لا، قال: هذا فرق بين الآل والأمة، ويحكم أين يذهب بكم؟ أضربتم عن الذكر صفحا أم أنتم قوم مسرفون؟ أما علمتم أنه وقعت الوراثة والطهارة على المصطفين المهتدين دون سائرهم؟ قالوا:
ومن أين يا أبا الحسن؟ فقال (عليه السلام): من قول الله تعالى: *(ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون)* فصارت وراثة النبوة والكتاب للمهتدين دون الفاسقين، أما علمتم أن نوحا (عليه السلام) حين سأل ربه تعالى ذكره فقال: *(رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين)* وذلك أن الله وعده أن ينجيه وأهله فقال له ربه عز وجل: *(يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين)* فقال المأمون: هل فضل الله العترة على سائر الناس؟ فقال أبو الحسن (عليه السلام): إن الله تعالى أبان فضل العترة على سائر الناس في محكم كتابه، فقال له المأمون: أين ذلك من كتاب الله تعالى؟ فقال له الرضا (عليه السلام) في قوله تعالى: *(إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض)* وقال عز وجل: *(أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما)* ثم رد المخاطبة في إثر هذا إلى سائر المؤمنين فقال: *(يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)* يعني الذين قرنهم بالكتاب والحكمة وحسدوا عليها فقوله تعالى: *(أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما)* يعني الطاعة للمصطفين، فالملك هاهنا الطاعة، قالت العلماء: هل فسر الله تعالى الاصطفاء في الكتاب؟
فقال الرضا (عليه السلام): فسر الاصطفاء في الظاهر سوى الباطن في اثني عشر موضعا، ثم ذكر (عليه السلام) المواضع بعدها من القرآن إلى أن قال: وأما الرابعة فإخراجه الناس (صلى الله عليه وآله) من مسجده ما خلا العترة حتى تكلم الناس في ذلك وتكلم العباس فقال: يا رسول الله تركت عليا وأخرجتنا؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): وما أنا تركته وأخرجتكم ولكن الله تركه وأخرجكم وفي هذا تبيان لقوله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): أنت مني بمنزلة هارون من موسى. قالت العلماء: وأين هذا من القرآن؟ قال (عليه السلام): أوجدكم في ذلك قرآنا أقرأه عليكم؟ قالوا: هات، قال: قول الله تعالى: *(وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة)* ففي هذه الآية منزلة هارون من موسى، وفيها أيضا منزلة علي من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومع هذا دليل ظاهر في قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين قال: ألا إن هذا المسجد لا يحل إلا لمحمد وآله، فقالت العلماء: يا أبا الحسن وهذا البيان لا يوجد إلا عندكم معشر أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله)،
الثامن: الشيخ المفيد في أماليه أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان الحارثي قال: أخبرني أبو الحسن علي بن خالد المراغي قال: حدثنا أبو القاسم الحسن بن علي الكوفي قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مروان الغزال قال: حدثنا أبي قال: حدثنا عبيد بن خنيس العبدي قال: حدثنا صباح بن يحيى المزني عن عبد الله بن شريك عن الحارث بن ثعلبة قال: قدم رجلان يريدان مكة والمدينة في الهلال أو قبل الهلال فوجدا الناس ناهضين إلى الحج قال: فخرجنا معهم فإذا نحن بركب فيهم رجل كأنه أميرهم فانتبذ منهم فقال: كأنكما عراقيان؟ فقلنا: نحن عراقيان، قال: كونا كوفيين، قلنا:
