خبر الوليمة
29 / 29 - حدثني أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثني يحيى بن زكريا بن شيبان، قال:
حدثنا (1) محمد بن سنان، عن جعفر بن قرط، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام)، قال:
لما زوج رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاطمة (عليها السلام) بعلي (عليه السلام) قال حين عقد العقد: من حضر نكاح علي فليحضر طعامه.
قال: فضحك المنافقون، وقالوا: إن الذين حضروا العقد حشر من الناس، وإن محمدا سيضع طعاما لا يكفي عشرة أناس، فسيفتضح محمد اليوم (2).
وبلغ ذلك إليه، فدعا بعميه حمزة والعباس، وأقامهما على باب داره وقال لهما:
أدخلا الناس عشرة عشرة. وأقبل على علي وعقيل فأزرهما ببردين يمانيين، وقال: انقلا على أهل التوحيد الماء، واعلم - يا علي (3) - أن خدمتك للمسلمين أفضل من كرامتك لهم (4).
قال: وجعل الناس يردون عشرة عشرة، فيأكلون ويصدرون حتى أكل الناس من طعامه (5) ثلاثة أيام، والنبي (صلى الله عليه وآله) يجمع بين الصلاتين (6): الظهر والعصر، (7) والمغرب والعشاء الآخرة.
____________
(1) في " ع ": حدثني.
(2) في " ع، م ": قالوا إن محمدا قد صنع طعاما يكفي عشرة أناس، وحشر الناس، اليوم يفتضح محمد.
(3) في " ط ": أخي.
(4) في " ط ": كرامتكم.
(5) في " ع، م ": أكل من طعام أملاك علي من الناس.
(6) في " ط ": زيادة: في.
(7) في " ط " زيادة: في.
قال النبي: يا عم، مالي أرى الناس يصدرون ولا يردون؟!
قال: يا ابن أخي، ما (1) في المدينة مؤمن إلا وقد أكل من طعامك، حتى أن جماعة من المشركين دخلوا في عداد المؤمنين، فأحببنا أن لا نمنعهم ليروا ما أعطاك الله (تعالى) من المنزلة العظيمة والدرجة الرفيعة.
قال النبي: يا عم، أتعرف عدد القوم؟
قال: لا علم لي (2)، ولكن إن أردت أن تعرف عدد القوم فعليك بعمك حمزة.
فنادى النبي: أين عمي حمزة؟ فأقبل يسعى، وهو يجر سيفه على الصفا (3) - وكان لا يفارقه سيفه شفقة على دين الله - فلما دخل على النبي رآه ضاحكا، فقال له النبي: مالي أرى الناس يصدرون ولا يردون؟
قال: لكرامتك على ربك، أطعم الناس من طعامك حتى ما تخلف عنه موحد ولا ملحد.
قال: كم طعم منهم؟ هل تعرف عددهم؟
قال: والله، ما شذ علي رجل واحد، أكل من طعامك في أيامك تلك بعدة ثلاثة آلاف وعشرة أناس من المسلمين، وثلاثمائة رجل من المنافقين. فضحك النبي (صلى الله عليه وآله) حتى بدت نواجذه.
ثم دعا بصحاف، وجعل يغرف فيها ويبعث به مع عبد الله بن الزبير و عبد الله ابن عقبة (4) إلى بيوت الأرامل والضعفاء والمساكين من المسلمين والمسلمات، والمعاهدين والمعاهدات، حتى لم يبق يومئذ بالمدينة دار ولا منزل إلا أدخل إليه من طعام النبي (صلى الله عليه وآله).
____________
(1) في " ط ": لم يبق.
(2) في " ط ": فقال: لا أعلم.
(3) الصفا: الصخرة والحجر الأملس " النهاية 3: 41 ".
(4) كذا في النسخ، ولم يتبين لنا من هو، ولعل (عقبة) تصحيف (عتبة)، انظر أسد الغابة 3: 202.
