الصفحة 170

أقول: الفاعل هو المؤثر والغاية ما لأجله الأثر والمادة والصورة جزءاه (1) وإذا وجد المؤثر بجميع جهات التأثير وجب وجود المعلول، لأنه لو لم يجب لجاز وجود الأثر عند وجود الجهات بأجمعها وعدمه، فتخصيص وقت الوجود به إما أن يكون لأمر زائد أو لا يكون، فإن كان الأول لم يكن المؤثر المفروض أولا تاما هذا خلف، وإن كان الثاني لزم ترجيح أحد طرفي الممكن على الآخر لا لمرجح وهو محال.

قال: ولا تجب مقارنة العدم.

أقول: ذهب قوم إلى أن التأثير أنما يكون لما سبق بالعدم وهو على الإطلاق غير سديد، بل المؤثر إن كان مختارا (2) وجب فيه ذلك لأن المختار أنما يفعل بواسطة القصد وهو أنما يتوجه إلى شئ معدوم وإن كان موجبا لم يجب فيه ذلك.

قال: ولا يجوز بقاء المعلول بعده (3) وإن جاز في المعد.

أقول: ذهب قوم غير محققين (4) إلى أن احتياج الأثر إلى المؤثر أنما هو آن حدوثه، فإذا أوجد الفاعل الفعل استغني الفعل عنه فجاز بقاؤه بعده، وتمثلوا في ذلك بالبناء الباقي بعد الباني (5) وغيره من الآثار وهو خطأ، لأن علة الحاجة وهي الإمكان ثابتة بعد الإيجاد فثبتت الحاجة والبناء ليس علة مؤثرة في وجود البناء الباقي، وإنما حركته علة لحركة الأحجار ووضعها على نسبة معينة، ثم بقاء الشكل

____________

(1) أي جزءا الأثر الذي هو معلول.

(2) وقد تقدم الكلام فيه في المسألة الرابعة والأربعين من الفصل الأول.

(3) أي بعد الفاعل في قوله: فالفاعل مبدأ التأثير.

(4) وأما قول المحققين فقد تقدم في المسألة التاسعة والعشرين من الفصل الأول من أن علة احتياج الأثر إلى مؤثره هو الإمكان لا غير.

(5) وكذا بالابن الباقي بعد الأب وبالسخونة الباقية بعد النار، وقالوا: لو جاز على الباري العدم لما أضر عدمه بقاء العالم، وشنع عليهم الشيخ في كتابي الإشارات والشفاء. أما الإشارات فقد تقدم نقل كلامه منه في تلك المسألة المذكورة، وأما كلامه في الشفاء فيطلب في الثاني من سادسة الإلهيات (ص 524 ج 2 ط 1).


الصفحة 171
معلول لأمر آخر.

هذا في العلل الفاعلية، أما العلل المعدة فإنها تعدم وإن كانت معلولاتها موجودة كالحركة المعدة للوصول والحرارة.

قال: ومع وحدته يتحد المعلول (1).

____________

(1) يعني مع وحدة الفاعل الذي هو مبدأ التأثير يتحد المعلول، ويعبرون عنه بأن الواحد لا يصدر عنه إلا الواحد. والشيخ في الإشارات وسم هذا المطلب بالتنبيه حيث قال في الفصل الحادي عشر من خامس الإشارات: تنبيه مفهوم أن علة ما يجب عنها - أ - غير مفهوم أن علة ما بحيث يجب عنها - ب - الخ. وقال المحقق الماتن في شرحه عليه: يريد بيان أن الواحد الحقيقي لا يوجب من حيث هو واحد إلا شيئا واحدا بالعدد وكان هذا الحكم قريب من الوضوح، ولذلك وسم الفصل بالتنبيه وإنما كثرت مدافعة الناس إياه لإغفالهم معنى الوحدة الحقيقية.

أقول: وللراقم في هذا المقام من شرحه على الإشارات تعليقة هي العمدة والأصل في بيان صدور الواحد عن المبدأ الأول الواحد الأحدي الصمدي سبحانه وتعالى فعليك بالغور فيها وهي ما يلي:

إن هذه المسألة أي الواحد الأحدي لا يصدر عنه إلا واحد من أمهات المسائل الفلسفية وقد تعاضد العقل والنقل فيها فإنه تحقق عن الشرع أول ما خلق الله العقل، ثم إن لهذه المسألة الرصينة شأنا آخر أجل وأدق مما ذكر في هذا الكتاب وأترابه، وقد برهن في الحكمة المتعالية والصحف العرفانية، والوصول إلى إدراك حقيقته يحتاج إلى تلطيف سر وتدقيق فكر وتجريد نظر. وذلك الشأن هو الفرق بين أول ما صدر وبين أول ما خلق، فإن أول ما خلق هو العقل والخلق هو التقدير فالعقل هو تعين تقديري من التعينات التقديرية، وهذا التعين شأن من شؤون الصادر الأول ونقش من نقوشه وكلمة من كلماته العليا، وبتعبير آخر على نحو توسع في التعبير أن هذا التعين عارض على مادة الممكنات وتلك المادة هو الوجود المطلق بمعنى نفس الرحمن لا الوجود المطلق الحق الأحدي المنزه عن هذا الإطلاق.

والصادر الأول هو الوجود المنبسط الساري في الممكنات ومنها العقل. فأول ما خلقه الله تعالى هو العقل، وأما أول ما صدر عنه تعالى فهو الوجود المنبسط الذي هو مادة العقل ومادة جميع الممكنات.

