الصفحة 80

فاطمة، والمذوبة (1)، والمباركة، والطاهرة، والزكية، والراضية (2)، والرضية، والمحدثة، والزهراء.

ثم قال (عليه السلام): أتدري أي شئ تفسير فاطمة؟

قلت: أخبرني يا سيدي، فمما فطمت؟

قال: من الشرك.

قال: ثم قال (عليه السلام): لولا أن أمير المؤمنين (عليه السلام) تزوجها لما كان لها كفؤ إلى يوم القيامة على وجه الأرض من آدم فمن دونه (3).

معنى المحدثة

20 / 20 - أخبرني أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى التلعكبري، قال:

أخبرني أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى، قال: حدثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا الحسن بن علي السكري (4)، عن محمد (5) بن زكريا الجوهري، قال: حدثني شعيب بن واقد، قال: حدثني إسحاق بن جعفر بن محمد، عن (6) عيسى ابن زيد بن علي (عليه السلام)، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول:

____________

(1) في " ط " وكتب الصدوق: الصديقة.

(2) (والراضية) ليس في " ع، م ".

(3) الخصال: 414 / 3، أمالي الصدوق: 474 / 18، علل الشرائع: 178 / 3، نوادر المعجزات: 84 / 6.

(4) في " ط، ع، م ": السكوني، وهو تصحيف صوابه ما في المتن من عدة مواضع في كتب الشيخ الصدوق، وفي علل الشرائع: 178 / 1: أبو سعيد الحسن بن علي بن الحسين السكري.

(5) في " ط، ع، م ": أحمد، والصواب ما في المتن من علل الشرائع، وهو محمد بن زكريا بن دينار الغلابي البصري، له كتب كثيرة، منها: أخبار فاطمة (عليها السلام) ومنشؤها ومولدها. انظر رجال النجاشي: 346، معجم رجال الحديث 16: 87، والحديث الآتي.

(6) في " ط " والعلل: بن، والظاهر صحة ما في المتن، وعيسى هو موتم الأشبال يكنى أبا يحيى، أسند عن الصادق (عليه السلام)، انظر رجال الطوسي: 257 / 553، معجم رجال الحديث 3: 42 و 13: 187.


الصفحة 81
سميت فاطمة محدثة لان الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما كانت تنادي مريم بنت عمران، فتقول: يا فاطمة، إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين.

يا فاطمة، اقنتي لربك، الآية (1)، وتحدثهم ويحدثونها.

فقالت لهم ذات ليلة: أليست المفضلة على نساء العالمين مريم بنت عمران؟

فقالوا: إن مريم كانت سيدة نساء عالمها، وإن الله جعلك سيدة عالمك، وسيدة نساء الأولين والآخرين (2).

حديث هجرتها (صلوات الله عليها)

21 / 21 - حدثني أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى التلعكبري، قال:

حدثنا أبي (رضي الله عنه)، قال: أخبرني أبو الحسن أحمد بن محمد بن أبي العريب الضبي، قال: حدثنا محمد بن زكريا بن دينار الغلابي (3)، قال: حدثنا شعيب بن واقد، عن جعفر ابن محمد، عن أبيه، عن جده، عن ابن عباس، قال: لم تزل فاطمة تشب في اليوم كالجمعة، وفي الجمعة كالشهر، وفي الشهر كالسنة، فلما هاجر رسول الله (صلى الله عليه وآله) من مكة إلى المدينة، وابتنى بها مسجدا، وأنس أهل المدينة به (صلى الله عليه وآله)، وعلت كلمته، وعرف الناس بركته، وسارت إليه الركبان، وظهر الإيمان، ودرس القرآن، وتحدث الملوك والأشراف وخاف سيف نقمته الأكابر والأشراف، هاجرت فاطمة مع أمير المؤمنين (عليه السلام) ونساء المهاجرين، وكانت عائشة فيمن هاجر معها، فقدمت المدينة، فأنزلها النبي (صلى الله عليه وآله) على أم أيوب الأنصاري.