قال حذيفة: وكنت في هم (1) من العلة، وكانت الهراوة بيدي، وكنت أميل ضعفا، فلما نادى باسمي لم أجد بدا أن ناديت: لبيك يا رسول الله. وجعلت أدب فلما وقفت بين يديه، قال: يا حذيفة، هل تعرف المنافقين؟
قال حذيفة: ما المسؤول أعلم بهم من السائل.
قال: يا حذيفة، ادن مني فدنا حذيفة من النبي، فقال النبي: استقبل القبلة بوجهك. قال حذيفة: فاستقبلت القبلة بوجهي، فوضع النبي يمينه بين منكبي، فلم يستتم وضع يمينه بين كتفي حتى وجدت برد أنامل النبي في صدري، وعرفت المنافقين بأسمائهم وأسماء آبائهم وأمهاتهم (2)، وذهبت العلة من جسدي، ورميت بالهراوة من يدي، وأقبل علي النبي فقال: انطلق حتى تأتيني بالمنافقين رجلا رجلا.
قال حذيفة: فلم أزل أخرجهم من أوطانهم، فجمعتهم في منزل النبي وحول (3) منزله، حتى جمعت مائة رجل واثنين وسبعين رجلا، ليس فيهم رجل (4) يؤمن بالله و (5) يقر بنبوة رسوله.
قال: فأقبل النبي على علي (عليه السلام) وقال: إحمل هذه الصحفة إلى القوم.
قال علي: فأتيت لأحمل الصحفة، فلم أقدر عليها، فاستعنت بأخي جعفر وبأخي عقيل، فلم أقدر عليها، فلم نزل نتكامل حول الجفنة إلى أن صرنا أربعين (6) رجلا فلم نقدر عليها، والنبي قائم على باب الحجرة ينظر إلينا ويتبسم، فلما أن علم
____________
(1) في " ط ": ضعف.
(2) المشهور عند الفريقين أن حذيفة بن اليمان صاحب سر النبي (صلى الله عليه وآله)، والمراد بالسر ما أعلمه من أحوال المنافقين. انظر صحيح البخاري 5: 99 / 231، سير أعلام النبلاء 2: 361.
(3) في " ط ": أزل أدعوهم وأخرجهم من بيوتهم وأجمعهم حول.
(4) في " ط ": من.
(5) في " ع، م ": ولا.
(6) في " ط ": لأحملها فلم أطق فاستعنت بأخي عقيل فلم نقدر، فتكامل معي أربعون.
وأنكر الأكابر على الأصاغر، فقالوا لهم: لا تعجبوا من هذا، فإن هذا قليل من سحر محمد.
فلما سمع النبي مقالتهم حزن حزنا شديدا، ثم أقبل عليهم فقال: كلوا، لا أشبع الله بطونكم. فكان الرجل منهم يلتقم اللقمة من الصحفة ويهوي بها إلى فيه، فيلوكها لوكا شديدا، يمينا وشمالا، حتى إذا هم ببلعها خرجت اللقمة من فيه، كأنها حجر.
فلما طال ذلك عليهم ضجوا بالبكاء والنحيب، وقالوا: يا محمد. قال النبي: يا محمد! قالوا: يا أبا القاسم. قال النبي: يا أبا القاسم! قالوا: يا رسول الله. قال النبي:
لبيكم.
وكان (صلى الله عليه وآله) إذا نودي باسمه يا أحمد يا محمد، أجاب بهما، وإذا نودي بكنيته، أجاب بها، وإذا نودي بالرسالة والنبوة (6) أجاب بالتلبية.
فقال النبي: ما الذي تريدون؟ قالوا: يا محمد، التوبة التوبة، ما نعود - يا محمد
____________
(1) في " ع، م ": فتباعد الناس وطرح النبي ذيله.
(2) في " ع، م ": يخمر.
(3) في " ع، م ": كما يقلع صحاف ينحدر من.
(4) الصبب: الموضع المنحدر " النهاية 3: 3 ".