وفي آخر نصوص الصدر القونوي: والحق سبحانه وتعالى من حيث وحدة وجوده لم يصدر عنه إلا واحد لاستحالة إظهار الواحد وإيجاده من حيث كونه واحدا ما هو أكثر من واحد، لكن ذلك الواحد عندنا هو الوجود العام المفاض على أعيان المكونات وما وجد منها وما لم يوجد مما سبق العلم بوجوده، وهذا الوجود مشترك بين القلم الأعلى الذي هو أول موجود المسمى أيضا بالعقل الأول وبين سائر الوجودات، الخ.

فراجع في تلك الغاية القصوى إلى المرحلة السادسة من الحكمة المتعالية أعني الأسفار في العلة والمعلول، سيما الفصل المعنون بقوله في الكشف عما هو البغية القصوى. وقد شرح هذا الفصل الحكيم الإلهي آقا علي المدرس في بدائع الحكم (ص 184)، وهكذا إلى الأسفار (ج 1 ص 193 ط 1) والى المقام الخامس من مصباح الأنس لابن الفناري في شرح مفتاح الغيب (ص 69 ط 1) ورسالتنا الفارسية الموسومة بوحدت از ديدگاه عارف وحكيم تجديك في المقام جدا، والله سبحانه ولي التوفيق.


الصفحة 172
أقول: المؤثر إن كان مختارا (1) جاز أن يتكثر أثره مع وحدته، وإن كان موجبا ذهب الأكثر إلى استحالة تكثر معلوله باعتبار واحد، وأقوى حججهم أن نسبة المؤثر إلى أحد الأثرين مغايرة لنسبته إلى الآخر، فإن كانت النسبتان جزئيه (2) كان مركبا وإلا تسلسل.

وهي عندي ضعيفة (3) لأن نسبة التأثير والصدور تستحيل أن تكون وجودية

____________

(1) المؤثر الأول سبحانه وتعالى مختار باتفاق المتألهين في التوحيد، والفاعل الموجب هو المبدأ الطبيعي أعني الأصول الأزلية المادية التي هي أجزاء لا تتجزأ وجواهر فردة على ما ذهب إليه القائلون بها في تكون صورة العالم ولم يتفوه حكيم إلهي بأن الواجب سبحانه فاعل موجب، كما لم يذهب إلى جواز صدور الكثرة عن الواحد بالوحدة الحقة الحقيقية لبراءته عن الحيثيات الكثيرة، ومع ذلك كله يقول بسيط الحقيقة كل الأشياء، فافهم.

(2) كلمة جزئيه على التثنية المضافة إلى الضمير.

(3) كذا قال رحمه الله في كشف الفوائد في شرح قواعد العقائد للمصنف قدس سره حيث قال الخواجة:

ويكون مقدوره عند الحكماء بلا توسط شيئا واحدا والباقي بتوسط، قال الشارح: أقول:

ذهب الأوائل إلى أن الله تعالى يفعل بذاته لا بتوسط شئ آخر واحدا لا أزيد والباقي بتوسط ذلك الصادر عنه، لأنه تعالى واحد من كل جهة والواحد من كل جهة لا يصدر عنه شيئان، لأن مفهوم صدور الأول عنه مغاير لمفهوم صدور الثاني. وهذان المفهومان إن كانا مقومين لزم تركيب واجب الوجود فلا يكون واجبا، وكذا إن كان أحدهما داخلا. وإن كانا خارجين كان مفهوم صدور أحدهما عنه غير مفهوم صدور الآخر ويتسلسل.

ثم قال ردا عليهم: وهذا الكلام في غاية السقوط، لأن مفهوم الصدور اعتباري لا تحقق له في الخارج وإلا لزم التسلسل ويلزم امتناع اتصاف البسيط بأكثر من واحد لأن مفهوم اتصافه بأحد الشيئين مغاير لمفهوم اتصافه بالآخر وامتناع سلب شيئين عن واحد (ص 44 ط 1).

وكذا في كتابه المسمى نهج المسترشدين الذي شرحه الفاضل المقداد وسمى ذلك الشرح إرشاد الطالبين حيث قال في النهج: ويمكن استناد معلولين إلى علة بسيطة إلى آخر ما قال.

والفاضل المقداد بعد ما نقل مذهب الحكماء قال على مذهب العلامة: والجواب - يعني الجواب عن الحكماء - من وجهين: الأول من حيث النقض وهو أنا نمنع القسمة وحصرها فإن ذلك أنما يتم على تقدير كون الصدورين موجودين في الخارج، فيقال فيهما إما أن يكونا داخلين أو خارجين، إلى آخر الكلام. وأما إذا كانا مفهومين ذهنيين لا تحقق لهما في الخارج فإنا نختار حينئذ أنهما خارجان ولا يلزم التسلسل لعدم احتياجهما إلى العلة.

ثم قال: ثم المصنف - يعني صاحب النهج - استدل على كون الصدور أمرا اعتباريا لا وجود له في الخارج فإنه لو كان موجودا في الخارج لزم التسلسل واللازم باطل فكذا الملزوم. بيان الملازمة أنه لا جائز أن يكون واجبا لاستحالة تعدد الواجب، واستحالة كونه عرضا فيكون ممكنا فيكون له صدور وننقل الكلام إلى صدوره ونقول فيه كما قلنا في الأول فيلزم التسلسل.

