الخامس عشر: صاحب سير الصحابة قال: وحدثني محمد بن علي قال: سمعت أبا إسحاق يزيد الفراء عن الصباح المزني عن أبان بن أبي عياش قال: سمعت الحسن بن أبي الحسن قال:
سمعت علي بن أبي طالب (عليه السلام) ثم سمعته بعينه من عبد الله بن عباس بالبصرة وهو عامل عليها فكأنما ينطقان بفم واحد وكأنما يقرآنه من نسخة واحدة والذي عقلته وحفظته قول ابن عباس والمعنى واحد غير أن حديث ابن عباس أحفظه قال: سمعته يقول: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال في مرضه الذي قبض فيه: إئتوني بكتف أكتب لكم كتابا لا تضلون بعدي أبدا، فقام بعضهم ليأتي به فمنعه رجل من قريش وقال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يهجر، فسمعه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فغضب وقال: إنكم تختلفون وأنا حي، قد أعلمت أهل بيتي بما أخبرني به جبرئيل عن رب العالمين إنكم ستعملون بهم من بعدي وأوصيتهم كما أوصاني ربي فاصبروا صبرا جميلا، فبكى ابن عباس حتى بل لحيته ثم قال:
لولا مقالته لكتب لنا كتابا لم تختلف أمته بعده ولم تفترق(4).
السادس عشر: صاحب كتاب سير الصحابة قال: وحدثني محمد بن مروان قال: حدثنا زيد بن معدل عن أبان بن عثمان عن بعض أصحابه أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال في المرض الذي قبض فيه: إئتوني بصحيفة ودواة لأكتب لكم كتابا لا تضلون بعدي، فدعا العباس بصحيفة ودواة، فقال بعض من حضر: إن النبي (صلى الله عليه وآله) يهجر، ثم أفاق النبي (صلى الله عليه وآله) فقال له العباس: هذه صحيفة ودواة قد آتينا بها يا رسول الله، فقال: بعدما قال قائلكم ما قال، ثم أقبل عليهم وقال: احفظوني في أهل بيتي واستوصوا بأهل الذمة خيرا وأطعموا المساكين وأكثروا من الصلاة واستوصوا بما ملكت أيمانكم، وجعل يردد ذلك (صلى الله عليه وآله): وإني لأعلم أن منكم ناقض عهدي والباغي على أهل بيتي(5).
السابع عشر: صاحب سير الصحابة قال: أخبرنا الشيخ أبو الحسن علي قال: حدثني أبي قال:
حدثنا أبو يوسف يعقوب بن الجرمي قال: حدثني أبو حبيش الهروي قال: حدثنا عبد الرزاق عن
____________
(1) لعله من قول عمر فتأمل.
(2) أي عمر.
(3) مكاتيب الرسول: 3 / 698 عن المصنف إلى قوله: أنتم لا أحلام لكم.
(4) البحار بتفاوت: 22 / 498 ح 44، ومكاتيب الرسول: 3 / 699.
(5) لم نجده في المصادر بهذه الألفاظ.
____________
(1) راجع دعائم الإسلام: 1 / 41، وإعلام الورى: 1 / 263.
الباب الرابع والسبعون
في قول عمر: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يهجر
وإنه (صلى الله عليه وآله) أخبر أمير المؤمنين عليا (عليه السلام) بما أراد أن يكتب وأشهد على ذلك شهودا
الأول: كتاب سليم بن قيس الهلالي ومن كتابه نسخته قال: رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في مسجد رسول الله في خلافة عثمان والمهاجرين والأنصار يتحدثون فيه ويتذاكرون الفقه والعلم فذكروا قريشا وفضلها وسوابقها وهجرتها وما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيها من الفضل مثل قوله:
" الأئمة من قريش "، وقوله: " الناس تبع لقريش " " وقريش أئمة العرب "، وقوله: " ألا لا تسبوا قريشا "، وقوله: " للقرشي قوة رجلين من غيرهم "، " أبغض الله من أبغض قريشا "، وقوله: " من أراد قريشا بهوان أهانه الله "، وذكرت الأنصار فخرها وفضلها وسوابقها ونصرتها وما أثنى الله عليهم في كتابه وما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيهم من الفضل، وذكروا ما قال في سعد بن معاذ في جنازته، وحنظلة بن الراهب غسيل الملائكة، والذي حمته الدبر(1) ولم يدعوا شيئا من فضلهم فقال كل حي: منا فلان وفلان، وقالت قريش: منا رسول الله ومنا حمزة ومنا جعفر ومنا عبيدة بن الحرث وزيد بن حارثة وأبو بكر وعمر وعثمان وسعد وأبو عبيدة بن الجراح وسالم وابن عوف فلم يدعوا من الحيين أحدا من أهل السابقة إلا عدوه(2) في الحلقة أكثر من مائتي رجل منهم مسانيد إلى القبلة ومنهم في الحلقة وكان ممن حفظت من قريش علي بن أبي طالب (عليه السلام) وسعد وابن عوف والزبير وطلحة وعمار والمقداد وأبو ذر وهاشم بن عتبة وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس والحسن والحسين ومحمد بن أبي بكر وعبد الله بن جعفر الطيار وعبيد الله بن عباس.
