الصفحة 58
الطعام، يا سيدي ما لي سواها!

قال شقيق: فوالله لقد رأيت البئر قد ارتفع ماؤها، فأخذ الركوة وملأها، وتوضأ وصل أربع ركعات، ثم مالي إلى كثيب رمل هناك، فجعل يقبض بيده ويطرحه في الركوة ويشرب(1) فقلت: أطعمني من فضل ما رزقك الله وأنعم الله عليك(2)! فقال: يا شقيق لم تزل نعم الله علينا ظاهرة وباطنة، فأحسن ظنك بربك، ثم ناولني(3) الركوة، فشربت منها فإذا سويق وسكر ما شربت - والله - ألذ منه وأطيب ريحا(4)، فشبعت ورويت وأقمت أياما لا أشتهي طعاما ولا شرابا ثم لم أره حتى دخل(5) مكة، فرأيته ليلة إلى جانب قبة السراب(6) نصف الليل يصلي بخشوع وأنين وبكاء، فلم يزل كذلك حتى ذهب الليل، فلما طلع الفجر جلس في مصلاه يسبح، ثم قام إلى صلاة الفجر، وطاف بالبيت أسبوعا، وخرج فتبعته فإذا(7) له حاشية وأموال(8) وغلمان، وهو على خلاف ما رأيته في الطريق، ودار به الناس يسلمون عليه ويتبركون به فقلت لبعضهم: من هذا؟ فقال: موسى بن جعفر عليهما السلام، فقلت: قد عجبت أن تكون هذه العجائب(9) إلا لمثل هذا السيد، رواه الحنبلي(10).

____________

(1) في " ش 1 ": ويشير به.

(2) في " ش 1 ": وأنعم عليك.

(3) في " ش 1 ": فناولني.

(4) في " ش 1 " و " ش 2 " ألذ منه ولا أطيب ريحا.

(5) في " ش 1 ": دخلت.

(6) في " ش 1 " الميزاب.

(7) في " ر ": وإذا.

(8) في " ش 2 ": وموال.

(9) في " ش 1 ": أن تكون مثل هذه العجائب.

(10) تذكرة الخواص: 348 - 349، والفصول المهمة: 233 - 234، والصواعق المحرقة: 203، ومطالب السؤول:

26، وفي بحار الأنوار نقلا عن أمثال الصالحين " قال: وقد نظموها:


سل شقيق البلخي عنه وما عاينمنه وما الذي كان أبصر
قال: لما حججت عاينت شخصاناحل الجسم شاحب اللون أسمر
سائرا وحده وليس له زادفما زلت دائبا أتفكر
وتوهمت أنه يسأل الناسولم أدر أنه الحج الأكبر
ثم عاينته ونحن نزولدون " فيد " على الكثيب الأحمر
يضع الرمل في الإناء ويشربه فناديته وعقلي محير
اسقني شربة، فلما سقانيمنه عاينته سويقا ويسكر
فسألت الحجيج من يك هذا؟قيل هذا الإمام موسى بن جعفر


الصفحة 59
وعلى يده عليه السلام تاب بشر الحافي(1). لأنه عليه السلام اجتاز على داره ببغداد، فسمع الملاهي وأصوات الغناء والقصب تخرج من تلك الدار، فخرجت جارية وبيدها قمامة البقل، فرمت بها(2) في الدرب: فقال لها: يا جارية! صاحب هذه الدار حر أم عبد؟ فقالت: بل حر فقال:

صدقت، لو كان عبدا خاف من مولاه!.

فلما دخلت قال مولاها وهو على مائدة السكر: ما أبطأك علينا؟ فقالت: حدثني رجل بكذا وكذا، فخرج حافيا(3) حتى لقي مولانا الكاظم عليه السلام فتاب على يده.

____________

(1) هو بشر بن الحارث الحافي، أورد أبو نعيم الأصبهاني ترجمته في " حلية الأولياء " وقال عنه: ومنهم من حباه الحق بجزيل الفواتح، وحماه عن وبيل الفوادح، أبو نصر بشر بن الحارث الحافي، المكتفي بكفاية الكافي، أكتفي فأشتفي.

