الصفحة 389
ذاتي كحال الهرة عند أهابها، ومنه عرضي كبدن الانسان عند قميصه. وأما المصنف رحمه الله فإنه حصل هذه المقولة وبين أنها عبارة عن نسبة التملك قال رحمه الله:

ولخفائها عبر المتقدمون عنها بعبارات مختلفة كالجدة والملك وله.

المسألة التاسعة
في مقولتي الفعل والانفعال

قال: الثامن والتاسع أن يفعل وأن ينفعل.

أقول: هاتان مقولتان ذهب الأوائل إلى أنهما ثابتان عينا وهما عبارة عن تأثير الشئ في غيره وتأثره عنه ما دام التأثير والتأثر موجودين، وإذا انقطعا قيل لهما: فعل وانفعال، فإن الجسم ما دام في الاحتراق قيل له هو ذا يحترق (1) فإذا

____________

(1) هو ذا كلمة واحدة معناها بالفارسية: اينك، اكنون، آنك.

وفي طبيعيات أرسطو (ص 465 ط 1 القاهرة): وأما هو ذا فإنه الجزء من الزمان المستقبل القريب من الآن الحاضر غير المنقسم، مثال ذلك أن تقول: متى تمضي؟ فيقال لك: هو ذا يمضي، أي الوقت الذي هو مزمع بالمضي فيه قد أزف.

ومن الزمان السالف ما ليس ببعيد من الآن، مثال ذلك أن تقول: متى تمضي؟ فيقال لك: هو ذا قد مضيت. ولسنا نقول: إن مدينة ايليون هو ذا قد فتحت، لأن فتحها كان بعيدا جدا من الآن.

أقول: فكلمة هو ذا يونانية دخيلة في كلمات العرب لا أنها مؤلفة من كلمتين هما: هو وذا، ثم استعملت مفردة كما يظن، ونحوها كلمة هب بمعنى سلمنا الرائجة في الصحف العربية فإنها يونانية أيضا دخلت في لغة العرب من قلم المترجمين في أوائل الاسلام، لا أنها من وهب كما يظن أيضا.

وقال الشيخ في آخر المقالة الثانية من طبيعيات الشفاء (ج 1 ط 1 ص 81): ومن هذه الألفاظ - يعني الألفاظ الزمانية - قولهم: هو ذا، وهو ما يدل على آن قريب في المستقبل من الآن الحاضر لا يشعر بمقدار البعد بينهما قصرا شعورا يعتد به.

والشيخ عقد في الموضع المذكور من الشفاء فصلا في بيان الألفاظ الزمانية نحو: بغتة ودفعة وقبيل ونحوها. وقال في منطق الشفاء: شكل الكلمة التي في المستقبل بعينه شكل الكلمة التي للحاضر فيقال: إن زيدا يمشي أي في الحال، ويمشي أي في الاستقبال، فإذا حاولوا زيادة البيان قالوا: إن زيدا هو ذا يمشي فأقتضى الحال، أو قالوا: سوف يمشي فاقتضى الاستقبال.

وهذه الكلمة في الروايات أيضا غير عزيزة ففي كتاب الطب لأبي عتاب وأخيه أحمد بن العباس بن المفضل قال: حدثني أخي المفضل قال: لدغتني عقرب فكادت شوكته حين ضربتني تبلغ بطني من شدة ما ضربتني، وكان أبو الحسن العسكري عليه السلام جارنا، فصرت إليه فقال [ أبي ]: إن ابني عبد الله لدغته وهو ذا يتخوف عليه، فقال: أسقوه من دواء الجامع فإنه دواء الرضا عليه السلام، الحديث.

وفي الباب الحادي والعشرين من أبواب التيمم من وسائل الشيعة (ج 1 ص 189 من الطبع البهادري): عبد الله بن عاصم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل لا يجد الماء فيتيمم ويقوم في الصلاة فجاء الغلام فقال: هو ذا الماء، فقال: إن كان لم يركع فلينصرف ويلتوضأ وإن كان قد ركع فليمض في صلاته.

وقال الشيخ في الفصل الخامس من النمط الثالث من الإشارات في إثبات أن نفس الانسان غير الجسمية والمزاج ما هذا لفظه: هو ذا يتحرك الحيوان بشئ غير جسميته.. الخ.

وترجمه عبد السلام الفارسي هكذا: آنك جانور جنبش مى كند بچيزى جز جسم أو.

وللسيد الأفخم محمد باقر المعروف بالمير الداماد تعليقة في ذلك المقام من الإشارات في بيان كلمة هو ذا، قال: هو ذا - بفتح الهاء وتسكين الواو - كلمة مفردة تستعمل للاستمرار والتأكيد ومرادفها في لغة الفرس همي، ومقابلتها في لغة العرب بغتة.. الخ.

