الصفحة 44
الكذابين، فلا يبقى لنا طريق إلى تميز الصادق من الأنبياء والكاذب(1).

ومنها: أنه يلزم منه تعطيل الحدود والزواجر عن المعاصي، فإن الزنا إذا كان واقعا بإرادة الله تعالى، والسرقة(2) إذا صدرت من الله تعالى، وإرادته هي المؤثرة، لم يجز للسلطان المؤاخذة عليها، لأنه يصد السارق عن مراد الله تعالى ويبعثه على ما يكرهه الله تعالى، ولو صد الواحد منا غيره عن مراده، وحمله على ما يكرهه، استحق منه اللوم.

ويلزم أن يكون الله مريدا للنقيضين، لأن المعصية مرادة(3) الله تعالى، والزجر عنها مراد له أيضا.

ومنها: أنه يلزم منه مخالفة المعقول والمنقول، أما المعقول، فلما تقدم من العلم الضروري بإسناد(4) أفعالنا الاختيارية إلينا، وقوعها بحسب إرادتنا، فإذا أردنا الحركة يمنة لم يقع يسرة، وبالعكس، والشك في ذلك عين السفسطة.

وأما المنقول، فالقرآن مملوء من إسناد(5) أفعال البشر إليهم، كقوله تعالى (وإبراهيم الذي وفي)(6) (فويل للذين كفروا)(7)، (ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون)(8) (اليوم تجزى كل نفس بما كسبت(9) (اليوم تجزون ما كنتم تعملون)(10) (لتجزى كل نفس بما تسعى)(11)

____________

(1) في " ش 2 ": من الكاذب.

(2) في " ش 1 ": والكذب والسرقة.

(3) في " ش 1 ": مراد.

(4) في " ش 1 " و " ش 2 ": باستناد.

(5) في " ش 2 " بإسناد.

(6) النجم: 37.

(7) مريم: 37، ص 27، الذاريات: 60.

(8) النحل: 32.

(9) غافر: 17.

(10) الجاثية: 28.

(11) طه: 15.


الصفحة 45
(هل تجزون إلا ما كنتم تعملون)(1) (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها)(2) (ليوفيهم أجورهم)(3) (لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت)(4) (فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات)(5) (كل امرئ بما كسب رهين)(6) (من يعمل سوءا يجز به)(7) (وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي(8) (إن الله لا يظلم مثقال ذرة)(9) (وما ربك بظلام للعبيد)(10) (وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون)(11) (ولا يظلمون فتيلا)(12) (وما الله يريد ظلما للعباد)(13) وأي ظلم أعظم من تعذيب الغير على فعل لم يصدر منه، بل ممن يعذبه؟

قال الخصم: القادر يمتنع أن يرجح مقدوره من غير مرجح ومع المرجح يجب الفعل، فلا قدرة، ولأنه يلزم أن يكون الإنسان شريكا لله تعالى، ولقوله تعالى (والله خلقكم وما تعملون)(14).

والجواب عن الأول: المعارضة بالله تعالى، فإنه تعالى قادر، فإن افتقرت القدرة إلى

____________

(1) النحل: 90.

(2) الأنعام: 160.

(3) فاطر: 30.

(4) البقرة: 286.

(5) النساء: 160.

(6) الطور: 21.

(7) النساء 123. وفي " ش 2 " بزيادة. (من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها)، (ذلك بما قدمت يداك) ، (ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم) وهي الآيات: فصلت: 46، الحج: 10، الشورى: 30 على التولي.

(8) إبراهيم: 22. وفي " ش 1 " بزيادة: (فلا تلوموني ولوموا أنفسكم).

(9) النساء: 40.

(10) فصلت: 46.

(11) النحل: 118.

(12) الإسراء: 71، النساء: 49.

(13): غافر: 31.

(14) الصافات: 96.


الصفحة 46
والجواب عن الأول: المعارضة بالله تعالى، فإنه تعالى قادر، فإن افتقرت القدرة إلى المرجح - وكان المرجح موجبا للأثر - لزم أن يكون الله تعالى موجبا لا مختارا، فيلزم الكفر.

