التاسع: ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة قال: قال أبو مخنف جاءت عائشة إلى أم سلمة تخادعها على الخروج للطلب بدم عثمان فقالت لها: يا بنت أبي أمية أنت أول مهاجرة من أزواج رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأنت كبيرة أمهات المؤمنين وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقسم لنا من بيتك، وكان جبرئيل أكثر ما يكون في منزلك فقالت أم سلمة: ألأمر ما قلت هذه المقالة؟ فقالت عائشة: إن عبد الله أخبرني أن القوم استتابوا عثمان، فلما تاب قتلوه صائما في شهر حرام، وقد عزمت الخروج إلى البصرة ومعي الزبير وطلحة فاخرجي معنا لعل الله أن يصلح هذا الأمر على أيدينا وبنا فقالت لها أم سلمة: إنك كنت بالأمس تحرضين على عثمان وتقولين أخبث القول فيه، وما كان اسمه عندك إلا نعثلا وإنك لتعرفين منزلة علي بن أبي طالب كانت من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأذكرك؟ قالت: نعم.
قالت: أتذكرين يوم أقبل (عليه السلام) ونحن معه حتى إذ هبط من قديد ذات الشمال خلا بعلي يناجيه فأطال فأردت أن تهجمي عليهما فنهيتك فعصيتني فهجمت عليهما فما لبثت أن رجعت باكية فقلت: ما شأنك؟ فقلت: إني هجمت عليهما وهما يتناجيان فقلت لعلي: ليس لي من رسول الله إلا يوم من تسعة أيام فما تدعني يا بن أبي طالب ويومي؟ فأقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) علي وهو غضبان محمر الوجه فقال: ارجعي وراءك، والله لا يبغضه أحد من أهل بيتي ولا من غيرهم من الناس إلا وهو خارج من الإيمان، فرجعت نادمة ساخطة؟ فقالت عائشة: نعم أذكر ذلك، قالت: وأذكرك أيضا: كنت أنا وأنت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنت تغسلين رأسه وأنا أحيس له حيسا وكان الحيس يعجبه فرفع رأسه وقال: ليت شعري أيتكن صاحبة الجمل الأذنب تنبحها كلاب الحوأب ثم قال: يا بنت أبي أمية إياك أن تكونيها فتكوني ناكبة عن الصراط فرفعت يدي من الحيس وقلت: أعوذ بالله وبرسوله من ذلك، ثم ضرب على ظهرك ثم قال: إياك أن تكونيها يا حميراء، أما إني قد أنذرتك.
قالت عائشة: نعم أذكر ذلك قالت: وأذكرك أيضا: كنت أنا وأنت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في سفر له وكان علي (عليه السلام) يتعاهد نعلي رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيخصفهما ويتعاهد أثوابه فيغسلها فنقبت له نعل فأخذها يومئذ يخصفها وقعد في ظل سمرة، وجاء أبوك ومعه عمر فاستأذنا عليه فقمنا إلى الحجاب ودخلا فحادثاه فيما أرادا ثم قالا: يا رسول الله إنا لا ندري قدر ما تصحبنا فلو علمتنا من تستخلف علينا ليكون لنا بعدك مفزعا فقال لهما: أما إني قد أرى مكانه ولو فعلت لتفرقتم عنه كما
قال: خاصف النعل، فنظرنا فلم نر أحدا إلا عليا فقلت: يا رسول الله ما أرى إلا عليا فقال: هو ذاك فقالت عائشة: نعم أذكر ذلك، فقالت: فأي خروج تخرجين بعد هذا فقالت إنما أخرج للإصلاح بين الناس وأرجو فيه الأجر إن شاء الله فقالت: أنت ورأيك فانصرفت عائشة عنها وكتبت أم سلمة بما قالت وقيل لها إلى علي (عليه السلام).
قال ابن أبي الحديد عقيب ذلك: هذا نص صريح في إمامة علي (عليه السلام)(1).
____________
(1) شرح نهج البلاغة: 6 / 217.