الثاني من حيث المعارضة وهي هنا نقض إجمالي وذلك من وجهين (الأول) أنه يلزم أن لا يصدر عن ذلك البسيط شئ أصلا، وذلك لأنكم تسلمون صدور أمر واحد عن تلك العلة البسيطة، وحينئذ نقول: ذلك الواحد له صدور فيكون مغايرا للعلة ولذلك الواحد لكونه نسبة إليهما فإما أن يكون داخلا في العلة أو خارجا، فمن الأول يلزم التركيب، ومن الثاني يلزم التسلسل.

(الثاني) أنه لو صح ما ذكرتم لزم أن لا يسلب من الواحد أكثر من واحد، وأن لا يتصف إلا بشئ واحد. أما الأول فلأن سلب (ا) عن (ج) مغاير لسلب (ب) عنه، لأنا نعقل أحد السلبين ونغفل عن الآخر فإما أن يكونا داخلين أو خارجين إلى آخره.

وأما الثاني فلأن اتصاف (ا) ب (ب) غير اتصافه ب (ج) وهما أيضا مغايران لما قلنا فإما أن يكونا داخلين أو خارجين - إلى آخر الكلام - ويلزم ما قلتم، إنتهى (ص 86 ط 1).

أقول: إن السنخية بين الفاعل وفعله مما لا يعتريه ريب ولا يتطرق إليه شائبة دغدغة ويعبرون عنها بالسنخية بين العلة ومعلولها وكل فعل يصدر من فاعله على جهة خاصة فيه وإلا يلزم صدور كل شئ عن كل شئ وظهور كل أثر عن كل شئ وهو كما ترى، فإن صدر عن فاعل أثران فلا شك أن فيه جهتين صدر كل واحد منهما عن كل واحدة منهما. وهذه الجهة هي الحيثية الواقعية المتحققة في ذات الفاعل وهو مبدأ صدور الأثر ومنشأ ظهوره والأمر الاعتباري المحض الذي يفرض في الذهن فرضا بلا واقع أنى له شأنية الاصدار. فما قالوا في صدور الكثرة عن الواحد محقق في الفاعل ذي الحيثيات النفس الأمرية لا الفاعل الصمد الذي هو الأول والآخر والظاهر والباطن. وحيث علمنا وأيقنا بأن نضد الكلمات الإلهية على نظم أتم وأحسن فلا يصدر من فاعلها القيوم إلا واحد هو نور مرشوش ورق منشور، ثم تصور بصور الكثرة غير المتناهية الأشرف فالأشرف نزولا والأخس فالأخس صعودا على وفق علمه العنائي الذي هو عين ذاته، والكثرات مرايا آياته ومظاهر أسمائه وصفاته. ثم إن كلام الخواجة ليس إلا في صدور الفعل عن فاعله وأما إن كان الفاعل واجب الوجود لذاته فهو غير مصرح في كلامه، فتأمل.


الصفحة 173

الصفحة 174
وإلا لزم التسلسل، وإذا كانت من الأمور الاعتبارية استحالت هذه القسمة عليها.

قال: ثم تعرض الكثرة (1) باعتبار كثرة الإضافات.

أقول: لما بين أن العلة الواحدة لا يصدر عنها إلا معلول واحد لزم أن تكون الموجودات بأسرها في سلسلة واحدة بحيث يكون أي موجود فرضته علة لأي موجود فرضته أو معلولا له إما قريبة أو بعيدة فلا يوجد شيئان يستغني أحدهما عن الآخر والوجود يكذب هذا فأوجبوا وقوع كثرة في المعلول الأول غير حقيقية بل إضافية يمكن أن يتكثر بها التأثير، قالوا: لأن المعلول الأول بالنظر إلى ذاته ممكن وبالنظر إلى علته واجب وله ماهية ووجود مستفاد من فاعله وهو يعقل ذاته لتجرده ويعقل مبدأه، وهذه جهات كثيرة إضافية يقع بها التكثر ولا تثلم وحدته ويصدر عنه باعتبار كل جهة شئ.

وهذا الكلام عندنا في غاية السقوط، لأن هذه الجهات لا تصلح للتأثير (2)

____________

(1) إشارة إلى جواب ما قاله المتكلمون من أنه لو لم يصدر عن الواحد إلا الواحد لما يصدر عن المعلول الأول إلا واحد هو الثاني، وعنه واحد هو الثالث وهلم جرا، فيكون الموجودات سلسلة واحدة طولية فكيف ظهرت الكثرات العرضية.

(2) هذا الاعتراض أورده الفخر الرازي أيضا. والحق أن الفاعل في الوجود هو الحق سبحانه وتلك الجهات هي شؤون ظهور آثاره. وما قالوه من أن العقل يعقل ذاته لتجرده ويعقل مبدأه فليس عقلا مباينا وموجودا متمايزا عن فاعله سبحانه وإلا كان الواجب واحدا بالعدد وهو سبحانه في السماء إله وفي الأرض إله وقيوم لهما وله ما في السماوات والأرض بالملكية الحقيقية التي يعبرون عنها بالإضافة النورية الاشراقية. نعم لو تفوه بأن الماهيات متأصلة في تحققها، أو الموجودات حقائق متمايزة متباينة لكان الاعتراض واردا ولكن الأمر أرفع من تأصلها رأسا وأشمخ من تباينها أصلا. والحكم على التوحيد الصمدي محكم غاية الإحكام.


