الصفحة 334

وفي الجمع بين الصحيحين، من مسند جابر بن عبد الله، قال: " دعا رسول الله صلى الله عليه وآله عند موته، فأراد أن يكتب لهم كتابا لا يضلون بعده أبدا، فكثر اللغط، وتكلم عمر، فرفضها رسول الله صلى الله عليه وآله (1).

وكيف يسوغ لعمر منع رسول الله صلى الله عليه وآله من كتبه ما يهتدون به إلى يوم القيامة، فإن كان هذا الحديث صحيحا عن عمر وجب ترك القبول منه، وإلا لم يجز لهم إسناده إليه، وحرم عليهم التعويل على كتبهم هذه.

نوادر الأثر في علم عمر

وفي الجمع بين الصحيحين، من مسند أبي هريرة، من أفراد مسلم، قال: كنا قعودا حول عند رسول الله صلى الله عليه وآله، ومعنا أبو بكر، وعمر، في نفر، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله من بين أظهرنا فأبطأ علينا، حتى خشينا أن يقطع دوننا، وفزعنا فقمنا، وكنت أول من فزع، فخرجت أبتغي رسول الله صلى الله عليه وآله حتى أتيت حائطا للأنصار لبني النجار، فدرت به: هل أجد له بابا، فلم أجده، فإذا ربيع، أي جدول، يدخل في جوف الحائط، من بئر خارجة، فاحتفرت كما يحتفر الثعلب، فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله.

فقال: أبو هريرة؟ فقلت: نعم يا رسول الله، فقال: ما شأنك؟ قلت:

كنت بين أظهرنا، فقمت وأبطأت علينا، فخشينا أن تقتطع دوننا ففزعنا، فكنت أول من فزع، فأتيت هذا الحائط فاحتفرت كما يحتفر الثعلب، وهؤلاء الناس ورائي، فقال: يا أبا هريرة. وأعطاني نعليه، فقال:

اذهب بنعلي هاتين، فمن لقيت وراء هذا الحائط، يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه، فبشره بالجنة، فكان أول من لقيت عمر، فقال:

ما هاتان النعلان يا أبا هريرة؟ قلت: نعلا رسول الله صلى الله عليه وآله بعثني بهما من لقيت يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه بشرته بالجنة، قال: فضرب

____________

(1) ورواه أحمد في مسنده ج 3 ص 34.


الصفحة 335
عمر بين ثديي فخررت لإستي، فقال: ارجع يا أبا هريرة، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، فأجهشت بالبكاء، وركبني عمر، فإذا هو على أثري، فقال رسول الله، ما لك يا أبا هريرة، قلت: لقيت عمر، فأخبرته بالذي بعثتني به، فضرب بين ثديي ضربة خررت لإستي، وقال:

ارجع، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: يا عمر، ما حملك على ما صنعت، فقال: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، أبعثت أبا هريرة بنعليك من لقي يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه بشره بالجنة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وآله:

نعم، قال: فلا تفعل، فإني أخشى أن يتكل الناس عليها، فخلهم يعملون، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: خلهم (1).

وهذا رد من عمر على رسول الله صلى الله عليه وآله، وإهانة لرسول الله صلى الله عليه وآله، حيث ضرب أبا هريرة حتى قعد على استه، ورجع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله باكيا شاكيا.

مع أنه لو كان شريكا له في الرسالة لم يحسن منه وقوع مثل هذا في حق اتباع رسول الله صلى الله عليه وآله.

مع أنه كان يمكنه منع أبي هريرة من أداء الرسالة على وجه أليق، وألطف، فيبلغ غرضه معظما لرسول الله صلى الله عليه وآله.

من أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال له ذلك بوحي من الله تعالى، لقوله:

" وما ينطق عن الهوى ".

ولأن هذا جزاء أخروي، لا يعلمه إلا الله تعالى.

ولأنه ضمان على الله تعالى، ولأنه الحاكم في الجنة.

مع أن رسول الله صلى الله عليه وآله فيما رواه الحميدي، في الجمع بين الصحيحين،

____________

(1) رواه مسلم في صحيحه ج 1 ص 28 في باب من لقي الله بالإيمان، وهو غير شاك فيه دخل الجنة وحرم على النار.


الصفحة 336
في مسند أبي ذر، قال صلى الله عليه وآله: " أتاني جبرئيل فبشرني أنه من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة " (1).

وفي رواية: " لم يدخل النار " (2).

فهذا صحيح عندهم، فكيف استجاز عمر الرد على رسول الله صلى الله عليه وآله؟.

وفيه، في مسند غسان بن مالك، متفق عليه، قال: إن النبي صلى الله عليه وآله قال: " إن الله تعالى قد حرم النار على من قال: لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجهه " (3).

وإذا كان النبي صلى الله عليه وآله قال ذلك، في عدة مواضع، كيف استجاز عمر فعل ما فعله بأبي هريرة؟..

