وقد طولنا في هذا الكتاب ليرجع الضال عن زلله، ويستمر المستقيم على معتقده.
المتولد من الفعل من جملة أفعالنا
المطلب السادس عشر: في التولد.
ذهبت الإمامية إلى أن المتولد من أفعالنا مستند إلينا.
وخالفت أهل السنة في ذلك، وتشعبوا في ذلك، وذهبوا كل مذهب، فزعم معمر (2): أنه لا فعل للعبد إلا الإرادة وما يحصل بعدها فهو من طبع المحل، وقال بعض المعتزلة: لا فعل للعبد إلا الفكر (3). وقال النظام (4): لا فعل للعبد إلا ما يوجد في محل قدرته، وما يجاورها. فهو واقع بطبع المحل.
وذهبت الأشاعرة: إلى أن المتولد من فعل الله تعالى (5).
وقد خالف الكل ما هو معلوم بالضرورة عند كل عاقل، فإنا نستحسن المدح والذم على المتولد، كالمباشر، كالكتابة، والبناء، والقتل، وغيرها.
وحسن المدح والذم فرع على العلم بالصدور عنا، ومن كابر في حسن
____________
(1) اقتباس من الآية: 17 في سورة يس.
(2) الملل والنحل ج 1 ص 67، وهو من رؤساء المعتزلة.
(3) وهو ثمامة بن أشرس، المتوفى سنة 213 (راجع الفرق بين الفرق ص 103، والملل والنحل ج 1 ص 71).
(4) الملل والنحل - ج 1 ص 55.
(5) الملل والنحل ج 1 ص 98، والفصل لابن حزم ج 5 ص 59.
التكليف سابق على الفعل
المطلب السابع عشر: في التكليف.
لا خلاف بين المسلمين في أن الله تعالى كلف عباده فعل الطاعات، واجتناب المعاصي، وأن التكليف سابق على الفعل.
وقالت الأشاعرة ها هنا مذهبا غريبا عجيبا، وهو: أن التكليف بالفعل حالة الفعل، لا قبله (1)، وهذا يلزم منه محالات:
الأول: أن يكون التكليف بغير المقدور، لأن الفعل حال وقوعه يكون واجبا، والواجب غير مقدور.
الثاني: يلزم أن لا يكون أحد عاصيا البتة، لأن العصيان مخالفة الأمر، فإذا لم يكن الأمر ثابتا إلا حالة الفعل، وحال العصيان هو حال عدم الفعل، فلا يكون مكلفا حينئذ، وإلا لزم تقدم التكليف على الفعل، وهو خلاف مذهبهم. لكن العصيان ثابت بالإجماع ونص القرآن، قال الله تعالى:
" أفعصيت أمري " (2)؟ " ولا أعصي لك أمرا " (3)، " الآن وقد عصيت قبل " (4).
ويلزم انتفاء الفسق الذي هو الخروج من الطاعة أيضا.
فلينظر العاقل لنفسه: هل يجوز لأحد تقليد هؤلاء الذين طعنوا في الضروريات؟ فإن كل عاقل يعلم بالضرورة من دين محمد صلى الله عليه
____________
(1) وقال الفضل في المقام: لما ذهبت الأشاعرة إلى: أن القدرة مع الفعل، والتكليف لا يكون إلا حال القدرة فيلزم أن يكون التكليف مع الفعل. وراجع أيضا الملل والنحل ج 1 ص 96.
(2) طه: 93.
(3) الكهف: 69.
(4) يونس: 91.
الثالث: لو كان التكليف حالة الفعل خاصة لا قبله، لزم إما تحصيل الحاصل، أو مخالفة التقدير. والتالي باطل بقسميه بالضرورة، فالمقدم مثله.
بيان الشرطية: أن التكليف: إما أن يكون بالفعل الثابت حالة التكليف، أو بغيره. والأول يستلزم تحصيل الحاصل.
والثاني: يستلزم تقدم التكليف على الفعل، وهو خلاف الفرض.
وأيضا: هو المطلوب.
وأيضا: يستلزم التكرار.
شرائط التكليف
المطلب الثامن عشر: في شرائط التكليف.
ذهبت الإمامية إلى أن شرائط التكليف ستة:
الأول: وجود المكلف، لامتناع تكليف المعدوم، فإن الضرورة قاضية بقبح أمر الجماد، وهو إلى الإنسان أقرب من المعدوم، وقبح أمر الرجل عبيدا يريد أن يشتريهم، وهو في منزله وحده، ويقول: يا سالم، قم، ويا غانم، كل. - يعده كل عاقل سفيها، وهو إلى الإنسان الموجود أقرب.
وخالفت الأشاعرة في ذلك، فجوزوا تكليف المعدوم، ومخاطبته،
____________
(1) الأحزاب: 70 و 71.
الثاني: كون المكلف عاقلا، فلا يصح تكليف الرضيع، ولا المجنون المطلق.
وخالفت الأشاعرة في ذلك، وجوزوا تكليف هؤلاء (4).
