الصفحة 187
مطبقات في كل واحد لون من الطيب وفي جام دراهم وسطها جام فيه دنانير، والخ(1).

وقد كان للشيعة مندوحة عن كل ما عانوه من الجور والظلم بشيءٍ من مجاراة الحكام ولكنّهم أبوا ذلك وتصلبوا من أجل مبادئهم إلا في حالات شاذة.

على أنّ هناك ظاهرة اُلفت النظر إليها: وهي أنّ الشيعة منذ تعرضوا للضغط عاشت عندهم التقية على مستوى الفتاوى ولم تعش على المستوى العملي بل كانوا عملياً من أكثر الناس تضحية وبوسع كل باحث أن يرجع إلى مواقف الشيعة مع معاوية وغيره من حكام الاُمويين وحكام العباسيين كحجر بن عدي وميثم التمّار ورشيد الهجري وكميل بن زياد ومئات غيرهم وكمواقف العلويين على امتداد التاريخ وثوراتهم المتتالية.

وبعد هذا فإنّ القول بالتقية لم ينفرد به الشيعة بل هم في ذلك كسائر المسلمين وذلك واضح من آراء المسلمين عند شرحهم للآيات الكريمة والأحاديث الواردة في هذا الخصوص. فمن الآيات الكريمة التي وردت في هذا الموضوع قوله تعالى: (لا يتخذ المؤمنين الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيءٍ إلا أن تتقوا منهم تقاة وحيذركم الله نفسه وإلى الله المصير) آل عمران/28 وقوله تعالى: (الا من اُكره وقلبه مطمئنّ بالإِيمان) النحل/106.

أما الأحاديث فمنها ما ذكره البخاري في صحيحه كتاب الأدب باب المداراة مع الناس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم انا لنكشر في وجوه قوم وقلوبنا تلعنهم(2).

وكقوله: رفع عن اُمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه(3) ذكر ذلك ابن عربي عند تفسيره للآية 106 من سورة النحل، وكقول النبي صلى الله عليه وآله وسلّم:

____________

(1) وفيات الأعيان 2/465.

(2) البخاري 4/43.

(3) أحكام القرآن لابن العربي ص1166 تسلسل عام.


الصفحة 188
لمحمد بن مسلمة ومن معه لما أرسلهم لقتل كعب بن الأشرف فقالوا: يا رسول الله أتأذن لنا أن ننال منك؟ فأذن لهم(1) وقد انقسم المسلمون في مفاد هذه النصوص ودلالتها على التقية إلى أقسام قال بعضهم بجوازها بالقول دون الفعل، وعممها بعضهم إلى الفعل، واختلفوا في وجوبها مطلقاً، أو جوازها مطلقاً أو التفصيل فتجب في بعض الموارد وتجوز في اُخرى وسأذكر لك في الفصل القادم آراء بعض فقهاء المسلمين لأخذ صورة عن الموضوع وذك بعد مدخل بسيط لصلب الموضوع:

تعريف التقية:

عرّف المفسرون التقية بأنّها: «إخفاء المعتقد خوفاً من ضرر هالك، ومعاشرة ظاهرة مع العدوّ المخالف والقلب مطمئنّ بالعداوة والبغضاء، وانتظار زوال المانع من شق العصا» (2). وعرّفها الشيخ المفيد في كتابه أوائل المقالات بأنّها: «كتمان الحق وستر الإِعتقاد به ومكاتمة المخالفين وترك مظاهرتهم بما يعقب ضرراً في الدنيا والدين»(3) والمؤدى واحد في كل من التعريفين.

وبعد تعريف التقية أعود إلى آراء فقهاء المذاهب الإِسلامية في أحكام التقية المختلفة.

أقوال فرق المسلمين فيها

1 ـ المعتزلة:

أجاز المعتزلة التقية عند الخطر المهلك وعند الخوف تلف النفس وفي ذلك يقول أبو الهذيل العلاف: إنّ المكره إذا لم يعرف التعريض والتورية فيما اُكره عليه فله أن يكذب ويكون وزر الكذب موضوعاً عنه(4).

____________

(1) المصدر السابق 2/1257.

(2) دراسات في الفرق والعقائد ص45.

(3) أوائل المقالات ص66.

(4) الإِنتصار للخياط 8/128.


الصفحة 189

2 ـ الخوارج:

إنقسم الخوارج حول التقية إلى ثلاثة أقسام: فقسم وهم الأزارقة أتباع نافع بن الأزرق منعوا التقية ونددوا بمن يعمل بها بشدة وكفروا القاهدين عن الثورة بوجه الظلم والظالمين، وفي ذلك يقول نافع بن الأزرق: التقية لا تحل والقعود عن القتال كفر واضح لقوله تعالى: (إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله) الخ النساء/77. ولقوله تعالى: (يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم) المائدة/55. والقسم الثاني وهم النجدات أتباع نجدة بن عويمر فقد أجازوا التقية في القول والعمل ولو أدى ذلك إلى قتل النفس التي حرّم الله.

والقسم الثالث وهم الصفرية أتباع زياد بن الأصفر فكانوا وسطاً بين هؤلاء وهؤلاء فأجازوها في القول دون الفعل، كما نص على ذلك عنهم الشهرستاني(1) وأدلتهم قابلة للمناقشة ولست بصدد ذلك.

3 ـ أهل السنة:

التقية عند السنة بالإِجماع جائزة في القول دون العمل، ويذهب بعضهم إلى الوجوب فيقول بوجوبها في بعض الحالات ومنهم الغزالي حيث يقول في ذلك: إنّ عصمة دم المسلم واجبة فمهما كان القصد سفك دم مسلم فالكذب فيه واجب(2) وقد اقتصر بعضهم على الرخصة بالتقية إذا كان المسلم بين كفار يخافهم على نفسه أو ماله ومن هؤلاء القائلين بالرخصة الرازي المفسر والطبري كذلك في تفسيريهما عند قوله تعالى: (إلا أن تتقوا منهم تقاة(3)) بينما ذهب قسم آخر من العلماء إلى أنّ التقية متعينة ليست بين الكفار فقط بل حتى إذا كان المسلم بين مسلمين شابهت حالهم الحال مع الكافرين أي في حال عدم قدرة المسلم على

____________

(1) الملل والنحل هامش الفصل 4/68.

(2) إحياء العلوم 3/119.

(3) تفسير الطبري 3/229، وتفسير الرازي عند تفسير الآية المذكورة.


الصفحة 190
إظهار عقيدته المذهبية بين مسلمين من فرق اُخرى وممن ذهب لهذا الرأي الإِمام الشافعي وابن حزم الظاهري(1).

وحكم التقية كباقي الأحكام باق إلى يوم القيامة خلافاً لمن قصره على أيام ضعف الإِسلام وفي ذلك يقول الفقهاء:

إنّها جائزة للمسلم إلى يوم القيامة، مستندين إلى قول النبي صلى الله عليه وآله وسلّم لعمار بن ياسر لما قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلّم ما تركوني حتى نلت منك فقال له: إن عادوا فعد لهم بما قلت، ذكر ذلك البيضاوي في تفسيره للآية 106 من سورة النحل فراجعه.

