قال: نعم أنت أمير المؤمنين، فتجاوزه وسأل آخر فأجاب بمثل ذلك إلى أن سأل واحدا فقال: ما أعرفك، فاشترى منه قميصا فلبسه ثم قال: " الحمد لله الذي كسا علي بن أبي طالب (عليه السلام) " وإنما أبتاع (عليه السلام) ممن لا يعرفه خوفا من المحاباة في إرخاص ما ابتاعه(1).
قال علي (عليه السلام) يوما على المنبر: " من يشتري سيفي هذا؟ ولو أن لي قوت ليلة ما بعته "(2) وغلة صدقته تشتمل حينئذ على أربعة آلاف دينار ".
الثلاثون: ابن بابويه في أماليه قال: حدثنا أبي (رحمه الله) قال: حدثنا سعد بن عبد الله قال: حدثنا إبراهيم ابن هاشم عن إسماعيل بن مرار عن يونس بن عبد الرحمن عن عبد الله بن سنان عن أبي حمزة الثمالي عن الأصبغ بن نباتة أنه قال: كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) إذا أتى بالمال أدخله بيت مال المسلمين، ثم جمع المستحقين، ثم ضرب يده بالمال فنثره يمنة ويسرة وهو يقول: " يا صفرا يا بيضاء لا تغريني، غري غيري ".
هذا جناي وخياره فيه | إذ كل جان يده إلى فيه |
ثم لا يخرج حتى يفرق ما في بيت مال المسلمين ويؤتي كل ذي حق حقه، ثم يأمر أن يكنس ويرش، ثم يصلي فيه ركعتين ثم يطلق الدنيا ثلاثا يقول بعد التسليم: " يا دنيا لا تتعرضي لي ولا تتشوقي ولا تغريني، فقد طلقتك ثلاثا لا رجعة لي عليك "(3).
____________
(1) خصائص الأئمة: 80.
(2) خصائص الأئمة: 79.
(3) أمالي الصدوق: 357 / مجلس 47 / ح 17.
الباب الحادي والثلاثون والمائة
في خوفه من الله وبكائه من خشية الله تعالى
وخبر ضرار وخبر أبي الدرداء، وطلاقه الدنيا ثلاثا
الأول: ابن شهرآشوب في المناقب من طريق العامة عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن مجاهد عن ابن عباس *(فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا)* هو علقمة بن الحارث بن عبد الدار *(وأما من خاف مقام ربه)* علي بن أبي طالب (عليه السلام)، خاف وانتهى عن المعصية ونهى عن الهوى نفسه، فإن الجنة هي المأوى خاصا لعلي ومن كان على منهاج علي هكذا عاما(1).
الثاني: ابن شهرآشوب من طريق العامة أيضا عن تفسير أبي أبو يوسف يعقوب بن سفيان عن مجاهد عن ابن عباس *(إن المتقين في ظلال وعيون)* من اتقى الذنوب علي بن أبي طالب والحسن والحسين في ظلال من الشجر، والخيام من اللؤلؤ طول كل خيمة مسيرة فرسخ في فرسخ، ثم ساق الحديث إلى قوله *(إنا كذلك نجزي المحسنين)* المطيعين لله أهل بيت محمد في الجنة(2).
الثالث: ابن شهرآشوب من طريقهم عن ابن بطه في الإبانة، وأبو بكر بن عياش في الأمالي عن أبي داود السبيعي عن عمران بن حصين قال: كنت عند النبي (صلى الله عليه وآله) وعلي إلى جنبه إذ قرأ النبي (صلى الله عليه وآله) هذه الآية: " *(أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض)*(3) " قال:
" فارتعد علي (عليه السلام) " فضرب النبي (صلى الله عليه وآله) على كتفه وقال: " ما لك يا علي "؟
قال: " قرأت يا رسول الله هذه الآية فخشيت أن ابتلى بها، فأصابني ما رأيت ".
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق إلى يوم القيامة "(4).
