____________
(1) قال ابن أبي الحديد، في شرح النهج ج 4 ص 86: واعلم أن الناس يظنون: أن نزاع فاطمة أبا بكر كان في أمرين: في الميراث، والنحلة، وقد وجدت في الحديث: أنها نازعت في أمر ثالث، ومنعها أبو بكر إياه أيضا، وهو سهم ذي القربى.
أقول: ادعاؤها الإرث إنما هو في الفيئ وصفايا الرسول صلى الله عليه وآله.
وفي مطالبتها بالفيئ وجهان:
الأول: كون الفيئ ملكا شخصيا للنبي (ص، دون الأنفال، والخمس، والغنائم، كما ذكره الثعالبي في سورة الحشر: آية (6 و 7)، راجع: آيات الأحكام للجصاص ج 3 ص 430، والدر المنثور ج 6 ص 192، والسيرة الحلبية ج 2 ص 268، ج 3 ص 361 وفي هامشها سيرة زيني دحلان ج 2 ص 100 وفي الحلبية: أن عمر قال: يا رسول الله، ألا تخمس ما أصبت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " لا أجعل شيئا جعله الله لي دون المؤمنين، بقوله تعالى: " ما أفاء الله على رسوله (الآية) كهيئة ما وقع فيه السهمان ".
الثاني: أن رسول الله صلى الله عليه وآله، قسم فيئ بني النضير وغيره على رجال منهم أبو بكر والزبير، واصطفى لنفسه منه ما يصرف منافعه في نوائبه، من نفقة أهله، وأزواجه، ومصارفه الأخرى، كما كان يصطفي الجواري، والفرس من خمس الغنائم، والصفي ملك شخصي له من دون أي ارتياب، إذ لم يقل أحد إن صفايا رسول الله صلى الله عليه وآله من الغنائم، ليست ملكا شخصيا له، ولم يدع ذلك أبو بكر أيضا، إذ ترك الدار والإرث لأزواجه، فإذا توفاه الله ورثته ابنته، وولده، دون غيرهم، ولا يجوز لأحد أن يقول بملك أبي بكر، والزبير، والمهاجرين لما قسم صلى الله عليه وآله فيهم من أموال بني النضير، دون رسول الله صلى الله عليه وآله...
فلما منع أبو بكر فاطمة إرث أبيها قالت: " ثم أنتم الآن تزعمون: أن لا إرث لي، أفحكم الجاهلية تبغون؟ ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون، إيها معاشر المسلمين ابتز إرث أبي، أبالله أن ترث يا ابن أبي قحافة أباك، ولا أرث أبي؟ لقد جئت شيئا فريا "
(راجع: شرح النهج لابن أبي الحديد ج 4 ص 79 و 92، وأعلام النساء ج 3 ص 208
(ط دمشق)، وبلاغات النساء ص 14 ط الحيدرية).
فاضطرب أبو بكر من كلامها فتمسك بحديث (لا نورث)، الذي تفرد به عن جميع الأصحاب، من أهل النبي صلى الله عليه وآله وغيرهم، ولو كان هذا الحديث صحيحا لسمعته أزواج النبي صلى الله عليه وآله منه، ولذا ادعى أزواجه عدا عائشة إرث بعلهن، وطالبن به، كما رواه عدة من أعلام القوم، منهم: البخاري في الصحيح ج 5 ص 187، ومالك في الموطأ ج 2 ص 256، وابن كثير في النهاية ج 4 ص 203، وابن أبي الحديد في شرح النهج ج 4 ص 83 فترى أن أزواج النبي صلى الله عليه وآله كن يعتقدن أنهن يرثن منه صلى الله عليه وآله، ولم يسمعن منه هذا الحديث المختلق، المخالف لكتاب الله، بل بعد وفاته لم يتكلم به أحد إلى عشرة أيام.
وقد تقدم أن الفيئ ملك خالص له صلى الله عليه وآله بنص القرآن، وليس للمسلمين فيه حق، كما صرح به صلى الله عليه وآله في جواب سؤال عمر.
وأخرج ابن سعد في الطبقات ج 2 ص 315 كلاما لعلي عليه السلام، يعرف منه اختلاق هذا الحديث، قال: جاءت فاطمة إلى أبي بكر تطلب ميراثها، وجاء العباس بن عبد المطلب يطلب ميراثه، وجاء معهما علي، فقال أبو بكر: قال رسول الله صلى الله عليه وآله، لا نورث، ما تركناه صدقة، وما كان النبي يعول فعلي، فقال علي: ورث سليمان داود، وقال زكريا: يرثني ويرث من آل يعقوب؟ قال أبو بكر: هو هكذا، وأنت والله تعلم مثل ما أعلم، فقال علي: هذا كتاب الله ينطق... الحديث، وفي شرح النهج ج 4 ص 81 عن أبي الطفيل، قال: أرسلت فاطمة إلى أبي بكر: أنت ورثت رسول الله صلى الله عليه وآله أم أهله؟ قال: بل أهله. قال: قلت: في هذا الحديث عجب، لأنها قالت: أنت ورثت رسول الله صلى الله عليه وآله أم أهله؟ وهذا تصريح بأنه صلى الله عليه وآله موروث يرثه أهله، وهو خلاف قوله لا نورث..
