الصفحة 320
الاحتمالات كلها صالحة لتفسير قوله: لحصل ضد المحسوس.

وأما سبب وهم أولئك (1) من أنه متحرك فهو خطأ، لأن الضوء يحدث عند المقابلة لا أنه يتحرك من الجسم المقابل إلى غيره.

قال: بل هو عرض قائم بالمحل معد لحصول مثله في المقابل.

أقول: لما أبطل كونه جسما ثبت كونه عرضا قائما بالمحل، إذ العرض لا يقوم بنفسه وإذا قام بالمحل حصل منه استعداد للجسم المقابل لمحله لتكيفه بمثل كيفيته كما في الأجسام النيرة الحاصل منها النور في المقابل، وقد نبه بذلك على أن المضئ أنما يضئ ما يقابله.

قال: وهو ذاتي وعرضي، أول وثان.

أقول: الضوء منه ذاتي ومنه عرضي، وأيضا منه ما هو أول ومنه ما هو ثان، فالذاتي يسمى ضوءا بقول مطلق وأما العرضي وهو الحاصل من المضئ لذاته في غيره فإنه يسمى نورا، والأول من الضوء ما حصل عن المضئ لذاته، والثاني ما حصل عن المقابل له كالأرض قبل طلوع الشمس فإنها مضيئة لمقابلتها الهواء المضئ لمقابلة الشمس.

قال: والظلمة عدم ملكة (2).

أقول: الظلمة عدم الضوء عما من شأنه أن يكون مضيئا، ومثل هذا العدم المقيد بموضوع خاص يسمى عدم ملكة، وليست الظلمة كيفية وجودية قائمة

____________

(1) باتفاق النسخ كلها وهو ناظر إلى قوله: وسبب غلطه ما يتوهم من كونه متحركا.

(2) ولكن قال الأمام سيد الساجدين عليه السلام: سبحانك تسمع أنفاس الحيتان في قعور البحار، سبحانك تعلم وزن السماوات، سبحانك تعلم وزن الأرض (الأرضين - خ ل)، سبحانك تعلم وزن الشمس والقمر، سبحانك تعلم وزن الظلمة والنور، سبحانك تعلم وزن الفئ والهواء، سبحانك تعلم وزن الريح كم هي من مثقال ذرة. (الصحيفة الثانية السجادية مما جمعه المحدث الثقة الجليل صاحب الوسائل الشيخ الحر العاملي رضوان الله تعالى عليه ص 277 ط 1 مصر. وكان من دعائه عليه السلام في التسبيح).


الصفحة 321
بالمظلم كما ذهب إليه من لا تحقيق له، لأن المبصر لا يجد فرقا بين حالتيه عند فتح العين في الظلمة وبين تغميضها في عدم الإدراك، فلو كانت كيفية وجودية لحصل الفرق. وفي هذا نظر فإنه يدل على انتفاء كونها كيفية وجودية مدركة لا على أنها وجودية مطلقا (1).

المسألة السابعة
في البحث عن المسموعات

قال: ومنها المسموعات وهي الأصوات الحاصلة من التموج المعلول للقرع والقلع.

أقول: من الكيفيات المحسوسة الأصوات وهي المدركة بالسمع. واعلم أن الصوت عرض قائم بالمحل، وقد ذهب قوم غير محققين إلى أن الصوت جوهر (2) ينقطع بالحركة وهو خطأ، لأن الجوهر يدرك باللمس والبصر والصوت ليس كذلك.

وذهب آخرون إلى أنه عبارة عن التموج الحاصل في الهواء من القلع أو القرع، وآخرون قالوا: إنه القلع أو القرع.

وهذان المذهبان باطلان، وسبب غلطهم أخذ سبب الشئ مكانه فإن الصوت معلول للتموج المعلول للقرع أو القلع وليس هو أحدها لأنها تدرك بحس البصر بخلاف الصوت. إذا عرفت هذا فاعلم أن القلع أو القرع إذا حصل حدث تموج بين القارع والمقروع في الهواء وانتقل ذلك التموج إلى سطح الصماخ فأدرك الصوت، ولا نعني بذلك أن تموجا واحدا ينتقل بعينه إلى الصماخ بل يحصل تموج بعد تموج عن صدم بعد آخر كما في تموج الماء إلى أن يصل إلى الحس.

____________

(1) وهي العبارة الصحيحة اتفقت النسخ الست الأصلية وما في المطبوعة: (لا على انتفاء كونها وجودية مطلقا) مصحفة جدا، وكم لها من نظير في الكتاب أعرضنا عن التعرض بها خوفا للإسهاب.

(2) باتفاق النسخ الست الأولى: الصوت جواهر، على صيغة الجمع.


الصفحة 322

قال: بشرط المقاومة.

أقول: القرع أنما يحصل معه الصوت إذا حصلت المقاومة بين القارع والمقروع، فإنك لو ضربت خشبة على وجه الماء بحيث تحصل المقاومة فإنه يحدث الصوت، ولو وضعتها عليه بسهولة لم يحصل الصوت، ولا يشترط الصلابة لحصول الصوت من الماء والهواء ولا صلابة هناك.

قال: في الخارج.