الرابع: ابن شهرآشوب عن أنس بن مالك قال: لما نزلت الآيات الخمس في طس *(أمن جعل الأرض قرارا)*(5) انتفض علي انتفاض العصفور فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): " ما لك يا علي "؟
____________
(1) مناقب آل أبي طالب: 1 / 364.
(2) مناقب آل أبي طالب: 1 / 364.
(3) النمل: 62.
(4) مناقب آل أبي طالب: 1 / 371.
(5) النمل: 61.
" أبشر فإنه لا يبغضك مؤمن ولا يحبك منافق، ولولا أنت لم يعرف حزب الله "(1).
الخامس: صاحب كتاب الصفوة في فضائل العشرة من العامة قال: أخبرنا أبو بكر بن حبيب الصوفي قال: حدثنا أبو سعيد بن أبي صادق الحيري قالوا: أنبأنا أبو عبد الله بن باكويه الشيرازي قال: حدثنا عبد الله بن فهد قال: حدثنا فهد بن إبراهيم الساجي قال: حدثنا محمد بن زكريا بن دينار قال: حدثنا العباس بن بكار قال: حدثنا عبد الواحد بن أبي عمرو عن الكلبي عن أبي صالح قال معاوية بن أبي سفيان لضرار بن ضمرة: صف لي عليا.
قال: أو تعفيني؟
قال: لا أعفيك.
قال: أما إذا لا بد فإنه والله كان بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلا ويحكم عدلا، يتفجر العلم من جوانبه وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها ويأنس بالليل وظلمته، كان والله غزير الدمعة طويل الفكرة، يقلب كفيه ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما خشن ومن الطعام ما جشب، كان والله كأحدنا، يجيبنا إذا سألناه ويبتدأنا إذا أتيناه، ويأتينا، إذا دعوناه، ونحن والله مع تقريبه لنا وقربه منا لا نكلمه هيبة ولا نبتدئه لعظمته، فإن تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم، يعظم أهل الدين ويحب المساكين، لا يطمع القوي في باطله ولا ييأس الضعيف عن عدله، فأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه، وقد مثل في محرابه قابضا على لحيته يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين وكأني أسمعه وهو يقول: " يا دنيا يا دنيا أبي تعرضت أم لي تشوقت؟ هيهات، هيهات، غري غيري، قد أبنتك ثلاثا لا رجعة لي فيك، فعمرك قصير وعيشك حقير وخطرك كبير، آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق ".
قال فذرفت دموع معاوية على لحيته فما يملكها وهو ينشفها بكمه وقد اختنق القوم بالبكاء، ثم قال معاوية: رحم الله أبا الحسن، كان والله كذلك، فكيف حزنك عليه يا ضرار؟
قال: حزن من ذبح ولدها في حجرها فلا ترقى عبرتها ولا يسكن حزنها(2). وهذا الخبر من مشاهير الأخبار في الكتب والأسفار.
السادس: وفي نهج البلاغة خبر ضرار بن ضمرة الضباني عند دخوله على معاوية ومسألته عن
____________
(1) مناقب آل أبي طالب: 1 / 390.
(2) صفوة الصفوة: 1 / 315، ورواه المصنف في حلية الأبرار: 2 / 213 / ح 6.
قال ابن أبي الحديد في الشرح وهو من أكابر علماء المعتزلة: السليم الملسوع، وقوله: لا حان حينك: دعاء عليها أي لا حضر وقتك كما تقول: لا كنت فأما ضرار بن ضمرة فإن الرياشي روى خبره ونقلته أنا من كتاب عبد الله بن إسماعيل في التنزيل على نهج البلاغة قال: دخل ضرار على معاوية، وكان ضرار من أصحاب علي (عليه السلام) فقال له معاوية: يا ضرار صف لي عليا، قال أو تعفيني؟
قال: لا أعفيك، قال ما أصف منه؟ كان والله شديد القوى بعيد المدى، يتفجر العلم من أنحائه والحكمة من أرجائه، حسن المعاشرة، سهل المباشرة، خشن المأكل، قصير الملبس، غزير العبرة، طويل الفكرة، يقلب كفه، ويخاطب نفسه، وكان فينا كأحدنا، يجيبنا إذا سألنا ويبتدئنا إذا سكتنا، ونحن مع تقريبه إلينا أشد ما يكون صاحب لصاحبه هيبة، لا نبتدئه بالكلام لعظمته، يحب المساكين ويقرب أهل الدين، وأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه... وتمام الكلام مذكور في الكتاب(1).