نحن كوفيان قال: ممن أنتما؟ قلنا: من بني كنانة، قال: من أي بني كنانة؟ قلنا من بني مالك بن كنانة قال: رحب على رحب وقرب على قرب أنشدكما بكل كتاب منزل ونبي مرسل أسمعتما علي بن أبي طالب (عليه السلام) يسبني أو يقول إنه معادي أو مقاتلي؟
قلنا: من أنت؟ قال: أنا سعد بن أبي وقاص قلنا: لا، ولكن سمعناه يقول: اتقوا فتنة الخنيس كثير، ولكن سمعتماه يضئ باسمي؟ قالا: لا، قال: الله أكبر، الله أكبر قد ضللت إذا وما أنا من المهتدين إن أنا قاتلته بعد أربع سمعتهن من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ألا لئن يكون لي واحدة منهن أحب إلي من الدنيا وما فيها أعمر فيها عمر نوح، قلنا: سمهن قال: ما ذكرتهن إلا وأنا أريد أن أسميهن: بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) أبا بكر ببراءة لينبذ إلى المشركين فلما سار ليلة أو بعض ليلة بعث لعلي بن أبي طالب نحوه فقال:
اقبض براءة منه واردده إلي، فمضى إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) فقبض براءة منه ورده إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلما مثل بين يديه بكى فقال: يا رسول الله أحدث في شئ أم نزل في قرآن؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
لم ينزل فيك قرآن ولكن جبرئيل (عليه السلام) جاءني عن الله عز وجل فقال: لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك، وعلي مني وأنا من علي، ولا يؤدي عني إلا علي، قلنا له: وما الثانية؟ قال: كنا في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وآل علي وآل أبي بكر وآل عمر وأعمامه قال: فنودي فينا ليلا اخرجوا من المسجد إلا آل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وآل علي قال: فخرجنا نجر قلاعنا فلما أصبحنا أتاه عمه حمزة فقال: يا رسول الله أخرجتنا وأسكنت هذا الغلام ونحن عمومتك ومشيخة أهلك؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما أنا أخرجتكم ولا أنا أسكنته ولكن الله عز وجل أمرني بذلك قلنا له: فما الثالثة؟ قال: بعث رسول
____________
(1) عيون أخبار الرضا: 2 / 207 - 211 / باب 23 / ح 1.
لأعطين الراية غدا رجلا يحبه الله ورسوله، كرارا غير فرار لا يرجع حتى يفتح الله على يديه قال:
فلما أصبحنا جثونا على الركب فلم نره يدعو أحدا منا ثم نادى: أين علي بن أي طالب؟ فجئ به وهو أرمد فتفل في عينيه وأعطاه الراية ففتح الله على يديه.
قلنا له: فما الرابعة؟ قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) خرج غازيا إلى تبوك واستخلف عليا على الناس فحسدته قريش وقالوا: إنما خلفه لكراهية صحبته قال: فانطلق في إثره حتى لحقه فأخذ يعرز ناقته ثم قال: إني لتابعك قال: فما شأنك؟ فبكى وقال: إن قريشا تزعم أنك إنما خلفتني لبغضك لي وكراهيتك صحبتي قال: فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) مناديه فنادى في الناس ثم قال: أيها الناس أفيكم أحد إلا وله من أهله خاصة؟ قالوا: أجل، قال فإن علي بن أبي طالب خاصة أهلي وحبيبي إلى قلبي، ثم أقبل على أمير المؤمنين ثم قال: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي؟ فقال علي (عليه السلام): رضيت عن الله ورسوله، ثم قال سعد هذه الرابعة إن شئتما أحدثكما بخامسة، قلنا: قد شئنا ذلك قال: كنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حجة الوداع فلما عاد نزل غدير خم وأمر مناديه فنادى في الناس: من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله(1).