وعن الثاني: أي شركة هنا؟! والله تعالى هو القادر على قهر العبد وإعدامه، ومثال هذا أن السلطان إذا ولى شخصا بعض البلاد، فنهب وظلم وقهر، فإن السلطان يتمكن من قتله والانتقام منه واستعادة ما أخذه، وليس يكون شريكا للسلطان.

وعن الثالث: أنه إشارة إلى الأصنام التي كانوا ينحتونها ويعبدونها، فأنكر عليهم وقال (أتعبدون ما تنحتون والله خلقكم وما تعلمون)(1).

وذهبت الأشاعرة إلى أن الله تعالى مرئي بالعين، مع أنه مجرد عن الجهات، وقد قال تعالى (لا تدركه الأبصار)(2)، وخالفوا الضرورة في(3) أن المدرك بالعين يكون مقابلا أو في حكمه، وخالفوا جميع العقلاء في ذلك وذهبوا إلى تجويز أن يكون بين أيدينا جبال شاهقة من الأرض إلى السماء، مختلفة الألوان لا نشاهدها، وأصوات هائلة لا نسمعها، وعساكر مختلفة متحاربة بأنواع الأسلحة، بحيث يماس أجسامنا أجسامهم(4)، لا نشاهد صورهم ولا حركاتهم، ولا نسمع أصواتهم الهائلة، وأن نشاهد جسما أصغر الأجسام، كالذرة في المشرق ونحن في المغرب مع كثرة الحائل بيننا وبينها، وهذا عين السفسطة(5).

وذهبوا إلى أنه تعالى آمر وناه(6) في الأزل، ولا مخلوق عنده(7)، قائلا (يا أيها النبي اتق الله)(8) (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله)(9) (يا أيها الناس اتقوا ربكم)(10). ولو جلس

____________

(1) الصافات: 95 و 96.

(2) الأنعام: 103.

(3) في " ش 2 ": من.

(4) في " ش 2 ": أجسامنا وأجسامهم.

(5) أنظر " دلائل الصدق " 1: 89 - 92.

(6) في " ش 2 ": أمرنا ونهانا.

(7) الملل والنحل 1: 129.

(8) الأحزاب: 1.

(9) البقرة 278، المائدة: 35، التوبة: 119، الأحزاب: 70، الحديد: 28، الحشر: 18.

(10) النساء: 1، الحج: 1، لقمان: 33.


الصفحة 47
شخص في منزله ولا غلام عنده، فقال: يا سالم قم، يا غانم كل، يا نجاح ادخل، قيل(1): لمن تنادي؟ فيقول(2): لعبيد أشتريهم بعد عشرين سنة، نسبه كل عاقل إلى السفه والحمق، فكيف يحسن منهم أن ينسبوا الله تعالى إليه في الأزل.

وذهب جميع من عدا الإمامية والإسماعيلية إلى أن الأنبياء والأئمة غير معصومين، فجوزوا بعثه من يجوز عليه الكذب والسهو والخطاء والسرقة، فأي وثوق يبقى للعامة في أقاويلهم؟ وكيف يحصل الانقياد إليهم؟ وكيف يجب اتباعهم مع تجويز أن يكون ما يأمرون به خطأ؟ ولم يجعلوا الأئمة محصورين في عدد معين، بل كل من تابع(3) قرشيا انعقدت إمامته عندهم، ووجبت طاعته على جميع الخلق إذا كان مستور الحال، وإن كان على غاية من الفسوق(4) والكفر والنفاق.

وذهب الجميع منهم إلى القول بالقياس والأخذ بالرأي، فأدخلوا في دين الله ما ليس منه، وحرفوا أحكام الشريعة، وأحدثوا مذاهب أربعة لم تكن في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا(5) في زمن صحابته، وأهملوا أقاويل الصحابة، مع أنهم نصوا على ترك القياس، وقالوا: أول من قاس إبليس.

وذهبوا بسبب ذلك إلى أمور شنيعة، كإباحة البنت المخلوقة من الزنا، وسقوط الحد عمن نكح أمه وأخته وبنته، مع علمه بالتحريم والنسب، بواسطة عقد يعقده وهو يعلم بطلانه، وعمن لف على ذكره خرقة وزنا بأمه أو بنته(6) وعن اللائط مع أنه أفحش من الزنا وأقبح.