أقول: والصواب أن مرادفها في لغة الفرس اينك واكنون وآنك، كما علمت من كلمات أرسطو والشيخ ومواضع استعمالها في الرواية وغيرها، ثم إن قوله: تستعمل للاستمرار والتأكيد ففيه ما فيه أيضا كما دريت، ولما فسرها للاستمرار والتأكيد قال: إن مرادفها في لغة الفرس همي، وقد فهمت معناها الصحيح ومرادفها كذلك.


الصفحة 390
انقطع احتراقه واستقر أطلق عليه لفظة المصدر.

قال: والحق ثبوتهما ذهنا وإلا لزم التسلسل.

أقول: المصنف رحمه الله ذهب هنا إلى ما ذهب إليه المتكلمون، وخالف الأوائل في ذلك وجعل هاتين المقولتين أمرين ذهنيين لا ثبوت لهما عينا وإلا لزم التسلسل.

ووجه اللزوم أن ثبوتهما يستدعي علة مؤثرة فيهما، فلتلك العلة نسبة التأثير إليهما ولهما نسبة التأثر عنها، وذلك يستدعي ثبوت نسبتين أخريين وهكذا إلى ما لا يتناهى.


الصفحة 391


المقصد الثالث     

          في إثبات الصانع تعالى وصفاته وآثاره

                        وفيه فصول:




الصفحة 392

الفصل الأول
في وجوده تعالى

قال: الموجود إن كان واجبا وإلا استلزمه لاستحالة الدور والتسلسل.

أقول: يريد إثبات واجب الوجود تعالى وبيان صفاته وما يجوز عليه وما لا يجوز وبيان أفعاله وآثاره وابتدأ بإثبات وجوده لأنه الأصل في ذلك كله، والدليل على وجوده أن نقول هنا موجود بالضرورة فإن كان واجبا فهو المطلوب، وإن كان ممكنا افتقر إلى مؤثر موجود بالضرورة فذلك المؤثر إن كان واجبا فالمطلوب، وإن كان ممكنا افتقر إلى مؤثر موجود فإن كان واجبا فالمطلوب وإن كان ممكنا تسلسل أو دار، وقد تقدم بطلانهما وهذا برهان قاطع أشير إليه في الكتاب العزيز بقوله: (أو لم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد) (1) وهو استدلال لمي.

والمتكلمون سلكوا طريقا آخر فقالوا: العالم حادث فلا بد له من محدث، فلو كان محدثا تسلسل أو دار، وإن كان قديما ثبت المطلوب لأن القدم يستلزم الوجوب، وهذه الطريقة أنما تتمشى بالطريقة الأولى، فلهذا اختارها المصنف رحمه الله على هذه.

____________

(1) فصلت: 53.


الصفحة 393

الفصل الثاني
في صفاته تعالى

وفيه مسائل:

المسألة الأولى
في أنه تعالى قادر (1)

قال: الثاني في صفاته. وجود العالم بعد عدمه ينفي الإيجاب.

أقول: لما فرغ من البحث عن الدلالة على وجود الصانع تعالى شرع في الاستدلال على صفاته تعالى وابتدأ بالقدرة، والدليل على أنه تعالى قادر أنا قد بينا أن العالم حادث، فالمؤثر فيه إن كان موجبا لزم حدوثه أو قدم ما فرضناه حادثا أعني العالم والتالي بقسميه باطل، بيان الملازمة أن المؤثر الموجب يستحيل تخلف أثره عنه، وذلك يستلزم إما قدم العالم وقد فرضناه حادثا أو حدوث المؤثر ويلزم التسلسل، فظهر أن المؤثر للعالم قادر مختار.

قال: والواسطة غير معقولة.

أقول: لما فرغ من الاستدلال على مطلوبه شرع في أنواع من الاعتراضات للخصم مع وجه المخلص منها، وتقرير هذا السؤال أن يقال: دليلكم يدل على أن

____________

(1) باتفاق النسخ كلها، بدون كلمة مختار وفي آخر البحث: فظهر أن المؤثر للعالم قادر مختار، أيضا باتفاق النسخ كلها، فأوهم ذيل البحث زيادة مختار في العنوان كما في المطبوعة.


الصفحة 394
مؤثر العالم مختار وليس يدل على أن الواجب مختار بل جاز أن يكون الواجب تعالى موجبا لذاته معلولا يؤثر (1) في العالم على سبيل الاختيار، وتقرير الجواب أن هذه الواسطة غير معقولة (2) لأنا قد بينا حدوث العالم بجملته وأجزائه، والمعني بالعالم كل موجود سوى الله تعالى، وثبوت واسطة بين ذات الله تعالى وبين ما سواه غير معقول.

قال: ويمكن عروض الوجوب والامكان للأثر باعتبارين.

أقول: هذا جواب عن سؤال آخر، وتقريره أن المؤثر إما أن يستجمع جميع جهات المؤثرية أو لا، فإن كان الأول كان وجود الأثر عنه واجبا وإلا لافتقر ترجيحه إلى مرجح زائد فلا تكون الجهات بأسرها موجودة هذا خلف، أو لزم الترجيح من غير مرجح وهو باطل بالضرورة، وإن لم يكن مستجمعا لجميع الجهات استحال صدور الأثر عنه، وحينئذ لا يمكن تحقق القادر لأنه على تقدير حصول جميع الجهات يمتنع الترك، وعلى تقدير انتفاء بعضها يمتنع الفعل فلا تتحقق المكنة من الطرفين.