وقد روى عبد الله بن عباس، وجابر، وسهل بن حنيف، وأبو وائل، والقاضي عبد الجبار، وأبو علي الجبائي، وأبو مسلم الأصفهاني، ويوسف، والثعلبي، والطبري، والواقدي، والزهري، والبخاري، والحميدي في الجمع بين الصحيحين، في مسند المسور بن مخرمة، في حديث الصلح بين سهيل بن عمرو، وبين النبي صلى الله عليه وآله بالحديبية، يقول فيه عمر ابن الخطاب:

فأتيت النبي صلى الله عليه وآله فقلت له: ألست نبي الله حقا؟ قال: بلى، قلت: ألسنا على الحق، وعدونا على الباطل؟ قال: بلى، قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا؟ قال: إني رسول الله، ولست أعصيه، وهو ناصري، قلت: أوليس كنت حدثتنا: إنا سنأتي البيت، ونطوف به؟

قال: بلى، أفأخبرتك أنا نأتيه العام؟ قلت: لا، قال: فإنك آتيه، ومطوف به.

____________

(1) رواه مسلم في الصحيح ج 1 ص 42 والبغوي في المصابيح ج 1 ص 5

(2) أقول: وجاء في معناهما روايات كثيرة. أنظر: المصابيح ج 1 ص 4 و 5 وصحيح مسلم ج 1 ص 26 و 42 والتاج الجامع للأصول ج 1 ص 24، كتاب الإيمان.

(3) تقدم آنفا تحت رقم 2.


الصفحة 337
قال عمر: فأتيت أبا بكر، فقلت: يا أبا بكر، أليس هذا نبي الله حقا؟ قال: بلى، قلت: ألسنا على الحق، وعدونا على الباطل؟ قال:

بلى، قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذن؟ قال: أيها الرجل، إنه رسول الله، وليس يعصي ربه، وهو ناصره، فاستمسك بغرزه فوالله إنه على الحق، قلت: أليس كان يحدثنا: أنا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال:

فأخبرك أنك تأتيه العام؟ قلت: لا، قال: فإنك آتيه ومطوف به (1).

وزاد الثعلبي في تفسيره سورة الفتح، وغيره من الرواة: " أن عمر ابن الخطاب قال: " ما شككت منذ أسلمت إلا يومئذ " (2).

وهذا الحديث يدل على تشكيك عمر، والانكار على النبي صلى الله عليه وآله فيما فعله بأمر الله تعالى، ثم رجوعه إلى أبي بكر حتى أجابه بالصحيح.

وكيف استجاز عمر: أن يوبخ النبي صلى الله عليه وآله، ويقول له، عقيب قوله:

" إني رسول الله ولست أعصيه، وهو ناصري ": " أولست كنت تحدثنا:

أنا سنأتي البيت، ونطوف به؟؟ ".

وفي الجمع بين الصحيحين، في مسند عائشة، من المتفق على صحته:

أن عائشة قالت: أعتم رسول الله صلى الله عليه وآله بالعشاء حتى ناداه عمر: بالصلاة.

نام النساء والصبيان، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله، وقال: وما كان لكم أن تنذروا رسول الله صلى الله عليه وآله على الصلاة، وذلك حين صاح عمر بن الخطاب (3).

وقد قال الله تعالى: " لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي، ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض، أن تحبط أعمالكم، وأنتم

____________

(1) ورواه في الدر المنثور ج 6 ص 76 وتفسير الخازن ج 4 ص 168 والتاج الجامع للأصول ج 4 ص 336

(2) وهكذا في الدر المنثور ج 6 ص 76 وتفسير الخازن ج 4 ص 148 وتاريخ الخميس ج 1 ص 241

(3) صحيح مسلم ج 1 ص 241، وصحيح البخاري ج 1 ص 141.


الصفحة 338
لا تشعرون (1)، فجعل ذلك محبطا للعمل، وقال: " إن الذين ينادونك من وراء الحجرات، أكثرهم لا يعقلون، ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم " (2).

وفي الجمع بين الصحيحين للحميدي، في مسند عبد الله بن عمر بن الخطاب، أنه لما توفي عبد الله بن أبي بن سلول، جاء ابنه عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، فسأله: أن يصلي عليه، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله ليصلي عليه، فقام عمر، فأخذ بثوب رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وآله أتصلي عليه وقد نهاك ربك أن تصلي عليه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إنما خبرني الله تعالى: قال: " استغفر لهم، أو لا تستغفر لهم، إن تستغفر لهم سبعين مرة " (3)، وسأزيد على السبعين، قال: إنه منافق؟

فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وآله (4). وهذا رد على النبي صلى الله عليه وآله.

وفي الجمع بين الصحيحين، من مسند عائشة، قالت: (كان أزواج رسول الله صلى الله عليه وآله يخرجن ليلا إلى ليل قبل المصانع، فخرجت سودة بنت زمعة، فرآها عمر، وهو في مجلس، فقال: عرفتك يا سودة. فنزلت آية الحجاب عقيب ذلك) (5).

