الصفحة 111
عن أبيه وعوانة (1).

قال الصفواني: وحدثنا ابن عائشة (2) ببعضه.

وحدثنا العباس بن بكار، قال: حدثنا حرب بن ميمون، عن زيد بن علي، عن آبائه (عليهم السلام)، قالوا: لما بلغ فاطمة (عليها السلام) إجماع أبي بكر على منعها فدك، وانصرف عاملها منها، لاثت خمارها، ثم أقبلت في لمة (3) من حفدتها (4) ونساء قومها، تطأ ذيولها، ما تخرم مشية رسول الله (صلى الله عليه وآله)، حتى دخلت على أبي بكر، وقد حفل حوله المهاجرون والأنصار، فنيطت دونها ملاءة، ثم أنت أنة أجهش لها القوم بالبكاء، ثم أمهلت حتى هدأت فورتهم، وسكنت روعتهم، وافتتحت الكلام، فقالت:

" أبتدئ بالحمد لمن هو أولى بالحمد والمجد والطول " ثم قالت: " الحمد لله على ما أنعم، وله الشكر على ما ألهم، والثناء على ما قدم، من عموم نعم ابتدأها، وسبوغ آلاء أسداها، وإحسان منن والاها، جم عن الاحصاء عددها، ونأى عن المجازاة أمدها، وتفاوت عن الادراك أبدها، استدعى الشكور بأفضالها (5)، واستحمد إلى الخلائق بإجزالها، وأمر بالندب إلى أمثالها.

وأشهد أن لا إله إلا الله، كلمة جعل الاخلاص تأويلها، وضمن القلوب موصولها، وأبان في الفكر معقولها، الممتنع من الأبصار رؤيته، ومن الألسن صفته، ومن الأوهام الإحاطة به، ابتدع الأشياء لا من شئ كان قبلها، وأنشأها بلا احتذاء أمثلة

____________

(1) في شرح النهج: عوانة بن الحكم، وهو أبو الحكم الكوفي الضرير، وصفوه بأنه كان عالما بالأخبار والآثار، ثقة، وكان عثمانيا، وكان يضع أخبارا لبني أمية وله كتاب (سير معاوية وبني أمية) روى عنه هشام بن الكلبي. انظر ترجمته في معجم الأدباء 16: 134، لسان الميزان 4: 386.

(2) وهو عبيد الله بن محمد بن حفص، ويعرف بابن عائشة لأنه من ولد عائشة بنت طلحة، وثقه أبو حاتم وغيره، وروى بعض حديث فدك محمد بن زكريا، عن ابن عائشة، عن أبيه، عن عمه. انظر شرح النهج 16:

216، سير أعلام النبلاء 10: 564.

(3) أي في جماعة من نسائها، قيل: هي ما بين الثلاثة إلى العشرة، وقيل اللمة: المثل في السن، والترب " النهاية 4: 273 ".

(4) الحفدة: الأعوان والخدم " الصحاح - حفد - 2: 466 ".

(5) في بلاغات النساء: واستثن الشكر بفضائلها، وفي كشف الغمة: استتب الشكر بفضائلها.


الصفحة 112
[امتثلها] (1)، وضعها (2) لغير فائدة زادته، بل إظهارا لقدرته، وتعبد لبريته، وإعزازا لأهل دعوته، ثم جعل الثواب على طاعته، ووضع العقاب على معصيته، ذيادة (3) لعباده عن نقمته، وحياشة (4) لهم إلى جنته.

وأشهد أن أبي محمدا عبده ورسوله، اختاره قبل أن يجتبله (5)، واصطفاه قبل أن يبتعثه، وسماه قبل أن يستنجبه (6)، إذ الخلائق في الغيب مكنونة، وبسد الأوهام (7) مصونة، وبنهاية العدم مقرونة، علما من الله في غامض الأمور، وإحاطة من وراء حادثة الدهور، ومعرفة بمواقع المقدور.

ابتعثه الله إتماما لعلمه، وعزيمة على إمضاء حكمه، فرأى الأمم فرقا في أديانها، عكفا على نيراها، عابدة لأوثانها، منكرة لله مع عرفانها، فأنار الله بمحمد ظلمها، وفرج عن القلوب بهمها (8)، وجلا عن الأبصار عمهها، وعن الأنفس غممها.

ثم قبضه الله إليه قبض رأفة ورحمة، واختيار ورغبة لمحمد عن تعب هذه الدار، موضوعا عنه أعباء الأوزار، محفوفا بالملائكة الأبرار، ورضوان الرب الغفار، ومجاورة الملك الجبار، أمينه على الوحي، وصفيه ورضيه، وخيرته من خلقه ونجيه، فعليه الصلاة والسلام (9)، ورحمة الله وبركاته ".