الباب السادس والمائة
في حديث خاصف النعل
الأول: محمد بن العباس قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد عن محمد بن أحمد عن المنذر ابن جعفر قال: حدثني أبي عن جعفر بن الحكم عن منصور بن المعتمر عن ربعي بن حراش قال:
خطبنا علي (عليه السلام) في الرحبة ثم قال: لما كان في زمان الحديبية خرج إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أناس من قريش من أشراف أهل مكة وفيهم سهل بن عمرو وقالوا: يا محمد أنت جارنا وحليفنا وابن عمنا وقد لحق بك أناس من أبنائنا وإخواننا وأقاربنا ليس فيهم التفقه في الدين ولا رغبة فيما عندك ولكن إنما خرجوا فرارا من ضياعنا وأعمالنا وأموالنا فارددهم علينا، فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) أبا بكر فقال له: انظر ما يقولون فقال: صدقوا يا رسول الله، أنت جارهم فاردد عليهم قال: ثم دعا عمر فقال مثل قول أبي بكر، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) عند ذلك: لا تنتهوا يا معشر قريش حتى يبعث الله عليكم رجلا امتحن الله قلبه للتقوى يضرب رقابكم على الدين فقال أبو بكر: أنا هو يا رسول الله؟ فقال: لا فقام عمر فقال: أنا هو يا رسول الله؟ قال: لا ولكنه خاصف النعل، وكنت أخصف نعل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال عمر: ثم التفت إلينا علي (عليه السلام) وقال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار(1).
الثاني: المفيد في الإختصاص قال: حدثني محمد بن علي بن شاذان فقال، حدثنا أحمد بن يحيى النحوي أبو العباس تغلب قال: حدثنا أحمد بن سهل بن أبو عبد الرحمن قال: حدثنا يحيى ابن محمد بن موسى قال: حدثنا أحمد بن قتيبة أبو بكر عن عبد الحكم القتيبي عن أبي كيسة ويزيد بن ورمان قالا: لما أجمعت عائشة على الخروج إلى البصرة أتت أم سلمة (رض) وكانت بمكة وقالت: يا بنت أبي أمية كنت كبيرة أمهات المؤمنين، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقيم في بيتك، وكان يقسم لنا في بيتك، وكان ينزل الوحي في بيتك قالت: يا بنت أبي بكر لقد زرتني وما كنت زوارة ولأمر ما تقولين هذه المقالة!.
____________
(1) بحار الأنوار: 32 / 313 / ح 282. وفي سند الحديث اختلاف.
أقسم بالله لو سرت مسيرك هذا ثم قيل لي: ادخلي الفردوس لاستحييت أن ألقى محمدا (صلى الله عليه وآله) هاتكة حجابا قد ضربه الله علي، اجعلي حصنك بيتك وقاعة الستر خبرك حتى تلقيه وأنت على ذلك أطوع ما تكونين لله ما لزمتيه، وأنصر ما تكونين للدين ما جلست عنه، ثم قالت: لو ذكرت من رسول الله (صلى الله عليه وآله) خمسا في علي لنهشتني نهشة الحية الرقشاء المطرقة ذات الخبب، أتذكرين إذ كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقرع بين نسائه إذا أراد سفرا فأقرع بينهن فخرج سهمي وسهمك فبينا نحن معه وهو هابط من قديد ومعه علي (عليه السلام) يحدثه فذهبت لتهجمي عليه فقلت لك: رسول الله (صلى الله عليه وآله) معه ابن عمه ولعل له إليه حاجة فعصيتني ورجعت باكية فسألتك فقلت إنك هجمت عليهما.
