والتجأ في ذلك إلى رواية انفرد بها - وكان هو الغريم لها، لأن الصدقة تحل(1) له - أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة، على ما رووه عنه، والقرآن يخالف ذلك، لأن الله تعالى قال: (يوصيكم الله في أولادكم)(2)، ولم يجعل الله تعالى ذلك خاصا بالأمة دونه صلى الله عليه وآله وسلم، وكذب روايتهم فقال تعالى: (وورث سليمان داود)(3)، وقال:
تعالى عن زكريا: (وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا * يرثني ويرث من آل يعقوب)(4).
ولما ذكرت فاطمة عليها السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهبها فدكا، قال لها: هات أسود أو أحمر يشهد لك بذلك! فجاءت بأم أيمن فشهدت لها بذلك، فقال: امرأة لا يقبل قولها! وقد رووا جميعا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: أم أيمن امرأة(5) من أهل الجنة(6).
فجاء أمير المؤمنين فشهد لها، فقال: هذا بعلك يجره إلى نفسه ولا نحكم بشهادته لك!
____________
(1) يقصد أن أبا بكر منع الزهراء عليها السلام من إرث أبيها، وتمسك برواية تجعل تركة النبي صدقة للمسلمين - والخليفة منهم - فيكون أبو بكر قد جر النفع إلى نفسه.
(2) النساء: 11.
(3) النمل: 16.
(4) مريم: 5 - 6.
(5) ساقطة من " ش 1 ".
(6) الإصابة 4: 432 في ترجمة أم أيمن، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من سره أن يتزوج امرأة من الجنة، فليتزوج أم أيمن.
وقد رووا جميعا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: يا فاطمة إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك.
ورووا جميعا أنه قال: فاطمة بضعة مني، من آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذاني الله(5).
____________
(1) في " ش 1 ": والحق معه.
(2) في " ش 1 ": حيثما.
(3) تاريخ بغداد 14: 321 بسنده أبي ثابت مولى أبي ذر، وفيه: علي مع الحق والحق مع علي، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض يوم القيامة.
والمستدرك على الصحيحين 3: 124 بسنده عن أم سلمة بلفظ: علي مع القرآن والقرآن مع علي، لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد 7: 235 - 236 عن سعد بن أبي وقاص، بلفظ " علي مع الحق أو الحق مع علي حيث كان "، وفي 9: 134 عن أم سلمة بلفظ " علي مع القرآن والقرآن مع علي ".
وروى الديلمي في الفردوس 3: 64 / الحديث 4179، والمتقي الهندي في كنز العمال 11 / الحديث 32910، عن ابن عباس مرفوعا: " علي بن أبي طالب باب حطة، من دخل منه كان مؤمنا، ومن خرج منه كان كافرا ".
وروى الخوارزمي في مناقبه: 105 عن أبي أيوب الأنصاري في حديث جاء فيه " يا عمار، إذا رأيت عليا سلك واديا، وسلك الناس واديا غير، فاسلك مع علي ودع الناس، إنه لن يدليك في ردى ولن يخرجك من الهدى " - الحديث.
(4) صحيح البخاري 8: 185 / كتاب الفرائض، وفيه: " فهجرته فاطمة، فلم تكلمه حتى ماتت ". ومسند أحمد 1: 6 / الحديث 26 و 1: 9 - 10 / الحديث 56.
(5) صحيح البخاري 5: 26 و 36 / باب مناقب فاطمة عليها السلام، ومجمع الزوائد 9: 203 / باب مناقب فاطمة عن المسور مخرمة بلفظ " فاطمة شجنة مني يبسطني ما يبسطها ويقبضني ما يقبضها ".
ومستدرك الحاكم 3: 154 عن علي (رض) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة: إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك. وفي مسند أحمد 4: 5 / الحديث 15691 عن عبد الله بن الزبير، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بلفظ: " إنها فاطمة، بضعة مني، يؤذيني ما آذاها وينصبني ما أنصبها ".
وفي 4: 323 / الحديث 18428 عن المسور بن المخرمة، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بلفظ " فاطمة مضغة مني يقبضني ما قبضها، ويبسطني ما بسطها - الحديث. وانظر: كنز العمال 12 / الحديثان 34222، و 34223 وانظر مصادر حديث " يا فاطمة إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك " في الغدير 3: 181.