4 ـ رأي الشيعة بالتقية:

لا يختلف الشيعة عن السنة في القول بالتقية فإنّها عندهم وسيلة أرشد إليها الشرع لحفظ النفوس الواجب حفظها، وحفظ باقي الاُمور التي أمر الشرع بحفظها هذا كل هدف التقية عندهم لا غير، وليس كما يقول البعض إنّ الشيعة اتخذوا من التقية أداة للختل والمراوغة والإِزدواجية ولأجل المؤسسات السرية الهدامة(2).

والتقية عند الشيعة تختلف باختلاف المقام فقد تكون واجبة وقد تكون مباحة وقد تكون محرمة، ولذلك تجد عبارات فقهاء الشيعة قد ذكرت الحالات الثلاث يقول ابن بابويه القمي: إعتقادنا في التقية: أنّها واجبة وأنّ من تركها فكأنّما ترك فرضاً لازماً كالصلاة، ومن تركها قبل ظهور المهدي فقد خرج عن دين الله ودين نبيه والأئمة، بينما يقول الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان:

التقية جائزة عند الخوف على النفس وقد تجوز في حال دونه عند الخوف على المال ولضروب من الإِستصلاح، وأقول إنّها قد تجب أحياناً من غير وجوب وأقول إنّها جائزة في الأقوال كلها عند الضرورة وليس تجوز في الأفعال في قتل المؤمنين وما

____________

(1) المحلى لابن حزم 8/335، والمسألة 1408.

(2) ضحى الإِسلام 3/246.


الصفحة 191
يغلب أنّه استفساد في الدين(1).

بينما يقول فقيه شيعي معاصر: وللتقية أحكام من حيث وجوبها وعدم وجوبها بحسب اختلاف مواقع خوف الضرر وليس هي بواجبة على كل حال بل قد يجوز أو يجب خلافها في بعض الأحوال كما إذا كان في إظهار الحق والتظاهر به نصرة للدين وخدمة للإِسلام وجهاد في سبيله فإنّه عند ذلك يستهان بالأموال ولا تعز النفوس، وقد تحرم التقية في الأعمال التي تستوجب قتل النفوس المحترمة، أو رواجاً للباطل، أو فساداً في الدين، أو ضرراً بالغاً على المسلمين بإضلالهم أو إفشاء الظلم والجور فيهم، إلى أن قال: إنّ عقيدتنا في التقية قد استغلها من أراد التشنيع على الإِمامية فجعلوها من جملة المطاعن فيهم وكأنّهم لا يشفى غليلهم إلا أن تقدم رقابهم ـ أي رقاب الشيعة ـ إلى السيوف لا ستئصالهم(2).

ومن هذه المقتطفات التي ذكرتها يتضح أنّ التقية تتبع الحالات والظروف وتكون محلاً للأحكام المذكورة تبعاً لاختلاف العناوين، وقد سبق أن ذكرنا استدلالات الشيعة للتقية من الكتاب والسنة، ولذلك كان الإِمام الصادق عليه السلام يقول: «التقية ديني ودين آبائي» وخصوصاً في عصره حيث كانت السيوف هي اللغة الوحيدة، وقد حاول بعضهم أن يفلسف من موقف الإِمام الصادق ومواقف الشيعة في التقية بأنّ التقية علاج لأمرين:

أ ـ هو أنّ سكوت أئمة أهل البيت عن المطالبة بحقهم والتصدي للظالمين من ناحية، ومن ناحية اُخرى إنّ المفروض أنّهم الأئمة المفترضة طاعتهم، إنّ ذلك يشكل تناقضاً لا مخرج منه إلا التقية، قال بذلك كل من الرازي في كتابه محصل آراء المتقدمين والمتأخرين والملطي في كتابه التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع(3).

____________

(1) أوائل المقالات 97.

(2) عقائد الإِمامية للمظفر ص87.

(3) التنبيه والرد بحث التقية.


الصفحة 192
ب ـ والأمر الثاني هو ما يظهر من اختلاف في أقوال الأئمة بعضهم مع بعض وفي أقوال الإِمام الواحد في مقامات مختلفة مما يشكل علامة استفهام ودفعاً لذلك قالوا بالتقية حتى لا يبقى إشكال في ذلك، محصل قولهم ذكره صاحب كتاب دراسات في الفرق والعقائد (1).

إنّ هذا الباحث يظهر من تصويره لمسألة التقية عند الأئمة أنّه اختلط عليه المقسم بالقسم، وذلك أنّ الموردين الذين ذكرهما إنما هما من موارد تطبيق مبدإ التقية لا أنّ التقية اُنشئت من أجلهما، هذا مع أنّ هذا الباحث هو الدكتور عرفان من أكثر الناس إنصافاً للشيعة فيها كتب عنهم بالقياس إلى غيره فانظر لما كتبه حولهم(2). وقد اعتبر كثير من الكتّاب أنّ موقف الإِمام الصادق عليه السلام من التشديد على التقية فيه ضعف وتخاذل بينما الواقع أنّ الإِمام بموقفه هذا حفظ أصحابه من هجمات شرسه فقدت صوابها ولم يعد لها من منطق غير المخلب والناب وفي مثل هذا الحالات لا بد من الحكمة، وسأذكر لك صوراً مصغرة عما كان عليه الحال:

يقول الخطيب البغدادي بسنده عن أبي معاوية قال: دخلت على هارون الرشيد فقال لي: لقد هممت أنّ من يثبت الخلافة لعليٍّ أن أفعل به وأفعل قال أبو معاوية: فسكت، فقال لي: تكلم، قلت: إن أذنت لي؟ قال: تكلم، قلت: يا أمير المؤمنين قالت تيم منا خليفة رسول الله، وقال عدي منا خليفة رسول الله، وقالت بنو اُمية: منا خليفة الخلفاء، فأين حظكم يا بني هاشم، والله ما حظكم إلا ابن أبي طالب فسكت(3) لقد أحسن الرجل الدخول وعرف من أين يأتيه، وهنا نقول إذا كان من يذكر حق عليٍّ بالخلافة يصنع به ما يصنع فما رأي هؤلاء المتفيهقين في أيام الرخاء الذين لم تلفح وجوههم النار ولم يعضهم الحديد.

____________

(1) دراسات في الفرق والعقائد ص53.

(2) دراسات في الفرق والعقائد ص42.

(3) الإِمام الصادق لأسد حيدر 2/310.


الصفحة 193
على أنّ هناك شيئاً آخر وهو أنّ أئمة المسلمين الآخرين اضطروا إلى استعمال التقية فيما تعرضوا له من مواقف، ومن ذلك ما ذكره أحمد بن أبي يعقوب المعروف باليعقوبي عند استعراضه لموقف الإِمام أحمد بن حنبل أيام المحنة والقول بخلق القرآن قال: لما امتنع أحمد بن حنبل من القول بخلق القرآن وضرب عدة سياط قال إسحق بن إبراهيم للمعتصم ولني يا أمير المؤمنين مناظرته فقال: شأنك به، فقال إسحق للإِمام أحمد ما تقول في خلق القرآن؟ فقال الإِمام أحمد: أنا رجل علمت علماً ولم أعلم فيه بهذا، فقال: هذا العلم الذي علمته نزل به عليك ملك أم علمته من الرجال، فقال أحمد: بل علمته من الرجال، فقال إسحق علمته شيئاً بعد شيءٍ قال نعم، قال إسحق: فبقي عليك شيء لم تعلمه؟ فقال: نعم، قال: فهذا مما لم تعلم وعلمكه أمير المؤمنين، فقال أحمد: فإنّي أقول بقول أمير المؤمنين، فقال إسحق في خلق القرآن، قال أحمد في خلق القرآن فاشهد عليه، وخلع عليه وأطلقه إلى منزله(1).

