الصفحة 454

الفصل الثالث: في الزكاة

وفيه مسائل:

1 - ذهبت الإمامية: إلى أن الإبل إذا زادت على مائة وعشرين، ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة.

وقال أبو حنيفة: يستأنف الفريضة في كل خمس شاة، مع الحقتين إلى مائة وخمس وأربعين، ففيها حقتان، وبنت مخاض، وفي مائة وخمسين، ثلاث حقان، ثم تستأنف الفريضة بالغنم إلى مائة وأربع وسبعين، وفي مائة وخمس وسبعين ثلاث حقان وبنت مخاض، وفي مائة وست وثمانين حقان وبنت لبون، وفي مائة وست وتسعين أربع حقان إلى مائتين، ثم يعمل في كل خمسين ما عمل في الخمسين التي بعد المائة وخمسين، إلى أن ينتهي إلى الحقان، فإذا انتهى إليها انتقل إلى أربع حقان مع بنت مخاض، ثم بنت لبون، ثم حقة وعلى هذا ابدأ.

وقد خالف نص رسول الله صلى الله عليه وآله في الصحاح، عن أنس، فإذا زادت على العشرين ومائة، ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقه (1).

2 - ذهبت الإمامية: إلى تخيير المالك بين إخراج الحقان، وبنات اللبون في مائتين ونحوها.

وقال أبو حنيفة: يجب الحقان لا غير (2).

وهو مخالف للنقل، لأن النبي صلى الله عليه وآله خير بينهما، فإيجاب أحدهما عينا مخالفة.

3 - ذهبت الإمامية: إلى وجوب الأداء مع حولان الحول.

____________

(1) مصابيح السنة ج 1 ص 87، والموطأ ج 1 ص 250 والتاج الجامع للأصول ج 2 ص 12 وقال: رواه الخمسة إلا مسلم.

(2) الفقه على المذاهب ج 1 ص 598.


الصفحة 455
وقال أبو حنيفة: لا يجب إلا بالمطالبة (1)، ولا مطالبة عنده في الأموال الباطنة.

وقد خالف في ذلك قول الله تعالى: " وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة " (2).

4 - ذهبت الإمامية: إلى أنه لا يجب على المراض شراء الصحيحة.

وقال مالك: يجب (3).. وقد خالف في ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وآله:

" إياك وكرائم أموالهم " (4)، فإذا نهاه عن أخذ الكريمة مع وجودها، فالنهي عن أخذ الصحيحة مع عدمها أولى.

5 - ذهبت الإمامية: إلى أن الزكاة يجب في العين.

وقال الشافعي: يجب في الذمة (5).. وقد خالف قول النبي صلى الله عليه وآله، حيث قال: فإذا بلغت خمسا ففيها شاة.. (إلى قوله): فإذا بلغت خمسا وعشرين ففيها بنت مخاض، وقال في البقر،: إذا بلغت ثلاثين ففيها تبيع أو تبيعة، وقال: وفي أربعين شاة، شاة (6).

6 - ذهبت الإمامية: إلى أن من غير ماله أو بعضه (نقصه)، حتى لا يؤخذ منه الزكاة أخذت منه الصدقة لا غير.

وقال مالك، وأحمد: تؤخذ منه الزكاة، ويؤخذ نصف ماله (7).

____________

(1) أقول: قد ذكره الحنفية في المطولات فراجع وقد لخصه الجزيري في الفقه على المذاهب ج 1 ص 591.

(2) البقرة: 43 وغيرها من الآيات.

(3) بداية المجتهد ج 1 ص 239 وتعليقة التاج الجامع للأصول ج 2 ص 13

(4) رواه البخاري في صحيحه ج 2 ص 140 بلفظ آخر.

(5) بداية المجتهد ج 1 ص 229 والتفسير الكبير ج 16 ص 178

(6) منتخب كنز العمال هامش المسند ج 2 ص 494 و 495 والهداية ج 1 ص 70 والموطأ ج 1 ص 251

(7) ذكره الفضل في المقام مع التوجيه، والطحاوي في مشكل الآثار، على ما رواه السيد في إحقاق الحق.


الصفحة 456
وقد خالفا في ذلك قول النبي صلى الله عليه وآله: " ليس في المال حق سوى الزكاة " (1).

7 - ذهبت الإمامية: إلى أن الزكاة لا يجب على الطفل، والمجنون.

وقال الشافعي: يجب.. (2) وقد خالف في ذلك قول النبي صلى الله عليه وآله:

" رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق " (3).

8 - ذهبت الإمامية: إلى أن الفضة إنما يجب فيها الزكاة إذا بلغ صافيه مائتي درهم.