ثم هناك قول علي (ع): " بلى كانت في أيدينا فدك من كل ما أظلته السماء " (نهج البلاغة).
وأما مطالبتها (ع) بالنحلة، وهي " فدك "، فقد أسلفنا جملة من مصادره فيما سبق.
أضف إلى ذلك كلامها مع علي (ع)، بعد رجوعها من المسجد: " هذا ابن أبي قحافة، يبتزني نحيلة أبي، وبليغة ابني "، راجع مكاتيب الرسول للعلامة الأحمدي ج 2 ص 581
(ط بيروت).
أضف إلى ذلك: ما ذكره أعلام القوم، من كلام بضعة الرسول صلى الله عليه وآله، وشهادة علي (ع)، وأم أيمن، راجع: شرح النهج ج 4 ص 80 و 82 والصواعق ص 22 والسيرة الحلبية ج 3 ص 362، ووفاء الوفاء ج 2 ص 161
ثم طلب أبو بكر البينة لما ادعت أنها نحلتها، كما في الكتب المذكورة.
وتدل أيضا: على أنها (ع) أصيبت بأبيها خير الآباء، فجلست حزينة كئيبة مشغولة بالعزاء إلى أن مضت عشرة أيام، فبلغها أن أبا بكر أخرج عمالها من فدك. راجع: مكاتيب الرسول ج 2 ص 581، وشرح النهج ج 4 ص 97 ومطالبتها بسهم ذوي القربى قد أخرجه كثير من الأعلام راجع: السيرة الحلبية ج 3 ص 362، وفتوح البلدان ص 44 ووفاء الوفاء ج 2 ص 157، وصحيح مسلم ج 2 ص 143، ومعجم البلدان ج 4 ص 239، وشرح النهج ج 4 ص 86.
ومطالبتها بسهم رسول الله صلى الله عليه وآله من الغنيمة والفيئ، قد ذكره أعاظم القوم. راجع:
كنز العمال ج 3 ص 125 عن أم هانئ، و ج 4 ص 52، والسيرة الحلبية ج 3 ص 361، والبداية والنهاية ج 5 ص 289، وصحيح مسلم ج 2 ص 143.
ومطالبتها بصدقات رسول الله صلى الله عليه وآله، وقد صرح به أعاظم القوم، منهم: المتقي في كنز العمال ج 3 ص 129، والسمهودي في وفاء الوفاء ج 2 ص 157، ومسلم في صحيحه ج 3 ص 144 والحلبي في السيرة الحلبية ج 3 ص 361، وشرح النهج لابن أبي الحديد ج 4 ص 86.
والقرآن مخالف لذلك، فإن صريحه يقتضي دخول النبي صلى الله عليه وآله فيه، بقوله تعالى: " يوصيكم الله في أولادكم " (2).
وقد نص على أن الأنبياء يورثون، فقال تعالى: " وورث سليمان داود " (3)، وقال عن زكريا: " إني خفت الموالي من ورائي، وكانت امرأتي عاقرا، فهب لي من لدنك وليا، يرثني ويرث آل يعقوب " (4).
وناقض فعله أيضا هذه الرواية، لأن أمير المؤمنين عليه السلام، والعباس اختلفا في بغلة رسول الله صلى الله عليه وآله، وسيفه، وعمامته، وحكم بها ميراثا لأمير المؤمنين (5)، ولو كانت صدقة لما حلت على علي عليه السلام، وكان يجب على أبي بكر انتزاعها منه.
____________
(1) شرح النهج لابن أبي الحديد ج 4 ص 91، وتاريخ الخلفاء ص 73 والملل والنحل ج 1 ص 25، وكنز العمال ج ص 113 والصواعق المحرقة ص 91 و 23، ومسند أحمد ج 1 ص 13.
(2) النساء: 11
(3) النمل: 16
(4) مريم: 6
(5) وممن رواه العلامة الأحمدي في مكاتيب الرسول ج 2 ص 595، ورواه في شرح النهج ج 4 ص 79 عن كتاب السقيفة، لأبي بكر الجوهري، إلى أن قال: قال أبو بكر: أما بعد، فقد دفعت آلة رسول الله صلى الله عليه وآله، ودابته، وحذاءه إلى علي (ع)، وفي مسند أحمد ج 1 ص 13: أخرج عن ابن عباس، أنه قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله واستخلف أبو بكر، خاصم العباس عليا في أشياء، تركها رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال أبو بكر: شئ تركه رسول الله صلى الله عليه وآله، فلم يحركه فلا أحركه.. الحديث، ومثله في كنز العمال ج 3 ص 125 في أول كتاب الخلافة.
أقول: في هذه الرواية مناقضة ومخالفة أخرى من أبي بكر، لأن مقتضى روايته هو أن تكون هذه المتروكات من الصدقات، فكيف كان عليه أن لا يحركها، وأي تحريك أكبر من حكم النبي صلى الله عليه وآله بأنها صدقة.
نعوذ بالله من هذه المقالات الردية، وأخذ الاعتقادات الفاسدة..
وأخذ فدكا من فاطمة، وقد وهبها إياها رسول الله صلى الله عليه وآله، فلم يصدقها (2).