التاسع: الشيخ الطوسي في مجالسه قال: أخبرنا جماعة عن أبي المفضل قال: حدثنا الحسن بن علي بن زكريا العاصمي قال: حدثنا أحمد بن عبيد الله الفداني(2) قال: حدثنا الربيع بن سيار قال:
حدثنا الأعمش عن سالم بن أبي الجعد يرفعه إلى أبي ذر (رضي الله عنه) أن عليا (عليه السلام) وعثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص أمرهم عمر بن الخطاب أن يدخلوا بيتا ويغلقوا عليهم بابه ويتشاوروا في أمرهم وأجلهم ثلاثة أيام فإن توافق خمسة على قول واحد وأبى رجل منهم قتل ذلك الرجل، وإن توافق أربعة وأبى اثنان قتل الاثنان، فلما توافقوا جميعا على رأي واحد قال لهم علي بن أبي طالب (عليه السلام): إني أحب أن تسمعوا مني ما أقول لكم فإن يكن حقا فاقبلوه وإن يكن باطلا فأنكروه قالوا: قل، وساق الحديث يذكر فضائله وسوابقه والنص عليه من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهم في كل ما ذكره يصدقونه إلى أن قال (عليه السلام): أتعلمون أنه أمر بسد أبوابكم وفتح بابي فقلتم في ذلك فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما أنا سددت أبوابكم ولا أنا فتحت بابه بل الله سد أبوابكم وفتح بابه؟ قالوا: نعم(3).
____________
(1) أمالي الشيخ المفيد 55 / ح 2. بحار الأنوار: 40 / 39 / ح 75.
(2) في المصدر: العدلي.
(3) أمالي الطوسي 545 / مجلس 20 / ح 4.
قالوا: اللهم لا(1).
الحادي عشر: الشيخ في مجالسه قال: أخبرنا جماعة عن أبي المفضل قال: حدثنا عبد الرحمن ابن محمد بن عبد الله العزرمي عن أبيه عن عمار أبي اليقظان عن أبي عمر زادان قال: لما ودع الحسن بن علي (عليه السلام) معاوية صعد معاوية المنبر وجمع الناس فخطبهم وقال: إن الحسن بن علي رآني للخلافة أهلا، ولم ير نفسه لها أهلا وكان الحسن (عليه السلام) أسفل منه بمرقاة فلما فرغ من كلامه قام الحسن فحمد الله تعالى بما هو أهله ثم ذكر المباهلة فقال: فجاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الأنفس بأبي ومن الأبناء بي وبأخي ومن النساء بأمي وكنا أهله ونحن آله وهو منا ونحن منه، ولما نزلت آية التطهير جمعنا رسول الله في كساء لأم سلمة (رض) خيبري ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي وعترتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، فلم يكن أحد يجنب في المسجد ويولد له فيه إلا النبي (صلى الله عليه وآله) وأبي تكرمة من الله تعالى لنا وتفضيلا منه لنا، وقد رأيتم مكان منزلنا من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمر بسد الأبواب فسدها وترك بابنا فقيل له في ذلك فقال: أما إني لم أسدها وافتح بابه ولكن الله عز وجل أمرني أن أسدها وأفتح بابه. وإن معاوية زعم لكم أني رأيته للخلافة أهلا ولم أر نفسي لها أهلا فكذب معاوية، نحن أولى الناس بالناس في كتاب الله وعلى لسان نبيه ولم نزل أهل البيت مظلومين
____________
(1) أمالي الطوسي 554 / مجلس 20 / ح 5.
الثاني عشر: الشيخ في مجالسه قال: أخبرنا جماعة عن أبي المفضل قال: حدثني أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد بن عبد الرحمن الهمداني بالكوفة قال: حدثنا محمد بن المفضل بن إبراهيم بن قيس الأشعري قال: حدثنا علي بن حسان الواسطي قال: حدثنا عبد الرحمن بن كثير عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده علي بن الحسين (عليهم السلام) قال: لما أجمع الحسن بن علي (عليهما السلام) على صلح معاوية خرج حتى لقيه فلما اجتمعا قام معاوية خطيبا فصعد المنبر وأمر الحسن (عليه السلام) أن يقوم أسفل منه بدرجة ثم تكلم معاوية فقال: أيها الناس هذا الحسن بن علي وابن فاطمة رآنا للخلافة أهلا ولم ير نفسه لها أهلا وقد أتانا ليبايع طوعا ثم قال: قم يا حسن فقام الحسن (عليه السلام) فخطب فقال: الحمد لله المستحمد بالآلاء وتتابع النعماء وصارف الشدائد والبلاء عند الفهماء وغير الفهماء المذعنين من عباده لامتناعه بجلاله وكبريائه وعلوه من لحوق الأوهام ببقائه المرتفع عن كنه ضنانة المخلوقين من أن تحيط بمكنون غيبه رويات عقول الرايين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده
____________
(1) أمالي الطوسي 559 / مجلس 20 / ح 9. بحار الأنوار: 44 / 62 / ح 12.