ولهذا قال الجاحظ في حواره مه أهل الحديث بعد أن ذكر محنة الإِمام أحمد بن حنبل وامتحانه: قد كان صاحبكم هذا ـ يعني الإِمام ـ يقول لا تقية إلا في دار الشرك فلو كان ما أقر به من خلق القرآن كان منه على وجه التقية فلقد أعملها في دار الإِسلام وقد أكذب نفسه، ولو كان ما أقر به على الصحة والحقيقة فلستم منه وليس منكم على أنّه لم ير سيفاً مشهوراً ولا ضرب ضرباً كثيراً، ولا ضرب إلا الثلاثين سوطاً مقطوعة الثمار مشبعة الأطراف حتى أفصح بالإِقرار مراراً، ولا كان في مجلس ضيق، ولا كانت حالته مؤيسة، ولا كان مثقلاً بالحديد، ولا خلع قلبه بشدة الوعيد، ولقد كان ينازع بألين الكلام ويجيب بأغلظ الجواب ويزنون ويخف ويحلمون ويطيش(2).

على أنّ سيرة المسلمين بالفعل قائمة على التقية فهناك اُمور لا يقرها بعض

____________

(1) تاريخ اليعقوبي 3/198.

(2) الإِمام الصادق لأسد حيدر 2/310.


الصفحة 194
المسلمين وهي قائمة عندهم. خذ مثلاً بقاء قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلّم فإنّ الوهابيين لا يتركون قبراً قائماً فقد رووا في الصحاح عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي عليّ ابن أبي طالب عليه السلام ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ألاّ أدع قبراً قائماً الا سويته ولا تمثالاً إلا طمسته وعلى هذه الرواية استند الوهابيون أو هي أحد مستنداتهم في تهديم القبور(1) ولكنّهم لم يتعرضوا لقبر النبي مع أنّ لسان الرواية عام لم يستثن قبراً وليس ذلك إلا تقية من المسلمين. وقد كان خبر أبي الهياج سبباً للتهريج عند ابن تيمية على الشيعة مع أنّ الرواية ما ثبتت عندهم من ناحية سندها، لقد شحن ابن تيمية كتابه بقوارص من الشتم يأباها خُلُق الإِسلام وأدب القرآن ومن ذلك أنّه إذا مرّ بذكر العلامة ابن المطهر الحلي يسميه بابن المنجس(2).

في حين كان العلامة في خصومته مع العلماء في غاية التهذيب وبوسع القارئ أن يرجع إلى الكتابين الذين طبعا معاً وأن يحكم على الاُسلوبين ليرى الفرق بينهما.

وإلى هنا أرجو أن أكون قد وضعت بين يدي القارئ فكرة عن التقية كافية لأخذ صورة عن الموضوع ولا يخلو الواقع المعاصر من تقية متجسدة عند مختلف الشعوب.

____________

(1) منهاج السنة لابن تيمية 1/333.

(2) المصدر السابق 1/13.


الصفحة 195

الصفحة 196

الباب الرابع
من الافتراءات على الشيعة


الصفحة 197
استهدفت فيها قدمته من بحوث توضيح هوية التشيع عرقياً وفكرياً، وكنت قد ذكرت سابقاً أنّ قصة عبدالله بن سبأ تؤلف جزءاً من كل يراد من ورائه مسخ صورة التشيع ولئلا يقول القارئ إنّ مسألة ابن سبأ لا يمكن أن تكون أمراً وهمياً فإنّي اُقدّم له هنا نماذج من المفتربات على الشيعة مقطوعة الكذب حتى يرى باُم عينه صدق دعوانا.

إنّ هذه الاُمور التي سيرد ذكرها وغيرها تحتم إعادة النظر في محتوى تاريخنا وعقائدنا ومحاولة تصحيح هذا المحتوى لأنّ بقاء هذ الذخيرة الفاسدة في تاريخنا سيظل يعمل عمل السوس في اُسس البناء حتى ينهار البناء فجأة ولا يكون ضحية هذا الإِنهيار إلا المسلمون أنفسهم، أما من كتب بهذه الاُمور وسطرها فقد مضى إلى ربه وسيقف أمام حكم عدل، ولكنّنا نحن ملزمون في تصحيح أوضاعنا فلا يجوز بحال من الأحوال أن نلقح أنفسنا وأبنائنا ضد مرض الحصبة مثلاً وهو لا يمكث إلا بضعة أيام، ولا نلقح أنفسنا ضد الفرقة والتناحر، وضد الأوبئة الفكرية التي تبقى ويبقى أثرها طويلاً، وقد آن الأوان لاُقدم لك نماذج من هذه المفتريات.

النموذج الأول: في الجمع بين النساء

الجمع بين النساء وعددهنّ، وجمهور المسلمين على أنّه لا يجوز للحر أن يجمع زيادة على أربع زوجات لقوله تعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) النساء/3، وللسنة الشريفة التي حددت الزوجات بأربع كما سيأتي، والشيعة في ذلك كسائر فرق المسلمين لا يبيحون الجمع بين أكثر من أربع زوجات، وعندهم حتى لو طلق الرجل زوجة واحدة من الأربع فلا يجوز له


الصفحة 198
أن يكمل العدد برابعة حتى تنتهي عدة المطلقة، وقد أجمعوا على ذلك وإليك نموذجين من أقوالهم:

أولاً ـ:

يقول الشيهد الأول في اللمعة: لا يجوز للحر أن يجمع زيادة على أربع حرائر أو حرتين وأمتين، أو ثلاث حرائر وأمة، ولا للعبد أن يجمع أكثر من أربع إماء أو حرتين أو حرة وأمتين، ولا يباح له ثلاث إماء وحرة(1).

ثانياً ـ:

يقول المقداد السيوري في كنز العرفان: الحصر في الأربع وعدم جواز الزائد في النكاح الدائم إجماعي، وحتى المنقطع عند كثير من فقهائنا لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلّم لغيلان لما أسلم وعنده عشر نسوة أمسك أربعاً وفارق سائرهنّ أي باقيهنّ، ولقول الإِمام الصادق عليه السلام لا يحل لماء الرجل أن يجري في أكثر من أربعة أرحام من الحرائر(2). وبوسع القارئ أن يرجع لأي كتاب فقهي من كتب الإِمامية في باب النكاح ليرى أنّ هذه المسألة إجماعية عندهم، ومع ذلك استمع إلى بعض فقهاء المسلمين من أهل السنة الذين يجب أن يكونوا قدوة في الأمانة والصدق:

أ ـ:

يقول ابن حزم في المحلى لم يختلف في انه لا يحل لأحد زواج أكثر من أربع نسوة: أحد من أهل الإِسلام وخالف في ذلك قوم من الروافض لا يحل لهم عقد الإِسلام(3).