مع أن الله قد طهرها وزكاها، واستعان بها النبي صلى الله عليه وآله في الدعاء على الكفار على ما حكى الله تعالى، وأمره بذلك، فقال تعالى: " قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم، ونساءنا ونساءكم، وأنفسنا وأنفسكم " (3)، فكيف يأمره الله تعالى بالاستعانة، وهو سيد المرسلين بابنته، وهي كاذبة في دعواها، وغاصبة لمال غيرها؟ نعوذ بالله من ذلك..
فجاءت بأمير المؤمنين عليه السلام، فشهد لها، فلم يقبل شهادته.
قال: إنه يجر إلى نفسه.
وهذا من قلة معرفته بالأحكام، ومع أن الله تعالى قد نص في آية المباهلة: أنه نفس رسول الله صلى الله عليه وآله، فكيف يليق بمن هو بهذه المنزلة واستعان به رسول الله صلى الله عليه وآله بأمر الله في الدعاء يوم المباهلة: أن يشهد
____________
(1) قال تعالى في سورة الأحزاب: 33: " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت، ويطهركم تطهيرا ".
(2) ولو أنه صدقها لم ترجع بضعة النبي صلى الله عليه وآله كئيبة حزينة، وواجدة عليه إلى أن توفيت.
(3) آل عمران: 61.
وشهد لها الحسنان (ع)، فرد شهادتهما، وقال: هذان ابناك (1)، لا أقبل شهادتهما، لأنهما يجران نفعا بشهادتهما.
وهذا من قلة معرفته بالأحكام أيضا، مع أن الله قد أمر النبي صلى الله عليه وآله بالاستعانة بدعائهما يوم المباهلة، فقال: " وأبناءنا وأبناءكم "، وحكم رسول الله صلى الله عليه وآله بأنهما سيدا شباب أهل الجنة، فكيف يجامع هذا شهادتهما بالزور والكذب، وغصب المسلمين حقهم؟. نعوذ بالله من ذلك..
ثم جاءت بأم أيمن، فقال: امرأة لا يقبل قولها... مع أن النبي صلى الله عليه وآله قال: " أم أيمن من أهل الجنة " (2). فعند ذلك غضبت عليه وعلى صاحبه وحلفت أن لا تكلمه، ولا صاحبه، حتى تلقى أباها، وتشكو إليه (3)، فلما حضرتها الوفاة أوصت: أن تدفن ليلا، ولا يدع أحدا منهم يصلي عليها (4).
وقد رووا جميعا: أن النبي صلى الله عليه وآله قال: " إن الله يغضب لغضبك، ويرضى لرضاك ". (5).
____________
(1) السيرة الحلبية ج 3 ص 362، ومكاتيب الرسول ج 2 ص 586، وغيرهما من الكتب المعتبرة
(2) أم أيمن كانت حاضنة النبي صلى الله عليه وآله، وكان يزورها عليه وآله الصلاة والسلام، وقال:
إن أم أيمن أمي بعد أمي، وقال: من سره أن يتزوج امرأة من أهل الجنة فليتزوج أم أيمن.
(راجع: صحيح مسلم ج 4 ص 128 ومعارف ابن قتيبة ص 63 والتاج الجامع للأصول ج 3 ص 385 وتهذيب التهذيب ج 12 ص 459 وذخائر العقبى ص 360
(3) الإمامة والسياسة ج 1 ص 14، وصحيح البخاري ج 6 ص 77، وتاريخ ابن كثير ج 6 ص 333 والتاج الجامع للأصول ج 2 ص 263، وقال: رواه الخمسة، وشرح النهج ج 4 ص 80 و 81 وتاريخ اليعقوبي ج 2 ص 105
(4) أسد الغابة ج 5 ص 524، وصحيح البخاري ج 6 ص 177 وتاريخ الخميس ج 1 ص 313، والاستيعاب ج 2 ص 751، وشرح النهج ج 4 ص 80 و 81
(5) ومن جملة مصادر هذه الرواية الشريفة: مستدرك الحاكم ج 3 ص 153، وأسد الغابة ج 5 ص 522، وتهذيب التهذيب ج 12 ص 442، وكنز العمال ج 6 ص 219 و ج 7 ص 111 عن عدة من الحفاظ، وذخائر العقبى ص 39.
طلب إحراق بيت علي (ع)
ومنها: أنه طلب هو وعمر إحراق بيت أمير المؤمنين عليه السلام، وفيه أمير المؤمنين (ع)، وفاطمة، وابناهما، وجماعة من بني هاشم، لأجل ترك مبايعة أبي بكر.
ذكر الطبري في تاريخه (1) قال: أتى عمر بن الخطاب منزل علي فقال: (والله لأحرقن عليكم، أو لتخرجن للبيعة).
وذكر الواقدي: أن عمر جاء إلى علي في عصابة فيهم: أسيد بن الحضير، وسلمة بن أسلم، فقال: (اخرجوا أو لنحرقنها عليكم) (2).
ونقل ابن خيزرانة في غرره: قال زيد بن أسلم: كنت ممن حمل الحطب مع عمر إلى باب فاطمة، حين امتنع علي وأصحابه، عن البيعة، أن يبايعوا، فقال عمر لفاطمة: (أخرجي من في البيت، وإلا أحرقته ومن فيه)، قال: وفي البيت علي، وفاطمة، والحسن، والحسين، وجماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله، فقالت فاطمة: " تحرق على ولدي؟
فقال: إي والله، أو ليخرجن وليبايعن " (3).