وقال أبو حنيفة: لو كانت مغشوشة بأقل من النصف وجبت، ولو كانت عليه دينا مائتا درهم خالصة، فأعطى ما هي المغشوشة بأقل من النصف، ولو حبة برئت ذمته (4).

وقد خالف في ذلك النص، وهو قوله صلى الله عليه وآله: " على اليد ما أخذت حتى تؤدي " (5)، وإنما أخذ دراهم خالصة، فكيف يجزي عنها المغشوشة ما دون من النصف؟.

وقال صلى الله عليه وآله: فيما دون خمس أواق من الورق صدقة (6)، والمغشوش ليس ورقا.

9 - ذهبت الإمامية: إلى أن الزيوف لا يجزي عن الخالصة.

____________

(1) التفسير الكبير ج 1 ص 214

(2) الهداية ج 1 ص 68 وفي بداية المجتهد ج 1 ص 225 قال: ذهب إلى ذلك مالك، والثوري، وأحمد، وغيرهم.

(3) منتخب كنز العمال ج 2 ص 253 عن الصحاح والمسانيد.

(4) الهداية ج 1 ص 74 و ج 2 ص 59 و ج 3 ص 62

(5) مسند أحمد ج 5 ص 12 و 13 والتاج الجامع للأصول ج 2 ص 223

(6) التاج الجامع للأصول ج 2 ص 18 وصحيح مسلم ج 2 ص 389.


الصفحة 457
وقال أبو حنيفة: يجزي (1).. وقد خالف قوله صلى الله عليه وآله: في الرقة ربع العشر (2).

10 - ذهبت الإمامية: إلى أنه ليس في الزائد عن المائتين شئ، حتى يبلغ أربعين ففيها درهم.

وقال الفقهاء إلا أبا حنيفة: ما زاد عن المائتين فيه ربع العشر (3).

وقد خالف في ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وآله: هاتوا صدقة الرقة، من كل أربعين درهما، درهما (4).

11 - ذهبت الإمامية: إلى أنه لا يجب الزكاة في الخيل.

وقال أبو حنيفة: يجب (5).. وخالف في ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وآله:

عفوت عن الخيل والرقيق (6).

12 - ذهبت الإمامية: إلى أنه لا يضم الذهب إلى الفضة، لو نقص كل منهما عن النصاب.

وقال أبو حنيفة، ومالك: يضم (7).. وقد خالفا في ذلك قوله صلى الله عليه وآله:

ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة، وليس فيما دون عشرين مثقالا من الذهب صدقة (8).

13 - ذهبت الإمامية: إلى اعتبار الحول في جميع النصاب.

____________

(1) وقال الفضل في المقام: والمزيف عند أبي حنيفة في حكم الخالصة.

(2) التاج الجامع للأصول ج 2 ص 18 وقال: رواه البخاري، وأبو داود، والنسائي.

(3) بداية المجتهد ج 1 ض 235 والتاج الجامع للأصول ج 2 ص 18 و 19

(4) بداية المجتهد ج 1 ض 235 والتاج الجامع للأصول ج 2 ص 18 و 19

(5) الهداية ج 1 ص 71

(6) بداية المجتهد ج 1 ص 235

(7) بداية المجتهد ج 1 ص 235

(8) الهداية ج 1 ص 73 ومنتخب كنز العمال ج 2 ص 495.


الصفحة 458
وقال أبو حنيفة: يكفي وجوده في طرفيه (1)، فلو ملك أربعين شاة سائمة، ثم هلكت إلا واحدة، ثم مضى عليها أحد عشر إلا لحظة، ثم ملك تمام النصاب، أخرج زكاة الكل.

وقد خالف في ذلك قول النبي صلى الله عليه وآله: " لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول " (2)، وهذا لم يحل عليه الحول، بل بعضه.

14 - ذهبت الإمامية: إلى أنه لا زكاة في الحلي، محرما كان أو محللا.

وقال أبو حنيفة، والشافعي: فيهما الزكاة (3).. وقد خالفا بذلك قول النبي صلى الله عليه وآله: لا زكاة في الحلي (4).

15 - ذهبت الإمامية: إلى وجوب الزكاة على المديون.

وقال أبو حنيفة: لا يجب (5).. وقد خالف عموم القرآن، قال الله تعالى: " خذ من أموالهم صدقة " (6).

وعموم قوله: في خمس من الإبل شاة (7).

16 - ذهبت الإمامية: إلى أنه يكره للإنسان أن يملك ما يصدق اختيارا، ويصح البيع لو وقع.