أقول: ذهب قوم إلى أن الصوت ليس بحاصل في الخارج بل إنما يحصل عند الصماخ، وهو ما إذا تموج الهواء وانتهى التموج إلى قرع سطح الصماخ فيحصل الصوت وهو خطأ، وإلا لم تدرك الجهة ولا البعد كما في اللمس حيث كان إدراكه بالملاقاة. ولا يمكن أن يقال: إن إدراك الجهة أنما كان لأن القرع توجه من تلك الجهة وإدراك البعد، لأن ضعف الصوت وقوته يدل على القرب والبعد (1) لأنا لو سددنا الأذن اليسرى لأدركنا باليمنى جهة الصوت الحاصل من الجهة اليسرى والضعف لو كان للبعد لم نفرق بين القوي البعيد والضعيف القريب.

قال: ويستحيل بقاؤه لوجوب إدراك الهيئة الصورية.

أقول: الصوت يستحيل عليه البقاء خلافا للكرامية، والدليل عليه أنا إذا سمعنا لفظة زيد (2) أدركنا الهيئة الصورية أعني ترتيب الحروف وتقديم بعضها على بعض، ولو كانت أجزاء الحروف باقية لم يكن إدراك هذا الترتيب أولى من باقي التركيبات الخمسة.

قال: ويحصل منه آخر.

أقول: الصوت أنما يحصل باعتبار التموج في الهواء الواصل إلى سطح

____________

(1) تقدم كلامنا فيهما.

(2) وفي (م): إذا وضعنا لفظة زيد، والتركيبات الخمسة هي غير كلمة زيد من حروف زيد وهي: يزد، ديز، زدي، دزي، يدز.


الصفحة 323
الصماخ، وقد بينا وجوده في الخارج فإذا تأدى التموج إلى جسم كثيف مقاوم لذلك التموج رده، فحصل منه تموج آخر وحصل من ذلك التموج الآخر صوت آخر هو الصدى، والظاهر أن هذا الصدى أنما يحصل من تموج الهواء الحاصل بين الهواء المتموج المتوجه إلى المقاوم وبين ذلك المقاوم لا من الهواء المتوجه بعد صدمه للمقابل وإن كان فيه احتمال، وكلام المصنف رحمه الله محتمل لهما لأن قوله:

ويحصل منه آخر يحتمل كلا المعنيين.

قال: وتعرض له كيفية مميزة، تسمى باعتبارها حرفا.

قوله: تعرض للصوت كيفية يتميز بها عن صوت آخر مثله تميزا في المسموع يسمى الصوت باعتبار تلك الكيفية حرفا وهي حروف التهجي وحصرها غير معلوم بالبرهان.

قال: إما مصوت أو صامت، متماثل أو مختلف بالذات أو بالعرض.

أقول: تنقسم الحروف إلى قسمين (1): مصوت وصامت، فالمصوت هو حرف المد واللين أعني الواو والألف والياء، وهي أنما تحصل في زمان، وإما صامت وهو ما عداها. والصامت إما متماثل كالجيم والجيم أو مختلف، والمختلف إما بالذات كالجيم والحاء أو بالعرض وهو إما أن يكون أحد الجيمين مثلا ساكنا والآخر متحركا أو يكون أحدهما متحركا بحركة والآخر بضدها.

قال: وينتظم منها الكلام بأقسامه.

أقول: هذه الحروف المسموعة إذا تألفت تأليفا مخصوصا أي بحسب الوضع سميت كلاما، فحد الكلام على هذا هو ما انتظم من الحروف المسموعة ويدخل

____________

(1) ينبغي التوجه إلى التميز بين الحروف المصوتة أو الصامتة هاهنا وبين ما في العلم الارثماطيقي، لأن في ذلك العلم اصطلاحا آخر في الصامتة ففيه تسمى أربعة عشر حرفا صامتة تجمعها هذه الكلمات الأربع: أحد، رسص، طعكل، موهلا. وذكروا لها خواص وآثارا معجبة وراجع في المقام الأسفار أيضا (ج 2 ط 1 ص 33).


الصفحة 324
فيه المفرد وهو الكلمة الواحدة، والمؤلف التام وهو المحتمل للصدق والكذب، وغير المحتمل لهما من الأمر والنهي والاستفهام والتعجب والنداء وغير التام التقييدي وغيره، وإلى هذا أشار بقوله: بأقسامه.

قال: ولا يعقل غيره (1).

____________

(1) رد على الأشاعرة إعلم أنما الأوائل ذهبوا - من قوله سبحانه: (وكلم الله موسى تكليما) ونحوه - إلى القول بأن الله متكلم والقرآن كلام الله ثم إلى أن القرآن قديم، إجلالا للقرآن ثم اقتفاهم الأشاعرة فانجر الأمر إلى أن أفتوا بأن من قال بخلق القرآن أي حدوثه فهو مبدع بل كافر. ثم لما قابلوا الاعتراضات الكثيرة من أرباب العقول القائلين بأن القرآن مخلوق أي حادث تمسكوا لتثبيت اعتقادهم وإنفاذه ردا على المعترضين عليهم بالكلام النفسي. وقالوا:

إن الكلام نفسي ولفظي، والقرآن كلام قديم بالمعنى الأول، والثاني المخلوق الحادث دال عليه وهذا متصرم الحدوث دون الأول. ثم لما واجهوا اعتراضات القول في الكلام النفسي بأنه أي نحو من الكلام تمسكوا بأنه كلام ليس بخبر ولا أمر ولا نهي ولا يدخل فيه ماض ولا حال ولا استقبال ولا غيرها من أحكام الكلام اللفظي ولا أحكام الكلام الخيالي. وقد تمسك الفخر الرازي في المحصل في إثبات الكلام النفسي بقول الأخطل (ص 126 ط الآستانة):


إن الكلام لفي الفؤاد وإنماجعل اللسان على الفؤاد دليلا

وقال المصنف أعني المحقق الطوسي في نقد المحصل ردا عليه: الاستدلال بهذا البيت ركيك وهو يقتضي أن يقال للأخرس: متكلم، لكونه بهذه الصفة. وقال في النقد أيضا: فقد صارت مسألة قدم الكلام إلى أن قام العلماء وقعدوا وضرب الخلفاء الأكابر لأجلها بالسوط بل بالسيف مبتنية على هذا البيت الذي قاله الأخطل، والأعجب تكفيرهم من يأبى القول بهذا الأمر المحال.

وقد أصر الفخر في محصله بأن كلام الله تعالى قديم وهو إمام الأشاعرة، ومرادهم من الكلام هذا هو النفسي.

وقال شارح المقاصد: وعلى البحث والمناظرة في ثبوت الكلام النفسي وكونه هو القرآن ينبغي أن يحمل ما نقل من مناظرة أبي حنيفة وأبي يوسف ستة أشهر ثم استقر رأيهما على أن من قال بخلق القرآن فهو كافر.

وفي شرح القوشجي: الحنابلة قالوا: كلامه تعالى حروف وأصوات يقومان بذاته وأنه قديم، وقد بالغوا فيه حتى قال بعضهم جهلا: الجلد والغلاف أيضا قديمان فضلا عن المصحف.

وفي الملل والنحل للشهرستاني: قال أبو الحسن الأشعري: الباري تعالى متكلم بكلام وكلامه واحد، والعبارات والألفاظ المنزلة على لسان الملائكة إلى الأنبياء عليهم السلام دلالات على الكلام الأزلي والدلالة مخلوقة محدثة والمدلول قديم أزلي، والفرق بين القراءة والمقرو والتلاوة والمتلو كالفرق بين الذكر والمذكور، فالذكر محدث والمذكور قديم. انتهى ملخصا (ص 96 ج 1 ط مصر).

فما يعني بقوله: وكلامه واحد؟ فإن أراد علمه البسيط الأحدي القرآني الجمعي فلم يجعل الكلام قسيم العلم، ثم ما يعني في قوله: والعبارات والألفاظ المنزلة على لسان الملائكة.

والأمر: أرفع من هذه الأقاويل، وبعض إشاراتنا في رسالتنا الفارسية المسماة بالقرآن والانسان يجديك في المقام. وبالجملة إن أرادوا بالكلام النفسي علمه الأزلي الذاتي البسيط الأحدي القرآني الجمعي، وباللفظي الفرقان المحدث الكتبي أو اللفظي وإلا فلا فائدة في قيل وقال.


الصفحة 325
أقول: يريد أن الكلام أنما هو المنتظم من الحروف المسموعة ولا يعقل غيره وهو ما أطبق عليه المعتزلة. والأشاعرة أثبتوا معنى آخر سموه الطلب والكلام (1) النفساني غير مؤلف من الحروف والأصوات يدل هذا الكلام عليه وهو مغاير للإرادة، لأن الانسان قد يأمر بما لا يريد إظهارا لتمرد العبد عند السلطان فيحصل عذره في ضربه، ومغاير لتخيل الحروف لأن تخيلها تابع لها ومختلف باختلافها، وهذا المعنى لا يختلف وظاهر أنه مغاير للحياة والقدرة وغيرهما من الأعراض، والمعتزلة بالغوا في إنكار هذا المعنى وادعوا الضرورة في نفيه وقالوا: الأمر أنما يعقل مع الإرادة وليس الطلب مغايرا لها (2) وحينئذ يصير النزاع هنا لفظيا.

المسألة الثامنة
في البحث عن المطعومات

قال: ومنها المطعومات التسع الحادثة من تفاعل الثلاث في مثلها.

____________

(1) كما في (م)، والنسخ الأخرى خالية عن الطلب إلا الثانية منها بعد كتابته مد على وجهه خط البطلان. ولكن ذيل الشرح يؤيد ما في نسخة (م) حيث يقول: وليس الطلب مغايرا لها.

(2) وهذا البحث عن الطلب والإرادة تطرق في أصول الفقه أيضا، وقد بسطوا الكلام فيهما في كتبهم غاية البسط بل ألفوا فيه رسائل.


الصفحة 326
أقول: المشهور عند الأوائل أن الجسم إن كان عديم الطعم فهو التفه، وتعد التفاهة من الطعوم التسعة، وإن كان ذا طعم لم ينفك عن أحد الطعوم الثمانية وهي:

الحلاوة والحموضة والملوحة والحرافة والمرارة والعفوصة والقبض والدسومة.

