كنا نؤمر بهذا، قال: لتقيمن على هذا بينة، أو لأفعلن بك، فشهد له أبو سعيد الخدري بذلك، عن النبي صلى الله عليه وآله، فقال عمر: خفي علي هذا من أمر رسول الله صلى الله عليه وآله، ألهاني عنه الصفق بالأسواق (1).
وهذا أمر ظاهر، قد خفي عنه، فكيف الخفي؟.
وروى الحميدي في الجمع بين الصحيحين، في مسند عمر بن الخطاب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا قال المؤذن الله أكبر، الله أكبر. فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، قال:
أشهد أن لا إله إلا الله، ثم قال: أشهد أن محمدا رسول الله، قال: أشهد أن محمدا رسول الله، ثم قال: حي على الصلاة، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: حي على الفلاح، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: الله أكبر، الله أكبر، قال: الله أكبر، الله أكبر، ثم قال:
لا إله إلا الله، قال: لا إله إلا الله، من قلبه دخل الجنة (2).
فهذه روايته، وزاد: بعد موت النبي صلى الله عليه وآله: الصلاة خير من النوم.
وروى الحميدي في الجمع بين الصحيحين، في حديث أبي محذورة سمرة بن مغيرة، لما علمه الأذان: الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله مرتين، أشهد أن محمدا رسول الله مرتين، حي على الصلاة مرتين، حي على الفلاح مرتين، الله أكبر، لا إله إلا الله (3).
وقال الشافعي في كتاب الأم: أكره في الأذان (الصلاة خير من النوم)، لأن أبا محذورة لم يذكره (4).
____________
(1) صحيح مسلم ج 2 ص 349 والتاج الجامع للأصول ج 5 ص 238 والسيرة الحلبية ج 2 ص 98 وقال: رواه الأربعة، وصحيح البخاري ج 8 ص 67
(2) صحيح مسلم ج 1 ص 142 ومصابيح السنة ج 1 ص 32 و 33
(3) صحيح مسلم ج 1 ص 142 ومصابيح السنة ج 1 ص 32 و 33
(4) أقول: قال ابن رشد في كتابه: " بداية المجتهد " ج 1 ص 83 (بعد نقل الأقوال في فصول الأذان والتحقيق المرضي فيه عنده): " واختلفوا في قول المؤذن في صلاة الصبح: (الصلاة خير من النوم)، هل يقال فيها أم لا؟ فذهب الجمهور: إلى أنه يقال فيها ذلك، وقال آخرون:
إنه لا يقال، لأنه ليس من الأذان المسنون، وبه قال الشافعي، وسبب اختلافهم، اختلافهم: هل قيل ذلك في زمان النبي صلى الله عليه وآله أو إنما قيل في زمان عمر ". وانظر بتفصيل اختلافهم أيضا السيرة الحلبية ج 2 ص 97 وأخرج مالك في كتابه: (الموطأ) ج 1 ص 93: أن المؤذن جاء إلى عمر بن الخطاب يؤذنه لصلاة الصبح، فوجده نائما فقال: الصلاة خير من النوم، فأمره عمر أن يجعلها في نداء الصبح.
وقال الزرقاني، عند بلوغه إلى هذا الحديث: هذا البلاغ أخرجه الدارقطني في السنن، من طريق وكيع في مصنفه، عن العمري، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر. وقال: أخرج عن سفيان، عن محمد بن عجلان، عن نافع عن ابن عمر، عن عمر، أنه قال لمؤذنه:
إذا بلغت حي على الفلاح في الفجر فقل: (الصلاة خير من النوم). ورواه في كنز العمال عن الدارقطني، وابن ماجة، والبيهقي، عن ابن عمر، أقول: ومثله عن ابن أبي شيبة من حديث هشام بن عروة.
وفي كنز العمال أيضا عن عبد الرزاق، عن ابن جريح، قال: أخبرني حسن بن مسلم:
أن رجلا سأل طاووسا: متى قيل: (الصلاة خير من النوم)؟ فقال: أما إنها لم تقل على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله.
ثم إنه كما زاد في الأذان (الصلاة خير من النوم)، نقص منه، ومن الإقامة: (حي على خير العمل). قال القوشجي، وهو من أعاظم متكلمي الأشاعرة، في أواخر مبحث الإمامة، من شرح التجريد ص 408: " صعد المنبر وقال: أيها الناس، ثلاث كن على عهد رسول الله أنا أنهى عنهن، وأحرمهن، وأعاقب عليهن، وهي: متعة النساء، ومتعة الحج، وحي على خير العمل ".. ثم اعتذر عنه بعد ما أرسله إرسال المسلمات، بأن مخالفة المجتهد لغيره في المسائل الاجتهادية ليس ببدع.