بعد ذلك جاء إليه مال البحرين، وعنده جابر بن عبد الله الأنصاري، فقال له: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لي: إذا أتى مال البحرين حثوت لك ثم حثوت لك(2) - ثلاثا - فقال له: تقدم فخذ بعدتها(3)، فأخذ من مال بيت المسلمين من غير بيته، بل لمجرد الدعوى(4).
وقد روت الجماعة كلهم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في حق أبي ذر: ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر(5)، ولم يسموه صديقا، وسموا أبا بكر بذلك(6)، مع أنه لم يرو(7) مثل ذلك في حقه.
وسموه خليفة رسول الله، مع أن رسول الله(8) صلى الله عليه وآله وسلم لم يستخلفه في حياته ولا بعد وفاته عندهم، ولم يسموا أمير المؤمنين عليه السلام خليفة رسول الله مع أنه استخلفه في عدة
____________
(1) أي الخبر الذي رواه أبو بكر منفردا.
(2) في " ش 1 ": حبوت لك ثم حبوت.
(3) في " ش 1 " و " ش 2 ": بعددها.
(4) ذكر ذلك أحمد في مسنده 3: 310 / الحديث 3917.
(5) مسند أحمد 2: 163 / الحديث 6483.
(6) في " ش 2 ": صديقا.
(7) في " ش 1 " و " ش 2 ": يرد.
(8) في " ش 1 ": مع أن الرسول. وفي " ش 2 ": والرسول.
وأمر أسامة على الجيش الذين فيهم أبو بكر وعمر، ومات ولم يعزله، ولم يسموه خليفة. ولما تولى أبو بكر غضب أسامة، وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمرني عليك، فمن استخلفك علي؟!
فمشى إليه هو وعمر حتى استرضياه، وكانا يسميانه مدة حياتهما: أميرا.
وسموا عمر الفاروق، ولم يسموا عليا عليه السلام بذلك، مع أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال فيه: هذا فاروق أمتي يفرق بين الحق والباطل(4). وقال ابن عمر: ما كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا ببغضهم عليا(5).
____________
(1) في " ش 2 ": مواضع.
(2) في " ش 2 ": أوما.
(3) وهو حديث المنزلة. رواه أحمد في مسنده 1: 173 / الحديث 1493، و 1: 177 / الحديث 1535.
ورواه البخاري في صحيحه 5: 24 / باب مناقب علي بن أبي طالب، عن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى. وفي 6: 3 / باب غزوة تبوك بلفظ " ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي ".
ورواه الطبري في تاريخه 3: 143، والحاكم في المستدرك 3: 132، والهيثمي في مجمع الزوائد 9: 108، والسيوطي في تاريخ الخلفاء: 114، والخفر الرازي في تفسيره 3: 636، وابن عبد البر في الإستيعاب 3: 34.
(4) رواه الكنجي الشافعي في كفاية الطالب: 187 بسنده عن ابن عباس، قال: ستكون فتنة، فمن أدركها منكم فعليه بخصلة من كتاب الله تعالى وعلي بن أبي طالب عليه السلام، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول: هذا أول من آمن بي، وأول من يصافحني، وهو فاروق هذه الأمة، يفرق بين الحق والباطل، وهو يعسوب المؤمنين والمال يعسوب الظلمة، وهو الصديق الأكبر، وهو بابي الذي أوتى منه، وهو خليفتي من بعدي.
(5) الإستيعاب لابن عبد البر 3: 46 عن جابر، قال: ما كنا نعرف المنافقين إلا ببغض علي بن أبي طالب (رض).
وأخرجه الطبراني في الأوسط 3: 76، والهيثمي في مجمع الزوائد 9: 133 / باب " فيمن يحب عليا ومن يبغضه " عن جابر، قال: ما كنا نعرف منافقينا معشر الأنصار على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا ببغضهم عليا. وتذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي: 28، قال: أخرج الترمذي عن أم سلمة أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:
لا يحب عليا إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
وفيه: وقال الترمذي أيضا: كان أبو الدرداء يقول: ما كنا نعرف المنافقين - معشر الأنصار - إلا ببغضهم علي بن أبي طالب.