السابع: ابن أبي الحديد: وذكر أبو عمر بن عبد البر في كتاب الإستيعاب هذا الخبر وقال: حدثنا عبد الله بن محمد بن يوسف قال: حدثنا يحيى بن مالك بن عايد قال: حدثنا أبو الحسن محمد بن محمد بن مقلة البغدادي بمصر، وحدثنا أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد قال: حدثنا العكلي عن الحرمازي عن رجل من همدان قال: قال معاوية لضرار الضبابي، يا ضرار صف لي عليا، وقال:
أعفني يا أمير المؤمنين، قال لتصفنه.
قال: أما إذا لا بد من وصفه فقال: كان والله بعيد المدى شديد القوى، يقول فضلا ويحكم عدلا، يتفجر العلم من جوانبه وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها ويأنس بالليل ووحشته، غزير العبرة طويل الفكرة، يعجبه من اللباس ما قصر ومن الطعام ما خشن، وكان فينا كأحدنا، يجيبنا إذا سألناه وينبئنا إذا استفتيناه، ونحن والله مع تقريبه إيانا وقربه منا لا نكاد نكلمه هيبة له، يعظم أهل الدين ويقرب المساكين، لا يطمع القوي في باطله ولا ييأس الضعيف من عدله
____________
(1) شرح نهج البلاغة: 18 / 224.
قال حزن من ذبح ولدها في حجرها(1).
الثامن: ابن شهرآشوب عروة بن الزبير قال تذاكرنا صالح الأعمال فقال أبو الدرداء: أعبد الناس علي بن أبي طالب (عليه السلام) سمعته قائلا بصوت حزين ونغمة شجية في موضع خال: " إلهي كم من موبقة حملتها عني فقابلتها بنعمك، وكم من جريرة تكرمت علي بكشفها بكرمك، إلهي إن طال في عصيانك عمري وعظم في الصحف ذنبي، فما أنا مؤمل غفرانك ولا أنا براج غير رضوانك " ثم ركع ركعات فأخذ في الدعاء والبكاء فمن مناجاته: " إلهي أفكر في عفوك فتهون علي خطيئتي، ثم أذكر العظيم من أخذك فتعظم علي بليتي " ثم قال: " آه، إن أنا قرأت في الصحف سيئة أنا ناسيها وأنت محصيها فتقول: خذوه فياله من مأخوذ لا تنجيه عشيرته ولا تنفعه قبيلته، يرجمهم البلاء إذا أذن فيه بالنداء، آه من نار تنضج الأكباد والكلى، آه من نار نزاعة للشوى، آه من غمرة من لهبات لظى " ثم انفجر في البكاء فلم أسمع له حسا فقلت: غلب عليه النوم، أوقظه لصلاة الفجر فأتيته فإذا هو كالخشبة الملقاة، فحركته فلم يتحرك فقلت إنا لله وإنا إليه راجعون مات والله علي بن أبي طالب، قال فأتيت منزله مبادرا أنعاه إليهم، فقالت فاطمة: ما كان من شأنه؟
فأخبرتها فقالت: " هي والله الغشية التي تأخذه من خشية الله " ثم أتوه بماء فنضحوه على وجهه فأفاق، ونظر إلي وأنا أبكي فقال: مما بكاؤك يا أبا الدرداء؟
فكيف لو رأيتني ودعي بي إلى الحساب، وأيقن أهل الجرايم بالعذاب، واحتوشتني ملائكة غلاظ شداد، وزبانية فظاظ، فوقفت بين يدي الملك الجبار، قد أسلمتني الأحباء ورحمني أهل الدنيا أشد رحمة لي بين يدي من لا يخفى عليه خافية(2).