ثم التفتت إلى أهل المجلس (10)، فقالت لجميع المهاجرين والأنصار:

" وأنتم عباد الله نصب أمره ونهيه، وحملة دينه ووحيه، وأمناء الله على أنفسكم،

____________

(1) من الاحتجاج.

(2) في " ع، م ": سنأها.

(3) الذيادة: الطرد والدفع " لسان العرب - ذود - 3: 167 ".

(4) الحياشة: السوق والجمع " لسان العرب - حوش - 6: 290 ".

(5) جبله: أي خلقه " القاموس المحيط - جبل - 3: 356 ".

(6) انتجب فلانا واستنجبه: إذا استخلصه واصطفاه اختيارا على غيره " لسان العرب - نجب - 1: 748 ".

(7) في " ع ": بسر الأوهام، وفي بلاغات النساء والاحتجاج: وبستر الأهاويل.

(8) في " ط ": شبهها.

(9) في " ع، م ": خلقه وعليه السلام.

(10) في " ط، م ": المسجد.


الصفحة 113
وبلغاؤه إلى الأمم، زعيم لله فيكم، وعهد قدمه إليكم، وبقية استخلفها عليكم: كتاب الله، بينة بصائره، وآي منكشفة سرائره، وبرهان فينا متجلية ظواهره، مديم للبرية استماعه، وقائد إلى الرضوان أتباعه، ومؤد إلى النجاة أشياعه، فيه تبيان حجج الله المنورة (1)، ومواعظه المكررة، وعزائمه المفسرة، ومحارمه المحذرة، وأحكامه الكافية، وبيناته الجالية، وفضائله المندوبة، ورخصه الموهوبة، ورحمته المرجوة، وشرائعه المكتوبة.

ففرض الله عليكم الإيمان تطهيرا لكم من الشرك، والصلاة تنزيها لكم عن الكبر، والزكاة تزييدا في الرزق، والصيام إثباتا للاخلاص، والحج تشييدا للدين، والحق تسكينا للقلوب، وتمكينا للدين، وطاعتنا نظاما للملة، وإمامتنا لما للفرقة، والجهاد عزا للاسلام، والصبر معونة على الاستيجاب (2)، والأمر بالمعروف مصلحة للعامة، والنهي عن المنكر تنزيها للدين (3)، والبر بالوالدين وقاية من السخط، وصلة الأرحام منماة للعدد، وزيادة في العمر، والقصاص حقنا للدماء، والوفاء بالنذور (4) تعرضا للمغفرة، ووفاء المكيال والميزان تغييرا للبخس (5) والتطفيف، واجتناب قذف المحصنة حجابا عن اللعنة، والتناهي عن شرب الخمور تنزيها عن الرجس، ومجانبة السرقة إيجابا للعفة، والتنزه عن أكل مال اليتيم والاستئثار به إجارة من الظلم، والنهي عن الزنا تحصنا من المقت، والعدل في الأحكام إيناسا للرعية، وترك الجور في الحكم إثباتا للوعيد، والنهي عن الشرك إخلاصا له بالربوبية.

فاتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، ولا تتولوا مدبرين، وأطيعوه فيما أمركم ونهاكم، فإنما يخشى الله من عباده العلماء، فاحمدوا الله الذي

____________

(1) في " ط، ع، م ": المنيرة، وما في المتن أنسب للسياق، من بلاغات النساء والاحتجاج.

(2) الاستيجاب: الاستحقاق " لسان العرب 1: 793 " وفي " ط ": الاستجابة، وفي الاحتجاج: استيجاب الأجر.

(3) في " ع، م ": هو الدين.

(4) في " ط ": بالعهود.

(5) في " ع، م " وبلاغات النساء: تعييرا للبخسة.


الصفحة 114
بعظمته ونوره ابتغى من في السماوات ومن في الأرض إليه الوسيلة، فنحن وسيلته في خلقه، ونحن آل رسوله، ونحن حجة غيبه، وورثة أنبيائه ".

ثم قالت:

" أنا فاطمة وأبي محمد، أقولها عودا على بدء، وما أقول إذ أقول سرفا ولا شططا * (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) * (1) إن تعزوه تجدوه أبي دون نسائكم، وأخا ابن عمي دون رجالكم، بلغ النذارة (2) صادعا بالرسالة، ناكبا عن سنن المشركين، ضاربا لأثباجهم (3)، آخذا بأكظامهم (4)، داعيا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، يجذ (5) الأصنام، وينكت الهام (6)، حتى انهزم الجمع، وولوا الدبر، وحتى تفرى (7) الليل عن صبحه، وأسفر الحق عن محضه (8)، ونطق زعيم الدين، وهدأت فورة الكفر، وخرست شقاشق الشيطان (9)، وفهتم بكلمة الاخلاص.

