ويحهم أنى (8) زحزحوها (9) عن رواسي (10) الرسالة، وقواعد النبوة ومهبط الروح الأمين بالوحي المبين، الطبين (11) بأمر الدنيا والدين ألا ذلك هو الخسران المبين!
ما الذي نقموا من أبي حسن؟ نقموا - والله - منه شدة وطأته ونكال وقعته، ونكير سيفه، وتبحره في كتاب الله، وتنمره (12) في ذات الله.
وأيم الله لو تكافوا (13) عن زمام نبذه إليه رسول الله لاعتلقه (14) ثم لسار بهم
____________
(1) فلول السيف: كسور في حده " الصحاح - فلل - 5: 1792 ". وفي " ع، م ": لقول الخذل.
(2) الخطل: الاضطراب.
(3) في " ع ": القبر، وفي " م ": الغبن.
(4) المائدة 5: 80.
(5) الربقة ما يكون في عنق الغنم وغيرها من الخيوط.
(6) شننت: صببت.
(7) يقال: جدعا له، هو دعاء معناه ألزمه الله الجدع، أي قطع عنه الخير وجعله ناقصا معيبا.
(8) في " ع، م ": لئن.
(9) زحزحوها: نحوها.
(10) الرواسي: الأصول الثابتة، وكذلك القواعد.
(11) الطبين: العالمين، وفي " ع، م ": والظنين.
(12) تنمره: أي تغضبه، يقال: تنمر الرجل إذا غضب وتشبه بالنمر.
(13) تكافوا: أي كفوا أيديهم عنه.
(14) لاعتلقه: لأخذه بيده.
ألا فاسمعن. ومن عاش أراه الدهر العجب، وإن تعجبن فانظرن إلى أي نحو اتجهوا؟ وعلى أي سند استندوا؟ وبأي عروة تمسكوا؟ ولمن اختاروا؟ ولمن تركوا؟ لبئس المولى، ولبئس العشير.
استبدلوا والله الذناني (9) بالقوادم (10)، والعجز بالكاهل، فرغما لمعاطس (11) قوم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون، * (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون) * (12)؟
____________
(1) السجح: السير السهل.
(2) لا يكلم: لا يجرح ولا يدمي.
(3) الخشاش: ما يكون في أنف البعير من الخشب.
(4) لا يتعتع: أي لا يكره ولا يقلق.
(5) المنهل: مورد الماء.
(6) فضفاضا: كثيرا.
(7) البطان: جمع بطين، وهو الريان.
(8) غير متحل منه بطائل: أي كان لا يأخذ من مالهم قليلا ولا كثيرا.
إلا بغمر الماء: أي كان يشرب بالغمر، والغمر: القدح الصغير.
وردعه سورة الساغب: أي كان يأكل من ذلك قدر ما يردع ثوران الجوع.
(9) الذنابي: ما يلي الذنب من الجناح.
(10) القوادم: ما تقدم منه.
(11) المعاطس: الأنوف.
(12) يونس 10: 35.
38 / 38 - وحدثني أبو إسحاق إبراهيم بن مخلد بن جعفر الباقرحي، قال:
حدثني أم الفضل خديجة بنت أبي بكر محمد بن أحمد بن أبي الثلج، قالت: حدثنا أبو عبد الله محمد بن أحمد الصفواني، قال: حدثنا أبو أحمد عبد العزيز بن يحيى الجلودي، قال: حدثني محمد بن زكريا، قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمان المهلبي، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن سليمان المدائني، قال: حدثني أبي، عن عبد الله بن الحسن بن الحسن، عن أمه فاطمة بنت الحسين، قالت: لما اشتدت علة فاطمة (عليها السلام) اجتمع عندها نساء المهاجرين والأنصار، فقلن لها: يا بنت رسول الله كيف أصبحت؟ فقالت:
____________
(1) تنتج: تلد.
(2) ثم احتلبوا طلاع القعب: أي ملؤه...، والقعب: القدح الكبير من الخشب.
(3) الدم العبيط: الطري.
(4) الذعاف: السم.
(5) الممقر: المر.
(6) أي مروعة للقلب من شدة الفزع.
(7) الهرج: الفتنة، وشدة القتل.
(8) في معاني الأخبار: زرعكم.
(9) في معاني الأخبار: فيا حسرتي.