أقول: هذا الاعتذار في الحقيقة طعن في الخليفة، لأنه جعل رسول الله صلى الله عليه وآله وعمر مجتهدين، وسوغ لعمر مخالفة النبي صلى الله عليه وآله، ومعه لا يبقى أثر للرسالة، بل ولا للربوبية، لأن النبي صلى الله عليه وآله لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، لا سيما في الأحكام، فليلزمه أن يكون الله تعالى مجتهدا، وعمر مجتهدا آخر، في مقابله، وله تصويب الله وتخطئته، مع علمهم بقول عمر، فتدبر جيدا.
ويدل أيضا: على أن حي على خير العمل، من فصول الأذان: ما في كنز العمال ج 4 ص 266 في كتاب الصلاة، عن الطبراني: كان بلال يؤذن بالصبح فيقول: حي على خير العمل.
وتبعه في إسقاطها من تأخر عنه من المسلمين، حاشا أهل البيت (ع)، وأتباعهم، فإن حي على خير العمل من شعارهم، كما هو بديهي مذهبهم.
قال أبو الفرج الأصفهاني في كتابه: مقاتل الطالبيين، عند ذكر صاحب فخ، ومقتله:
" إن شهيد فخ الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن ابن أمير المؤمنين، لما ظهر بالمدينة أيا؟
موسى الهادي، من ملوك العباسيين، أمر المؤذن أن ينادي ب (حي على خير العمل)، ففعل.
وروى الحلبي في سيرته ج 2 ص 98 عن ابن عمر، وعلي بن الحسين (ع) أنهما كانا يقولان في الأذان، بعد حي على الفلاح: حي على خير العمل.
وروى أيضا: أن الرافضة " يريد شيعة آل محمد صلى الله عليه وآله تقول، بعد الحيعلتين: حي على خير العمل، فلما كانت الدولة السلجوقية منعوا المؤذنين من ذلك.
وذلك يدل على أن السياسة كانت تلعب دورها في قبال أهل البيت وأتباعهم، وإلا فإن ذكره في الأذان، والإقامة متواتر عن أئمة أهل البيت عليهم السلام، فراجع حديثهم، في كتاب: " وسائل الشيعة إلى أحكام الشريعة "، لتكون على بصيرة من مذهبهم.
يا أبا موسى، هل يسرك أن إسلامنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله، وهجرتنا معه، وجهادنا معه، وعملنا كله معه، يرد كل عمل عملناه بعده، ونجونا منه كفافا رأسا برأس؟. فقال أبي: لا والله، قد جاهدنا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، وصلينا، وصمنا، وعملنا خيرا كثيرا. وأسلم على أيدينا بشر كثير، وإنا لنرجو ذلك؟ فقال أبي: لكني أنا - والذي نفس عمر بيده - لوددت أن ذلك يرد لنا كل شئ عملناه بعد. ونجونا منه كفافا رأسا برأس (1).
ومن كتاب الجمع بين الصحيحين، من مسند عبد الله بن عباس: أنه لما طعن عمر بن الخطاب كان يتألم، فقال ابن عباس: ولا كل ذلك، فقال بعد كلام: أما ما ترى من جزعي فهو من أجلك، وأجل
____________
(1) ورواه في البخاري ج 5 ص 81، ومستدرك الحاكم ج 3 ص 466 وقال: هذا حديث صحيح الإسناد.
وهذا اعتراف منه حال الاحتضار، بأنه وقع منه ما يستوجب به المؤاخذة في حق بني هاشم، وأنه تمنى أن يفتدي بملء الأرض ذهبا من عذاب الله، لأجل ما جرى منه في حقهم.
وفي الجمع بين الصحيحين، عن ابن عمر، في رواية سالم عنه، قال:
دخلت على حفصة، فقالت: أعلمت أن أباك غير مستخلف؟ فقلت:
ما كان ليفعل. قالت: إنه فاعل قال: فحلفت أن أكلمه في ذلك، فسكت حتى غدوت، ولم أكلمه، وكنت كأنما أحمل بيميني جبلا، حتى رجعت فدخلت عليه، فسألني عن حال الناس، وأنا أخبره، قال:
ثم قلت: سمعت الناس يقولون مقالة، فآليت أن أقولها لك، زعموا أنك غير مستخلف، وأنه لو كان راعي غنم، أو راعي إبل، ثم جاء وتركها لرأيت أنه قد ضيع، فرعاية الناس أشد، قال: فوافقه قولي، فوضع رأسه ساعة، ثم رفعه إلي فقال: إن الله يحفظ دينه، وإني لئن لا أستخلف، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يستخلف، وإن أستخلف فإن أبا بكر قد استخلف، فقال: والله، ما هو إلا أن ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وأبا بكر، فقلت:
لم يكن ليعدل برسول الله صلى الله عليه وآله أحدا، وإنه غير مستخلف (2).