____________

(1) في " ش 1 ": فقيل.

(2) في " ش 2 ": يقول.

(3) في " ش 1 " و " ش 2 ": بايع.

(4) في " ش 1 " و " ش 2 ": الفسق.

(5) ساقطة من " ش 1 ".

(6) في " ش 1 " و " ش 2 ": و.


الصفحة 48
وإلحاق نسب المشرقية بالمغربي(1)، فإذا زوج الرجل ابنته(2) وفي في المشرق، برجل هو وإياه في المغرب، ولم(3) يفترقا ليلا ونهارا، حتى مضت مدة ستة أشهر، فولدت البنت في المشرق، التحق نسب الولد بالرجل، وهو وأبوها في المغرب(4) مع أنه لا يمكنه الوصول إليها إلا بعد سنين متعددة، بل لو حبسه السلطان من حين العقد وقيده، وجعل عليه حفظة مدة خمسين سنة، ثم وصل إلى بلد المرأة، فرأى جماعة كثيرة من أولادها وأولاد أولادهم(5) إلى عدة بطون، التحقوا كلهم بالرجل الذي لم يقرب هذه المرأة ولا غيرها البتة.

وإباحة النبيذ مع مشاركته للخمر في الإسكار، والوضوء(6) والصلاة في جلد الكلب، وعلى العذرة اليابسة.

وحكى بعض الفقهاء لبعض الملوك - وعنده بعض فقهاء الحنفية - صفة صلاة الحنفي، فدخل دارا مغصوبة، وتوضأ بالنبيذ، وكبر(7) بالفارسية من غير نية(8) وقرأ (مدهامتان)(9) لا غير بالفارسية، ثم طأطأ رأسه من غير طمأنينة، وسجد كذلك، ورفع رأسه بقدر حد السيف، ثم سجد وقام ففعل كذلك ثانية، ثم أحدث، فتبرأ الملك - وكان حنيفا - من هذا المذهب.

وأباحوا المغصوب لو غير الغاصب الصفة، فقالوا: لو أن سارقا دخل بدار شخص له فيه دواب ورحى وطعام، فطحن السارق طعام صاحب الدار بدوابه وأرحيته ملك

____________

(1) في " ش 1 ": بالمغربي مثلا.

(2) في " ش 1 ": بنته.

(3) في " ش 2 ": فلم.

(4) في " ش 1 ": بالرجل الذي في المغرب.

(5) في " ش 2 ": أولادها وأولادهم.

(6) في " ش 1 ": والوضوء به.

(7) في " ش 2 " وقرأ.

(8) في " ش 2 ": عربية.

(9) الرحمن / 64.


الصفحة 49
الطحين بذلك، فلو جاء المالك ونازعه، كان المالك ظالما والسارق مظلوما، فلو تقاتلا، فإن قتل المالك، كان ظالما(1)، وإن(2) قتل السارق كان شهيدا.

وأوجبوا الحد على الزاني إذا كذب الشهود، (وأسقطوه إذا صدقهم)(3) فأسقط الحد مع اجتماع الإقرار والبينة، وهذا ذريعة إلى إسقاط حدود الله تعالى، فإن كل من شهد عليه بالزنا يصدق الشهود ويسقط عنه الحد.

وإباحة الكلب(4)، وإباحة الملاهي، كالشطرنج والغناء وغير ذلك من المسائل التي لا يحتملها هذا المختصر.

الوجه الثاني:

في الدلالة على وجوب اتباع مذهب الإمامية:

ما قاله شيخنا الإمام الأعظم خواجة نصير الملة والحق والدين، محمد بن الحسن الطوسي قدس الله روحه، وقد سألته عن المذاهب، فقال: بحثنا عنها وعن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، فرقة منها ناجية والباقي في النار "(5)، فوجدنا الفرقة الناجية (هي فرقة)(6) الإمامية، لأنهم باينوا جميع المذاهب، وجميع المذاهب قد اشتركت في أصول العقائد.