(10) رواه في معاني الأخبار: 354 / 1 بطريقين، وفيه سؤال الشيخ الصدوق من الشيخ الأديب أبي أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري شرح غريب هذا الحديث ومعانيه، وقد ذكرنا هذا الشرح في الهامش، أمالي الطوسي 1: 384، الاحتجاج 1: 108، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 16: 233. والآية من سورة هود 11: 28.
طم طيبوا عن أنفسكم أنفسا، واطمئنوا للفتنة جأشا، وأبشروا بسيف صارم، وهرج شامل، واستبداد من الظالمين، يدع فيئكم زهيدا، وجمعكم حصيدا، فيا خسرى لكم، وأنى بكم وقد عميت عليكم؟ * (أنلزمكموها وأنتم لها كارهون) * (2) والحمد لله رب العالمين، والصلاة على أبي سيد المرسلين " (3).
وصية فاطمة (صلوات الله عليها)
39 / 39 - حدثني أبو إسحاق الباقرحي، قال: حدثتني خديجة، قالت: حدثنا أبو عبد الله، قال: حدثنا أبو أحمد الجلودي، قال: حدثنا أبو موسى إسحاق بن موسى الأنصاري، قال: حدثنا عاصم بن حميد بن يحيى بن سليمان (4)، قال: قال لي محمد بن علي (عليهما السلام): ألا أقرئك (5) وصية فاطمة (عليها السلام) بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟
قال: فأخرج إلي سفطا في حق، وأخرج منه كتابا فيه:
" هذا ما أوصت فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، بحوائطها السبعة: ذي الحسنى، والساقية، والدلال، والغراف (6)، والرقمة، والهيثم، وما لأم إبراهيم إلى علي بن
____________
(1) المائدة: 5: 80.
(2) هود 11: 28.
(3) راجع مصادر الحديث المتقدم.
(4) في الكافي: عاصم بن حميد، عن أبي بصير.
(5) في " ط ": أريك.
(6) في " م ": العراف، وفي الكافي: العواف، وفيه اختلاف يسير في سائر الأسماء.
40 / 40 - وحدثني أبو إسحاق الباقرحي، قال: حدثتني خديجة، قالت: حدثنا أبو عبد الله، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا محمد بن (6) بغدان، قال: حدثنا أبو يعلى محمد بن الصلت التوزي (7)، قال: حدثنا عبد الله بن سعيد الأموي، أبو صفوان (8)، عن ابن جريج (9)، عن جعفر بن محمد، عن آبائه (عليهم السلام): أن فاطمة (عليها السلام) (10) أوصت لأزواج النبي (صلى الله عليه وآله) لكل واحدة منهن باثنتي (11) عشرة أوقية، ولنساء بني هاشم مثل ذلك: وأوصت لأمامة بنت أبي العاص (12) بشئ.(13)
41 / 41 - وحدثني أبو إسحاق الباقرحي، قال: حدثتنا خديجة، قالت: أخبرنا أبو عبد الله، قال: حدثنا أبو أحمد الجلودي، قال: حدثنا زكريا بن يحيى، قال: حدثنا
____________
(1 - 3) في " ع، م ": وأن.
(4) في " ط ": ولده.
(5) نحوه في الكافي 7: 48 / 5 و 49 / 6 وكشف الغمة 1: 499.
(6) (محمد بن) ليس في " ط ".
(7) في " ط، ع، م ": الثوري، تصحيف، صوابه ما في المتن نسبه إلى بلدة توز من بلاد فارس، انظر " أنساب السمعاني 1: 491، تهذيب التهذيب 9: 233 ".
(8) هو عبد الله بن سعيد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم القرشي الأموي أبو صفوان، روى عن عبد الملك بن جريج، وروى عنه أبو يعلى التوزي.
وفي " ط، ع، م ": قال: حدثنا أبو صفوان، انظر " تهذيب الكمال 15: 35 ".
(9) وهو عبد الملك بن جريج.
(10) في " ع، م ": عن أبيه، عن فاطمة (عليها السلام) أنها.
(11) في " ط ": اثنتا.
(12) وهي ابنة زينب بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، تزوجها أمير المؤمنين (عليه السلام) بوصية من فاطمة (سلام الله عليها)، بعد وفاتها،، انظر " معجم رجال الحديث 23: 181، سير أعلام النبلاء 1: 335 ".