وخطب رسول الله (صلى الله عليه وآله) النساء، وتزوج سودة أول دخوله المدينة فنقل

____________

(1) وهي في سورة آل عمران 3: 42، 43، وتتمتها: واسجدي واركعي مع الراكعين.

(2) علل الشرائع: 182 / 1. ويأتي تحت الرقم (66).

(3) صحف في " ع، م ": العلائي، وهو من بني غلاب قبيلة بالبصرة من بني نصر بن معاوية، انظر التعليقة الثانية على الحديث السابق.


الصفحة 82
فاطمة إليها، ثم تزوج أم سلمة بنت أبي أمية.

فقالت أم سلمة: تزوجني رسول الله، وفوض أمر ابنته إلي، فكنت أدلها وأؤدبها، وكانت - والله - آدب مني، وأعرف بالأشياء كلها.

وكيف لا تكون كذلك وهي سلالة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها؟! (1)

معرفة تزويجها بأمير المؤمنين (صلوات الله عليهما)

22 / 22 - وأخبرني الشريف أبو محمد الحسن بن أحمد العلوي المحمدي النقيب، قال: حدثنا أبو سهل محمود بن عمر بن جعفر بن إسحاق بن محمود العسكري، قال: حدثنا الأصم (2) بعسقلان، قال: حدثنا الربيع بن سليمان، قال: حدثنا الشافعي محمد بن إدريس، عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك، قال:

ورد عبد الرحمن بن عوف الزهري، وعثمان بن عفان إلى النبي (صلى الله عليه وآله)، فقال له عبد الرحمن: يا رسول الله، تزوجني فاطمة ابنتك؟ وقد بذلت لها من الصداق مائة ناقة سوداء، زرق الأعين، محملة كلها قباطي مصر، وعشرة آلاف دينار. ولم يكن مع (3) رسول الله أيسر من عبد الرحمن وعثمان.

قال عثمان: بذلت لها (4) ذلك، وأنا أقدم من عبد الرحمن إسلاما.

فغضب النبي (صلى الله عليه وآله) من مقالتيهما، ثم تناول كفا من الحصى، فحصب به عبد الرحمن، وقال له: إنك تهول علي بمالك؟.

____________

(1) البحار 43: 9 / 16.

(2) هو المحدث مسند عصره محمد بن يعقوب بن يوسف، أبو العباس السناني المعقلي النيسابوري الأصم، حدث بكتاب الأم للشافعي عن الربيع بن سليمان، ولد سنة (247) وتوفي سنة (346 هـ)، انظر سير أعلام النبلاء 15: 452.

(3) في " ط ": يكن من أصحاب.

(4) في " ط ": وأنا أبذل.


الصفحة 83
قال: فتحول الحصى درا، فقومت درة من تلك الدرر، فإذا هي تفي بكل ما يملكه عبد الرحمن.

وهبط جبرئيل (عليه السلام) في تلك الساعة، فقال: يا أحمد، إن الله (تعالى) يقرئك السلام، ويقول: قم إلى علي بن أبي طالب، فإن مثله مثل الكعبة يحج إليها، ولا تحج إلى أحد.

إن الله (تعالى) أمرني أن آمر رضوان خازن الجنة (1) أن يزين الأربع جنان، وأمر شجرة طوبى وسدرة المنتهى أن تحملا (2) الحلي والحلل، وأمر الحور العين أن يتزين، وأن يقفن تحت شجرة طوبى وسدرة المنتهى (3)، وأمر ملكا من الملائكة، يقال له (راحيل) وليس في الملائكة أفصح منه لسانا، ولا أعذب منطقا، ولا أحسن وجها، أن يحضر إلى ساق العرش.

فلما حضرت الملائكة والملك أجمعون، أمرني أن أنصب منبرا من النور، وأمر راحيل - ذلك الملك - أن يرقى، فخطب خطبة بليغة من خطب النكاح، وزوج عليا من فاطمة بخمس الدنيا لها ولولدها إلى يوم القيامة.

وكنت أنا وميكائيل شاهدين، وكان وليها الله (تعالى).