وهذا يدل على اعتراف عبد الله بن عمر بما تشهد به العقول، من أن المتولي لأمور الناس إذا تركهم بغير وصية يكون قد ضيع أمورهم، وقد شهد على رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قبض ولم يستخلف، وضيع الناس، وأن عمر وافق ابنه، ثم عدل عنه.
____________
(1) ورواه في البخاري ج 5 ص 16 وفي المستدرك ج 3 ص 92 وتلخيصه للذهبي، وتاريخ الخلفاء ص 134.
(2) صحيح مسلم ج 2 ص 192.
ما عندي غير هذا يا أمير المؤمنين، قال: فأنا أخبرك: إنه لم يشتت بين المسلمين ولا فرق أهواءهم إلا الشورى التي جعل عمر في ستة.
(ثم فسر معاوية ذلك في آخر الحديث) فقال: لم يكن من الستة رجل إلا رجاها لنفسه، ورجا له لقومه، وتطلعت إلى ذلك أنفسهم، ولو أن عمر استخلف كما استخلف أبو بكر ما كان في ذلك اختلاف.
وروى الحميدي في الجمع بين الصحيحين، في مسند عمر بن الخطاب:
أن أبا بكر قال ذلك، يعني يوم السقيفة، ولن يعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش، ثم قال عمر يوم الشورى، بعد ذم كل واحد منهم بما يكرهه: " لو كان سالم مولى أبي حذيفة حيا ما تخالجني فيه الشكوك (2).
وبالإجماع: أن سالما لم يكن قرشيا (3)، وقد ذكر الجاحظ في كتاب:
" الفتيا "
____________
(1) ج 3 ص 75
(2) مسند أحمد ج 1 ص 20 والاستيعاب هامش الإصابة ج 2 ص 71، والكامل ج 3 ص 34 وتاريخ الطبري ج 5 ص 34 وكنز العمال ج 6 ص 358
(3) أقول: إن سالم مولى أبي حذيفة لم يكن قرشيا، بل كان من أهل فارس من إصطخر..
(راجع: أسد الغابة ج 2 ص 245 ومستدرك الحاكم ج 3 ص 225، والاستيعاب ج 2 ص 70 وفيه أيضا: قيل: إنه من عجم الفرس من كرمد). وقد تواتر عن النبي صلى الله عليه وآله:
أن الخلافة في قريش. راجع: الصحاح الستة، والمسانيد، وغيرها من الكتب المعتبرة.
نسب طلحة
وقد ذكر أبو المنذر، هشام بن محمد بن السائب الكلبي، من علماء الجمهور: أن من جملة البغايا وذوات الرايات، صعبة بنت الحضرمي، وكانت لها راية بمكة، واستصغت بأبي سفيان، فوقع عليها أبو سفيان، وتزوجها عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم، فجاءت بطلحة عبيد الله لستة أشهر، فاختصم أبو سفيان وعبيد الله في طلحة، فجعلا أمرهما إلى صعبة، فألحقته بعبيد الله، فقيل لها: كيف تركت أبا سفيان؟
فقالت: يد عبيد الله طلقة، ويد أبي سفيان بكرة، وقال: وممن كان يلعب به، ويتخنث أبو طلحة (1).
فهل يحل لعاقل المخاصمة مع هؤلاء لعلي عليه السلام.
وقال أيضا: ممن كان يلعب به، وينتحل، عفان أبو عثمان، فكان يضرب بالدفوف.
رد يزيد على ابن عمر
وروى البلاذري قال: لما قتل الحسين كتب عبد الله بن عمر إلى يزيد ابن معاوية: أما بعد: فقد عظمت الرزية رجلت المصيبة، وحدث في الإسلام حدث عظيم، ولا يوم كيوم قتل الحسين.
فكتب إليه يزيد: أما بعد، يا أحمق، فإنا جئنا إلى بيوت مجددة، وفرش ممهدة، ووسادة منضدة، فقاتلنا عنها فإن يكن الحق لنا فعن حقنا قاتلنا، وإن كان الحق لغيرنا، فأبوك أول من سن هذا، واستأثر بالحق على أهله (2).
____________
(1) أشار إلى ذلك، وإلى ما قيل فيه من الشعر، ابن أبي الحديد في شرح النهج ج 1 ص 75
(2) وقال المظفر: وهذا أمر ضروري وجداني يدركه كل عاقل ولا يحتاج إثباته إلى قول يزيد وغيره وإن كان قوله مؤيدا للمطلوب فالحسين (ع) لم يقتل إلا بأسياف الأولين ولذا قال القاضي بن قريعة في أبياته:
لولا حدود صوارم | أمضى مضاربها الخليفة |
لنشرت من أسرار آل | محمد جملا ظريفه |
وأريتكم أن الحسين | أصيب في يوم السقيفة |
مناوأة فاطمة وغصب فدك
وروى الواقدي، وغيره من نقلة الأخبار عندهم، وذكروه في أخبارهم الصحيحة: أن النبي صلى الله عليه وآله لما فتح خيبر اصطفى لنفسه قرى من قرى اليهودي، فنزل جبرئيل بهذه الآية: " وآت ذا القربى حقه " (1).