وقال مالك: لا يصح! (8)..

17 - ذهبت الإمامية: إلى وجوب الخمس في كل ما يغنم بالحرب وغيره.

____________

(1) الفقه على المذاهب ج 1 ص 593 والتاج الجامع للأصول ج 2 ص 16

(2) بداية المجتهد ج 1 ص 246 ومنتخب كنز العمال ج 2 ص 498

(3) أحكام القرآن للجصاص ج 3 ص 107 والفقه على المذاهب ج 1 ص 602

(4) الموطأ ج 1 ص 245 وأحكام القرآن ج 3 ص 107 ومختصر المزني ج 1 ص 49

(5) الهداية ج 1 ص 68 والفقه على المذاهب ج 1 ص 602 وبداية المجتهد ج 1 ص 226

(6) براءة: 103

(7) منتخب كنز العمال ج 2 ص 495 عن الصحاح والسنن.

(8) الموطأ ج 2 ص 224.


الصفحة 459
وقال الفقهاء الأربعة: لا يجب إلا في غنائم دار الحرب (1).

وقد خالفوا في ذلك قوله تعالى: " واعلموا أنما غنمتم من شئ، فأن لله خمسه " (2).

____________

(1) الهداية ج 2 ص 105 والتفسير الكبير ج 15 ص 165 وروح المعاني ج 10 ص 1 إلى 5

(2) الأنفال: 41

أقول: قال ابن منظور في لسان العرب: والغنم: الفوز بالشئ من غير مشقة، وغنم الشئ غنما: فاز به. وفسره بهذا المعنى في القاموس، وتاج العروس، وقال الراغب في المفردات: الغنيمة: من الغنم، ثم استعمل في كل مظفور به، من جهة العدو، وغيرهم.

وثبت في محله أن شأن النزول لا يكون مخصصا لعموم الآية، فتخصيص حكم الآية بمورد، وهو غنائم دار الحرب ادعاء بلا دليل، ومخالف لقول النبي صلى الله عليه وآله: " في الركاز الخمس، قيل وما الركاز يا رسول الله؟ قال: " الذهب والفضة الذي خلقه الله في الأرض يوم خلقت ". رواه البيهقي في سننه ج 4 ص 152 وأحمد بن حنبل في مسنده ج 1 ص 314 والشافعي في مسند ص 370

وقال في القاموس ج 2 ص 183: الركاز: هو ما ذكره الله تعالى في المعادن، ودفين أهل الجاهلية، وقطع الذهب والفضة من المعدن، وهكذا قال ابن الأثير في النهاية ج 2 ص 258 بتفصيل، ورواه عن مسند أحمد، وروى الشافعي في مسنده ص 370 عن ابن عباس:

أنه سئل عن العنبر فقال: إن كان فيه شئ، ففيه الخمس، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله:

إن لكم بطون الأرض، وسهولها، وتلاع الأودية، وظهورها، على أن ترعوا نباتها، وتشربوا ماءها، على أن تؤدوا الخمس. رواه المتقي الهندي في كنز العمال ج 2 ص 65 وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله: عند قدوم مسروق بن وائل إلى حضرته: بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله صلى الله عليه وآله، إلى أقيال من حضرموت، بإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والصدقة على التبيعة، ولصاحبها التيمة، وفي السيوب الخمس. (راجع أسد الغابة ج 3 ص 38 و ج 4 ص 354 والإصابة ج 2 ص 208 وفي العقد الفريد ج 2 ص 48 كتب صلى الله عليه وآله إلى وائل بن حجر الحضرمي: " وفي السيوب الخمس ". وأشار إلى ذلك في الاستيعاب هامش الإصابة ج 3 ص 642 ورواه زيني دحلان في السيرة النبوية، وقال في القاموس ج 1 ص 87: السيب: العطاء، والعرف، والسيوب الركاز. وقال في أقرب الموارد:

السيب: العطاء، يقال فاض سيبه، أي عطاؤه. والركاز، يقال: وجد فلان سيبا أي ركازا، وفي السيب الخمس.

فعلى هذا تعميم العطاء، لعطائه تعالى وإحسانه، يستفاد من معناه اللغوي، فيشمل كل ما يغنمه الإنسان من وجوه الكسب، وغنائم دار الحرب، وقد ثبت أيضا: أن الغنيمة تطلق على ما فاز به الإنسان، وظفر به من وجوه الكسب، ومنها دار الحرب. وهذا المعنى مما أطبقت عليه الإمامية، تبعا لأئمة أهل البيت عليهم السلام.

فائدة: النسبة بين الغنيمة، والأنفال عموم من وجه، لافتراق الأنفال في الأراضي الموات.