وقال ابن عبد ربه، وهو من أعيان السنة: فأما علي والعباس، فقعدوا في بيت فاطمة، وقال له أبو بكر: إن أبيا فقاتلهما، فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهما الدار، فلقيته فاطمة، فقالت: يا ابن الخطاب، أجئت لتحرق دارنا؟ قال: نعم (4).
____________
(1) ج 3 ص 198 وراجع أيضا: شرح النهج ج 1 ص 124، فقد رواه عن كتاب السقيفة لأبي بكر الجوهري والملل والنحل ج 1 ص 75
(2) وانظر أيضا: أعلام النساء ج 3 ص 125، وشرح النهج ج 1 ص 134 و ج 2 ص 19
(3) وهذا قريب مما رواه ابن قتيبة في الإمامة والسياسة ج 1 ص 12 وابن الشحنة في تاريخه، بهامش الكامل ج 7 ص 164، وأبو الفداء في تاريخه ج 1 ص 156 وابن عبد ربه في العقد الفريد ج 2 ص 254، واليعقوبي في تاريخه ج 2 ص 105.
(4) العقد الفريد ج 2 ص 250، و ج 3 ص 63 وراجع أيضا: أعلام النساء ج 3 ص 7 و 12، وتاريخ أبي الفداء ج 1 ص 156
أقول: بعد ما سمعت بضعة المصطفى أصواتهم، وهي تبكي حزينة كئيبة، نادت بأعلى صوتها: " يا أبت يا رسول الله: ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب، وابن أبي قحافة؟
(راجع: الإمامة والسياسة ج 1 ص 13، والإمام علي لعبد الفتاح عبد المقصود ج 1 ص 225 وأعلام النساء ج 3 ص 6 و 21).
وقد رآها عمر تصرخ وتولول، ومعها نسوة من الهاشميات تنادي: يا أباب كر، ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول الله، والله لا أكلم عمر حتى ألقى الله. (شرح النهج لابن أبي الحديد ج 1 ص 134 و ج 2 ص 5 و 19).
فلينظر العاقل من نفسه: هل يجوز له تقليد مثل هؤلاء، إن كان هذا نقلهم صحيحا؟، وأنهم قصدوا بيت النبي صلى الله عليه وآله لإحراق أولاده على شئ لا يجوز فيه هذه العقوبة؟. مع مشاهدتهم تعظيم النبي صلى الله عليه وآله لهم.
وكان ذات يوم يخطب، فعبر الحسن، وهو طفل صغير، فنزل من منبره، وقطع الخطبة، وحمله على كتفه، وأصعده المنبر، ثم أكمل الخطبة (1).
وبال الحسين يوما في حجره، وهو صغير، فزعقوا به، فقال:
" لا ترزموا على ولدي بوله " (2).
مع أن جماعة لم يبايعوا (3)، فهلا أمر بقتلهم (4).
____________
(1) وفي أسد الغابة ج 2 ص 14، والتاج الجامع للأصول ج 3 ص 359 بلفظ آخر.
(2) مجمع الزوائد ج 1 ص 285 ومسند أحمد ج 2 ص 348، وذخائر العقبى ص 131
(3) وهم من كبار الصحابة، كأبي ذر الغفاري، وسلمان الفارسي، والمقداد بن الأسود الكندي، وعمار بن ياسر، وخالد بن سعيد بن العاص، وبريد الأسلمي، وأبي بن كعب، وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأبو أيوب الأنصاري، وأبو الهيثم بن التيهان، وسهل بن حنيف، وعثمان بن حنيف، وحذيفة بن اليمان، وسعد بن عبادة، وقيس بن سعد، وعباس بن عبد المطلب، وابنيه الفضل والعباس، والزبير، وزيد بن أرقم. كما ذكرهم اليعقوبي في تاريخه ج 2 ص 124، ومحمد كرد علي في خطط الشام، وابن أبي الحديد في شرح النهج ج 1 ص 74 وص 132
(4) العقد الفريد ج 2 ص 250 وتاريخ أبي الفداء ج 1 ص 156.
فهذا بعض ما نقله السنة من الطعن على أبي بكر، والذنب فيه على الرواة من السنة...