وتقرير الجواب أن الأثر تعرض له نسبتا الوجوب والإمكان باعتبارين فلا يتحقق الموجب ولا يلزم الترجيح من غير مرجح، وبيانه أن فرض استجماع المؤثر جميع ما لا بد منه في المؤثرية هو بأن يكون المؤثر المختار مأخوذا مع قدرته التي يستوي طرفا الوجود والعدم بالنسبة إليها ومع داعيه الذي يرجح أحد طرفيه، وحينئذ يجب الفعل بعدهما نظرا إلى وجود الداعي والقدرة ولا تنافي بين

____________

(1) كما في (م ص ش د) فقوله: معلولا، مفعول لقوله: موجبا، بالكسر على هيئة الفاعل. وفي (ق ز): موجبا لذاته وله معلول يؤثر. فعلى هذه النسخة كان قوله: موجبا، بالفتح. ولكنها تصرف من غير لزوم ومفادهما واحد لكن ما في النسخ الأولى وهي أمتنها وأقدمها متعين بلا كلام.

(2) وفي (م)، وحدها وهي أقدم النسخ: أو بواسطة غير معقولة. والنسخ الأخرى كلها كما في المتن، وأسلوب كلام الخواجة في التجريد يعطي الأول.


الصفحة 395
هذا الوجوب وبين الإمكان نظرا إلى مجرد القدرة والاختيار، وهذا كما إذا فرضنا وقوع الفعل من المختار فإنه يصير واجبا من جهة فرض الوقوع ولا ينافي الاختيار، وبهذا التحقيق يندفع جميع المحاذير اللازمة لأكثر المتكلمين في قولهم القادر يرجح أحد مقدوريه على الآخر لا لمرجح.

قال: واجتماع القدرة على المستقبل مع العدم.

أقول: هذا جواب عن سؤال آخر، وتقريره أن نقول: الأثر إما حاصل في الحال فواجب فلا يكون مقدورا، أو معدوم فممتنع فلا قدرة.

وتقرير الجواب أن الأثر معدوم حال حصول القدرة ولا نقول: أن القدرة حال عدم الأثر تفعل الوجود في تلك الحال بل في المستقبل، فيمكن اجتماع القدرة على الوجود في المستقبل مع العدم في الحال. لا يقال: الوجود في الاستقبال غير ممكن في الحال لأنه مشروط بالاستقبال الممتنع في الحال، وإذا كان كذلك فلا قدرة عليه في الحال وعند حصول الاستقبال يعود الكلام، لأنا نقول: القدرة لا تتعلق بالوجود في الاستقبال في الحال بل في الاستقبال.

قال: وانتفاء الفعل ليس فعل الضد.

أقول: هذا جواب عن سؤال آخر، وتقريره أن القادر لا يتعلق فعله بالعدم فلا يتعلق فعله بالوجود. أما بيان المقدمة الأولى فلأن الفعل يستدعي الوجود والامتياز وهما ممتنعان في حق المعدوم، وأما الثانية فلأنكم قلتم القادر هو الذي يمكنه الفعل والترك وإذا انتفى إمكان الترك انتفى إمكان الفعل. وتقرير الجواب أن القادر هو الذي يمكنه أن يفعل وأن لا يفعل، وليس لا يفعل عبارة عن فعل الضد.

قال: وعمومية العلة تستلزم عمومية الصفة.

أقول: يريد بيان أنه تعالى قادر على كل مقدور وهو مذهب الأشاعرة، وخالف أكثر الناس في ذلك فإن الفلاسفة قالوا: إنه تعالى قادر على شئ

الصفحة 396
واحد (1) لأن الواحد لا يتعدد أثره، وقد تقدم بطلان مقالتهم.

والمجوس ذهبوا إلى أن الخير من الله تعالى والشر من الشيطان، لأن الله تعالى خير محض وفاعل الشر شرير.

والمانوية ذهبوا (2) إلى أن الخير من النور والشر من الظلمة.

والنظام قال: إن الله تعالى لا يقدر على القبيح لأنه يدل على الجهل أو الحاجة.

وذهب البلخي إلى أن الله لا يقدر على مثل مقدور العبد لأنه إما طاعة أو سفه (3).

وذهب الجبائيان إلى أنه تعالى لا يقدر على عين مقدور العبد وإلا لزم اجتماع الوجود والعدم على تقدير أن يريد الله إحداثه والعبد عدمه.

وهذه المقالات كلها باطلة، لأن المقتضي لتعلق القدرة بالمقدور أنما هو الإمكان، إذ مع الوجوب والامتناع لا تعلق والإمكان ثابت في الجميع فثبت الحكم وهو صحة التعلق، وإلى هذا أشار المصنف رحمه الله بقوله: عمومية العلة أي الإمكان تستلزم عمومية الصفة، أعني القدرة على كل مقدور.