ونحوها، مما لم يغنمه أحد، وافتراق الغنيمة فيما يستفيده الإنسان من مكاسبه، مما ليس نفلا، ويجتمعان في غنائم دار الحرب... والنسبة بين الفيئ والغنيمة، عموم مطلق، لأن الفيئ هو ما حصل للمسلمين من أموال الكفار، من غير حرب ولا جهاد، وهذا قسم خاص من الغنيمة يسمى: فيئا، وحكم عليه بحكم خاص في الكتاب العزيز، وهكذا النسبة بين الفيئ والأنفال.


الصفحة 460
18 - ذهبت الإمامية: إلى أنه إذا كان العبد بين شريكين وجب عليهما فطرته بالحصص، ولو كان بين ألف نفس عبد بالشركة، أو كان بين اثنين ألف عبد بالشركة، وجبت الفطرة على الجميع.

وقال أبو حنيفة: تسقط بالشركة (1)، وكذا لو كان بعض العبد حرا، وجب على مولاه بقدر نصيبه.

وقال أبو حنيفة: لا فطرة هنا (2).

وقد خالف عموم الأمر بالاخراج عن العبد من غير حجة. (3) 19 - ذهبت الإمامية: إلى أن الزكاة المالية والبدنية لا يسقط بموت من وجبت عليه قبل أدائها، مع تمكنه.

وقال أبو حنيفة: تسقط (4). وقد خالف العقل والنقل:

قال الله تعالى: " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها "، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " فدين الله أحق أن يقضى " (5).

ولأنه دين وجب في ذمته، فلا يسقط بالموت كالأجنبي.

____________

(1) الهداية ج 1 ص 83 وبداية المجتهد ج 1 ص 255

(2) الهداية ج 1 ص 83 وبداية المجتهد ج 1 ص 255

(3) التاج الجامع للأصول ج 2 ص 25

(4) أحكام القرآن ج 2 ص 97

(5) منتخب كنز العمال ج 2 ص 383.


الصفحة 461

الفصل الرابع: في الصوم

وفيه مسائل:

1 - ذهبت الإمامية: إلى أنه إذا خرج من بين أسنانه ما يمكنه التحرز منه، ويمكنه أن يرميه، فابتلعه عامدا كان عليه القضاء والكفارة.

وقال أبو حنيفة: لا شئ عليه (1).. وقد خالف في ذلك النص الدال على وجوب القضاء والكفارة على الأكل (2) وهذا منه.

2 - ذهبت الإمامية: إلى أن الغبار الغليظ، من الدقيق، والنفض، وغيرهما إذا وصل إلى الحلق متعمدا وجب عليه القضاء والكفارة.

وقال الفقهاء الأربعة: لا يجب (3).. وقد خالفوا في ذلك النص الدال على الكفارة بالافطار (4).

3 - ذهبت الإمامية: إلى أنه إذا شك في الفجر، فأكل، وبقي عليه شكه لم يلزمه القضاء.

وقال مالك: يلزمه القضاء (5).. وقد خالف في ذلك قوله تعالى:

" كلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر " (6)، وهذا لم يتبين.

4 - ذهبت الإمامية: إلى أن الكفارة لا تسقط القضاء.

____________

(1) الفقه على المذاهب ج 1 ص 565 وآيات الأحكام ج 1 ص 190 وقال: قال أصحابنا:

ومالك، والشافعي: لا قضاء عليه.

(2) كقوله تعالى: " كلوا واشربوا، حتى يتبين لكم الخيط... " 187 الآية. البقرة.

(3) الفقه على المذاهب ج 1 ص 566 و 568 ومختصر المزني ص 57

(4) أنظر: الموطأ ج 1 ص 277 وصحيح مسلم ج 2 ص 463

(5) كما قال أبو حنيفة، على ما في الهداية ج 1 ص 93 وآيات الأحكام ج 1 ص 230

(6) البقرة: 187.


الصفحة 462
وقال الشافعي: تسقط! (1).. والله تعالى قد أوجبه مع العذر المباح، فكيف مع السبب الفاسد؟.

5 - ذهبت الإمامية: إلى أن من أكل أو شرب ناسيا لا يفطر.

وقال مالك: يفطر، ويجب عليه القضاء (2).. وقد خالف في ذلك قوله صلى الله عليه وآله: رفع عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه (3).

وقوله صلى الله عليه وآله: من صام، ثم نسي، فأكل أو شرب، فليتم صومه، ولا قضاء عليه، والله أطعمه وسقاه (4).