فلينظر العاقل هل يحكم عقله: بأن يؤاخذ المولود حال ولادته بالصلاة، وتركها، وترك الصوم، والحج، والزكاة؟ وهل يصح مؤاخذة المجنون المطبق على ذلك؟.
الثالث: فهم المكلف، فلا يصح تكليف من لا يفهم الخطاب قبل فهمه.
وخالفت الأشاعرة في ذلك (5)، فلزمهم التكليف بالمهمل، وإلزام المكلف معرفته، ومعرفة المراد منه. مع أنه لم يوضع لشئ البتة، ولا يراد منه شئ أصلا، فهل يجوز للعاقل أن يرضى لنفسه المصير إلى هذه الأقاويل؟.
الرابع: إمكان الفعل إلى المكلف، فلا يصح التكليف بالمحال.
وخالفت الأشاعرة فيه، فجوزوا تكليف الزمن الطيران إلى السماء (6)،
____________
(1) وقد قالوا: إن الله تعالى أراد بإرادة أزلية قديمة، متعلقة بجميع المرادات، ومنها التكليف، وأفعال العباد. وقالوا أيضا: إنه مأمور ومنهي في الأزل، وباتفاق المسلمين والمليين:
أن المكلفين والمخاطبين لم يكونوا في الأزل.
(2) البقرة: 21.
(3) نوح: 1.
(4) وقولهم هذا مبتن على ما ذهبوا إليه من جواز التكليف بما لا يطاق.
(5) وهذا أيضا مبتن على قولهم بجواز التكليف بما لا يطاق، وعلى قولهم بجواز التكليف بالمحال.
(6) شرح العقائد، وحاشيته للكستلي ص 124 وتفسير روح المعاني ج 3 ص 61.
وكفى من ذهب إلى هذا نقصا في عقله، وقلة في دينه، وجرما عند الله تعالى، حيث نسبه إلى إيجاد ذلك. بل مذهبهم أنه تعالى لم يكلف أحدا إلا بما لا يطاق. أو ترى ما يكون جواب هذا القائل، إذا وقف بين يدي الله تعالى، وسأله كيف ذهبت إلى هذا القول؟ وكذبت القرآن العزيز؟
وإن فيه: " لا يكلف الله نفسا إلا وسعها " (1)؟.
الخامس: أن يكون الفعل ما يستحق به الثواب، وإلا لزم العبث والظلم على الله تعالى.
وخالفت الأشاعرة فيه، فلم يجعلوا الثواب مستحقا على شئ من الأفعال، بل جوزوا التكليف بما يستحق عليه العقاب، وأن يرسل رسولا يكلف الخلق فعل جميع القبائح، وترك جميع الطاعات (2).
فلزمهم من هذا أن يكون المطيع المبالغ في الطاعة من أسفه الناس، وأجهل الجهلاء، من حيث يتعب بماله وبدنه في فعله دون أن ينال شيئا، وربما يكون هلاكه فيه، وأن يكون المبالغ في المعصية والفسوق أعقل العقلاء، حيث يتعجل اللذة، وربما يكون تركها سبب الهلاك، وفعلها سبب النجاة، فكان وضع المدارس والربط، المساجد من نقص التدبيرات البشرية. حيث تخسر الأموال فيما لا نفع فيه، ولا فائدة عاجلة، ولا آجلة.
السادس: أن لا يكون حراما، لامتناع كون الشئ الواحد من الجهة الواحدة مأمورا به، منهيا عنه، لاستحالة التكليف بما لا يطاق، وأيضا
____________
(1) البقرة: 286.
(2) التفسير الكبير ج 2 ص 128.
خالفت الأشاعرة في ذلك، فجوزوا: أن يكون الشئ الواحد مأمورا به، ومنهيا عنه، لامكان تكليف ما لا يطاق عندهم.
ومن أعجب العجائب: أنهم حرموا الصلاة في الدار المغصوبة، ومع ذلك لم يوجبوا القضاء، وقالوا: إنها صحيحة (1)، مع أن الصحيح، ما هو المعتبر عند الشارع، وإنما يطلق على المطلوب شرعا، والحرام غير معتبر في نظر الشارع، مطلوب الترك شرعا، وهل هذا إلا محض التناقض؟.
أعواض الآلام
المطلب التاسع عشر: في الأعواض:
ذهبت الإمامية إلى: أن الألم الذي يفعله الله تعالى بالعبد، إما أن يكون على وجه الانتقام والعقوبة، وهو المستحق لقوله تعالى: " ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت، فقلنا لهم: كونوا قردة خاسئين " (2). وقوله تعالى: " أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين، ثم لا يتوبون، ولا هم يذكرون " (3)، ولا عوض فيه. فإما أن يكون على وجه الابتداء، وإنما يحسن فعله من الله تعالى بشرطين: أحدهما: أن يشتمل على مصلحة ما للمتألم، أو لغيره. وهو نوع من اللطف، لأنه لولا ذلك لكان عبثا والله تعالى منزه عنه.. والثاني: أن يكون في مقابلته عوض للمتألم يزيد على الألم، وإلا لزم الظلم، والجور من الله سبحانه على عبيده، لأن إيلام
____________
(1) سيأتي تفصيل ذلك في بيان الاختلاف في مسائل الفروع.