(5) في " ط ": شرع.
(6) في " ع، م ": نودي بالنبوة.
اللهم إن كانوا صادقين فتب عليهم، وإلا فأرني فيهم آية لا تكون مسخا ولا قردا. لأنه رحيم بأمته.
قال: فما أشبه ذلك اليوم إلا بيوم القيامة، كما قال الله (عز وجل): * (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه) * (2) فأما من آمن بالنبي فصار وجهه كالشمس عند ضيائها (3)، وكالقمر في نوره.
وأما من كفر من المنافقين، وانقلب إلى النفاق والشقاق، فصار وجهه كالليل في ظلامه.
وآمن بالنبي مائة رجل، وانقلب إلى الشقاق والنفاق اثنان وسبعون رجلا، فاستبشر النبي بإيمان من آمن. وقال: لقد هدى الله هؤلاء ببركة علي وفاطمة.
وخرج المؤمنون متعجبون من بركة الصحفة ومن أكل منها من الناس.
فأنشد ابن رواحة شعرا:
نبيكم خير النبيين كلهم | كمثل سليمان يكلمه النمل (4) |
فقال النبي (صلى الله عليه وآله): أسمعت خيرا يا بن رواحة، إن سليمان نبي، وأنا خير منه ولا فخر، كلمته النملة، وسبحت في يدي صغار الحصى، فنبيكم خير النبيين كلهم ولا فخر، فكلهم إخواني.
فقال رجل من المنافقين: يا محمد، وعلمت أن الحصى سبح في كفك، قال: إي، والذي بعثني بالحق نبيا.
فسمعه رجل من اليهود، فقال: والذي كلم موسى بن عمران على الطور، ما سبح في كفك الحصى.
____________
(1) في " ع، م " زيادة: قائما.
(2) آل عمران 3: 106.
(3) في " ط ": كالشمس في إشراقها.
(4) (نبيكم خير... النمل) ليس في " ع، م ".
ثم قبض النبي على كف من الحصى، فوضعه في راحته، فسمعنا له دويا كدوي الأذن إذا سدت بالأصبع.
فلما سمع اليهودي ذلك، قال: يا محمد، لا أثر بعد عين، أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأنك - يا محمد - رسوله. وآمن من المنافقين أربعون رجلا، وبقي اثنان وثلاثون رجلا (2).
خبر ليلة الزفاف
30 / 30 - حدثني أبو المفضل محمد بن عبد الله، قال: حدثنا أبو العباس أحمد ابن محمد بن سعيد الهمداني، قال: حدثني أحمد بن (3) محمد بن أحمد بن الحسن، قال:
حدثنا موسى بن إبراهيم المروزي، قال: حدثنا موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن جده محمد الباقر (عليهم السلام)، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال:
لما زوج رسول الله فاطمة من علي أتاه أناس من قريش فقالوا إنك زوجت عليا بمهر قليل!
فقال: ما أنا زوجت عليا، ولكن الله زوجه ليلة أسري بي إلى السماء، فصرت عند سدرة المنتهى، أوحى الله إلى السدرة: أن انثري ما عليك، فنثرت الدر والجوهر والمرجان، فابتدر الحور العين فالتقطن، فهن يتهادينه ويتفاخرن به، ويقلن: هذا من نثار فاطمة بنت محمد.
فلما كانت ليلة الزفاف، أتى النبي ببغلته الشهباء، وثنى عليها قطيفة، وقال لفاطمة: اركبي. وأمر سلمان أن يقودها، والنبي يسوقها، فبينا هم في بعض الطريق إذ
____________
(1) في " ع، م ": على.
(2) إثبات الهداة 2: 175 / 646 صدره، مدينة المعاجز: 147.
(3) (أحمد بن) ليس في الأمالي.
قال علي (عليه السلام): ثم دخل إلى منزله، فدخلت إليه، ودنوت منه، فوضع كف فاطمة الطيبة في كفي وقال: ادخلا المنزل، ولا تحدثا أمرا حتى آتيكما.