وذكره الخواجة عبد الله الأنصاري في طبقات الصوفية: 85 - 86، والقاضي نور الله الشوشتري في مجالس المؤمنين 2: 12 - 14، ونقل عن ابن خلكان أن جده الخامس عبد الله أسلم على يد أمير المؤمنين علي عليه السلام. ثم ذكر صاحب المجالس أنه تاب على يد الإمام الهمام موسى الكاظم عليه السلام، ثم نقل قصة توبته من منهاج الكرامة، ثم ذكر أن تاريخ وفاته كان يوم عاشوراء من محرم الحرام سنة سبع وعشرين ومائتين، كما ذكره معصوم علي شاه في طرائق الحقائق 2: 184 - 186 ونقل قصة توبته عن منهاج الكرامة.

(2) في " ر ": به.

(3) في " ش 2 ": فخرج بشر حافيا.


الصفحة 60
وكان ولده علي الرضا(1) أزهد أهل زمانه وأعلمهم، وأخذ عنه فقهاء الجمهور كثيرا، و تولاه(2) المأمون لعلمه بما هو عليه من الكمال والفضل(3)، ووعظ يوما أخاه زيدا فقال له يا زيد، ما أنت قائل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا سفكت الدماء وأخفت السبيل(4) وأخذت المال من غير حله!؟ غرك حمقاء أهل الكوفة، وقد(5) قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن فاطمة أحصنت فرجها فحرم الله ذريتها على النار، والله ما نالوا ذلك إلا بطاعة الله، فإن أردت أن تنال بمعصية الله ما نالوه بطاعته، إنك إذا لأكرم على الله منهم(6).

وضرب المأمون اسمه على الدراهم والدنانير، وكتب إلى الآفاق ببيعته، وطرح السواد ولبس الخضرة. وقيل لأبي نؤاس لم لا تمدح الرضا عليه السلام؟ فقال:


قيل لي أنت أفضل الناس طرافي المعاني وفي الكلام البديه
لك من جوهر الكلام بديع(7)يثمر الدر في يدي مجتنيه(8)
فلما ذا تركت مدح ابن موسىوالخصال التي تجمعن فيه
قلت لا أستطيع مدح إمامكان جبريل خادما لأبيه(9)

وكان ولده محمد الجواد عليه السلام على منهاج أبيه في العلم والتقوى(10) والجود، ولما مات أبوه الرضا عليه السلام شغف به المأمون لكثرة علمه ودينه، ووفور عقله مع صغر سنه،

____________

(1) في " ش 1 ": وكان ولده الرضا.

(2) في " ش 1 " و " ش 2 ": ولاه.

(3) في " ش 1 ": والفضائل.

(4) في " ش 1 " و " ش 2 ": السبل.

(5) في " ش 2 ": بما.

(6) ربيع الأبرار 4: 426، عيون أخبار الرضا 2: 234 بزيادة.

(7) في " ش 2 ": % نظام.

(8) سقط البيت من " ش 1 ".

(9) تذكرة الخواص: 358. وهو في عيون أخبار الرضا 2: 146 باختلاف يسير في اللفظ.

(10) في " ش 1 " و " ش 2 ": التقى.


الصفحة 61
فأراد(1) أن يزوجه ابنته(2) أم الفضل، وكان قد زوج أباه الرضا عليه السلام بابنته أم حبيب فغلظ ذلك على العباسيين واستكبروه، وخافوا أن يخرج الأمر منهم، وأن يتابعه كما تابع أباه(3)، فاجتمع الأدنون منه وسألوه ترك ذلك، وقالوا إنه صغير(4) لا علم عنده، فقال: أنا أعرف به، فإن شئتم فامتحنوه، فرضوا بذلك، وجعلوا ليحيى(5) بن أكثم مالا كثيرا على امتحانه في مسألة يعجزه(6) فيها، فتواعدوا إلى يوم، فأحضره المأمون، وحضر القاضي وجماعة العباسيين، فقال القاضي: أسألك عن شئ؟ فقال له عليه السلام: سل(7).