____________

(1) في " ش 1 ": هدرا.

(2): في " ش 2 ": ولو.

(3) ما بين القوسين ساقط من " ش 1 ".

(4) في " ش 1 ": وإباحة أكل الكلب واللواط بالعبيد.

(5) سنن أبي داود 4: 197 - 198 / الحديث 4596 بزيادة، ومناقب الخوارزمي: 237، وكنز العمال 11: 115 عن الترمذي، و 1: 210 عن الطبراني وقد ورد المتن في " ش 1 " بزيادة: وقد عين صلى الله عليه وسلم الفرقة الناجية والهالكة في حديث آخر صحيح متفق عليه، بقوله صلى الله عليه وسلم: مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق.

(6) ما بين القوسين في " ر " فقط.


الصفحة 50

الوجه الثالث:

إن الإمامية جازمون بحصول النجاة لهم ولأئمتهم، قاطعون على ذلك، وبحصول ضدها لغيرهم، وأهل السنة لا يجزمون بذلك لا لهم ولا لغيرهم، فيكون(1) اتباع أولئك أولى، لأنا لو(2) فرضنا - مثلا خروج شخصين من بغداد يريدان الكوفة، فوجدا طريقين سلك كل منهما طريقا، فخرج ثالث يطلب الكوفة، فسأل أحدهما: إلى أين يريد(3)؟ فقال: إلى الكوفة، فقال له: هذا طريقك يوصلك إليها؟ وهل طريقك آمن أم مخوف(4)؟ وهل طريق صاحبك (يؤديه إلى الكوفة؟ وهل هو آمن من أم مخوف؟)(5) فقال: لا أعلم شيئا من ذلك.

ثم سأل صاحبه عن ذلك، فقال: أعلم أن طريقي يوصلني إلى الكوفة، وأنه آمن، وأعلم أن طريق صاحبي لا يؤديه إلى الكوفة وليس بآمن، فإن الثالث إن تابع الأول عده العقلاء سفيها، وإن تابع الثاني نسب(6) إلى الأخذ بالحزم.

الرابع:

إن الإمامية أخذوا مذهبهم عن الأئمة المعصومين، المشهورين بالفضل والعلم والزهد والورع، والاشتغال في كل وقت بالعبادة والدعاء وتلاوة القرآن، والمداومة على ذلك من زمن الطفولية إلى آخر العمر، ومنهم تعلم الناس العلوم(7)، ونزل في حقهم

____________

(1) في " ش 1 ": يكون.

(2) ساقطة من " ش 1 " و " ش 2 ".

(3) في " ش 1 " و " ش 2 ": تذهيب.

(4) في " ش 2 " % هذا طريقك آمن أم مخوف؟ وهل طريقك يوصلك إليها؟

(5) في " ش 2 ": آمن أم مخوف؟ وهو هو يوصله إلى الكوفة؟

(6) سقط من " ش 1 ".

(7) روى العامة والخاصة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: " أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد المدينة فليأت الباب " انظر: المستدرك 3: 126 و 127 بسنده عن ابن عباس، و 3: 127 بسنده عن جابر بن عبد الله، وفيه:

" فمن أراد العلم، فليأت الباب ". و " مناقب ابن الخوارزمي ": 82 - 83 بسنده عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الحديث، و " مناقب ابن المغازلي: 80 - 85 حيث روى سبع روايات عن جابر وابن عباس وعلي عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باختلاف يسير في الألفاظ.

وقد عقد العلامة الأميني قده فصلا في رواة أنا مدينة العلم فراجع الغدير، 6: 61 - 77، وأورد في 78 و 79 قائمة بأسماء من صرح بصحة سنده من أعلام العامة.

وقد ذكر ابن أبي الحديد المعتزلي في مقدمة شرح النهج أسبقية علي عليه السلام في العلوم، وذكر ذلك ابن شهرآشوب في مناقبه 2: 28 - 57، وقال في ص 34: وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالإجماع: أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب " رواه أحمد من ثمانية طرق، وإبراهيم الثقفي من سبعة طرق، وابن بطة من ستة طرق، والقاضي الجعابي من خمسة طرق وابن شاهين من أربعة طرق، والخطيب التاريخي (صاحب تاريخ بغداد) من ثلاثة طرق، ويحيى بن معين من طريقين. وقد رواه السمعاني والقاضي والماوردي وأبو منصور السكري وأبو الصلت الهروي وعبد الرزاق وشريك عن ابن عباس ومجاهد وجابر.