ب ـ:

قال محمد بن عبد الواحد المعروف بابن الهمام الحنفي: وأجاز الروافض تسعاً من الحرائر، ونقل عن النخعي وابن أبي ليلى ـ أي جوازالتسع ـ وأجاز الخوارج ثماني عشرة، وحكي عن بعض الناس إباحة أي عدد شاء بلا حصر:

وجه الأول:

أنّه بين العدد المحلل بمثنى وثلاث ورباع بحرف الجمع

____________

(1) شرح اللمعة 2/73.

(2) كنز العرفان 2/141.

(3) المحلى لابن حزم 6/441.


الصفحة 199
والحاصل من ذلك تسع، ووجه الثاني ذلك الا أنّ مثنى وثلاث ورباع معدول عن عدد مكرّر على ما عرف في العربية، فيصير ثمانية عشر، ووجه الثالث العمومات من نحو فانكحوا ما طاب لكم من النساء، ولفظ مثنى وثلاث ورباع تعداد عرفي لا قيد، كما يقال خذ من البحر ما شئت قربة أو قربتين أو ثلاثاً، ويخص الأولين تزوجه تسعاً والأصل عدم الخصوصية إلا بدليل، إلى آخر ما أورده، ثم شرع يقدم أدلته على الحصر بأربع(1).

وقد اتضح من قول ابن الهمام أمران: أولهما نسبة إباحة التسع للإِمامية وهو محض اختلاق ونتحدى من يذكر لنا مصدراً واحداً يقول بذلك من الشيعة، وثانيهما أنّ هناك من أهل السنة من يقول بإباحة التسع والأكثر من التسع كما نص عليه، ابن الهمام نفسه.

ج ـ:

يقول محمد أبو زهرة في الأحوال الشخصية: إنّ بعض الشيعة يجوّز الزواج بتسع حرائر لأنّ معنى قوله تعالى: (مثنى وثلاث ورباع) يعني اثنين وثلاثة وأربعة(2) وهذا من أبي زهرة كأمثال له كثيرة، إنّ الرجل فيما أعرفه من مؤلفاته كثير التساهل فيما ينسبه للغير، ولا يحتاط بالنقل وللمناقشة مكان غير هذا لأنّ موارد تساهله كثيرة تحتاج إلى جهد ومكان.

وبعد ما ذكرته ساُقدم لك الأدلة على أنّ هذا الرأي عند أهل السنة وليس عند الشيعة كما مر عليك:

يقول الكاساني علاء الدين في البدائع: لا يجوز للحر أن يتزوج أكثر من أربع زوجات من الحرائر والإِماء عند عامة العلماء، وقال بعضهم: يباح له الجمع بين التسع، وقال بعضهم: يباح له الجمع بين ثمانية عشر، واحتجوا بظاهر قوله تعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) الخ فالأولون قالوا إنّه ذكر هذه الأعداد بحرف الجمع وهو الواو وجملتها تسعة، واستدلوا أيضاً بفعل

____________

(1) شرح فتح القدير 2/379.

(2) الأحوال الشخصية ص83.


الصفحة 200
رسول الله وأنّه تزوج تسع نسوة وهو قدوة الأمة، والآخرون قالوا إنّ المثنى ضعف الإِثنين والثلاث ضعف الثلاثة، والرباع ضعف الأربعة وجملتها ثمانية عشرة، إلى آخر ما ذكره وظاهر قوله إنّ هذه الآراء عند أهل السنة لأنّه لو كان للشيعة رأي هنا لنص عليه كعادته(1).

2 ـ

يقول إبراهيم بن موسى الغرناطي الشاطبي صاحب الموافقات في كتابه الإِعتصام: ثم أنّ بعض من نسب إلى الفرق ممن حرف ـ من الحرفة ـ التأويل في كتاب الله تعالى أجاز نكاح أكثر من أربع نسوة إما اقتداءاً في زعمه بالنبي حيث أحل له أكثر من ذلك ولم يلتفت إلى إجماع المسلمين أنّ ذلك خاص به، وإما تحريفاً لقوله تعالى: (فانكحوا ما طاب) الخ فأجاز الجمع بين تسع نسوة في ذلك فأتى ببدعة أجراها في هذه الاُمة(2) وما ذكره الشاطبي هو عند السنة ولو كان عند الشيعة، لنص عليه أولاً، وثانياً لتغيرت لهجته، فإنّ لهجة هذا الرجل مع الشيعة أترك نعتها بعد أن تسمعها فاسمع قول: «قال: يحكى عن الشيعة أنّ النبي أسقط عن أهل بيته ومن دان بحبّهم: جميع الأعمال، وأنّهم غير مكلفين إلا بما تطوعوا به، وأنّ المحظورات مباحة لهم كالخنزير والزنا والخمر وسائر الفواحش، وعندهم نساء يسمين النوابات يتصدقن بفروجهنّ على المحتاجين رغبة في الأجر، وينكحون ما شاؤوا من الأخوات والبنات والاُمهات لا حرج عليهم ولا في تكثير النساء، ومن هؤلاء العبيدية الذين ملكوا مصر وافريقية ومما يحكى عنهم في ذلك أن يكون للمرأة ثلاثة أزواج وأكثر في بيت واحد يستولدونها وتنسب الولد لكل واحد منهم» إنتهى وقد عقب عليه الناشر بالحاشية بقوله: إنما يريد بعض فرق الشيعة الباطنية المارقين عن الإِسلام(3) إنّي أدعو القارئ ليضع يده على أنفه لئلا يشم هذه الجيف، وبعد ذلك اُعقب على قوله بما يلي:

____________

(1) بدائع الصنائع 7/65.

(2) الاعتصام 2/44.

(3) الإِعتصام 2/44.


الصفحة 201

أولاً ـ:

إنّ العبيدين وغيرهم ليسوا من الشيعة الإِمامية وإن كنت أعتقد جازماً عدم صحة ما نسبه إليهم قياساً على ما نسبه لغيرهم وهو غير صحيح.

ثانيا ـ:

لسنا الذين نبيح نكاح المحارم وحكم من يقع على إحدى محارمه عندنا القتل فراجع أي كتاب من كتب فقه الشيعة باب الحدود، وإنما يقول الإِمام أبو حنيفة من عقد على اُمّه واُخته أو بنته، عالماً عامداً ودخل بها فلا يقام عليه الحد وإنما يعزر لأنّ العقد أورث شبهة(1).

إذاً فلسنا نحن الذين نتساهل في الإِعتداء على المحارم كما أننا لا نريد التهريج على أبي حنيفة بل رأيه هنا خطأً في تطبيق معنى الشبهة هنا على هذا العقد. لأنّ المحارم ليست محلاً للعقد.

