فقال له: أويطمع فيها يا عم طامع غيري؟!
قال: ستعلم، فلم يلبث أن جاءتهما الأخبار بأن الأنصار أقعدت سعدا لتبايعه وأن عمر جاء بأبي بكر فبايعه وسبق الأنصار بالبيعة، فندم علي (عليه السلام) على تفريطه في أمر البيعة وتقاعده عنها وأنشده العباس قول دريد:
أمرتهم أمري بمنعرج اللوا | فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغدر(1). |
الثالث: ابن أبي الحديد قال: تزعم الشيعة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يعلم موته وأنه سير أبا بكر وعمر في بعث أسامة لتخلوا دار الهجرة منهما فيصفو الأمر لعلي (عليه السلام) ويبايعه من تخلف من المسلمين بالمدينة على سكون وطمأنينة فإذا جاءهما الخبر بموت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبيعة الناس لعلي (عليه السلام) بعده كانا من المنازعة والخلاف أبعد، لأن العرب كانت تلتزم بإتمام تلك البيعة ويحتاج في نقضها إلى حروب شديدة فلم يتم له ما قدر وتثاقل أسامة بالجيش أياما مع شدة حب رسول الله (صلى الله عليه وآله) على نفوذه وخروجه بالجيش حتى مات (صلى الله عليه وآله) وهما بالمدينة، فسبقا علي إلى البيعة وجرى ما جرى(2).
الرابع: عبد الجبار قاضي القضاة في كتاب " المغني " وهو من المتعصبين من العامة روى في السبب في كون عمر من جملة جيش أسامة، أن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي قال عند ولاية أسامة، يولي علينا شاب حدث ونحن مشيخة قريش. فقال عمر: يا رسول الله مرني حتى أضرب عنقه فقد طعن في تأميرك إياه، ثم قال عمر: أنا أخرج في جيش أسامة(3).
الخامس: روى البلاذري في تاريخه وهو معروف بالثقة والضبط وبرئ من ممالأة الشيعة ومقاربتها، أن أبا بكر وعمر كانا معا في جيش أسامة(4).
السادس: ابن أبي الحديد بعد أن ذكر أحاديث في الشرح تدل على النص على أمير المؤمنين بالخلافة والإمامة قال: إني سألت النقيب أبا جعفر يحيى بن محمد بن أبي زيد وقد قرأت عليه هذه الأخبار فقلت له: ما أراها إلا تكاد تكون دالة على النص ولكني أستبعد أن يجتمع الصحابة على
____________
(1) شرح نهج البلاغة: 1 / 159.
(2) شرح نهج البلاغة: 1 / 161.
(3) شرح نهج البلاغة: 17 / 177.
(4) شرح نهج البلاغة: 17 / 177.
قال مؤلف هذا الكتاب: إن قوله: إن أبا بكر وعمر خالفا نص رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلا شك ولا ريب فيه، وأما اعتذاره عنهما ولم يخرجا لما رأيا إلى آخره، فاعتذار باطل، لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنصح للملة وأحفظ للبيضة فكيف يريان المصلحة للإسلام دونه (صلى الله عليه وآله) وحفظا للبيضة بقعودهما، ورسول الله (صلى الله عليه وآله) يأمرهما بالخروج والحث عليه، لأن الله تعالى ورسوله أعلم بمصالح الإسلام والعباد لا أبو بكر ولا عمر ولا غيرهما من الطغام والجهال ممن يقدم بين يدي الله ورسوله (صلى الله عليه وآله).
السابع: صاحب كتاب " سير الصحابة " قال: أول خلف وجد فيما قاله رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيما أخبرني به أبو عمر محمد بن أبي عمر قال: حدثني سفيان بن عيينة عن عمر بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه قال: بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) أسامة بن زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي إلى " مؤتة " وهي الأرض التي قتل فيها جعفر الطيار ابن أبي طالب (رض) وتقدم إلى أسامة بالقتل والتحريق، والخبر طويل فيما وصاه به وأمره على أهل السوابق من المهاجرين وغيرهم من الوجوه، وعقد رسول الله (صلى الله عليه وآله) الراية بكفه وأمر أبا بكر وعمر وعثمان أن يسيروا معه ولا لهما أمر، فلما علما أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد ثقل في مرضه فارقا أسامة وتخلفا عنه ورجعا إلى المدينة، وسار أسامة ولم يتبعاه فصعب ذلك على المسلمين وقالوا: هذا وهو حي ناطق قد خالفاه في أمره دون الصحابة فكيف يكون الحال إذا مات(2).