فقلت له: يا علي إنما لي من رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم من تسعة أيام وقد شغلته عني وأخبرتني أنه قال لك: تبغضينه، فما يبغضه أحد من أهلي ولا من أمتي إلا خرج من الإيمان؟ أتذكرين هذا يا عائشة؟
قالت: نعم، ويوم أراد رسول الله (صلى الله عليه وآله) سفرا وأنا أجش له جشيشا فقال: ليت شعري أيتكن صاحبة الجمل الأدبب تنبحها كلاب الحوأب؟ فرفعت يدي من الجشيش فقلت: أعوذ بالله أن أكونه فقال:
والله لا بد لأحدكما أن تكونه، اتقي الله يا حميراء أن تكونيه، أتذكرين من هذا يا عائشة؟ قالت: نعم، ويوم تبدلنا لرسول الله (صلى الله عليه وآله) فلبست ثيابي ولبست ثيابك فجاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) فجلس إلى جنبك فقال: أتظنين يا حميراء إني لا أعرفك، أما إن لأمتي منك يوما مرا ويوما أحمر، أتذكرين هذا يا عائشة؟ قالت: نعم ويوم كنت أنا وأنت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) فجاءك أبوك يستأذن وعمر فدخلنا الخدر فقالا: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنا لا ندري قدر مقامك فينا ولو جعلت لنا إنسانا نأتيه بعدك؟ قال: أما إني
خاصف النعل، وكان علي بن أبي طالب يصلح نعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا تخرقت ويغسل ثيابه إذا اتسخت فقلت: ما أرى إلا عليا فقال: هو ذاك، أتذكرين هذا يا عائشة؟ قالت: نعم، قالت: ويوم جمعنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بيت ميمونة فقال: يا نسائي اتقين الله ولا يسفر بكن أحد، أتذكرين هذا يا عائشة؟ قالت: نعم، ما أقبلني لوعظك وأسمعني لقولك فإن أخرج ففي غير حرج وإن أقعد ففي غير بأس، وخرج رسولها فنادى في الناس: من أراد أن يخرج فليخرج فإن أم المؤمنين غير خارجة، فدخل عليها عبد الله بن الزبير فنفث في أذنها وقلبها في الذروة فخرج رسولها فنادى: من أراد أن يسير فليسر فإن أم المؤمنين خارجة فلما كان من ندمها أنشأت أم سلمة تقول:
لو أن معتصما من زلة أحد | كانت لعائشة الرتبى على الناس |
كم سنة لرسول الله تاركة | وتلو آي من القرآن مدراس |
قد ينزع الله من ناس عقولهم | حتى يكون الذي يقضى على الناس |
فيرحم الله أم المؤمنين لقد | كانت تبدل أيحاشا بإيناس |
قال أبو العباس ثعلب: قوله: يقمؤ في بيتك: يعني يأكل ويشرب وقد جمع القرآن ذيلك فلا تبذخيه: البذخ النفخ والرياء والكبر، سكنى عقيراك: مقامك وبذلك سمي العقار لأنه أصل ثابت، وعقر الدار: أصلها وعقر المرأة ثمن بضعها فلا تضحي بها قال الله عز وجل: *(وإنك لا تظمأ فيها ولا تضحى)* أي لا تبرز للشمس، قال النبي (صلى الله عليه وآله) لرجل محرم: " أضح لمن أحرمت له " أي أخرج إلى البراز والموضع الظاهر المنكشف من الأغطية والستور، القراطة في البلاد: السعي والذهاب، لا ترأبه النساء: لا تضمه النساء، حمادى النساء: ما يحمد منهن غض بالأطراف لا يبسطن أطرافهن في الكلام، قصر الوهادة: جمع وهد وهاد والوهاد: الموضع المنخفض، ناصة قلوصا: النص السوق بالعنف ومن ذلك الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه كان إذا وجد فجوة نص أي أسرع، ومن ذلك نص الحديث أي رفعه إلى أصله بسرعة، من منهل إلى آخر، المنهل الذي يشرب فيه الماء، مهواك:
الموضع الذي تهوين وتستقرين فيه قال الله عز وجل: *(والنجم إذا هوى)* أي نزل، سدافته: من السدفة وهي شدة الظلمة، قاعة الستر: قاعة الدار، صحنها، السدة: الباب(1).
____________
(1) الإختصاص 166. بحار الأنوار: 32 / 162 / ح 128.