(2) البقرة: 65.
(3) التوبة: 126.
وخالفت الأشاعرة في ذلك، فجوزوا: أن يؤلم الله عبده، بأنواع الألم من غير جرم ولا ذنب، ولا لغرض وغاية، ولا يوصل إليه العوض، ويعذب الأطفال، والأنبياء، والأولياء، من غير فائدة ولا يعوضهم على ذلك بشئ البتة!. (2).
مع أن العلم الضروري حاصل لنا، بأن من فعل من البشر مثل هذا عده العقلاء ظالما جائرا، سفيها، فكيف يجوز للإنسان نسبة الله تعالى إلى مثل هذه النقائص، ولا يخشى ربه؟ وكيف لا يخجل منه غدا يوم القيامة، إذا سألته الملائكة يوم الحساب: هل كنت تعذب أحدا من غير استحقاق ولا تعوضه عن ألمه عوضا يرضى به؟.. فيقول: كلا ما كنت أفعل ذلك.
فيقال له: وكيف نسبت ربك عز وجل إلى هذا الفعل، الذي لا ترضاه لنفسك؟...
____________
(1) الآلام ضربان: قبيح، وحسن. فالقبيح من فعلنا خاصة، والعوض فيه علينا. والحسن:
إما من فعلنا مع إباحته، كذبح الحيوان، أو ندبه كالأضحية، أو وجوبه كالهدي..
والعوض في ذلك كله على الله تعالى، وإما من فعله تعالى، إما لاستحقاق كالعقاب، أو ابتداء كالآلام المبتدأة في الدنيا، إما للمكلف، أو لغيره من الأطفال.
ووجه حسنها: العوض الزائد، بحيث يختاره المكلف مع الألم لو عرض عليه، واللطف معا، أو للمتألم، أو لغيره. فبالعوض الزائد يخرج عن الظلم، وباللطف يخرج عن العبث.
والأعواض هي: النفع الخالي عن تعظيم وإجلال، فالواجب علينا جعله مساويا للألم، والواجب عليه تعالى هو أن يزيده بحيث يختاره المكلف مع العوض. (منه أعلى الله مقامه في كتابه: نهج المسترشدين ص 55).
(2) قال الفضل في المقام: وأما الأشاعرة، فذهبوا إلى أن الله تعالى لا يجب عليه شئ، لا عوض على الألم، ولا غيره.
المسألة الرابعة
مباحث في النبوة
نبوة محمد صلى الله عليه وآله
وفيها مباحث:
الأول: في نبوة محمد صلى الله عليه وآله.
إعلم: أن هذا أصل عظيم من الدين، وبه يقع الفرق بين المسلم والكافر، فيجب الاعتناء به، وإقامة البرهان عليه، ولا طريق في إثبات النبوة على العموم، ولا على الخصوص إلا بمقدمتين:
إحداهما: أن النبي ادعى رسالة رب العالمين له إلى الخلق، وأظهر المعجزة على وفق دعواه، لغرض التصديق له.
والثانية: أن كل من صدقه الله تعالى فهو صادق.
وهاتان المقدمتان لا يقول بهما الأشاعرة.
أما الأولى: فلأنه يمتنع أن يفعل الله لغرض من الأغراض، أو لغاية من الغايات، فلا يجوز أن يقال: إنه تعالى فعل المعجزة على يد مدعي الرسالة لغرض تصديقه، ولا لأجل تصحيح دعواه، بل فعلها مجانا. ومثل هذا لا يمكن أن يكون حجة للنبي، لأنا لو شككنا في أن الله فعله لغرض
وأما الثانية: فلأنها لا تتم على مذهبهم، لأنهم يسندون القبائح كلها إلى الله تعالى، ويقولون: كل من ادعى النبوة، سواء كان محقا أم مبطلا، فإن دعواه من فعل الله وأثره. وجميع أنواع الشرك، والمعاصي، والضلال في العالم من عند الله تعالى، فكيف يصح مع هذا أن يعرف: أن هذا الذي صدقه صادق في دعواه، فجاز أن يكذب في دعواه، ويكون هذا الاضلال من الله سبحانه كغيره من الأضاليل التي فعلها (1)...
