة: 12 / 82.
قال ابن أبي الحديد عقيب ذلك: وقد ذكرت في هذا الفصل خلاصة ما حفظت عن النقيب أبي جعفر ولم يكن إمامي المذهب ولا كان يبرء من السلف الصالح ولا يرتضي قول المسرفين من الشيعة ولكنه كلام أجراه على لسانه البحث والجدل بيني وبينه، على أن العلوي لو كان كراميا لا بد أن يكون عنده نوع من تعصب وميل على الصحابة، وكان النقيب أبو جعفر (رحمه الله) غزير العلم صحيح العقل منصفا في الجدال غير متعصب للمذهب وإن كان علويا وكان يعترف بفضل الصحابة ويثني على الشيخين(2).
قال مؤلف هذا الكتاب: انظر إلى ما ذكرناه عن أبي الحديد وما نقله عن أبي جعفر يطلعك على فساد ما أصلوا عليه من مذهب العامة من إنكارهم النص على أمير المؤمنين (عليه السلام) من رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع علمهم بالنص عليه بالإمامة والخلافة واتبعوا أهوائهم فبعدا للقوم الظالمين.
الرابع: ابن أبي الحديد في الشرح قال: قال أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال: حدثنا الحسن بن الربيع عن عبد الرحمان عن معمر عن الزهري عن علي بن عبد الله بن العباس عن أبيه
____________
(1) أي قول عمر الآتي: إنه يهجر.
(2) شرح نهج البلاغة: 12 / 90.
قال ابن أبي الحديد: قلت هذا الحديث قد خرجه الشيخان محمد بن إسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج القشيري في صحيحهما(1) واتفق المحدثون كافة على روايته.
إلى هنا كلام ابن أبي الحديد(2).
الخامس: ابن أبي الحديد في الشرح قال: في الصحيحين خرجاه معا رحمهما الله عن ابن عباس أنه كان يقول يوم الخميس وما يوم الخميس ثم بكى حتى بل دمعه الحصى، فقلنا: يا بن عباس ما يوم الخميس؟ قال: اشتد على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وجعه فقال: إئتوني بكتاب أكتبه لكم لا تضلوا بعدي أبدا فتنازعوا فقال إنه لا ينبغي عندي تنازع فقال قائل: ما شأنه أهجر استفهموه، فذهبوا يعيدون عليه فقال: دعوني بالذي أنا فيه خير من الذي أنتم فيه، ثم أمر بثلاثة أشياء فقال: اخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم، وسئل ابن عباس عن الثالثة فقال: إما أن لا يكون تكلم بها وإما أن يكون قالها فنسيت(3).
السادس: ابن أبي الحديد في الشرح قال: وفي الصحيحين أيضا خرجاه معا عن ابن عباس (رحمه الله) قال: لما احتضر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفي البيت رجال منهم عمر بن الخطاب فقال النبي (صلى الله عليه وآله): أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا، فقال عمر: إن رسول الله قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله، فاختلف القوم واختصموا فمنهم من يقول قربوا إليه يكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول: القول ما قاله عمر، فلما أكثروا اللغو والاختلاف عنده (صلى الله عليه وآله) قال لهم: قوموا، فقاموا وكان ابن عباس يقول: الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب(4).
____________
(1) صحيح البخاري: 5 / 138 و 7 / 9 كتاب المرض والطب ط. دار الفكر بيروت المصورة عن استانبول 1401 هـ، وصحيح مسلم بشرح النووي: 5 / 76 و 11 / 89 ط. دار الكتاب العربي 1407 هـ.
(2) شرح نهج البلاغة: 6 / 51.
(3) شرح نهج البلاغة: 2 / 54 - 55.
(4) شرح نهج البلاغة: 2 / 55.
قالوا: ما شأنه أهجر استفهموه، فذهبوا يعيدون عليه فقال: دعوني فما أنا فيه خير مما تدعوني إليه، ثم أوصى بثلاث قال: اخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد مما كنت أجيزهم، وسكت عن الثالثة عمدا أو قالها ونسيتها(1).