وهو يدل على سوء أدب عمر، حيث كشف سر زوجة النبي صلى الله عليه وآله، ودل عليها أعين الناس وأخجلها، وما قصدت بخروجها ليلا إلا الاستتار

____________

(1) الحجرات: 2 و 4

(2) الحجرات: 2 و 4

أقول: وقد روى غير واحد: أنها نزلت في أبي بكر وعمر، منهم البخاري في صحيحه ج 6 ص 171 والسيوطي في الدر المنثور ج 6 ص 84 ومنصور علي ناصف في التاج الجامع للأصول ج 4 ص 239 وقال: رواه البخاري، والترمذي، والنسفي في تفسيره في هامش تفسير الخازن ج 4 ص 176 والآلوسي في تفسيره ج 26 ص 123

(3) التوبة: 80

(4) صحيح البخاري ج 2 ص 92 و 115 في باب ما يكره من الصلاة على المنافقين، وباب الكفن في القميص، من أبواب الجنائز، و ج 6 ص 85

(5) صحيح البخاري ج 1 ص 48 وصحيح مسلم ج 2 ص 6.


الصفحة 339
عن أعين الناس، وصيانة نفسها، وأي ضرورة له إلى تخجيلها، حتى أوجب ذلك نزول آية الحجاب.

وفي الجمع بين الصحيحين، في مسند جابر بن عبد الله، من المتفق عليه، قال جابر: إن أباه قتل يوم أحدا شهيدا، فاشتد الغرماء في حقوقهم، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وآله، وكلمته، فسألهم أن يقبلوا ثمرة حائطي، ويحلوا أبي، فلم يوافقوا، فلم يعطهم رسول الله صلى الله عليه وآله ثمرة حائطي، ولم يكسره لهم، ولكن قال: سأغدو عليكم، فغدا علينا رسول الله صلى الله عليه وآله حين أصبح، فطاف في النخل، ودعا في ثمرها بالبركة، فجذذتها، فقضيتهم حقوقهم، وبقي لنا من ثمرها بقية، ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فأخبرته بذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لعمر، وهو جالس: إسمع يا عمر، فقال عمر: إن لم نكن قد علمنا أنك رسول الله، فوالله إنك لرسول الله صلى الله عليه وآله (1).

وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وآله سيئ الرأي فيه، ولهذا أمره بالسماع، وأجاب عمر: إن لم نكن علمنا أنك رسول الله فإنك رسول الله صلى الله عليه وآله.

وفي الجمع بين الصحيحين، في مسند أنس بن مالك، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان، قال: فتكلم أبو بكر، فأعرض عنه، ثم تكلم عمر، فأعرض عنه (2).

وهذا يدل على سقوط منزلتهما عنده، وقد ظهر بذلك كذب من اعتذر عنهما في ترك القتال ببدر بأنهما: كانا أو أحدهما في العريش (3)، يستضئ

____________

(1) ورواه البخاري في الصحيح ج 3 ص 199، في كتاب الهبة.

(2) مسند أحمد ج 3 ص 219 و 220، وصحيح مسلم ج 3 ص 159 والتاج الجامع للأصول ج 4 ص 408

(3) أقول: لم يؤثر عن الشيخين قبل الإسلام وبعده مشهد يدل على فروسيتهما، ولم يوجد لهما في مغازي النبي مع كثرتها وشهودهما فيها موقفا يشهد لهما بالشجاعة، أو وقفة تخلد لهما الذكر في التاريخ، أو خطوة قصيرة في ميادين تلك الحروب، تعرب عن شئ من هذا، غير ما كان في واقعة خيبر، من فرارهما عن مناضلة مرحب اليهودي، على ما أخرجه الطبراني، والبزار، كما في مجمع الزوائد ج 9 ص 124، والقاضي عضد الإيجي في المواقف، وأقره شراحه كما في شرحه ج 3 ص 276، وابن المغازلي في المناقب ص 180 وابن أبي الحديد في شرحه على نهج البلاغة.


الصفحة 340
برأيهما، فمن لا يسمع قولهما في ابتداء الحال، كيف يستنير بهما حال الحرب؟.

وقد اعترض أبو هاشم الجبائي، فقال: أيجوز أن يخالف النبي صلى الله عليه وآله فيما يأمر به؟.

ثم أجاب، فقال: أما ما كان على طريق الوحي، فليس يجوز مخالفته على وجه من الوجوه، وأما ما كان على طريق الرأي، فسبيله سبيل الأئمة، في أنه لا يجوز أن يخالف ذلك حال حياته، ويجوز بعد وفاته، والدليل على ذلك: أنه أمر أسامة بن زيد: أن يخرج بأصحابه في الوجه الذي بعثه فيه، فأقام أسامة، وقال: لم أكن لأسأل عنك الركبان، وكذلك أبو بكر، استرجع عمر، وكان لأبي بكر استرجاع عمر (1).