____________
(1) كيف يحتمل ذلك عاقل، مع أن إرسال الرسل إلى البشر يقطع على الظالمين طريق الاعتذار، كما قال الله عز وجل: " لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل " النساء: 165، وإن الأنبياء هم الذين أعطاهم الله الحكم والكتاب، وجعلهم أئمة يهدون بأمره، وأوحى لهم فعل الخيرات، وحباهم بأكمل الصفات، وأسنى النعوت ولو لم يكونوا بهذه المثابة من الكمال لصغر شأنهم في أعين الناس، لما استجاب لهم أحد، ولو كذبوا وخانوا وقبحت سيرتهم لضعفت الثقة بهم، ولكانوا مضلين لا مرشدين فتذهب الحكمة من إرسالهم، ولهذا نفى الله الخيانة عن جميع الأنبياء بقوله: " ما كان لنبي أن يغل " آل عمران: 161 واصطفاهم بالنبوة والرسالة، وعصمهم من العصيان، والخطأ، والسهو، والنسيان، فعرفان منزلتهم موقف خطير فلا تحد منزلتهم بأذهاننا القاصرة، فالأولى التأمل في كلام علي بن أبي طالب عليه السلام، العارف بمقامهم حق المعرفة، لأن أهل البيت أدرى بما فيه:
قال في الخطبة (94) من نهج البلاغة: " فاستودعهم في أفضل مستودع، وأقرهم في خير مستقر، تناسختهم كرائم الأصلاب إلى مطهرات الأرحام، كلما مضى منهم سلف قام منهم بدين الله خلف " إلى أن قال: " حتى أفضت كرامة الله سبحانه وتعالى إلى محمد صلى الله عليه وآله، فأخرجه من أفضل المعادن منبتا، وأعز الأرومات مغرسا، من الشجرة التي صدع منها أنبياءه، وانتجب منها أمناءه، عترته خير العتر، وأسرته خير الأسر، وشجرته خير الشجر، نبتت في حرم وبسقت في كرم، لها فروع طوال، وثمر لا ينال، فهو إمام من اتقى، وبصيرة من اهتدى، سراج لمع ضوؤه، وشهاب سطع نوره وزند برق لمعه، سيرته القصد وسنته العدل وكلامه الفصل، وحكمه العدل ".
وقال في الخطبة (144) من النهج أيضا: " بعث الله رسله بما خصهم به من وحيه، وجعلهم حجة له على خلقه، لئلا تجب الحجة لهم بترك الأعذار إليهم، فدعاهم بلسان الصدق إلى سبيل الحق. إلا أن الله تعالى قد كشف الخلق كشفة، لا أنه جهل ما أخفوه من مصون أسرارهم، ومكنون ضمائرهم " ولكن ليبلوهم أيهم أحسن عملا "، فيكون الثواب جزاء، والعقاب بواء ".
وقال بعد وصف خلقه آدم، ومواهبه تعالى له: " اصطفى سبحانه من ولده أنبياء أخذ على الوحي ميثاقهم، وعلى تبليغ الرسالة أمانتهم، لما بدل أكثر خلقه عهد الله إليهم، فجهلوا حقه، واتخذوا الأنداد (إلى أن قال) فبعث فيهم رسله، وواتر إليهم أنبياءه، ليستأدوهم ميثاق فطرته، ويذكروهم منسي نعمته، ويحتجوا عليهم بالتبليغ، ويثيروا لهم دفائف العقول، ويروهم آيات المقدرة (إلى أن قال في حق نبينا " ص "): إلى أن بعث الله سبحانه محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لإنجاز عدته، وإتمام نبوته، مأخوذا على الأنبياء ميثاقه، مشهورة سماته، كريما ميلاده ".
وقال في الخطبة (103): " حتى بعث الله محمدا " ص " شهيدا، وبشيرا ونذيرا، خير البرية طفلا، وأنجبها كهلا، وأطهر المطهرين شيمة، وأجود المستمطرين ديمة "، وقال في الخطبة (106): " اختاره من شجرة الأنبياء، ومشكاة الضياء، وذؤابة العلياء، وسرة البطحاء، ومصابيح الظلمة، وينابيع الحكمة، طبيب دوار بطبه، قد أحكم مرهمه، وأحمى مواسمه، يضع ذلك حيث الحاجة إليه من قلوب عمي، وآذان صم، وألسنة بكم، متتبع بدوائه مواضع الغفلة، ومواطن الحيرة، لم يستضيئوا بأضواء الحكمة، ولم يقدحوا بزناد العلوم الثاقبة، فهم في ذلك كالأنعام السائمة والصخور القاسية ".
وأي حجة أعظم من هذه الحجة عليه تعالى، وأي عذر أعظم من أن يقول العبد لربه: إنك أضللت العالم، وخلقت فيهم الشرور والقبائح، وظهر جماعة خلقت فيهم كذب وادعاء النبوة، وآخرون ادعوا النبوة، ولم تجعل لنا طريقا إلى العلم بصدقهم، ولا سبيل لنا إلى معرفة صحة الشرائع التي أتوا بها؟ فيلزم انقطاع حجة الله تعالى.
____________
(1) النساء: 165.
عصمة الأنبياء
1 - المبحث الثاني: أن الأنبياء معصومون.
ذهبت الإمامية كافة إلى أن الأنبياء معصومون عن الصغائر والكبائر، ومنزهون عن المعاصي، قبل النبوة، وبعدها. على سبيل العمد، والنسيان، وعن كل رذيلة ومنقصة، وما يدل على الخسة والضعة.