قال علي: فدخلت أنا وهي المنزل، فما كان إلا أن دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وبيده مصباح، فوضعه في ناحية المنزل، ثم قال: يا علي، خذ في ذلك القعب ماء من تلك الشكوة (3).
قال: ففعلت، ثم أتيته به، فتفل فيه (صلى الله عليه وآله) تفلات، ثم ناولني القعب، فقال: اشرب. فشربت، ثم رددته إلى رسول الله، فناوله فاطمة، ثم قال: اشربي حبيبتي فجرعت منه ثلاث جرعات، ثم ردته إلى أبيها، فأخذ ما بقي من الماء، فنضحه على صدري وصدرها، ثم قال: * (إنما يريد الله ليذهب) * (4) إلى آخر الآية.
ثم رفع يديه وقال: يا رب، إنك لم تبعث نبيا إلا وقد جعلت له عترة، اللهم فاجعل عترتي الهادية من علي وفاطمة. ثم خرج.
قال علي: فبت بليلة لم يبت أحد من العرب بمثلها، فلما أن كان في آخر السحر أحسست بحس رسول الله (صلى الله عليه وآله) معنا، فذهبت لأنهض، فقال لي: مكانك يا علي، أتيتك في فراشك رحمك الله. فأدخل (صلى الله عليه وآله) رجليه معنا في الدثار، ثم أخذ مدرعة كانت تحت رأس فاطمة، ثم استيقظت فاطمة فبكى، وبكت، وبكيت لبكائهما، فقال لي: ما يبكيك يا علي؟
قال: قلت: فداك أبي وأمي، لقد بكيت وبكت فاطمة، فبكيت لبكائكما.
____________
(1) الوجبة: صوت السقوط " النهاية 5: 154 ".
(2) في " ط ": لزفاف.
(3) الشكوة: وعاء كالدلو، أو القربة الصغيرة. والقعب: القدح الضخم.
(4) الأحزاب 33: 33.
قال: يا بنية، لطلبهم (1) الملك، أما إنه سيظهر عليهم سيف لا يغمد إلا على يد المهدي من ولدك.
يا علي، من أحبك وأحب ذريتك فقد أحبني، ومن أحبني أحبه الله، ومن أبغضك وأبغض ذريتك فقد أبغضني، ومن أبغضني أبغضه الله، وأدخله النار (2).
31 / 31 - وحدثني أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى التلعكبري، قال:
حدثنا أبي، قال: حدثنا أحمد بن علي بن مهدي، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا علي بن موسى الرضا، عن أبيه، عن جده جعفر، عن أبيه الباقر (عليهم السلام)، قال: حدثني جابر ابن عبد الله الأنصاري، قال:
لما كانت الليلة التي أهدى فيها رسول الله فاطمة إلى علي (عليهم السلام)، دعا بعلي فأجلسه عن يمينه، ودعا بها (عليها السلام) فأجلسها عن شماله، ثم جمع رأسيهما، ثم قام، وقاما وهو بينهما، يريد منزل علي (عليه السلام)، فكبر جبرئيل في الملائكة، فسمع النبي التكبير، فكبر وكبر المسلمون، وهو أول تكبير كان في زفاف، فصارت سنة.(3)
32 / 32 - وحدثنا أبو الحسن أحمد بن الفرج بن منصور، قال: حدثنا أبو الحسن علي بن الحسين بن موسى، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن سعيد الثقفي، قال: حدثنا أبو الحسن الأسدي، قال: حدثنا الحسن بن علي بن أبي حمزة، قال: حدثني (4) أبي، عن علي بن عبد الله، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام)، قال:
لما زفت فاطمة إلى علي (عليه السلام)، نزل جبرئيل وميكائيل وإسرافيل، ونزل
____________
(1) في " ع، م ": طلب.