والفصول المهمة: 125 عن أبي سعيد الخدري، قال: ما كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا ببغضهم عليا.
وقال: وروى الترمذي والنسائي، عن يزيد بن جنيس قال: سمعت عليا عليه السلام يقول: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي أنه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق. وفي الدر المنثور 6: 66 عن ابن مسعود، قال: ما كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا ببغضهم علي بن أبي طالب.
وأذاعت سر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم(5)، وقال لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إنك تقاتلين عليا وأنت ظالمة(6).
ثم إنها خالفت أمر الله تعالى في قوله (وقرن في بيوتكن)(7)، وخرجت في
____________
(1) في " ش 2 ": هي.
(2) في " ش 1 ": إذا.
(3) في " ش 1 ": إذا.
(4) صحيح البخاري 5: 47 - 49 / باب تزويج النبي صلى الله عليه وآله وسلم خديجة وفضلها رضي الله عنها. ومسند أحمد 6: 117 - 118 / الحديث 24343.
(5) أنظر تفسير الكشاف للزمخشري ذيل الآيتين 3 و 4 من سورة التحريم. قال: (إن تتوبا) خطاب لحفصة وعائشة على طريقة الالتفات، ليكون أبلغ في معاتبتهما. وعن ابن عباس: لم أزل حريصا على أن أسأل عمر عنهما حتى حج وحججت معه، فلما كان ببعض الطريق عدل وعدلت معه بالإداوة، فسكبت الماء على يده فتوضأ، فقلت: من هما؟ فقال: عجبا يا ابن عباس - كأنه كره ما سأله عنه - ثم قال: هما حفصة وعائشة. ورواه البخاري في صحيحه 6: 196 / كتاب التفسير، ومسلم في صحيحه 7: 190 / كتاب الطلاق.
(6) أنظر المستدرك الحاكم 3: 119 - 120، وتاريخ الطبري 5: 170.
(7) الأحزاب: 33.
فلما بلغها قتله، فرحت بذلك، ثم سألت: من تولى الخلافة؟ فقالوا: علي عليه السلام. فخرجت لقتاله(3) على دم عثمان.
فأي ذنب كان لعلي عليه السلام على ذلك؟ وكيف استجاز طلحة والزبير(4) مطاوعتها على ذلك؟ وبأي وجه يلقون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ مع أن الواحد منا لو تحدث على امرأة غيره وأخرجها من منزله(5) وسافر بها، كان أشد الناس عداوة(6).
وكيف أطاعها على ذلك عشرات الألوف من المسلمين، وساعدوها على حرب أمير المؤمنين عليه السلام، ولم ينصر أحد منهم بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما طلبت حقها من أبي بكر، ولا شخص واحد بكلمة واحدة.
وسموها أم المؤمنين ولم يسموا غيرها بذلك.
ولم يسموا أخاها محمد بن أبي بكر - مع عظم شأنه وقرب منزلته من أبيه ومن أخته عائشة أم المؤمنين(7) - خال المؤمنين (وسموا معاوية بن أبي سفيان خال المؤمنين)(8) لأن أخته أم حبيبة بنت أبي سفيان بعض زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأخت محمد بن أبي بكر وأبو أعظم من أخت معاوية ومن(9) أبيها، مع أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعن معاوية الطليق(10) بن الطليق اللعين،
____________
(1) في " ش 2 ": تأمر.
(2) نعثل: اسم يهودي عظيم اللحية في المدينة، فشبهت عائشة عثمان به.
(3) في " ش 2 ": تقاتله.
(4) في " ش 1 " و " ش 2 ": بزيادة: وغيرهما.
(5) في " ش 2 ": منزلها.
(6) في " ش 1 " و " ش 2 ": بزيادة: له فعلهما.
(7) في " ش 2 ": من أخته عائشة.
(8) ما بين القوسين ساقط من " ش 2 ".
(9) ساقطة من " ش 2 ".
(10) الطليق: الذي أسر ثم أطلق.
وكان من المؤلفة قلوبهم، وقاتل عليا، وهو عندهم رابع الخلفاء إمام حق، وكل من حارب إمام حق فهو باغ ظالم.
وسبب ذلك محمة محمد بن أبي بكر لعلي عليه السلام ومفارقته (لأبيه، وبغض معاوية لعلي)(2) ومحاربته له.