المطلب الثاني في مطاعن الثاني
المطلب الثاني: في المطاعن التي نقلها السنة عن عمر بن الخطاب:
نقل الجمهور عن عمر مطاعن كثيرة:
طعن عمر النبي الأعظم صلى الله عليه وآله حين وفاته
منها: قوله عن النبي صلى الله عليه وآله، لما طلب في حال مرضه دواة وكتفا، ليكتب فيه كتابا لا يختلفون بعده، وأراد أن ينص حال موته على علي بن أبي طالب (ع)، فمنعهم عمر، وقال: " إن رسول الله ليهجر، حسبنا كتاب الله " (2)، فوقعت الغوغاء، وضجر النبي صلى الله عليه وآله،
____________
(1) أقول: ذكر أحمد بن أبي طاهر في كتابه: تاريخ بغداد، مسندا، كما في شرح النهج ج 3 ص 97 وكتاب علي ومناوئوه ص 26 (ط مطبوعات النجاح بالقاهرة): محاورة طريفة جرت بين ابن عباس وبين عمر بن الخطاب، قال عمر لابن عباس: يا عبد الله، عليك دماء البدن إن كتمتنيها، هل بقي في نفسه شئ من أمر الخلافة؟ قلت: نعم، قال: أيزعم أن رسول الله صلى الله عليه وآله نص عليه؟ قلت: نعم. وأزيدك: سألت أبي عما يدعيه؟ فقال:
صدق. فقال عمر: لقد كان من رسول الله صلى الله عليه وآله في أمره ذرو من قول، لا يثبت حجة ولا يقطع عذرا، ولقد كان يربع في أمره وقتا ما، ولقد أراد في مرضه أن يصرح باسمه، فمنعت من ذلك، إشفاقا وحيطة على الإسلام، لا، ورب هذه البنية، لا تجتمع عليه قريش أبدا، ولو وليها لانتقضت عليه العرب من أقطارها، فعلم رسول الله صلى الله عليه وآله: أني علمت ما في نفسه فأمسك، وأبي الله إلا إمضاء ما حتم..
فهل ترى أن الخليفة كان أحرص على الإسلام من نبيه الكريم؟؟ الله الهادي؟!
(2) أقول: رواه مسلم بطريقين، في باب ترك الوصية ج 3 ص 69، إلا أن الذي في هذه طبعة مصطفى الحلبي وأولاده بمصر (قد ورد في طريقه الأول قوله: " فقالوا: إن رسول الله يهجر "، وفي طريقه الثاني: فقال عمر: إن رسول الله قد غلب عليه الوجع، وهكذا في البخاري ج 1 ص 36، باب كتابة العلم و ج 2 ص 156، باب قول المريض:
قوموا عني، و ج 6 ص 11، باب مرض النبي ووفاته، و ج 9 ص 137، وفي بعض هذا الروايات، كما في البخاري ج 4 ص 85، باب هل يستشفع إلى أهل الذمة ومعاملتهم وص 121 باب إخراج اليهود من جزيرة العرب، و ج 6 ص 11 باب مرض النبي ووفاته.
جاءت الرواية بهذه العبارة: " فقالوا: هجر رسول الله "؟، و " وماله أهجر "؟ و " ما شأنه أهجر استفهموه " "؟.
فترى أن نسبة الهجر إلى النبي صلى الله عليه وآله ثابتة، إلا أنهم يضعون بدلها كلمة: الوجع، حينما يعينون القائل، وهو عمر، تهذيبا للعبارة، وتحفظا على شأن الخليفة. ويدل على ذلك:
ما أخرجه أبو بكر الجوهري في كتابه " السقيفة "، كما في شرح النهج ج 2 ص 20، فقال عمر كلمة: " معناها الوجع "، وأخرج أيضا أحمد بن حنبل في مسنده ج 3 ص 346، عن جابر: " أن النبي صلى الله عليه وآله دعا عند موته بصحيفة ليكتب كتابا لا يضلون بعده، فخالف عمر بن الخطاب حتى رفضها ".
ما معنى هذا الاختلاف في الحديث؟ وما معنى أنهم نقلوا العبارة بالمعنى، لا بعين لفظها؟، إذا عينوا القائل، وإذا لم يصرحوا باسم المعارض يومئذ ينقلون المعارضة بعين لفظها؟، ولم يتفوه بذلك يومئذ إلا الخليفة الثاني، وإن وجد قائل غيره فقد أخذه منه، كما يكشف عن ذلك ما رواه البخاري في الصحيح ج 9 ص 137 في حديث: " ومنهم من يقول: ما قال عمر "، وأخرج الإمام الغزالي في كتابه: " سر العالمين "، في المقالة الرابعة، وسبط ابن الجوزي في التذكرة ص 36: " وقال عمر: دعوا الرجل، فإنه ليهجر، حسبنا كتاب الله ".
ألم يقرأ الخليفة قوله تعالى: " ما ضل صاحبكم وما غوى - 2 - وما ينطق عن الهوى 3 - إن هو إلا وحي يوحى " النجم: 5؟. أو لم يسمع شهادة رب العالمين بطهارته في آية " التطهير "، عن كل ما يوجب شيئا في قداسته وفي روحه العظيم؟.. أم أنه سمع ووعى ولكن حليت الدنيا في عينه، وراقه زبرجها؟..
وكيف تجرأ هذه الجرأة، ونسب هذه النسبة إلى الناطق بالوحي حين وصيته التي وعد أن تكون حاوية لما يكون به فلاح الأمة، وعدم ضلالتهم إلى الأبد؟.، ولكنه سكت سكوتا مطبقا حين وصية أبي بكر باستخلافه وهو في حالة الاغماء؟؟. حيث يروون: " أن أبا بكر أمر عثمان أن يكتب: أما بعد، ثم أغمي عليه، فكتب عثمان: أما بعد: فقد استخلف عليكم عمر بن الخطاب، فاسمعوا وأطيعوا "، وهذا متواتر، واستندوا في إثبات خلافته بذلك.
وكيف تفوه بقوله: " حسبنا كتاب الله "، ولم يفهم هو ولا أبو بكر معنى كلمة الأب في قوله تعالى: " وفاكهة وأبا " عبس: 31 مع كونهما قرشيين؟ إذن كيف يفسرون القرآن، ويعلمونه الناس، ويحاولون توجيه الناس إلى حقائقه ومعارفه وأحكامه..