وأمر شجرة طوبى وسدرة المنتهى أن تنثرا ما فيهما (4) من الحلي والحلل والطيب، وأمر الحور أن يلقطن ذلك، وأن يفتخرن به إلى يوم القيامة.

وقد أمرك الله أن تزوجه بفاطمة في الأرض، وأن تقول لعثمان بن عفان: أما سمعت قولي في القرآن: * (بسم الله الرحمن الرحيم * مرج البحرين يلتقيان * بينهما برزخ لا يبغيان) * (5) وما سمعت في كتابي: * (وهو الذي خلق من الماء بشرا

____________

(1) في " ط ": الجنان.

(2) في " م ": يحملن.

(3) (أن تحملا الحلي... وسدرة المنتهى) ليس في " ع ".

(4) في " ع، م ": ينثرن ما فيهن.

(5) الرحمن 55: 19 - 20.


الصفحة 84
فجعله نسبا وصهرا) * (1)؟!

فلما سمع النبي (صلى الله عليه وآله) كلام جبرئيل (عليه السلام) وجه خلف عمار بن ياسر وسلمان والعباس، فأحضرهم، ثم قال لعلي (عليه السلام): إن الله (تعالى) قد أمرني أن أزوجك.

فقال: يا رسول الله، إني لا أملك إلا سيفي وفرسي ودرعي.

فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): اذهب فبع الدرع.

قال: فخرج علي (عليه السلام) فنادى على درعه، فبلغت أربعمائة درهم ودينار.

قال: فاشتراها دحية بن خليفة الكلبي، وكان حسن الوجه (2)، لم يكن مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحسن منه وجها.

قال:

فلما أخذ علي (عليه السلام) الثمن وتسلم دحية الدرع عطف دحية على (3) علي، فقال: أسألك يا أبا الحسن أن تقبل مني هذه (4) الدرع هدية، ولا تخالفني في ذلك.

قال: فحمل الدرع والدراهم، وجاء بهما إلى النبي، ونحن جلوس بين يديه، فقال له (5): يا رسول الله، إني بعت الدرع بأربعمائة درهم ودينار، وقد اشتراه دحية الكلبي، وقد أقسم علي أن أقبل الدرع هدية، وأيش تأمر (6)، أقبلها منه أم لا؟

فتبسم النبي (صلى الله عليه وآله) وقال: ليس هو دحية، لكنه جبرئيل، وإن الدراهم من عند الله ليكون شرفا وفخرا لابنتي فاطمة. وزوجه النبي بها، ودخل بعد ثلاث.

قال: وخرج علينا علي (عليه السلام) ونحن في المسجد، إذ هبط الأمين جبرئيل وقد اهبط بأترجة من الجنة، فقال له: يا رسول الله، إن الله يأمرك أن تدفع هذه الأترجة إلى علي بن أبي طالب.

____________

(1) الفرقان 25: 54.

(2) (كان حسن الوجه) ليس في " ع، م ".

(3) في " ع، م ": إلى.

(4) في " ع، م ": هذا.

(5) في " ط ": تخالفني فأخذها منه وحمل الثمن والدرع جاء بهما إلى النبي فطرحهما بين يديه وقال.

(6) في " ط ": هدية فما تأمرني.


الصفحة 85
قال: فدفعها النبي (صلى الله عليه وآله) إلى علي، فلما حصلت في كفه انقسمت قسمين:

على قسم منها مكتوب:

" لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين ".

وعلى القسم الآخر مكتوب: " هدية من الطالب الغالب إلى علي بن أبي طالب " (1).

23 / 23 - وقال الشريف: حدثنا موسى بن عبد الله الجشمي [بإسناده] (2) عن وهب بن وهب، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، أنه قال:

هممت بتزويج فاطمة حينا، ولم أجسر على أن أذكره (3) لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكان ذلك يختلج في صدري ليلا ونهارا، حتى دخلت يوما على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا علي. فقلت: لبيك يا رسول الله.

فقال: هل لك في التزويج؟

فقلت: الله ورسوله أعلم. فظننت أنه يريد أن يزوجني ببعض نساء قريش، وقلبي خائف من فوت فاطمة. ففارقته على هذا، فوالله ما شعرت حتى أتاني رسول رسول الله، فقال: أجب يا علي، وأسرع.