وهذا قول بتجويز مخالفة النبي صلى الله عليه وآله، والله تعالى قد أمر بطاعته، وحرم مخالفته، ثم كيف يجيب بجواز المخالفة بعد الموت لا حال الحياة، ويستدل عليه بفعل أسامة وأبي بكر وعمر؟ ومخالفتهم كانت في حياة الرسول صلى الله عليه وآله، ولهذا قال أسامة: لم أكن لأسأل عنك الركبان، وهذا يدل على المخالفة في الحياة، وبعد الموت، فأي وقت يجب القبول منه؟

وكيف يجوز لهؤلاء القوم: أن يستدلوا على جواز مخالفة الرسول صلى الله عليه وآله بفعل أسامة، وأبي بكر، وعمر؟ (2).

____________

(1) روى غير واحد من أهل السير والتاريخ والحديث: تخلف أبي بكر، وعمر، وغيرهما عن جيش أسامة، مع أمر النبي صلى الله عليه وآله لهم بالالتزام بجيشه، ولعنه من تخلف عنه.

(2) راجع مع دقة النظر، وحرية الفكر: الملل والنحل ج 1 ص 23، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 2 ص 20 والسيرة الحلبية ج 3 ص 207 وتاريخ الخميس ج 2 ص 154، وتاريخ الكامل ج 2 ص 215 وغيرها من كتب التاريخ والحديث.


الصفحة 341
وفي الجمع بين الصحيحين قال: قال النبي صلى الله عليه وآله: رأيتني دخلت الجنة فإذا أنا بالرميضاء، امرأة أبي طلحة فسمعت خفقة، فقلت: من هذا؟ قال: هذا بلال. فرأيت قصرا بفنائه جارية، فقلت: لمن هذا؟

فقال: لعمر بن الخطاب، فأردت أن أدخله فأنظر إليه، فذكرت غيرتك فوليت مدبرا، فبكى عمر، وقال: عليك أغار يا رسول الله؟ (1).

وكيف يجوز أن يرووا مثل هذا الخبر، وأي عقل يدل على أن الرميضاء، وبلالا يدخلان الجنة قبل النبي صلى الله عليه وآله، ثم قوله: ذكرت غيرتك، يعطي أن عمر كان يعتقد جواز وقوع الفاحشة من النبي صلى الله عليه وآله في الجنة.

وفي الجمع بين الصحيحين: أن عمر قال (يوم مات رسول الله):

ما مات محمد، ولا يموت حتى يكون آخرنا (2).

وفيه عن عائشة، من أفراد البخاري: أن رسول الله صلى الله عليه وآله مات وأبو بكر ب (السنح)، يعني بالعالية، فقام عمر يقول: والله ما مات رسول الله، قالت: وقال عمر: ما كان يقع في نفسي إلا ذاك، وليبعثنه الله، فليقطعن أيدي قوم وأرجلهم، فجاء أبو بكر، فكشف عن وجه رسول الله صلى الله عليه وآله، وعرفه أنه قد مات (3).

وقد روى الحميدي في الجمع بين الصحيحين: اعتذار عمر عن ذلك من أفراد البخاري، عن أنس: أنه سمع خطبة عمر بن الخطاب الأخيرة، حين جلس على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وذلك في الغد من يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وآله، فتشهد وأبو بكر صامت لا يتكلم، وقال عمر:

فإني قلت لكم أمس مقالة ما كانت في كتاب أنزله الله، ولا في عهد

____________

(1) ورواه ابن الأثير في أسد الغابة ج 5 ص 460 والإصابة ج 4 ص 308

(2) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 1 ص 128 و 129 وصحيح البخاري ج 6 ص 17 وتاريخ الخميس ج 2 ص 124

(3) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 1 ص 128 و 129 وصحيح البخاري ج 6 ص 17 وتاريخ الخميس ج 2 ص 124.


الصفحة 342
عهده إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، ولكن أرجو أن يعيش حتى يدبرنا (1).

وهذا اعتراف منه صريح، بأنه تعمد قول ما ليس في كتاب الله، ولا في سنة النبي صلى الله عليه وآله، وأنه كان مخطئا فيه. ثم اعتذر بأنه رجا أن يعيش النبي صلى الله عليه وآله في زمانه ويدبره، وكل هذا اضطراب!!.

وفي الجمع بين الصحيحين، في مسند أبي هريرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة، فيقول: " من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر " (2) فتوفي رسول الله صلى الله عليه وآله والأمر على ذلك، ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر، وصدرا من خلافة عمر (3).

ثم روى الحميدي في الجمع بين الصحيحين، في مسند أبي هريرة من المتفق على صحته، عن عبد الرحمن بن عبد الباري، قال: خرجت مع عمر ليلا، في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون، يصلي الرجل نفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: لو جمعت هؤلاء على قار واحد لكان أمثل، ثم عزم، فجمعهم على أبي بن كعب.