قال إبراهيم التميمي: سئل أبو بكر الصديق رضي الله عنه عن الأب ما هو؟ فقال: أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله تعالى ما لا أعلم.
وعن أنس: أن عمر رضي الله عنه قرأ على المنبر: " فأنبتنا فيها حبا "، إلى قوله: " وأبا " فقال: كل هذا قد عرفناه، فما الأب؟ ثم رفض عصا كانت في يده، فقال هذا لعمر والله هو التكلف، فما عليك يا ابن أم عمر: أن لا تدري ما الأب؟ رواهما حفاظ الحديث.
(راجع: تفسير الآلوسي ج 28 ص 47، وتفسير الخازن ج 4 ص 380، والدر المنثور ج 6 ص 317).
أبعدوا. هذا الكلام في صحيح مسلم.
إيجابه بيعة أبي بكر
وقصد بيت النبوة بالاحراق
ومنها: إيجاب بيعة أبي بكر على جميع الخلق، ومخاصمته على ذلك، وقصد بيت النبوة، وذرية الرسول صلى الله عليه وآله، الذين فرض الله مودتهم، وأكد النبي صلى الله عليه وآله عدة مرار موالاتهم، وأوجب محبتهم، وجعل الحسن والحسين ودايع الأمة، فقال: " اللهم هذان وديعتي عند أمتي " (1) بالاحراق بالنار (2).
وكيف يحل إيجاب شئ على جميع الخلق من غير أن يوجبه الله، أو نبيه صلى الله عليه وآله، أو يأمران به؟.
أترى عمر كان أعلم منهما بمصالح العباد؟.
وكان قد استناباه في نصب أبي بكر إماما؟.
____________
(1) ورواه في منتخب كنز العمال ج 5 ص 106 بطريقين عن أبي هريرة بلفظ آخر.
(2) الإمامة والسياسة ج 1 ص 14.
فليرجع العاقل المنصف من نفسه، وينظر: هل يستجيز لنفسه المصير إلى هذه الاعتقادات الردية؟ مع أن النبي صلى الله عليه وآله كان أشرف الأنبياء عليهم السلام، وشريعته أتم الشرائع، وقنع من اليهود بالجزية ولم يوجب عليهم متابعته قهرا، وإجبارا، وكذا من النصارى والمجوس، ولم يعاقبهم بالاحراق؟.
فكيف استجاز هؤلاء الصحابة قصد أهل البيت بذلك.
مع أن مسألة الإمامة عندهم ليست من أصول العقائد، ولا من أركان الدين، بل هي مما يتعلق بمصالح العباد في أمور الدنيا، فكيف يعاقب من يمتنع من الدخول فيها؟.
وهلا قصدوا بيوت الأنصار وغيرهم، مثل: سلمان، وأبي ذر، والمقداد، وأكابر الصحابة لما امتنعوا من البيعة؟. وأسامة بن زيد لم يبايع إلى أن مات، وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله أمرني عليكم، فمن أمرك علي يا أبا بكر (1)؟.
إنكاره موت النبي صلى الله عليه وآله
ومنها: أنه قد بلغ من قلة المعرفة: أنه لم يعلم أن الموت يجوز على النبي صلى الله عليه وآله، بل أنكر ذلك لما قالوا: مات رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال:
والله ما مات محمد صلى الله عليه وآله حتى يقطع أيدي رجال وأرجلهم، فقال له أبو بكر: أما سمعت قول الله تعالى: " إنك ميت وإنهم ميتون (2) وقوله: " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، أفإن مات أو
____________
(1) ورواه الزمخشري في كتابه ربيع الأبرار بلفظ آخر. وللعلامة السيد شرف الدين بحثا شافيا في المقام فراجع النص والاجتهاد ص 99 وذكر المتقي في كنز العمال ج 3 ص 270 اعتراف الخليفة الثاني بهذه الإمارة فراجع.
(2) الزمر: 3.
ومن لم يسمع هذه الآية، ومن هذه حاله، كيف يجوز أن يكون إماما، واجب الطاعة على جميع الخلق؟.
لولا علي لهلك عمر
ومنها: أنه أمر برجم امرأة حامل، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام:
" إن كان لك عليها سبيل، فليس لك على ما في بطنها سبيل "، فقال عمر:
" لولا علي لهلك عمر ".
ومنها: أنه أمر برجم مجنونة، فنبهه أمير المؤمنين عليه السلام، وقال:
القلم مرفوع عن المجنون حتى يفيق، فقال: " لولا علي لهلك عمر " (3).
وهذا يدل على قلة معرفته، وعدم تنبهه لظواهر الشريعة.
منعه من المغالاة في المهر
ومنها: أنه منع من المغالاة في المهر، وقال: (من غالى في مهر ابنته جعلته في بيت المال) بشبهة: أنه رأى النبي صلى الله عليه وآله زوج فاطمة (ع)
____________
(1) آل عمران: 144
(2) قال عمر بن الخطاب: من قال: إن محمدا قد مات قتلته بسيفي هذا... وكان يشتد في الانكار، إلى أن جاء أبو بكر من منزله الذي في السنح، وقال إن النبي صلى الله عليه وآله قد مات، وقرأ الآية المذكورة في المتن، فقال عمر: كأني ما سمعت هذه الآية حتى قرأها أبو بكر.