الثامن: صاحب سير الصحابة قال: أخبرنا الشيخ أبو الحسن علي قال: حدثني أبي قال: حدثنا أبو يوسف يعقوب بن الجرمي قال: حدثني أبو جيش الهروي قال: حدثنا عبد الرزاق عن أبيه عن
____________
(1) شرح نهج البلاغة: 12 / 82.
(2) بمضمونه في مكاتيب الرسول: 3 / 681.
يا أسامة فإن المسلمين اجتمعوا علي وفوضوا أمرهم إلي فاختاروني للإمامة عليهم والنظر في أمورهم وحراسة أبنائهم لما عرفوه عندي من الرأفة بهم وإيثار الحسني فيهم وإن المسلمين لن يعدموا ذلك مني بالإحسان إليهم والتسوية في الحق من ضعيفهم وقويهم، وقد عرف ما كان من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيما أمرك به المسير إلى " مؤتة " وما يجاورها من البلاد وما أوعز إليك من النهب والتحريق والقتل، ولولا أنه أمرك به رسول الله (صلى الله عليه وآله) وندبه إليك لأحببت أن أردك عن هذا الوجه الذي سلطك عليه لتكون أنت ومن تبعك من المسلمين في جملة من عندي من المهاجرين والأنصار، فإن العرب قد ارتد أكثرها ورجعت عما عاهدت الله عليه ورسوله، فادخل فيما دخل فيه المسلمون واكتب إلي به وامض إلى ما أمرك به رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولبئس الشئ التشنع على رسول الله (صلى الله عليه وآله) عند فراقه مما يخالف أمره ونهيه، وبئس الرأي ما بعد يستأثر به دونه، إن رأيه (صلى الله عليه وآله) يعان بالتوفيق، ورأينا شوب بالظن معقود على الوهم، ومع ذلك أريدك أن تأذن لعمر(1) في مقامه عندي واستظهر به على أمري وما أحتاج إلى قيامه فيه، فلا يعترضك معترض فيخرجك عما فيه المسلمون أو يزين لك الشيطان بعض الغرور فنقول كما قال أهل الغفلة:
لقد حن قدح ليس منها | والظن دأب للبعيد عنها(2) |
وأجر الأمور على ظاهرها ولا تجاهرنا بما في نفسك فإن اللجاجة تجلب الغلبة ورأيي لك خير
____________
(1) مصنف عبد الرزاق: 5 / 482 ح 9777، وسيرة ابن حبان: 427.
(2) في شرح النهج وغيره: وطفق يحكم فيها من عليه الحكم.
فأجابه: بسم الله الرحم الرحيم من أسامة بن زيد مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى أبي بكر ابن أبي قحافة أما بعد، فإن كتابك جائني بما ينقض فيه الأخير الأول ويخالف القول فيه الفعال، فتصفحته تصفح معجب مسلما إلى مشيئة الله تعالى في ساير الأمور، فسبحان الله من عجيب الغيب ولا عجب من أمر الله تعالى، يا عجبا لك أتكتب في صدر كتابك من خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتشهد أن المسلمين استخلفوك وما كان لك أن تستخلف بأمر المسلمين فإن الخلافة ليست بمردودة إلى المسلمين ليستخلفوا عليهم من يريدون، إنما ذلك بالنص وبرضى الشورى، فإذ اجتمعوا على واحد منهم كان لله فيه رضى وإذا وقع النص سقطت الشورى، فإن كنت قد نسيت نص النبي (صلى الله عليه وآله) على غيرك فقد كان يجب عليك أن تجتمع مع إخوانك المشاركين لك في هذا الأمر وتشاورهم حتى يستقر لك على ما تريد منهم ومنك، فإن لم تكن فعلت ذلك فقد غششت نفسك وخنت أمانتك ودينك فكيف يستخلفك رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو قد نفذك معي في البعث إلى " مؤتة " ويؤمرني عليك ويأمرك بالسمع لي والطاعة، ترى ألم يعلم رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه يموت وقد قال: اكتب لكم ما لا تختلفون بعدي، وقد نصها في علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو الآمر عليك لا يحل لك أن تتطاول لها، فكيف وأنت تحت أمري وكتابك يشهد عليك، وقد سألتني في أن آذن لعمر في القعود عندك ويا سبحان الله تعالى ما أعجب قولك إنك لا تحب أن تفتح نظرك فيما يخالف رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنت في كل الأمور على خلاف رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ألم يأمرك بالخروج معي؟!