فقال: ما تقول في محرم قتل صيدا؟ فقال له الإمام عليه السلام(8): أقتله في حل أو حرم؟ عالما كان أو جاهلا؟ مبتدئا بقتله أو عائدا؟ من صغار الصيد كان أو(9) من كبارها؟ عبدا كان المحرم أو حرا؟ صغيرا كان أو(10) كبيرا؟ من ذوات الطير كان الصيد أو(11) من غيرها؟

فتحير يحيى بن أكثم وبان العجز في وجهه، حتى عرف جماعة أهل المجلس أمره فقال المأمون لأهل بيته: عرفتم الآن ما كنتم تنكرونه؟! ثم أقبل على الإمام فقال:

____________

(1) في " ش 1 " و " ش 2 ": وأراد.

(2) في " ر ": بنته.

(3) في " ش 1 " و " ش 2 ": يبايعه كما بايع أباه.

(4) في " ر ": وقالوا إنه صغير السن.

(5) في " ش 1 ": فرضوا بذلك وجعلوا للقاضي يحيى.

في " ش 2 ": فرضوا وجعلوا للقاضي يحيى.

(6) في " ش 2 ": يعجز.

(7) في " ش 1 ": فقال سل عما بدا لك.

في " ش 2 ": فقال له سل عما بذلك.

(8) في " ش 2 ": فقال الإمام عليه السلام.

(9) في " ش 3 ": أم.

(10) في " ش 2 " و " ر ": أم.

(11) في " ش 2 ": أم.


الصفحة 62
أتخطب؟ فقال(1) نعم. فقال(2) اخطب لنفسك خطبة النكاح، فخطب(3) وعقد على خمسمائة درهم جيادا مهر جدته فاطمة عليها السلام، ثم تزوج بها(4).

وكان ولده علي الهادي عليه السلام، ويقال له: العسكري، لأن المتوكل أشخصه من المدينة إلى بغداد، ثم منها إلى سر من رأى، فأقام بموضع عندها يقال له: العسكر، ثم انتقل إلى سر من رأى فأقام(5) بها عشرين سنة وتسعة أشهر، وإنما أشخصه المتوكل لأنه كل يبغض عليا عليه السلام(6)، فبلغه مقام علي بالمدينة وميل الناس إليه، فخاف منه، فدعا يحيى بن هرثمة

____________

(1) في " ش 1 ": أتخطب؟ قال.

في " ش 2 ": اخطب، فقال.

(2) سقطت الكلمة من " ش 2 ".

(3) في " ش 2 ": وخطب.

(4) الفصول المهمة: 267 - 270، وقد اختصر أسئلة يحيى بن أكثم، تذكرة الخواص: 359، قال: والإمامية تروي خبرا طويلا فيه أن المأمون لما زوجه كان عمر محمد الجواد سبع سنين وأشهر، وأنه هو الذي خطب خطبة النكاح، وأن العباسيين شغبوا على المأمون، ورشوا القاضي يحيى بن أكثم حتى وضع مسائل ليخطئ بها محمد الجواد ويمتحنه، وأن الجواد خرج عن الجميع، إرشاد المفيد: 319 - 323 مفصلا، بسنده عن الريان بن شبيب، إثبات الوصية للمسعودي: 188 - 191، إعلام الورى: 351 - 354، الاحتجاج 2: 443 - 446.

(5) العبارة بين القوسين ساقطة من " ش 2 ".

(6) وهو الذي أمر بهدم قبر الإمام الحسين عليه السلام فقال فيه الشعراء:


تاالله إن كانت أمية قد أتتقتل ابن بنت نبيها مظلوما
فلقد أتته بنو أبيه بمثلههذا لعمرك قبره مهدوما
أسفوا على أن لا يكونوا شاركوافي قتله فتتبعوه رميما

وهو الذي يقف شاعره مروان بن أبي الجنوب فينشده شعرا ينال فيه من آل علي عليه السلام ويذم شيعتهم، فيأمر المتوكل أن ينثر على رأسه ثلاثة آلاف دينار ويعقد له على إمارة البحرين واليمامة ويخلع عليه أربع خلع (أنظر الكامل في التاريخ 7: 38). وهو الذي لما بلغه أن نصر بن علي حدث أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخذ بيد حسن وحسين فقال: من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة، أمر بضربه ألف سوط. (انظر تاريخ بغداد 13: 287 - 288). وهو الذي أمر عمر بن الفرج الرخجي عامله على المدينة ومكة بتشديد الوطأة على العلويين، حتى كان القميص يكون بين جماعة من العلويات يصلين فيه الواحدة بعد الأخرى، ثم يرقعنه ويجلسن على مغازلهن عواري حواسر (أنظر مقاتل الطالبيين: 599).