والجواب عن شبهة المجوس أن المراد من الخير والشرير إن كان من فعلهما فلم لا يجوز إسنادهما إلى شئ واحد، وأيضا الخير والشر ليسا ذاتيين للشئ فجاز أن يكون الشئ خيرا بالقياس إلى شئ وشرا بالقياس إلى آخر، وحينئذ يصح إسنادهما إلى ذات واحدة.

وعن شبهة النظام أن الإحالة حصلت بالنظر إلى الداعي، فلا تنافي الإمكان الذاتي المقتضي لصحة تعلق القادر.

____________

(1) الفيلسوف الإلهي لا يقول أن ذلك الشئ واحد عددي فلا ردع ولا بطلان.

(2) قال الماتن في نقد المحصل (ص 130 ط مصر): المجوس من الثنوية يقولون: إن فاعل الخير يزدان، وفاعل الشر اهرمن ويعنون بهما ملكا وشيطانا، والله تعالى منزه عن فعل الخير والشر. والمانوية يقولون: إن فاعلهما النور والظلمة. والديصانية يذهبون إلى مثل ذلك.. الخ فيستفاد من كلامه أن الثنوية في الشرح كما في المطبوعة محرفة والصواب المانوية.

(3) وفي (م) إما طاعة أو سنة، والنسخ الباقية سفه، والشارح العلامة قال في الشرح: إن الطاعة والعبث وصفان.. الخ والعبث هو السفه.


الصفحة 397
وعن شبهة البلخي أن الطاعة والعبث وصفان لا يقتضيان الاختلاف الذاتي.

وعن شبهة الجبائيين أن العدم أنما يحصل إذا لم يوجد داع لقادر آخر إلى إيجاده.

المسألة الثانية
في أنه تعالى عالم

قال: والأحكام والتجرد (1) واستناد كل شئ إليه دلائل العلم.

أقول: لما فرغ من بيان كونه تعالى قادرا وكيفية قدرته شرع في بيان كونه تعالى عالما وكيفية علمه، واستدل على كونه تعالى عالما بوجوه ثلاثة، الأول منها للمتكلمين والأخيران للحكماء:

الوجه الأول: أنه تعالى فعل الأفعال المحكمة وكل من كان كذلك فهو عالم، (أما المقدمة الأولى) فحسية لأن العالم إما فلكي أو عنصري، وآثار الحكمة والإتقان فيهما ظاهرة مشاهدة، (وأما الثانية) فضرورية لأن الضرورة قاضية بأن غير العالم يستحيل منه وقوع الفعل المحكم المتقن مرة بعد أخرى.

الوجه الثاني: أنه تعالى مجرد وكل مجرد عالم بذاته وبغيره، أما الصغرى فإنها وإن كانت ظاهرة لكن بيانها يأتي فيما بعد عند الاستدلال على كونه تعالى ليس بجسم ولا جسماني، وأما الكبرى فلأن كل مجرد فإن ذاته حاصلة لذاته لا لغيره وكل مجرد حصل له مجرد فإنه عاقل لذلك المجرد، لأنا لا نعني بالتعقل إلا الحصول فإذن كل مجرد فإنه عاقل لذاته.

وأما إن كل مجرد عالم بغيره فلأن كل مجرد أمكن أن يكون معقولا وحده وكل ما يمكن أن يكون معقولا وحده أمكن أن يكون معقولا مع غيره وكل مجرد

____________

(1) الأحكام هو إتقان الصنع ووحدة التدبير، والحكم بالأحكام محكم، وأما تجرده تعالى فتنزيه في عين التشبيه تعالى الله عن ذلك بل هو في السماء إله وفي الأرض إله وهو الصمد الحق العالي في دنوه والداني في علوه.


الصفحة 398
يعقل مع غيره فإنه عاقل لذلك الغير، أما ثبوت المعقولية لكل مجرد فظاهر لأن المانع من التعقل أنما هو المادة لا غير، وأما صحة التقارن في المعقولية فلأن كل معقول فإنه لا ينفك عن الأمور العامة، وأما وجوب العاقلية (1) حينئذ فلأن إمكان مقارنة المجرد للغير لا يتوقف على الحضور في العقل لأنه نوع من المقارنة فيتوقف إمكان الشئ على ثبوته فعلا وهو باطل، وإمكان المقارنة هو إمكان التعقل، وفي هذا الوجه أبحاث مذكورة في كتبنا العقلية.

الوجه الثالث: أن كل موجود سواه ممكن على ما يأتي في باب الوحدانية، وكل ممكن فإنه مستند إلى الواجب إما ابتداءا أو بوسائط على ما تقدم، وقد سلف أن العلم بالعلة يستلزم العلم بالمعلول، والله تعالى عالم بذاته على ما تقدم فهو عالم بغيره.

قال: والأخير عام.