قال: ثم خرجت معه ليلة أخرى، والناس يصلون بصلاة قارئهم فقال عمر: بدعة، ونعمت البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون، يريد آخر الليل، وكان الناس يقومون أوله (4).

فلينظر العاقل وينصف: هل يحل لأحد: أن يبتدع بدعة، ويستحسنها؟.

____________

(1) ورواه ابن الأثير في التاريخ الكامل ج 2 ص 219

(2) صحيح البخاري ج 1 ص 17 و ج 2 ص 55 ومصابيح السنة ج 1 ص 94 وصحيح مسلم ج 1 ص 293

(3) التاج الجامع للأصول ج 2 ص 63، وقال: رواه الخمسة، ومصابيح السنة ج 1 ص 94 وصحيح مسلم ج 1 ص 292

(4) وفي التاج ج 2 ص 65 وقال: رواه البخاري.


الصفحة 343
وقد روى الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: كل بدعة ضلالة (1). ويقل عمر إنها بدعة، ونعمت البدعة، ويأمر بها، ويحث عليها.

وكيف استجاز لنفسه أن يأمر بما لم يأمر الله ولا نبيه به؟ أتراه أعلم منهما بمصلحة العباد؟ معاذ الله تعالى، أو أن النبي صلى الله عليه وآله كتمه؟ نعوذ بالله منه، أو أن المسلمين في زمان النبي صلى الله عليه وآله، وأبي بكر، أهملوا؟

وقد قال النبي صلى الله عليه وآله: " من أحدث في ديننا ما ليس منه فهو رد " (2).

ورواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين، في مسند أنس بن مالك، قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي في رمضان، فجئت وقمت إلى جنبه، وجاء رجل آخر فقام أيضا حتى كنا رهطا، فلما أحس النبي صلى الله عليه وآله بنا خلفه جعل يتجوز في الصلاة، ثم دخل رحله، فجعل يصلى صلاة لا يصليها عندنا، قال: فقلنا له حين أصبحنا: أفطنت لنا الليلة؟ فقال:

نعم، وذلك الذي جعلني على الذي صنعت (3).

فإذا كان النبي صلى الله عليه وآله امتنع أن يكون إماما في نافلة رمضان، ومنع من الاجتماع فيها، فكيف جاز لعمر أن يخالفه؟ ومع هذا يشهد على نفسه أنه بدعة ابتدعه، ومع ذلك يستمر أكثر المسلمين عليه، ويهملون ما فعله النبي صلى الله عليه وآله، وأبو بكر...

وروى الحميدي في الجمع بين الصحيحين، عن سلمة بن الأكوع، وجابر، قالا: كنا في جيش، فأتانا رسول الله صلى الله عليه وآله قال: " قد أذن

____________

(1) ورواه البغوي في المصابيح ج 1 ص 11 و 14 وابن أبي الحديد في شرح النهج ج 3 ص 187 والحاكم في المستدرك ج 1 ص 97

(2) تجد بهذا المعنى عدة روايات في المستدرك. فراجع ج 1 ص 96 و 97

(3) وقريب منه ما رواه مسلم، مسندا عن عائشة. في صحيحه ج 1 ص 293 والبغوي في المصابيح ج 1 ص 64 عن زيد بن ثابت.


الصفحة 344
لكم أن تستمتعوا " يعني: متعة النساء (1).

وفيه، في مسند عبد الله بن مسعود: كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وآله ليس معنا نساء، فقلنا: ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك، ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل، ثم قرأ عبد الله: " يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم " (2).

وروى الحميدي في الجمع بين الصحيحين، في مسند أبي موسى الأشعري، عن إبراهيم بن أبي موسى: أن أباه كان يفتي بالمتعة، فقال له رجل: رويدك ببعض فتياك، فإنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في النسك، فلقيه بعد ذلك، فسأله، فقال عمر: قد علمت أن النبي قد فعله وأصحابه، ولكن كرهت: أن يظلوا معرسين بين الأراك، ثم يروحوا في الحج تقطر رؤوسهم (3).

وفي الجمع بين الصحيحين، في مسند عمران بن الحصين، في متعة الحج (4)، وقد تقدم لعمران بن الحصين حديث في متعة النساء أيضا (5):

قال: أنزلت آية المتعة في كتاب الله تعالى (6)، وفعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وآله، ولم ينزل قرآن يحرمها، ولم ينه عنها رسول الله صلى الله عليه وآله حتى مات، وقال رجل برأيه ما شاء.

____________

(1) ورواه منصور علي ناصف، في التاج الجامع للأصول ج 2 ص 334

(2) صحيح مسلم ج 2 ص 622 والبخاري ج 8 ص 16 وأحكام القرآن للجصاص ج 2 ص 154 والآية في سورة المائدة: 87

(3) وقال الأميني: أخرجه مسلم في صحيحه ج 1 ص 472 وابن ماجة في سننه ج 2 ص 229 وأحمد في مسنده ج 1 ص 50 والبيهقي في سننه ج 5 ص 20 والنسائي في سننه ج 5 ص 153 ويوجد في تفسير الوصول ج 1 ص 288 وشرح الموطأ للزرقاني.