قال: فأسرعت المضي إليه، فلما دخلت نظرت إليه، فلما رأيته ما رأيته أشد فرحا من ذلك اليوم، وهو (4) في حجرة أم سلمة فلما أبصرني تهلل وتبسم، حتى نظرت إلى بياض أسنانه لها بريق، قال: يا علي هلم فإن الله قد كفاني ما همني فيك من أمر تزويجك.

____________

(1) نوادر المعجزات: 84 / 7.

(2) من البحار، وهو الصواب لعدم إمكان رواية الجشمي عن أصحاب الصادق (عليه السلام) دون واسطة بحسب الطبقة.

(3) في " ط ": أجسر أن أذكر ذلك.

(4) في " ط ": كان.


الصفحة 86
فقلت: وكيف ذلك يا رسول الله؟

قال: أتاني جبرئيل، ومعه من قرنفل الجنة وسنبلها قطعتان، فناولنيها، فأخذتهما وشممتهما، فسطع منها رائحة المسك، ثم أخذها مني، فقلت: يا جبرئيل، ما شأنهما (1)؟

فقال: إن الله أمر سكان الجنة أن يزينوا الجنان كلها بمفارشها ونضودها وأنهارها وأشجارها، وأمر ريح الجنة التي يقال لها (المثيرة) فهبت في الجنة بأنواع العطر والطيب، وأمر الحور العين بقراءة سورتي (2) طه ويس، فرفعن (3) أصواتهن بهما.

ثم نادى مناد: ألا إن اليوم يوم وليمة فاطمة بنت محمد، وعلي بن أبي طالب رضى مني بهما.

ثم بعث الله (تعالى) سحابة بيضاء، فمطرت على أهل الجنة من لؤلؤها وزبرجدها وياقوتها، وأمر خدام الجنة أن يلقطوها، وأمر ملكا من الملائكة يقال له (4): (راحيل) فخطب خطبة (5) لم يسمع أهل السماء بمثلها.

ثم نادى (تعالى): يا ملائكتي، وسكان جنتي، باركوا على نكاح فاطمة بنت محمد وعلي بن أبي طالب، فإني زوجت أحب النساء إلي من أحب الرجال إلي، بعد محمد.

ثم قال (صلى الله عليه وآله): يا علي، أبشر، أبشر، فإني قد زوجتك بابنتي فاطمة على ما زوجك الرحمن من فوق عرشه، وقد رضيت لها ولك ما رضي الله لكما، فدونك أهلك، وكفى - يا علي - برضاي رضى فيك.

فقال: يا رسول الله، أو بلغ من شأني أن أذكر في أهل الجنة؟! وزوجني الله في ملائكته؟!

فقال (صلى الله عليه وآله): يا علي، إن الله إذا أحب عبدا أكرمه بما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

____________

(1) في " ع، م ": سبيلها.

(2) في " ع، م ": حور عينها يقرأوا فيها سورة.

(3) في " ع، م ": فرفعوا.

(4) في " ط ": خدام الجنان أن يلتقطوها وأمر.

(5) في " ع، م ": فخطب راحيل بخطبة.


الصفحة 87
فقال علي (عليه السلام): يا رب، أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي. فقال النبي: آمين آمين.

وقال علي (عليه السلام): لما أتيت رسول الله خاطبا ابنته فاطمة، قال: وما عندك تنقدني؟

قلت له: ليس عندي إلا بعيري وفرسي ودرعي.

قال: أما فرسك فلا بد لك منه، تقاتل عليه، وأما بعيرك فحامل أهلك، وأما درعك فقد زوجك الله بها.

قال علي: فخرجت من عنده والدرع على عاتقي الأيسر، فذهبت (1) إلى سوق الليل فبعتها بأربعمائة درهم سود هجرية، ثم أتيت بها إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فصببتها بين يديه، فوالله ما سألني عن عددها، وكان رسول الله سري (2) الكف، فدعا بلالا وملأ قبضته، فقال: يا بلال، ابتع بها طيبا لابنتي فاطمة.