وسموه كاتب الوحي، ولم يكتب له كلمة واحدة من الوحي، بل كان يكتب له رسائل، وقد كان بين يدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم(3) أربعة عشر نفسا يكتبون الوحي، أولهم وأخصهم به وأقربهم إليه علي بن أبي طالب عليه السلام(4)، مع أن معاوية لم يزل مشركا مدة(5) كون النبي صلى الله عليه وآله وسلم مبعوثا يكذب بالوحي ويهزأ بالشرع، وكان باليمن يوم الفتح(6) يطعن على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويكتب إلى أبيه صخر بين حرب يعيره بإسلامه، ويقول له: أصبوت إلى دين محمد؟!
وكتب إليه:
يا صخر لا تسلمن طوعا فتفضحنا | بعد الذين ببدر أصبحوا فرقا |
جدي وخالي وعم الأم ثالثهم | قوما وحنظلة(7) المهدي لنا الأرقا |
فالموت أهون من قول الوشاة لنا | خلى ابن هند عن العزى كذا فرقا(8) |
____________
(1) أنظر طرق الحديث في كتاب الغدير 10: 142 - 145.
(2) ما بين القوسين ساقط من " ش 1 ".
(3) في " ش 1 ": رسول الله.
(4) في " ش 2 " أولهم علي بن أبي طالب وأخصهم وأقربهم إليه.
(5) في " ش 1 " و " ش 2 ": في مدة.
(6) في " ش 2 ": يوم الفتح فتح مكة.
(7) في " ش 1 ": يا لهم فوتا وحنظلة. في " ش 2 ": يا لهم قوما وحنظلة. في " ر " سقطت كلمة " قوما " والنص المثبت ملفق من " ر " و " ش 2 ".
(8) تذكرة الخواص: 201، ومقتل الحسين للخوارزمي 1: 117 - 118، ذكر الأبيات في رواية طويلة تضمنت احتجاج الإمام الحسين عليه السلام على معاوية.
فكم كان يخصه من الكتابة في هذه المدة - لو سلمنا أنه كان كاتب(4) الوحي - حتى استحق أن يوصف بذلك دون غيره؟ مع أن الزمخشري من مشايخ الحنفية ذكر في ربيع الأبرار أنه ادعى بنوته أربعة نفر(5). على أن من جملة كتبة الوحي ابن أبي سرح، وارتد مشركا، وفيه نزل (ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم)(6).
وقد روى عبد الله بن عمر، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسمعته يقول: يطلع عليكم رجل يموت على غير سنتي! فطلع معاوية(7).
____________
(1) في " ش 1 ": يومئذ.
(2) في " ش 1 " و " ش 2 ": على شركه.
(3) ليس في " ش 2 ".
(4) سقط من " ش 2 ".
(5) ربيع الأبرار 4: 447 قال: وكان معاوية يعزى إلى أربعة: إلى مسافر بن أبي عمرو، وإلى عمارة بن الوليد، وإلى عباس بن عبد المطلب، وإلى الصباح مغن أسود كان لعمارة.
قالوا: كان أبو سفيان دميما قصيرا، وكان الصباح عسيفا لأبي سفيان شابا وسيما، فدعته هند إلى نفسها، وقالوا: إن عتبة بن أبي سفيان من الصباح أيضا، وأنها كرهت أن تضعه في منزلها، فخرجت به إلى (أجياد) فوضعته هناك، وفي ذلك يقول حسان:
لمن الصبي بجانب البطحاء | في الترب ملقى غير ذي مهد |
نجلت به بيضاء آنسة | من عبد شمس صلتة الخد |
وذكر سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص: 202 عن الأصمعي وهشام بن محمد الكلبي في كتابه المسمى بالمثالب.
(6) النحل: 106.
(7) أنظر الحديث وإسناده في الغدير 10: 141 - 142.
وبالغ في محاربة علي عليه السلام، وقتل جميعا كثيرا من خيار(3) الصحابة، ولعنه على المنابر، واستمر سبه مدة ثمانين سنة، إلى أن قطعه عمر بن عبد العزيز، وسم الحسن، وقتل ابنه يزيد مولانا الإمام الحسين عليه السلام(4)، وكسر جده(5) ثنية النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأكلت أمه كبد حمزة عم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم(6).