قال جرجي زيدان في " تاريخ التمدن الإسلامي " 5: 120 ضمن كلامه عن السخاء على الشعراء والمغنين:

" وفاقهم المتوكل في ذلك، لأنه أعطى حسين بن الضحاك ألف دينار عن كل بيت من قصيدة قالها، وهو أول من أعطى ذلك ".

وقال في ص 124 من كتابه المذكور: " وكتب التاريخ والأدب مشحونة بأخبار مجالس الشراب، وهي في الغالب مجالس الغناء، ويندر أن يترفع خليفة أو وزير عنها، ومن أكثر العباسيين رغبة فيها: الهادي والرشيد والأمين والمأمون والمعتصم والواثق والمتوكل... ".

ولولا الخوف من الإطالة، لنقلت ما جاء في كتب التواريخ والسيرة والأدب عن ظلمه وإسرافه وخلاعته وفسقه وفجوره، لكني أكتفي في هذه العجالة بما قاله ابن الأثير في الكامل 7: 115:

وذكر أن المنتصر كان شاور في قتل أبيه (المتوكل) جماعة من الفقهاء، وأعلمهم بمذاهبه، وحكى عنه أمورا قبيحة كرهت ذكرها، فأشاروا بقتله، فكان كما ذكرنا بعضه.

ولا أدري لم كره ابن الأثير المؤرخ ذكر الأمور القبيحة التي حكاها المنتصر للفقهاء عن أبيه حتى أشاروا بقتله، بينما يفيض في نقل سواها من أخبار المطربات والمغنيات والمهرجين؟! قاتل الله العصبية! وقد صدق من قال:

حبك الشئ يعمي ويصم!


الصفحة 63
فأمره(1) بإشخاصه، فضج أهل المدينة لذلك خوفا عليه، لأنه كان محسنا إليهم، ملازما للعبادة في المسجد، فحلف لهم يحيى أنه لا مكروه عليه، ثم فتش منزله فلم يجد فيه سوى مصاحف وأدعية وكتب العلم(2)، (فعظم في عينه)(3) وتولى خدمته بنفسه، فلما قدم بغداد بدأ بإسحاق بن إبراهيم الطاهري(4) وإلى بغداد، فقال له:

يا يحيى، هذا الرجل قد ولده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والمتوكل من تعلم، فإن حرضته(5) عليه قتله، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خصمك(6). فقال له يحيى: والله ما وقعت منه إلا على خير.

____________

(1) في " ش 1 ": وأمره.

(2) في " ش 2 ": المصاحف وكتب الأدعية والعلم.

(3) ما بين القوسين سقط من " ش 1 ".

(4) في " ش 1 ": الطائي.

(5) في " ش 1 ": تحرضه. في " ش 2 ": حرضت.

(6) في " ش 1 " و " ش 2 ": خصمك يوم القيامة.


الصفحة 64
قال: فلما دخلت على المتوكل أخبرته بحسن سيرته وزهده وورعه(1)، فأكرمه المتوكل(2). ثم مرض المتوكل فنذر إن عوفي تصدق(3) بدراهم كثيرة، فسأل الفقهاء عن ذلك فلم يجد عندهم جوابا، فبعث إلى علي الهادي عليه السلام يسأله(4)، فقال: تصدق بثلاثة وثمانين درهما فسأله المتوكل عن السبب، فقال: لقوله تعالى: (لقد نصركم الله في مواطن كثيرة)(5)، وكانت المواطن هذه الجملة، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم غزا سبعا وعشرين غزاة، وبعث ستا وخمسين سرية(6).