الباب السابع والمائة
حديث الأعمش مع المنصور
أبو المؤيد موفق بن أحمد في كتاب الفضائل قال: أخبرنا الشيخ الإمام برهان الدين أبو الحسن علي بن الحسين الغزنوي بمدينة السلام في داره سلخ ربيع الأول من سنة أربع وأربعين وخمسمائة أخبرنا الشيخ الإمام أبو القاسم إسماعيل أحمد بن عمر بن أبي الأشعث السمرقندي، أخبرنا أبو القاسم [ إسماعيل ] بن مسعدة الإسماعيلي في شعبان سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة، أخبرنا أبو القاسم حمزة بن يوسف السهمي الرجل الصالح، أخبرنا أبو أحمد عبد الله بن محمد الحافظ، أخبرنا أبو علي الحسين بن عفير بن حماد بن زياد العطار بمصر، حدثنا أبو يعقوب يوسف بن عدي ابن زريق بن إسماعيل الكوفي التيمي، حدثنا جرير بن عبد الحميد الضبي، حدثنا سليمان بن مهران الأعمش قال: بينا أنا نائم في الليل إذا انتبهت بالحرس على بابي فناديت الغلام قلت: من هذا؟ فقال: رسل أمير المؤمنين أبي جعفر وكان إذ ذاك خليفة، قال: فنهضت من نومي فزعا مرعوبا فقلت للرسول ما وراءك؟ هل علمت لم بعث إلي أمير المؤمنين في هذا الوقت؟ قال: لا أعلم.
قال: فقمت متفكرا لا أدري على ماذا أنزل الأمر، أفكر فيما بيني وبين نفسي إلى ماذا أصير إليه، وأقول: لم بعث إلي في هذا الوقت وقد نامت العيون وغارت النجوم؟ ففكرت ساعة يسألني عن فضائل علي، فإن أنا أخبرته فيه بالحق أمر بقتلي وصلبني فأيست والله من نفسي وكتبت وصيتي والرسل يزعجوني ولبست كفني وتحنطت بحنوط وودعت أهلي وصبياني ونهضت إليه وما أعقل، فلما دخلت إليه سلمت عليه سلام مخيف وجل فأومأ إلي أن اجلس فما ما جلست وعيا وعنده عمرو بن عبيد ووزيره وكاتبه فحمدت الله عز وجل إذ رأيت من رأيت عنده فرجع إلي ذهني وأنا قائم وسلمت سلاما ثانيا فقلت: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ثم جلست فعلم أني دهشت ورعبت منه، فلم يقل لي شيئا وكان أول كلمة قالها إن قال لي: يا سليمان، قلت: لبيك يا أمير المؤمنين؟
قال: يا بن مهران أدن مني، فدنوت منه فشم مني رائحة الحنوط فقال: يا أعمش والله لتصدقني
قلت: يسيرا يا أمير المؤمنين، قال: ويحك كم تحفظ؟ قلت: عشرة آلاف حديث أو ألف حديث فلما قلت أو ألف حديث استقلها فقال: ويحك يا سليمان بل هي عشرة آلاف كما قلت أولا ثم قال:
وجثا أبو جعفر على ركبتيه وهو فرح مسرور وكان جالسا ثم قال: والله لأحدثنك يا سليمان بحديثين في فضائل علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فإن يكونا مما سمعت ووعيت فعرفني وإن يكونا مما لم تسمع فاسمع وافهم، قلت: نعم يا أمير المؤمنين فأخبرني، قال: نعم أنا أخبرك أني مكثت أياما وليالي هاربا من بني مروان ولا يسعني منهم دار ولا قرار ولا بلد وأدور في البلدان، فكلما دخلت بلدا خالطت أهل ذلك البلد بما يحبون وأتقرب إلى جميع الناس بفضائل علي بن أبي طالب وكانوا يطعمونني ويكسونني ويزودونني إذا خرجت من عندهم من بلد إلى بلد حتى قدمت إلى بلاد الشام وعلي كساء لي خلق ما يواريني غيره، قال: فبينما أنا كذلك إذ سمعت الأذان فدخلت المسجد فإذا سجادة ومتوضأ فتوضأت للصلاة ودخلت المسجد فركعت ركعتين فيه، وأقيمت الصلاة فصليت معهم الظهر والعصر وقلت في نفسي إذا أتى الليل طلبت من القوم عشاء أتعشى به ليلتي تلك، فلما سلم الشيخ من صلاة العصر جلس وهو شيخ كبير له وقار وسمت حسن ونعمة ظاهرة إذ أقبل صبيان وهما أبيضان نبيلان وضيئان لهما جمال ونور ساطع أعينهما يتلألأن، دخلا
فقال: هو جدهما وليس في هذه المدينة رجل يحب علي بن أبي طالب (عليه السلام) غير هذا الشيخ فقال: الله أكبر ومن أين علمت قال: علمت؟ أن من حبه لعلي سمى ولده باسمي ولدي علي بن أبي طالب (عليه السلام)، سمى أحدهما الحسن والآخر الحسين.