(2) نوادر المعجزات: 94 / 14، مدينة المعاجز: 148 وقطعة منه في زمن لا يحضره الفقيه 3: 253 / 1، وأمالي الطوسي 1: 263.
(4) مدينة المعاجز: 148.
(5) في " ع ": حدثنا.
قال: فقدمت بغلة رسول الله (دلدل) وعليها شملة، قال فأمسك جبرئيل باللجام، وأمسك إسرافيل بالركاب، وأمسك ميكائيل بالثفر (1)، ورسول الله يسوي عليها ثيابها، فكبر جبرئيل، وكبر إسرافيل، وكبر ميكائيل، وكبرت الملائكة، وجرت به السنة بالتكبير في الزفاف إلى يوم القيامة.(2)
خبر الطيب
33 / 33 - حدثني (3) أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد الطبري القاضي، قال:
أخبرنا القاضي أبو الحسين علي بن عمر بن الحسن بن علي بن مالك السياري (4)، قال: أخبرنا محمد بن زكريا الغلابي، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن عمارة الكندي، قال: حدثني أبي، عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين (عليهم السلام)، عن محمد بن عمار بن ياسر، قال: سمعت أبي عمار بن ياسر يقول: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول لعلي يوم زوجه فاطمة: يا علي، ارفع رأسك إلى السماء فانظر ما ترى.
قال: أرى جوار مزينات، معهن هدايا.
قال: فأولئك خدمك وخدم فاطمة في الجنة، انطلق إلى منزلك، ولا تحدث شيئا حتى آتيك. فما كان إلا أن مضى (5) رسول الله إلى منزله، وأمرني أن أهدي لها طيبا.
قال عمار: فلما كان من الغد جئت إلى منزل فاطمة ومعي الطيب، فقالت: يا
____________
(1) الثفر: السير الذي في مؤخر السرج " لسان العرب - ثفر - 4: 105 ".
(2) كشف الغمة 1: 368، مدينة المعاجز: 148.
(3) في " ع ": حدثنا.
(4) في " ع، م ": السباي.
(5) كذا في نوادر المعجزات، وفي " ط ": فما كان إلا كلا ولا حتى مضى؟ وفي " م ": فما كان إلا كلا شئ حتى مضى؟ وفي " ع ": سقط قوله (إلى منزلك... رسول الله).
قلت: طيب أمرني به أبوك أن أهديه لك.
فقالت: والله، لقد أتاني من السماء طيب مع جوار من الحور العين، وإن فيهن جارية حسناء كأنها القمر ليلة البدر، فقلت: من بعث بهذا الطيب؟ فقالت: دفعه إلي (1) رضوان خازن الجنة، وأمر هؤلاء الجواري أن ينحدرن معي، ومع كل واحدة منهن ثمرة من ثمار الجنة في اليد اليمنى، وفي اليد اليسرى نخبة (2) من رياحين الجنة.
فنظرت إلى الجواري وإلى حسنهن، فقلت: لمن أنتن؟ فقلن: نحن لك، ولأهل بيتك، ولشيعتك من المؤمنين، فقلت: أفيكن من أزواج ابن عمي أحد؟ قلن: أنت زوجته في الدنيا والآخرة، ونحن خدمك وخدم ذريتك.
وحملت بالحسن، فلما رزقته حملت بعد أربعين يوما بالحسين، ورزقت زينب وأم كلثوم، وحملت بمحسن، فلما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وجرى ما جرى في يوم دخول القوم عليها دارها، وإخراج ابن عمها أمير المؤمنين (عليه السلام)، وما لحقها من الرجل (3) أسقطت به ولدا تماما، وكان ذلك أصل مرضها ووفاتها (صلوات الله عليها).(4)
خبر مصحفها (صلوات الله عليها)
34 / 34 - حدثني أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى التلعكبري، قال:
حدثنا أبي، قال: حدثنا أبو علي محمد بن همام قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مالك الفزاري، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن حمدان، قال: حدثني علي بن سليمان وجعفر ابن محمد، عن علي بن أسباط، عن الحسين (5) بن أبي العلاء وعلي بن أبي حمزة، عن
____________
(1) في " ط ": فقالت: بعثه.