قال المسعودي: نمي إلى المتوكل بعلي بن محمد أن في منزله سلاحا من شيعته من أهل قم، وأنه عازم على الملك، فبعث إليه جماعة من الأتراك، فهجموا على داره ليلا فلم يجدوا شيئا(7)، ووجدوه في بيت مغلق عليه، وهو يقرأ(8) وعليه مدرعة من صوف، وهو جالس على الرمل والحصباء(9)، متوجه إلى الله تعالى يتلو القرآن، فحمل على حالته تلك إلى المتوكل، فأدخل عليه وهو في مجلس الشراب(10) والكأس في يد المتوكل، فأعظمه(11) وأجلسه إلى جانبه(12) وناوله الكأس، فقال: والله ما خامر لحمي ودمي قط فأعفني(13)!

____________

(1) في " ش 2 ": بحسن ورعه وزهده.

(2) تذكرة الخواص: 359 - 360، مروج الذهب 4: 360، مروج الذهب 4: 84 - 85، الفصول المهمة: 279 - 281.

(3) في " ش 2 ": أن يتصدق.

(4) في " ش 1 " و " ش 2 ": وسأله.

(5) التوبة: 25.

(6) تذكرة الخواص: 360، مناقب ابن شهرآشوب 4: 402، بحار الأنوار 50: 162 - 163.

(7) في " ر ": فلم يجدوا فيها شيئا.

(8) في " ش 1 ": وهو يقرأ القرآن.

(9) في " ش 1 " و " ش 2 " الحصى.

(10) في " ش 2 ": وهو جالس في الشراب.

(11) في " ش 1 " و " ش 2 ": فعظمه.

(12) في " ش 2 ": جانب.

(13) سقطت من " ش 1 ".


الصفحة 65
فأعفاه. وقال له: أسمعني صوتا، فقال عليه السلام: (كم تركوا من جنات وعيون)(1)... الآيات فقال: أنشدني شعرا، فقال: إني قليل الرواية للشعر. فقال: لا بد من ذلك، فأنشده(2):


باتوا على قلل الجبال(3) تحرسهمغلب الرجال فما أغنتهم القلل
واستنزلوا بعد عز من(4) معاقلهموأسكنوا حفرا يا بئس ما نزلوا
ناداهم صارخ من بعد دفنهمأين الأساور والتيجان والحلل
أين الوجوه التي كانت منعمةمن دونها تضرب الأستار والكلل
فأفصح القبر عنهم حين سائله(5)تلك الوجوه عليها الدود يقتتل
قد طالما أكلوا دهرا وقد شربوافأصبحوا بعد طول الأكل قد أكلوا

فبكى المتوكل حتى بلت دموعه لحيته(6).

وكان ولده الحسن العسكري عليه السلام عالما فاضلا زاهدا أفضل أهل زمانه(7)، روت عنه العامة كثيرا.

وولده مولانا الإمام المهدي محمد عليه السلام(8)، روى ابن الجوزي بإسناده إلى ابن عمر، قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي اسمه كاسمي(9) وكنيته كنيتي، يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا، فذلك هو المهدي(10).

____________

(1) الدخان: 25.

(2) في " ش 1 ": فأنشد.

(3) في " ش 1 " و " ش 2 ": الجبال.

(4) في " ش 1 " و " ش 2 ": عن.

(5) في " ش 1 ": ساء لهم.

(6) مروج الذهب 4: 111، وتذكرة الخواص: 361، ونور الأبصار للشبلنجي: 150.

(7) في " ش 2 ": أفضل زمانه.

(8) في " ر ": وولد مولانا الإمام المهدي محمدا.

(9) في " ش 2 ": اسمي.

(10) تذكرة الخواص: 363 - 364.