وسموا خالد بن الوليد سيف الله، عنادا لأمير المؤمنين عليه السلام الذي هو أحق بهذا الاسم حيث قتل بسيفه الكفار، وثبتت(7) بواسطة جهاده قواعد الدين، وقال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
علي سيف الله وسهم الله. وقال علي عليه السلام على المنبر: أنا سيف الله على أعدائه، ورحمته
____________
(1) الأصوب: أخذ بيد أخيه يزيد.
(2) أنظر تاريخ الطبري 11: 357، وتذكرة الخواص: 201 وانظر الغدير 10: 139 - 140.
(3) ليس في " ش 2 ".
(4) في " ش 1 ": مولانا الحسين، ونهب نساءه.
وفي " ش 2 ": مولانا الحسين بن علي ونهب نساءه وحرمه.
(5) في " ش 1 " و " ش 2 ": أبوه " فيرجع الضمير إلى معاوية ".
(6) ذكر العلامة القاري في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح 1: 22 في حديثه عن كيفية وفاة النسائي، فقال:
مات ضربا بالأرجل من أهل الشام حين أجابهم لما سألوه عن فضائل معاوية ليرجحوه بها على علي، بقوله:
ألا يرضى معاوية رأسا برأس حتى يفضل؟! وفي رواية: ما أعرف له فضيلة إلا " لا أشبع الله بطنه "، فما زالوا يضربونه بأرجلهم حتى أخرج من المسجد، ثم حمل إلى مكة مقتولا شهيدا.
ذكرها النبي في تذكرة الحفاظ 2: 699، ثم قال: لعل هذه منقبة لمعاوية لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: اللهم من لعنته أو شتمه فاجعل ذلك له زكاة ورحمة!.
وفي الصواعق المحرقة: 127 قال: أخرج السلفي في الطيوريات عن عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: سألت أبي عن علي ومعاوية، فقال: إعلم أن عليا كان كثير الأعداء، ففتش له أعداؤه شيئا فلم يجدوه، فجاءوا إلى رجل قد حاربه وقاتله فأطروه كيدا منهم له.
(7) في " ش 2 ": ثبت.
وخالد لم يزل عدوا لرسول الله مكذبا له، وهو كان السبب في قتل المسلمين في يوم أحد، وفي كسر رباعية النبي صلى الله عليه وآله وسلم(1)، وفي قتل حمزة عمه(2)، ولما تظاهر بالإسلام بعثه النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى بني خزيمة(3) ليأخذ منهم الصدقات، فخانه وخالفه على أمره، وقتل المسلمين، فقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أصحابه(4) خطيبا بالإنكار عليه، رافعا يديه إلى السماء حتى شوهد بياض إبطيه، وهو يقول: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد، ثم أنفذ إليهم(5) أمير المؤمنين عليه السلام لتلافي فارطته(6)، وأمره أن يسترضي القوم(7)، ففعل. ولما قبض النبي وأنفذه أبو بكر لقتال أهل اليمامة، قتل منهم ألفا ومائتي نفس مع تظاهرهم بالإسلام، وقتل مالك بن نويرة صبرا وهو مسلم، وعرس بامرأته(8).
وسموا بني حنيفة أهل الردة، لأنهم لم يحملوا الزكاة إلى أبي بكر، لأنهم لم يعتقدوا إمامته، واستحل دماءهم وأموالهم (ونساءهم)(9) حتى أنكر عمر عليه، فسموا مانع الزكاة مرتدا، ولم يسموا من استحل دماء المسلمين ومحاربة أمير المؤمنين عليه السلام مرتدا، مع أنهم سمعوا قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم(10): " يا علي حربك حربي، وسلمك سلمي(11) " ومحارب رسول الله كافر
____________
(1) في " ش 2 ": الرسول.
(2) ليس في " ش 2 ".
(3) في سيرة ابن هشام " بنو جذيمة من كنانة ".
(4) في " ر ": الصحابة.
(5) في " ش 1 " " ر ": إليه.
(6) في " ش 1 " و " ش 2 ": فارطه.
(7) سيرة ابن هشام 4: 429 - 430.
(8) في " ش 2 " زيادة: تلك الليلة. وانظر قصته مفصلة في الغدير 7: 158 - 161، والصراط المستقيم 2: 279 - 282.