وخالفت الأشاعرة في ذلك، وجوزوا عليهم المعاصي.. وبعضهم:
جوزوا الكفر عليهم، قبل النبوة، وبعدها، وجوزوا عليهم السهو والغلط (1) ونسبوا رسول الله صلى الله عليه وآله إلى السهو في القرآن بما يوجب الكفر،
____________
(1) قال ابن أبي الحديد في شرحه على نهج البلاغة / ج 2 ص 162 ما خلاصته: قال قوم من الخوارج وابن فورك من الأشعرية: إنه يجوز بعثة من كان كافرا. وقال برغوث المتكلم، من النجارية: لم يكن الرسول قبل البعثة مؤمنا بالله. وقال السدي: إنه كان على دين قومه (وهو الشرك) أربعين سنة. وقال بعض الكرامية: إن إبراهيم " ع " قال: أسلمت، ولم يكن قبل ذلك مسلما.
وقال ابن حزم، في كتابه الفصل في الملل والأهواء ج 4 ص 1: فذهب طائفة إلى أن رسل الله يعصون الله في جميع الكبائر والصغائر، حاشا الكذب في التبليغ فقط، وهو قول الكرامية من المرجئة، وقول أبي الطيب الباقلاني، من الأشعرية، ومن اتبعه.. وهو قول اليهود والنصارى.. (إلى أن قال): وأما هذا الباقلاني، فإنا رأينا في كتاب صاحبه أبي جعفر السمناني، قاضي الموصل: أنه كان يقول: إن كل ذنب دق أو جل، فإنه جائز على الرسل حاشا الكذب في التبليغ فقط. وقال: وجائز عليهم أن يكفروا.
وقال:
وإذا نهى النبي عن شئ، ثم فعله فليس دليلا على أن ذلك النهي قد نسخ، لأنه قد يفعله عاصيا لله تعالى. وقال: وليس لأصحابه أن ينكروا عليه، وجوز أن يكون في أمة محمد من هو أفضل من محمد " ص " مذ بعث، إلى أن مات. إنتهى كلام ابن حزم!!!!
وقال الغزالي، في بحث أفعال الرسول من كتابه الموسوم ب (المنخول في الأصول):
والمختار ما ذكره القاضي (يعني الباقلاني): وهو أنه لا يجب عقلا عصمتهم، إذ لا يستبان استحالة وقوعه (أي العصيان) بضرورة العقل ولا بنظره، وليس هو مناقضا لمدلول المعجزة، فإن مدلوله صدق اللهجة فيما يخبر عن الله تعالى، لا عمدا ولا سهوا، ومعنى التنفير باطل، فإنا نجوز أن ينبئ الله كافرا ويؤيده بالمعجزة. واختاره فرقة الأزارقة من الخوارج (وليراجع الملل والنحل ج 1 ص 122).
ونقل أبو رية في كتابه: أضواء على السنة المحمدية ص 42 عن كتاب: نهاية المبتدئين لابن حمدان: إنهم معصومون فيما يؤدونه عن الله تعالى، وليسوا بمعصومين في غير ذلك، من الخطأ، والنسيان، والصغائر، وقال ابن عقيل في الارشاد: إنهم لم يعتصموا في الأفعال، بل في نفس الأداء، ولا يجوز عليهم الكذب في الأقوال فيما يؤدونه عن الله تعالى.
وهذا ينكره علماء الشيعة فإنهم أجمعوا على أن الأنبياء معصومون لا يخطئون، ولا يعتريهم السهو والنسيان، وهم مجمعون على أنهم معصومون في الكبر والصغر، حتى في أمور الدنيا.
وقال الرازي في تفسيره الكبير ج 3 ص 7: واختلف الناس على ثلاثة أقوال: أحدها:
قول من ذهب إلى أنهم معصومون من وقت مولدهم، وهو قول الرافضة. وثانيها: قول من ذهب إلى عصمتهم وقت بلوغهم، ولم يجوزوا منهم ارتكاب الكفر والكبيرة قبل النبوة، وهو قول كثير من المعتزلة. وثالثها: قول من ذهب إلى أن ذلك (يعني ارتكاب الكفر والكبيرة) لا يجوز وقت النبوة. أما قبلها فجائز، وهو قول أكثر أصحابنا، وقول أبي الهذيل العلاف، وأبي علي من المعتزلة.
وقال في الجزء 18 ص 9 من تفسيره: وعندنا العصمة إنما تعتبر في وقت النبوة لا قبلها.
وأشار ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج 2 ص 162 إلى ما قاله الفخر الرازي.
" أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى " (1): " تلك الغرانيق العلى منها الشفاعة ترتجى " (2). وهذا اعتراف منه " ص " بأن تلك الأصنام
____________
(1) آية: 19 و 20
(2) رواه في (مجمع الزوائد ج 7 ص 115 ط مصر)، ورواه السيوطي في تفسيره (الدر المنثور) ج 4 ص 368 بهذا الإسناد.
وأخرجه عبد بن حميد، من طريق السدي، عن صالح.
وأخرجه البزار، والطبراني، وابن مردويه، والضياء في المختارة، بسند رجاله ثقات من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس.
وأخرجه ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، بسند صحيح، عن سعيد بن جبير.
وأخرجه ابن جرير، وابن مردويه، من طريق العوفي، عن ابن عباس.