وهذا يقتضي وجوب الرجوع إلى أمير المؤمنين، لأنه كنى عنه بالمدينة، وأخبر أن الوصول إلى علمه من جهة علي خاصة، لأنه جعله كباب المدينة الذي يا يدخل إليها إلا منه، ثم أوجب ذلك الأمر بقوله " فليأت الباب "، و فيه دليل على عصمته، لأن من ليس بمعصوم يصح منه وقوع القبيح، فإذا وقع كان الاقتداء به قبيحا، فيؤدي إلى أن يكون صلى الله عليه وآله وسلم قد أمر بالقبيح، وذلك لا يجوز انتهى.


الصفحة 51
هل أتى(1)، وآية الطهارة(2) وإيجاب المودة لهم(3)، وآية الابتهال(4)، وغير ذلك. وكان علي عليه السلام يصلي في كل يوم وليلة ألف ركعة ويتلو القرآن مع شدة ابتلائه بالحروب(5) والجهاد: فأولهم علي بن أبي طالب عليه السلام، كان أفضل الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وجعله الله تعالى نفس

____________

(1) أنظر: أسباب النزول للنيسابوري: 331 وشواهد التنزيل 2: 298، والتفسير الكبير للرازي: 30: 244، والدر المنثور للسيوطي 6: 299، ومناقب ابن المغازلي: 272 - 273.

(2) صحيح مسلم، 7: 130 / باب فضائل أهل بيت النبي، بسنده عن عائشة، والمستدرك 3: 147، ومجمع الزوائد 9: 167، وتفسير الطبري 22: 5.

(3) ابن المغازلي: 307 - 309 بسنده عن ابن عباس، ومجمع الزوائد 9: 168، وذخائر العقبى: 25.

(4) صحيح مسلم 7: 120 - 121 / باب فضائل علي بن أبي طالب، بسنده عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، ومسند أحمد 1: 185 / الحديث 1611 عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه والمستدرك 3: 150، وتفسير الطبري 3: 213.

(5) في " ش 2 ": بالحرب.


الصفحة 52
رسول الله: حيث قال: (وأنفسنا وأنفسكم)(1) وآخاه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وزوجه ابنته، وفضله لا يحصى(2)، وظهرت عنه معجزات كثيرة حتى ادعى قوم فيه الربوبية(3).

وقتلهم، صار إلى مقالتهم آخرون إلى هذه الغاية، كالنصيرية والغلاة، وكان ولداه سبطا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيدا شباب أهل الجنة إمامين بنص النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكانا أزهد الناس وأعملهم في زمانهم، وجاهدا في سبيل الله حتى قتلا، ولبس الحسن(4) الصوف تحت ثيابه الفاخرة من غير أن يشعر أحدا(5) بذلك.

وأخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوما الحسين على فخذه الأيمن، وولده إبراهيم على فخذه الأيسر، فنزل عليه جبرئيل عليه السلام وقال: إن الله لم يكن ليجمع لك بينهما، فاختر من شئت منهما، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: إذا مات الحسين بكيت(6) عليه أنا وعلي وفاطمة، وإذا مات إبراهيم بكيت أنا عليه، فاختار موت إبراهيم فمات بعد ثلاثة أيام، فكان(7) إذا جاء الحسين بعد ذلك يقبله و يقول: أهلا ومرحبا بمن فديته بابني إبراهيم(8).

وكان علي بن الحسين زين العابدين(9) يصوم نهاره ويقوم ليله، ويتلو الكتاب العزيز،

____________

(1) آل عمران: 61.

(2) في " ش 1 " وش 2 ": لا يخفى.

(3) في " ش 2 ": الألوهية.

(4) في " ش 2 ": الحسين.

(5) في " ش 1 " و " ش 2 ": أحمد.