وقد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين أمره أن يسير إلى مكة والموسم ببراءة: سر بها يا علي فإني أمرت أن لا يسير بها إلا أنا أو رجل مني، وأنت هو، فعلي من رسول الله ورسوله الله (صلى الله عليه وآله) منه وقال له النبي (صلى الله عليه وآله) حين قضى بينه وبين أخيه جعفر بن أبي طالب ومولاه زيد بن حارثة في ابنه حمزة: أما أنت يا علي فمني وأنا منك وأنت ولي كل مؤمن من بعدي، فصدق أبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) سابقا ووقاه بنفسه ثم لم يزل رسول الله (صلى الله عليه وآله) في كل موطن يقدمه ولكل شديدة يرسله ثقة منه به وطمأنينة إليه لعلمه بنصيحة الله ورسوله، وأنه أقرب المقربين من الله ورسوله وقد قال الله عز وجل *(والسابقون السابقون أولئك المقربون)* فكان أبي سابق السابقين إلى الله عز وجل وإلى رسوله (صلى الله عليه وآله) وأقرب الأقربين وقد قال الله تعالى: *(لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة)* فأبي كان أولهم إسلاما وإيمانا وأولهم إلى الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) هجرة ولحوقا وأولهم على وجده ووسعه نفقة قال سبحانه: *(والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم)* فالناس من جميع الأمم ليستغفروا له بسبقه إياهم إلى الإيمان ونبيه (صلى الله عليه وآله)، وذلك أنه لم يسبقه إلى الإيمان به أحد وقد قال الله تعالى: *(والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوه بإحسان رضي الله عنهم)* فهو سابق جميع السابقين فكما أن الله عز وجل فضل السابقين على المتخلفين والمتأخرين فكذلك فضل سابق السابقين على السابقين وقد قال الله عز وجل: *(أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله
فقال: قولوا: اللهم صل على محمد وآل محمد، فحق على كل مسلم أن يصلي علينا مع الصلاة على النبي فريضة واجبة، وأحل الله خمس الغنيمة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وأوجبها له في كتابه فأوجب لنا من ذلك ما أوجب له، وحرم عليه الصدقة وحرمها علينا منه فأدخلنا فله الحمد فيما أدخل فيه نبيه (صلى الله عليه وآله) وأخرجنا ونزهنا مما أخرجه منه ونزهه عنه كرامة أكرمنا الله عز وجل بها وفضيلة فضلنا بها على سائر العباد فقال الله تعالى لمحمد (صلى الله عليه وآله) حين جحده كفرة أهل الكتاب وحاجوه *(فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين)* فأخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الأنفس معه أبي ومن البنين أنا وأخي ومن النساء فاطمة أمي ومن الناس جميعا، فنحن أهله ولحمه ودمه ونفسه ونحن منه وهو منا وقد قال الله تعالى: *(إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)* فلما نزلت آية التطهير جمعنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنا وأخي وأمي وأبي فجعلنا ونفسه في كساء لأم سلمة خيبري وذلك في حجرتها وفي يومها فقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي وهؤلاء أهلي وعترتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، فقالت أم سلمة (رض): أنا أدخل معهم يا رسول الله؟
فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): يرحمك الله أنت على خير وإلى خير، وما أرضاني عنك ولكنها خاصة لي ولهم، ثم مكث رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد ذلك بقية عمره حتى قبضه الله إليه يأتينا في كل يوم عند طلوع الفجر فيقول: الصلاة يرحمكم الله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا وأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بسد الأبواب الشارعة في مسجده غير بابنا فكلموه في ذلك فقال: أما إني لم أسد أبوابكم ولم أفتح باب علي من تلقاء نفسي ولكني أتبع ما يوحى إلي وإن الله أمر بسدها