التاسع: ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة قال: روى زرارة قال: قيل لجعفر بن محمد (عليه السلام): إن قوما هاهنا ينتقصون عليا قال: " بم ينتقصونه لا أبا لهم؟ وهل فيه موضع نقيصة، والله ما عرض لعلي أمران قط كلاهما لله طاعة إلا عمل بأشدهما وأشقهما عليه، ولقد كان يعمل العمل كأنه قائم بين
____________
(1) شرح نهج البلاغة: 18 / 225.
(2) مناقب آل أبي طالب: 1 / 389.
العاشر: ابن أبي الحديد قال: قال علي (عليه السلام) لأخيه عقيل: " والله لئن أبيت على حسك السعدان مسهدا، أو أجر في الأغلال مصفدا أحب إلي من أن ألقي الله ورسوله يوم القيامة ظالما لبعض العباد أو غاصبا لشئ من الحطام، وكيف أظلم أحدا لنفس يسرع إلى البلاء قفولها، ويطيل في الثرى حلولها، والله لقد رأيت عقيلا وقد أملق وقد استماحني من بركم صاعا ورأيت صبيانه شعث الشعور غبر الألوان من فقرهم فكأنما سودت وجوههم بالعظلم، وعاودني مؤكدا وكرر علي مرددا، فأصغيت إليه سمعي فظن أني أبيعه ديني وأتبع قياده مفارقا طريقتي، فأحميت له حديدة ثم أدنيتها من جسمه ليعتبر بها فضج ضجيج ذي دنف من ألمها، وكاد أن يحترق من ميسمها، وقلت له: ثكلتك الثواكل، أتئن من حديدة أحماها إنسانها للعبه، وتجرني إلى نار سجرها جبارها لغضبه، أتئن من الأذى ولا أئن من لظى، وأعجب من ذلك طارق طرقنا بملفوفة في دعائها معجونة شنئتها كأنها عجنت بريق حية أو فيئها، فقلت أصلة أم زكاة أم صدقة فذاك محرم علينا أهل البيت؟ فقال: لا ذا ولا ذا ولكنها هدية، فقلت: هبلتك الهبول أعن دين الله أتيتني لتخدعني مختبط أم ذو جنة أم تهجر؟ فوالله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله تعالى في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلته، وإن دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها ما لعلي ونعيم يفنى ولذة لا تبقى نعوذ بالله من سبات العقل وقبح الزلل وبه نستعين "(2).
____________
(1) شرح نهج البلاغة: 4 / 110.
(2) شرح نهج البلاغة: 11 / 245.
الباب الثاني والثلاثون والمائة
في خوفه (عليه السلام) من الله وبكائه من خشية الله تعالى
وخبر ضرار، وتصور الدنيا له (عليه السلام) وطلاقه الدنيا
الأول: في رسالة الأهواز للصادق (عليه السلام)، قال أبي: قال علي بن الحسين (عليه السلام): سمعت أبا عبد الله الحسين يقول: حدثني أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: " إني كنت بفدك في بعض حيطانها وقد صارت لفاطمة، قال: فإذا أنا بامرأة قد قحمت علي وفي يدي مسحاة، وأنا أعمل بها، فلما نظرت إليها طار قلبي مما تداخلني من جمالها، فشبهتها ببثينة بنت عامر الجمحي، وكانت من أجمل نساء قريش فقالت: يا بن أبي طالب هل لك أن تتزوج بي فأغنيك عن هذه وأدلك على خزائن الأرض، فيكون لك المال ما بقيت ولعقبك من بعدك، فقلت لها: من أنت حتى أخطبك من أهلك؟ قالت أنا الدنيا، قلت لها: فارجعي واطلبي زوجا غيري، وأقبلت على مسحاتي وأنشأت أقول:
لقد خاب من غرته دنيا دنية | وما هي إن غرت قرونا بطايل |
أتتنا على زي العزيز بثينة | وزينتها في مثل تلك الشمايل |