ثالثاً ـ:

أنا أسأل الله تعالى أن يجعل حصيلة هذا القول في ميزان الشاطبي يوم يلقاه وسوف يسأله عن ذلك لأنّه تعالى يقول: (من يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره) 7و8 من سورة الزلزال، وأنا إنما أطلت الكلام في هذه المسألة وهي من البديهيات تقريباً حتى أوقفك على مدى أمانة بعض الناس، ولست أدري بماذا يتعلل هؤلاء وحولهم كتب الشيعة تملأ المكتبات فهل ذكروا لنا كتاباً واحداً يفتي بإباحة لحم الخنزير أو شرب الخمر إنّ الذي يقول بذلك غيرنا إذا أحببت فراجع تفسير قوله تعالى: (ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكراً ورزقاً حسناً إنّ في ذلك لآية لقوم يعقلون) النحل/67 في تفاسير أهل السنة لترى رأي الإِمام أبي حنيفة حول النبيذ فرأيه معروف، ودعني أذكر لك فتوى واحدة من فتاواه توضح لك رأيه في هذا الموضوع يقول أبو زهرة في كتابه فلسفة العقوبة:

والسبب في تساهل أبي حنيفة في موضوع بعض المسكرات هو أنّه ثبت بالرواية عنده أنّ بضع الصحابة تناول بعض هذه الأشربة، فامتنع عن تحريمها حتى لا يتهم الصحابة بالمعصية وقال في ذلك: لو غرقوني في الفرات لأقول إنّها

____________

(1) بدائع الصنائع 7/35.


الصفحة 202
حرام ما فعلت، حتى لا أفسِّق بعض الصحابة ولو غرّقوني في الفرات على أن أتناول قطرة منها ما فعلت، فالأمر بالنسبة لأبي حنيفة احتياط لكرامة الصحابة واحتياط لدينه(1) ولست أفهم الإِحتياط هنا فإنّ الحرام حرام على الصحابة وغيرهم، إنّ استنتاج أبي زهرة لا يقبل بحال من الأحوال وصدق في تسمية كتابه فلسفة العقوبة فهو فلسفة غير ذات معنى أحياناً.

3 ـ

الرأي الثالث الذي يدل على أنّ الجمع بين أكثر من أربع عند غير الشيعة ما ذكره ابن قدامة في المغني معلقاً على قول المتن:

وليس للحر أن يجمع بين أكثر من أربع زوجات أجمع أهل العلم على هذا ولا نعلم أحداً خالفه إلا شيئاً يحكى عن ابن القاسم بن ابراهيم أنّه أباح تسعاً لقوله تعالى: (فانكخوا ما طاب لكم) الخ والواو للجمع، ولأنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلّم مات عن تسع، وهذا ليس بشيء لأنّه خرق وترك للسنة، فإنّ رسول الله قال لغيلان بن سلمة حين أسلم وتحته عشرة نسوة: أمسك أربعاً وفارق سائرهنَّ(2) ومن ذلك يظهر أن لا قول للشيعة في المسألة فما أدري من أين جاء من ينسب هذا القول للشيعة بهذا القول.

لقد أصبح هذا الخلط من الشاطبي وغيره زاداً دسماً للمستشرقين الذين أخذوا يؤكدون على أنّ الشيعة والصوفية يسقطون الشريعة ويحلون المحارم عند وصول الحقيقة، الخ.(3).

النموذج الثاني: الشّك بالنبوة

وإذا كانت بعض الإفتراءات على الشيعة قيلت ثم ماتت واندثرت، وبعضها قيلت ولكنّها لم تشتهر كما هو الحال في النموذج الأول الذي ذكرناه، فإنّ

____________

(1) فلسفة العقوبة لأبي زهرة ص183.

(2) المغني لابن قدامة 6/439.

(3) الحضارة الإِسلامية لادم متز 2/30.


الصفحة 203
هذه الفرية التي سأذكرها تعيش فعلاً وقد سئلت عنها حيثما ذهبت، وبالرغم مما شرحته لمن سألني في أنّها كاذبة، فإنّي أعتقد أنّها لم تمسح من أذهانهم، فإنّ ما يشب عليه الإِنسان ليس من السهل الخلاص منه إنّ هذه المسألة هي: أنّ الشيعة يعتقدون أنّ الوحي أراده الله تعالى لعليِّ بن أبي طالب ولكن جبرئيل خان أو خطأ فذهب بالوحي إلى النبي، هذا ملخص الفرية المنسوبة للشيعة ولقد وضعت هذه الفرية على لسان الشعبي عامر بن شراحيل في مقالة سبق أن ذكرت مقطعاً منها وبينت كذب مضمونها، والآن أذكر لك صدر الكلمة وما يتصل بموضوعنا منها فقد ذكر ابن شاهين عمر بن أحمد في كتابه اللطف في السنة، كما ذكره ابن تيمية في منهاج السنة، قال: حدثنا محمد بن أبي القاسم بن هارون حدثنا أحمد بن الوليد الواسطي، حدثني جعفر بن نصير الطوسي عن عبدالرحمن بن مالك بن مغول عن أبيه قال: قال لي الشعبي: اخذركم أهل هذه الأهواء المضلة وشرها الرافضة، لم يدخلوا غي الإِسلام رغبة ولا رهبة، إلى أن قال: واليهود تبغض جبرئيل ويقولون هو عدونا من الملائكة، وكذلك الرافضة يقولون غلط جبرئيل بالوحي على محمد الخ(1) إنّ هذه الصورة التي وضعت على لسان الشعبي: أخذها ابن حزم في كتابه الفصل في الملل والنحل فنسبها لفرقة من الغلاة سماهم الغرابية: لأنّهم قالوا إنّ علياً أشبه بمحمد من الغراب بالغراب، ولذلك غلط جبرئيل بالوحي فذهب به لمحمد وهو مبعوث لعليٍّ ولا لوم عليه لأنّه اشتبه، وبعضهم شتمه وقال بل تعمد ذلك، هكذا رواه ابن حزم(2) في حين ذهب الرازي في كتابه اعتقادات فرق المسلمين إلى أنّهم قالوا غلط ولم يتعمد(3) وقد عرفت أنّ منشأ الرواية الشعبي ونظراً لأهمية الموضوع فساُناقش هذه الرواية وأذكر لك سخفها وانّ الذين وضعوها لم يتفطنوا إلى ما فيها من ثغرات:

أ ـ

أول ما يقال في هذه الرواية أنّ الشعبي عندما كان يقارن بين اليهود

____________

(1) منهاج السنة 1/16.

(2) الفصل بين الملل والنحل 4/183.

(3) اعتقادات فرق المسلمين ص59.


الصفحة 204
والشيعة يسمى الشيعة بالرافضة، وهذا اللقب الذي نبز به الشيعه وفندناه سابقاً، ذكر مؤرخوا السنة أنّه عرف في آخر أيام زيد بن عليٍّ عندما طلب منه أفراد جيشه البراءة من الخليفتين فأبى فرفضه قوم منهم سموا بالرافضة هذه هي رواية هذا اللقب وهذه الواقعة كانت سنة مقتل زيد أي 124 هجرية في حين أنّ الشعبي ولد سنة عشرين أو ثلاثين على رواية اُخرى من الهجرة فالفرق بين وجوده والرواية سبعة عشر سنة لأنّه مات سنة مائة وخمس من الهجرة، فأما أن يكون لفظ الرافض ورد قبل هذا وهو مالا تقول به رواياتهم أو أنّ القصة مخترعة وهو الأصح(1).