(6) في " ر " و " ش 2 ": بكى.

(7) في " ش 1 " و " ش 2 ": وكان.

(8) مناقب ابن شهرآشوب 4: 81، عن تفسير النقاش، بإسناده عن سفيان الثوري عن قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه، عن ابن عباس، وفيه أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول له: " فديت من فديته بابني إبراهيم " وعنه في بحار الأنوار 22: 153.

(9) في حلية الأولياء 3: 141 " قال سعيد بن المسيب: ما رأيت أحدا أورع من علي بن الحسين، وفي الجرح والتعديل 6: 179 " قال يحيى بن سعيد: حدثنا علي بن الحسين أفضل هاشمي رأيته بالمدينة. وقال الزهري: لم أدرك من أهل البيت رجلا كان أفضل من علي بن الحسين ".


الصفحة 53
ويصلي كل يوم وليلة ألف ركعة، ويدعو بعد كل ركعتين بالأدعية المنقولة عنه وعن آبائه عليهم السلام، ثم يرمي الصحيفة كالمتضجر، ويقول: أني لي بعبادة(1) علي! وكان يبكي كثيرا حتى أخذت الدموع من لحم خديه، وسجد حتى سمي ذا الثفنات، وسماه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيد العابدين.

وكان قد حج هشام بن عبد الملك فاجتهد أن يستلم الحجر، فلم يمكنه من الزحام(2)، فجاء زين العابدين عليه السلام فوقف الناس له وتنحوا عن الحجر حتى استلمه، ولم يبق عند الحجر سواه، فقال هشام: من هذا؟ فقال الفرزدق الشاعر:


هذا الذي تعرف البطحاء وطأتهوالبيت يعرفه والحل والحرم
هذا ابن خير عباد الله كلهمهذا التقي النقي الطاهر العلم
يكاد يمسكه عرفان راحتهركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
إذا رأته قريش قال قائلهاإلى مكارم هذا ينتهي الكرم
إن عد أهل التقى كانوا أئمتهمأو قيل: من خير خلق الله؟ قيل: هم
هذا ابن فاطمة إن كنت جاهلهبجده أنبياء الله قد ختموا
يغضي حياء ويغضى من مهابتهفما يكلم إلا حين يبتسم
ينشق نور الهدى عن صبح غرتهكالشمس تنجاب عن إشراقها الظلم
مشتقة من رسول الله نبعتهطابت عناصره والخيم والشيم
الله شرفه قدما وفضلهجرى بذلك له في لوحه القلم
من معشر حبهم دين وبغضهمكفر وقربهم ملجا ومعتصم

____________

(1) في " ش 2 ": عبادة.

(2) في " ش 2 ": فلم يمكنه الزحام.


الصفحة 54

لا يستطيع جواد بعد غايتهمولا يدانيهم قوم وإن كرموا
هم الغيوث إذا ما أزمة أزمت(1)والأسد أسد الشرى والرأي محتدم
لا ينقض العسر بسطا من أكفهمسيان ذلك إن أثروا وإن عدموا
ما قال: لا، قط إلا في تشهدهلولا التشهد كانت لاؤه نعم
يستدفع السوء والبلوى بحبهمويسترق به الإحسان والنعم
مقدم بعد ذكر الله ذكرهمفي كل بر(2)، ومختوم به الكلم
من يعرف الله يعرف أولوية ذاالدين من بيت هذا ناله الأمم
وليس قولك: من هذا، بضائرهالعرب تعرف من أنكرت والعجم(3)

فغضب هشام وأمر بحبس الفرزدق بين مكة والمدينة، فبعث إليه الإمام زين العابدين عليه السلام بألف دينار، فردها وقال: إنما قلت هذا غضبا(4) لله ولرسوله، فما آخذ عليه أجرا، فقال علي بن الحسين عليه السلام: نحن أهل بيت لا يعود إلينا ما خرج منا، فقبلها الفرزدق.

وكان بالمدينة(5) قوم يأتيهم رزقهم ليلا ولا يعرفون ممن هو(6)، فلما مات مولانا الإمام زين العابدين عليه السلام(7)، انقطع ذلك عنهم، وعرفوا به أنه(8) كان(9) منه عليه السلام.