فقلت لها غري سوائي فإنني | عزوف عن الدنيا ولست بجاهل |
وما أنا والدنيا فإن محمدا | أحل صريعا بين تلك الجنادل |
وهبها أتتنا بالكنوز ودرها | وأموال قارون وملك القبائل |
أليس جميعا للفناء مصيرها | وتطلب من خزانها بالطوائل |
فغري سواي إنني غير راغب | بما فيك من ملك وعز ونائل |
فقد قنعت نفسي بما قد رزقته | فشأنك يا دنيا وأهل الغوايل |
فإني أخاف الله يوم لقائه | وأخشى عذابا دائما غير زايل |
فخرج من الدنيا وليس في عنقه تبعه لأحد حتى لقي الله محمودا غير ملوم ولا مذموم، ثم اقتدت به الأئمة من بعده بما قد بلغكم، لم يتلطخوا بشئ من بواقيها صلى الله عليهم أجمعين
الثاني: ابن شهرآشوب وغيره واللفظ له: قال معاوية لضرار بن ضمرة: صف لنا عليا فقال: كان والله صواما بالنهار قواما بالليل، يحب من اللباس أخشنه ومن الطعام أجشبه، وكان يجلس فينا ويبتدي إذا سكتنا، ويجيب إذا سألنا، يقسم بالسوية ويعدل في الرعية، لا يخاف الضعيف من جوره، ولا يطمع القوي في ميله، والله لقد رأيته ليلة من الليالي وقد أسبل الظلام سدوله وغارت نجومه، وهو يتململ في المحراب تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، ولقد رأيته مسيلا للدموع على خده، قابضا على لحيته يخاطب دنياه فيقول: " يا دنيا أبي تشوقت ولي تعرضت؟ لا حان حينك فقد أبنتك ثلاثا لا رجعة لي فيك، فعيشك قصير وخطرك يسير، آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق "(2).
الثالث: ابن بابويه قال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق (رضي الله عنه) قال: حدثنا محمد بن جرير الطبري قال: حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثني محمد بن عبد الرحمن المخزومي قال: حدثنا محمد بن أبي يعقوب عن موسى بن أبي أيوب التميمي عن موسى بن المغيرة عن الضحاك بن مزاحم، قال: ذكر علي (عليه السلام) عند ابن عباس بعد وفاته فقال: وا أسفاه على أبي الحسن، مضى والله ما غير ولا بدل وما قصر ولا جمع ولا منع، ولا آثر إلا لله، والله لقد كانت الدنيا أهون عليه من شسع نعله، ليث في الوغى، بحر في المجالس، حكيم في الحكماء، هيهات، قد مضى إلى الدرجات العلى(3).
الرابع: ابن بابويه قال: حدثني أبي (رحمه الله) قال: حدثنا سعد بن عبد الله قال: حدثنا إبراهيم بن هاشم عن إسماعيل بن مرار عن يونس بن عبد الرحمن عن عبد الله بن سنان عن أبي حمزة الثمالي عن الأصبغ بن نباتة أنه قال: كان أمير المؤمنين (عليه السلام) علي بن أبي طالب إذا أتى بالمال أدخله بيت مال المسلمين، ثم جمع المستحقين، ثم ضرب يده في المال فنثره يمنة ويسرة وهو يقول: " يا صفراء يا بيضاء لا تغريني، غري غيري، هذا جناي وخياره فيه إذ كان جان يده إلى فيه " ثم لا يخرج حتى يفرق ما في بيت مال المسلمين ويؤتي كل ذي حق حقه، ثم يأمر أن يكنس ويرش، ثم يصلي فيه ركعتين، ثم يطلق الدنيا ثلاثا يقول بعد التسليم: " يا دنيا لا تتعرضي ولا تتشوقي ولا تغريني، فقد
____________
(1) بحار الأنوار: 70 / 84.
(2) مناقب آل أبي طالب: 1 / 371، وروضة الواعظين، وأمالي الصدوق: 724.