ب ـ

إنّ رجال سند هذه الرواية بين متهم مثل عبدالرحمن بن مالك بن مغول فقد قالت عنه كتب التراجم بأنّه ضعيف، وكذاب، ووضاع، ويقول عنه الدارقطني متروك، ويقول عنه أبو داوود كذاب وضاع، ويقول عنه النسائي ليس بثقة(2).

وبين مجهول: كمحمد الباهلي ولم أجد لمحمد هذا أي ذكر في لسان الميزان وتاريخ بغداد وغيرهما.

ج ـ

سبق أن ذكرنا أنّ الشعبي يرمى بالتشيع وقد نص على تشيعه كل من ابن سعد والشهرستاني ولا يعقل أن يقول شيعي هذا القول.

د ـ

وعلى فرض صحة جميع هذه المقدمات فمن هم هؤلاء الغرابية وكم عددهم وأين مكانهم وهل لهم من وجود خارجي، أغلب الظن أنّهم من المقلع الذي نحت منه عبدالله بن سبأ خلقتهم نفس الأهداف التي خلقته.

هـ ـ

إنّ الذي يدعي نبوة شخص فلا بد أن يكون هذا النبي منصوباً من رب وهنا يقال هل أنّ هذا الرب الذي أرسل رسوله لنبيه كان يعلم أنّ هذا الرسول مغفَّل لا يفرق بين اُرسل إليه وغيره أم لا فإذا كان لا يعلم فهو لا

____________

(1) راجع ترجمة الشعبي وفيات الأعيان 1/266.

(2) لسان الميزان /427.


الصفحة 205
يصلح للاُلوهية وإذا كان يعلم وأرسله مع علمه فأي رب هذا الذي يرسل من لا ينفذ أوامره أو أنه متواطئ مع جبرئيل فلا اشكال حينئذ.

و ـ

أوليس القرآن الكريم يقول عن جبرئيل: (مطاع ثم أمين) التكوير/21. ويقول عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم: (ولكن رسول الله وخاتم النبيين) الأحزاب/40. والشيعة مسلمون يقرؤون القرآن آناء الليل وأطراف النهار فكيف لا يفهمون ذلك، أللهم إلا أن يقال كما قيل: إنّهم يرون القرآن محرفاً، وقد فندنا هذا القول بما أوردناه من نصوص أنّ الثابت عند المسلمين قول النبي صلى الله عليه وآله وسلّم لا نبي بعدي والمسلمون سمعوا منه ذلك.

ز ـ

كل من له إلمام بالتاريخ يعلم مدى طاعة الإِمام عليٍّ عليه السلام للنبي صلى الله عليه وآله وسلّم وجهاده بين يديه فكيف يجتمع ذلك مع علمه بأنّه أخذ منه الرسالة إلا أن يقال إنّه لا يعلم أنّ الرسالة هي له.

حـ ـ

إنّ مصدر التشريع الأول والأساس هو القرآن الكريم عند كل فرق المسلمين ومنهم الشيعة فإذا نزل القرآن على مغفل وبيد خائن فأي ثقة تبقى به بعد ذلك.

ط ـ

ألا تكفي آلاف المنائر والمساجد عند الشيعة والتي تصرخ ليل نهار أشهد أنّ محمداً رسول الله للتدليل على أنّ هذه القصة فرية مفتعلة كأخواتها.

ي ـ

إنّ كتب عقائد وفقه الشيعة تملأ الدنيا فهل يوجد في كتاب واحد منها ما يشير إلى هذه الفرية ونرضى بأن يكون حتى من المخرفين ممن نراهم عند فئة اُخرى. إننا نطالب بمصدر واحد اعتمد عليه هؤلاء في نقل ما نقلوه. وإذا كان العوام يتلقون أقوال رجال فكرهم بالقبول مهما كانت فما بال المثقفين يعيشون نفس العقلية وما فائدة العلم إذا لم يقوّم تفكير الإِنسان، وإلى كم يبقى المسلمون بجترّون ما اُدخل إلى أمعائهم يوماً مّا، ليت هؤلاء يصارحونا بأنّ لهم مصالح في بقاء هذه المهازل إذا لأراحوا الأجيال ولكانوا صادقين مع أنفسهم كما صنع مروان ابن الحكم في لحظة من لحظات استيقاظ ضميره وقد سئل عن موقف الإِمام عليٍّ عليه السلام

الصفحة 206
من عثمان بالثورة فقال: ما كان أحد أدفع عن عثمان من عليٍّ فقيل له: ما لكم تسبونه على المنابر؟ فقال: لا يستقيم لنا الأمر إلا بذلك(1). ويبدو أنّ بعض الناس لا يصدق أنّ هذه الإِفتراءات لا أساس لها لأنّ تصديقه بذلك فيه تبرئة للروافض ومعناه ترك بعض الناس بدون عمل، على أنّي لا أشك أنّ كثيراً من الناس لا مصلحة لهم في أمثال هذه التهم لكن ليس من السهل التخلص من محتوى نفسي نشأ معهم خلال أدوار العمر ولكن ذلك لا يبرر الإِصرار على الخطأ.

ك ـ

إنّ الله تعالى يقول (وما أرسلنا من قبلك الا رجالاً) وعليّ عند البعثة طفل ابن سبع سنين فالآية تنص على ان النبوة لا تكون الا لرجل.

وفي ختام هذا الفصل يحسن بنا الإِشارة إلى ما كتبه جهابذة الشيعة في كتب العقائد عن النبوة وشخص النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلّم في كتب العقائد وأنا اُلفت النظر إلى عقائد الصدوق وأوائل المقالات للمفيد، والشريف المرتضى في تنزيه الأنبياء وغيرهم وأكتفي بفقرتين:

الأولى:

يقول السيد محسن الأمين العاملي:

إنّ من شك في نبوة النبي وجعل له شريكاً في النبوة فهو خارج عن دين الإِسلام(2).

الثانية:

يقول الرضا المظفر في عقائد الإِمامية.

نعتقد أنّ صاحب الرسالة الإِسلامية هو محمد بن عبدالله وهو خاتم النبيين وسيد المرسلين، وأفضلهم على الإِطلاق كما أنّه سيد البشر جميعاً لا يوازيه فاضل في فضل ولا يدانيه أحد في مكرمة، وأنّه لعلى خلق عظيم(3).

____________

(1) الصواعق المحرقة لابن حجر ص53.

(2) أعيان الشيعة 1/92.

(3) عقائد الإِمامية ص64.


الصفحة 207

النموذج الثالث: رمي التشيع بالشعوبية

والشعوبية لغة: جمع شغوبي نسبة للشعب، وقد تطلق ويراد بها النزعة العدائية للعرب، وهي بالإِطلاق الثاني مصدر صناعي، والشعوبي في إطلاق آخر هو الذي يسوِّي بين العربي وغيره ولا يفضل العربي وقد اشتق هذا الإِسم من الآية الكريمة: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر واُنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم) الحجرات/13. وذلك لأنّ المسلمين من غير العرب دعوا إلى التسوية وكانت هذه الأية من شعاراتهم، ومن شعاراتهم الحديث النبوي الشريف لا فضل لعربي على عجمي كلكم لآدم وآدم من تراب، ثم توسع العرب فأطلقوا لفظ الشعوبي على من يحقر العرب وتوسعوا بعد ذلك فأطلقوه على الزنديق والملحد، معتبرين الزندقة والإِلحاد مظهراً ينم على كره العرب لأنّه كره لدينهم، ثم اُطلق بعد ذلك على الموالي.