(9) ما بين القوسين غير موجود في " ش 1 ".
(10) في " ش 1 ": النبي.
(11) ينابيع المودة: 83 / الباب 16.
وقد أحسن بعض العقلاء في قوله: شر من إبليس من لم يسبقه في سالف طاعته، وجرى معه في ميدان معصيته! ولا شك بين العلماء أن إبليس كان أعبد الملائكة، وكان يجعل العرش وحدة ستة آلاف سنة. ولما خلق الله تعالى آدم وجعله خليفة في الأرض، وأمره بالسجود فاستكبر فاستحق الطرد واللعن، ومعاوية لم يزل في الإشراك وعبادة الأصنام إلى أن أسلم بعد ظهور النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمدة طويلة، ثم استكبر عن طاعة الله تعالى في نصب أمير المؤمنين عليه السلام إماما، وتابعه(1) الكل بعد عثمان، وجلس مكانه، فكان شرا من إبليس وتمادى البعض(2) في التعصب، حتى اعتقد إمامة يزيد بن معاوية مع ما صدر عنه من الأفعال القبيحة، من قتل الإمام الحسين عليه السلام، ونهب أمواله، وسبي نسائه والدوران بهم في البلاد على الجمال بغير قتب، ومولانا زين العابدين عليه السلام مغلول اليدين، ولم يقنعوا بقتله حتى رضوا أضلاعه، وصدره بالخيول، وحملوا رؤوسهم على القنا، مع أن مشايخهم رووا أن يوم قتل الحسين قطرت(3) السماء دما،(4) وقد ذكر الرافعي في شرح الوجيز.
وذكر ابن سعد في الطبقات أن الحمرة ظهرت في السماء(5) يوم قتل الحسين ولم تر قبل ذلك(6) وقال أيضا: ما رفع حجر في الدنيا إلا وتحته الدم(7) عبيط - ولقد مطرت السماء مطرا بقي أثره في الثياب مدة حتى تقطعت(8).
____________
(1) في " ش 1 " و " ش 2 ": بايعه.
(2) في " ش 1 " و " ش 2 ": بعضهم.
(3) في " ش 2 ": أن بقتل الحسين مطرت.
(4) تذكرة الخواص: 272 و 274، ومقتل الحسين للخوارزمي 2: 89 - 91، وقال في الفصول المهمة: 197 " ومكث الناس بعد قتل الحسين عليه السلام شهرين أو ثلاثة كأنما لطخ الحائط بالدماء ساعة ما تطلع الشمس ".
(5) في " ش 1 ": في السماء ظهرت.
(6) طبقات ابن سعد، وعنه في تذكرة الخواص: 273.
(7) في " ش 1 " و " ش 2 ": دم.
(8) تذكرة الخواص: 274. عن طبقات ابن سعد.
وتوقف جماعة ممن لا يقول بإمامته في لعنته، مع أنه عندهم ظالم بقتل الحسين ونهب حريمه(4)، وقد قال الله تعالى (ألا لعنة الله على الظالمين)(5).
وقال أبو الفرج بن الجوزي من شيوخ الحنابلة: عن ابن عباس، قال: أوحى الله تعالى إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم إني قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفا، وإني قاتل بابن بنتك فاطمة سبعين ألفا وسبعين ألفا(6).
وحكى السدي - وكان من فضلائهم - قال: نزلت بكربلاء ومعي طعام للتجارة، فنزلنا على رجل فتعشينا عنده، وتذاكرنا قتل الحسين عليه السلام، وقلنا: ما شرك أحد في قتل الحسين إلا ومات أقبح موته! فقال الرجل: ما أكذبكم! أنا شركت في دمه وكنت فيمن قتله، فما أصابني شئ.
قال: فما كان في آخر الليل إذا بالصياح(7)، قلنا: ما الخبر؟ قالوا: قام الرجل يصلح المصباح فاحترقت إصبعه، ثم دب الحريق في جسده فاحترق قال السدي: فأنا - والله - رأيته كأنه حممة(8).
____________
(1) في " ش 2 ": بالحمى.
(2) تذكرة الخواص: 280.
(3) الشورى: 23.
(4) في " ش 2 ": حرمه.
(5) هود: 18.
(6) تذكرة الخواص: 280.