(3) أمالي الصدوق: 492 / مجلس 63 / ح 12.
الخامس: روي معلوما أن أبا بكر توفي وعليه لبيت مال المسلمين نيف وأربعون ألف درهم وعمر مات وعليه نيف وثمانون ألف درهم، وعثمان مات وعليه ما لا يحصى كثرة، وعلي مات وما ترك إلا سبعمائة درهم فضلا عن عطائه، أعدها لخادم(2).
السادس: ابن بابويه قال: حدثنا علي بن أحمد بن موسى الدقاق (رضي الله عنه) قال: حدثنا محمد بن الحسن الطاري قال: حدثنا محمد بن الحسين الخشاب قال: حدثنا محمد بن محسن عن المفضل ابن عمر عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن آبائه قال: قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): " والله ما دنياكم عندي إلا كسفر(3) على منهل(4) حلوا إذا صاح بهم سائقهم فارتحلوا ولا لذاذتها في عيني إلا كحميم أشربه غساقا وعلقم(5) زعاقا(6)، وسم أفعاة أسقاه دهاقا، وقلادة من نار أوهقها خناقا، ولقد رقعت مدرعتي هذه حتى استحييت من راقعها، وقال لي: اقذف بها قذف الأتن لا يرضيها لي راقعها، فقلت له: أعزب عني فعند الصباح يحمد القوم السرى، وتنجلي عنا علالات الكرى، ولو شئت لتسربلت بالعبقري المنقوش من ديباجكم، ولأكلت لباب هذا البر بصدور دجاجكم، ولشربت الماء الزلال بريق زجاجكم، ولكني أصدق الله جلت عظمته حيث يقول *(من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار)*.
فكيف أستطيع الصبر على نار لو قذفت بشررها إلى الأرض لأحرقت نبتها، ولو اعتصمت نفس بقلة لأنضجها وهج النار في قلتها وإنما خير لعلي أن يكون عند ذي العرش مقربا أو يكون في لظى خسيئا مبعدا مسخوطا عليه بجرمه مكذبا، والله لئن أبيت على حسك السعدان مرقدا و تحتي أطمار على سفاها ممددا، أو أجر في أغلالي مصفدا أحب إلي من أن ألقى في القيامة محمدا خائبا في ذي يتمة أظلمه بفلسه متعمدا، ولم أظلم اليتيم وغير اليتيم لنفس تسرع إلى البلاء قفولها، ويمتد في أطباق الثرى حلولها، وإن عاشت رويدا فبذي العرش نزولها.
معاشر شيعتي احذروا فقد عضتكم الدنيا بأنيابها، تخطف منكم نفسا بعد نفس كذئابها،
____________
(1) أمالي الصدوق: 357 / مجلس 47 / ح 17.
(2) ذكره ابن شهرآشوب في المناقب: 1 / 363، وحلية الأبرار للمصنف: 2 / 202.
(3) السفر: المسافرون.
(4) المنهل: المورد والمشرب.
(5) العلقم: الحنظل.
(6) زعاق كغراب: المر الغليظ لا يطاق شربه.
ولا تعجب من هذا واعجب بلا صنع منا من طارق طرقنا بملفوفات زملها في وعائها، ومعجونة بسطها في إنائها فقلت له: أصدقة أم نذر أم زكاة؟ وكل ذلك يحرم علينا أهل بيت النبوة وعوضنا الله منه خمس ذي القربى في الكتاب والسنة، فقال لي: لا ذاك ولا ذاك ولكنه هدية، فقلت له: ثكلتك الثواكل أفعن دين الله تخدعني بمعجونة عرقتموها بقندكم، وخبيصة صفراء أتيتموني بها بعصير تمركم؟ أمختبط أم ذو جنه أم تهجر؟ أليست النفوس عن مثقال حبة من خردل مسؤولة؟ فماذا أقول في معجونة؟ أتزقمها معمولة.
والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها، وأسترق لي قطانها مذعنة بأملاكها على أن
____________
(1) أمالي الصدوق: 718 / ح 7.