وأخرجه ابن مردويه، من طريق الكلبي، عن ابن صالح. ومن طريق أبي بكر الهذلي، وأيوب، عن عكرمة. ومن طريق سليمان التيمي، عمن حدثه، كلهم عن ابن عباس.
وأخرجه عبد بن حميد، وابن جرير، من طريق يونس، عن ابن شهاب عن أبي بكر ابن عبد الرحمان بن الحارث: أن رسول الله إلخ... مرسل صحيح الإسناد.
وأخرجه ابن أبي حاتم، من طريق موسى بن عقبة، عن ابن شهاب.
وأخرجه البيهقي في الدلائل، عن موسى بن عقبة، ولم يذكر ابن شهاب.
وأخرجه الطبراني، عن عروة مثله.
وأخرجه سعيد بن منصور، وابن جرير، عن محمد بن كعب القرظي، ومحمد بن قيس.
وأخرجه ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم بسند صحيح، عن أبي العالية.
وأخرجه ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن أبي العالية، بتفاوت يسير مع الذي قبله.
وأخرجه ابن أبي حاتم، عن قتادة، وعن السدي.
وأخرجه عبد بن حميد، عن مجاهد، وعكرمة.
كانت تلك هي أسانيد هذا الحديث المجعول جمعها السيوطي في تفسيره وخلاصته: أن رسول الله " ص " لما قرأ: " أفرأيتم اللات والعزى، ومناة الثالثة الأخرى " ألقى الشيطان على لسانه، وفي بعضها فألقى في أمنيته (تلك الغرانيق العلى، منها الشفاعة ترتجى)، فقال المشركون:
ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم، فسجد، وسجدوا، ثم جاءه جبرئيل بعد ذلك فقال:
اعرض علي ما جئتك به، فلما بلغ: تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن ترتجى، قال جبرئيل:
لم آتك بهذا، هذا من الشيطان، فأنزل الله: " وما أرسلنا من قبلك من رسول، ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته، والله عليم حكيم " الحج: 52 وزيد في بعضها ما خلاصته: قال المشركون يذكر آلهتنا بالشتم والشر، وإن ذكرها بالخير نذكر إلهه بالخير، وأقررناه وأصحابه، فتكلم الرسول بها، فانتشر قوله " ص " (تلك الغرانيق..)، وقالوا: إن محمدا قد رجع إلى دينه الأول ودين قومه.
أقول: صفوة القول في عصمة الأنبياء عند الأشاعرة، هو عدم وجوب عصمتهم قبل النبوة بالاتفاق عندهم. ويجوز عليهم ارتكاب الكفر وأنواع المعاصي، ويؤيد ذلك ما نسبوه إلى النبي " ص "، في فضل عمر بن الخطاب: (لو كان بعدي نبي، لكان عمر بن الخطاب) رواه في أسد الغابة ج 4 ص 64، ونور الأبصار ص 61، وتاريخ ابن عساكر ج 3 ص 287، وتاريخ الخلفاء ص 117، وقال: أخرجه الترمذي، والحاكم، وصححه عن عقبة بن عامر، وأخرجه الطبراني عن أبي سعيد الخدري، وعصمة بن مالك، وأخرجه ابن عساكر عن ابن عمر... مع أنه قد تواتر في كتب التاريخ والحديث: أن عمر أسلم في السنة السادسة بعد البعثة، أو بعد ذلك، وله على الأقل سبع وعشرون سنة.
وأما بعد النبوة، فأكثرهم على عدم وجوبها أيضا، كما صرح به الغزالي وغيره كما تقدم، واعتمد حفاظهم في تفسير قوله تعالى: " وما أرسلنا من قبلك من رسول "، على أمثال هذه الروايات المختلفة. فراجع الدر المنثور للسيوطي ج 4 ص 364 وقال الآخرون من أهل السنة بوجوب العصمة بعد النبوة من الكبائر والصغائر عمدا. وأما سهوا، فإن كان من الكبائر فبينهم خلاف، وإن كان من الصغائر، فقد قال القاضي ابن روزبهان: هو جائز اتفاقا، بين أكثر أصحابنا، وقال: وأما الصغائر عمدا فجوزها الجمهور...
وأما عند الإمامية: فيجب في النبي أن يكون طاهر الولادة، طيب النسل لم يشرك أحد من آبائه من آدم إلى الخاتم، كما تقدم عن علي " ع " في خطبته رقم (94) في نهج البلاغة:
" فاستودعهم في أفضل مستودع، وأقرهم في خير مستقر، تناسختهم كرائم الأصلاب، إلى مطهرات الأرحام " إنتهى، ويقولون: إن الأنبياء معصومون من وقت مولدهم، وصرح بذلك غيره من أئمة أهل البيت المعصومين " ع "، فراجع الكتب المعتبرة عند الإمامية ومن الأدلة التي أقامها الفخر على العصمة بعد النبوة الآية (124) من سورة البقرة:.