ومن الأنصار أبي بن كعب وزيد بن ثابت وأبو أيوب وأبو الهيثم بن التيهان ومحمد بن مسلمة وقيس بن سعد وجابر بن عبد الله وأبو مريم وأنس بن مالك وزيد بن أرقم وعبد الله بن أبي أوفى وأبو ليلى ومعه ابنه عبد الرحمن قاعد إلى جنبه غلام أمرد صبيح الوجه وجاء أبو الحسن البصري
____________
(1) الدبر بالفتح: جماعة النحل والزنابير وأراد به: عاصم بن ثابت الأنصاري.
(2) في المصدر المطبوع: سموه.
ثم قال علي (عليه السلام): يا معشر قريش والأنصار ممن أعطاكم الله عز وجل هذا الفضل فبعشايركم وأهل بيوتاتكم أم بغيركم؟ فقالوا: أعطانا الله ومن علينا برسوله (صلى الله عليه وآله) إذا أدركنا ذلك وقبلناه لأنفسنا(1) وعشائرنا وأهل بيوتاتنا، قال: صدقتم، ثم قال: يا معشر قريش أتقرون أن الذي نلتم به خير الدنيا والآخرة منا أهل البيت خاصة دونكم جميعا وأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: أنا وأخي علي بن أبي طالب لطينة [ واحدة ] إلى آدم (عليه السلام)؟ فقال أهل بدر وأهل أحد وأهل السابقة وأهل القدمة: نعم قد سمعنا ذلك من رسول الله (صلى الله عليه وآله).
وفي رواية أخرى: إني وأهل بيتي كنا نورا نسعى بين يدي الله عز وجل قبل أن يخلق الله آدم (عليه السلام) بأربعة عشر ألف سنة، فلما خلق الله آدم (عليه السلام) وضع ذلك النور في صلبه وأهبطه إلى الأرض ثم حمله في السفينة في صلب نوح ثم قذف به في النار في صلب إبراهيم (عليهم السلام)، ثم لم يزل ينقلنا الله في الأصلاب الكريمة إلى الأرحام الطاهرة من الآباء والأمهات لم يلتق واحد منهم على سفاح قط؟
قالوا جميعا: سمعنا ذلك من رسول الله (صلى الله عليه وآله).
فقال: يا معشر قريش والأنصار أتقرون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) آخى بين كل رجلين من أصحابه وآخى بيني وبينه فقال: أنت أخي وأنا أخوك في الدنيا والآخرة؟ قالوا: اللهم نعم، قال: أتقرون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) اشترى موضع المسجد ومنازله فابتناه ثم بنى فيه عشرة منازل تسعة له وجعل لي عاشرها في وسطها وسد كل باب شارع إلى المسجد غير بابي، فتكلم في ذلك من تكلم فقال النبي (صلى الله عليه وآله): ما أنا سددت أبوابكم وفتحت بابه ولكن الله أمرني أن أسد أبوابكم وأفتح بابه؟ قالوا: نعم، قال:
أفتقرون أيها الناس أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نهى الناس جميعا أن يناموا في المسجد غيري فكنت أبيت في المسجد ومنزلي ومنزل رسول الله (صلى الله عليه وآله) [ واحد ] في المسجد يولد لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ولي فيه الأولاد؟ قالوا: نعم، قال: أفتقرون أن عمر حرص على كوة قدر عينيه من منزله إلى المسجد فأبى ذلك عليه النبي (صلى الله عليه وآله) ثم قال: إن الله جل اسمه أمر موسى أن يبني مسجدا طاهرا ولا يسكنه غيره
____________
(1) هنا تفاوت مع المصدر.