(13) البحار 43: 218 / 50.
خبر منامها قبل وفاتها (عليها السلام)
42 / 42 - روى أبو بكر أحمد بن محمد الخشاب الكرخي، قال: حدثنا زكريا ابن يحيى الكوفي، قال: حدثنا ابن أبي زائدة، عن أبيه، قال: حدثني محمد بن الحسن، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: لما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما ترك إلا الثقلين، كتاب الله وعترته أهل بيته، وكان قد أسر إلى فاطمة (صلوات الله عليها) أنها لاحقة به، وأنها أول أهل بيته لحوقا.
قالت (صلى الله عليها): بينا أنا بين النائمة واليقظى بعد وفاة أبي بأيام، إذ رأيت كان أبي قد أشرف علي، فلما رأيته لم أملك نفسي أن ناديت: يا أبتاه، انقطع عنا خبر السماء، فبينا أنا كذلك إذ أتتني الملائكة صفوفا، يقدمها ملكان، حتى أخذاني فصعدا بي إلى السماء، فرفعت رأسي فإذا أنا بقصور مشيدة وبساتين وأنهار تطرد، وقصر بعد قصر، وبستان بعد بستان، وإذا قد اطلع علي من تلك القصور جواري كأنهن اللعب، وهن يتباشرن ويضحكن إلي، ويقلن: مرحبا بمن خلقت الجنة وخلقنا من أجل أبيها.
فلم تزل الملائكة تصعد بي حتى أدخلوني إلى دار فيها قصور، في كل قصر من
____________
(1) في " ط ": الرازي، تصحيف صوابه ما في المتن، وهو أبو محمد الربيع بن سليمان بن عبد الجبار المصري المؤذن المرادي، صاحب الشافعي وراوي كتب الأمهات عنه، ويروي عنه زكريا بن يحيى الساجي، انظر " تهذيب الكمال 9: 87 ".
(2) في " ط، ع، م ": عمر بن محمد بن علي بن شافع، وما في المتن هو الصواب، كما في سنن البيهقي، وهو محمد بن علي بن شافع بن السائب المطلبي المكي، روى عنه الشافعي ووثقه، انظر " تهذيب التهذيب 9: 353 ".
(3) سنن البيهقي 6: 161 و 183.
فقالوا: هذه الدار هي الفردوس الأعلى الذي ليس بعده جنة، وهي دار أبيك ومن معه من النبيين ومن أحب الله.
قلت: فما هذا النهر؟
قالوا: هذا الكوثر الذي وعده الله أن يعطيه إياه.
قلت: فأين أبي؟
قالوا: الساعة يدخل عليك.
فبينا أنا كذلك إذ برزت لي قصور هي أشد بياضا من تلك (5) القصور، وفرش هي أحسن من تلك الفرش، وإذا أنا بفرش مرتفعة على أسرة، وإذا أبي (صلى الله عليه وآله) جالس على تلك الفرش، ومعه جماعة، فلما رآني أخذني فضمني وقبل ما بين عيني، وقال:
مرحبا بابنتي، وأخذني وأقعدني في حجره، ثم قال لي: يا حبيبتي، أما ترين ما أعد الله لك وما تقدمين عليه!
فأراني قصورا مشرفات، فيها ألوان الطرائف والحلي والحلل، وقال: هذه مسكنك ومسكن زوجك وولديك ومن أحبك وأحبهما، فطيبي نفسا فإنك قادمة علي إلى أيام.
قالت: فطار قلبي، واشتد شوقي، وانتبهت من رقدتي (6) مرعوبة.
____________
(1) (ولا أذن سمعت) ليس في " ع، م ".
(2) في " ط ": اللحاف من، و " م ": عليها من ألوان.
(3) في " ط ": والديباج بألوان ومن أواني.
(4) في " ط ": هذه الأنهار.
(5) في " ع، م ": بياضا وأنور من تلك.
(6) (من رقدتي) أثبتناها من " م ".
ثم أخذت علي عهدا لله ورسوله أنها إذا توفيت لا أعلم أحدا إلا أم سلمة زوج رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأم أيمن، وفضة، ومن الرجال ابنيها، و عبد الله بن عباس، وسلمان الفارسي، وعمار بن ياسر، والمقداد، وأبا ذر، وحذيفة. وقالت: إني قد أحللتك من أن تراني بعد موتي، فكن مع النسوة فيمن يغسلني، ولا تدفني إلا ليلا، ولا تعلم أحدا قبري.