وكنتم على شفا حفرة من النار، فأنقذكم منها نبيه، تعبدون الأصنام، وتستقسمون بالأزلام، مذقة الشارب (10)، ونهزة (11) الطامع، وقبسة العجلان، وموطئ

____________

(1) التوبة 9: 128.

(2) في " ع، م ": فبلغ النداء، وفي الشافي والاحتجاج والطرائف: فبلغ الرسالة صادعا بالنذارة.

(3) الثبج: ما بين الكاهل إلى الظهر، ووسط الشئ " الصحاح - ثبج - 1: 301 ".

(4) يقال: أخذت بكظمه: أي بمخرج نفسه، والجمع أكظام " الصحاح - كظم - 5: 2023 ".

(5) جذذت الشئ: كسرته وقطعته " الصحاح - جذذ - 2: 561 ".

(6) أي يرميها إلى الأرض. والهام: جمع الهامة وهي الرأس.

(7) تفرى: أي انشق " الصحاح - فرا - 6: 2454 ".

(8) محضه: أي خالصه وصريحه " النهاية - محض - 4: 302 ".

(9) شبهت الفصيح المنطيق بالفحل الهادر، ولسانه بشقشقته، ونسبتها إلى الشيطان لما يدخل فيه من الكذب والباطل، وكونه لا يبالي بما قال. والشقاشق جمع شقشقة وهي لهاة البعير " النهاية - شقق - 2: 489، لسان العرب - شقق - 10: 185 ".

(10) المذقة: الشربة من اللبن الممذوق (الممزوج بالماء) " النهاية - مذق - 4: 311 ".

(11) النهزة: الفرصة " النهاية - نهز - 5: 135 ".


الصفحة 115
الأقدام، تشربون الرنق (1)، وتقتاتون القدة (2)، أذلة خاشعين، تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم فأنقذكم بنبيه محمد (صلى الله عليه وآله) بعد اللتيا والتي (3)، وبعد ما مني ببهم (4) الرجال، وذوبان العرب (5)، * (كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله) * (6)، أو نجم (7) قرن الضلالة، أو فغرت (8) فاغرة المشركين، قذف أخاه في لهواتها، فلا ينكفئ حتى يطأ صماخها (9) بأخمصه، ويخمد لهبها بحده، مكدودا في ذات الله، قريبا من رسول الله، سيدا في أولياء الله، وأنتم في بلهنية (10) آمنون، وادعون فرحون، تتوكفون الأخبار، وتنكصون عند النزال على الأعقاب، حتى أقام الله بمحمد (صلى الله عليه وآله) عمود الدين.

فلما اختار الله (عز وجل) له دار أنبيائه ومأوى أصفيائه، ظهرت حسيكة (11) النفاق، وانسمل جلباب (12) الدين، وأخلق ثوبه، ونحل عظمه، وأودت رمته (13)، وظهر نابغ،

____________

(1) الرنق: تراب في الماء من القذى ونحوه، وماء رنق: كدر " لسان العرب - رنق - 10: 126 ".

وفي المصادر: تشربون الطرق: أي الماء الذي خاضته الإبل وبالت فيه وبعرت " النهاية - طرق - 3: 123 ".

(2) القدة: السير يقد من جلد غير مدبوغ. " أقرب الموارد - قدد - 2: 970 ".

(3) يريد الشدة العظيمة والصغيرة. " كتاب الأمثال: 256 / 882 ".

(4) البهم: جمع بهمة: الشجاع، وقيل: هو الفارس الذي لا يدرى من أين يؤتى له من شدة بأسه " لسان العرب - بهم - 12: 58 ".

(5) يعني صعاليكهم ولصوصهم. والذوبان: جمع ذئب، والأصل فيه الهمز. " النهاية - ذوب - 2: 171 ".

(6) المائدة 5: 64.

(7) نجم: طلع وظهر " لسان العرب - نجم - 12: 568 ".

(8) فغرت: أي فتحت " الصحاح - فغر - 2: 782 ".

(9) الصماخ: ثقب الأذن، وقيل: هو الأذن نفسها " لسان العرب - صمخ - 3: 34 ".

(10) البلهنية: السعة " الصحاح - بله - 6: 2227 ".

(11) الحسيكة: الضغن والعداوة " الصحاح - حسك - 4: 1579 ".

(12) أي بلي وأخلق، والجلباب: الأزار والرداء، وقيل: الملحفة.

(13) الرمة بالضم: قطعة من الحبل بالية. والرمة بالكسر: العظام البالية " الصحاح - رمم - 5: 1937 ".