أقول: الوجه الأخير من الأدلة الثلاثة الدالة على كونه تعالى عالما يدل على عمومية علمه بكل معلوم، وتقريره أن كل موجود سواه ممكن وكل ممكن مستند إليه فيكون عالما به سواء كان جزئيا أو كليا، وسواء كان موجودا قائما بذاته أو عرضا قائما بغيره، وسواء كان موجودا في الأعيان أو متعقلا في الأذهان لأن وجود الصورة في الذهن من الممكنات أيضا فيستند إليه، وسواء كانت الصورة الذهنية صورة أمر وجودي أو عدمي ممكن أو ممتنع، فلا يعزب عن علمه شئ من الممكنات ولا من الممتنعات، وهذا برهان شريف قاطع.

قال: والتغاير اعتباري.

أقول: لما فرغ من الاستدلال على كونه تعالى عالما بكل معلوم شرع في الجواب عن الاعتراضات الواردة عن المخالفين وابتدأ باعتراض من نفى علمه

____________

(1) كما في (م ص) وهما أصح النسخ والأولى أقدمها. وفي (ش ق ز د): وأما ثبوت العاقلية.

ولا يخفى عليك أن قوله: فإنه عاقل لذلك الغير، يناسب الوجوب أشد مناسبة من الثبوت.


الصفحة 399
تعالى بذاته ولم يذكر الاعتراض صريحا بل أجاب عنه وحذفه للعلم به. وتقرير الاعتراض أن نقول: العلم إضافة بين العالم والمعلوم أو مستلزم للإضافة، وعلى كلا التقديرين فلا بد من المغايرة بين العالم والمعلوم ولا مغايرة في علمه بذاته.

والجواب أن المغايرة قد تكون بالذات وقد تكون بنوع من الاعتبار، وهاهنا ذاته تعالى من حيث إنها عالمة مغايرة لها من حيث إنها معلومة وذلك كاف في تعلق العلم.

قال: ولا يستدعي العلم صورا مغايرة للمعلومات عنده، لأن نسبة الحصول إليه أشد من نسبة الصور المعقولة لنا.

أقول: هذا جواب عن اعتراض آخر أورده من نفي علم الله تعالى بالماهيات المغايرة له، وتقرير الاعتراض أن العلم صورة مساوية للمعلوم في العالم، فلو كان الله تعالى عالما بغيره من الماهيات لزم حصول صور تلك المعلومات في ذاته تعالى وذلك يستلزم تكثره تعالى، وكونه قابلا وفاعلا ومحلا لآثاره، وأنه تعالى لا يوجد شيئا مما يباين ذاته بل بتوسط الأمور الحالة فيه (1) وكل ذلك باطل.

وتقرير الجواب أن العلم لا يستدعي صورا مغايرة للمعلومات عنده تعالى لأن العلم هو الحصول عند المجرد على ما تقدم، ولا ريب في أن الأشياء كلها حاصلة له لأنه مؤثرها وموجدها، وحصول الأثر للمؤثر أشد من حصول المقبول لقابله مع أن الثاني لا يستدعي حصول صورة مغايرة لذات الحاصل، فإنا إذا عقلنا ذواتنا لم نفتقر إلى صورة مغايرة لذواتنا، ثم إذا أدركنا شيئا ما بصورة

____________

(1) وفي (م): بل بتوسط الأمور الخارجية، فالأمور الخارجية هي تلك الصور الحالة في الذات فهي من حيث إنها تغاير الذات خارجية عنها، فتدبر. والنسخ الباقية بعضها: بل يتوسط الأمور الحالة فيه، وبعضها: أو بتوسط الأمور الحالة فيه. وما اخترناه موافق لعبارة الخواجة في الفصل السابع عشر من النمط السابع من شرحه على الإشارات (ص 192 ط الشيخ رضا) حيث قال: وبأنه تعالى لا يوجد شيئا مما يباينه بذاته بل بتوسط الأمور الحالة فيه.

والشارح العلامة ناظر إلى عباراته في ذلك المقام من شرح الإشارات، فراجع.


الصفحة 400
تحصل في أذهاننا فإنا ندرك تلك الصورة الحاصلة في الذهن بذاتها لا باعتبار صورة أخرى وإلا لزم تضاعف الصور مع أن تلك الصورة حاصلة لذاتنا لا بانفرادها بل بمشاركة من المعقولات، فحصول العلم بالموجودات لواجب الوجود الذي تحصل له الأشياء من ذاته بانفراده من غير افتقار إلى صور لها أولى، ولما كانت ذاته سببا لكل موجود وعلمه بذاته علة لعلمه بآثاره وكانت ذاته وعلمه بذاته العلتان متغايرتين بالاعتبار متحدتين بالذات فكذا معلوله والعلم به متحدان بالذات متغايران بنوع من الاعتبار، وهذا بحث شريف أشار إليه صاحب التحصيل وبسطه المصنف رحمه الله في شرح الإشارات، وبهذا التحقيق يندفع جميع المحالات لأنها لزمت باعتبار حصول صور في ذاته تعالى عن ذلك.

قال: وتغير الإضافات ممكن.