فلما كانت الليلة التي أراد الله أن يكرمها ويقبضها إليه، أقبلت (1) تقول:
وعليكم السلام.
وهي تقول لي: يا بن عم، قد أتاني جبرئيل مسلما، وقال لي: السلام يقرئك (2) السلام، يا حبيبة حبيب الله، وثمرة فؤاده، اليوم تلحقين به في الرفيع (3) الأعلى وجنة المأوى، ثم انصرف عني.
ثم سمعناها ثانيا تقول: وعليكم السلام، فقالت: يا بن عم، هذا والله ميكائيل يقول لي كقول صاحبه.
ثم أخذت ثالثا (4) تقول: وعليكم السلام.
ورأيناها قد فتحت عينيها فتحا شديدا ثم قالت: يا بن عم، هذا والله الحق وهو عزرائيل قد نشر جناحه بالمشرق والمغرب، وقد وصفه لي أبي، وهذه صفته.
فسمعناها تقول: وعليك السلام يا قابض الأرواح، عجل بي ولا تعذبني. ثم سمعناها تقول: إليك ربي لا إلى النار، ثم غمضت عينيها، ومدت يديها ورجليها، كأنها لم تكن حية قط (5).
____________
(1) في " ط ": أخذت.
(2) في " ع ": يقرأ عليك.
(3) في " ع، م ": تلحقين بالرفيع.
(4) (أخذت ثالثا) ليس في " ع، م ".
(5) - البخار 43: 207 / 36.
خبر وفاتها ودفنها وما جرى لأمير المؤمنين (صلوات الله عليه) مع القوم
43 / 43 - حدثني أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى التلعكبري، قال:
حدثني أبي، قال: حدثني (2) أبو علي محمد بن همام بن سهيل (رضي الله عنه)، قال: روى أحمد ابن محمد بن البرقي، عن أحمد بن محمد الأشعري القمي، عن عبد الرحمن بن أبي نجران (3)، عن عبد الله بن سنان، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام)، قال:
ولدت فاطمة (عليها السلام) في جمادى الآخرة، يوم العشرين منه، سنة خمس وأربعين من مولد (4) النبي (صلى الله عليه وآله).
وأقامت بمكة ثمان سنين، وبالمدينة عشر سنين، وبعد وفاة أبيها خمسة وسبعين يوما.
وقبضت في جمادي الآخرة يوم الثلاثاء لثلاث خلون منه، سنة إحدى عشرة من الهجرة.
وكان سبب وفاتها أن قنفذا مولى عمر لكزها بنعل السيف (5) بأمره، فأسقطت محسنا ومرضت من ذلك مرضا شديدا، ولم تدع أحدا ممن آذاها يدخل عليها.
وكان الرجلان من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) سألا أمير المؤمنين أن يشفع لهما إليها (6)، فسألها أمير المؤمنين (عليه السلام) فأجابت، فلما دخلا عليها قالا لها: كيف أنت يا
____________
(1) في " ط ": وروي في وفاتها.
(3) في " م ": حدثنا.
(3) راجع تعليقنا على الحديث (18).
(4) في " ع، م ": ولد.
(5) نعل السيف: ما يكون في أسفل غمد السيف من حديد أو فضة ونحوهما " الصحاح - نعل - 5: 1832 ".
(6) شفع له إلى فلان: طلب أن يعاونه ويسعى له " أقرب الموارد - شفع - 1: 599 ".
قالت: بخير بحمد الله.
ثم قالت لهما: ما سمعتما النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: " فاطمة بضعة مني، فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله "؟ قالا: بلى.
قالت: فوالله، لقد آذيتماني.
قال: فخرجا من عندها وهي ساخطة عليهما. (1).
44 / 44 - وحدثني أبو المفضل محمد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن الحسين ابن حفص الخثعمي، قال: حدثنا عباد بن يعقوب الأسدي، قال: حدثنا عبيد بن ذكوان، عن أبي خالد عمرو بن خالد الواسطي، قال: حدثني زيد بن علي وهو آخذ بشعره، قال: حدثني أبي علي بن الحسين وهو آخذ بشعره، قال: سمعت أبي الحسين ابن علي وهو آخذ بشعره، قال: سمعت أبي أمير المؤمنين وهو آخذ بشعره، قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو آخذ بشعره يقول: من آذى شعرة مني فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله (عز وجل) لعنه ملء السماوات وملء الأرضين (2).