أيها الناس إني لو قمت حولا فحولا أذكر الذي أعطانا الله عز وجل وخصنا به من الفضل في كتابه وعلى لسان نبيه لم أحصه، وأنا ابن النذير البشير والسراج المنير الذي جعله الله رحمة للعالمين وأبي علي ولي المؤمنين وشبيه هارون، وإن معاوية بن صخر زعم أني رأيته للخلافة أهلا ولم أر نفسي لها أهلا فكذب معاوية، وأيم الله لإنا أولى الناس بالناس في كتاب الله وعلى لسان رسول الله (صلى الله عليه وآله) غير إنا لم نزل أهل البيت مخيفين مظلومين مضطهدين منذ قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فالله بيننا وبين من ظلمنا حقنا ونزل على رقابنا وحمل الناس على أكتافنا ومنعنا سهمنا في كتاب الله من الفئ والغنائم، ومنع أمنا فاطمة إرثها من أبيها، إنا لا نسمي أحدا ولكن أقسم بالله قسما تاليا لو أن الناس سمعوا قول الله عز وجل ورسوله لأعطتهم السماء قطرها والأرض بركتها ولما اختلف في هذه الأمة سيفان، ولأكلوها خضراء خضرة إلى يوم القيامة وإذا وما طمعت فيها يا معاوية ولكنها لما أخرجت سالفا من معدنها وزحزحت عن قواعدها تنازعتها قريش بينها وترامتها كترامي الكرة حتى طمعت فيها أنت يا معاوية وأصحابك من بعدك.
وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما ولت أمة أمرها رجلا قط وفيهم من هو أعلم منه إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالا حتى يرجعوا إلى ما تركوا، وقد تركت بنو إسرائيل وكانوا أصحاب موسى (عليه السلام) هارون أخاه وخليفته ووزيره وعكفوا على العجل وأطاعوا فيه سامريهم وهم يعلمون أنه خليفة موسى، وقد سمعت هذه الأمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول ذلك لأبي (عليه السلام) إنه مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، وقد رأوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين نصبه لهم بغدير خم وسمعوه ونادى له بالولاية ثم أمرهم أن يبلغ الشاهد منهم الغائب، وقد خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) حذارا من قومه إلى الغار لما أجمعوا على أن يمكروا به وهو يدعوهم لما لم يجد عليهم أعوانا ولو وجد عليهم أعوانا لجاهدهم، وقد كف أبي يده وناشدهم واستغاث أصحابه فلم يغث ولم ينصر ولو وجد أعوانا ما أجابهم، وقد جعل في سعة كما جعل النبي (صلى الله عليه وآله) في سعة، وقد خذلتني الأمة وبايعتك يا بن حرب ولو وجدت عليك
أيها الناس إنكم لو التمستم بين المشرق والمغرب رجلا جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأبوه وصي رسول الله لم تجدوا غيري وغير أخي فاتقوا الله ولا تضلوا بعد البيان، فكيف بكم؟ وأنى ذلك منكم؟ ألا وإني قد تابعت هذا - وأشار بيده إلى معاوية - وأنا أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين. أيها الناس إنه لا يعاب أحد بترك حقه وإنما يعاب أن يأخذ ما ليس له، وكل صواب نافع وكل خطأ ضار لأهله وقد كانت القضية ففهمها سليمان فنفعت سليمان ولم تضر داود، وأما القرابة فقد نفعت المشرك وهي والله للمؤمن أنفع، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعمه أبي طالب وهو في الموت: قل: لا إله إلا الله أشفع لك بها يوم القيامة، ولم يكن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول له ويعد إلا ما يكون منه على يقين وليس ذلك لأحد من الناس كلهم غير شيخنا أعني أبا طالب يقول الله عز وجل: *(وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك اعتدنا لهم عذابا أليما)*.