____________

(1) في " ش 2 ": روضة عرضت.

(2) في " ش 2 ": في كل يوم.

(3) البيت الأخير ساقطا من " ر ". وانظر القصيدة في ديوان الفرزدق 2: 353 - 356.

(4) في " ش 2 " رضا.

(5) في " ش 2 ": في المدينة.

(6) في " ش 2 ": من هو الأتي به.

(7) في " ش 1 ": فلما مات زين العابدين عليه السلام.

(8) ساقطة من " ر ".

(9) ساقطة من " ر " " ش 1 ". وانظر تذكرة الخواص: 327، عن أبي نعيم في حلية الأولياء 3: 136، والفصول المهمة: 202.


الصفحة 55
وكان ابنه محمد الباقر عليه السلام أعظم الناس زهدا وعبادة، بقر السجود جبهته، وكان أعلم أهل وقته(1)، سماه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الباقر. وجاء جابر بن عبد الله الأنصاري إليه وهو صغير في الكتاب، فقال له: جدك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسلم عليك، فقال: وعلى جدي السلام، فقيل لجابر: كيف هذا؟ قال: كنت جالسا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والحسين في حجره وهو يلاعبه(2)، فقال: يا جابر! يولد له مولود اسمه علي، إذا كان يوم القيامة نادى مناد: ليقم سيد العابدين!

فيقوم ولده، ثم يولد له مولود اسمه محمد الباقر، إنه يبقر العلم بقرا، فإذا أدركته فاقرئه مني السلام(3) روى عنه أبو حنيفة وغيره.

وكان ابنه الصادق عليه السلام أفضل أهل زمانه وأعبدهم(4)، قال علماء

____________

(1) في " ش 2 ": وكان أعلم وقته.

في " ش 1 ": والحسين في حجره يداعبه.

(3) تذكرة الخواص: 337 عن المدائني، والفصول المهمة: 211 عن جابر بالمضمون، وشرح النهج 3: 69، ومناقب ابن شهرآشوب 4: 197.

(4) قال عنه مالك ابن أنس - كما في تهذيب التهذيب 2: 104 - " ما رأت عين ولا سمعت أذن، ولا خطر على قلب بشر، أفضل من جعفر بن محمد الصادق علما وعبادة وورعا ".

وقال عنه أبو حنيفة - كما في جامع أسانيد أبي حنيفة 2: 222 - " ما رئي أعلم من جعفر بن محمد، وإنه أعلم الأمة ".

وقال عنه ابن حجر الهيثمي في صواعقه: 120 " جعفر الصادق، نقل الناس، عنه من العلوم ما سارت به الركبان، وانتشر صيته في جميع البلدان، وروى عنه الأئمة الأكابر، كيحيى بن سعيد، وابن جريح، ومالك، والسفيانين، و أبي حنيفة، وشعبة، وأيوب السجستاني ".

وقال أبو نعيم في حليته 3: 192 " الإمام الناطق، ذو الزمام السابق، أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق، أقبل على العبادة والخضوع، وآثر العزلة والخشوع، ونهى عن الرئاسة والجموع ".

وفي ينابيع المودة: 457: " قال عنه الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي في طبقات مشايخ الصوفية: جعفر الصادق، فاق جميع أقرانه من أهل البيت، وهو ذو علم غزير في الدين، وزهد بالغ في الدنيا، وورع تام عن الشهوات، وأدب كامل في الحكمة ".

وقال كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي في مطالب السؤول 2: 55 " جعفر بن محمد هو من علماء أهل البيت و ساداتهم، ذو علوم جمة، وعبادة موفورة، وأوراد متواصلة، وزهادة بينة، وتلاوة كثيرة، يتتبع معاني القرآن، و يستخرج من بحره جواهره، ويستنتج عجائبه، ويقسم أوقاته على أنواع الطاعات... استفاد منه جماعة من أعيان الأمة وأعلامهم، مثل يحيى بن سعيد الأنصاري، وابن جريح، ومالك ابن أنس، والثوري، وابن عيينة، وأيوب السختياني، وغيرهم، وعدوا أخذهم منه منقبة شرفوا بها، وفضيلة اكتسبوها ".