(4) كما في صحيح مسلم ج 2 ص 540 والبخاري ج 6 ص 33، والتاج الجامع للأصول ج 2 ص 124

(5) أنظر ما تقدم في الهامش.

(6) قال الله تبارك وتعالى: " فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة " النساء: 24.


الصفحة 345
قال البخاري ومسلم في صحيحيهما: إنه عمر (1).

وهذا تصريح بأن عمر قد غير شرع الله، وشريعة نبيه في المتعتين، وعمل فيهما برأيه، وقال الله تعالى: " ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله، فأحبط أعمالهم " (2)، فإن كانت هذه الروايات صحيحة عندهم، فقد ارتكب عمر كبيرة، وإن كانت كاذبة فكيف يصححونها، ويجعلونها من الصحاح؟.

وفي الجمع بين الصحيحين للحميدي، من عدة طرق، منها: في مسند عبد الله بن عباس قال: كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله، وأبي بكر، وسنتين من خلافة عمر الثلاث واحدة، فقال عمر بن الخطاب:

إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم (3).

فلينظر العاقل: هل كان يجوز لعمر مخالفة الله ورسوله، حيث جعل الثلاث واحدة، ويجعلها هو ثلاثا؟...

وروى الحميدي في الجمع بين الصحيحين، في مسند عمار بن ياسر، قال: إن رجلا أتى عمر فقال: إني أجنبت فلم أجد ماء؟ فقال: لا تصل، فقال عمار: ألا تذكر يا عمر، إذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا، فلم نجد ماء، فأما أنت فلم تصل، وأما أنا فتمعكت بالتراب وصليت، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إنما يكفيك أن تضرب بيديك الأرض، ثم تمسح بهما وجهك، وكفيك، فقال عمر: اتق الله يا عمار، فقال: إن شئت لم

____________

(1) كما في تفسير ابن كثير ج 1 ص 233، وفتح الباري ج 4 ص 339 وإرشاد الساري للقسطلاني ج 4 ص 169

(2) محمد: 9

(3) صحيح مسلم ج 2 ص 472 ومستدرك الحاكم ج 2 ص 196 والدر المنثور ج 1 ص 279، وأحكام القرآن للجصاص ج 1 ص 388.


الصفحة 346
أحدث به، فقال عمر: نوليك ما توليت (1).

وهذا يدل على عدم معرفة عمر بظاهر الأحكام، وقد ورد به القرآن العزيز في قوله تعالى: " فلم تجدوا ماء، فتيمموا صعيدا طيبا "، في موضعين (2).

ومع ذلك فإنه عاشر النبي صلى الله عليه وآله والصحابة، مدة حياة النبي صلى الله عليه وآله، ومدة أبي بكر أيضا، وخفي عنه هذا الحكم الظاهر للعوام.

أفلا يفرق العاقل بين هذا وبين من قال في حقه رسول الله صلى الله عليه وآله:

" أقضاكم علي " (3)، وقال تعالى: " ومن عنده علم الكتاب " (4)، " وتعيها أذن واعية (5).

وقال هو: " سلوني عن طرق السماء، فإني أخبر بها من طرق الأرض، سلوني قبل أن تفقدوني (6)، والله لو ثنيت لي الوسادة لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم، وبين أهل الزبور بزبورهم، وبين أهل الفرقان بفرقانهم " (7).

____________

(1) صحيح مسلم ج 1 ص 138 ومسند أحمد ج 4 ص 319 و 365 وسنن أبي داود ج 1 ص 59 و 61 وسنن ابن ماجة ج 1 ص 200

(2) النساء: 43 والمائدة: 6

(3) هذا الحديث متواتر عند أهل الحديث، والتفسير، والتاريخ. راجع: صحيح البخاري ج 6 ص 23 وطبقات ابن سعد ج 2 ق 2 ص 102 والرياض النضرة ج 2 ص 198 والاستيعاب هامش الإصابة ج 1 ص 8؟ ج 3 ص 38 فقد رووا عن عمر من وجوه أنه قال: أقضانا علي بن أبي طالب.

(4) الرعد: 43

(5) الحاقة: 12، أقول: نزول هاتين الآيتين في علي (ع)، وكونه: من عنده علم الكتاب وذا الأذن الواعية ورد في روايات كثيرة. وهو ثابت عند أعاظم القوم في كتبهم، وقد أسلفنا فيما سبق عدة منها.

(6) الاستيعاب ج 3 ص 40 و 43 وأسد الغابة ج 4 ص 22 وذخائر العقبى ص 83

(7) ينابيع المودة ص 72 وتذكرة الخواص لسبط بن الجوزي ص 20.