ثم دعا أم سلمة وقال لها: يا أم سلمة، ابتاعي لابنتي فراشا من حلس (3) مصر، واحشيه ليفا، واتخذي لها مدرعة وعباءة قطوانية (4)، ولا تتخذي أكثر من ذلك فيكونا من المسرفين.

وصبرت أياما ما أذكر لرسول الله (صلى الله عليه وآله) شيئا من أمر ابنته، حتى دخلت على أم سلمة، فقالت لي: يا علي، لم لا تقول لرسول الله يدخلك على أهلك؟

قال: قلت: أستحي منه أن أذكر له شيئا من هذا.

فقالت أم سلمة: ادخل عليه، فإنه سيعلم ما في نفسك.

قال علي: فدخلت عليه، ثم خرجت، ثم دخلت ثم خرجت، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أحسبك أنك تشتهي الدخول على أهلك؟

قال: قلت: نعم، فداك أبي وأمي يا رسول الله.

____________

(1) في " ع، م ": فدعيت.

(2) السرو: السخاء " لسان العرب - سرا - 14: 378 ".

(3) الحلس: بساط البيت " لسان العرب - حلس - 6: 54 ".

(4) القطوانية: عباءة بيضاء قصيرة الخمل " النهاية 4: 85 ".


الصفحة 88
فقال (صلى الله عليه وآله): غدا إن شاء الله (تعالى) (1).

خبر الخطبة بجمع من الناس

24 / 24 - حدثني أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى التلعكبري، قال:

حدثني أبي، قال: أخبرني أبو الحسن أحمد بن محمد بن أبي العريب الضبي، قال:

حدثنا محمد بن زكريا بن دينار الغلابي، قال: حدثنا شعيب بن واقد، عن الليث، عن جعفر بن محمد (عليه السلام)، عن أبيه، عن جده، عن جابر، قال: لما أراد رسول الله أن يزوج فاطمة عليا (عليه السلام) قال له: اخرج يا أبا الحسن إلى المسجد فإني خارج في أثرك، ومزوجك بحضرة الناس، وذاكر من فضلك ما تقر به عينك.

قال علي: فخرجت من عند رسول الله وأنا ممتلئ (2) فرحا وسرورا، فاستقبلني أبو بكر وعمر، فقالا: ما وراءك يا أبا الحسن؟ فقلت: يزوجني رسول الله فاطمة، وأخبرني أن الله قد زوجنيها، وهذا رسول الله خارج في أثري، ليذكر بحضرة الناس.

ففرحا وسرا، ودخلا معي المسجد.

قال علي (عليه السلام): فوالله ما توسطناه حتى لحق بنا رسول الله، وإن وجهه ليتهلل فرحا وسرورا.

فقال (صلى الله عليه وآله): أين بلال؟ فأجاب: لبيك وسعديك يا رسول الله.

ثم قال: أين المقداد؟ فأجاب: لبيك يا رسول الله.

ثم قال: أين سلمان؟ فأجاب: لبيك يا رسول الله.

ثم قال: أين أبو ذر؟ فأجاب: لبيك يا رسول الله، فلما مثلوا بين يديه قال:

انطلقوا بأجمعكم، فقوموا في جنبات المدينة، واجمعوا المهاجرين والأنصار والمسلمين.

فانطلقوا لأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأقبل رسول الله فجلس على أعلى

____________

(1) تفسير فرات: 413، البحار 104: 87 / 53، قطعة منه في أمالي الصدوق: 448 / 1، وعيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 222 / 1، وروضة الواعظين: 144.

(2) في " ع، م ": وأنا لا أعقل.


الصفحة 89
درجة من منبره، فلما حشد المسجد بأهله قام رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فحمد الله وأثنى عليه، وقال:

الحمد لله الذي رفع السماء فبناها، وبسط الأرض فدحاها، وأثبتها بالجبال فأرساها وأخرج منها ماءها ومرعاها، الذي تعاظم عن صفات الواصفين، وتجلل عن تحبير لغات الناطقين، وجعل الجنة ثواب المتقين، والنار عقاب الظالمين، وجعلني رحمة للمؤمنين، ونقمة على الكافرين (1).