أقول: هذا جواب عن اعتراض الحكماء القائلين بنفي علمه تعالى بالجزئيات الزمانية، وتقرير الاعتراض أن العلم يجب تغيره عند تغير المعلوم وإلا لانتفت المطابقة، لكن الجزئيات الزمانية متغيرة فلو كانت معلومة لله تعالى لزم تغير علمه تعالى، والتغير في علم الله تعالى محال.

وتقرير الجواب أن التغير هنا أنما هو في الإضافات لا في الذات ولا في الصفات الحقيقية كالقدرة التي تتغير نسبتها وإضافتها إلى المقدور عند عدمه وإن لم تتغير في نفسها، وتغير الإضافات جائز لأنها أمور اعتبارية لا تحقق لها في الخارج.

قال: ويمكن اجتماع الوجوب والامكان باعتبارين.

أقول: هذا جواب عن احتجاج من نفى علمه تعالى بالمتجددات قبل وجودها، وتقرير كلامهم أن العلم لو تعلق بالمتجدد قبل تجدده لزم وجوبه وإلا لجاز أن لا يوجد، فينقلب علمه تعالى جهلا وهو محال.


الصفحة 401
والجواب إن أردتم بوجوب ما علمه تعالى (1) أنه واجب الصدور عن العلم فهو باطل، لأنه تعالى يعلم ذاته ويعلم المعدومات (2) وإن أردتم وجوب المطابقة لعلمه فهو صحيح لكن ذلك وجوب لاحق لا سابق فلا ينافي الإمكان الذاتي، وإلى هذا أشار بقوله: ويمكن اجتماع الوجوب والإمكان باعتبارين.

المسألة الثالثة
في أنه تعالى حي

قال: وكل قادر عالم حي بالضرورة.

أقول: اتفق الناس على أنه تعالى حي واختلفوا في تفسيره، فقال قوم: إنه عبارة عن كونه تعالى لا يستحيل أن يقدر ويعلم. وقال آخرون: إنه من كان على صفة لأجله عليها يجب أن يعلم ويقدر. والتحقيق أن صفاته تعالى إن قلنا بزيادتها على ذاته فالحياة صفة ثبوتية زائدة على الذات وإلا فالمرجع بها إلى صفة سلبية وهو الحق، وقد بينا أنه تعالى قادر عالم فيكون بالضرورة حيا لأن ثبوت الصفة فرع عدم استحالتها.

المسألة الرابعة
في أنه تعالى مريد

قال: وتخصيص بعض الممكنات بالايجاد في وقت يدل على إرادته تعالى (3).

أقول: اتفق المسلمون على أنه تعالى مريد لكنهم اختلفوا في معناه، فأبو الحسين جعله نفس الداعي على معنى أن علمه تعالى بما في الفعل من المصلحة

____________

(1) باتفاق النسخ كلها.

(2) أي يعلم المتجددات قبل وجودها.

(3) التحقيق هو أن العلم والإرادة والشوق والميل معنى واحد يوجد في عوالم أربعة إنسانية، وأن إرادته تعالى للأشياء عين علمه بها وهما عين ذاته. (الأسفار ج 3 ط 1 ص 76 و 80) وراجع في ذلك رسالتنا في الجعل.


الصفحة 402
الداعية إلى الايجاد هو المخصص والإرادة. وقال النجار: إنه سلبي وهو كونه تعالى غير مغلوب ولا مستكره وعن الكعبي أنه راجع إلى أنه عالم بأفعال نفسه وآمر بأفعال غيره. وذهبت الأشعرية والجبائيان إلى أنه صفة زائدة على العلم.

والدليل على ثبوت الصفة مطلقا أن الله تعالى أوجد بعض الممكنات دون بعض مع تساوي نسبتها إلى القدرة، فلا بد من مخصص غير القدرة التي شأنها الايجاد مع تساوي نسبتها إلى الجميع، وغير العلم التابع للمعلوم وذلك المخصص هو الإرادة، وأيضا بعض الممكنات يخصص بالايجاد في وقت دون ما قبله وبعده مع التساوي فلا بد من مرجح غير القدرة والعلم.

قال: وليست زائدة على الداعي وإلا لزم التسلسل أو تعدد القدماء.

أقول: اختلف الناس هنا، فذهبت الأشعرية إلى إثبات أمر زائد على ذاته قديم هو الإرادة، والمعتزلة اختلفوا فقال أبو الحسين: إنها نفس الداعي، وهو الذي اختاره المصنف. وقال أبو علي وأبو هاشم: إن إرادته حادثة لا في محل.

وقالت الكرامية: إن إرادته حادثة في ذاته، والدليل على ما اختاره المصنف أن إرادته لو كانت قديمة لزم تعدد القدماء، والتالي باطل فالمقدم مثله، ولو كانت حادثة إما في ذاته أو لا في محل لزم التسلسل، لأن حدوث الإرادة في وقت دون آخر يستلزم ثبوت إرادة مخصصة، والكلام فيها كالكلام هنا.