الصفحة 347
وروى مسلم في صحيحه، بإسناده عن سلمان بن ربيعة، قال: قال عمر بن الخطاب: قسم رسول الله صلى الله عليه وآله قسما، فقلت: والله، يا رسول الله لغير هؤلاء أحق به منهم، قال: إنهم خيروني أن يسألوني بالفحش، أو يبخلوني فلست بباخل (1).

وهذه معارضة لرسول الله صلى الله عليه وآله، وهو العارف بمصالح العباد، ومن يستحق العطاء والمنع.

وروى مسلم في صحيحه، بإسناده إلى أبي موسى الأشعري، قال:

دخل عمر على حفصة، وأسماء عندها، فقال: حين رأى أسماء من هذه؟ قالت: أسماء بنت عميس. قال عمر: الحبشية هذه، البحرية هذه؟

فقالت أسماء: نعم. فقال عمر: سبقناكم بالهجرة، فنحن أحق برسول الله صلى الله عليه وآله منكم. فغضبت، وقالت: كذبت يا عمر، كلا والله، كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وآله يطعم جائعكم، ويعظ جاهلكم، وكنا في دار أرض البعداء البغضاء في الحبشة، وذلك في الله ورسوله، وأيم الله، لا أطعم طعاما، ولا أشرب شرابا حتى أذكر ما قلت لرسول الله صلى الله عليه وآله، ونحن كنا نؤذي ونخاف، وسأذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله، وأسأله. والله لا أكذب، ولا أزيغ، ولا أزيد على ذلك.

قال فلما جاء النبي صلى الله عليه وآله قالت: يا نبي الله صلى الله عليه وآله، إن عمر قال:

كذا وكذا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ليس بأحق بي منكم، فله ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان (2).

____________

(1) صحيح مسلم ج 2 ص 428، وفي كنز العمال ج 4 ص 42 عن الترمذي، وابن جرير، والبزار، عن ابن عمر، في قضية أخرى.

(2) صحيح مسلم ج 4 ص 152 ورواه البخاري في صحيحه وفي كتاب المغازي، باب خيبر ج 5 ص 174.


الصفحة 348
وهذا نص من النبي صلى الله عليه وآله في تخطئته، وتفضيل هجرة المرأة على هجرته، وأنها أحق برسول الله صلى الله عليه وآله منه، ليس لهذه المرأة الخلافة فلا تكون له.

وروى ابن عبد ربه في كتاب: " العقد الفريد " (1)، في حديث استعمال عمر بن الخطاب لعمرو بن العاص في بعض ولايته، فقال عمرو ابن العاص: قبح الله زمانا عمل فيه عمرو بن العاص لعمر بن الخطاب، والله إني لأعرف الخطاب يحمل على رأسه حزمة من حطب، وعلى رأس ابنه مثلها، وما ثمنها إلا تمره لا تبلغ مضغة ".

وهذا يدل على انحطاط مرتبته، ومنزلة أبيه عند عمرو بن العاص، فكيف استجازوا ترك بني هاشم، وهم ملوك الجاهلية والإسلام؟.

وفيه: قال: خرج عمر بن خطاب، ويده على المعلى بن الجارود، فلقيته امرأة من قريش، فقالت له: يا عمر فوقف لها: فقالت له: كنا نعرفك مرة عميرا، ثم صرت من بعد عمير عمر، ثم صرت من بعد عمر أمير المؤمنين، فاتق الله يا ابن الخطاب، وانظر في أمور الناس (المسلمين)، فإنه من خاف الوعيد قرب عليه البعيد، ومن خاف الموت خشي الفوت (2).

وقد روى أبو المنذر، هشام بن محمد بن السائب الكلبي، وهو من رجال السنة في كتاب: " المثالب " قال: كانت صهاك أمة حبشية، لهاشم بن عبد مناف، فوقع عليها نفيل بن هاشم، ثم وقع عليها عبد العزى ابن رياح، فجاءت بنفيل جد عمر بن الخطاب (3).

____________

(1) ج 1 ص 48 ط مصر، شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد ج 1 ص 175 الإصابة ج 4 ص 29 وفي هامشه الاستيعاب ص 291.

(2) صحيح مسلم ج 1 ص 322، باب التواضع.

(3) ويؤيد ذلك: ما رواه ابن أبي الحديد في شرح النهج ج 3 ص 24 وقال الذهبي في ميزان الاعتدال ج 4 ص 304: هشام بن محمد بن السائب الكلبي، أبو المنذر الأخباري النسابة العلامة إلى آخر ما قال: وخلاصة ما قاله الكلبي في كتابه المذكور: " إن صهاك كانت أمة حبشية لعبد المطلب وكانت ترعى له الإبل وكانت تميل إلى النكاح فنظر إليها نفيل بن عبد العزى فهواها وعشقها فوقع عليها فحملت منه الخطاب فلما أدرك الخطاب البلوغ نظر إلى أمه صهاك فأعجبه فوقع عليها فجائت بابنة فلفتها في خرقة من ما كان في واقعة خيبر، من فرارهما عن مناضلة مرحب اليهودي، على ما أخرجه الطبراني، والبزار، كما في مجمع الزوائد ج 9 ص 124، والقاضي عضد الإيجي في المواقف، وأقره شراحه كما في شرحه ج 3 ص 276، وابن المغازلي في المناقب ص 180 وابن أبي الحديد في شرحه على نهج البلاغة.