قالوا: اللهم نعم، قال: أفتقرون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين دعا أهل نجران للمباهلة لم يأت إلا بي وبصاحبتي وابني؟ قالوا: اللهم نعم، قال: أفتقرون أنه دفع لي اللواء يوم خيبر ثم قال: لأدفعن الراية غدا إلى رجل يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله ليس بجبان ولا فرار يفتحها الله على يديه؟
فقالوا: اللهم نعم، قال: أفتقرون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعثني ببراءة ورد غيري بعد أن كان بعثه بوحي من الله وقال إن العلي الأعلى يقول: إنه لا يبلغ عني إلا رجل مني؟ قالوا: اللهم نعم، قال: أفتقرون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم تنزل به شديدة إلا قدمني إليها ثقة بي وإنه لم يدع باسمي قط إلا أن يقول يا أخي وادعوا لي أخي؟
قالوا: اللهم نعم.
قال: أفتقرون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قضى بيني وبين في ابنة جعفر وزيد وحمزة فقال لي: يا علي إنك مني وأنا منك وأنت ولي كل مؤمن بعدي؟ قالوا: اللهم نعم، قال: أفتقرون أنه كانت لي من رسول الله (صلى الله عليه وآله) كل يوم دخلة وخلوة إن سألته أعطاني وإن سكت ابتدأني؟ قالوا: اللهم نعم، قال: أفتقرون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فضلني على حمزة وجعفر فقال لفاطمة: إني زوجتك خير أهلي وخير أمتي أقدمهم سلما وأعظمهم حلما وأكثرهم علما؟ قالوا: اللهم نعم، قال: أفتقرون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال:
أنا سيد ولد آدم وعلي أخي سيد العرب وفاطمة سيدة نساء أهل الجنة وابناي الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة؟ قالوا: اللهم نعم، قال: أفتقرون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمرني أن أغسله وأخبرني أن جبرائيل يعينني على غسله؟ قالوا: اللهم نعم، قال: أفتقرون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال في آخر خطبة خطبها: أيها الناس إني قد تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وأهل بيتي؟ قالوا: اللهم نعم،(1) قال: ولم يدع شيئا أنزل الله فيه خاصة وفي أهل بيته من القرآن ولا على لسان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا ناشدهم فيه فمنهم من يقول نعم ومنهم من يسكت ويقول بعضهم: اللهم نعم، ويقول الذين سكتوا [ للذين أقروا ]: أنتم عندنا ثقات وقد حدثنا غيركم ممن نثق به من هؤلاء وغيرهم أنهم سمعوا من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذلك فقال علي (عليه السلام) حين فرغ: اللهم اشهد عليهم، قالوا:
____________
(1) في المصدر زيادة بذكر بقية المناشدة للقوم وهي كثيرة.
فقال طلحة بن عبد الله: - وكان يقال له داهية قريش - فكيف نصنع بما ادعاه أبو بكر وعمر وأصحابهما الذين شهدوا وصدقوه على مسألته يوم أتوا بك تعتل وفي عنقك الحبل فما احتججت به من شئ إلا صدقوا حجتك فادعى أبو بكر أنه سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إن الله أبا أن يجمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة فصدقوه وشهدوا به منهم عمر وأبو عبيدة وسالم ومعاذ بن جبل ثم أقبل طلحة فقال: كل الذي ادعيت وذكرته واحتججت به من السابقة والفضل نحن نعترف بذلك، وأما الخلافة فقد شهدوا أولئك [ الخمسة ] لما سمعوه من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال عند ذلك علي (عليه السلام) وقد غضب من مقالة طلحة وأخرج شيئا كان يكتمه وفسر شيئا كان قد قاله وهو أنه كان قاله يوم مات عمر ولم يدروا ما عنى به (عليه السلام) ثم أقبل على طلحة والناس يسمعون ثم قال: يا طلحة أما والله ما من صحيفة ألقى الله بها يوم القيامة أحب إلي من صحيفة هؤلاء الخمسة الذين تعاهدوا على الوفاء بها في الكعبة في حجة الوداع إن قتل [ الله ] محمدا أو مات أن يتوازروا علي ويتظاهروا علي فلا