أسباب نشوء الشعوبية:

تنقسم الأسباب إلى قسمين:

القسم الأول:

فعل والثاني رد فعل، وهذا الأخير أعني ردة الفعل: ملخصه أنّ العرب كانوا في الجاهلية ممزقين لا تجمعهم جامعة، وكانت الدولة لغيرهم، فجاء الإِسلام ووحدهم وأوطأهم عروش كسرى وقيصر فنظر العرب فجأة فإذا بهم اُمة عظيمة بيدها أكثر من سلاح تخافها الاُمم وينظر إليها الناس بإجلال باعتبارها المبشرة بالإِسلام والحاملة لتعاليمه، فنفخ ذلك فيهم روح الغرور وأخذوا يعاملون الشعوب التي افتتحوها معاملة فيها كثير من الغطرسة والصلف ولم يسووهم بهم، ومنعوا الموالي من الزواج بالعربية وسموا من يولد من زواج كهذا

الصفحة 208
هجيناً، وكانوا إذا عربي بحيّ من أحيائهم فمن العار أن يباع عليه الطعام بيعاً بل يقدم له بعكس الموالي: يقول جرير الشاعر: وقد نزل ببني العنبر فلم يضيفوه وباعوه القِرى بيعاً:

يامالك بن طريف إنّ بيعكم * رفد القِرى مفسد للدين والحسب
قالوا نبيعكم بيعاً فقلت لهم * بيعوا الموالي واستحيوا من العرب(1)

وذكر ابن عبد ربه الأندلسي في العقد الفريد أن العرب كانوا يقولون: لا يقطع الصلاة إلا ثلاثة: حمار، أو كلب، أو مولى، وكانوا لا يكنون المولى ولا يمشون معه في الصف ولا يواكلونه بل يقف على رؤوسهم فإذا أشركوه بالطعام خصصوا له مكاناً ليعرف أنّه مولى وكانت الأمة لا تخطب من أبيها وأخيها وإنما من مولاها وكانوا في الحرب يركبون الخيل ويتركون الموالي مشاة(2).

ومن الحق أن يشار إلى أنّ فعل العرب هذا بالموالي هو ردة فعل لما كان يعامل به العرب من قبل الروم والفرس، وكان ما أشرنا إليه من معاملة للموالي هو على مستوى سائر الناس، أما ما كان على مستوى الحكام فكان لا يلتقي بحال من الأحوال مع الإِنسانية وخصوصاً ولاة الاُمويين كالحجاج الذي لم يرفع الجزية عمن أسلم من أهل الذمة، والذي وسم أيدي الموالي وردهم إلى القرى لما هاجروا للمدن(3) كل ذلك دفع هؤلاء الموالي إلى تبني شعار الإِسلام والدعوة للمساواة فسموا أهل التسوية، ثم مرت ظروف أدت إلى رفع شأن الموالي خصوصاً أيام عمر بن عبدالعزيز وما بعده فتحفزوا لإِثبات وجودهم وتطور الأمر بعد ذلك أن بدأت ردود الفعل تشتد فتصل إلى احتقار العرب وشتمهم.

أما القسم الثاني:

الذي هو فعل فهو امتداد للعصور السالفة عندما كان العرب أيام الأكاسرة

____________

(1) الكامل للمبرد 2/. (2) مظاهر الشعوبية لمحمد نبيه حجاب ص51.

(3) تاريخ الطبري 8/35.


الصفحة 209
والقياصرة ليس لهم شأن يذكر، وقد اختفت هذه النظرة للعرب لفترة طويلة بعد حكم الإِسلام هذه الشعوب، ولكن عادت إلى الظهور بفضل عوامل كثيرة لا سبيل للإِفاضة بها هنا، وساعد على هذا أنّ الموالي من اُمم ذات خلفية حضارية فكان أن نبغ مجموعة من الشعوبيين في مختلف الشؤون الإدارية والعلمية فلعبوا دوراً كبيراً في أبعاد المجتمع المختلفة، يضاف لذلك أنّ الدولة العباسية اعتمدت على كثير منهم لأمرين:

الأول:

لحاجتها لتنظيم شؤون الدولة والإِستفادة من خبرات هذه الاُمم في التطبيق وما لهم من قدم وعراقة في ذلك وتشبهاً بهم في البذخ والترف.

والثاني:

للإِستعانة بهم في كسر شوكة العرب لأنّهم خافوا من العرب وخصوصاً عندما شاهدوا ميل العرب للعلويين، وقد لعب الفرس والترك دوراً شرساً في كسر شوكة العرب وتحقيق مآرب العباسيين في ذلك ولكنّهم بعد ذلك قضوا على الخلافة العباسية وحتى على مظهرها العربي، وأحالوا بغداد إلى مؤسسة انمحت فيها آثار العروبة في تفصيل ليس محله هنا.

مظاهر الشعوبية:

المجالات التي ظهرت فيها الشعوبية اهمها الأدب بقسميه الشعر والنثر، ابتداءاً من أيام الامويين حتى العصر العباسي، وظهرت في تاريخ مرويات تحط من شأن العرب وترفع من غيرهم، ومظاهر أخرى تجسدت في إحياء طقوس وعادات وعقائد كانت عند بعض تللك الأمم التي دخلت الإِسلام، وحتى السلوك الاجتماعي عند الحكام والمواطنين في الأكل واللباس وانماط السلوك الاجتماعي الاخرى ظهرت عليها سمات غير عربية وكان طبيعياً أن يكون هناك اقتباس لو اقتصر على ذلك ولكنه اقتباس يرافقه تحدي وفخر بهذا المظهر وحط من مظاهر العرب وانتقاص من انماط معيشتها وحياتها.


الصفحة 210

علامة الشعوبية بالتشيع:

وبعد هذه الجمل الموجزة عن الشعوبية نتساءل ما هي علاقة الشعوبية بالتشيع؟ وما هو منشأ رمي التشيع بالشعوبية الأمر الذي دفع مثل الدكتور أحمد أمين أن يقول: وأما التشيع فقد كان عش الشعوبية الذي يأوون إليه وستارهم الذي يتسترون به(1).

ان رمي التشيع بالشعوبية أمر يدعو للاستغراب فليس هناك أي علاقة بين الشعوبية والتشيع، وسنحاول استقصاء الامور التي تكون علامة أو منشأ للشعوبية لنرى أين مكان الشيعة من هذه الامور، وبالتالي ما هي قيمة هذه التهمة:

1 ـ الأصل غير العربي:

لم يكن الشيعة الرواد والذين يلونهم: من الموالي أو من أي عنصر غير العنصر العربي كما أسلفنا ذلك وذكرناه مفصلاً فيما سبق من هذا الكتاب فلا حاجة لاعادته.

2 ـ مواقف الشيعة ازاء العروبة:

لقد وقف مؤلفوا ومفكروا الشيعة إزاء العروبة والعرب موقفاً جليلاً في تكريم العرب وتكريم الفكر العربي والإِشادة بإسهامه في خدمة الشريعة مبرهنين على أن الله تعالى كرم العرب بحملهم للرسالة وجعل لغة القرآن الكريم لغتهم، واعتبر أرضهم مهداً لا نطلاق الدعوة والذود عن حياضها وقد شرحنا موقفهم من اللغة وعروبة الخليفة وغير ذلك مفصلاً.