قال: فقمت فرحا مسرورا حتى أتيت الشيخ فقلت له: أيها الشيخ أريد أن أحدثك بحديث حسن يقر الله به عينك فقال: نعم، ما أكره ذلك فحدثني يرحمك الله وإذا أقررت عيني أقررت عينك فقلت: أخبرني والدي عن أبيه عن جده قال: كنا ذات يوم جلوسا عند رسول الله إذ أقبلت فاطمة ابنته رضي الله عنها فدخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالت: يا أبة إن الحسن والحسين خرجا من عندي آنفا وما أدري أين هما وقد طار عقلي وقلق فؤادي وقل صبري، وبكت وشهقت حتى علا بكاؤها فلما رآها رحمها ورق لها وقال لها لا تبكي يا فاطمة فوالذي نفسي بيده أن الذي خلقهما هو ألطف بهما منك وأرحم بصغرهما منك، قال: ثم قام النبي (صلى الله عليه وآله) من ساعته ورفع يديه إلى السماء وقال: اللهم إنهما ولداي وقرة عيني وثمرة فؤادي وأنت أرحم بهما مني وأعلم بموضعهما، يا لطيف بلطفك الخفي أنت عالم الغيب والشهادة، اللهم إن كان أخذا برا أو بحرا فاحفظهما وسلمهما حيث كانا وحيثما توجها.
قال: فلما دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما استتم الدعاء إلا وقد هبط جبرائيل (عليه السلام) من السماء ومعه عظماء الملائكة وهم يؤمنون على دعاء النبي (صلى الله عليه وآله) فقال له جبرائيل: يا حبيبي يا محمد لا تحزن ولا تغتم وأبشر فإن ولديك فاضلان في الدنيا فاضلان في الآخرة وأبوهما خير منهما وهما نائمان في حظيرة بني النجار وقد وكل الله عز وجل بهما ملكا يحفظهما، فلما قال له جبرائيل (عليه السلام) هذا الكلام سرى عنه ثم قام رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو وأصحابه وهو فرح مسرور حتى أتوا حظيرة بني النجار، فإذا الحسن والحسين نائمان وهما متعانقان، وإذا ذلك الملك الموكل بهما قد وضع أحد جناحيه بالأرض ووطأ به تحتهما يقيهما حر الأرض، والجناح الآخر قد جللهما به يقيمها حر الشمس فانكب النبي (صلى الله عليه وآله) يقبلهما واحدا فواحدا ويمسحهما بيده حتى أيقظهما من نومهما.