تصل الخلافة إلي، والدليل يا طلحة على باطل ما شهدوا عليه قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم غدير خم: من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه، فكيف أكون أولى بهم من أنفسهم وهم الأمراء والحكام، وعلى قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) لي: أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير النبوة، [ ألستم تعلمون أن الخلافة غير النبوة ] فلو كان مع النبوة غيرها لاستثناه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقوله: إني تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وعترتي لا تتقدموهم ولا تتخلفوا عنهم ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم، فينبغي أن لا تكون الخلافة على الأمة إلا لأعلمهم بكتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله) وقد قال الله عز وجل: *(أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون)* وقال: *(وزاده بسطة في العلم والجسم)* وقال: *(أو إثارة من علم إن كنتم صادقين)* وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما ولت قط أمة أمرها رجلا وفيهم أعلم منه إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالا حتى يرجعوا إلى ما تركوا، فما الولاية غير الإمارة، والدليل على كذبهم وباطلهم
وإنا معشر الشورى ستة أحياء كلنا فلم جعلني عمر في الشورى إن كان قد صدق هو أصحابه على رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: ليس لنا في الخلافة شئ، أليس أمرنا شورى في الخلافة أم في غيرها؟
وإن زعمتم إنما جعلها في غير إمارة فليس لعثمان إمارة علينا لأنه أمرنا أن نتشاور في غيرها(1)، وإن كانت المشورة فيها فلم أدخلني فيكم؟ فهلا أخرجني وقد كان شهد أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أخرج أهل بيته من الخلافة وأخبر أنه لا نصيب لهم فيها، ولم قال عمر حين دعانا رجلا رجلا فقال لابنه وكان شاهدا: يا عبد الله بن عمر أنشدك الله ما قال لك حين خرجنا، قال ابن عمر: أما إذ ناشدتني فإنه قال:
إن بايعوا أصلع بني هاشم يحملهم على المحجة البيضاء هو أقواهم على كتاب الله عز وجل وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله) قال: فقال علي (عليه السلام) له: ما قلت له حين قال لك ذلك؟
قال: قلت: ما يمنعك أن تستخلفه؟ قال [ علي ]: فما رد عليك؟
قال [ ابن عمر ]: رد علي شيئا أكتمه.
قال علي: فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أخبرني به(2) قبل موته بثلاثة أيام، وليلة مات فيها أبوك رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) في منامي - ومن رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله) في منامه فقد رآه في اليقظة - فقال له ابن عمر:
فما أخبرك؟
فقال له علي: أنشدك الله يا بن عمر أني إن أخبرتك به لتصدقني.
قال ابن عمر: أو أسكت.
قال: فإنه حين قال لك قلت له أنت: فما يمنعك أن تستخلفه؟ قال [ عمر ]: الصحيفة التي كتبناها والعهد في الكعبة في حجة الوداع، قال: فسكت ابن عمر وقال: أسألك بحق رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما أمسكت عني.
قال أبان عن سليم: فرأيت ابن عمر في ذلك المجلس قد خنقته العبرة وعيناه تسيلان دموعا.
ثم أقبل علي على طلحة والزبير وابن عوف وسعد فقال: والله إن كان أولئك الخمسة كذبوا على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فما يحل لكم ولايتهم، وإن كانوا صدقوا فما حل لكم أن تدخلوني معكم في الشورى، لأن إدخالكم إياي فيها خلاف على رسول الله (صلى الله عليه وآله) ورغبة عنه، ثم أقبل على الناس فقال:
____________
(1) أي بناء على تفسير الشورى بغير الإمارة.
(2) في المصدر: قد أخبرني بكل ما قال لك وقلت له.
فقالوا: صادق صدوق مصدق ما علمنا والله أنك كذبت في جاهلية ولا إسلام.