الصفحة 116
ونبغ خامل، ونطق كاظم (1)، وهدر فنيق (2) الباطل يخطر (3) في عرصاتكم، وأطلع الشيطان رأسه من معرسه (4) صارخا بكم، فألفاكم غضابا، فخطمتم (5) غير إبلكم، وأوردتموها غير شربكم بدارا (6)، زعمتم خوف الفتنة * (ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين) * (7).

هذا والعهد قريب، والكلم رحيب، والجرح لما يندمل، فهيهات منكم، وأين بكم، وأنى تؤفكون، وكتاب الله بين أظهركم، زواجره لائحة، وأوامره لامحة، ودلائله واضحة، وأعلامه بينة، وقد خالفتموه رغبة عنه، فبئس للظالمين بدلا، ثم لم تلبثوا (8) إلا ريث أن تسكن نفرتها، ويسلس قيادها، تسرون (9) حسوا بارتغاء (10)، أو نصبر منكم على مثل حز المدى، وزعمتم أن لا إرث لنا، أفحكم الجاهلية تبغون، ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون * (ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) * (11).

____________

(1) في بعض المصادر: ونطق كاظم الغاوين، ونبغ خامل الآفكين.

(2) الهدير: ترديد الصوت في الحنجرة " الصحاح - هدر - 2: 853 ".

الفنيق: الفحل المكرم من الإبل " الصحاح - فنق - 4: 1545 ".

(3) يخطر: من الخطران وهو الاهتزاز في المشي والتبختر " الصحاح - خطر - 2: 648 ".

(4) المعرس: اسم موضع من التعريس وهو نزول القوم في السفر من آخر الليل، يقعون فيه وقعة للاستراحة ثم يرتحلون " الصحاح - عرس - 3: 948 ". وفي " ط ": مغرزة.

(5) فخطمتم: من الخطام، وهو كوي على شكل خط من أنف البعير إلى أحد خديه، انظر " النهاية - خطم - 2: 50 ".

(6) بدارا: أي سراعا " الصحاح - بدر - 2: 586 ".

(7) التوبة 9: 49.

(8) في " ط ": لم تريثوا شعثها، وفي " ع ": لم ترتئوا أختها، وفي " م ": لم تريثوا أختها، وما في المتن من الشافي.

(9) في " ع، م ": تشربون.

(10) مثل يضرب لمن يظهر أمرا وهو يريد غيره، وأصله الرجل يؤتى باللبن فيظهر أنه يريد الرغوة خاصة ولا يريد غيرها، فيشربها مع اللبن، انظر " مجمع الأمثال 2: 417، لسان العرب - رغا - 14: 330 ".

(11) آل عمران 3: 85. وما قبلها تضمين من سورة المائدة 5: 50.


الصفحة 117
أيها (1) معشر المسلمين، أأبتز إرث أبي، يا بن أبي قحافة؟! أبى الله (عز وجل) (2) أن ترث أباك ولا أرث أبي؟! لقد جئت شيئا فريا، جرأة منكم على قطيعة الرحم، ونكث العهد، فعلى عمد ما تركتم كتاب الله بين أظهركم ونبذتموه، إذ يقول الله (عز وجل):

* (وورث سليمان داود) * (3).

ومع ما (4) قص من خبر يحيى وزكريا إذ يقول * (رب.. فهب لي من لدنك وليا * يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا) * (5).

وقال (عز وجل): * (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) * (6) وقال (تعالى): * (إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين) * (7).

فزعمتم أن لاحظ لي، ولا أرث من أبي! أفخصكم الله بآية أخرج أبي منها؟!

أم تقولون أهل ملتين لا يتوارثون (8)؟! أو لست وأبي من أهل ملة واحدة؟! أم أنتم بخصوص القرآن وعمومه أعلم من النبي؟! دونكها (9) مرحولة مزمومة (10) تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم الله، ونعم الزعيم (11) محمد، والموعد القيامة، وعما قليل تؤفكون، وعند الساعة ما تحشرون، و * (لكل نبأ مستقر) * (12) * (فسوف تعلمون من يأتيه عذاب

____________

(1) أيها: أي هيهات، وأيها بمعنى كف واسكت " الصحاح - أيه - 6: 2226، لسان العرب - أيه - 13:

474 ".

(2) في الاحتجاج: أفي كتاب الله.

(3) النمل 27: 16.

(4) في " ط ": وفيما.

(5) مريم 19: 4 - 6.

(6) النساء 4: 11.

(7) البقرة 2: 180.

(8) في " ط ": يتوارثان.

(9) في " ط ": ممن جاء به فدونكموها.

(10) مرحولة: من الرحل وهو مركب للبعير والناقة، " لسان العرب - رحل - 11: 274 ". مزمومة: من الزمام وهو الخيط الذي يشد في البرة أو في الخشاش ثم يشد في طرفي المقود " لسان العرب - زمم - 12: 272 ".