6 - ذهبت الإمامية: إلى أنه إذا وطئ في كل يوم من رمضان وجب عليه على كل يوم كفارة، سواء كفر عن اليوم السابق أو لا.

وقال أبو حنيفة: لا يجب إلا كفارة واحدة، ولو جامع الشهر كله (5) وقد خالف في ذلك العقل والنقل:

أما العقل: فلأن اليوم السابق واللاحق متساويان في وجوب صومهما، وتحريم الجماع فيهما، والاحترام من كل الوجوه، فأي فارق بينهما في إيجاب الكفارة، وأي مدخل للسبق في عدم إيجاب الكفارة، بل قد كان أولى زيادة التنكيل، والعقوبة بالمعاودة إلى العقوبة، وهتك الصوم.

وأما النقل: فعموم قوله صلى الله عليه وآله: " من جامع في نهار رمضان فعليه الكفارة " (6).

7 - ذهبت الإمامية: إلى أن الأكل والشرب في نهار رمضان لمن وجب عليه الصوم عامدا عالما يوجب القضاء والكفارة.

____________

(1) الأم ج 2 ص 100 وبداية المجتهد ج 1 ص 211 وذكره ابن قدامة الحنبلي في كتابه: المغني.

(2) الموطأ ج 1 ص 283 والهداية ص 187

(3) آيات الأحكام ج 1 ص 17 وبداية المجتهد ج 1 ص 212

(4) التاج الجامع للأصول ج 2 ص 87

(5) بداية المجتهد ج 1 ص 214 والفقه على المذاهب ج 1 ص 581

(6) وبلفظ آخر في مسند أحمد ج 2 ص 281، التاج الجامع للأصول ج 2 ص 67 وقال رواه الخمسة.


الصفحة 463
وقال الشافعي: لا يوجب الكفارة (1).

وقد خالف في ذلك العقل، والنقل:

أما العقل: فلأن أداء الصوم مع الجماع أشق من أدائه مع الأكل والشرب، والتنعم، والتلذذ، فكان إيجاب الكفارة بهما أولى، ولأن الكل مفطر وهاتك للصوم، ومناف له، فأي فرق بينهما؟.

وأما النقل: فأمره صلى الله عليه وآله لمن أفطر في رمضان بالعتق، أو الصوم، أو الاطعام، (2) مع عدم السؤال عن التفصيل.

8 - ذهبت الإمامية: إلى أنه إذا نذر صوم يوم بعينه وجب عليه، ولا يجوز له تقديمه.

وقال أبو حنيفة: يجوز (3).. وقد خالف في ذلك العقل والنقل:

أما العقل: فلأن ذمته مشغولة بما نذر، فلا يخرج عن العهدة إلا به.

وأما النقل: فالنصوص الدالة على وجوب الايفاء بالنذر (4).

ولا يصدق على من قدم الصوم: أنه قد وفى ما نذره.

9 - ذهبت الإمامية: إلى أنه إذا شاهد هلال شوال وجب عليه الافطار.

وقال مالك، وأحمد: لا يجوز له الافطار (5).. وقد خالفا في ذلك النصوص الدالة على تحريم صوم العيد، وإنما يكون العيد عيدا بالهلال، وقد ثبت عنه مشاهدة، وقال صلى الله عليه وآله: " صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته " (6).

____________

(1) الأم ج 2 ص 100 وبداية المجتهد ج 1 ص 211

(2) أنظر: صحيح مسلم ج 2 ص 180 ومسند الإمام الشافعي ص 373.

(3) الهداية ج 1 ص 94 والفقه على المذاهب ج 2 ص 146

(4) آيات الأحكام ج 2 ص 456 والهداية ج 1 ص 94

(5) بداية المجتهد ج 1 ص 197

(6) صحيح البخاري ج 3 ص 33.


الصفحة 464
ومن العجب إيجاب فطره عندهما لو ثبت عند حاكم فاسق، بشهادة مستورين يعرف هو فسقهما، وأنه يحرم صومه يحرم إفطاره، ويجب صومه لو شاهده عيانا، وعلم الهلال بالضرورة!!

10 - ذهبت الإمامية: إلى أنه إذا وطئ في نهار شاهد هلال رمضان في ليلته وحده وجب عليه الكفارة.

وقال أبو حنيفة: لا يجب (1).. وقد خالف في ذلك النصوص الدالة على إيجاب الكفارة بإفطار رمضان، وهذا رمضان عنده بالضرورة، ويلزمه ما لزم مالكا، وأحمد، في الصورة الأولى، من ترجيح حكم الفاسق، بشهادة فاسقين على الاحساس.