وقد تواترت الأخبار بظهور المهدي عليه السلام وخروجه في آخر الزمان، وبأنه من ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن ولد فاطمة عليها السلام ومن ولد علي عليه السلام ومن ولد الحسين عليه السلام، وبأنه التاسع من ولد الحسين عليه السلام. ولم تختص هذه الأخبار بالشيعة دون السنة، فقد رواها أعاظم علماء السنة فضلا عن علماء الشيعة، كالبخاري في صحيحه وتاريخه الكبير، ومسلم في صحيحه، وأحمد في مسنده، وابن ماجة في سننه، وأبي داود في سننه، والترمذي في جامعه، والطبراني في معاجمه الثلاثة: الصغير والأوسط والكبير، والحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين، والطيالسي في مسنده، وعبد الرزاق الصنعاني في الصنف، الحيدي في مسنده، وابن أبي شيبة في المصنف، والحميدي في الجمع بين الصحيحين، وأبي يعلى الموصلي في مسنده، والبزار في مسنده، وابن حبان في صحيحه، والبيهقي في " البعث والنشور "، والديلمي في فردوس الأخبار، والبغوي في مصابيح السنة، وابن الأثير في جامع الأصول، والهيثمي في مجمع الزوائد، والسيوطي في الدر المنثور والجامع الصغير والعرف الوردي، والمتقي الهندي في كنز العمال، وعبد الغني النابلسي في ذخائر المواريث، وأبي نعيم الأصبهاني في أخبار أصبهان، ومنصور علي ناصف في التاج الجامع، وكثير غيرهم.

كما صنفت في موضوعه كتب كثيرة منها: الفتن لنعيم بن حماد المروزي، والملاحم لأحمد بن جعفر البغدادي، ابن المنادي، والسن لعثمان بن سعيد الداني، وعقد الدرر في أخبار المنتظر للشافعي السلمي، والبيان للكنجي الشافعي، والبرهان للمتقي الهندي، والعرف الوردي في أخبار المهدي للسيوطي، والشرب الوردي في مذهب المهدي للهروي الحنفي القاري، وفرائد فوائد الفكر في الإمام المهدي المنتظر لمرعي بن يوسف الحنبلي، ومناقب المهدي لأبي نعيم الأصبهاني، والإشاعة للبرزنجي، وغيرها.


الصفحة 66
فهؤلاء الأئمة المعصومون(1) الذين بلغوا الغاية(2) في الكمال، ولم يتخذوا ما اتخذ غيرهم من الأئمة المشتغلين(3) بالملك وأنواع المعاصي والملاهي وشرب الخمور، والفجور حتى بأقاربهم(4) على ما هو المتواتر من الناس.

قالت الإمامية: فالله يحكم بيننا وبين هؤلاء وهو خير الحاكمين، وما أحسن قول بعض الناس:

____________

(1) في " ش 1 ": وهؤلاء الأئمة الفضلاء المعصومون.

(2) في " ش 2 ": العلية.

(3) في " ش 2 ": الأئمة المتغلبين المشتغلين.

(4) في " ش 1 1 ": أتوا ربهم.


الصفحة 67

إذا شئت أن ترضى لنفسك مذهباوتعلم أن الناس في نقل أخبار
فدع عنك قول الشافعي ومالكوأحمد(1) والمروي عن كعب أحبار
ووال أناسا(2) قولهم وحديثهمروى جدنا عن جبرئيل عن الباري

وما أظن أحدا من المحصلين(3) وقف على هذه المذاهب(4)، فاختار غير مذهب الإمامية باطنا، وإن كان في الظاهر يصير إلى غيره طلبا للدنيا حيث وضعت لهم المدارس والربط والأوقاف حتى تستمر لبني العباس الدعوة، ويشيدوا(5) للعامة اعتقاد إمامتهم.

وكثيرا ما رأينا من يدين(6) في الباطن بمذهب الإمامية، ويمنعه عن إظهاره حب الدنيا وطلب الرياسة، وقد رأيت بعض أئمة الحنابلة(7) يقول: إني على مذهب الإمامية، فقلت له:

لم تدرس على مذهب الحنابلة؟ فقال: ليس في مذهبكم البغلات(8) والمشاهرات(9). وكان أكبر مدرسي الشافعية في زماننا حيث(10) توفي أوصى بأن يتولي أمره في غسله وتجهيزه بعض المؤمنين، وأن يدفن في مشهد الكاظم عليه السلام، وأشهد عليه(11) أنه على دين الإمامية.

____________

(1) في " ر ": قول الشافعي وأحمد - ومالك.

(2) في " ش 2 ": رجالا.

(3) في " ش 1 ": المخلصين.

(4) في " ش 1 ": هذا المذهب.

(5) في " ش 1 ": يشتد.