الصفحة 175
لأنها أمور اعتبارية ومساوية لغيرها ولا تكون شروطا فيه.

قال: وهذا الحكم ينعكس على نفسه (1).

____________

(1) النسخ كلها على نفسه إلا (ت) فهي: إلى نفسه. يعني أن قولنا مع وحدته يتحد المعلول ينعكس على نفسه أي مع وحدة المعلول تتحد العلة، أي كما أنه لا يصدر عن الواحد إلا الواحد كذلك لا يصدر الواحد إلا عن الواحد. واعلم أن كلا من الأصل والعكس مستدل على حياله فلا إشكال على عكسه إلى نفسه في الظاهر. وهذا مثل أن يقال على مبنى الحكمة المتعالية: أن كل عاقل معقول وأن كل معقول عاقل، فإنهما حكمان برهن كل واحد منهما في محله لا أن الحكم الثاني استفيد من العكس فيقال: أن الموجبة الكلية لا تنعكس كنفسها.

لا بأس بنقل كلام كامل رصين من الماتن المحقق في الرد على زعم الفخر الرازي تأييدا للمرام وتسديدا للحكم المبحوث عنه في الصدور في المقام قال في شرح الفصل الحادي عشر من خامس حكمة الإشارات: إن الفاضل الشارح - يعني به الفخر الرازي - عارض به دليل الحكماء بأن الواحد قد يسلب عنه أشياء كثيرة كقولنا: هذا الشئ ليس بحجر وليس بشجر، وقد يوصف بأشياء كثيرة كقولنا: هذا الرجل قائم وقاعد، وقد يقبل أشياء كثيرة كالجوهر للسواد والحركة، ولا شك في أن مفهومات سلب تلك الأشياء عنه واتصافه بتلك الأشياء وقبوله لتلك الأشياء مختلفة ويعود التقسيم المذكور حتى يلزم أن يكون الواحد لا يسلب عنه إلا واحد ولا يوصف إلا بواحد ولا يقبل إلا واحدا.

وأجاب الخواجة عنه بأن سلب الشئ عن الشئ واتصاف الشئ بالشئ وقبول الشئ للشئ أمور لا تتحقق عند وجود شئ واحد لا غير فإنه لا يلزم الشئ الواحد من حيث هو واحد بل يستدعي وجود أشياء فوق واحدة تتقدمها حتى يلزم تلك الأمور لتلك الأشياء باعتبارات مختلفة وصدور الأشياء الكثيرة عن الأشياء الكثيرة ليس بمحال.

بيانه أن السلب يفتقر إلى ثبوت موصوف وصفة والقابلية إلى قابل ومقبول أو إلى قابل وشئ يوجد المقبول فيه واختلاف المقبول كالسواد والحركة يفتقر إلى اختلاف حال القابل فإن الجسم يقبل السواد من حيث ينفعل عن غيره ويقبل الحركة من حيث يكون له حال لا يمتنع خروجه عنها. وأما صدور الشئ عن الشئ أمر يكفي في تحققه فرض شئ واحد هو العلة وإلا لامتنع استناد جميع المعلولات إلى مبدأ واحد.

لا يقال: الصدور أيضا لا يتحقق إلا بعد تحقق شئ يصدر عنه وشئ صادر، لأنا نقول:

الصدور يطلق على معنيين: أحدهما: أمر إضافي يعرض للعلة والمعلول من حيث يكونان معا وكلامنا ليس فيه. والثاني: كون العلة بحيث يصدر عنه المعلول وهو بهذا المعنى متقدم على المعلول ثم على الإضافة العارضة لهما وكلامنا فيه، وهو أمر واحد إن كان المعلول واحدا. وذلك الأمر قد يكون هو ذات العلة بعينها إن كانت العلة علة لذاتها، وقد يكون حالة تعرض لها إن كانت علة لا لذاتها بل بحسب حالة أخرى أما إذا كان المعلول فوق واحد فلا محالة يكون ذلك الأمر مختلفا ويلزم منه التكثر في ذات العلة، إنتهى. ثم إن في المقام مباحثات أخرى رأينا الذب عنها أجدر وإن شئت فراجع الأسفار (ج 7 ط 2 ص 219).


الصفحة 176
أقول: يريد بذلك أن مع وحدة المعلول تتحد العلة وهو عكس الحكم الأول، فلا يجتمع على الأثر الواحد مؤثران مستقلان بالتأثير لأنه بكل واحد منهما واجب مستغن عن الآخر فيكون حال الحاجة إليهما مستغنيا عنهما هذا خلف.

قال: وفي الوحدة النوعية لا عكس.

أقول: إذا كانت العلة واحدة بالنوع كان المعلول كذلك ولا يجب من كون المعلول واحدا بالنوع كون العلة كذلك فإن الأشياء المختلفة تشترك في لازم واحد كاشتراك الحركة والشمس والنار في السخونة لأن المعلول يحتاج إلى مطلق العلة وتعين العلة جاء من جانب العلة لا المعلول.

قال: والنسبتان من ثواني المعقولات (1) وبينهما مقابلة التضايف.

____________

(1) إعلم أن صاحب الشوارق جعل قوله: والنسبتان إلى قوله: تتكافى النسبتان مسألة ثالثة فقال: هذه المسألة في أحوال العلة مطلقا سواء كانت تامة أو غير تامة مع معلولها:

فمنها: أن العلية والمعلولية من الأمور الغير المتأصلة في الخارج على ما قاله والنسبتان.. الخ.