(2) في " ط ": طاقة.
(3) في " ع، م ": الوجل.
(4) نوادر المعجزات: 96 / 15.
(5) في " ط، ع، م ": الحسن، مكبرا، وهو تصحيف، وهو الحسين بن خالد أبي العلاء الخفاف، كان ثقة وجيها، وله كتاب يعد في الأصول، انظر رجال النجاشي 52، فهرست الطوسي: 54 / 194، معجم رجال الحديث 5:
182.
فقلت: ففيه شئ من القرآن؟
قال: ما فيه شئ من القرآن.
قال: قلت: فصفه لي.
قال: له دفتان من زبرجدتين على طول الورق وعرضه حمراوين.
قلت له: جعلت فداك صف لي ورقه.
قال: ورقه من در أبيض قيل له: (كن) فكان.
قلت: جعلت فداك، فما فيه؟
قال: فيه خبر ما كان، وخبر ما يكون إلى يوم القيامة، وفيه خبر سماء سماء، وعدد ما في سماء سماء (1) من الملائكة، وغير ذلك، وعدد كل من خلق الله مرسلا وغير مرسل، وأسماؤهم، وأسماء الذين أرسلوا (2) إليهم، وأسماء من كذب ومن أجاب منهم، وفيه أسماء جميع من خلق الله من المؤمنين والكافرين، من الأولين والآخرين، وأسماء البلدان، وصفه (3) كل بلد في شرق الأرض وغربها، وعدد ما فيها من المؤمنين، وعدد ما فيها من الكافرين، وصفة كل من كذب، وصفة القرون الأولى وقصصهم، ومن ولي من الطواغيت ومدة ملكهم (4) وعددهم، وفيه أسماء الأئمة وصفتهم، وما يملك واحدا واحدا، وفيه صفة كراتهم، وفيه صفة جميع من تردد في الأدوار من الأولين والآخرين.
قال: قلت: جعلت فداك وكم الأدوار؟
قال: خمسون ألف عام، وهي سبعة أدوار، وفيه أسماء جميع من خلق الله من
____________
(1) في " ط ": في السماوات.
(2) في " ط ": أسماء من أرسل.
(3) في " ع، م ": الآخرين وفيه صفة.
(4) في " ع، م ": الطواغيت وما يملكون.
قال أبو جعفر (عليه السلام): فلما أراد الله (عز وجل) أن ينزله عليها، أمر جبرئيل وميكائيل وإسرافيل أن يحملوا المصحف فينزلوا به عليها، وذلك في ليلة الجمعة من الثلث الثاني من الليل، هبطوا به عليها وهي قائمة تصلي، فما زالوا قياما حتى قعدت، فلما فرغت من صلاتها سلموا عليها، وقالوا لها: السلام يقرئك السلام. ووضعوا المصحف في حجرها، فقالت لهم: الله السلام، ومنه السلام، وإليه السلام، وعليكم يا رسل الله السلام.
ثم عرجوا إلى السماء، فما زالت من بعد صلاة الفجر إلى زوال الشمس تقرأه، حتى أتت على آخره.
ولقد كانت (صلوات الله عليها) طاعتها مفروضة على جميع من خلق الله من الجن، والإنس، والطير، والبهائم (3)، والأنبياء، والملائكة.
فقلت: جعلت فداك فلما مضت إلى من صار ذلك المصحف؟
فقال: دفعته إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، فلما مضى صار إلى الحسن، ثم إلى الحسين، ثم عند أهله حتى يدفعوه إلى صاحب هذا الأمر.
فقلت: إن هذا العلم كثير!
فقال: يا أبا محمد، إن هذا الذي وصفته لك لفي ورقتين من أوله، وما وصفت لك بعد ما في الورقة الثالثة (4)، ولا تكلمت بحرف منه.(5)
____________
(1) (عدد من) ليس في " ع، م ".