ألم يبعثك إلى المسير في حملتي؟!
ألم تدخل أنت وعمر لعيادته فلما رآكما أنكر تخلفكما عن الخروج إلى معسكري حتى اعتذرتما بالاستعداد وسألتماني النظرة يومين أو ثلاثة، ثم أنفذت إليكما من يزعجكما بمثل ذلك ودخلتما إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يقول: نفذوا جيش أسامة، يكرر ذلك في الساعة الواحدة دفعات، حتى خرج أحدكما في بعض ذلك وهو يقول: إن محمدا ليهجر؟!
فكيف تدعي أنك لا تخالف أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنت تخالف أوامره (صلى الله عليه وآله) لك؟ أو ما تستحيي من تقدمك على أهل بيته وهو يقدمهم ويؤخرك بفضلهم وتقصيرك، ويؤمرهم عليك ولا أهل بيته يؤمرك عليهم؟!
ألم يخرج إليكم وأنتم نيام في المسجد فيضربكم بقضيب كان في يده وقال: لا تناموا في مسجدي، فهل جعل عليا معكم؟
أليس قال له: يا علي إنك لست منهم إنك يحل لك في المسجد ما يحل لي؟
ألم يواخ بينكم وبين الأنصار واحدا بعد واحد وقال لعلي: أنت أخي في الدنيا والآخرة ولم يؤاخ أحدا منكم غير علي؟
أولم يقل وهو يخطب ويقل وهو غير خاطب: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وفي أسباب أخرى أفرده بفضائل لم يكن له فيها مشارك؟
وكيف استجرأت أن تخالف الله ورسوله في هذا التخلف عن المسير معي؟
والله ما رجعتما عن المسير معي إلا لهذا ولا شئ أعجب من إكراهك أهل السوابق والفضل من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) على ما لا يؤثرون، وهجومك على بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهتك ستر بيته مستخرجا من لجأ إليها ممن لا قوة لك بأمره وانتهاكك حرمة ذلك البيت المبارك وحرمة ابنته وحرمة سبطيه، كأنك لا تعلم أن ذلك مهبط الوحي والروح الأمين ومنزل الكتاب وموسى النبي وقواعد الرسالة وكأنك تطلب ثارا لك أو تعاند وصي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أوما تذكر ما كنت مجتهدا فيه من طاعة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وصحبتك إياه فثنتك نفسك وصدك الشيطان عما رغبته فيه من طلب الرئاسة التي أرهقتك؟ أما تعلم أنك في ذلك بمنزلة من كان يرصد بفعله فرصة ينتهزها حتى أخبر عن أنه قال لابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله): ألا إن بلغني أنك إن آويت أحدا من هؤلاء لأحرقن عليك البيت وعليهم، فقالت: أنت محرق علي بيتي يا عمر؟
فقال لها: نعم، أليس كان ذلك كله يا أبا بكر خديعة منك على الدنيا وشر من ذلك تقدمك على من هو خير منك؟ وهل في ذلك إلا مقام تقوم فيه وأنت كثير الأعداء كثير التعب في مطعمك ومشربك ومرقدك غير مشكر من جميع المسلمين في ساير أعمالك، كثير التعب بعد الراحة شديد الخوف قليل النوم وأعظم من ذلك خاتمة أمرك التي تقصر بك عن معاينة رسول الله (صلى الله عليه وآله) في يوم لا يقبل عذرك ولا ترحم عبرتك، وقد كنت عن ذلك غنيا ومنه بريا فاذهب بها شنيعة المنتظر قبيحة
لم لم تحكم على عمر وهو مثلك عبدا مأمورا فكيف يحكم على مولاه، وأنا اليوم مولاك الأصغر باستئذانك لي، لأنه لا يستأذن العبد إلا مولاه وقد استأذنتني لعمر وما أذنت لك، وأمير المؤمنين (عليه السلام) مولاي ومولاكما الأكبر بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون مع الاجتماع سترون عما يكون، فلعن الله عبدا عق مولاه وصلى الله على سيدنا محمد النبي علي بن أبي طالب وآلهما أجمعين. وختم الكتاب وأنفذه إلى أبي بكر وعمر وقالا: لندبرن في غيره حتى يراه ومكانه.