وهذه الطعوم التسعة تحصل من تفاعل ثلاث كيفيات هي: الحرارة والبرودة والكيفية المعتدلة في مثلها في العدد، أعني ثلاث كيفيات لا مثلها في الحقيقة وهي:

الكثافة واللطافة والكيفية المعتدلة. فإن الحار إن فعل في الكثيف حدثت المرارة، وفي اللطيف الحرافة، وفي المعتدل الملوحة. والبارد إن فعل في الكثيف حدثت العفوصة، وفي اللطيف الحموضة، وفي المعتدل القبض. والمعتدل إن فعل في اللطيف حدثت الدسومة، وفي الكثيف الحلاوة، وفي المعتدل التفاهة.

المسألة التاسعة
في البحث عن المشمومات

قال: ومنها المشمومات ولا أسماء لأنواعها إلا من حيث الموافقة والمخالفة.

أقول: من أنواع الكيفيات المحسوسة الروائح المدركة بحاسة الشم، ولم يوضع لأنواعها أسماء مختصة بها كما وضعوا لغيرها من الأعراض، بل ميزوا بينها من حيث الموافقة والمخالفة، فيقال: رائحة طيبة ورائحة منتنة، أو من حيث إضافتها إلى المحل كرائحة المسك.

المسألة العاشرة
في البحث عن الكيفيات الاستعدادية

قال: والاستعدادات المتوسطة بين طرفي النقيض.

أقول: لما فرغ من البحث عن الكيفيات المحسوسة شرع في القسم الثاني من أقسام الكيف الأربعة وهي الكيفيات الاستعدادية وهي ما يترجح به القابل في

الصفحة 327
أحد جانبي قبوله وهي متوسطة بين طرفي النقيض - أعني الوجود والعدم - وذلك لأن الرجحان لا يزال يتزايد في أحد طرفي الوجود والعدم إلى أن ينتهي إليهما، فذلك الرجحان القابل للشدة والضعف المتوسط بين طرفي الوجود والعدم هو الكيف الاستعدادي وطرفاه الوجود والعدم، وهذا الرجحان إن كان نحو الفعل فهو القوة، وإن كان نحو الانفعال فهو اللاقوة.

المسألة الحادية عشرة
في البحث عن الكيفيات النفسانية

قال: والنفسانية حال أو ملكة.

أقول: هذا هو القسم الثالث من أقسام الكيف وهو الكيفيات النفسانية، ونعني بها المختصة بذوات الأنفس وهي إما أن تكون سريعة الزوال وتسمى حالا لسرعة زوالها، وإما بطيئة الزوال وتسمى ملكة، والفرق بينهما ليس بفصول مميزة بل بعوارض خارجية وربما كان الشئ حالا ثم صار بعينه ملكة.

المسألة الثانية عشرة
في البحث عن العلم بقول مطلق

قال: منها العلم وهو إما تصور أو تصديق (1) جازم مطابق ثابت.

____________

(1) العلم المقسم للتصور والتصديق هو الحصولي الارتسامي لا مطلق العلم. والبحث عن العلم على شعوبه من أغمض المسائل الحكمية، ولنا رسالة فيه لعلها مفيدة في موضوعها.

ثم عد العلم من الكيفيات فيه ما فيه لأن الكيف عرض والعرض لا يكون مؤثرا في حقيقة الموضوع وجوهره والعلم يخرج النفس من الظلمة إلى النور ويصير عينها وأنى للعرض هذه الشأنية؟! بل العلم من حيث إنه يجعل وجود النفس قويا ويخرجها من الضيق إلى السعة فهو من حيث الوجود خارج عن المقولات. اللهم إلا أن يقال: مفهومه كيف نفساني، تفصيل البحث يطلب في رسالتنا في العلم.


الصفحة 328
أقول: من الكيفيات النفسانية العلم، وقسمه إلى التصور وهو عبارة عن حصول صورة الشئ في الذهن، وإلى التصديق الجازم المطابق الثابت وهو الحكم اليقيني بنسبة أحد المتصورين إلى الآخر إيجابا أو سلبا. وإنما شرط في التصديق الجزم لأن الخالي منه ليس بعلم بهذا المعنى وإن كان قد يطلق عليه اسم العلم بالمجاز وأنما هو الظن، وشرط المطابقة لأن الخالي منها هو الجهل المركب، وشرط الثبات لأن الخالي منه هو التقليد، أما الجامع لهذه الصفات فهو العلم خاصة.

قال: ولا يحد.

أقول: اختلف العقلاء في العلم، فقال قوم: إنه لا يحد لظهوره، فإن الكيفيات الوجدانية لظهورها لا يمكن تحديدها لعدم انفكاكه عن تحديد الشئ بالأخفى والعلم منها، ولأن غير العلم إنما يعلم بالعلم فلو علم العلم بغيره لزم الدور. وقال آخرون: يحد. فقال بعضهم: إنه اعتقاد أن الشئ كذا مع اعتقاد أنه لا يكون إلا كذا. وقال آخرون: إنه اعتقاد يقتضي سكون النفس، وكلاهما غير مانعين.