(11) في " ط ": الخصيم.

(12) الأنعام 6: 67.


الصفحة 118
يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم) * (1).

ثم التفتت إلى قبر أبيها (صلوات الله عليهما)، متمثلة بأبيات. صفية بنت عبد المطلب (رحمها الله تعالى):


قد كان بعدك أنباء وهنبثة (2)لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب
إنا فقدناك فقد الأرض وابلهاواجتث أهلك مذ غيبت واغتصبوا
أبدت رجال لنا فحوى (3) صدورهملما نأيت وحالت دونك الكثب
تهضمتنا رجال (4) واستخف بنادهر فقد أدركوا فينا (5) الذي طلبوا
قد كنت للخلق نورا يستضاء بهعليك تنزل من ذي العزة الكتب
وكان جبريل بالآيات يؤنسنافغاب عنا (6) فكل الخير محتجب

فقال أبو بكر لها: صدقت يا بنت رسول الله، لقد كان أبوك بالمؤمنين رؤوفا رحيما، وعلى الكافرين عذابا أليما، وكان - والله - إذا نسبناه وجدناه أباك دون النساء، وأخا ابن عمك دون الأخلاء (7) آثره على كل حميم، وساعده على الأمر العظيم، وأنتم عترة نبي الله الطيبون، وخيرته المنتجبون، على طريق الجنة (8) أدلتنا، وأبواب الخير لسالكينا (9).

فأما ما سألت، فلك ما جعله أبوك، مصدق قولك، ولا أظلم حقك، وأما ما سألت من الميراث فإن رسول الله قال: " نحن معاشر الأنبياء لا نورث ".

فقالت فاطمة: " يا سبحان الله! ما كان رسول الله لكتاب الله مخالفا، ولا عن

____________

(1) هود 11: 39، الزمر 39: 39 و 40.

(2) الهنبثة: الأمور الشداد، والاختلاط في القول " النهاية - هنبث - 5: 278.

(3) في شرح النهج: نجوى.

(4) في " ط ": تهجمتنا ليال.

(5) في " ط ": منا.

(6) في " ع، م ": عنها.

(7) في " ط ": الرجال.

(8) في " ع، م ": على الآخرة.

(9) في " ع، م ": وباب الجنة لسالكنا.


الصفحة 119
حكمه صادفا، لقد كان يلتقط أثره، ويقتفي سيره، أفتجمعون إلى الظلامة الشنعاء والغلبة الدهياء (1)، اعتلالا بالكذب على رسول الله، وإضافة الحيف (2) إليه؟!

ولا عجب إن كان ذلك منكم، وفي حياته ما بغيتم له الغوائل، وترقبتم به الدوائر، هذا كتاب الله حكم عدل، وقائل فصل، عن بعض أنبيائه إذ قال: * (يرثني ويرث من آل يعقوب) * (3).

وفصل في بريته الميراث مما فرض من حظ الذكارة والإناث، فلم سولت لكم أنفسكم أمرا؟! فصبر جميل، والله المستعان على ما تصفون (4).

قد زعمت أن النبوة لا تورث، وإنما يورث ما دونها، فما لي امنع إرث أبي؟ أأنزل الله في كتابه: إلا فاطمة بنت محمد؟ فدلني عليه أقنع به ".

فقال لها أبو بكر: يا بنت رسول الله، أنت عين الحجة، ومنطق الحكمة، لا أدلي بجوابك، ولا أدفعك عن صوابك، ولكن المسلمون بيني وبينك، هم قلدوني ما تقلدت، وأتوني ما أخذت وتركت. قال: فقالت فاطمة (عليها السلام) لمن بحضرته: " أيها الناس، أتجتمعون إلى المقبل بالباطل والفعل الخاسر؟! لبئس ما اعتاض المبطلون (5)، وما يسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين، أما والله لتجدن محملها ثقيلا، وعبأها وبيلا، إذا كشف لكم الغطاء، فحينئذ لات حين مناص، وبدا لكم من الله ما كنتم تحذرون ".

قال: ولم يكن عمر حاضرا، فكتب لها أبو بكر إلى عامله برد فدك كتابا، فأخرجته في يدها، فاستقبلها عمر، فأخذه منها وتفل فيه ومزقه، وقال: لقد خرف ابن أبي قحافة، وظلم.

فقالت له: " مالك؟ لا أمهلك الله، وقتلك، ومزق بطنك ". وأتت من فورها ذلك

____________

(1) الدهياء: تعظيم الداهية: الأمر المنكر العظيم " لسان العرب - دها - 14: 275 ".

(2) في " ع ": الخرف، وفي " م ": الخوف.