" لا ينال عهدي الظالمين " حيث قال: والمراد: إما عهد النبوة، أو عهد الإمامة، فإن كان المراد عهد الإمامة وجب أن لا تثبت الإمامة للظالمين، وإذا لم تثبت الإمامة للظالمين، وجب أن لا تثبت النبوة للظالمين، لأن كل نبي لا بد وأن يكون إماما يؤتم به، والآية على جميع التقديرات تدل على أن النبي لا يكون مذنبا..
أقول: لا يخفى على من أمعن النظر في الآية الكريمة: أنها تنفي نيل الظالمين العهد المذكور فيها بعنوان القضية الحقيقية، ولم يلحظ فيها زمان دون زمان، فالآية الكريمة صريحة في نفي العهد عمن ارتكب الظلم في آن من آنات عمره. قال السيد سابق: في " العقائد الإسلامية " ص 183: إن رسل الله يدركون بحسهم الذي تميزوا به على غيرهم من البشر: أنهم دائما في حضرة القدس، وأنهم يبصرون الله في كل شئ، فيرون مظاهر جماله وجلاله، ودلائل قدرته وعظمته، وآثار حكمته ورحمته (إلى أن قال) فتمتلئ قلوبهم إجلالا لله، ووقارا له، فلا يبقى فيها مكان لشيطان، ولا موضع لهوى، ولا جنوح لشهوة، ولا إرادة لشئ سوى إرادة الله.
وقال عفيف عبد الفتاح طباره في كتابه: " مع الأنبياء في القرآن الكريم " ص 19: فالله سبحانه تولى تأديبهم وتربيتهم، وعصمهم عن الوقوع في الذنوب والمعاصي، فلم تكن حياتهم لأنفسهم، بل كانوا مثلا يهتدى بهديهم، ويسار على نهجهم، ثم غدت سننهم، وذكراهم من بعد وفاتهم، مصابيح تضئ للإنسانية ظلمة الحياة، وتوضح لها طرق الرشاد، فهم الهداة الذين أمرنا الله بالاقتداء بهم.
وأما قوله تعالى: " وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته " الكلام في هذه الآية ووضوح تفسيرها يستدعي البحث في معنى الرسول، والنبي، والمرسل، أن الرسول صفة مشبهة لازم هو من يتلقى العلوم من الله بواسطة الملك بحيث يراه ويشاهده ويكلمه مشافهة ويقرء عليه أو يلقى إليه كلام الله تعالى فيسمى ذلك رسالة والإنسان الواجد لهذا الأمر رسولا والغاية في إطلاق الرسول عليه هي أخذه لرسالة الله بواسطة رسل السماء فقد أدوا إليه رسالة ربهم فصار رسولا أي ذا رسالة.
وإن كان التلقي وإفاضة العلم من الله تعالى بغير الطريق المذكور فهو يسمى نبوة سواء كان ذلك الطريق الآخر هو الالهام الصريح والحضور مثل ما أوحي لنبينا ليلة المعراج، وما أوحي إلى موسى في طور سيناء، أو سماع صوت في النوم أو اليقضة أو بالقذف في قلبه (النبي صفة مشبهة لازم كشريف) قال الله تعالى: " وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه عليم حكيم (شورى: 51)
وأشار لما استظهرناه فخر الدين الرازي في تفسيره ج 27 ص 176 بقوله: ويشهد على ذلك أن لفظ النبي والرسول صفتان مشبهتان أخذ من الفعل اللازم، والمرسل من باب الأفعال متعد غير لازم فليس الرسول بمعنى المرسل والرسل بمعنى المرسلين إلى الناس.
وأيضا يشهد لما استظهرناه في معنى الرسول والنبي وقوعهما مفعولا لارسل وبعث في آيات كثيرة من القرآن العزيز فراجعها، فتلخص مما ذكرنا أن الرسول والنبي صفتان لشخص النبي والرسول من حيث أخذ الوحي وكيفيته، وأما كونه مرسلا ومبعوثا فهو مرتبة متأخرة عن ذلك وهي مرحلة التبليغ والبشارة والانذار قال تعالى حكاية عن عيسى بن مريم: " إني عبد الله أتاني الكتاب وجعلني نبيا " مريم: 30 إن عيسى (ع) حين تكلم في المهد كان نبيا وحجة الله على خلقه ولم يكن مرسلا فلا مناص من التفكيك بين المقامين: مقام النبوة والرسول ومقام الارسال والبعث.
فإذا لاحظنا هذا التفكيك بين المقامين يظهر لنا أن متعلق الأمنية في كلامه تعالى: " وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته " إنما هو فعل أرسل لا الرسول ولا النبي في الآية الكريمة ومرحلة الارسال هو إصلاح الناس بالابشار والانذار في شؤون حياتهم الدينية والاجتماعية، وما من نبي ولا رسول إلا يتمنى فلاح قومه ورجوعهم عن غيهم وضلالهم.