11 - ذهبت الإمامية: إلى أنه لو نذر صوم يوم العيدين لم ينعقد نذره، ولا يجب قضاؤه.

وقال أبو حنيفة: ينعقد، فإن صامه أجزأ، وإلا قضاه.. (2) وقد خالف في ذلك العقل، والنقل:

أما العقل: فلأن صومهما محرم بإجماع أهل الإسلام، والمحرم لا يصح قربة إلى الله تعالى، ولا ينعقد النذر إلا في طاعة، لأن المطلوب منه التقرب، فكيف يفعل التقرب إليه بما يكرهه ويحرمه.

وأما النقل: فلأن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن صوم هذين اليومين (3).

12 - ذهبت الإمامية: إلى أنه لا يجوز لفاقد الهدي، صيام أيام التشريق بمنى وقال الشافعي: يجوز.. وبه قال مالك 4.

____________

(1) الهداية ج 1 ص 86

(2) الهداية ج 1 ص 94 والفقه على المذاهب ج 2 ص 145

(3) الهداية ج 1 ص 94 والتاج للأصول ج 2 ص 85 والموطأ ج 1 ص 280

(4) كتاب الأم ج 2 ص 102 وبداية المجتهد ج 1 ص 217 والتاج الجامع للأصول ج 2 ص 85.


الصفحة 465
وقد خالفا في ذلك النهي عن النبي صلى الله عليه وآله، فإنه نهى عن صيام ستة أيام: يوم الفطر، ويوم الأضحى، وأيام التشريق، واليوم الذي يشك فيه (1).

وروى أنس: أن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن صيام خمسة أيام في السنة:

يوم الفطر، ويوم النحر، وثلاثة أيام التشريق (2).

13 - ذهبت الإمامية: إلى أن المجنون إذا أفاق بعد فوات شئ من أيام رمضان لم يجب عليه قضاؤه.

وقال أبو حنيفة: إذا بقي من الشهر جزء واحد، وأفاق فيه، وجب عليه قضاء جميع الشهر (3).

وقد خالف في ذلك العقل، والنقل:

أما العقل: فإن التكليف منوط بالعقل، وهو غير ثابت، والقضاء تابع لوجوب الأداء.

وأما النقل: فقوله صلى الله عليه وآله: رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون حتى يفيق (4).

14 - ذهبت الإمامية: إلى أنه لا يصح الاعتكاف إلا بصوم.

وقال الشافعي: يصح بدونه (5).. وقد خالف في ذلك قوله صلى الله عليه وآله:

لا اعتكاف إلا بصوم (6).

____________

(1) التاج الجامع للأصول ج 2 ص 85 ومنتخب كنز العمال ج 3 ص 347

(3) منتخب كنز العمال ج 3 ص 347

(3) الهداية ج 1 ص 92

(4) منتخب كنز العمال ج 2 ص 253 رواه عن الصحاح والسنن.

(5) مختصر المزني ص 60 وآيات الأحكام ج 1 ص 245 وبداية المجتهد ج 1 ص 222 والتفسير الكبير ج 5 ص 114

(6) التاج الجامع للأصول ج 2 ص 104 وقال: رواه أبو داود، والنسائي، ومصابيح السنة ج 1 ص 101.


الصفحة 466
15 - ذهبت الإمامية: إلى أنه إذا أذن لزوجته أو أمته في نذر الاعتكاف، فنذرتا انعقد، ولم يجز له منعهما.

وقال أبو حنيفة: له منع الأمة، دون الزوجة.

وقال الشافعي: له منعهما (1).. وقد خالفا في ذلك العقل، والنقل.

أما العقل: فلأنه دال على تحريم المنع من الاتيان بالواجب.

وأما النقل: فالنصوص الدالة على وجوب الايفاء بالنذر الصحيح (2)، وقد انعقد نذرهما بإذنه إجماعا.

16 - ذهبت الإمامية: إلى أنه إذا نذر أن يعتكف في شهر رمضان ففاته قضاه، فإن أخر إلى رمضان آخر، فاعتكف فيه أجزأه.

وقال أبو حنيفة: يجب عليه قضاؤه ولا يجوز في رمضان الثاني (3).

وهو خلاف المعقول، لتساوي الشهرين، وباقي الشهور بالشهور أيضا، مع أن مذهبه القياس، ووجوب العمل به، وأي تماثل أشد من التماثل هنا؟.

17 - ذهبت الإمامية: إلى أنه إذا نذر أن يعتكف في أحد المساجد الأربعة، وجب عليه الاتيان والوفاء به.