فقال محمد صلى الله عليه وآله: ومن ذو القربى؟ وما حقه؟ قال: فاطمة تدفع إليها فدكا، والعوالي، فاستغلتها حتى توفي أبوها، فلما بويع أبو بكر منعها، فكلمته في ردها عليها، وقالت: إنها لي، وإن أبي دفعها إلي؟ فقال أبو بكر: فلا أمنعك ما دفع إليك أبوك، فأراد أن يكتب لها كتابا، فاستوقفه عمر بن الخطاب، وقال: إنها امرأة، فطالبها بالبينة على ما ادعت فأمرها أبو بكر، فجاءت بأم أيمن، وأسماء بنت عميس، مع علي (ع)، فشهدوا بذلك. فكتب لها أبو بكر، فبلغ ذلك عمر، فأخذ الصحيفة، ومزقها، فمحاها، فحلفت أن لا تكلمهما، وماتت ساخطة عليهما (2).
وجمع المأمون ألف نفس من الفقهاء، وتناظروا، وأدى بحثهم إلى رد فدك إلى العلويين من ولدها، فردها عليهم (3).
وذكر أبو هلال العسكري، في كتاب " أخبار الأوائل ": أن أول من رد فدك على أولاد فاطمة عمر بن عبد العزيز، وكان معاوية أقطعها لمروان بن الحكم، وعمر بن عثمان، ويزيد ابنه أثلاثا، ثم غصبت.
فردها عليهم السفاح، ثم غصبت، فردها عليهم المهدي، ثم غصبت، فردها عليهم المأمون.
____________
(1) الإسراء: 26
(2) وفي السيرة الحلبية ج 3 ص 362 عن ابن الجوزي، وشرح النهج ج 4 ص 101
(3) وفي تاريخ اليعقوبي ج 3 ص 203 ومعجم البلدان كما في ترجمة فدك.
مع أن أبا بكر أعطى جابر بن عبد الله عطية ادعاها على رسول الله صلى الله عليه وآله من غير بينة، وحضر جابر بن عبد الله، وذكر أن النبي صلى الله عليه وآله وعده أن يحثو له ثلاث حثيات من مال البحرين، فأعطاه ذلك ولم يطالبه ببينة (2).
مع أن العدة لا يجب الوفاء بها.
والهبة للولد مع التصرف توجب التمليك، فأقل المراتب أنه يجري فاطمة مجراه.
وقد روى سند الحفاظ، ابن مردويه بإسناده إلى أبي سعيد الخدري، قال: لما نزلت: " وآت ذا القربى حقه "، دعا رسول الله صلى الله عليه وآله فاطمة، فأعطاها فدك " (3).
وقد روى صدر الأئمة أخطب خوارزم، موفق بن أحمد المكي، قال:
وما سمعت في المفاريد، بإسنادي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
يا علي، إن الله زوجك فاطمة، وجعل صداقها الأرض، فمن مشى عليها مبغضا لها مشى حراما (4).
قال محمود الخوارزمي في " الفائق ": قد ثبت: أن فاطمة صادقة، وأنها من أهل الجنة، فكيف يجوز الشك في دعواها فدك والعوالي؟ وكيف يقال: إنها أرادت ظلم جميع الخلق، وأصرت على ذلك إلى الوفاة؟.
____________
(1) وفي شرح النهج لابن أبي الحديد ج 4 ص 81 ووفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى ج 2 ص 160
(2) رواه أحمد في المسند ج 3 ص 307
(3) من جملة مصادره شواهد التنزيل ج 1 ص 338، مجمع الزوائد ج 7 ص 49 ميزان الاعتدال ج 2 ص 228 منتخب كنز العمال ج 1 ص 228 تفسير الطبري ج 15 ص 72 والسيوطي في در المنثور والثعلبي في تفسيره.
(4) رواه جماعة من الأعلام، ومنهم العلامة السيد علي الهمداني في مودة القربى ص 92 (ط لاهور)، على ما في إحقاق الحق ج 10 ص 369.
وهذا من أغرب الأشياء، بل إنه ليس بمستبعد عندهم، حيث جوزوا الكذب على نبيهم، نعوذ بالله من هذه الأقوال.
وروى الحميدي في الجمع بين الصحيحين: أن بني صهيب، موالي بني جدعان ادعوا بيتين وحجرة، أن رسول الله صلى الله عليه وآله أعطى ذلك صهيبا، فقال مروان: من يشهد لكم على ذلك؟ قالوا: ابن عمر يشهده، فقضى لهم مروان بشهادته (2).