قال: ويقتسمان الضرورة والاكتساب.

أقول: يريد أن كل واحد من التصور والتصديق ينقسم إلى الضروري والمكتسب، يريد بالضروري من التصور ما لا يتوقف على طلب وكسب، ومن التصديق ما يكفي تصور طرفيه في الحكم بنسبة أحدهما إلى الآخر إيجابا أو سلبا، وبالمكتسب ضد ذلك فيهما.

المسألة الثالثة عشرة
في أن العلم يتوقف على الانطباع

قال: ولا بد فيه من الانطباع (1).

____________

(1) بل الأمر أرفع من الانطباع. وقول الشارح: لا تحقق لها في الخارج، كثيرا ما يراد من الخارج نفس الأمر، فالصور العلمية المحققة لها نفسية في متن الحقائق الوجودية بمراتبها ومدارجها، ثم إن استدلالهم هذا من إحدى الدلالات على إثبات الوجود الذهني على مذاق القوم.


الصفحة 329
أقول: اختلف العلماء في ذلك، فذهب جمهور الأوائل إلى أن العلم يستدعي انطباع المعلوم في العالم وأنكره آخرون، احتج الأولون بأنا قد ندرك أشياء لا تحقق لها في الخارج، فلو لم تكن منطبعة في الذهن كانت عدما صرفا ونفيا محضا فيستحيل الإضافة إليها.

واحتج الآخرون بوجهين: الأول: أن التعقل لو كان هو حصول صورة المعقول في العاقل لزم أن يكون الجدار المتصف بالسواد متعقلا له، والتالي باطل فكذا المقدم. الثاني: أن الذهن قد يتصور أشياء متقدرة فيلزم حصول المقدار فيه فيكون متقدرا، والجواب عنهما سيأتي.

قال: في المحل المجرد القابل (1).

أقول: هذا إشارة إلى الجواب عن الإشكالين، وتقريره أن المحل الذي جعلناه عاقلا مجرد عن المواد كلها، والمجرد لا يتصف بالمقدار باعتبار حلول صورته فيه، فإن صورة المقدار لا يلزم أن تكون مقدارا، وأيضا هذه الصورة القائمة بالعاقل حالة في محل قابل لها فلهذا كان عاقلا لها، أما الجسم فليس محلا قابلا لتعقل السواد فلا يلزم أن يكون متعقلا له.

قال: وحلول المثال مغاير.

أقول: هذا إشارة إلى كيفية حلول الصورة في العاقل، وتقريره أن الحال في العاقل أنما هو مثال المعقول وصورته (2) لا ذاته ونفسه، ولهذا جوزنا حصول

____________

(1) القبول والانطباع والارتسام ونظائرها رائجة في ألسنة المشاء، والأمر كما قلنا فوق هذه العبارات، ثم إن العلم صورة عارية عن المادة وأحكامها فوعاؤه أعم من الواهب والمتهب يجب أن يكون من سنخه، فالنفس ومخرجها من النقص والكمال ليسا من هذه النشأة الأولى الطبيعية.

(2) الصورة بمعنى ما هو الشئ بالفعل فالعلم هو إدراك النفس صورة الشئ بهذا المعنى وعطف على المثال الصورة ليفيد أن المثال بمعنى ما هو الشئ بالفعل. وراجع في تفصيل ذلك الفصل السابع من نفس الإشارات حيث يقول الشيخ: إدراك الشئ هو أن يكون حقيقته متمثلة عند المدرك يشاهدها ما به يدرك. والى بيان الخواجة في الشرح حيث يقول:

يقال تمثل كذا عند كذا إذا حضر منتصبا عنده بنفسه أو بمثاله. والى الفصل التاسع من النمط السادس منه حيث يقول: لا تجد إن طلبت مخلصا إلا أن تقول أن تمثل النظام الكلي في العلم السابق مع وقته الواجب اللائق يفيض منه ذلك النظام على ترتيبه.. الخ. والى الفصل التاسع من النمط الثامن منه حيث يقول: وكمال الجوهر العقل أن تتمثل فيه جلية الحق الأول قدر ما يمكنه أن ينال منه ببهائه الذي يخصه ثم يتمثل فيه الوجود كله على ما هو عليه مجردا عن الشوب.. الخ.

ومع الغور والخوض في تلك الكلمات الكاملة تحصل أن ما شنع القوم على المشاء بأنهم ذهبوا إلى أن ذات الأول تعالى محل الصور والارتسام ليس على ما ينبغي، فإن التشنيع يرد عليهم لو كان المثال بمعنى الشبح والشكل ونحوهما، فتدبر.


الصفحة 330
صورة الأضداد في النفس ولم نجوز حصول الأضداد في محل واحد في الخارج، فعلم أن حلول مثال الشئ وصورته مغاير لحلول ذلك الشئ، ولما كان هذا الكلام مما يستعان به على حل ما تقدم من الشكوك ذكره عقيبه.

قال: ولا يمكن الاتحاد (1).

أقول: ذهب قوم من أوائل الحكماء إلى أن التعقل أنما يكون باتحاد صورة المعقول والعاقل وهو خطأ فاحش فإن الاتحاد محال على ما تقدم، ويلزمه أيضا المحال من وجه آخر وهو اتحاد الذوات المعقولة.