وقال الشافعي: إن كان في المسجد الحرام فكذلك، وإلا جاز أن يعتكف حيث شاء (4).

____________

(1) الأم ج 2 ص 108

(2) كقوله تعالى: " وليوفوا نذورهم ". وقوله صلى الله عليه وآله: من نذر أن يتطيع الله فليعطه

(الفقه على المذاهب ج 2 ص 139).

(3) ذكره الفضل في المقام، بالتفصيل.

(4) وذكره الفضل في المقام، وراجع أيضا الينابيع والمغني.


الصفحة 467
وقد خالف المتواتر (1) من وجوب الوفاء بالنذر في الطاعة.

18 - ذهبت الإمامية: إلى أن المعتكف إذا ارتد بطل اعتكافه.

وقال الشافعي: لا يبطل (2).. وقد خالف القرآن العزيز، وهو قوله تعالى: " لئن أشركت ليحبطن عملك، ولتكونن من الخاسرين " (3).

الفصل الخامس: في الحج

وفيه مسائل:

1 - ذهبت الإمامية: إلى أن الإسلام ليس شرطا في وجوب الحج.

وقال الشافعي: إنه شرط (4).

وقد خالف عموم قوله تعالى: " ولله على الناس حج البيت " (5)، و " أتموا الحج والعمرة لله " (6).

2 - ذهبت الإمامية: إلى أن القادر على المشي إذا لم يجد الزاد والراحلة لا يجب عليه الحج.

وقال مالك: يجب، ويكفي في القدرة على الزاد مسألة الناس (7).

وقد خالف في ذلك القرآن العزيز، قال الله تعالى: " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ".

وروى علي (أمير المؤمنين عليه السلام)، وابن عمر، وابن عباس،

____________

(1) ومن مصادره: التاج الجامع للأصول ج 2 ص 102 وأعلام الموقعين ج 4 ص 389

(2) الفقه على المذاهب ج 1 ص 587 ورواه عن الحنابلة أيضا.

(3) الزمر: 65

(4) الأم ج 2 ص 110 وقال في الفقه على المذاهب ج 1 ص 632: فأما شروط وجوبه:

فمنها الإسلام عند الثلاثة، وخالف المالكية، إلى آخر ما قال.

(5) آل عمران: 97

(6) البقرة: 196

(7) بداية المجتهد ج 1 ص 257 والفقه على المذاهب ج 1 ص 634.


الصفحة 468
وابن مسعود، وعمر بن شعيب، عن أبيه عن جده، وجابر بن عبد الله، وعائشة، وأنس، عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: الاستطاعة: الزاد والراحلة..

لما سئل عنهما (1).

3 - ذهبت الإمامية: إلى أن الأعمى إذا وجد الزاد والراحلة لنفسه، ولمن يقوده، وجب عليه الحج.

وقال أبو حنيفة: لا يجب (2).

وقد خالف في ذلك قوله تعالى: " ولله على الناس حج البيت، من استطاع إليه سبيلا ".

4 - ذهبت الإمامية: إلى وجوب الحج عن الميت، إذا استقر عليه، وترك مالا، وكذا الزكاة، والكفارة، وجزاء الصيد.

وقال أبو حنيفة: يسقط الجميع (3).

وقد خالف في ذلك المعقول، والمنقول.

أما المعقول: فهو أن ذمته مشغولة بالحج، والدين الذي هو الزكاة، والكفارة، والجزاء، فيجب أن يقضى عنه كالدين.

وأما المنقول: فخبر الخثعمية (4) وهو متواتر.

5 - ذهبت الإمامية: إلى وجوب العمرة.

وقال مالك، وأبو حنيفة: إنها مستحبة (5).

وقد خالفا في ذلك القرآن، والسنة: قال الله تعالى: " وأتموا الحج والعمرة لله ".

____________

(1) بداية المجتهد ج 1 ص 258

(2) الهداية ج 1 ص 97 والفقه على المذاهب ج 1 ص 633

(3) آيات الأحكام ج 2 ص 97 وبداية المجتهد ج 1 ص 258

(4) التاج الجامع للأصول ج 2 ص 110 وآيات الأحكام ج 2 ص 98 ومسند الشافعي ص 374 وغيرها من الكتب المعتبرة عندهم.

(5) الفقه على المذاهب ج 1 ص 684 وبداية المجتهد ج 1 ص 260.


الصفحة 469
وقال النبي صلى الله عليه وآله: الحج والعمرة فريضتان لا يضرك بأيهما بدأت (1).

وقالت عائشة: يا رسول الله، على النساء جهاد؟ قال: نعم، جهاد لا قتال فيه: الحج، والعمرة (2)، فأخبر أن عليهن جهادا، وفسرها بالحج والعمرة، فثبت أنها واجبة.