قال: فلما استيقظا حمل النبي (صلى الله عليه وآله) الحسن على عاتقه وحمل جبرائيل الحسين (عليه السلام) على ريشة من جناحه الأيمن حتى خرج بهما من الحظيرة وهو يقول: والله لأشرفنكما اليوم كما شرفكم الله
قالوا: بلى يا رسول الله، قال: عليكم بالحسن والحسين فإن عمهما جعفر ذو الجناحين الطيار مع الملائكة في الجنة وعمتهما أم هانئ بنت أبي طالب، ثم قال: يا معاشر المسلمين هل أدلكم على خير الناس خالا وخالة؟ قالوا: بلى يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: عليكم بالحسن والحسين فإن خالهما القاسم بن رسول الله وخالتهما زينب بنت رسول الله، ثم قال: اللهم إنك تعلم أن الحسن والحسين في الجنة وجدهما في الجنة وجدتهما في الجنة وأمهما في الجنة وأبوهما في الجنة وخالهما في الجنة وخالتهما في الجنة وعمهما في الجنة وعمتهما في الجنة ومن يحبهما في الجنة ومن يبغضهما في النار قال: فلما قلت ذلك للشيخ وفهم قولي قال لي: أيدك الله من أنت؟ قلت: أنا من الكوفة قال: أعربي أنت أم مولى؟ قلت: بل عربي شريف.
فقال لي: إنك تحدثت مثل هذا الحديث وأنت في هذا الكساء الرث؟ قلت: نعم، لي قصة لا أحب أن أبديها لأحد قال: ابدها لي بأمانة فقلت: أنا هارب من بني مروان على هذه الحال التي ترى لئلا أعرف ولو غيرت حالي لعرفت ولو أردت أن أعرف بنفسي لفعلت ولكني أخاف على نفسي القتل، فقال لي لا خوف عليك فقال: أقم عندي وكساني حلتين خلعهما علي وحملني على بغلة، وثمن البغلة في ذلك اليوم في تلك البلدة مائة دينار ثم قال: يا فتى أقررت عيني أقر الله عينك فوالله
فقلت له: نعم بالحب والكرامة، حدثني والدي عن أبيه عن جده قال: كنا يوما عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) قعودا فأقبلت فاطمة وقد حملت الحسن على كتفها وهي تبكي بكاء شديدا وتشهق في بكائها فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما يبكيك يا فاطمة لا أبكى الله عينيك؟ قالت: يا أبت فكيف لا أبكي ونساء قريش قد عيرتني قلن لي: إن أباك قد زوجك برجل فقير معدم لا مال له فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا تبكي يا فاطمة فوالله ما أنا زوجتك، بل الله عز وجل زوجك من فوق سبع سماواته وأشهد على ذلك جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، ثم إن الله عز وجل اطلع على أهل الأرض فاختار من الخلائق عليا فزوجك إياه واتخذته وصيا، وعلي مني وأنا منه أشجع الناس قلبا وأعلم الناس علما وأحلم الناس حلما وأقدم الناس سلما والحسن والحسين ابناه سيدا شباب أهل الجنة من الأولين والآخرين، وسماهما الله تعالى في التوراة على لسان موسى (عليه السلام) شبر وشبير لكرامتهما على الله تعالى.
يا فاطمة لا تبكي فإني إذا مضيت غدا إلى رب العالمين فيكون علي معي وإذا بعثت غدا فيجئ علي معي، يا فاطمة لا تبكي فإن عليا وشيعته هم الفائزون غدا، يدخلون الجنة، قال: فلما قلت ذلك للفتى قال: أنشدك الله وبالله عز وجل من أنت؟ قال: قلت أنا رجل من أهل الكوفة فقال:
أعربي أم مولى؟ قال: بل عربي شريف، قال: فكساني ثلاثين ثوبا في تخت(1) وأعطاني عشرة آلاف درهم في كيس ثم قال لي: أقررت عيني يا فتى أقر الله عينيك، ولم يسألني غير ذلك ثم قال لي:
إليك حاجة؟ فقلت له: تقضى إن شاء الله تعالى فقال: إذا أصبحت غدا فائت مسجد بني فلان حتى ترى أخي الشقي.
قال أبو جعفر: فوالله لقد طالت علي تلك الليلة حتى خشيت أن لا أصبح حتى أفارق الدنيا،
____________
(1).