المسألة الخامسة
في أنه تعالى سميع بصير

قال: والنقل دل على اتصافه بالإدراك والعقل على استحالة الآلات.

أقول: اتفق المسلمون كافة على أنه تعالى مدرك واختلفوا في معناه، فالذي ذهب إليه أبو الحسين أن معناه علمه تعالى بالمسموعات والمبصرات، وأثبت الأشعرية وجماعة من المعتزلة صفة زائدة على العلم.


الصفحة 403
والدليل على ثبوت كونه تعالى سميعا بصيرا السمع، فإن القرآن قد دل عليه وإجماع المسلمين على ذلك. إذا عرفت هذا فنقول: السمع والبصر في حقنا أنما يكون بآلات جسمانية وكذا غيرهما من الادراكات، وهذا الشرط ممتنع في حقه تعالى بالعقل فإما أن يرجع بالسمع والبصر إلى ما ذهب إليه أبو الحسين، وإما إلى صفة زائدة غير مفتقرة إلى الآلات في حقه تعالى.

المسألة السادسة
في أنه تعالى متكلم

قال: وعمومية قدرته تدل على ثبوت الكلام والنفساني غير معقول.

أقول: ذهب المسلمون كافة إلى أنه تعالى متكلم واختلفوا في معناه، فعند المعتزلة أنه تعالى أوجد حروفا وأصواتا في أجسام جمادية دالة على المراد، وقالت الأشاعرة: إنه متكلم بمعنى أنه قام بذاته معنى غير العلم والإرادة وغيرهما من الصفات تدل عليها العبارات وهو الكلام النفساني، وهو عندهم معنى واحد (1) ليس بأمر ولا نهي ولا خبر ولا غير ذلك من أساليب الكلام، والمصنف رحمه الله حينئذ استدل على ثبوت الكلام بالمعنى الأول بما تقدم من كونه تعالى قادرا على كل مقدور لا شك في إمكان خلق أصوات في أجسام تدل على المراد، وقد اتفقت المعتزلة والأشاعرة على إمكان هذا لكن الأشاعرة أثبتوا معنى آخر، والمعتزلة نفوا هذا المعنى لأنه غير معقول إذ لا يعقل ثبوت معنى غير العلم ليس بأمر ولا نهي ولا خبر ولا استخبار وهو قديم والتصديق موقوف على التصور.

قال: وانتفاء القبح عنه تعالى يدل على صدقه.

أقول: لما أثبت كونه تعالى متكلما وبين معناه شرع في بيان كونه تعالى

____________

(1) قد تقدم البحث عن الكلام النفسي، وكونه معنى واحدا بسيطا كأنه ناظر إلى علمه الأحدي، إلا أنهم جعلوه مقابل العلم، فلا يصح بناء كلام النفسي على العلم وتصحيحه.


الصفحة 404
صادقا، وقد اتفق المسلمون عليه لكن لا يتمشى على أصول الأشاعرة، أما المعتزلة فهذا المطلب عندهم ظاهر الثبوت لأن الكذب قبيح بالضرورة، والله تعالى منزه عن القبائح لأنه تعالى حكيم على ما يأتي فلا يصدر الكذب عنه تعالى.

المسألة السابعة
في أنه تعالى باق

قال: ووجوب الوجود يدل على سرمديته ونفي الزائد.

أقول: اتفق المثبتون للصانع تعالى على أنه باق أبدا واختلفوا فذهب الأشعري إلى أنه باق ببقاء يقوم به. وذهب آخرون إلى أنه باق لذاته وهو الحق الذي اختاره المصنف، والدليل على أنه باق ما تقدم من بيان وجوب وجوده لذاته وواجب الوجود لذاته يستحيل عليه العدم وإلا لكان ممكنا. والاعتراض الذي يورد هنا - وهو أنه يجوز أن يكون واجبا لذاته في وقت وممتنعا في وقت آخر - يدل على سوء فهم مورده لأن ماهيته حينئذ بالنظر إليها مجردة عن الوقتين تكون قابلة لصفتي الوجود والعدم ولا نعني بالممكن سوى ذلك. (واعلم) أن هذا الدليل كما يدل على وجوب البقاء يدل على انتفاء المعنى الذي أثبته أبو الحسن الأشعري، لأن وجوب الوجود يقتضي الاستغناء عن الغير، فلو كان باقيا بالبقاء كان محتاجا إليه فيكون ممكنا هذا خلف.

المسألة الثامنة
في أنه تعالى واحد

قال: والشريك.

أقول: هذا عطف على الزائد، أي ووجوب الوجود يدل على نفي الزائد ونفي الشريك. (واعلم) أن أكثر العقلاء اتفقوا على أنه تعالى واحد، والدليل على ذلك

الصفحة 405
العقل والنقل، أما العقل فما تقدم من وجوب وجوده تعالى فإنه يدل على وحدته، لأنه لو كان هناك واجب وجود آخر لتشاركا في مفهوم كون كل واحد منهما واجب الوجود فإما أن يتميزا أو لا، والثاني يستلزم المطلوب وهو انتفاء الشركة والأول يستلزم التركيب وهو باطل وإلا لكان كل واحد منهما ممكنا، وقد فرضناه واجبا هذا خلف، وأما النقل فظاهر.