الصفحة 56
السيرة(1): أنه انشغل(2) بالعبادة عن طلب الرياسة. قال عمرو بن أبي المقدام(3): كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمد علمت أنه من سلالة النبيين(4) وهو الذي نشر منه(5) فقه الإمامية والمعارف الحقيقية والعقائد اليقينية، وكان لا يخبر بأمر إلا وقع، وبه سموه الصادق الأمين.

وكان عبد الله بن الحسن جمع أكابر العلويين للبيعة لولده(6) فقال له الصادق عليه السلام: إن هذا الأمر لا يتم! فاغتاظ من ذلك، فقال(7) إنه لصاحب القباء الأصفر، وأشار بذلك إلى المنصور، فلما سمع المنصور بذلك فرح لعلمه بوقوع ما يخبر به، وعلم أن الأمر يصل إليه، ولما هرب(8) كان يقول: أين قول صادقهم؟! وبعد ذلك انتهى الأمر إليه(9).

وكان ابنه موسى الكاظم عليه السلام يدعى بالعبد الصالح، كان أعبد أهل وقته، يقوم(10) الليل ويصوم النهار، سمي(11) الكاظم لأنه كان إذا بلغه عن أحد شئ، بعث إليه بمال، ونقل فضله

____________

(1) في " ش 2 ": السير.

(2) في " ش 1 ": إنه اشتغل، وفي " ش 2 ": إنه قد اشتغل.

(3) في " ش 1 ": عمرو بن المقدام.

(4) حلية الأولياء 3: 193، وتذكرة الخواص: 342.

(5) في " ش 1 ": في.

(6) في " ش 1 " و " ش 2 ": ولولديه محمد وإبراهيم.

(7) في " ش 2 ": وقال.

(8) في " ش 2 ": ولما هرب المنصور.

(9) مقاتل الطالبيين: 140 - 142 و 171 173، وانظر كلام أبي جعفر المنصور في: 184 - 185.

(10) في " ش 1 " و " ش 2 " ويقوم.

(11): في " ر ": وسمي.


الصفحة 57
المخالف والمؤالف.

قال ابن الجوزي من الحنابلة عن شقيق البلخي، قال خرجت حاجا في ستة تسع وأربعين ومائة، فنزلت " القادسية "، فإذا شاب حسن الوجه، شديد السمرة، عليه ثوب صوف، مشتمل بشملة، في رجليه نعلان، وقد جلس منفردا عن الناس، فقلت في نفسي:

هذا الفتي من الصوفية يريد أن يكون كلا على الناس، والله لأمضين إليه وأوبخه(1) فدنوت منه، فلما رآني مقبلا، قال: يا شقيق! اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم(2)! فقلت في نفسي: هذا عبد صالح قد نطق على(3) ما في خاطري، لألحقنه ولأسألنه أن يحللني(4)، فغاب عن عيني.

فلما نزلنا (واقصة)، إذا به يصلي(5) وأعضاؤه تضطرب، ودموعه تتحادر(6)، فقلت:

أمضي إليه وأعتذر، فأوجز في صلاته، ثم قال: يا شقيق، وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى، فقلت: هذا من الأبدال قد تكلم على سري مرتين(7).

(فلما نزلنا " زبالة " إذا به قائم على البئر(8)) وبيده ركوة يريد أن يستقي ماء، فسقطت الركوة في البئر، فرفع طرفه(9) إلى السماء، وقال: أنت ربي إذا ظمئت إلى الماء، وقوتي إذا أردت

____________

(1) في " ش 2 ": أوبخنه.

(2) في " ش 1 ": يا شقيق! إن بعض الظن إثم!

(3) في " ش 2 ": بما.

(4) في " ش 1 " و " ش 2 ": يحالني.

(5) في " ش 1 ": رأيته يصلي.

(6) في " ش 1 ": تتحادر أي تحادر.

(7) ساقطة من " ش 1 ".

(8) العبارة بين القوسين ساقطة من " ش 1 ".

(9) في " ش 2 ": فرفع رأسه.