الثامن: ابن أبي الحديد قال: وكان في ألفاظ عمر وأخلاقه جفاء وعنجهية ظاهرة يحسب لها السامع أنه أراد بها ما لم يكن قد أراد، ويتوهم من يحكي له أنه قصد بها ظاهرا ما لم يقصد، فمنها الكلمة التي قالها في مرض رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومعاذ الله أن يقصد بها ظاهرها، ولكنه أرسلها على مقتضى خشونة غريزته ولم يتحفظ منها، وكان الأحسن أن يقول مغمور أو مغلوب بالمرض، وحاشاه أن يعني بها غير ذلك(2).
قال: وما روي من قول عمر: كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرها ومن عاد إلى مثلها فاقتلوه قال: إعلم أن هذه اللفظة من عمر مناسبة للفظات كثيرة كان (رضي الله عنه) يقولها بمقتضى ما جبله الله تعالى عليه من غلظ الطينة وجفاء الطبيعة ولا حيلة له فيها، لأنه مجبول عليها لا يستطيع تغييرها ولا ريب عندنا أنه كان يتعاطى أن يتلطف وأن يخرج ألفاظه مخارج حسنة لطيفة فينزع به الطبع الجاسي والغريزة الغليظة إلى أمثال هذه اللفظات ولا يقصد بها شرا ولا يريد به ذما ولا تخطئة كما قدمنا من قبل في اللفظة التي قالها في مرض رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكاللفظات التي قالها عام الحديبية وغير ذلك، والله تعالى لا يجازي المكلف إلا بما نواه، ولقد كانت نيته من أطهر النيات وأخلصها لله تعالى(3).
قال مؤلف هذا الكتاب: لقد غلا ابن أبي الحديد في عمر بن الخطاب وتعصب فيه أتم التعصب وخرج عن مذهب الاعتزال من أن فعال العباد منهم لا من الله ودخل في مذهب المجبرة أن العبد لا فعل له ولا قدرة له على فعله، وعندهم أن المكلف لا اختيار له في أفعاله كالحجر إن حركته تحرك، وإنما قلنا ذلك في ابن أبي الحديد لأنه قال في الاعتذار عن عمر في قوله لرسول الله (صلى الله عليه وآله)
____________
(1) شرح نهج البلاغة: 13 / 30.
(2) شرح نهج البلاغة: 1 / 180.
(3) شرح نهج البلاغة: 2 / 27.
قال ابن أبي الحديد في الشرح بعد طعن أبي لؤلؤة من أمر الشورى: فإن ذلك كان سبب كل فتنة وقعت وتقع إلى أن تنقضي الدنيا وقد شرحنا ما أدى إليه من أمر الشورى من الفساد بما حصل في نفس كل واحد من الستة من ترشيحه للخلافة. إلى هنا كلام ابن أبي الحديد بلفظه(1).
التاسع: ومن كتاب سير الصحابة لبعض رجال العامة ما هذا لفظه في مطلع كتابه: بسم الله الرحمن الرحيم ما جاء في مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ومن أخبار النبي صلوات الله عليهما وعلى عترتهما أجمعين قال النبي (صلى الله عليه وآله): سيظهر في الإسلام من الفرق ما ظهر في الأديان من قبلها فأما اليهود فإنها افترقت على إحدى وسبعين فرقة وافترقت النصارى اثنتين وسبعين فرقة وستفترق أمتي من بعدي ثلاثا وسبعين فرقة جميعها في النار غير واحدة ناجية.