وكذلك ذهب آخرون إلى أن التعقل يستدعي اتحاد العاقل بالعقل الفعال وهو خطأ لما تقدم ولاستلزامه تعقل كل شئ عند تعقل شئ واحد.

قال: ويختلف باختلاف المعقول.

أقول: اختلف الناس هنا، فذهب قوم إلى جواز تعلق علم واحد بمعلومين

____________

(1) بل الاتحاد محقق وليس إلا. وكتابنا دروس اتحاد العاقل بالمعقول كافل أنحاء المباحث عنه في المسألتين أي مسألة اتحاد صورة المعقول والعاقل، ومسألة اتحاد العاقل بالعقل الفعال.


الصفحة 331
ومنعه آخرون وهو الحق، لأنا قد بينا أن التعقل هو حصول صورة مساوية للمعلوم في العالم، وصور الأشياء المختلفة تختلف باختلافها فلا يمكن أن تكون صورة واحدة لمختلفين فلا يتعلق علم واحد باثنين وإنما جوز ذلك من جعل العلم أمرا وراء الصورة.

قال: كالحال والاستقبال.

أقول: هذا إشارة إلى إبطال مذهب جماعة من المعتزلة ذهبوا إلى أن العلم بالاستقبال علم بالحال عند حضور الاستقبال، فقالوا: إن العلم بأن الشئ سيوجد علم بوجوده إذا وجد. وإنما دعاهم إلى ذلك ما ثبت من أن الله تعالى عالم بكل معلوم، فإذا علم أن زيدا سيوجد ثم وجد فإن زال العلم الأول وتجدد علم آخر لزم كونه تعالى محلا للحوادث وإن لم يزل كان هو المطلوب. وهذا خطأ فاحش فإن العلم بأن الشئ سيوجد علم بالعدم الحالي والوجود في ثاني الحال، والعلم بأن الشئ موجود غير مشروط بالعدم الحالي بل هو مناف له فيستحيل اتحادهما. والوجه في حل الشبهة المذكورة ما التزمه أبو الحسين هنا من أن الزائل هو التعلقات الحاصلة بين العلم والمعلوم لا العلم نفسه، وسيأتي زيادة تحقيق في هذا الموضع (1) إن شاء الله تعالى.

قال: ولا يعقل إلا مضافا فيقوى الإشكال مع الاتحاد.

أقول: اعلم أن العلم وإن كان من الكيفيات الحقيقية القائمة بالنفس فإنه لا يعقل إلا مضافا إلى الغير، فإن العلم علم بالشئ ولا يعقل تجرده عن الإضافة حتى أن بعضهم توهم أنه نفس الإضافة (2) الحاصلة بين العالم والمعلوم ولم يثبت

____________

(1) كما في (م ش ز د) وفي (ص) وحدها: في هذا الموضوع.

(2) وهو الفخر الرازي وأتباعه، قال الفخر: لست أفتي أن العلم من أي مقولة إن لم يكن من مقولة الإضافة، إنتهى. أقول: لو سئل الفخر عن علمه بنفسه فيقال له: هل العلم حاصل لنفسك بذاتها أم لا؟ فيقر بعدم الإضافة لأن بين الشئ ونفسه لا يتحقق إضافة. ثم العجب أنه كيف ذهب إلى أن أشرف البضاعة الانسانية هو أضعف المقولات الاعتباري، وإنما ذهب في العلم إلى الإضافة ليندفع عنه بعض الشكوك الموردة على كون الادراك صورة وتفصيل ذلك يطلب في شرح الخواجة على الفصل السابع من نفس الإشارات في العلم.

قال صدر المتألهين في الفصل الحادي عشر من الطرف الأول من المسلك الخامس من الأسفار (ج 1 ط 1 ص 288) والعجب من هذا المسمى بالإمام كيف زلت قدمه في باب العلم حتى صار الشئ الذي به كمال كل حي وفضيلة كل ذي فضل والنور الذي يهتدي به الانسان إلى مبدئه ومعاده، عنده من أضعف الأعراض وأنقص الموجودات التي لا استقلال لها في الوجود؟ أما تأمل في قوله تعالى في حق السعداء: (نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم)؟ أما تدبر في قول الله سبحانه ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور)؟ وفي قوله:

(هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)؟ ألم ينظر في معنى قول رسوله عليه وآله السلام: الإيمان نور يقذفه الله في قلب المؤمن؟ فهذا وأمثاله كيف تكون حقيقتها حقيقة الإضافة التي لا تحصل لها خارجا وذهنا إلا بحسب تحصل حقيقة الطرفين؟!.

وقال في الفصل الرابع من القسم الثاني من الجواهر والأعراض من الأسفار (ج 2 ط 1 ص 39): قال فخر المناظرين - إلى قوله: - وأما العلم والإدراك مطلقا فليس كما زعمه هذا النحرير - يعني به فخر المناظرين - عبارة عن إضافة محضة بين العالم ومعلومه من غير حاجة إلى وجود صورة، وإلا فلم يكن منقسما إلى التصور والتصديق، ولا أيضا متعلقا بالمعدوم حين عدمه، ولا أيضا حصل علم الشئ بنفسه، إذ لا إضافة بين الشئ والمعدوم، ولا بينه وبين نفسه، بل المراد بالعلم هو نفس الصورة الموجودة المجردة.. الخ.