أيها الناس اسمعوا وعوا واتقوا الله وراجعوا وهيهات منكم الرجعة إلى الحق وقد صارعكم النكوص وخامركم الطغيان والجحود، أنلزمكموها وأنتم لها كارهون والسلام على من اتبع الهدى.
قال: فقال معاوية: والله ما نزل الحسن حتى أظلمت علي الأرض وهممت أن أبطش به ثم علمت أن الإغضاء أقرب إلى العافية(1).
الثالث عشر: الشيخ في مجالسه قال: أخبرنا جماعة عن أبي المفضل قال: حدثنا محمد بن هارون بن حميد بن المجدر قال: حدثنا محمد بن حميد الرازي قال: حدثنا جرير عن أبي شعيب بن إسحاق(2) عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كنت عند معاوية وقد نزل بذي طوى فجاءه سعد بن أبي وقاص وسلم عليه فقال معاوية: يا أهل الشام هذا سعد وهو صديق لعلي قال: فطأطأ القوم رؤوسهم وسبوا عليا (عليه السلام) فبكى سعد فقال له معاوية: ما الذي أبكاك؟
قال: ولم لا أبكي لرجل من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) يسب عندك ولا أستطيع أن أغير، وقد كان
____________
(1) أمالي الطوسي 561 / مجلس 21 / ح 1. بحار الأنوار: 10 / 139 / ح 5.
(2) في المصدر: أشعث بن إسحاق.
قال: بلى، قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه، والثانية: أنه بعث يوم خيبر عمر بن الخطاب إلى القتال فهزم وأصحابه فقال (صلى الله عليه وآله): لأعطين الراية غدا إنسانا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله فقعد المسلمون وعلي (عليه السلام) أرمد فدعاه فقال: خذ الراية فقال: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) إن عيني كما ترى فتفل فيها فقام فأخذ الراية ثم مضى بها حتى فتح الله عليه، والثالثة: خلفه في بعض مغازيه فقال علي: يا رسول الله خلفتني مع النساء والصبيان فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي؟
والرابعة: سد الأبواب في المسجد إلا باب علي. والخامسة: نزلت هذه الآية *(إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)* فدعا النبي عليا وحسنا وحسينا وفاطمة (عليهم السلام) فقال: اللهم هؤلاء أهلي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا(1).
الرابع عشر: الشيخ في مجالسه قال: أخبرنا جماعة عن أبي المفضل قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن جويرية الجندي سابوري من أصل كتابه قال: حدثنا علي بن منصور الترجماني قال:
أخبرنا الحسن بن عنبسة النهشلي قال: حدثنا شريك بن عبد الله النخعي القاضي عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون الأزدي أنه ذكر عنده علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال: إن قوما ينالون منه أولئك هم وقود النار، ولقد سمعت عدة من أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله) منهم حذيفة بن اليمان وكعب بن عجرة يقول كل رجل منهم: لقد أعطي علي ما لم يعطه بشر، هو زوج فاطمة سيدة نساء الأولين والآخرين فمن رأى مثلها أو سمع أنه تزوج بمثلها أحد في الأولين والآخرين؟ وهو أبو الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة من الأولين والآخرين فمن له أيها الناس مثلهما؟ ورسول الله (صلى الله عليه وآله) حموه وهو وصي رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أهله وأزواجه، وسد الأبواب التي في المسجد كلها غير بابه وهو صاحب الراية يوم خيبر وتفل رسول الله (صلى الله عليه وآله) يومئذ في عينيه وهو أرمد فما اشتكى منها من بعد ولا وجد حرا ولا قرا بعد يومه ذلك، وهو صاحب يوم غدير خم إذ نوه رسول الله (صلى الله عليه وآله) باسمه وألزم أمته ولايته وعرفهم بخطره وبين لهم مكانه فقال: أيها الناس من أولى بكم منكم بأنفسكم؟
____________
(1) أمالي الطوسي 599 / مجلس 21 / ح 17.