6 - ذهبت الإمامية: أن التمتع أفضل من القران والإفراد.

وقال مالك: الإفراد أفضل.. وقال أبو حنيفة: القرآن أفضل (3).

وقد خالفا قول النبي صلى الله عليه وآله: " لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي، ولجعلتها عمرة " (4)، تأسفه على فوات العمرة يدل على أفضليته.

7 - ذهبت الإمامية: إلى أن المفرد إذا دخل مكة جاز له أن يفسخ حجه، ويجعلها عمرة، ويتمتع.

وخالف الفقهاء الأربعة (5).

وقد خالفوا في ذلك قول النبي صلى الله عليه وآله: " من لم يسق هديا فليحل، وليجعلها عمرة " (6).

ولا يفسخ قول النبي صلى الله عليه وآله بقول عمر (7).

____________

(1) التفسير الكبير ج 5 ص 141 والدر المنثور ج 1 ص 209 وقال: أخرجه الحاكم عن زيد بن ثابت، وآيات الأحكام ج 1 ص 266

(2) الدر المنثور ج 1 ص 210 وقال: أخرجه ابن أبي شيبة، وابن أبي داود في المصاحف، وابن خزيمة، والتفسير الكبير ج 5 ص 141

(3) الهداية ج 1 ص 110

(4) صحيح مسلم ج 2 ص 522 و 530 وبداية المجتهد ج 1 ص 271 ومنتخب كنز العمال ج 2 ص 334 ومسند الشافعي ص 375.

(5) الفقه على المذاهب ج 1 ص 688 والتاج الجامع للأصول ج 2 ص 123

(6) بداية المجتهد ج 1 ص 369 ومنتخب كنز العمال ج 2 ص 324

(7) روى حفاظ الحديث، وأعاظم أعلام القوم: أن عمر بن الخطاب نهى بكل حرية، وكل صراحة عن متعة الحج، ومتعة النساء، مع كونهما كانتا معمولا بهما في زمن الرسول، إلى أن مات، وزمن أبي بكر، ومدة من خلافته هو.

وليس هذا إلا مخالفة للكتاب والسنة، والاجتهاد في مقابل النص، كما صرح به عمران ابن حصين بقوله: نزلت آية المتعة في كتاب الله، وأمرنا بها رسول الله صلى الله عليه وآله، ثم لم تنزل آية تنسخ آية متعة الحج، ولم ينه عنها رسول الله صلى الله عليه وآله حتى مات، قال رجل برأيه بعد ما شاء، يعني عمر!..

وقد أعلن عدة من الصحابة مخالفتهم لهذه البدعة الردية (راجع مسند أحمد بن حنبل) ج 5 ص 143 وسائر مجلداته، والموطأ ج 1 ص 317 والأم للشافعي ج 7 ص 214 والصحاح، والسنن، وسائر الكتب المعتبرة عندهم).

وقيل لعبد الله بن عمر: فإن أباك كان ينهي عنها؟ فقال: ويلك، إن كان أبي نهى عنها، وقد فعله رسول الله صلى الله عليه وآله، وأمر به، أفبقول أبي آخذ، أم بأمر رسول الله صلى الله عليه وآله؟

قم عني. وقد أحله الله، وعمل به رسول الله صلى الله عليه وآله أفرسول الله صلى الله عليه وآله أحق أن تتبعوا سنته، أو عمر؟ (راجع تفسير القرطبي ج 2 ص 365 وسنن البيهقي ج 5 ص 21 ومجمع الزوائد ج 1 ص 185).


الصفحة 470
8 - ذهبت الإمامية: إلى أن نية التمتع شرط فيه.

وقال الشافعي: ليست شرطا (1).. وقد خالفا بذلك قول الله تعالى:

" وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين " (2).

وقول النبي صلى الله عليه وآله: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى (3).

9 - ذهبت الإمامية: إلى أن المتمتع إذا أحرم بالحج، وجب عليه الدم، واستقر.

وقال مالك: لا يجب حتى يرمي جمرة العقبة (4).

وقد خالف في ذلك قول الله، وقول النبي صلى الله عليه وآله، قال الله تعالى:

____________

(1) الأم ج 2 ص 127

(2) البينة: 5

(3) التاج الجامع للأصول ج 1 ص 175 وقال: رواه الخمسة، إلا أبا داود.

(4) التفسير الكبير ج 5 ص 152 والفقه على المذاهب ج 1 ص 698 وبداية المجتهد ج 1 ص 305.