قال صاحب الحديث: فلما تم لأبي بكر وعمر وسمعا من أسامة ما سمعا شرع أبو بكر في أخذ فدك والعوالي، وهما حديقتان أخذتهما فاطمة (عليها السلام) بحقها من الغنائم قبل وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) لعامين وأربعة أشهر فأبرز أبو بكر سيدة نساء العالمين عن خدرها، وساق الحديث بذكر فدك والعوالي والحديث طويل(1).
فصل في قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الأخير منهما، وروى ذلك في أبي بكر.
التاسع: من الجزء الرابع من صحيح مسلم في ثاني كراسة قال: حدثني [ وهب بن ] بقية قال:
حدثني خالد بن عبد الله عن الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا
____________
(1) لم نجده في المصادر.
العاشر: قال صاحب كتاب " سير الصحابة " الخلف الخامس في التقدم والإمامة: فأظهر الله الضغائن الخفية في بواطنهم عند الموت وتركوا وصية نبيهم (صلى الله عليه وآله) في يوم الغدير وغيره منها في تبوك قوله (صلى الله عليه وآله): هذا علي خير البشر من شك فيه فقد كفر، ومنها في يوم الأحزاب وفي يوم خيبر قوله (صلى الله عليه وآله): لأعطين الراية غدا رجلا كرارا غير فرار يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، وفي يوم الأبطح وسلام الشمس عليه، ومخاطبته بإمرة المؤمنين، وتأميره على العساكر التي نفذت إلى اليمين، ويوم المباهلة، ويوم بئر ذات العلم، وفي يوم الوادي إلى الجن وقد بعث أبا بكر فعاد ناكصا وعمر وعثمان وخمسة عشر نفرا من الصحابة وكلهم رجعوا ناكصين إلا عليا (عليه السلام)، وفي يوم البساط وهو قطيف الأرجوان وأبو بكر وعمر والجماعة معه، ويوم بيت أبي بكر يوم البرمة والقول لأبي بكر وعائشة خاصة لأن الكلم كان في بيتهم، وفي يوم سلام الجن، وفي ليلة خالد بن الوليد وخطاب علي (عليه السلام) النخلة اليابسة فأينعت الجني من الرطب، وفي كلام الله تعالى مما حذفوه وما بقي، وفي يوم التزويج والآيات التي ظهرت يوم فاطمة (عليها السلام) في مواضع أعجز عن إحصائها مثل قوله (صلى الله عليه وآله):
ظالموا أهل بيتي في النار، وبالصدقة في مناجاة الرسول ولم يوفق لها أحد إلا علي (عليه السلام)، وصدقة الخاتم وتوليته الحكومة.
وقوله (صلى الله عليه وآله): من سب عليا فقد سبني ومن سبني فقد سب الله ومن سب الله أكبه الله على منخريه في النار، وقوله (صلى الله عليه وآله): علي سيد الأوصياء وأنا سيد الأنبياء فأهملوا الله ورسوله وركبوا الهوى وتنازعوا في التقديم حتى قالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير، فلما قال الجماعة لسعد بن عبادة ذلك، بعث إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال له: والله رمتها ولا يكون أحد أحق منك بها، فبعث إليه الإمام (عليه السلام) وقال: إني لفي شغل عنها فشأنك والقوم سيقضي الله أمرا كان مفعولا، وأراد الإمام أن يعلمهم بما تريد فتساهمت المهاجرون والأنصار مع الأوس والخزرج فوقعت ثلاث مرات على الأوس والخزرج فخرج أبو بكر إلى سعد، وتساهموا ثلاث مرات فتقع على سعد، فأول من بايع لسعد أبو بكر وعمر وعثمان والمهاجرون والأنصار وصلى بالناس سعد ثلاث صلوات الفجر والظهر والعصر وتفرق عنه أصحابه، فكان قد كتب سبعين كتابا إلى المواضع التي كان قد ولاها رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول لكل واحد منهم: إنك على ما ولاك عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإنه مات ووليت الأمر،
____________
(1) صحيح مسلم: 6 / 23.