قال [ علي (عليه السلام) ]: فوالذي أكرمنا أهل البيت بالنبوة فجعل منا محمدا وأكرمنا من بعده بأن جعلنا أئمة المؤمنين من بعده ولا يبلغ عنه غيرنا ولا تصلح الخلافة والإمامة إلا فينا ولم يجعل لأحد من الناس فيها نصيبا ولا حقا، أما رسول الله فخاتم النبيين ليس بعده نبي ولا رسول، ختم به الأنبياء إلى يوم القيامة وختم بالقرآن الكتب إلى يوم القيامة وجعلنا الله خلفاء محمد في أرضه وشهدائه على خلقه، وفرض طاعتنا في كتابه وقرننا بنفسه وبنبيه في الطاعة في غير آية من القرآن، والله جعل محمدا نبيا حبيبا وجعلنا [ خلفاء من بعده ] في كتابه المنزل، ثم الله حين أشهد نبيه (صلى الله عليه وآله) أن يبلغ ذلك عنه فبلغهم كما أمره، فأينا أحق بمجلس رسول الله وبمكانه، أوما سمعتم حين بعثني ببراءة فقال: لا يصلح أن يبلغ عني إلا أنا أو رجل مني فلم يصلح لصاحبكم أن يبلغ عنه صحيفة قدر أربعة أصابع ولن يصلح أن يكون المبلغ لها غيري، فأيهما أحق بمجلسه وبمكانه، الذي سماه خاصته أنه من رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو من خصه من بين الأمة أنه ليس من رسول الله (صلى الله عليه وآله). قال طلحة: قد سمعنا ذلك من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ففسر لنا كيف لا يصلح لأحد أن يبلغ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد سمعناه قال لنا ولساير الناس ليبلغ الشاهد منكم الغائب عني، وقال بعرفة حين حج رسول الله (صلى الله عليه وآله) حجة الوداع فقال: رحم الله من سمع مقالتي فوعاها، ثم بلغها غيره فرب حامل فقه ولا فقه له ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاثة لا يغل عليهن قلب امرء مسلم: إخلاص العمل لله، والسمع والطاعة، والمناصحة لولاة الأمر ولزوم جماعتهم، فإن دعوتهم محيطة من ورائهم. وقال في غير موطن:
فليبلغ الشاهد الغائب، فقال علي (عليه السلام): إن الذي قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم غدير خم وفي حجة الوداع، ويوم قبض في آخر خطبة خطبها حين قال: تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما: كتاب الله وأهل بيتي، وإن اللطيف الخبير عهد إلي أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض كهاتين الإصبعين [ وأشار بإصبعيه السبحتين، ولا أقول كهاتين - وأشار بالمسبحة والوسطى لأن إحديهما قدام الأخرى ] فتمسكوا بهما لا تضلوا ولا تزلوا ولا تتقدموهم ولا تتخلفوا عنهم، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم ".
إنما أمر من يقول من العامة بإجابة طاعة الأئمة من آل محمد وإيجاب حقهم، ولم يقل في ذلك شيئا من الأشياء غير ذلك. فلما أمر العامة أن يبلغوا العامة من لا يبلغ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما بعثه الله به غيرهم. ألا ترى يا طلحة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لي وأنتم تسمعون: إنه لا يقضي ديني ويبرئ ذمتي
يا أبا الحسن شئ أريد أن أسألك عنه: رأيتك خرجت بثوب مختوم فقلت: أيها الناس إني لم أزل مشغولا برسول الله (صلى الله عليه وآله) - بتكفينه ودفنه - ثم شغلت بكتاب الله عز وجل حتى جمعته، وهذا كتاب الله عندي مختوم لم يسقط علي منه حرف واحد، فلم أر ذلك الكتاب الذي كنت كتبت وألفت فيه، وقد رأيت عمر بعث إليك حين استخلف أن تبعث به إليه، فأبيت أن تفعل، فدعا عمر الناس فإذا شهد رجلان على آية [ أنها ] قرآن كتبها، وإن لم يشهد عليها إلا واحد رماها ولم يكتبها.
وقد قال عمر وأنا أسمع: إنه قد قتل يوم اليمامة قوما كانوا يقرؤون قرآنا لا يقرأه غيرهم فذهب. وقد جاءت غنيمة إلى صحيفة وكتاب عمر يكتبون فأكلتها فذهب ما فيها، والكتاب يومئذ كتاب عثمان.