وإلقاء الشيطان في أمنيته، هو بأن يوسوس في قلوب المخاطبين فيحرك الجبابرة وأعوانهم على عداوته فينسخ الله ما يلقي الشيطان من قلوب المؤمنين فلا تقبله، ولا تصغي إليه غير قلوب المنافقين والجاحدين كما قال تعالى:
" إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين " حجر: 42، ثم يحكم الله آياته، والله عليم حكيم (52) ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وإن الظالمين لفي شقاق (53) وليعلم الذين أتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم " الحج 54 بأن يحمي أولياءه من الضلال والعدوان: ومتابعة الكفر والطغيان الذين لم يرض أن يجعلهم كالأنعام حتى قال لمن تبع أهل الكفر والعناد " أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون " الأعراف:
179.
وأيضا: أن آية التمني هي آية 52 من سورة الحج التي هي مدنية بالاتفاق إلى أنها نزلت بعد الحجر بعدة سنين، وجعل قضية الغرانيق التي زوروها كانت بعد البعثة بخمس سنين وينطبق قبل الهجرة لا بعدها.
فائدة: إن الأنبياء يأخذون الوحي ويحفظونه ويميزون كلام الله من غيره بالقدرة المفاضة من الله العزيز الحكيم مما هو حقيق بمنصبهم الإلهي كما قال الله تعالى " وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي على صراط مستقيم " الشورى: 52 فعير فيها عن هذه القدرة المفاضة من عنده تعالى بالروح وسماها أئمة أهل البيت (ع) في الأحاديث الواردة في تفسيرها وموارد أخرى ب (الروح القدس) فبهذا الروح يسددهم ويوفقهم بالخيرات ويبعدهم عما يوجب الطعن في الروح الإنسانية من ارتكاب القبايح والمعاصي عمدا أو سهوا أو خطأ وعن كلما يوجب نقصا في الروح الانساني مع القرآن الكريم.
وقد عقد البخاري في صحيحه ج 4 ص 231 بابا بهذا العنوان: (كان النبي صلى الله عليه وآله تنام عينه ولا ينام قلبه وروى فيه النبي صلى الله عليه وآله تنام عينه ولا ينام قلبه وكذلك سائر الأنبياء (ع) تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم وروى أحمد بن حنبل في مسنده في موارد منها ج 1 ص 220 والله الهادي.
ورووا عنه " ص ": أنه صلى الظهر ركعتين، فقال له ذو اليد: أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ فقال: أصدق ذو اليد؟ فقال الناس: نعم،
____________
(1) هذا اقتباس من قوله تعالى: " يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم " المائدة: 54.
(2) النساء: 165.
(3) الأنعام: 91.
ورووا في " الصحيحين ": أنه " ص " صلى بالناس صلاة العصر ركعتين، ودخل حجرته، ثم خرج لبعض حوائجه، فذكره بعض فأتمها (2)!.
وأي نسبة أنقص من هذا، وأبلغ في الدناءة؟ فإنها تدل على إعراض النبي عن عبادة ربه، وإهمالها، والاشتغال عنها بغيرها، والتكلم في الصلاة، وعدم تدارك السهو من نفسه لو كان، نعوذ بالله من هذه الآراء الفاسدة. ونسبوا إلى النبي " ص " كثيرا من النقص: روى الحميدي في " الجمع بين الصحيحين ": (عن عائشة قالت: كنت ألعب بالبنات عند النبي " ص "، وكانت لي صواحب يلعبن معي، وكان رسول الله " ص " إذا دخل تقبعن منه، فيشير إليهن فيلعبن معي) (3).
____________
(1) ويقرب منه: ما رواه الترمذي، في الجامع الصحيح ج 1 ص 247 رقم 397 ومسلم في الصحيح ج 1 ص 216 باب السهو في الصلاة والسجود له، والبخاري في الصحيح ج 2 ص 82 باب من لم يتشهد في سجدتي السهو، وأبو داود في سننه ج 1 ص 366، وابن رشد في بداية المجتهد ج 1 ص 153، كلهم يروون ذلك عن أبي هريرة.
(2) هذا خلاصة ما رواه مسلم في الصحيح ج 1 ص 215 باب السهو في الصلاة والسجود له، والبخاري أيضا ج 1 ص 82 باب من يكبر في سجدتي السهو، عن أبي هريرة.
(3) صحيح البخاري ج 8 ص 37، كتاب الأدب، باب الانبساط إلى الناس، وصحيح مسلم ج 2 ص 120، كتاب فضائل الصحابة، باب فضل عائشة. وفي مصابيح البغوي ج 2 ص 27، في باب عشرة النساء، من كتاب النكاح، عن عائشة: (قالت: قدم رسول الله " ص " من غزوة تبوك، أو حنين، وفي بهوتها ستر، فهبت ريح، فكشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة تلعب بها، فقال: ما هذه يا عائشة؟ قالت: بناتي. ورأى بينهن فرسا له جناحان من رقاع، فقال: وما هذا الذي وسطهن؟ قالت: فرس، قال:
وما هذا الذي عليه؟ قالت جناحان، قال: الفرس يكون له جناحان؟ قالت: أما سمعت، أن لسليمان خيلا لها أجنحة؟ قالت: فضحك، حتى رأيت نواجذه. (والبنات كما في أقرب الموارد والقاموس: التماثيل الصغار).