قد قتلنا ملك الخزرج سعد بن عبادة | ورميناه بسهمين فلم يخط فؤاده |
والحديث الأول أصح عندي وعند أهل التواريخ، وماج الناس من أصحاب السقيفة وتحالفوا نوبة ثانية على أن كل من خالف أبا بكر قتلوه، ثم خرج أبو بكر طالبا المسجد خاطبا لنفسه في اليوم الذي بايع فيه لسعد بن عبادة، واجتمع الناس لها من كل مكان وأكثروا القال والقيل، وأنكر عليه اثنا عشر رجلا ستة من المهاجرين وستة من الأنصار.
غاية المرام للبحراني: 6 ....
الحادي عشر: صاحب " سير الصحابة " قال: حدثنا أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن موسى الهمداني عن محمد بن علي الطالقاني عن جعفر الكناني عن أبان بن تغلب قال: قلت لسيدي جعفر الصادق (عليه السلام) جعلت فداك هل في أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) من أنكر عليه؟ قال: نعم يا أبان الذي أنكر على الأول اثنا عشر رجلا ستة من المهاجرين وستة من الأنصار فمنهم خالد بن سعيد بن العاص الأموي وسلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري وعمار بن ياسر والمقداد بن الأسود الكندي وبريدة الأسلمي ومن الأنصار قيس بن سعد بن عبادة وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين وسهل بن حنيف وأبو الهيثم التيهان وأبي بن كعب وأبو أيوب الأنصاري هؤلاء اجتمعوا وتشاوروا وعزموا أنهم إن صعد أبو بكر منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يحطونه، والحديث طويل ليس هنا موضع ذكره، لأن كل من هؤلاء الاثني عشر احتج على أبي بكر مما لا ينكره من النصوص عن النبي (صلى الله عليه وآله) على علي (عليه السلام) بالإمامة والخلافة واحتجوا على أبي بكر بها(2).
____________
(1) ذكر في العقد الفريد: 4 / 247 ط. دار الإحياء أن الذي قتل سعد هو عمر بإرسال شخص وقيل أنه خالد، وذكره البلاذري في أنساب الأشراف: 1 / 589 ح 1193 ط. مصر.
2) أقول: وها أنا أذكر لك تصريحهم وتصريح غيرهم بذلك:
تصريح الصحابة بأحقية علي (عليه السلام)
تصريح الإمام الحسن بن علي (عليه السلام):
أخرجه أبو الفرج الأصفهاني في " مقاتل الطالبيين ": قال (عليه السلام) في رسالته لمعاوية: " فلما توفي (صلى الله عليه وآله وسلم) تنازعت سلطانه العرب، فقالت قريش: نحن قبيلته وأسرته وأولياؤه... ثم حاججنا نحن قريشا بمثل ما حاجت به العرب فلم تنصفنا قريش إنصاف العرب لها... واستولوا بالاجتماع على ظلمنا ومراغمتنا والعنت منهم لنا، فالموعد الله وهو الولي النصير. وقد تعجبنا لتوثب المتوثبين علينا في حقنا وسلطان نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) وإن كانوا ذوي فضيلة وسابقة في الإسلام فأمسكنا عن منازعتهم مخافة على الدين أن يجد المنافقون والأحزاب بذلك مغمزا يثلمونه به، أو يكون لهم بذلك سبب لما أرادوا به من فساده، فاليوم فليعجب المتعجب من توثبك يا معاوية على أمر لست من أهله " (مقاتل الطالبيين: 65 ذكر الخبر في بيعة الحسن بعد وفاة أمير المؤمنين، وأهل البيت لتوفيق أبي علم: 313 رسالة الإمام إلى معاوية).
* أقول: وللإمام الحسن مقولة مشهورة لأبي بكر: " انزل عن منبر أبي " (السقيفة: 66، وشرح النهج: 6 / 42 الخطبة 66، وأنساب الأشراف: 3 / 27، ومقتل الخوارزمي: 1 / 93، وكنز العمال: 5 / 616 ح 14085 و 13 / 654 ح 37662، وكفاية الطالب: 424).