الخامس عشر: ابن بابويه قال: حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد الحسني قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن حفص الخثعمي قال: حدثنا الحسن بن عبد الواحد قال: حدثني أحمد بن التغلبي قال: حدثني محمد بن عبد الحميد قال: حدثني حفص بن منصور العطار قال: حدثنا أبو سعيد الوراق عن أبيه عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده (عليه السلام) وذكر حديث مناشدة أمير المؤمنين (عليه السلام) أبا بكر واحتجاجه عليه بالنصوص الواردة له الدالة على إمامته (عليه السلام) من فضائله وسوابقه من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفي كل ذلك يصدقه أبو بكر فكان فيما قال (عليه السلام) قال: فأنشدك بالله أنت الذي أمر رسول الله بفتح بابه في مسجده حين أمر بسد جميع أبواب أصحابه وأهل بيته وأحل له فيه ما أحله الله له أم أنا؟ قال: بل أنت(2).
____________
(1) أمالي الطوسي 559 / مجلس 20 / ح 8.
(2) الخصال 552 / ح 30.
الباب الحادي والمائة
حديث الصديقون ثلاثة وأفضلهم علي (عليه السلام) وهو الصديق الأكبر
الأول: من مسند أحمد بن حنبل روى عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبي قال: حدثنا ابن نمير وأبو أحمد الزبيري قالا: حدثنا العلاء بن صالح عن المنهال بن عمرو عن عباد بن عبد الله قال: سمعت عليا (عليه السلام) يقول: أنا عبد الله وأخو رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال ابن نمير في حديثه: وأنا الصديق الأكبر لا يقولها بعد إلا - قال أبو أحمد: - لا يقولها بعدي إلا كاذب مفتر، ولقد صليت قبل الناس بسبع سنين(1).
الثاني: عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثنا محمد قال: حدثنا الحسن بن عبد الرحمن الأنصاري قال: حدثنا عمرو بن جميع عن أبي ليلى عن أخيه عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الصديقون ثلاثة حبيب بن موسى النجار وهو مؤمن آل يس، وحزقيل مؤمن آل فرعون، وعلي بن أبي طالب الثالث هو أفضلهم(2).
الثالث: عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: وفيما كتب إلينا عبد الله بن غنام الكوفي يذكر أن الحسن ابن عبد الرحمن بن أبي ليلى المكفوف حدثهم قال، أخبرنا عمرو بن جميع البصري عن عيسى بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن عن أبيه أبي ليلى قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الصديقون ثلاثة: حبيب مؤمن آل يس الذي قال: *(يا قوم اتبعوا المرسلين)* وحزقيل مؤمن آل فرعون الذي قال *(أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله)* وعلي بن أبي طالب وهو أفضلهم(3).
الرابع: من الجزء الثاني من أجزاء اثنين من كتاب الفردوس وهو نصف الكتاب من تصنيف ابن شيرويه الديلمي في باب الصاد عن داود بن بلال قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الصديقون ثلاثة: حبيب النجار مؤمن آل يس، وحزقيل مؤمن آل فرعون، وعلي بن أبي طالب هو أفضلهم(4).
الخامس: الثعلبي في تفسير قوله تعالى: *(السابقون السابقون)* قال: روى عبيد الله بن محمد
____________
(1) فضائل الصحابة لابن حنبل: 2 / 586 / ح 993.
(2) فضائل الصحابة لابن حنبل: 2 / 627 / ح 1072.
(3) فضائل الصحابة لابن حنبل: 2 / 655 / ح 1117.
(4) نقله عنه ابن البطريق في العمدة 221 / ح 349.