وفي صحيح البخاري: أن فاطمة أرسلت إلى أبي بكر، وسألته ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وآله، مما أفاء الله عليه بالمدينة، من فدك، وما بقي من خمس خيبر، فقال أبو بكر: إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: " لا نورث، ما تركناه صدقة "، وإنما يأكل آل محمد من هذا المال، وإني والله لا أغير شيئا من صدقة رسول الله صلى الله عليه وآله عن حالها التي كانت عليه.
وأبى أن إلى فاطمة منها شيئا.
فوجدت فاطمة على أبي بكر، فهجرته، فلم تتكلم معه حتى
____________
(1) أقول: هذا نهاية ما ادعوه في ذلك المقام، ولكن هذا الاستدلال ساقط من رأسه، لأنها صادقة، وغضبها غضب الله تعالى ورضاها رضى الله، لا سيما إذا تشبث مخالفها بما هو خلاف ما أنزل الله. (ما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى) حيث قال: وأصحابنا يقولون لا يكون إلخ...
والعوالي: قرية في أعلى المدينة، كما في النهاية، ووفاء الوفاء ج 2 ص 341
(2) صحيح البخاري ج 3 ص 204 أقول: ليس المقصود هو الاستدلال بفعل مروان فقط، بل بإقرار ابن عمر، وغيره له على فعله.
وذكره أيضا في موضع آخر بعينه، وهذا الحديث قد اشتمل على أشياء ردية:
منها: مخالفة النبي صلى الله عليه وآله أمر الله تعالى في قوله: " وأنذر عشيرتك الأقربين " (2)، فكيف لم ينذر فاطمة، وعليا، والعباس، والحسن، والحسين، بهذا الحكم، ولا يسمعه أحد من بني هاشم، ولا من أزواجه، ولا أحد من خلق الله تعالى؟.
وروى الحميدي في الجمع بين الصحيحين: إن فاطمة، والعباس أتيا أبا بكر، يلتمسان ميراثهما من رسول الله صلى الله عليه وآله، وهما حينئذ يطلبان أرضه من فدك، وسهم خيبر (3).
وفيه: أن أزواج النبي صلى الله عليه وآله حين توفي رسول الله صلى الله عليه وآله أردن أن يبعثن عثمان إلى أبي بكر يسألنه ميراثهن (4).
ومنها: نسبة هؤلاء إلى الجهل، وقلة المعرفة بالأحكام، مع ملازمتهم لرسول الله صلى الله عليه وآله، ونزول الوحي في مساكنهم، ويعلمون سره وجهره.
وروى الحافظ ابن مردويه، بإسناده إلى عائشة، وذكرت كلام فاطمة عليها السلام لأبي بكر، وقالت في آخره: " وأنتم تزعمون أن لا إرث لنا، أفحكم الجاهلية تبغون، إني لا أرث أبي، يا ابن أبي قحافة، أفي كتاب الله أن ترث أباك، ولا أرث أبي، لقد جئت شيئا
____________
(1) صحيح البخاري ج 5 ص 176 و ج 3 ص 185 وصحيح مسلم ج 2 ص 143
(2) الشعراء: 214
(3) التاج الجامع للأصول ج 2 ص 263، وقال: رواهما الخمسة.
(4) صحيح مسلم ج 5 ص 153 والموطأ ج 2 ص 256 وفتوح البلدان ص 42 ومعجم البلدان في كلمة فدك، والبداية والنهاية ج 4 ص 203 كما في مكاتيب الرسول ج 2 ص 597.
ومنها: أنه يلزم عدم شفقة النبي صلى الله عليه وآله على أهله، وأقاربه، وخواصه، فلا يعلمهم: أنهم لا يستحقون ميراثه، ويعرف أبا بكر وحده، حتى يطلبوا ما لا يستحقون ويظلموا حقوق جميع المسلمين، مع أنه عظيم الشفقة على الأباعد، حتى قال الله تعالى: في حقه " فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا " (2)، " ولا تذهب نفسك عليهم حسرات (3) ".
ومنها: أن أبا بكر حلف: أن لا يغير ما كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله.
وقد روى الحميدي في الجمع بين الصحيحين: كان أبو بكر يقسم الخمس، نحو قسم النبي صلى الله عليه وآله، غير أنه لم يكن يعطي قرابة رسول الله صلى الله عليه وآله، كما كان رسول الله صلى الله عليه وآله يعطيهم (4).
وهذا تغيير. مع أنه حلف أن لا يغير، فلم لا غير مع فاطمة عليها السلام، ويقضي فيها بعض حقوق نبينا صلى الله عليه وآله؟.