فقيل له: يا رسول الله من الفرقة الناجية؟
فقال: من كان على ما أنا عليه وأهل بيتي ومن قام على عهدي بعد وفاتي، فقال حذيفة بن اليمان: يا رسول الله هل يتبعون شيئا غيرك؟ قال: نعم يا حذيفة تظهر من بعدي طوائف ثلاث وهم الناكثون والقاسطون والمارقون فهؤلاء وأتباعهم - وأيم الله تعالى - أهل النار، وهم اثنان وسبعون فرقة وستختلف أصحابي من طرق شتى، ثم أخذ المصنف في ذكر الاختلاف إلى أن قال:
والخلاف الثاني في بيت النبي (صلى الله عليه وآله) فيما أخبر به محمد بن أبي عمر قال، حدثني سفيان بن عيينة عن عمر بن دينار عن عكرمة قال: سمعت عبد الله بن عباس يقول: يوم الاثنين وما يوم الاثنين وهملت عيناه فقيل له: يا بن عباس وما يوم الاثنين؟ قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) في غمرات الموت فقال: إئتوني بصحيفة ودواة أكتب لكم كتابا لا تضلون بعدي أبدا فتنازعوا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولم يجز عنده التنازع، وقال رجل من القوم: إن الرجل ليهجر، فغضب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمر بإخراجه وإخراج صاحبه ثم أتوه بالصحيفة والدواة فقال: بعدما قال قائلكم ما قال!؟ ثم قال: ما أنا فيه خير مما تدعوني إليه(2).
العاشر: صاحب كتاب سير الصحابة أيضا عن أبي إسحاق أخبرنا سعيد بن منصور البلخي قال:
____________
(1) شرح نهج البلاغة: 2 / 27.
(2) مكاتيب الرسول: 3 / 697 عن المصنف.
اشتد المرض برسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: إئتوني بدواة وبياض أكتب لكم كتابا لئلا تضلوا بعدي أبدا، قال:
فتنازعوا ولا ينبغي التنازع عند رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقال رجل منهم: ما شأنه يهجر استفهموه، فسمع فقال: دعوني فالذي أنا فيه خير(1).
الحادي عشر: صاحب سير الصحابة قال: حدثنا حماد بن عبد الله عن هشام بن سعيد عن بريد ابن أسلم قال حماد: لا أعلم إلا عن أبيه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إئتوني بصحيفة ودواة أكتب لكم كتابا لن تضلون بعدي، فقالت النسوة: ائتوا رسول الله بما طلب فقام إنسان ليأتي به إذ غمي عليه فلما أفاق قال [ عمر ]: تبكون! إذا صح ركبتم عنقه عند مرضه وخالفتموه في حياته(2)، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون والنسوة كن فاطمة (عليها السلام) وأم سلمة وعائشة وفضة(3).
الثاني عشر: صاحب سير الصحابة قال: وحدثني عبد الرحمن بن أبي هاشم قال: حدثني عمرو ابن ثابت عن أبيه عن سعيد بن جبير قال: كان ابن عباس إذا ذكر ليلة الخميس بكى فقيل له: يا بن عباس ما يبكيك؟ قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: يا بني عبد المطلب اجلسوني وسندوني أكتب لكم كتابا لا تضلون بعدي أبدا، فقال بعض أصحابه: إنه يهجر، قال: وأبى أن يسمي الرجل، فجئناه بعد ذلك فأبى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يكتبه لنا ثم سمعناه يقول: عدى العدوي وسينكث البكري(4).
الثالث عشر: صاحب سير الصحابة قال: حدثنا محمد بن علي قال: حدثني أبو إسحاق بن يزيد عن فضيل بن يسار عن عبد الله بن محمد قال: سمعت عكرمة يقول عن ابن عباس قال: إن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: إئتوني بكتف ودواة أكتب لكم كتابا لا تضلون بعدي فمنعه رجل فقلت لعكرمة: من الرجل؟ فقال: إنكم لتعرفونه مثلي هو والله المعذول(5).
الرابع عشر: صاحب سير الصحابة قال: حدثني محمد بن علي قال: حدثنا عاصم بن عامر عن الحسين بن عيسى عن الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله) في مرضه الذي قبض فيه: إئتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا، فقال المعذول: إن النبي هجر كما
____________
(1) الإيضاح لابن شاذان: 359، وصحيح البخاري: 4 / 66 ط. دار الفكر بيروت، ومسند أحمد: 1 / 222.
(2) في المصادر: قال عمر: إذا مرض عصرتن أعينكن وإذا صح أخذتن بعنقه، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): هن خير منكم.
كنز العمال: 7 / 243 ح 18771.
(3) راجع مكاتيب الرسول: 3 / 695 عن المصنف.
(4) لم نجده في المصادر.
(5) مكاتيب الرسول: 3 / 698.