تصريح الحسين بن علي (عليهما السلام):
وذلك في قوله لعمر: " انزل عن منبر أبي " (تاريخ دمشق: 14 / 175 ترجمة الحسين (عليه السلام)، وكنز العمال:
5 / 616 ح 14085 و 13 / 654 ح 37662).
تصريح فاطمة بنت محمد (عليها السلام):
كانت فاطمة بنت محمد المدافع الأول عن نبوة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم عن خلافته التي قضى عمره الشريف في تبليغ الإسلام وبالخلافة يحفظ الإسلام، فكانت صلوات الله عليها تخرج مع علي (عليه السلام) تدعو لنصرته (الإمامة والسياسة: 1 / 29).
وقد أبرزت ذلك بقولها في مواقف عدة، من ذلك ما قالته صلوات الله عليها في خطبتها في مجلس أبي بكر بعد وفاة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) جاء فيها:
"... حتى إذا اختار الله لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) دار أنبيائه ظهرت حسكة النفاق وسمل جلباب الدين ونطق كاظم الغاوين،
وقالت عليها رضوان الله تعالى: "... ونحن بقية استخلفنا عليكم ومعنا كتاب الله بينة بصائره، وآي فينا، منكشفة سرائره وبرهان منجلية ظواهره.. " (بلاغات النساء: 28 كلام فاطمة (عليها السلام).
وقالت عليها السلام في مرض وفاتها للنساء الذين دخلن عليها:
"... ويحهم أنى زحزحوها عن رواسي الرسالة وقواعد النبوة ومهبط الروح الأمين الطبن بأمور الدنيا والدين، ألا ذلك هو الخسران المبين، وما الذي نقموا من أبي الحسن؟! نقموا والله منه نكير سيفه وشدة وطأته، ونكال وقعته وتنمره في ذات الله، ويالله لو تكافئوا على زمام نبذه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لسار بهم سيرا سجحا (سهلا)، لا يكلم خشاشه ولا يتعتع راكبه، ولأوردهم منهلا رويا... ولفتحت عليهم بركات من السماء.. إلى أي لجأ لجأوا وأسندوا، وبأي عروة تمسكوا، ولبئس المولى ولبئس العشير، استبدلوا والله الذنابي بالقوادم والعجز بالكاهل، فرغما لمعاطس قوم *(يحسبون أنهم يحسنون صنعا)* *(إلا أنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون)* ويحكم: *(أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون)*...
*(أنلزمكموها وأنتم لها كارهون)*(بلاغات النساء: 32 - 33 كلام فاطمة، والسقيفة للجوهري: 117 - 118، وشرح النهج لابن أبي الحديد: 16 / 233 كتاب 45، وأهل البيت لتوفيق أبي علم: 176 - 177).
ومنه ما قالته (عليها السلام) في مجلس الأنصار:
" ألا وقد قلت الذي قلته على معرفة مني بالخذلان الذي خامر صدوركم واستشعرته قلوبكم، ولكن قلته فيضة النفس ونفثة الغيظ وبثة الصدر ومعذرة الحجة، فدونكموها فاحتقبوها مدبرة الظهر ناقبة الخف، باقية العار، موسومة بشنار الأبد.. " (التذكرة الحمدونية: 6 / 259 ح 628، وبلاغات النساء: 31 كلام فاطمة، والسقيفة للجوهري: 100، وشرح النهج لابن أبي الحديد: 16 / 211 كتاب 45).
وزاد الجوهري: "... أفتأخرتم بعد الإقدام، ونكصتم بعد الشدة، وجبنتم بعد الشجاعة عن قوم نكثوا إيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم، فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون " (السقيفة: 100، وشرح
وزاد الطبري الإمامي من طريق أهل البيت:: "... فما جعل الله لأحد بعد غدير خم من حجة ولا عذر " (دلائل الإمامة: 38).
وأخرج الجزري بسنده عن فاطمة (عليها السلام) أنها قالت لهم:
" أنسيتم قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم غدير خم: " من كنت مولاه فعلي مولاه " وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): " أنت مني بمنزلة هارون من موسى (عليهما السلام)؟!... ".
وقال: وهكذا أخرجه الحافظ الكبير أبو موسى المديني في كتابه المسلسل بالأسماء (أسمى المناقب في تهذيب أسنى المطالب: 33 ح 5).