قال: قلت: نعم، فأخذ بيدي وأقامني وهو يبكي بكاء شديدا ثم شهق في مكانه حتى كادت نفسه أن تزهق ثم أتى بي إلى منزله فقال لي انظر إلى هذا البنيان فنظرت إليه فقال لي: اعلم يا أخي إني كنت أؤذن وأؤم بالناس، وكنت ألعن علي بن أبي طالب بين الأذان والإقامة ألف مرة وأنه كان قد لعنته في يوم الجمعة بين الأذان والإقامة أربعة آلاف مرة وخرجت من المسجد وأتيت الدار واتكأت على هذا الموضع الذي أريتك، فذهب بي النوم فنمت فرأيت في منامي كأني قد أقبلت باب الجنة فرأيت فيها قبة من زمردة خضراء وقد زخرفت ونجدت ونضدت بالاستبرق والديباج وإذا حول القبة كراس من لؤلؤ وزبرجد وإذا علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) فيها متك، وإذا أبو بكر الصديق وعمر وعثمان (رض) جلوس يتحدثون فرحين مسرورين مستبشرين بعضهم ببعض ثم التفت فإذا أنا بالنبي (صلى الله عليه وآله) قد أقبل وعن يمينه الحسن ومعه كأس فضة وعن يساره الحسين (رضي الله عنه) وفي يد الحسين كأس من نور.
قال النبي (صلى الله عليه وآله) للحسين: اسقني فسقاه فشرب ثم قال النبي (صلى الله عليه وآله): يا حسين اسق الجماعة فسقى أبا بكر وعمر وعثمان (رض) وسقى عليا (رضي الله عنه)، وكأنما قال النبي (صلى الله عليه وآله) للحسين: يا حسين اسق، هذا اسق هذا المتكئ الذي على الدكان، فقال الحسين للنبي (صلى الله عليه وآله): يا جداه أتأمرني أن أسقي هذا وهو يلعن والدي عليا في كل يوم ألف مرة وقد لعنه في هذا اليوم وهو يوم الجمعة أربعة آلاف مرة؟ فقال النبي (صلى الله عليه وآله) عند ذلك كالمغضب: ما لك تلعن عليا لعنك الله، لعنك الله؟ ثلاث مرات، ويحك تشتم عليا وهو مني وأنا منه؟ عليك غضب الله، عليك غضب الله، عليك غضب الله حتى قالها ثلاثا، ثم تفل في وجهي ثلاثا وضربني برجله ثلاثا وقال لي: غير الله ما بك من نعمة وسود وجهك وخلقك حتى تكون عبرة لمن سواك قال: فانتبهت من نومي وإذا رأسي رأس خنزير ووجهي وجه خنزير على ما تراني، فقال سليمان بن مهران: فقال لي أبو جعفر: يا سليمان هذان الحديثان كانا في حفظك؟
قال: وروى هذا الحديث صاحب المناقب الفاخرة في العترة الطاهرة قال: أخبرنا أبو الخير المبارك بن سرور قراءة عليه فقلت له: أخبركم القاضي أبو عبد الله قال: حدثني أبي (رحمه الله) قال: أخبرني أبو طالب محمد بن أحمد بن عثمان بن الفرج بن الأزهر الصيرفي البغدادي قال: حدثنا أبو بكر محمد بن الحسين بن سليم عن عبد الله بن محمد العسكري عن عبد الله بن غياث الهروي عن الحسن بن عرفة قال: حدثني أبو معاوية قال: حدثنا الأعمش قال: بعث إلي المنصور في جوف الليل فجزعت وقلت في نفسي: ما بعث إلي في مثل هذه الساعة لخير ولا شك أنه يسألني عن فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، فإن أخبرته يقتلني فنهضت فتطهرت ولبست ثيابا نظيفة جعلتها أكفاني وتحنطت وكتبت وصيتي وصرت إليه، فوجدت عنده عمرو بن عبيد فحمدت الله وقلت: وجدت رجلا عون صدق فلما صرف بين يديه قال لي: ادن مني يا سليمان فدنوت منه فلما قربت منه أقبلت على عمرو بن عبيد أسأله ففاح له مني ريح الحنوط فقال لي المنصور: يا سليمان ما هذه الرائحة؟ والله لئن لم تصدقني لأقتلنك فقلت: يا أمير المؤمنين لما أتاني رسولك في جوف الليل قلت: ما بعث لي في هذا الوقت إلا ليسألني عن فضائل أهل البيت، فإن أخبرته قتلني فكتبت وصيتي ولبست ثيابا جعلتها أكفاني وتحنطت، وكان متكيا فاستوى جالسا وقال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ثم قال لي: يا سليمان ما اسمي؟