عباد الله، إنكم في دار أمل، بين حياة وأجل، وصحة وعلل، دار زوال، وتقلب أحوال (2)، جعلت سببا للارتحال، فرحم الله امرءا قصر من أمله، وجد في عمله، وأنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من قوته، فقدمه (3) ليوم فاقته.

يوم تحشر فيه الأموات، وتخشع فيه (4) الأصوات، وتنكر الأولاد والأمهات، * (وترى الناس سكارى وما هم بسكارى) * (5).

* (يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين) * (6).

* (يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء وتود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا) * (7).

* (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) * (8).

ليوم تبطل فيه الأنساب، وتقطع الأسباب، ويشتد فيه على المجرمين الحساب، ويدفعون إلى العذاب، فمن زحزح على النار وادخل الجنة فقد فاز، وما الحياة الدنيا

____________

(1) في " ع، م ": وجعلني نقمة للكافرين ورحمة ورأفة على المؤمنين.

(2) في " ط ": متقلبة الحال.

(3) في " ع، م ": قدم.

(4) في " ع، م ": له.

(5) الحج 22: 2.

(6) النور 24: 25.

(7) آل عمران 3: 30.

(8) الزلزلة 99: 7 - 8.


الصفحة 90
إلا متاع الغرور.

أيها الناس، إنما الأنبياء حجج الله في أرضه، الناطقون بكتابه، العاملون بوحيه، وإن الله عز وجل أمرني أن أزوج كريمتي فاطمة بأخي وابن عمي وأولى الناس بي: علي بن أبي طالب، والله عز شأنه قد زوجه بها (1) في السماء، بشهادة (2) الملائكة، وأمرني أن أزوجه في الأرض (3)، وأشهدكم على ذلك.

ثم جلس رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم قال: قم، يا علي، فاخطب لنفسك.

قال: يا رسول الله، أخطب وأنت حاضر؟!

قال: اخطب، فهكذا أمرني جبرئيل أن آمرك أن تخطب لنفسك، ولولا أن الخطيب في الجنان داود لكنت أنت يا علي.

ثم قال النبي (صلى الله عليه وآله): أيها الناس، اسمعوا قول نبيكم، إن الله بعث أربعة آلاف نبي، لكل نبي وصي، وأنا خير الأنبياء، ووصيي خير الأوصياء.

ثم أمسك رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وابتدأ علي (عليه السلام) فقال:

الحمد لله الذي ألهم بفواتح علمه الناطقين، وأنار بثواقب عظمته قلوب المتقين، وأوضح بدلائل أحكامه طرق السالكين، وأبهج (4) بابن عمي المصطفى العالمين، حتى (5) علت دعوته دعوة (6) الملحدين، واستظهرت كلمته على بواطل (7) المبطلين، وجعله خاتم النبيين، وسيد المرسلين، فبلغ رسالة ربه، وصدع بأمره، وبلغ عن الله آياته.

والحمد لله الذي خلق العباد بقدرته، وأعزهم بدينه، وأكرمهم بنبيه محمد (صلى الله عليه وآله)، ورحم وكرم وشرف وعظم.

____________

(1) في " ع، م ": علي بن أبي طالب وأن قد زوجه.

(2) في " ط ": وأشهد.

(3) (في الأرض) ليس في " ع، م ".

(4) في " ع، م ": طرق الفاصلين، وأنهج.

(5) في " ع، م ": و.

(6) في " ع، م ": دواعي، ظ دعاوى.

(7) في " ط ": بواطن.


الصفحة 91
والحمد لله على نعمائه وأياديه، وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة إخلاص (1) ترضيه، وصلى الله على محمد صلاة تزلفه (2) وتحظيه.

وبعد:

فإن (3) النكاح مما أمر الله (تعالى) به، وأذن فيه، ومجلسنا هذا مما قضاه ورضيه، وهذا محمد بن عبد الله رسول الله (4) زوجني ابنته فاطمة، على صداق أربعمائة درهم ودينار، وقد رضيت بذلك، فاسألوه وأشهدوا.