* أقول: هذه جملة ما وصل إلينا من تصريحات فاطمة (عليها السلام)، وقد ذكر أصحابنا الكثير منها، أغمضنا عن ذكرها لأن الفضل ما شهدت به غيرنا (راجع دلائل الإمامة: 38 - 40، والاحتجاج: 1 / 97 إلى 109).
تصريح أبي بكر بن أبي قحافة:
أخرجه الجوهري عن المغيرة قال: مر المغيرة بأبي بكر وعمر وهما جالسان على باب النبي حين قبض، فقال:
وما يقعدكما؟
قالا: ننتظر هذا الرجل يخرج فنبايعه، يعنيان عليا.
فقال: أتريدون أن تنظروا حبل الحبلة من أهل هذا البيت وسموها في قريش تتسع.
قال: فقاما إلى سقيفة بني ساعدة، أو كلاما هذا معناه (السقيفة: 68، وشرح النهج لابن أبي الحديد: 6 / 43 الخطبة 66).
تصريح عمر بن الخطاب:
قال في أثناء حواره لابن عباس: أما والله إن كان صاحبك هذا أولى الناس بالأمر بعد وفاة رسول الله إلا إنا خفناه على اثنتين: حداثة سنه وحبه بني عبد المطلب (السقيفة: 52 و 73 و 129، وشرح النهج لابن أبي الحديد: 2 / 57 الخطبة 27، و 6 / 50 الخطبة 66).
وقال له يوما: يا بن عباس ما أظن صاحبك إلا مظلوما.
قال: فقلت: يا أمير المؤمنين (عليه السلام) فاردد عليه ظلامته.
قال: فقلت: والله ما استصغره الله حين أمره أن يأخذ براءة من أبي بكر (السقيفة: 70، وشرح النهج لابن أبي الحديد: 6 / 45 خطبة 66).
وقال له يوما: يا بن عباس ما يمنع قومكم منكم وأنتم أهل البيت خاصة؟
قال: قلت: لا أدري.
قال: لكني أدري، إنكم فضلتموهم بالنبوة فقالوا: إن فضلوا بالخلافة مع النبوة لم يبقوا لنا شيئا (العقد الفريد:
4 / 265 كتاب الخلفاء - أمر الشورى).
تصريح عثمان بن عفان:
ذلك ما قد يستفاد من ضمن حواره مع ابن عباس حول الخلافة حيث قال:
إني أعوذ بالله منكم يا بني عبد المطلب إن كان لكم حق تزعمون أنكم غلبتم عليه، فقد تركتموه في يدي من فعل ذلك بكم، وأنا أقرب إليكم رحما منه (تاريخ المدينة لابن شبة: 3 / 1046 حياة عثمان).
تصريح معاوية:
قال معاوية في رد رسالة محمد بن أبي بكر:
" فكان أبوك وفاروقه أول من ابتزه حقه وخالفه على ذلك اتفقا واتسقا، ثم دعواه إلى أنفسهم فأبطأ عنهما وتلكأ عليهما، فهما به الهموم وأرادا به العظيم فبايع وسلم لهما، لا يشركانه في أمرهما ولا يطلعانه على سرهما حتى قبضا وانقضى أمرهما.
إلى أن قال: أبوك مهد مهاده وبنى ملكه وشاده، فإن يكن ما نحن فيه صوابا فأبوك أوله، وإن يك جورا فأبوك أسسه، ونحن شركاؤه وبهديه أخذنا وبفعله اقتدينا، ولولا ما سبقنا إليه أبوك ما خالفنا ابن أبي طالب وأسلمنا له، ولكنا رأينا أباك فعل ذلك فاحتذينا بمثاله رأينا أباك فعل ما فعل فاحتذينا مثاله واقتدينا بفعاله، فعب أباك ما بدا لك أو دع والسلام على من أناب ورجع عن غوايته وتاب (وقعة صفين لنصر بن مزاحم: 120 - 121 الجزء الثاني - كتاب معاوية إلى محمد بن أبي بكر، ومروج الذهب: 3 / 12 - 13 ذكر خلافة معاوية).
وأخرجه نصر بن مزاحم والمسعودي والبلاذري بطوله مع تفاوت في بعض الألفاظ (أنساب الأشراف:
3 / 165 - 166 أمر مصر في خلافة علي ط. دار الفكر).