(6) في " ش 1 " و " ش 2 ": يتدين.

(7) في " ر ": بعض الحنابلة.

(8) في " ش 2 ": الغلات.

(9) في " ر ": المسامرات.

(10) في " ش 2 ": حين.

(11) ليست في " ش 2 ".


الصفحة 68

الخامس:

إن الإمامية لم يذهبوا إلى التعصب في غير الحق(1)، فقد ذكر الغزالي والمتولي(2) وكانا إمامين للشافعية - أن تسطيح القبور هم المشروع، لكن لما جعلته(3) الرافضة شعارا لهم، عدلنا عنه(4) إلى التسنيم(5).

وذكر الزمخشري - وكان من أئمة الحنفية - في تفسير قوله تعالى (هو الذي يصلي عليكم وملائكته)(6) أنه يجوز بمقتضى هذه الآية أن يصلى على آحاد المسلمين، لكن لما اتخذت الرافضة ذلك في أئمتهم، منعناه(7).

وقال مصنف الهداية من الحنفية: المشروع التختم في اليمين، لكن لما اتخذته الرافضة عادة، جعلنا التختم في اليسار، وأمثال ذلك كثير(8).

____________

(1) في " ش 1 " و " ش 2 " زيادة: بخلاف غيرهم.

(2) في " الصراط المستقيم " للبياضي: المزني.

(3) في " ش 2 ": جعله.

(4) في " ش 1 ": عنهم.

(5) ذكره البياضي العاملي في الصراط المستقيم 3: 206 نقلا عن الغزالي في " الذخيرة " والمزني.

(6) الأحزاب: 43.

(7) أنظر تفسير الكشاف 3: 558 في تفسير الآية 56 من سورة الأحزاب.

(8) الصراط المستقيم 3: 206، وقال:

" وقال الكنجي في " الكفاية الطالب " إن عليا كان يتختم باليمين. وقال الترمذي والسجستاني وابن حنبل وابن ماجة وأبو يعلى المحتسب والسلمي والبيهقي، وهو في صحيحي مسلم والبخاري: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والعترة و الصحابة تختموا في أيمانهم. وعد الجاحظ في كتاب " نقوش الخواتيم " أن الأنبياء من آدم إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم تختموا في أيمانهم. وخلعه ابن العاص من يمينه ولبسه في شماله وقت التحكيم. وذكر الراغب في " المحاضرات " أن أول من تختم في اليسار معاوية، فلبس المخالف في شماله علامة ضلالته باستمراره على خلع علي من إمامته. انتهى كلامه.

وقال الزمخشري في ربيع الأبرار 5: 24: ذكر السلامي (وهو أبو الحسن محمد بن عبد الله بن محمد المخزومي) أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يتختم في يمينه والخلفاء بعده، فنقله معاوية إلى اليسار، فأخذ المروانية بذلك، ثم نقله السفاح إلى اليمين فبقي إلى أيام الرشيد، فنقله إلى اليسار، فأخذ الناس بذلك.

وروي عن عمرو بن العاص أنه سله يوم التحكيم من يده اليمنى وجعله في اليسرى، وقال: خلعت عليا من الخلافة كما خلعت خاتمي من يميني، وجعلتها إلى معاوية كما أدخلت خاتمي في يساري.

ثم روى الزمخشري في ربيع الأبرار 5: 24 عن عائشة أنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتختم في يمينه، وقبض صلى الله عليه وآله وسلم والخاتم في يمينه. وروى في ص 28 عن جابر بن عبد الله، قال: تختم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في يمينه.


الصفحة 69
فانظر إلى من يغير الشريعة ويبدل الأحكام التي ورد بها(1) النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ويذهب(2) إلى ضد الصواب معاندة لقوم معينين، هل يجوز اتباعه والمصير إلى أقواله؟ مع أنهم ابتدعوا أشياء اعترفوا بأنها بدعة، وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة فإن مصيرها إلى النار(3)، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: من أدخل في ديننا ما ليس منه فهو رد عليه(4) ولو ردوا عنها كرهته نفوسهم ونفرت قلوبهم، كذكر الخلفاء في خطبتهم، مع أنه بالإجماع لم يكن في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا في زمن أحد من الصحابة والتابعين، ولا في زمن بني أمية، ولا في صدر ولاية العباسيين، بل هو شئ أحدثه المنصور لما وقع بينه وبين العلوية، فقال: والله لأرغمن أنفي وأنوفهم، وأرفع عليهم بني تيم وعدي، وذكر الصحابة في خطبته، واستمرت هذه البدعة

____________

(1) في " ش 1 ": أوردها.