الصفحة صفحة 332
أمرا حقيقيا مغايرا للإضافة. إذا عرفت هذا فإن الأشكال يقوى مع الاتحاد هكذا قاله المصنف رحمه الله والذي يلوح منه أن العاقل والمعقول إذا كانا شيئا واحدا كما إذا عقل نفسه توجه الإشكال عليه بأن يقال: أنتم قد جعلتم العلم صورة مساوية للمعلوم في العالم، وهذا لا يتأتى هاهنا لاستحالة اجتماع الأمثال، ويقوى الإشكال باعتبار الإضافة إذ الإضافة أنما تعقل بين شيئين لا بين الشئ الواحد ونفسه فلا يتحقق علم الشئ بذاته.

والجواب عن الأول أن العلم أنما يستدعي الصورة لو كان العالم عالما بغيره، أما عالم ذاته فإن ذاته يكفي في علمه من غير احتياج إلى صورة أخرى.

وعن الثاني أن العاقل من حيث أنه عاقل مغاير له من حيث إنه معقول

الصفحة 333
فأمكن تحقق الإضافة، ولأن العالم هو الشخص والمعلوم هو الماهية الكلية.

وهذان رديان، أما الأول فلأن المغايرة بين العاقل من حيث إنه عاقل والمعقول من حيث إنه معقول متوقفة على التعقل، فلو جعلنا التعقل متوقفا على هذا النوع من التغاير دار. وأما الثاني فلأن العالم هاهنا يكون عالما بجزئه وليس البحث فيه.

قال: وهو عرض (1) لوجود حده فيه.

أقول: ذهب المحققون إلى أن العلم عرض وأكثر الناس كذلك في العلم بالعرض، واختلفوا في العلم بالجوهر فالذين قالوا: إن العلم إضافة بين العالم والمعلوم، قالوا: إنه عرض أيضا. والذين قالوا: إن العلم صورة اختلفوا فقال بعضهم: إنه جوهر لأن حده صادق عليه إذ الصورة الذهنية ماهية إذا وجدت في الأعيان كانت لا في موضوع وهذا معنى الجوهر، والمحققون قالوا: إنه عرض أيضا لوجود حد العرض فيه فإنه موجود حال في النفس لا كجزء منها وهذا معنى العرض. واستدلال القائلين بأنه جوهر خطأ، لأن الصورة الذهنية يمتنع وجودها في الخارج وإنما الموجود ما هي مثال له.

المسألة الرابعة عشرة
في أقسام العلم

قال: وهو فعلي وانفعالي وغيرهما.

أقول: العلم منه ما هو فعلي وهو المحصل للأشياء الخارجية كعلم واجب الوجود تعالى بمخلوقاته، وكما إذا تصورنا نقشا لم نستفد صورته من الخارج ثم أوجدنا في الخارج ما يطابقه، ومنه انفعالي وهو المستفاد من الأعيان الخارجية كعلمنا بالسماء والأرض وأشباههما، ومنه ما ليس أحدهما كعلم واجب الوجود

____________

(1) بل هو فوق المقولة وجودا.


الصفحة 334
تعالى بذاته.

قال: وضروري أقسامه ستة، ومكتسب.

أقول: قد تقدم أن العلم إما ضروري وإما كسبي، ومضى تفسيرهما، وأقسام الضروري ستة: البديهيات وهي قضايا يحكم بها العقل لذاته لا لسبب خارجي سوى تصور طرفيها كالحكم بأن الكل أعظم من الجزء وغيره من البديهيات.

الثاني: المشاهدات وهي إما مستفادة من حواس ظاهرة كالحكم بحرارة النار أو من الحواس الباطنة وهي القضايا الاعتبارية بمشاهدة قوى غير الحس الظاهر، أو بالوجدان من النفس لا باعتبار الآلات مثل شعورنا بذواتنا وبأفعالنا. الثالث:

المجربات وهي قضايا تحكم بها النفس باعتبار تكرار المشاهدات كالحكم بأن الضرب بالخشب مؤلم، وتفتقر إلى أمرين المشاهدة المتكررة والقياس الخفي وهو أنه لو كان الوقوع على سبيل الاتفاق لم يكن دائما ولا أكثريا، والفارق بين هذه وبين الاستقراء هو القياس. الرابع: الحدسيات وهي قضايا مبدأ الحكم بها حدس قوي من النفس يزول معه الشك كالحكم باستفادة نور القمر من الشمس، وتفتقر إلى المشاهدة المتكررة والقياس الخفي إلا أن الفارق بين هذه وبين المجربات أن السبب في المجربات معلوم السببية غير معلوم الماهية، وفي الحدسيات معلوم بالاعتبارين. الخامس: المتواترات وهي قضايا تحكم بها النفس لتوارد أخبار المخبرين عليها بحيث يزول معه الشك بعدم الاتفاق بين المخبرين والتواطؤ.