(7) في " ش 1 " و " ش 2 ": إذا أنا بصياح.
(8) في " ش 1 ": فحمة.
يا بني، وهل يتوالى(1) يزيد أحد يؤمن بالله واليوم الآخر؟ فقلت: لم لا تلعنه؟ فقال: وكيف لا ألعن من لعنه الله في كتابه؟ فقلت: وأين لعن يزيد؟ فقال: في قوله (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم)(2).
فهل يكون فساد أعظم من القتل، ونهب المدينة ثلاثة أيام، وسبي أهلها(3) وقتل جمع من وجوه الناس فيها من قريش والأنصار والمهاجرين يبلغ عددهم سبعمائة، وقتل من لم يعرف من عبد أو حر أو امرأة عشرة آلاف؟ وحاض الناس في الدماء حتى وصلت الدماء إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وامتلأت الروضة والمسجد، ثم ضرب الكعبة بالمناجق وهدمها وأحرقها.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن قاتل الحسين في تابوت من نار، عليه نصف عذاب أهل الدنيا(4) وقد شدت يداه ورجلاه بسلاسل من نار، منكس(5) في النار حتى يقع في قعر جهنم، له ريح يتعوذ أهل النار إلى ربهم من شدة نتن ريحه، وهو فيها خالد ذائق للعذاب الأليم، كلها نضجت جلودهم بدل الله لهم الجلود حتى يذوقوا(6) العذاب، لا يفتر عنهم ساعة ويسقى من
____________
(1) في " ش 2 ": يتولى.
(2) محمد: 22 - 23.
تذكرة الخواص 287، قال: حكى جدي أبو الفرج، عن القاضي أبي يعلى بن الفراء في كتابه " المعتمد في الأصول بإسناده إلى صالح بن أحمد بن حنبل، قال: قلت لأبي: إن قوما ينسبوننا... إلخ، قال: وفي رواية لما سأله صالح فقال: يا بني ما أقول في رجل لعنه الله في كتابه وذكره.
(3) في " ش 2 " وسببهما.
(4) في " ش 1 ": النار.
(5) في " ش 2 ": منكسا.
(6) في " ش 2 ": بدلنا هم جلودا غيرها ليذوق.
وقال صلى الله عليه وآله وسلم اشتد غضب الله تعالى وغضبي على من أهراق دمي وآذاني في عترتي(2).
فلينظر العاقل أي الفريقين أحق بالأمن: الذي نزه الله تعالى وملائكته وأنبياءه وأئمته، ونزهوا(3) الشرع عن المسائل الردية، ومن يبطل الصلاة بإهمال الصلاة على أئمتهم وبذكر أئمة غيرهم، أم الذي فعل ضد ذلك واعتقد خلافه؟
السادس:
إن الإمامية لما رأوا فضائل أمير المؤمنين عليه السلام وكمالاته لا تحصى، قد رواها المخالف والمؤالف، ورأوا الجمهور قد نقلوا عن(4) غيره من الصحابة مطاعن كثيرة، ولم ينتقلوا في علي عليه السلام طعنا البتة، اتبعوا قوله وجعلوه إماما لهم، حيث نزهه المخالف والمؤالف، وتركوا غيره حيث روى فيه من يعتقد إمامته من المطاعن ما يطعن في إمامته.
ونحن نذكر هنا شيئا يسيرا مما هو صحيح عندهم، ونقلوه في المعتمد(5) من كتبهم، ليكون حجة عليهم يوم القيامة.
فمن ذلك ما وراه أبو الحسن الأندلسي في الجمع بين الصحاح الستة - موطأ مالك، وصحيحي مسلم والبخاري، وسنن أبي داود، وصحيح الترمذي، وصحيح النسائي - عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم. أن قوله تعالى (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت
____________
(1) مقتل الحسين للخوارزمي 2: 83 ونور الأبصار: 127، ومناقب ابن المغازلي: 66 / الحديث 95، وإسعاف الراغبين: 186.
(2) مقتل الحسين للخوارزمي 2: 84، ومناقب ابن المغازلي: 41 - 42 / الحديث 64 و: 292 / الحديث 334 بعضه.
(3) في " ش 2 ": نزه.
(4) في " ش 2 ": في.
(4) في " ش 2 ": في.
(5) في " ش 1 " و " ش 2 ": المعتد.