وروى في الجمع بين الصحيحين، قال: كتب عبد الله بن عباس إلى نجدة بن عامر الحروري، في جواب كتابه: وكتبت تسألني عن الخمس لمن هو؟ وأنا أقول: هو لنا، وأبى علينا قومك ذلك (5).
ومنها: أن أبا بكر أغضب فاطمة (ع)، وأنها هجرته وصاحبه ستة
____________
(1) ورواه في شرح النهج ج 4 ص 79
(2) الكهف: 6
(3): فاطر: 8.
(4) ورواه ابن أبي الحديد في شرح النهج ج 4 ص 86 والجصاص في أحكام القرآن ج 3 ص 61 وغيرهما من أعلام القوم.
(5) أحكام القرآن للجصاص ج 3 ص 63 وتفسير الطبري ج 1 ص 1 و 6.
وقد روى مسلم في صحيحه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " إنما فاطمة بضعة مني، يؤذيني ما آذاها "... في موضعين (2).
وروى البخاري في صحيحه (3): أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: " فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها فقد أغضبني ".
وروى الحميدي في الجمع بين الصحيحين هذين الحديثين.
وروى صاحب الجمع بين الصحاح الستة: أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال:
" فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها فقد أغضبني ".
وأنه قال: فاطمة سيدة نساء العالمين، أو سيدة نساء هذه الأمة، فقالت:
وأين مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون؟ فقال: مريم سيدة نساء عالمها وآسية سيدة نساء عالمها " (4).
وفي صحيح البخاري، عن عائشة: أن محمدا صلى الله عليه وآله قال: " يا فاطمة،
____________
(1) هذا متواتر عندهم، ومن جملة ذلك: صحيح البخاري ج 5 ص 177 ومسلم ج 3 ص 143 ومستدرك الحاكم ج 3 ص 162 وقال الواقدي، كما في السيرة الحلبية ج 3 ص 361: ثبت عندنا: أن عليا كرم الله وجهه دفنها رضي الله عنها ليلا، وصلى عليها، ومعه العباس، والفضل، ولم يعلموا بها أحدا... وذكر ذلك غير هؤلاء من أعاظم القوم.
(2) ج 4 ص 125 ومستدرك الحاكم ج ص 159 والتفسير الكبير ج 27 ص 166 و ج 29 ص 126 والصواعق ص 114 بطريق أحمد، والترمذي، والحاكم.
(3) ج 5 ص 36، والتاج الجامع للأصول ج 3 ص 253 وخصائص النسائي ص 35 وكنز العمال ج 6 ص 220 وفيض القدير ج 4 ص 421 وقال: استدل السهيلي به على فضيلتها على الشيخين.
(4) كما في ذخائر العقبى ص 43 وقال: أخرجه أبو عمر، والحافظ أبو القاسم الدمشقي، وحلية الأولياء ج 2 ص 42 ومشكل الآثار ج 1 ص 5 وزاد في آخره: ولا يبغضها إلا منافق.
وروى الثعلبي في تفسير: " إني سميتها مريم " (2): أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: " من آذى فاطمة أو أغضبها فقد آذى أباها وأغضبه " (3).
وقال الله تعالى: " إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة " (4).
ثم يشهدون ويصححون: أن أبا بكر أغضبها وآذاها، وهجرته إلى أن ماتت.
فأما أن تكون هذه الأحاديث عندهم باطلة، فيلزم كذبهم في شهادتهم بصحتها.
أو يطعنون في القرآن العزيز، وهو كفر.
أو ينسبون أبا بكر إلى ما لا يحل ولا يجوز.
على أن عمر ذكر عن علي والعباس ذلك.
____________
(1) مستدرك الحاكم ج 3 ص 156، وصحيح مسلم ج 4 ص 126 والتاج الجامع للأصول ج 3 ص 354 وقال: رواه مسلم، والترمذي، والبخاري، ومسند أحمد ج 6 ص 282 وأسد الغابة ج 5 ص 522 وخصائص النسائي ص 34
(2) آل عمران: 36
(3) وقال رسول الله صلى الله عليه وآله لفاطمة: " إن الله يغضب لغضبك، ويرضى لرضاك "، ومستدرك الحاكم ج 3 ص 153 وأسد الغابة ج 5 ص 522، والإصابة ج 4 ص 378 وتهذيب التهذيب ج 12 ص 441 وذخائر العقبى ص 39 وميزان الاعتدال ج 2 ص 72 (ط مطبعة السعادة سنة 1325) وكنز العمال ج 6 ص 219 و ج 7 ص 111
أقول: وذلك يكشف عن أنها صلوات الله عليها، لا ترضى إلا بما فيه مرضاة المولى سبحانه، ولا تغضب إلا لما يغضبه، حتى أنها لو رضيت أو غضبت لأمر مباح، فإن هناك جهة شرعية تدخله في الراجحات، أو تجعله من المكروهات، فلن تجد منها في أي من الرضا والغضب وجهة نفسية، أو صبغة شهوية.. وذلك معنى العصمة والطهارة، كما قال الله تعالى: " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ".