وسمعت عمر وأصحابه الذين كتبوا ما ألفوا على عهد عمر وعهد عثمان يقولون: إن الأحزاب كانت تعدل سورة البقرة، والنور ستون ومائة آية، والحجرات ستون آية. فما هذا، وما يمنعك رحمك الله أن تخرج ما ألفت للناس وقد عهد عثمان حين أخذ ما ألف عمر فجمع إليه الكتاب وحمل الناس على قراءة واحدة، ومزق مصحف أبي بن كعب ومصحف ابن مسعود وحرقهما بالنيران، فما هذا؟
قال علي: يا طلحة إن كل آية أنزلها الله عز وجل على محمد (صلى الله عليه وآله) عندي، إملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخطي بيدي، وتأويل كل آية أنزلها الله على محمد (صلى الله عليه وآله)، وكل حلال وكل حرام وحد وحكم، وكل شئ تحتاج إليه الأمة حتى أرش الخدش. قال طلحة: كل شئ من صغير وكبير أو خاص أو عام أو كان أو يكون إلى يوم القيامة فهو عندك مكتوب؟
فقال علي (عليه السلام): نعم وسوى ذلك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أسر إلي في مرضه الذي مات فيه مفتاح ألف باب من العلم يفتح كل باب ألف باب، ولو أن الأمة منذ قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) اتبعوني وأطاعوني لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم، يا طلحة أليس قد شهدت رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين دعا بالكتف ليكتب فيها، لئلا تضل الأمة ولا تختلف فقال صاحبك ما قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يهجر، فغضب
قال: بلى قد شهدت.
قال: فإنكم لما خرجتم أخبرني رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالذي أراد أن يكتب فيها ويشهد عليها العامة، فأخبره جبرائيل (عليه السلام) بأن الله عز وجل قد علم أن الأمة ستختلف وتفترق، ثم دعا بصحيفة وأملى علي ما أراد أن يكتب في الكتف وأشهد على ذلك ثلاثة رهط سلمان وأبا ذر والمقداد، وسمى من يكون من أئمة الهدى الذين أمر الله المؤمنين بطاعتهم إلى يوم القيامة، فسماني أولهم وابني هذين الحسن والحسين، كذلك كان يا أبا ذر وأنت يا مقداد؟
فقالا: نشهد بذلك.
فقال طلحة: والله لقد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول لأبي ذر: ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء على ذي لهجة أصدق وأبر عندي من أبي ذر. وأنا أشهد أنهما لم يشهدا إلا بالحق وأنت أصدق وأبر عندي منهما. ثم أقبل على طلحة فقال: إتق الله وأنت يا زبير وأنت يا سعد وأنت يا بن عوف اتقوا الله وابتغوا رضوانه واختاروا، عنده، ولا تخافوا في الله لومة لائم.
فقال طلحة: ما بالي لا أزال يا أبا الحسن تجيبني عما سألتك عنه من القرآن(1) ولا تظهره للناس.
فقال: يا طلحة عمدا كففت عنك وعن جوابك.
قال: فأخبرني عما كتب عثمان وعمر أقرآن كله أم فيه ما ليس بقرآن؟
فقال: بل قرآن كله إن أخذتم بمعانيه نجوتم من النار ودخلتم الجنة، فإن حجتنا فيه وحقنا وفرض طاعتنا.
فقال طلحة: ما إن كان قرآنا فأخبرني عما بيديك من القرآن وتأويله وعلم الحلال والحرام إلى من تدفعه؟ ومن صاحبه بعدك؟
فقال: إلى الذي أمرني رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن أدفعه إليه.
قال: ومن هو؟
قال: وصيي وأولى الناس بالناس، ابني هذا الحسن، ثم يرفعه ابني عند موته إلى ابني الحسين (عليهم السلام)، ثم يصير إلى واحد بعد واحد من ولد الحسين (عليه السلام) حتى يردوا على رسول الله (صلى الله عليه وآله) حوضه، هم مع القرآن لا يفارقونه والقرآن معهم لا يفارقهم(2).
____________
(1) في المصدر: قال طلحة: ما أراك يا أبا الحسين أجبتني عما سألتك عنه من أمر القرآن (2) كتاب سليم بن قيس: 204 / 212، والاحتجاج للطبرسي: 220 - 225. مع تفاوت بالنقص والزيادة.
____________
(1) الصراط المستقيم: 3 / 5.
الباب الخامس والسبعون
في جيش أسامة وفيه أبو بكر وعمر وعثمان
وأبو عبيدة بن الجراح وعبد الرحمن بن عوف وطلحة والزبير وغيرهم
ولعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) من تأخر عن جيش أسامة
وقوله (صلى الله عليه وآله): إذا بويع الخليفتين فاقتلوا الأخير منهما وروى ذلك في أبي بكر
الأول: ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة وهو من أعيان علماء العامة من المعتزلة قال ابن أبي الحديد قال أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري وقد أثنى ابن أبي الحديد على هذا الرجل عند أهل الحديث بقبول الحديث، وثقته وهو صاحب كتاب " السقيفة ".