ومنها: أن بينهما مقابلة التضايف، ومنها أنهما قد يجتمعان.. الخ.

ومنها: أنهما أي العلة والمعلولة لا يتعاكسان فيهما أي في العلية والمعلولية، وهذا المعنى يقال له الدور وهذه الأحكام كلها ضرورية.

ومنها: أنه لا يجوز الترتيب بينهما إلى غير النهاية ويقال له التسلسل، وإليه أشار بقوله: ولا يتراقى.. الخ. وقد احتج على بطلانه بوجوه: الأول قوله لأن كل واحد.. الخ، والثاني برهان التطبيق.. الخ.


الصفحة 177
أقول: يعني أن نسبة العلية والمعلولية من المعقولات الثانية لاستحالة وجود شئ في الأعيان هو مجرد علية أو معلولية وإن كان معروضهما موجودا وبينهما مقابلة التضايف فإن العلة علة المعلول، والمعلول معلول العلة وقد نبه بقوله:

وبينهما مقابلة التضايف على امتناع كون الشئ الواحد بالنسبة إلى شئ واحد علة ومعلولا، وهو الدور المحال، لأن كونه علة يقتضي الاستغناء والتقدم وكونه معلولا يقتضي الحاجة والتأخر فيكون الشئ الواحد مستغنيا عن الشئ الواحد متقدما عليه، ومحتاجا إليه متأخرا عنه هذا خلف.

قال: وقد يجتمعان في الشئ الواحد بالنسبة إلى أمرين لا يتعاكسان فيهما.

أقول: قد تجتمع نسبة العلية والمعلولية في الشئ الواحد بالنسبة إلى أمرين فيكون علة لأحد الشيئين ومعلولا للآخر كالعلة المتوسطة فإنها معلولة العلة الأولى، وعلة المعلول الأخير لكن بشرط أن لا يكون ذانك الأمران يتعاكسان في النسبتين بأن تكون العلة الأولى معلولة للمعلول الأخير والمعلول الأخير علة لها وإلا جاء الدور المحال.

المسألة الرابعة
في إبطال التسلسل

قال: ولا يتراقى (1) معروضاهما في سلسلة واحدة إلى غير النهاية، لأن كل واحد منها (2) ممتنع الحصول بدون علة واجبة، لكن الواجب بالغير ممتنع أيضا

____________

(1) في نسخ (ص، ق، ش): ولا يترامى، بالميم على وضوح.

(2) قال صاحب الشوارق: هذا إشارة منه إلى طريقة مخترعة له مشهورة عنه وهي أن الممكن لا يجب لذاته وما لا يجب لذاته لا يكون له وجود وما لم يكن له وجود لا يكون لغيره عنه وجود، فلو كانت الموجودات بأسرها ممكنة لما كان في الوجود موجود فلا بد من واجب لذاته فقد ثبت واجب الوجود وانقطع السلسلة أيضا.

ثم قال: وهذه الطريقة حسنة حقة مستقيمة خفيفة المؤونة ومبناها على مقدمة ظاهرة جدا وهي أن الشئ ما لم يمتنع جميع أنحاء عدمه لم يجب وجوده، ثم أخذ في تقرير الطريقة ببيان مبسوط.

وأقول: قوله: وهذه الطريقة حسنة حقة مستقيمة.. الخ تعريضات على ما في الشرح أعني كشف المراد من قوله وفي هذا الوجه عندي نظر.

ولعل وجه نظره ما قاله القوشجي في الشرح: من يجوز ذهاب سلسلة الممكنات إلى غير النهاية يقول: كل منها يجب بغيره ويوجد بغيره ولا ينتهي إلى ما هو واجب بذاته، فدعوى أنه لا بد من وجود علة واجبة لذاتها مصادرة.

ثم يجب أن يعتقد أو يلاحظ في هذه الوجوه من الأدلة أن سلسلة الممكنات الموجودة بالفعل معا قائمة بذاتها لا بد أن تنتهي إلى واجب قائم لذاته مقيم لغيره أي الوجود القيوم ومع التوجه إلى هذا الأصل القويم كان النظر فيه غير مستقيم، وتعليله بالمصادرة عليل.


الصفحة 178

فيجب وجود علة لذاتها هي طرف.

أقول: لما أبطل الدور شرع في إبطال التسلسل، وهو وجود علل ومعلولات في سلسلة واحدة غير متناهية، ونبه على الدعوى بقوله: ولا يتراقى معروضاهما يعني معروض العلية والمعلولية في سلسلة واحدة إلى غير النهاية واحتج عليه بوجوه: الأول أن كل واحد من تلك الجملة ممكن وكل ممكن ممتنع حصوله بدون علته الواجبة فكل واحد من تلك الآحاد ممتنع حصوله بدون علته الواجبة ثم تلك العلة الواجبة إن كانت واجبة لذاتها فهو المطلوب لانقطاع السلسلة حينئذ، وإن كانت واجبة بغيرها كانت ممكنة لذاتها فكانت مشاركة لباقي الممكنات في امتناع الوجود بدون العلة الواجبة فيجب وجود علة واجبة لذاتها هي طرف السلسلة فتكون السلسلة منقطعة، وفي هذا الوجه عندي نظر.