(4) الأحزاب: 57.
فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله قال أبو بكر: أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وآله، فجئت تطلب ميراثك من ابن أخيك، ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها، فقال أبو بكر: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما نورث ما تركناه صدقة، فرأيتماه كاذبا، آثما، غادرا، خائنا. والله يعلم: إنه لصادق، بار، راشد، تابع للحق، ثم توفي أبو بكر، فقلت: أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وآله، وولي أبي بكر، فرأيتماني كاذبا، آثما، غادرا، خائنا، والله يعلم:
أني لصادق، بار، راشد، تابع للحق، فوليتها، ثم جئتني أنت وهذا، وأنتما جميع، وأمركما واحد، فقلتما ادفعها إلينا (1).
فلينظر العاقل إلى هذا الحديث الذي في كتبهم الصحيحة، كيف يجوز لأبي بكر أن يقول: أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وآله، وكذا لعمر، مع أن رسول الله صلى الله عليه وآله مات، وقد جعلهما من جملة رعايا أسامة بن زيد (2).
____________
(1) صحيح مسلم ج 3 ص 142
أقول: قد نسب إليهما من الكذب، والإثم، والغدر، والخيانة، ما عرفت مع أننا نجد في مقابله أن الله جعل نفس علي (ع)، كنفس النبي الأكرم، في آية المباهلة، آل عمران: 61 وشهد بطهارته في آية التطهير الأحزاب: 33 وكان صاحب آية النجوى
(المجادلة: 12) وصاحب الأذن الواعية (الحاقة: 5)، ومن عنده علم الكتاب (الرعد:
43) وهو الذي شهد الله له بالصدق بقوله: " كونوا مع الصادقين " التوبة: 119 ورسوله صلى الله عليه وآله شهد له بالصدق بقوله: " الصديقون ثلاثة (إلى أن قال) وعلي بن أبي طالب، وهو أفضلهم "، وقال صلى الله عليه وآله: " ستكون بعدي فتنة، فإذا كان ذلك فالزموا علي بن أبي ، طالب، فإنه أول من آمن بي، وأول من يصافحني يوم القيامة، وهو الصديق الأكبر، وهو فاروق هذه الأمة، يفرق بين الحق والباطل، وهو يعسوب الدين، والمال يعسوب الظالمين (المنافقين) ". راجع: الإصابة ج 4 ص 171 وفي هامشها الاستيعاب ص 170 وأسد الغابة ج 5 ص 287 وكنز العمال ج 6 ص 394
فإذن هل يجوز لأهل البحث والتحقيق: أن يستمعوا لما قاله عمر بن الخطاب، لمحض الهوى، والصبغة الشهوية؟ أو أن اللازم لهم هو التوجه التام لما في الكتاب والسنة، والإعراض عما يخالفهما، وهذا مقام التحقيق بنور العقل، والعمل بما يقتضيه الفكر السليم.
(2) أجمع أهل السير والأخبار: على أن أبا بكر وعمر كانا في جيش أسامة، وأرسلوا ذلك إرسال المسلمات، وهذا مما لا يختلف فيه أحد، فراجع ما شئت من الكتب المشتملة على هذا كطبقات ابن سعد، وتاريخ الطبري، وابن الأثير في الكامل ج 2 ص 215 وتاريخ الخميس ج 2 ص 154، والسيرة الحلبية ج 3 ص 207 وفي حاشيتها سيرة زيني دحلان ج 2 ص 339
ثم تثاقلوا هنا، فلم يبرحوا، مع ما وعوه ورأوه من النصوص الصريحة في وجوب إسراعهم كقوله صلى الله عليه وآله: " جهزوا جيش أسامة، لعن الله من تخلف عنه " الملل والنحل ج 1 ص 23.
" يا أيها الرسول، يا أيها النبي، يا أيها المزمل، يا أيها المدثر "، ونادى غيره من الأنبياء بأسمائهم، ولم يذكره باسمه إلا في أربعة مواطن، شهد له فيها بالرسالة، لضرورة تخصيصه وتعيينه بالاسم، كقوله تعالى: " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، (1) و " ما كان محمد أبا أحد من رجالكم، ولكن رسول الله، وخاتم النبيين (2)، " برسول يأتي من بعدي اسمه أحمدا " (3) و " محمد رسول الله، والذين معه " (4)، ثم إن الله تعالى قال: " لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا " (5).