(3) مريم 19: 6.

(4) تضمين من سورة يوسف 12: 18.

(5) في " ط ": المسلمون.


الصفحة 120
الأنصار، فقالت:

" معشر البقية، وأعضاد الملة، وحضنة الاسلام، ما هذه الغميزة في حقي، والسنة (1) عن ظلامتي، أما كان رسول الله أمر بحفظ المرء في ولده؟ فسرعان ما أحدثتم، وعجلان ذا إهالة (2).

أتقولون مات محمد فخطب جليل، استوسع وهيه (3)، واستنهر فتقه (4)، وفقد راتقه، فأظلمت الأرض لغيبته، واكتأب خيرة الله لمصيبته، وأكدت الآمال (5)، وخشعت الجبال، وأضيع الحريم، وأذيلت (6) الحرمة بموت محمد، فتلك نازلة أعلن بها كتاب الله في أفنيتكم ممساكم ومصبحكم هتافا. ولقبل ما خلت له أنبياء الله ورسله * (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين) * (7).

أبني قيلة (8)، اهتضم تراث أبي وأنتم بمرأى ومسمع! تلبسكم الدعوة، ويشملكم الجبن، وفيكم العدة والعدد، ولكم الدار والجنن (9) وأنتم نخبة الله التي امتحن، ونحلته التي انتحل، وخيرته التي انتخب لنا أهل البيت، فنابذتم فينا العرب، وناهضتم الأمم وكافحتم البهم، لا نبرح وتبرحون، ونأمركم فتأتمرون، حتى دارت بنا

____________

(1) السنة: الغفلة " أساس البلاغة - وسن -: 499 ".

(2) عجلان ذا إهالة: مثل معروف، يراد به ما أسرع ما كان هذا الأمر! وفيه ثلاث كلمات: سرعان، عجلان، وشكان، انظر، جمهرة الأمثال 1: 519، مجمع الأمثال 1: 336.

(3) الوهي: الشق أو الخرق في الشئ " لسان العرب - وهي - 15: 417 ".

(4) يقال: طعنة طعنة أنهر فتقها: أي وسعه " لسان العرب - نهر - 5: 237 ".

(5) أكدى الرجل: أخفق ولم يظفر بحاجته " أساس البلاغة - كدى -: 389 ".

(6) أذيلت: أهينت " أساس البلاغة - ذيل -: 148 ".

(7) آل عمران 3: 144.

(8) أرادت الأوس والخزرج، قبيلتي الأنصار، وقيلة: اسم أم لهم قديمة، وهي قيلة بنت كاهل " النهاية - قيل - 4: 134 ".

(9) الجنن هنا الدار أيضا، ويقال لكل ما ستر: جن وأجن.

ولعلها الجنن بالضم، جمع الجنة، وهو كل ما واراك من السلاح واستترت به، انظر " لسان العرب - جنن - 13:

92 و 94 ". وفي " ط ": الخيرة.


الصفحة 121
وبكم رحى الاسلام، ودر حلب البلاد، وخضعت بغوة الشرك، وهدأت روعة الهرج، وخبت نار الحرب، واستوسق (1) نظام الدين، فأنى جرتم بعد البيان، ونكصتم بعد الإقدام، عن قوم * (نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون) * (2).

ألا أرى والله أن [قد] أخلدتم إلى الخفض، وركنتم إلى الدعة، فعجتم (3) عن الدين ومججتم (4) الذي استوعيتم، ودسعتم (5) ما استرعيتم، ألا و * (إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد * ألم يأتكم نبؤا الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب) * (6).

ألا وقد قلت الذي قلت على معرفة مني بالخذلة التي خامرتكم، ولكنها فيضة النفس، ونفثة الغيظ، وبثة الصدر، ومعذرة الحجة، فدونكم فاحتقبوها (7) دبرة الظهر (8)، ناقبة الخف، باقية العار، موسومة بشنار الأبد، موصولة بنار الله الموقدة، التي تطلع على الأفئدة، إنها عليهم مؤصدة، في عمد ممددة.

فبعين الله ما تفعلون، * (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) * (9)، وأنا ابنة نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فاعملوا إنا عاملون، وانتظروا إنا منتظرون، * (وسيعلم

____________

(1) استوسق الأمر: انتظم " المعجم الوسيط - وسق - 2: 1032 ".

(2) التوبة 9: 12.

(3) عاج عن الأمر: انصرف " المعجم الوسيط - عوج - 2: 634 ".

(4) مججتم: رميتم " لسان العرب - مجج - 2: 361.

(5) الدسع: القئ " لسان العرب - دسع - 8: 84 ".

(6) إبراهيم 14: 8 و 9.

(7) احتقب الشئ: أردفه أو ادخره. " المعجم الوسيط - حقب - 1: 187 ".