قال: وللتطبيق بين جملة قد فصل منها آحاد متناهية وأخرى لم تفصل منها.

أقول: هذا هو الوجه الثاني من الوجوه الدالة على امتناع التسلسل وهو المسمى ببرهان التطبيق وهو دليل مشهور، وتقريره أنا إذا أخذنا جملة العلل والمعلولات إلى ما لا يتناهى ووضعناها جملة ثم قطعنا منها جملة متناهية ثم أطبقنا إحدى الجملتين بالأخرى بحيث يكون مبدأ كل واحدة من الجملتين

الصفحة 179
واحدا، فإن استمرتا إلى ما لا يتناهى كانت الجملة الناقصة مثل الزائدة هذا خلف، وإن انقطعت الناقصة تناهت ويلزم تناهي الزائدة لأن ما زاد على المتناهي بمقدار متناه فهو متناه.

قال: ولأن التطبيق باعتبار النسبتين (1) بحيث يتعدد كل واحد منها باعتبارهما يوجب تناهيهما لوجوب ازدياد إحدى النسبتين على الأخرى من حيث السبق.

أقول: هذا وجه ثالث وهو راجع إلى الثاني وهو برهان التطبيق لكن على نحو آخر استخرجه المصنف رحمه الله مغاير للنحو الذي ذكره القدماء، وتقريره أنا إذا أخذنا العلل والمعلولات سلسلة واحدة غير متناهية فإن كل واحد من تلك السلسلة علة باعتبار ومعلول باعتبار، فيصدق عليه النسبتان باعتبارين ويحصل له التعدد

____________

(1) أي نسبة العلية ونسبة المعلولية. واعلم أن طريق هذا البرهان أن تعزل المعلول المحض من السلسلة إذا كان التسلسل في جانب العلل كما هو ظاهر هذا الشرح وصريح الشوارق والأسفار، أو العلة المحضة إذا كان التسلسل في جانب المعلولات كما أن القوشجي أقام البرهان بهذا الوجه أيضا، ثم تجعل كلا من الآحاد التي فوقه على الأول أو تحتها على الثاني متعددا باعتبار وصفي العلية والمعلولية، فيلزم زيادة وصف العلية على الأول والمعلولية على الثاني فتنقطع السلسلتان. فقوله: من حيث السبق، أي من حيث وجوب سبق العلية على المعلولية، أو بالعكس على الوجهين المذكورين في طريق العزل وكان الكلام في تناهي معروضي العلية والمعلولية، فلا تغفل.

وهذا الوجه كما أفاده الشارح راجع إلى الثاني وقد استخرجه المصنف من برهان التطبيق، ثم الظاهر من قول الشارح ولا يحتاج في تطابقهما إلى توهم تطبيق، أنه ناظر إلى كون هذا البرهان أقل مؤونة من برهان التطبيق كما يستفاد من الشوارق حيث قال: وهذا البرهان أقل مؤونة من برهان التطبيق لأنه مستغن عن توهم تطبيق كل واحد من آحاد إحدى السلسلتين بواحد من آحاد السلسلة الأخرى كما احتاج إليه برهان التطبيق وذلك لكونهما متطابقتين بلا تعمل من الوهم. وكذلك هو أتم فائدة منه لأنه يجري في المتعاقبات أيضا دون برهان التطبيق.

واعلم أن العزل إن أختص بالمعلول الأخير فقط كان المراد من إحدى النسبتين هي النسبة بالعلية كما في الأسفار والشوارق وكان المراد من السبق السبق بالعلية، وإن لم يختص به كان قوله: إحدى النسبتين جاريا على العلة والمعلول كليهما، وكذلك السبق.


الصفحة 180
باعتبار النسبتين، فإن الواحد من تلك السلسلة (1) من حيث إنه علة مغاير له من حيث إنه معلول، فإذا أطبقنا كل ما صدق عليه نسبة المعلولية على كل ما صدق عليه نسبة العلية واعتبرت هذه السلسلة من حيث كل واحد منها علة تارة ومن حيث كل واحد منها معلول أخرى كانت العلل والمعلولات المتباينات بالاعتبار متطابقتين في الوجود ولا يحتاج في تطابقهما إلى توهم تطبيق، ومع ذلك يجب أن تكون العلل أكثر من المعلولات من حيث إن العلل سابقة على المعلولات في طرف المبتدأ، فإذن المعلولات قد انقطعت قبل انقطاع العلل، والعلل الزائدة عليها إنما زادت بمقدار متناه فتكون الجملتان متناهيتين.

قال: ولأن المؤثر في المجموع إن كان بعض أجزائه كان الشئ مؤثرا في نفسه وعلله ولأن المجموع له علة تامة وكل جزء ليس علة تامة إذ الجملة لا تجب به وكيف تجب الجملة بشئ هو محتاج إلى ما لا يتناهى من تلك الجملة.

أقول: هذا وجه (2) رابع على إبطال التسلسل، وتقريره أنا إذا فرضنا جملة

____________

(1) دليل لحصول التعدد.

(2) هذا الوجه هو ما ذكره الشيخ في الفصل الثاني عشر من رابع الإشارات وقد صدره بالتنبيه.