قال: حدثنا أحمد بن إسحاق ابن صالح عن أحمد بن سيار عن سعيد بن كثير الأنصاري عن رجاله عن عبد الله بن عبد الرحمن: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمر في مرض موته أسامة بن زيد بن حارثة على جيش فيه جلة المهاجرين والأنصار منهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح وعبد الرحمن بن عوف وطلحة والزبير، وأمره أن يغير على " مؤتة " حيث قتل أبوه زيد، وأن يغمروا وادي فلسطين، فتثاقل أسامة وتثاقل الجيش بتثاقله، وجعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مرضه يثقل ويخف، ويؤكد القول على تنفيذ ذلك البعث حتى قال له أسامة بأبي أنت وأمي أتأذن لي أن أمكث أياما حتى يشفيك الله فقال: أخرج وسر على بركة الله.
فقال: يا رسول الله إن خرجت وأنت على هذا الحال خرجت وفي قلبي قرحة منك.
فقال (صلى الله عليه وآله): سر على النصر والعافية.
فقال: يا رسول الله إني أكره أن أسأل عنك الركبان.
فقال (صلى الله عليه وآله): انفد لما أمرتك به، ثم أغمي على رسول الله (صلى الله عليه وآله). وقام أسامة فتجهز للخروج، فلما أفاق رسول الله (صلى الله عليه وآله) سأل عن أسامة والبعث فأخبر أنهم يتجهزون، فجعل يقول: أنفدوا بعث أسامة لعن الله من تخلف، عنه ويكرر ذلك، فخرج أسامة واللواء على رأسه والصحابة بين يديه، حتى إذا
قال: فما كان أبو بكر وعمر يخاطبان أسامة إلى أن ماتا إلا بالأمير(1).
الثاني: ابن أبي الحديد في الشرح قال: لما مرض رسول الله (صلى الله عليه وآله) مرض الموت دعا أسامة بن زيد بن حارثة فقال سر إلى مقتل أبيك فأوطئهم الخيل فقد وليتك على هذا الجيش فإن أظفرك الله بالعدو فأقلل اللبث وبث العيون وقدم الطلائع فلم يبق أحق من وجوه المهاجرين والأنصار إلا كان في ذلك الجيش منهم أبو بكر وعمر، فتكلم قوم فقالوا يستعمل هذا الغلام على جلة المهاجرين والأنصار فغضب رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما سمع ذلك وخرج عاصبا رأسه فصعد المنبر وعليه قطيفة فقال:
أيها الناس ما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة، لأن طعنتم في تأميري أسامة لقد طعنتم في تأميري أباه من قبله وأيم الله إنه كان لخليقا بالإمارة وإن ابنه من بعده لخليق بها وإنهما لمن أحب الناس إلي فاستوصوا به خيرا فإنه من خياركم، ثم نزل فدخل بيته وجاء المسلمون يودعون رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويمضون إلى عسكر أسامة بالجرف، وثقل رسول الله (صلى الله عليه وآله) واشتد ما يجده فأرسل بعض نسائه إلى أسامة وبعض من كان معه يعلمونهم ذلك، فدخل أسامة من عسكره والنبي (صلى الله عليه وآله) مغمور وهو اليوم الذي كدوه فيه فطأطأ أسامة عليه وقبله ورسول الله (صلى الله عليه وآله) قد اسكت فهو لا يتكلم، فجعل يرفع يديه إلى السماء ثم يضعها على أسامة كالداعي له، ثم أشار إليه بالرجوع إلى عسكره والتوجه إلى ما بعثه فيه، ورجع أسامة إلى عسكره ثم أرسل نساء رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى أسامة يأمرنه بالدخول ويقلن أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد أصبح بارئا، فدخل أسامة من عسكره يوم الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول فوجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) مفيقا فأمره بالخروج وتعجيل التعود وقال: اغد على بركة الله، وجعل يقول: أنفذوا بعث أسامة، ويكرر ذلك، فودع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخرج ومعه أبو بكر وعمر فلما ركب جاءه رسول أم أيمن فقال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يموت، فأقبل ومعه أبو بكر وعمر وأبو عبيدة فانتهوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى زالت الشمس من هذا اليوم وهو يوم الاثنين وقد مات واللواء مع بريدة بن الحصيب، فدخل باللواء فركزه عند باب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو مغلق وعلي (عليه السلام) وبعض
____________
(1) شرح نهج البلاغة: 6 / 52.