فقال المسلمون: زوجته يا رسول الله؟ قال: نعم.

قال المسلمون: بارك الله لهما وعليهما، وجمع شملهما.(5)

حديث المهر وكم قدره

25 / 25 - حدثني أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى بن أحمد بن إبراهيم ابن سعد (6) التلعكبري، قال: أخبرني أبي، قال: حدثنا أبو علي أحمد بن محمد بن جعفر الصولي، قال: حدثنا محمد بن زكريا بن دينار الغلابي، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن عمارة، قال: حدثني الحسن بن عمارة، عن المنهال بن عمرو، عن أبي ذر، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):

ضجت الملائكة إلى الله (تعالى)، فقالوا: إلهنا وسيدنا، أعلمنا ما مهر فاطمة (7)، لنعلم ونتبين أنها أكرم الخلق عليك.

____________

(1) في " ع ": اقيله و، و " م ": ظ تبلغه و، كما في نوادر المعجزات.

(2) في " ع، م ": تريحه، وفي نوادر المعجزات: تزكيه.

(3) (بعد فإن) ليس في " ع، م ".

(4) (رسول الله) ليس في " ع، م ".

(5) نوادر المعجزات: 87 / 8.

(6) نسبه في رجال النجاشي: 439... بن أحمد بن سعيد بن سعيد.

(7) في " ع، م ": ما مهرها.


الصفحة 92
فأوحى الله (تعالى) إليهم: يا ملائكتي، وسكان سماواتي، أشهدكم أن مهر فاطمة بنت محمد نصف الدنيا.(1)

26 / 26 - وحدثني أبو المفضل محمد بن عبد الله، قال: حدثنا أبو العباس غياث الديلمي، عن الحسن بن محمد بن يحيى الفارسي، عن زيد الهروي (2)، عن الحسن بن مسكان، عن نجبة، عن جابر الجعفي، قال: قال سيدي الباقر محمد بن علي (عليه السلام) في قول الله (تعالى): * (وإذ استسقى موسى لقومه - إلى قوله - مفسدين) * (3):

إن قوم موسى شكوا إلى ربهم الحر والعطش، فاستسقى موسى الماء، وشكا إلى ربه (تعالى) مثل ذلك.

وقد شكا المؤمنون إلى جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقالوا: يا رسول الله، عرفنا من الأئمة بعدك؟ فما مضى من نبي إلا وله أوصياء وأئمة بعده، وقد علمنا أن عليا وصيك، فمن الأئمة من بعده؟

فأوحى الله إليه: إني قد زوجت عليا بفاطمة في سمائي تحت ظل عرشي، وجعلت جبرئيل خطيبها، وميكائيل وليها، وإسرافيل القابل عن علي، وأمرت شجرة طوبى فنثرت عليهم اللؤلؤ الرطب، والدر، والياقوت، والزبرجد الأحمر، والأخضر، والأصفر، والمناشير المخطوطة بالنور، فيها أمان للملائكة مذخور إلى يوم القيامة، وجعلت نحلتها من علي خمس الدنيا، وثلثي الجنة، وجعلت نحلتها في الأرض أربعة أنهار: الفرات، والنيل، ونهر دجلة، ونهر بلخ، فزوجها أنت - يا محمد - بخمسمائة درهم، تكون سنة لأمتك، فإنك إذا زوجت عليا من فاطمة جرى منهما (4) أحد عشر إماما من صلب علي، سيد كل أمة إمامهم في زمنه، ويعلمون كما علم قوم موسى مشربهم.

____________

(1) نوادر المعجزات: 90 / 9، مدينة المعاجز: 146.

(2) في " ع ": الهراري، و " م ": الهراوي.

(3) البقرة 2: 60.

(4) في " ع ": منها.