ثم عبر عمر عن ابنته، مع عظم شأنها، وشرف منزلتها، بقوله لأمير المؤمنين عليه السلام: ويطلب ميراث امرأته.
ثم إنه وصف اعتقاد علي والعباس في حقه، وحق أبي بكر، بأنهما كاذبان، آثمان، غادران، خائنان.
فإن اعتقاده فيهما حقا، وكان قولهما (يعني علي والعباس) صدقا، لزم تطرق الذم إلى أبي بكر وعمر، وأنهما لا يصلحان للخلافة.
____________
(1) آل عمران: 144
(2) الأحزاب: 40
(3) الصف: 61
(4) الفتح: 29
(5) النور: 63.
وإن كان مصيبا لزم تطرق الذم إلى علي والعباس، حيث اعتقدا في أبي بكر وعمر ما ليس فيهما، فكيف استصلحوه للإمامة، مع أن الله تعالى قد نزهه عن الكذب، وقول الزور.
مع أن البخاري، ومسلما ذكرا في صحيحيهما: أن قول عمر هذا لعلي والعباس بمحضر مالك بن أوس، وعثمان، وعبد الرحمن بن عوف، والزبير وسعد، ولم يعتذر أمير المؤمنين والعباس عن هذا الاعتقاد الذي ذكره عمر، ولا أحد من الحاضرين اعتذر لأبي بكر وعمر:
دراسات حول عائشة
في عهد النبي صلى الله عليه وآله وبعده
ادعاؤها بحجرتها:
روى الحميدي بين الصحيحين: أن النبي صلى الله عليه وآله أراد أن يشتري موضع المسجد من بني نجار، فوهبوه له، وكان فيه نخل، وقبور المشركين، فقلع النخل، وخرب القبور (1)، وقد قال الله تعالى: " لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم " (2).
ومن المعلوم: أن عائشة لم يكن لها ولا لأبيها دار بالمدينة، ولا أثرها، ولا بيت ولا أثره لواحد من أقاربها، وادعت حجرة أسكنها فيها رسول الله صلى الله عليه وآله فسلمها أبوها إليها، ولم يفعل كما فعل بفاطمة عليها السلام (3)؟
____________
(1) صحيح مسلم ج 1 ص 195 وغاية المأمول شرح التاج الجامع للأصول ج 1 ص 242 وقال:
رواه أبو داود والشيخان.
(2) الأحزاب: 53
(3) أقول: أوردنا من الكتب المعتبرة فيما تقدم ادعاء أزواج النبي صلى الله عليه وآله الميراث، إلا عائشة، وهي تفردت من بينهن، ونهتهن عن ذلك، فادعاؤها بعد ذاك، وتسليم أبي بكر حجرتها لها، يكشف عن اتفاق حاصل بينها وبين أبيها.
والاستدلال بقوله تعالى: " وقرن في بيوتكن ".
مردود بقوله في المطلقات: " لا تخرجوهن من بيوتهن "، وبقوله: " لا تدخلوا بيوت النبي "، فلم يرد الله تعالى بإضافة البيوت إليهن إلا من حيث أنهن يسكن فيها، لا من حيث أنهن يملكنها بلا شبهة، وتمليكه صلى الله عليه وآله لهن عن سبيل الهبة والعطية لم تثبت، ولم ينقل عن أحد، كما صرح بذلك ابن أبي الحديد في شرح النهج ج 4 ص 188 فلم يكن ادعاء عائشة للبيت إلا على سبيل الإرث، وذلك يدل على اختلاف حديث أبيها: " نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة "، فإن كان ذلك صحيحا تكن عائشة غاصبة، لأن الكلام ليس في مجرد السكنى، بل في إجراء جميع أحكام الملك، كدفن عائشة أباها، وصاحبه في بيت النبي صلى الله عليه وآله بغير إذنه، ولا إذن المسلمين جميعا، وكمنعها عن دفن الحسن المجتبى (ع)
عند جده صلى الله عليه وآله، وقد جاءت راكبة على بغل وحولها بنو أمية ومروان، كما في تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 214 وشرح النهج ج 4 ص 188 و 189 ولو فرضنا: أن دعواها الإرث صحيحة، فهي إنما تكون مالكة للتسع من الثمن، ومجازة بذلك المقدار فقط، والباقي يكون لسائر أمهات المؤمنين، ولبضعته الصديقة، فيكون تصرفها في الكل تصرفا عدوانيا، كما فهم ذلك حبر الأمة ابن عباس، لم رآها راكبة على بغل، وحولها بنو أمية، ومروان، فقال لها:
تجملت تبغلت. ولو عشت تفيلت | لك التسع من الثمن. وبالكل تملكت |
(دلائل الصدق ج 4 ص 131) وقد كان عمال فاطمة (ع) يشتغلون في فدك، كما ذكره أهل السير، والتاريخ، والحديث.