(8) الدبرة: القرحة والجرح الذي يكون في ظهر الدابة والبعير " لسان العرب - دبر - 4: 273 ".

(9) الشعراء 26: 227. وما قبلها تضمين من سورة الهمزة 104: 6 - 9.


الصفحة 122
الكفار لمن عقبى الدار) *، * (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) *، * (وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه) *، * (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) * (1) وكان الأمر قد قصر ".

ثم ولت، فأتبعها رافع بن رفاعة الزرقي، فقال لها: يا سيدة النساء، لو كان أبو الحسن تكلم في هذا الأمر وذكر للناس قبل أن يجري هذا العقد، ما عدلنا به أحدا.

فقالت له بردنها: " إليك عني، فما جعل الله لأحد بعد غدير خم من حجة ولا عذر ".

قال: فلم ير باك ولا باكية كان أكثر من ذلك اليوم، وارتجت المدينة، وهاج الناس، وارتفعت الأصوات.

فلما بلغ ذلك أبا بكر قال لعمر: تربت يداك، ما كان عليك لو تركتني، فربما رفأت الخرق ورتقت الفتق؟! ألم يكن ذلك بنا أحق؟!

فقال الرجل: قد كان في ذلك تضعيف سلطانك، وتوهين كفتك، وما أشفقت إلا عليك.

قال: ويلك، فكيف بابنة محمد وقد علم الناس ما تدعو إليه، وما نجن (2) لها من الغدر عليه.

فقال: هل هي إلا غمرة (3) انجلت، وساعة انقضت، وكأن ما قد كان لم يكن، وأنشده:


ما قد مضى مما مضى كما مضىوما مضى مما مضى قد انقضى

أقم الصلاة وآت الزكاة، وأمر بالمعروف وانه عن المنكر، ووفر الفئ، وصل القرابة، فإن الله يقول: * (إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى

____________

(1) الرعد 13: 42، التوبة 9: 105، الاسراء 17: 13، الزلزلة 99: 7 و 8.

(2) نجن: نستر، انظر " أساس البلاغة - جنن -: 66 ".

(3) الغمرة: الشدة " المعجم الوسيط - غمر - 2: 661 ".


الصفحة 123
للذاكرين) * (1). ويقول: * (يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) * (2) وقال: * (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون) * (3) ذنب واحد في حسنات كثيرة، قلدني ما يكون من ذلك.

قال: فضرب بيده على كتفه، ثم قال: رب كربة فرجتها، يا عمر.

ثم نادى الصلاة جامعة، فاجتمع الناس، وصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:

أيها الناس، ما هذه الرعة (4)، ومع كل قالة (5) أمنية؟! أين كانت هذه الأماني في عهد نبيكم؟! فمن سمع فليقل، ومن شهد فليتكلم، كلا بل هو ثعالة شهيده ذنبه (6) لعنه الله، وقد لعنه الله، مرب (7) لكل فتنة، يقول: كروها جذعة (8)، ابتغاء الفتنة من بعد ما هرمت، كأم طحال (9) أحب أهلها الغوى (10)، ألا لو شئت أن أقول لقلت، ولو تكلمت لبحت، وإني ساكت ما تركت، يستعينون بالصبية (11)،

____________

(1) هود 11: 114.

(2) الرعد 13: 39.

(3) آل عمران 3: 135.

(4) قال ابن أبي الحديد في شرح النهج 16: 215: قرأت هذا الكلام على النقيب أبي يحيى جعفر بن يحيى بن أبي زيد البصري وقلت له: بمن يعرض؟ فقال بعلي بن أبي طالب، إنه الملك يا بني، إن الأنصار هتفوا بذكر علي فخاف من اضطراب الأمر عليهم فنهاهم. قال ابن أبي الحديد: فسألته عن غريبه، فقال: أما الرعة - بالتخفيف - أي الاستماع والاصغاء.

(5) والقالة: القول.

(6) قال النقيب أبو يحيى: ثعالة: اسم الثعلب، علم غير مصروف، وشهيده ذنبه، أي لا شاهد له على ما يدعي إلا بعضه وجزء منه.

(7) قال: مرب: ملازم.

(8) قال: كروها جذعة: أعيدوها. إلى الحال الأولى، يعني الفتنة والهرج.

(9) قال: وأم طحال: امرأة بغي في الجاهلية، ويضرب بها المثل فيقال: أزنى من أم طحال.

(10) في شرح النهج: أحب أهلها إليها البغي.

(11) في " ع، م ": بالصعبة، ولعلها تصحيف الضعفة كما في شرح النهج.