(راجع: الملل والنحل ج 1 ص 23، وتاريخ الخميس ج 2 ص 167، وصحيح البخاري ج 6 ص 17، وتاريخ الكامل ج 2 ص 219).
أقول: كيف تفوه بقوله: " حسبنا كتاب الله "، حين منع النبي صلى الله عليه وآله عن وصيته المتضمنة فلاح الأمة إلى الأبد، ولم يعرف هذه الآية إلى أن قرأها أبو بكر، ولم يعرف تفسير آية: " فاكهة وأبا "، وغيرهما من الآيات، فتدبر. والله الهادي.
(3) الرياض النضرة ج 2 ص 196، وذخائر العقبى ص 80 و 82، وشرح النهج لابن أبي الحديد ج 1 ص 6، والاستيعاب في هامش الإصابة ج 3 ص 39.
خطأ، فإنه لا يجوز ارتكاب المحرم وهو أخذ المهر، وجعله في بيت المال، لأجل فعل مستحب، والرواية منافية، لأن المروي: أنه حرمه ومنعه، حتى قالت المرأة: كيف تمنعنا ما أحل الله لنا في محكم كتابه.
وأما التواضع، فإنه لو كان الأمر كما قال عمر، لاقتضى إظهار القبيح، وتصويب الخطأ، ولو كان العذر صحيحا لكان هو المصيب، والمرأة مخطئة (3).
قصة تسور عمر على جماعة
ومنها: أنه تسور على قوم، ووجدهم على منكر، فقالوا: أخطأت من جهات:
تجسست، وقد قال الله تعالى: " ولا تجسسوا " (4).
ودخلت الدار من غير الباب، والله تعالى يقول: " وليس البر بأن
____________
(1) النساء: 20
(2) التمهيد للباقلاني 99 وشرح النهج ج 1 ص 61 و ج 3 ص 96 وتفسير الخازن، وفي هامشه تفسير النسفي ج 1 ص 361، والتفسير الكبير ج 10 ص 13 والدر المنثور ج 2 ص 133، وروح المعاني ج 4 ص 219
(3) كما في شرح النهج ج 1 ص 61، قال عمر: ألا تعجبون من إمام أخطأ وامرأة أصابت؟
فاضلت إمامكم ففضلته. وفي تفسير الخازن ج 1 ص 361 قال: امرأة أصابت وأمير أخطأ. وفي لفظ القرطبي: أصابت امرأة وأخطأ عمر.
(4) الحجرات: 12.
ودخلت بغير إذن، وقد قال الله تعالى: " لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا " (2).
ولم تسلم، وقد قال الله تعالى: " وتسلموا على أهلها " (3).
فلحقه الخجل (4).
أجاب قاضي القضاة: بأن له أن يجتهد في إزالة المنكر.
ولحقه الخجل، لأنه لم يصادف الأمر على ما قيل له.
وهذا خطأ، لأنه لا يجوز للرجل أن يجتهد في محرم، ومخالفة الكتاب والسنة، خصوصا مع عدم علمه ولا ظنه، ولذا ظهر كذب الافتراء على أولئك.
أعطيات الخليفة من بيت المال
ومنها: أنه كان يعطي من بيت المال ما لا يجوز، حتى أنه أعطى عائشة وحفصة في كل سنة عشرة آلاف درهم (5).
وحرم على أهل البيت خمسهم (6).
وكان عليه ثمانون ألف درهم لبيت المال (7).
ومنع فاطمة عليها السلام إرثها، ونحلتها، التي وهبها رسول الله صلى الله عليه وآله لها (8).
____________
(1) البقرة: 189
(2) النور: 27
(3) النور: 27
(4) الدر المنثور ج 6 ص 93، وشرح النهج ج 1 ص 61 و 152، والرياض النضرة ج 2 ص 46، وكنز العمال ج 2 ص 167 رقم 3696
(5) تاريخ الكامل ج 2 ص 351، وشرح النهج ج 3 ص 153
(6) أحكام القرآن للجصاص ج 3 ص 61، وشرح النهج ج 3 ص 153
(7) شرح النهج ج 3 ص 153
(8) أنظر ما تقدم في الهامش.
وهو خطأ، لأن التفضيل إنما يكون لسبب يقتضيه، كالجهاد وغيره.
تعطيله الحد عن المغيرة بن شعبة
ومنها: أنه عطل حد الله في المغيرة بن شعبة، لما شهد عليه الزنا، ولقن الشاهد الرابع الامتناع من الشهادة، وقال له: أرى وجه رجل لا يفضح الله به رجلا من المسلمين، فلجلج في شهادته، اتباعا لهواه فلما فعل ذلك عاد إلى الشهود فحدهم، وفضحهم.
فتجنب أن يفضح المغيرة، وهو واحد قد فعل المنكر، ووجب عليه الحد، وفضح ثلاثة، مع تعطيله حكم الله، ووضعه الحد في غير موضعه.
أجاب قاضي القضاة: بأنه أراد صرف الحد عنه، واحتال في دفعه.