وكذا ذكره في الفصل السادس عشر من المبدأ والمعاد، وكلام الشارح هنا قريب مما ذكره الشيخ فيه فلا بأس بما أتى به في المبدأ والمعاد توضيحا للمراد، قال:

فصل في أنه لا يمكن أن يكون لكل ممكن الوجود علة معه ممكنة إلى غير نهاية: وقبل ذلك فإنا نقدم مقدمات، فمن ذلك أنه لا يمكن أن يكون في زمان واحد لكل ممكن الذات علل ممكنة الذات بلا نهاية، وذلك لأن جميعها إما أن يكون موجودا معا وإما أن لا يكون موجودا معا.

فإن لم يكن موجودا معا لم يكن الغير المتناهي في زمان واحد ولكن واحد قبل الآخر أو بعد الآخر وهذا لا نمنعه. وأما أن يكون موجودا معا (1) ولا واجب وجود فيها فلا يخلو إما أن تكون تلك الجملة بما نهي تلك الجملة واجبة الوجود بذاتها، أو ممكنة الوجود في ذاتها. فإن كانت واجبة الوجود بذاتها وكل واحد منها ممكن الوجود يكون الواجب الوجود يتقوم بممكنات الوجود، هذا محال، وأما إن كانت ممكنة الوجود بذاتها فالجملة محتاجة في الوجود إلى مفيد الوجود. فإما أن يكون خارجا منها أو داخلا فيها.

فإن كان داخلا فيها فإما أن يكون كل واحد واجب الوجود - وكان كل واحد منها ممكن الوجود - هذا خلف. وإما أن يكون ممكن الوجود فيكون هو علة للجملة ولوجود نفسه لأنه أحد الجملة. وما ذاته كافية في أن توجد ذاته فهو واجب الوجود، وكان ليس واجب الوجود هذا خلف.

فبقي أن يكون خارجا عنها، ولا يجوز أن يكون علة ممكنة، فإنا جمعنا كل علة ممكنة الوجود في هذه الجملة، فهي إذا خارجة عنها وواجبة الوجود بذاتها، فقد انتهت الممكنات إلى علة واجبة الوجود فليس لكل ممكن علة ممكنة معه. إنتهى ما أفاده في المبدأ والمعاد.

____________

1 - قوله: وأما أن يكون موجودا معا.. الخ هذا المطلب الجسيم كان مرادنا في قولنا آنفا من أنه يجب أن يلاحظ أن سلسلة الممكنات الموجودة بالفعل معا.. الخ.


الصفحة 181
مترتبة من علل ومعلولات إلى ما لا يتناهى، فتلك الجملة من حيث هي جملة ممكنة لتركبها من الآحاد الممكنة وكل ممكن له مؤثر فلتلك الجملة مؤثر فإما أن يكون المؤثر هو نفس تلك الجملة وهو محال لاستحالة كون الشئ مؤثرا في نفسه، وإما أن يكون خارجا عنها والخارج عن جملة الممكنات واجب فتنقطع السلسلة وإما أن يكون جزءا من تلك الجملة وهذا محال وإلا لزم كون الشئ مؤثرا في نفسه وفي علله التي لا تتناهى وذلك من أعظم المحالات. وأيضا فإن المجموع لا بد له من علة تامة وكل جزء ليس علة تامة إذ الجملة لا تجب به وكل جزء لا يصلح أن يكون علة تامة للمجموع، وكيف تجب الجملة بجزء من أجزائها وذلك الجزء محتاج إلى ما لا يتناهى من تلك الجملة.

المسألة الخامسة
في متابعة المعلول للعلة في الوجود والعدم

قال: وتتكافى النسبتان في طرفي النقيض.

أقول: الذي يفهم من هذا الكلام أن نسبة العلية مكافئة لنسبة المعلولية في طرفي الوجود والعدم بالنسبة إلى معروضيهما على معنى أن نسبة العلية إذا صدقت

الصفحة 182
على معروض ثبوتي كانت نسبة المعلولية صادقة على معروض ثبوتي وبالعكس، وإذا صدقت نسبة العلية على معروض عدمي صدقت نسبة المعلولية على معروض عدمي وبالعكس وذلك يتم بتقرير مقدمة هي أن عدم المعلول أنما يستند إلى عدم العلة لا غير، وبيانه أن عدم المعلول لا يستند إلى ذاته وإلا لكان ممتنعا لذاته هذا خلف، بل لا بد له من علة إما وجودية أو عدمية، والأول باطل لأن عند وجود تلك العلة الوجودية إن لم يختل شئ من أجزاء العلة المقتضية لوجود المعلول، ولا من شرائطها لزم وجود المعلول نظرا إلى تحقق علته التامة، وإن اختل شئ من ذلك لزم عدم المعلول فيكون عدم المعلول مستندا إلى ذلك العدم لا غير.

وإذا تقررت هذه المقدمة فنقول: العلة الوجودية يجب أن يكون معلولها وجوديا لأنه لو كان عدميا لكان مستندا إلى عدم علته على ما قلنا لا إلى وجود هذه العلة، والمعلول الوجودي يستند إلى العلة الوجودية لا العدمية لأن تأثير المعدوم في الموجود غير معقول.

المسألة السادسة
في أن القابل لا يكون فاعلا

قال: والقبول والفعل متنافيان مع اتحاد النسبة لتنافي لازميهما.