الصفحة 349
مثل هذا القول، ولا تعرضوا له، وعلماؤهم يروونه، وهذا من جملة قلة الإنصاف، فإن الشيعة أقصى ما يقولون: أنه أخذ الإمامة، وهي حق لأمير المؤمنين عليه السلام وغصبه ذلك. وهذا عالمهم قد نقل عنه ما ترى، فأهملوا، واشتغلوا بذم الشيعة.

وروى الحميدي في الجمع بين الصحيحين، قال: إن عمر أمر في المنبر أن لا يزاد في مهور النساء على عدد ذكره، فذكرته امرأة من جانب المسجد بقول الله تعالى: " وآتيتم إحداهن قنطارا، فلا تأخذوا منه شيئا " (1)، فقال: كل أحد أعلم من عمر حتى النساء (2)!.

فلينظر العاقل المنصف: هل يجوز لمن وصف نفسه بغاية الجهل، وقلة المعرفة: أن يجعل رئيسا على الجميع، وكلهم أفضل منه على ما شهد به على نفسه..

وفي الجمع بين الصحيحين للحميدي: أن عمر أمر برجم امرأة ولدت لستة أشهر، فذكره علي (ع) قول الله تعالى: " وحمله وفصاله ثلاثون شهرا " (3)، مع قوله تعالى: " الوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين " (4)، فرجع عمر عن الأمر برجمها (5).

وهذا يدل على إقدامه على قتل النفوس المحترمة، وفعل ما يتضمن القذف.

____________

(1) النساء: 20

(2) تفسير الكشاف ج 1 ص 357 وشرح صحيح البخاري للقسطلاني ج 8 ص 57 وتفسير ابن كثير ج 1 ص 467 والدر المنثور ج 2 ص 133 وكنز العمال، وتفسير النسفي في هامش الخازن ج 1 ص 361 وغيرهم من الأعلام.

(3) الأحقاف: 15

(4) البقرة: 233

(5) كنز العمال ج 3 ص 96 عن عدة من الحفاظ، وص 228 عن غير واحد من أئمة الحديث، والدر المنثور ج 1 ص 288 وفي ذخائر العقبى ص 82 والرياض النضرة ج 4 ص 194، والاستيعاب هامش الإصابة ج 3 ص 39 قال عمر: (لولا علي لهلك عمر).


الصفحة 350
وروى أحمد بن حنبل في مسنده: أن عمر بن الخطاب أراد أن يرجم مجنونة، فقال له علي: ما لك ذلك، أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول:

" رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يبرأ ويعقل، وعن الطفل حتى يحتلم "؟ فدرأ عمر عنها الرجم (1).

وذكر ابن حنبل، عن سعيد بن المسيب، قال: كان عمر يتعوذ من معضلة ليس لها أبو الحسن، يعني عليا (2).

وروى الحميدي في الجمع بين الصحيحين: أن عمر لم يدر ما يحد شارب الخمر.

ورووا أنه غير سنة نبيه صلى الله عليه وآله فيه (3).

وفيه: أنه سأل أبا أوفى: ما كان يقرأ رسول الله صلى الله عليه وآله في صلاة العيد؟

وسأل أبا واقد الليثي: ما كان يقرأ رسول الله صلى الله عليه وآله في الأضحى، والفطر (4)؟.

وهذا من قلة المعرفة بأظهر الأشياء، التي هي الصلاة الجهرية؟.

وفي الجمع بين الصحيحين: أن أبا موسى استأذن على عمر بن الخطاب ثلاثا، فلم يأذن له. فانصرف، فقال عمر: ما حملك على ما صنعت؟ قال:

____________

(1) ورواه الحاكم في المستدرك ج 2 ص 59 و ج 4 ص 227 والطبري في ذخائر العقبى ص 81

أقول: وفي حاشية شرح العزيز على الجامع الصغير ج 2 ص 417 ومصباح الظلام للدمياطي ج 2 ص 56 وتذكرة الخواص ص 57 على ما في الغدير ج 6 ص 102 قال عمر: (لولا علي لهلك عمر).

(2) كما في أسد الغابة ج 4 ص 22 والإصابة ج 2 ص 509 والاستيعاب ج 3 ص 39 وذخائر العقبى ص 82 والرياض النضرة ج 2 ص 197

(3) مستدرك الحاكم ج 4 ص 375 وكنز العمال ج 3 ص 101 وموطأ الإمام مالك ص 186 في كتاب الأشربة، والبخاري في كتاب الحدود..

(4) صحيح مسلم ج 1 ص 344 والتاج الجامع للأصول ج 1 ص 302 وسنن ابن ماجة ج 1 ص 188 وموطأ مالك ج 1 ص 184.