3 ـ موقفهم من حضارة العرب:

لم يكن للشيعة موقف سلبي إزاء حضارة العرب بل العكس فالشيعة هم الرواد الأوائل في خدمة الحضارة العربية في مختلف أبعادها وإليك شريحة من

____________

(1) ضحى الإِسلام 1/63.


الصفحة 211
أعلامهم الذين خدموا في ميادين الثقافة فمن الرواد في علم السير والتواريخ عبدالله بن أبي رافع صاحب كتاب تسمية من شهد من الصحابة مع علي عليه السلام، ومحمد ابن اسحق صاحب السيرة النبوية، وجابر بن يزيد الجعفي ومن الرواد في علم النحو: أبو الأسود الدؤلي، والخليل بن أحمد إمام البصريين، ومحمد بن الحسين الرواسي إمام الكوفيين وأستاذ الكسائي والفراء، وعطاء بن أبي الأسود الدؤلي، ويحيى المبرد بن يعمر العدواني، ويحيى بن زياد الفراء، وبكر بن محمد أبو عثمان المازني، ومحمد بن يزيد أبو العباس المبرد، وثعلبة بن ميمون أبو إسحق النحوي، ومحمد بن يحيى أبو بكر الصولي، وأبو علي الفارسي الحسن بن علي، والأخفش الأول أحمد بن عمران، ومحمد بن العباس أبو بكر الخوارزمي الذي يقول عنه الثعالبي في يتيمة الدهر: نابغة الدهر وبحر الأدب وعيلم النظم والنثر وعالم الظرف والفضل، كان يجمع بين الفصاحة واللبلاغة ويحاضر بأخبار العرب وأيامها ويدرس كتب اللغة والنحو والشعر، والتنوخي علي بن محمد، والمرزباني محمد بن عمران صاحب التصانيف الرائعة في علوم العربية، وملك النحاة الحسن بن هاني، ومعاذ الهراء واضع علم التصريف، وعثمان بن جني أبو الفتح وأبان بن عثمان الأحمر، ويعقوب بن السكيت صاحب إصلاح المنطق، وأبو بكر بن دريد صاحب الجمهرة، ومحمد بن عمران المرزباني صاحب المفصل في علم البيان وصفي الدين الحلي صاحب الكافية في البديع والخالع النحوي الحسين بن محمد صاحب كتاب صنعة الشعر، والخ(1).

تعقيب

هذه مجموعة بسيطة أردت منها أن تكون مجرد مؤشر إلى سبق الشيعة في خدمة الفكر العربي والإِشادة به، وليرجع القارئ إلى المصادر لأجل المزيد من ذلك.

____________

(1) تأسيس الشيعة لعلوم الإِسلام 46 إلى 182، والغدير للأميني 3/330.


الصفحة 212

4 ـ شعراء الشيعة:

مواقف شعراء الشيعة في الذود عن العرب والعروبة مشهورة ودفاعهم عن كل ماله صلة بوجود العرب ومجدهم، والوقوف بوجه خصوم العرب يشكل سفراً كبيراً لو جمع وساُورد لك نماذج: من مواقفهم في ذلك منهم:

أ ـ أبو الأسد نباتة بن عبدالله الحماني:

لقد سكت عن تعيين مذهبه كل من أبي الفرج في الأغاني، والعباسي في معاهد التنصيص، وابن قتيبة في الشعر والشعراء، ولكنه شيعي لعدة قرائن منها: أولاً ارتباطه بأهل البيت بشعره، وولادته في محلة حمانا بالكوفة مهد التشيع، وانقطاعه لأبي دلف القائد الشيعي، وإليك قصيدته في هجاء الشعوبية ضمن هجائه لعلي بن يحيى المنجم، وسنرى إلمامه القوي بالمصطلحات المحلية:

صنع من الله أني كنت أعرفكم * قبل اليسار وأنتم في التبابين(1)
فما مضت سنة حتى رأيتكم * تمشون في القز والقوهي وفي اللين
وفي المشاريق ما زالت نساؤكم * يصحن تحت الدوالي بالوراشين
فصرن يرفلن في وشي العراق وفي * طرائف الخز من دكن وطاروني
نسين قطع الحلاني من معادنها * وحملهن كشوشاً في الشقابين
حتى إذا أيسروا قالوا وقد كذبوا * ونحن الشهاريج أولاد الدهاقين
لو سيل أوضعهم قدراً أو انذلهم * لقال من فخره أني ابن شوبين
وقال أقطعني كسرى وورثني * فمن يفاخرني أم من يناويني
فقل لهم وهُمُ أهل لتربية * شر الخليقة يا بخر العثانين
ما الناس إلا نزار في أرومتها * وهاشم سرحة الشم العرانين
والحي من سلفي قحطان انهم * يزرون بالنبط اللكن الملاعين
أما تراهم وقد حطوا براذعهم * عن أتنهم واستبدوا بالبراذين
وأخرجوا عن مشارات البقول إلى * دور الملوك وأبواب السلاطين

____________

(1) الأغاني 12/167 ط الساسي.


الصفحة 213

تغلي على العرب من غيظ مراجلهم * عداوة لرسول الله والدين

يقول فون كريمر في كتابه الحضارة الإِسلامية ان هذه القصيدة تمثل مشاعر الحزب العربي تمثيلاً صادقاً(1).

ب ـ الشريف الرضي محمد بن الحسين:

ملأ ديوانه بالإِشادة بالعرب والعروبة ومن ذلك قوله في إحدى روائعه:

أثرها على ما بها من لغب * يقلقل أغراضها والحقب
وأنا نرى لجوار الديار * حقوقاً فكيف جوار النسب
فان ترع شركة أحسابنا * جميعاً فذلك دين العرب
إذا لبست بقواها قوى * وان طب مسن منها طنب(2)

ويقول في رائعة ثانية:

نا الدوحة العليا التي نزعت لها * إلى المجد أغضان الجدودِ الأطائب
علونا إلى اثباجها ولغيرها * عن المنكب العالي إذا رام ناكب
فان تر فينا صولة عجرفية * فقد عرقت فينا الجدود الأعارب(3)

والجدير بالذكر أن ديوان الشريف الرضي وديوان أخيه المرتضى وسائر مؤلفاتهما تعتبر من خمائل الفكر العربي المترفة ومن رياضه الأنيقة.

ج ـ أبو الطيب المتنبي أحمد بن الحسين:

والمتني عروبة متجسدة بالدم والفكر وقد عاش عمره يتطلع إلى تحقيق الوجود العربي على مختلف المستويات ويرسم نهايات كل فضيلة على انها بداية من حالة عربية وكم له في ثنايا شعره من اشادة بالعرب والعروبة وفخر واعتزاز بهذا الدم وهذه الأرومة، يقول، في مدح سيف الدولة:

____________

(1) انظر مظاهر الشعوبية ص317.

(2) ديوان الرضي 1/128.

(3) ديوان الرضي 1/145.