(2) في " ط ": الإنجيل كما أنزل وعلم الزبور.
(3) في " ط ": الوحش.
(4) في " ط، م ": الثانية.
(5) عوالم فاطمة (عليها السلام): 189 / 1.
خبر دعائها (1) (صلوات الله عليها)
35 / 35 - روى علي بن الحسن الشافعي، قال: حدثنا يوسف بن يعقوب القاضي، قال: حدثنا محمد بن الأشعث، عن محمد بن عوف (2) الطائي، عن داود بن أبي هند (3)، عن ابن أبان، عن سلمان (رضي الله عنه) قال: كنت خارجا من منزلي ذات يوم بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، إذ لقيني أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فقال: مرحبا يا سلمان، صر إلى منزل فاطمة بنت رسول الله، فإنها إليك مشتاقة، وإنها قد أتحفت بتحفة من الجنة، تريد أن تتحفك منها.
قال سلمان: فمضيت إليها فطرقت الباب، فاستأذنت فأذنت لي بالدخول فدخلت، فإذا هي جالسة في صحن الحجرة، عليها قطعة عباءة، قالت: اجلس.
فجلست، فقالت: كنت بالأمس جالسة في صحن الحجرة، شديدة الغم على النبي، أبكيه وأندبه، وكنت رددت باب الحجرة بيدي، إذ انفتح الباب، ودخل علي ثلاث جوار، لم أر كحسنهن، ولا كنضارة وجوههن، فقمت إليهن منكرة لشأنهن، وقلت: من أين أنتن، من مكة أو من المدينة؟ فقلن: لا من أهل مكة، ولا من أهل المدينة، نحن من دار السلام، بعثنا (4) إليك رب العالمين، يقرئك السلام (5) ويعزيك بأبيك محمد.
قالت فاطمة: فجلست أمامهن، وقلت للتي أظن (6) أنها أكبرهن: ما اسمك؟
قالت: ذرة.
____________
(1) في " ط، م ": وفاتها.
(2) صحف في " ط، ع، م ": إلى: عون، وهو الحافظ الثقة محمد بن عوف بن سفيان الطائي الحمصي، مات سنة اثنتين وسبعين ومائتين، انظر سير أعلام النبلاء 12: 613.
(3) واسمه دينار بن عذافر، ويقال: طهمان القشيري البصري، روى عن الباقر (عليه السلام) والتابعين، وثقه ابن حنبل وابن معين والعجلي وأبو حاتم وغيرهم، انظر رجال الطوسي: 120 / 7، تهذيب الكمال 8: 461.
(4) في " ع، م ": بعث بنا.
(5) في " ع، م ": يسلم عليك.
(6) في " ط ": ظننت.
قالت: لأن الله (عز وجل) خلقني لأبي ذر الغفاري.
وقلت: للأخرى: ما اسمك؟
قالت: مقدادة.
فقلت: ولم سميت مقدادة؟
قالت: لأن الله (عز وجل) خلقني للمقداد.
وقلت للثالثة: ما اسمك؟
قالت: سلمى.
قلت: ولم سميت سلمى؟
قالت: لأن الله (عز وجل) خلقني لسلمان.
وقد أهدين إلي هدية من الجنة، وقد خبأت لك منها. فأخرجت إلي طبقا من رطب أبيض أبرد من الثلج، وأذكى رائحة من المسك، فدفعت إلي خمس رطبات، وقالت لي: كل - يا سلمان - هذا عند إفطارك.