المسألة التاسعة
في أنه تعالى مخالف لغيره من الماهيات

قال: والمثل.

أقول: هذا عطف على الزائد أيضا، أي ووجوب الوجود يدل على نفي الزائد ونفي الشريك ونفي المثل وهذا مذهب أكثر العقلاء، وخالف فيه أبو هاشم فإنه جعل ذاته مساوية لغيرها من الذوات، وإنما تخالفها بحالة توجب أحوالا أربعة وهي: الحيية والعالمية والقادرية والموجودية، وتلك الحالة هي صفة آلهية، وهذا المذهب لا شك في بطلانه فإن الأشياء المتساوية تتشارك في لوازمها، فلو كانت الذوات متساوية جاز انقلاب القديم محدثا وبالعكس وذلك باطل بالضرورة.

المسألة العاشرة
في أنه تعالى غير مركب

قال: والتركيب بمعانيه.

أقول: هذا عطف على الزائد، بمعنى أن وجوب الوجود يقتضي نفي التركيب أيضا، والدليل على ذلك أن كل مركب فإنه مفتقر إلى أجزائه لتأخره وتعليله بها وكل جزء من المركب فإنه مغاير له وكل مفتقر إلى الغير ممكن، فلو كان الواجب تعالى مركبا كان ممكنا هذا خلف فوجوب الوجود يقتضي نفي التركيب.


الصفحة 406
واعلم أن التركيب قد يكون عقليا وهو التركيب من الجنس والفصل، وقد يكون خارجيا كتركيب الجسم من المادة والصورة وتركيب المقادير من غيرها، والجميع منفي عن الواجب تعالى لاشتراك المركبات في افتقارها إلى الأجزاء فلا جنس له ولا فصل له ولا غيرهما من الأجزاء العقلية والحسية.

المسألة الحادية عشرة
في أنه تعالى لا ضد له

قال: والضد.

أقول: هذا عطف على الزائد أيضا، فإن وجوب الوجود يقتضي نفي الضد لأن الضد يقال بحسب المشهور على ما يعاقب غيره من الذوات على المحل أو الموضوع مع التنافي بينهما، وواجب الوجود يستحيل عليه الحلول فلا ضد له بهذا المعنى، ويطلق أيضا على مساو في القوة ممانع، وقد بينا أنه تعالى لا مثل له فلا مشارك له تعالى في القوة.

المسألة الثانية عشرة
في أنه تعالى ليس بمتحيز

قال: والتحيز.

أقول: هذا عطف على الزائد أيضا، فإن وجوب الوجود يقتضي نفي التحيز عنه تعالى، وهذا حكم متفق عليه بين أكثر العقلاء وخالف فيه المجسمة، والدليل على ذلك أنه لو كان متحيزا لم ينفك عن الأكوان الحادثة وكل ما لا ينفك عن الحادث (1) فهو حادث وقد سبق تقرير ذلك وكل حادث ممكن فلا يكون واجبا هذا خلف، ويلزم من نفي التحيز نفي الجسمية.

____________

(1) بالأفراد كما في (م). والنسخ الأخرى كلها عن الحوادث، بالجمع.


الصفحة 407

المسألة الثالثة عشرة
في أنه تعالى ليس بحال في غيره

قال: والحلول.

أقول: هذا عطف على الزائد، فإن وجوب الوجود يقتضي كونه تعالى ليس حالا في غيره، وهذا حكم متفق عليه بين أكثر العقلاء وخالف فيه بعض النصارى القائلين بأنه حل في المسيح وبعض الصوفية القائلين بأنه حال في أبدان العارفين، وهذا المذهب لا شك في سخافته لأن المعقول من الحلول قيام موجود آخر على سبيل التبعية بشرط امتناع قيامه بذاته، وهذا المعنى منتف في حقه تعالى لاستلزامه الحاجة المستلزمة للإمكان.

المسألة الرابعة عشرة
في نفي الاتحاد عنه تعالى

قال: والاتحاد.

أقول: هذا عطف على الزائد، فإن وجود الوجوب ينافي الاتحاد لأنا قد بينا أن وجوب الوجود يستلزم الوحدة فلو اتحد بغيره لكان ذلك الغير ممكنا فيكون الحكم الصادق على الممكن صادقا على المتحد به فيكون الواجب ممكنا، وأيضا فلو اتحد بغيره لكانا بعد الاتحاد إما أن يكون موجودين كما كانا فلا اتحاد وإن عدما أو عدم أحدهما فلا اتحاد أيضا ويلزم عدم الواجب فيكون ممكنا هذا خلف.

المسألة الخامسة عشرة
في نفي الجهة عنه تعالى

قال: والجهة.

أقول: هذا حكم من الأحكام اللازمة لوجوب الوجود وهو معطوف على