(2) في " ش 2 ": وذهب.

(3) بحار الأنوار 2: 401 عن أمالي الطوسي، بسنده عن جابر بن عبد الله: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال في خطبة له إن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة محدثة، وكل بدعة ضلالة... الحديث.

وفي 2: 309 منه، عن مجالس المفيد، بسنده عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: صعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المنبر فتغيرت وجنتاه والتمع لونه، ثم أقبع بوجهه فقال: أيها المسلمين، إنما بعثت أنا والساعة كهاتين - قال: ثم ضم السباحتين - ثم قال: يا معشر المسلمين، إن أفضل الهدى هدى محمد، وخير الحديث كتاب الله، وشر الأمور محدثاتها، ألا وكل بدعة ضلالة، ألا وكل ضلالة ففي النار... الحديث.

(4) المبسوط للسرخسي 2: 40.


الصفحة 70
إلى هذه الزمان(1).

وكمسح الرجلين الذي نص عليه الله تعالى في كتابه العزيز، فقال (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين)(2)، قال ابن عباس: عضوان مغسولان وعضوان ممسوحان(3): فغيروه وأوجبوا الغسل، وكالمتعتين اللتين ورد بهما القرآن، فقال في متعة الحج: (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي)(4) وتأسف النبي صلى الله عليه وآله على فواتها لما حج قارنا، وقال: لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي(5).

وقال في متعة النساء: (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن)(6)، واستمر فعلها(7) مدة زمان النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومدة خلافة أبي بكر وبعض خلافة عمر، إلى أن صعد المنبر وقال:

متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما(8).

ومنع أبو بكر فاطمة عليها السلام إرثها(9)، فقالت له: يا بن أبي قحافة! أترث أباك ولا أرث أبي؟!

____________

(1) الصراط المستقيم 3: 204.

(2) المائدة: 6.

(3) الرسالة السعدية للحلي: 90، وانظر كنز العمال 5: 103 وتفسير ابن كثير 2: 25.

(4) البقرة: 196.

(5) الدر المنثور 1: 217.

(6) النساء: 24.

(7) في " ش 1 ": فعلهما.

(8) أنظر تفسير القرطبي 2: 370، تفسير الرازي 10: 50 ذيل الآية، كنز العمال 16 / الحديث 45715 و 45722، الصراط المستقيم 3: 277 عن الطبري في كتاب المسترشد.

وقال: لما سأل يحيى بن أكثم رجلا بصريا: بمن اقتديت في تحليل المتعة؟ قال: بعمر بن الخطاب حيث قال " متعتان كانتا على عهد رسول الله، أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما " فقبلنا شهادته ولم نقبل تحريمه.

(9) أنظر: صحيح البخاري 5: 25 / باب مناقب قرابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومنقبة فاطمة عليها السلام بنت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، و 8:

185 / كتاب الفرائض - باب قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم " لا نورث ما تركناه صدقة "، ومسند أحمد 1: 6، وطبقات ابن سعد 8: 18. وانظر الدر المنثور للسيوطي ذيل قوله تعالى (وآت ذا القربى حقه) قال: وأخرج البزار وأبو يعلى وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري، قال: لما أنزلت هذه الآية (وآت ذا القربى حقه) دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة عليها السلام فأعطاها فدكا.

وقال: وأخرج ابن مردويه، عن ابن عباس، قال: لما نزلت (وآت ذا القربى حقه) أقطع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة عليها السلام فدكا.

ونقل ذلك عن أبي سعيد كل من: كنز العمال 2: 158 عن الحاكم في تاريخه، وابن النجار، وميزان الاعتدال 2:

228، ومجمع الزوائد 7: 49، وغير ذلك من المصادر.