الصفحة 124
ويستنهضون النساء، وقد بلغني - يا معشر الأنصار - مقالة سفهائكم - فوالله - إن أحق الناس بلزوم عهد رسول الله أنتم، لقد جاءكم فآويتم ونصرتم، وأنتم اليوم أحق من لزم عهده، ومع ذلك فاغدوا على أعطياتكم، فإني لست كاشفا قناعا، ولا باسطا ذراعا، ولا لسانا إلا على من استحق ذلك، والسلام.

قال: فأطلعت أم سلمة رأسها من بابها وقالت: ألمثل فاطمة بنت رسول الله يقال هذا، وهي الحوراء بين الإنس، والإنس (1) للنفس، ربيت في حجور الأنبياء، وتداولتها أيدي الملائكة، ونمت في حجور (2) الطاهرات، ونشأت خير منشأ، وربيت خير مربى؟! أتزعمون أن رسول الله حرم عليها ميراثه ولم يعلمها؟! وقد قال الله له:

* (وأنذر عشيرتك الأقربين) * (3)؟ أفأنذرها وجاءت تطلبه وهي خيرة النسوان، وأم سادة الشبان، وعديلة مريم ابنة عمران، وحليلة ليث الاقران، تمت بأبيها رسالات ربه، فوالله لقد كان يشفق عليها من الحر والقر، فيوسدها يمينه، ويلحفها بشماله، رويدا فرسول الله بمرأى لغيكم (4)، وعلى الله تردون، فواها لكم وسوف تعلمون.

قال: فحرمت أم سلمة تلك السنة عطاءها، ورجعت فاطمة (عليها السلام) إلى منزلها فتشكت (5).

قال أبو جعفر (6): نظرت في جميع الروايات، فلم أجد فيها أتم شرح، وأبلغ في الالزام، وأوكد بالحجة من هذه الرواية، ونظرت إلى رواية عبد الرحمن بن كثير فوجدته قد زاد في هذا الموضع:

أنسيتم قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبدأ بالولاية: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى " وقوله " إني تارك فيكم الثقلين... "؟! ما أسرع ما أحدثتم! وأعجل ما

____________

(1) في " ع، م ": النفس.

(2) في " ط ": المغارس (3) الشعراء 26: 214.

(4) في " ط ": لأعينكم.

(5) في " ط ": فشكت.

(6) (قال أبو جعفر) ليس في " ع، م ".


الصفحة 125
نكصتم (1)!.

وهو في بقية الحديث على السياقة.

عيادة نساء المدينة لها وخطابها لهن

37 / 37 - حدثني أبو المفضل محمد بن عبد الله، قال: حدثنا أبو العباس أحمد ابن محمد بن سعيد الهمداني، قال: حدثني محمد بن المفضل بن إبراهيم بن المفضل بن قيس الأشعري، قال: حدثنا علي بن حسان، عن عمه عبد الرحمن بن كثير، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام)، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين (عليهم السلام)، قال:

لما رجعت فاطمة إلى منزلها فتشكت وكان وفاتها في هذه المرضة، دخل إليها النساء المهاجرات والأنصاريات، فقلن لها: كيف أصبحت يا بنت رسول الله؟

فقالت: " أصبحت والله عائفة (2) لدنياكم، قالية (3) لرجالكم، شنأتهم (4) بعد إذ عرفتهم ولفظتهم (5) بعد إذ سبرتهم (6)، ورميتهم بعد أن عجمتهم (7)، فقبحا لفلول

____________

(1) روى خطبة الزهراء (عليها السلام) السيد الشريف المرتضى في الشافي 4: 69 - 77، والشيخ الطوسي في تلخيص الشافي 3: 139 عن المرزباني بطريقين وابن طيفور في بلاغات النساء: 21، وأخرجه ابن طاوس في الطرائف:

263 عن كتاب الفائق عن الأربعين للشيخ أسعد بن سقروة، عن الحافظ الثقة ابن مردويه في كتاب المناقب.

والخوارزمي في مقتل الحسين (عليه السلام) 1: 77 عن الحافظ أبي بكر.

وفي كشف الغمة 1: 480 عن كتاب السقيفة للجوهري من نسخة قديمة مقروءة على مؤلفها سنة (322 هـ).

وفي شرح النهج 16: 211 و 249 عن كتابي السقيفة والشافي، وفي الاحتجاج: 97 عن عبد الله بن الحسن.

(2) عائفة: كارهة.

(3) قالية: مبغضة.

(4) شنأتهم: أبغضتهم.

(5) لفظتهم، اللفظ: طرح الشئ من الفم كراهة له.

(6) سبرتهم: امتحنتهم.

(7) عجمه: ابتلاه واختبره " الصحاح - عجم - 5: 1981 ". (ورميتهم بعد أن عجمتهم) ليس في " ع، م ".