الصفحة 93
وكان تزويج أمير المؤمنين (عليه السلام) بفاطمة (عليها السلام) في السماء إلى تزويجها في الأرض أربعين يوما.(1)

خبر محمود الملك (2)

27 - 27 - أخبرني أبو الحسن علي بن هبة الله، قال: حدثنا أبو جعفر محمد ابن علي بن الحسين بن موسى القمي، قال: حدثني جعفر بن مسرور، قال: حدثنا الحسين بن محمد بن عامر، عن المعلى (3) بن محمد، عن أحمد بن محمد البزنطي، عن علي بن جعفر، قال: سمعت أبا الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) يقول:

بينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) جالس إذ دخل عليه ملك له أربعة وعشرون وجها، فقال له رسول الله: حبيبي جبرئيل، لم أرك في مثل هذه الصورة؟

فقال الملك: لست بجبرئيل، أنا محمود، بعثني الله أن أزوج النور من النور.

قال: من ممن؟

قال: فاطمة من علي.

قال: فلما ولى الملك إذا بين كتفيه مكتوب: محمد رسول الله، وعلي وصيه، فقال له (4) رسول الله: منذ كم كتب هذا بين كتفيك؟

فقال: من قبل أن يخلق الله (عز وجل) آدم بمائتين وعشرين ألف عام.(5)

____________

(1) نوادر المعجزات: 90 / 10، مدينة المعاجز: 146.

(2) في " ط " زيادة: الهابط على النبي.

(3) في " ع ": علي، وفي " م ": يعلى، وكلاهما تصحيف وما في المتن هو الصواب من " ط " وبقية المصادر ومعجم رجال الحديث 18: 250، وللمعلى كتب رواها عنه النجاشي والطوسي بإسنادهما إلى الحسين بن محمد بن عامر عنه. رجال النجاشي: 418، الفهرست: 165.

(4) (له) ليس في " ع، م ".

(5) الكافي 1: 383 / 8، الخصال: 640 / 17، معاني الأخبار: 103 / 1، أمالي الصدوق: 474 / 19، نوادر المعجزات: 92 / 11، وفي المصادر الأربعة المتقدمة: باثنين وعشرين ألف عام.


الصفحة 94

خبر النثار

28 / 28 - أخبرني أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى التلعكبري، قال:

حدثنا أبي، قال: حدثنا أبو علي أحمد بن محمد بن جعفر الصولي، قال: حدثنا عبد العزيز بن يحيى (1)، قال: حدثنا أبو القاسم التستري، قال: حدثنا أبو الصلت عبد السلام بن صالح، عن علي بن موسى بن جعفر بن محمد، قال: حدثني أبي، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده عن علي (عليهم السلام) (2) قال:

لما زوجني النبي (صلى الله عليه وآله) (3) بفاطمة قال لي: أبشر، فإن الله قد كفاني ما أهمني من أمر تزويجك.

قلت: وما ذاك؟

قال: أتاني جبرئيل بسنبلة من سنابل الجنة، وقرنفلة من قرنفلها، فأخذتهما وشممتهما، وقلت: يا جبرئيل، ما شأنهما (4)؟

فقال: إن الله أمر ملائكة الجنة وسكانها أن يزينوا الجنة بأشجارها، وأنهارها، وقصورها، ودورها، وبيوتها، ومنازلها، وغرفها، وأمر الحور العين أن يقرأن حمعسق، ويس، ثم نادى مناد: اشهدوا أجمعين، الله يقول: إني قد زوجت فاطمة بنت محمد من علي بن أبي طالب.

ثم بعث الله سحابة فأمطرت عليهم الدر، والياقوت، واللؤلؤ، والجوهر، ونثرت السنبل والقرنفل، فهذا مما نثرت على الملائكة (5).

____________

(1) أبو أحمد الجلودي الأزدي، شيخ البصرة وأخباريها، عد النجاشي من كتبه كتاب: تزويج فاطمة (عليها السلام)، رجال النجاشي: 240.

(2) في " ط ": علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي (عليهم السلام) عن آبائه، عن علي.

(3) في " ع ": لما زوج النبي (صلى الله عليه وآله) عليا.

(4) في " ع، م ": سببهما.

(5) أمالي الصدوق: 448 / 1، نوادر المعجزات: 93 / 12، مدينة المعاجز: 147.