قال السيد المرتضى: كيف يجوز أن يحتال في صرف الحد عن واحد، ويوقع ثلاثة فيه، وفي الفضيحة، مع أن عمر كان كلما رأى المغيرة يقول:
" قد خفت أن يرميني الله بحجارة من السماء " (1).
مفارقات عمر في الأحكام
ومنها: أنه كان يتلون في الأحكام، حتى روي أنه قضى في الجد
____________
(1) أسد الغابة ج 4 ص 407، وتاريخ الكامل ح 2 ص 378، والإصابة ج 3 ص 452، وكنز العمال ج 3 ص 88 و 95 و 96 و 101، في كتاب الحدود، وفي شرح النهج ج 3 ص 159، وما بعدها.
ورواه بطريق أبي الفرج: فلما ضربوا الحد فقال مغيرة: الله أكبر، الحمد لله الذي أخزاكم، فقال عمر: اسكت، أخزى الله مكانا رأوك فيه..
وروي أيضا: فقال عمر للمغيرة: ويحك، أتتجاهل علي؟ والله، ما أظن أبا بكرة كذب عليك، وما رأيتك إلا خفت أن أرمى بحجارة من السماء.
وأنه كان يفضل في الغنيمة، والعطاء (2).
وقد سوى الله بين الجميع.
وأنه قال في الأحكام من جهة الرأي، والحدس والظن (3).
تحريم عمر متعة النساء
ومنها: أنه قال: " متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله أنا أنهي عنهما، وأعاقب عليهما " (4).
وهذا يقدح في عدالته، حيث حرم ما أباحه الله تعالى، وكيف يسوغ له أن يشرع الأحكام، وينسخها، ويجعل اتباعه أولى من اتباع الرسول صلى الله عليه وآله، الذي لا ينطق عن الهوى، فإن حكم هاتين المتعتين: إن كان من عند الرسول لا من قبل الله، لزم تجويز كون كل الأحكام كذلك، نعوذ بالله، وإن كان من عند الله، فكيف يحكم بخلافه؟.
____________
(1) شرح النهج ج 3 ص 165 وفي المستدرك ج 4 ص 340، وأخرج الدارمي: أن عمر بن الخطاب لما طعن استشارهم في الجد، فقال: إني كنت رأيت في الجد رأيا، فإن رأيتم: أن تتبعوه فاتبعوه.
وأخرج البيهقي في السنن الكبرى ج 6 ص 245، عن عبيدة، قال: إني لأحفظ عن عمر في الجد مائة قضية، كلها ينقض بعضها بعضا.
وعن عبيدة قال: حفظت عن عمر بن الخطاب في الجد مائة قضية مختلفة.
وعن عمر، قال: إني قضيت في الجد قضيات لم آل عن الحق، ورواه أيضا في كنز العمال ج 6 ص 15، في كتاب الفرائض.
(2) شرح النهج ج 3 ص 153، و 165، وتاريخ الكامل ج 2 ص 351
(3) ما روي في المتن من حكمه وقضاياه نماذج لاعتماده على الحدس والظن، فمن أراد التفصيل، فليراجع كتب أعاظم القوم.
(4) ذيل الحديث: " متعه الحج ومتعة النساء ". راجع: التفسير الكبير ج 10 ص 50، وكنز العمال ج 8 ص 293، وفي لفظ الجصاص في أحكام القرآن ج 2 ص 152: لو تقدمت فيها لرجعت، والدر المنثور ج 2 ص 140.
وأيضا يجوز أن يكون ذلك برواية عن النبي صلى الله عليه وآله.
واعترضه المرتضى: بأنه أضاف النهي إلى نفسه، وقال: " كانتا على عهد رسول الله، وهو يدل على أنه كان في جميع زمانه حتى مات عليها، ولو كان النهي من الرسول صلى الله عليه وآله كان أبلغ في الانتهاء، فلم يقل ذلك على سبيل الرواية (1).
وقد روي عن ابنه عبد الله إباحتها، " فقيل له: إن أباك يحرمها؟
فقال: إنما ذلك عن رأي رآه " (2).
وقد روى السنة في الجمع بين الصحيحين، عن جابر بن عبد الله، قال: تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله، فلما قام عمر قال: إن الله كان يحل لرسوله ما يشاء بما يشاء، وإن القرآن قد نزل منازله، فأتموا الحج والعمرة، كما أمركم الله وإياكم ونكاح هذه النساء، فلن أوتى برجل نكح امرأة إلى أجل إلا رجمته بالحجارة (3).
وهذا نص في مخالفة كتاب الله، والشريعة المحمدية، لأنا لو فرضنا تحريمها لكان فاعلها على شبهة، والنبي صلى الله عليه وآله قال: " إدرأوا الحدود بالشبهات " (4).
فهذه رواياتهم الصحيحة عندهم تدل على ما دلت عليه، فلينظر العاقل، وليخف الجاهل.
____________
(1) شرح النهج ج 3 ص 167
(2) مسند أحمد ج 2 ص 95، وصحيح الترمذي، كما في كتاب المتعة، للأستاذ الفكيكي ص 42 (ط القاهرة).
(3) وأيضا في أحكام القرآن للجصاص ج 2 ص 147
(4) الفقه على المذاهب الأربعة ج 5 ص 88 والنهاية لابن الأثير ج 2 ص 109.