قلت: أمير المؤمنين عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس قال: صدقت، قال:
فأخبرني كم حديثا تروي في فضائل أهل البيت (عليهم السلام)؟ فقلت: يسيرا، قال: على كم ذلك؟
قلت: عشرة آلاف حديث وما زاد قال: يا سليمان لأحدثنك في فضائلهم حديثين يأكلان كل الأحاديث [ التي رويتها ] إن حلفت أن لا ترويهما لأحد من الشيعة فقلت: والله لا أخبر بهما أحدا وحلفت له بنعمته فقال: اسمع يا سليمان كنت هاربا من مروان أدور في البلاد وأتقرب إلى الناس
____________
(1) المناقب 284 / ح 279 بتفاوت.
هل لك في حديث أقر به عينك؟ فقال: ما أحوجني إلى ذلك، وإن أقررت عيني أقررت عينك فقلت: حدثني جدي عن أبيه قال: كنا ذات يوم عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذ أقبلت فاطمة (عليها السلام) وهي تبكي، فقال لها النبي (صلى الله عليه وآله): ما يبكيك يا قرة عيني؟ قالت: يا أباه الحسن والحسين خرجا البارحة ولم أعلم أين باتا، وأن عليا يمسي على الدالية يسقي البستان منذ خمسة أيام فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا تبكي يا فاطمة فإن الذي خلقهما ألطف مني ومنك بهما، ورفع يده إلى السماء وقال: اللهم إن كانا أخذا برا أو بحرا فاحفظهما وسلمهما، فهبط جبرائيل (عليه السلام) وقال: يا محمد لا تهتم ولا تحزن فهما فاضلان في الدنيا والآخرة، وإنهما في حديقة بني النجار باتا، وقد وكل الله بهما ملكا يحفظهما فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) وجبرائيل (عليه السلام) عن يمينه ومعه جماعة من أصحابه حتى أتوا إلى الحديقة وإذا الحسن معانق للحسين (عليهما السلام) والملك الموكل بهما أحد جناحيه تحتهما والآخر فوقهما فانكب رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليهما يقبلهما فانتبها من نومهما، فحمل النبي (صلى الله عليه وآله) الحسن وحمل جبرائيل الحسين (عليه السلام) حتى خرجا من الحديقة والنبي (صلى الله عليه وآله) يقول: لأشرفنهما اليوم كما أكرمهما الله تعالى فاستقبله أبو بكر وقال:
يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ناولني أحدهما حتى أحمله عنك فقال النبي (صلى الله عليه وآله): نعم المحمولة ونعم المطية، وأبوهما خير منهما حتى أتى المسجد فقال لبلال: هلم إلي الناس، فاجتمعوا فقام النبي (صلى الله عليه وآله) وقال:
يا معاشر المسلمين ألا أدلكم على خير الناس جدا وجدة.
قالوا: بلى يا رسول الله، قال: هذا الحسن والحسين جدهما رسول الله وجدتهما خديجة ثم قال:
ألا أدلكم على خير الناس أبا وأما؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: هذا الحسن والحسين أبوهما علي
بن أبي طالب وأمهما فاطمة ابنة محمد (صلى الله عليه وآله) سيدة نساء العالمين، قال: ألا أدلكم على خير الناس
خالا وخالة؟ قالوا: بلى يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: هذا الحسن والحسين خالهما القاسم بن رسول الله
وخالتهما زينب بنت رسول الله، ثم قال: ألا أدلكم على خير الناس عما وعمة؟ قالوا: بلى يا رسول