السادس: فطرية القياس وهي قضايا تحكم بها النفس باعتبار وسط لا ينفك الذهن عنه.

قال: وواجب وممكن.

أقول: العلم ينقسم إلى واجب وهو علم واجب الوجود بذاته، وإلى ممكن وهو ما عداه، وإنما كان الأول واجبا لأنه نفس ذاته الواجبة.


الصفحة 335

قال: وهو تابع (1) بمعنى أصالة موازيه (2) في التطابق.

أقول: إعلم أن التابع يطلق على ما يكون متأخرا عن المتبوع، وعلى ما يكون مستفادا منه، وهما غير مرادين في قولنا: العلم تابع للمعلوم، فإن العلم قد يتقدم المعلوم زمانا وقد يفيد وجوده كالعلم الفعلي. وإنما المراد هنا كون العلم والمعلوم متطابقين بحيث إذا تصورهما العقل حكم بأصالة المعلوم في هيئة التطابق وأن العلم تابع له وحكاية عنه وأن ما عليه العلم فرع على ما عليه المعلوم، وعلى هذا التقدير يجوز تأخر المعلوم الذي هو الأصل عن تابعه فإن العقل يجوز تقدم الحكاية على المحكي.

قال: فزال الدور.

أقول: الذي يفهم من هذا الكلام أمران: أحدهما: أن يقال: قد قسمتم العلم إلى أقسام من جملتها الفعلي الذي هو العلة في وجود المعلوم، وهاهنا جعلتم جنس العلم تابعا فلزمكم الدور، إذ تبعية الجنس تستلزم تبعية أنواعه. وتقرير الجواب عن هذا أن نقول: نعني بتبعية العلم ما قررناه من كون العلم والمعلوم متطابقين على وجه إذا تصورهما العقل حكم بأن الأصل في هيئة التطابق هو ما عليه المعلوم وأن

____________

(1) وبمعنى آخر العلم تابع حيث يعطي الأعيان الثابتة ما يطلبه كل واحد منها باقتضاء عينه الثابت فلا دور، والبحث عنه يطلب في عدة مواضع من شرح القيصري على فصوص الحكم (ص 17، 104، 179، 200، 270 ط 1) وفي مصباح الأنس (ص 83 ط 1).

(2) كما في (م ز). وهو الصواب على موازاة قوله الآتي في المسألة الرابعة عشرة من الفصل الثالث من المقصد الثالث: (فلا يجوز تمكين الظالم من الظلم من دون عوض في الحال يوازي ظلمه). باتفاق النسخ كلها، ص 354. وفي (ت): موازنه، بالنون، وفي (ش): موازنته.

وفي (د): موازاته. وفي بعض النسخ: مقارنه.

ويؤيد المختار تعبير الشيخ في إلهيات الشفاء (ج 2 ط 1 ص 636) حيث قال في كمال النفس الناطقة: فتنقلب عالما معقولا موازيا للعالم الموجود كله. وكذا قوله في رابع النمط الخامس من الإشارات: مثل هذا الاتصال الذي يوازي الحركات في المقادير.


الصفحة 336
ما عليه العلم فرع عليه (1)، ووجه الخلاص من الدور بهذا التحقيق أن العلم الفعلي محصل للمعلوم في الخارج لا مطلقا.

الثاني: أن يقال: المتبوع يجب أن يتقدم التابع بأحد أنواع التقدم الخمسة، وهاهنا لا تقدم بالشرف ولا بالوضع لأنهما غير معقولين فبقي أن يكون التقدم هنا بالذات أو بالعلية أو بالزمان، وعلى هذه التقادير الثلاثة يمتنع الحكم بتأخر المتبوع عن التابع في الزمان ولا شك في أن علم الله تعالى الأزلي، والعلوم السابقة على الصور الموجودة في الخارج متقدمة بالزمان، والمتأخر عن غيره بالزمان يمتنع أن يكون متقدما عليه بنوع ما من أنواع التقدمات بالاعتبار الذي كان به متأخرا عنه، والجواب عنه ما تقدم أيضا.

المسألة الخامسة عشرة
في توقف العلم على الاستعداد

قال: ولا بد فيه من الاستعداد أما الضروري فبالحواس وأما الكسبي فبالأول.

أقول: قد بينا أن العلم إما ضروري وإما كسبي، وكلاهما حصل بعد عدمه إذ الفطرة البشرية خلقت أولا عارية عن العلوم ثم يحصل لها العلم بقسميه، فلا بد من استعداد سابق مغاير للنفس وفاعل للعلم، فالضروري فاعله هو الله تعالى إذ القابل لا يخرج المقبول من القوة إلى الفعل بذاته وإلا لم ينفك عنه، وللقبول درجات مختلفة في القرب والبعد. وإنما تستعد النفس للقبول على التدريج فتنتقل من أقصي مراتب البعد إلى أدناها قليلا قليلا لأجل المعدات التي هي الإحساس بالحواس على اختلافها والتمرن عليها وتكرارها مرة بعد أخرى، فيتم الاستعداد

____________

(1) ولكن في (ص): هو فاعلية المعلوم وأن فاعلية العلم فرع عليه، وهي لا تفيد معنى محصلا والظاهر أنها محرفة.