فخرجت وأقبلت أريد المنزل، فوالله ما مررت بملأ من الناس إلا قالوا: تحمل المسك يا سلمان! حتى أتيت المنزل، فلما كان وقت الافطار أفطرت عليهن، فلم أجد لهن نوى ولا عجما، حتى إذا أصبحت بكرت إلى منزل فاطمة، فأخبرتها، فتبسمت ضاحكة، وقالت يا سلمان: من أين يكون لها نوى؟ وإنما هو (عز وجل) خلقه لي تحت عرشه بدعوات كان علمنيها النبي. فقلت: حبيبتي، علميني تلك الدعوات، فقالت: إن أحببت أن تلقى الله وهو عنك غير غضبان، فواظب على هذا الدعاء، وهو:
" بسم الله النور، بسم الله الذي يقول للشئ كن فيكون، بسم الله الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، بسم الله الذي خلق النور من النور، بسم الله الذي هو بالمعروف مذكور، بسم الله الذي أنزل النور على الطور، بقدر مقدور، في كتاب مسطور، على نبي محبور " (1).
حديث فدك (1)
36 / 36 - حدثني أبو المفضل (2) محمد بن عبد الله، قال: حدثنا أبو العباس أحمد ابن محمد بن سعيد الهمداني، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عثمان بن سعيد الزيات، قال: حدثنا محمد بن الحسين القصباني (3)، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي (4) السكوني، عن أبان بن عثمان الأحمر، عن أبان بن تغلب الربعي، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: لما بلغ فاطمة (عليها السلام) إجماع أبي بكر على منع فدك...
وأخبرني أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى التلعكبري، قال: حدثنا أبي (رضي الله عنه)، قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني، قال حدثني محمد بن المفضل بن إبراهيم بن المفضل بن قيس الأشعري، قال: حدثنا علي بن حسان، عن عمه عبد الرحمان بن كثير، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام)، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن عمته زينب بنت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، قالت: لما أجمع أبو بكر على منع فاطمة (عليها السلام) فدكا...
وقال أبو العباس: وحدثنا محمد بن المفضل بن إبراهيم الأشعري، قال:
حدثني (5) أبي، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عمرو بن عثمان الجعفي، قال: حدثني أبي، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن عمته (6) زينب بنت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، وغير واحد من (7) أن فاطمة لما أجمع أبو بكر على منعها فدكا...
____________
(1) في " ع ": زيادة: وما جرى بين فاطمة وبين أبي بكر في معنيها وكلامها له الحجة (كذا).
(2) في " ط ": الفضل.
(3) في " ط ": العضباني.
(4) زاد في " ط ": عن.
(5) في " ع ": حدثنا.
(6) (عمته) ليس في " ع، م ".
(7) (من) ليس في " ط ".
قال الصفواني: وحدثني محمد (2) بن محمد بن يزيد مولى بني هاشم، قال: حدثني عبد الله بن محمد بن سليمان، عن عبد الله بن الحسن بن الحسن (3)، عن جماعة من أهله... وذكر الحديث.
قال الصفواني: وحدثني أبي، عن عثمان (4)، قال: حدثنا نائل بن نجيح، عن عمرو بن شمر، عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام)...
وذكر الحديث.
قال الصفواني: وحدثنا عبد الله بن الضحاك (5)، قال: حدثنا هشام بن محمد،
____________
(1) أضفناه من تاريخ بغداد 6: 189 وأنساب السمعاني 1: 264، ولقباه (الباقرحي) كما يأتي في أحاديث أخرى، وهو من مشايخ النجاشي أيضا، كان صدوقا، صحيح الكتاب، حسن النقل، رجال النجاشي: 162 و 322.
(2) في شرح النهج: أحمد. ورواه عنه الشيخ أحمد بن عبد العزيز الجوهري.
(3) في " ط، ع، م ": عبد الله بن محمد بن سليمان بن عبد الله بن الحسن بن الحسن، عن عبد الله بن الحسن بن الحسن.
وفي الحديث (38) وشرح النهج: عبد الله بن محمد بن سليمان، عن أبيه، عن عبد الله، وفي موضع آخر (ج 16 / 233): عبد الله بن حماد بن سليمان.
(4) في شرح النهج: عثمان بن عمران العجيفي.
(5) في شرح النهج: محمد بن الضحاك.