أقول: ذهب الأوائل إلى أن الشئ الواحد لا يكون قابلا وفاعلا لشئ واحد، وعبر عنه المصنف بقوله: القبول والفعل متنافيان يعني لا يجتمعان بل يتنافيان لكن مع اتحاد النسبة يعني أن يكون المفعول الذي تقع نسبة الفعل إليه هو بعينه المقبول الذي تقع نسبة القبول إليه لتنافي لازميهما وهو الإمكان والوجوب وذلك لأن نسبة القابل إلى المقبول نسبة الإمكان (1)، ونسبة الفاعل إلى المفعول نسبة

____________

(1) كما في (ص) وفي (م، ق، ش) نسبة إمكان. ويأتي قوله في المسألة الأولى من الفصل الرابع من المقصد الثاني في شرح قول الماتن: (وأدلة وجوده مدخولة) على تعريف الإمكان باتفاق النسخ كلها حيث يقول: لأن نسبة القبول نسبة الإمكان ونسبة الفاعل نسبة الوجوب.


الصفحة 183
الوجوب فلو كان الشئ الواحد مقبولا لشئ ومعلولا له أيضا لزم أن تكون نسبة ذلك الشئ إلى فاعله بالوجوب والإمكان هذا خلف.

المسألة السابعة
في نسبة العلة إلى المعلول

قال: وتجب المخالفة بين العلة والمعلول (1) إن كان المعلول محتاجا لذاته إلى تلك العلة وإلا فلا.

أقول: العلة إن كان معلولها محتاجا لماهيته إليها وجب كونها مخالفة لها لاستحالة تأثير الشئ في نفسه، وإن كانت علة لشخصيتها (2) كتعليل إحدى النارين بالأخرى فإن المعلول لا يجب أن يكون مخالفا للعلة في الماهية ولا يكون أقوى منها ولا يساويها عند فوات شرط أو حضور مانع ويساويها لا مع ذلك (3)، والإحساس بسخونة الأجسام الذائبة أشد من سخونة النار لعدم الانفصال بسرعة للزوجته ولبطء حركة اليد فيه لغلظه.

المسألة الثامنة
في أن مصاحب العلة ليس بعلة وكذا مصاحب المعلول ليس معلولا

قال: ولا يجب صدق إحدى النسبتين على المصاحب.

أقول: يعني به أن نسبة العلية (4) لا يجب صدقها على ما يصاحب العلة

____________

(1) ذكره الشيخ في ثالث من سادسة إلهيات الشفاء (ص 527 ج 2 ط 1) قال في عنوان البحث:

الفصل الثالث في مناسبة ما بين العلل الفاعلية ومعلولاتها، فراجع.

(2) وفي (ص ق): لتشخصها.

(3) أي يساوي المعلول العلة لا مع فوات شرط أو حضور مانع. وقوله: والاحساس مثال لعدم التساوي عند فوات شرط أو حضور مانع.

(4) وبعبارة أخرى لا يجوز ما مع العلة علة وإلا لزم اجتماع العلتين في مرتبة واحدة، ولا أن يكون ما مع المعلول معلولا.


الصفحة 184
ويلازمها فإن مع العلة شرائط كثيرة ولوازم لا مدخل لها في العلية كحمرة النار (1) فإنها لا تأثير لها في الاحراق وكذا ما يصاحب المعلول ويلازمه لا يجب صدق نسبة المعلولية عليه، قال الشيخ أبو علي ابن سينا (2): إن الفلك الحاوي يصاحب علة المحوي ولا يجب أن يكون متقدما بالعلية على المحوي لأجل مصاحبته لعلة المحوي فقد جعل ما مع القبل ليس قبلا، ثم قال: وجود الخلاء وعدم المحوي متقارنان (3)، فلو كان الحاوي علة للمحوي لكان متقدما عليه فيكون متقدما على ما يصاحبه أعني عدم الخلاء، فيكون عدم الخلاء (4) متأخرا عنه من حيث إنه مصاحب للمتأخر، وهذا يدل على أن ما مع البعد يجب أن يكون بعدا، فتوهم بعضهم (5) أن الشيخ أوجب أن يكون ما مع البعد بعدا من حيث المعية والبعدية ولم يوجب أن يكون ما مع القبل قبلا وهذا فاسد لأنه لا فرق بين ما مع القبل وما مع البعد من حيث البعدية والمعية والقبلية، والشيخ حكم في هذه الصورة الخاصة وكل ما يساويها بأن ما مع البعد يجب أن يكون بعدا لتحقق الملازمة الطبيعية بين عدم الخلاء ووجود المحوي بخلاف العقل والفلك (6) المتباينين بالذات والاعتبار.

____________

(1) بالحاء المهملة والمعجمة كما في بعض النسخ مهملة.

(2) راجع في ذلك شرح الماتن على الفصل الحادي والعشرين من النمط الأول من كتاب الإشارات قوله: يجب أن يعلم في الجملة أن الصورة الجرمية وما يصحبها ليس شئ منهما سببا لقوام الهيولى مطلقا.. الخ، وكذا شرحه على الفصل الحادي والثلاثين من النمط السادس منه قوله هداية إذا فرضنا جسما يصدر عنه فعل.. الخ.

(3) وبالعكس أي وجود المحوي وعدم الخلاء متقارنان.

(4) أقول وهو الصواب وما في بعض النسخ أعني وجود الخلاء فيكون وجود الخلاء، غلط جدا.

(5) هذا البعض هو الفخر الرازي وتفصيل كلامه في ذلك وجواب المحقق الطوسي إياه يطلبان في الموضعين المذكورين من الإشارات.

(6) العقل هو علة المحوي في المقام، فلا تغفل.