45 / 45 - وحدثني القاضي أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد الطبري، قال: حدثنا أبو عمر وعثمان بن أحمد بن عبد الله الدقيقي، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن الحسن الرازي، قال: حدثنا علي بن الحسن البزاز، قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن الكلبي والأعمش، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
من آذى شعرة مني فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله (3).
____________
(1) بحار الأنوار 43: 170 / 11. وراجع الحديث (18).
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 250 / 3، أمالي الصدوق: 271 / 10، أمالي الطوسي 2: 67، مناقب الخوارزمي: 235.
(3) الجامع الصغير للسيوطي 2: 547 / 8267.
رجع الحديث إلى تمام حديث أبي علي بن همام (1)
قال: فخرجا من عندها وهي ساخطة عليهما.
قال: وروي أنها قبضت لعشر بقين من جمادى الآخرة، وقد كمل عمرها يوم قبضت ثماني عشرة سنة، وخمسة وثمانين يوما بعد وفاة أبيها، فغسلها أمير المؤمنين (عليه السلام)، ولم يحضرها غيره، والحسن، والحسين، وزينب، وأم كلثوم، وفضة جاريتها، وأسماء بنت عميس، وأخرجها إلى البقيع في الليل، ومعه الحسن والحسين، وصلى عليها، ولم يعلم بها، ولا حضر وفاتها، ولا صلى عليها أحد من سائر الناس غيرهم، ودفنها في الروضة، وعفى (2) موضع قبرها، وأصبح البقيع ليلة دفنت وفيه أربعون قبرا جددا؟
وإن المسلمين لما علموا وفاتها جاءوا إلى البقيع، فوجدوا فيه أربعين قبرا، فأشكل عليهم قبرها من سائر القبور، فضج الناس ولام بعضهم بعضا، وقالوا: لم يخلف نبيكم فيكم إلا بنتا واحدة، تموت وتدفن ولم تحضروا وفاتها ولا دفنها ولا (3) الصلاة عليها! بل ولم (4) تعرفوا قبرها!
فقال ولاة الأمر منهم: هاتوا من نساء المسلمين من ينبش هذه القبور حتى نجدها فنصلي عليها ونزور (5) قبرها.
فبلغ ذلك أمير المؤمنين (صلى الله عليه)، فخرج مغضبا قد احمرت عيناه، ودرت أوداجه (6)، وعليه قباؤه الأصفر الذي كان يلبسه في كل كريهة، وهو يتوكأ على سيفه ذي الفقار، حتى ورد البقيع، فسار إلى الناس من أنذرهم، وقال (7): هذا علي بن أبي
____________
(1) وهو الحديث (43).
(2) في " ع ": عمي.
(3) في " ع، م ": وفاتها و.
(4) في " ع، م ": عليها ولا.
(5) في " ط ": نعين، وفي " ع ": يرون.
(6) أي برزت وظهرت. ومنه قولهم: بين عينيه عرق يدره الغضب.
(7) في " ع، م ": الناس النذير وقالوا.
فتلقاه عمر ومن معه من أصحابه، وقال له: مالك يا أبا الحسن، والله لننبشن قبرها ولنصلين عليها.
فضرب علي (عليه السلام) بيده إلى جوامع ثوبه فهزه ثم ضرب به الأرض، وقال له:
يا بن السوداء، أما حقي فقد تركته مخافة أن يرتد الناس عن دينهم، وأما قبر فاطمة فوالذي نفس علي بيده لئن رمت وأصحابك شيئا من ذلك لأسقين الأرض من دمائكم، فإن شئت فاعرض يا عمر.
فتلقاه أبو بكر فقال: يا أبا الحسن، بحق رسول الله وبحق من فوق العرش (2) إلا خليت عنه، فإنا غير (3) فاعلين شيئا تكرهه.
قال: فخلى عنه وتفرق الناس ولم يعودوا إلى ذلك.(4)
46 / 46 - وأخبرني أبو الحسن علي بن هبة الله، قال: حدثنا أبو جعفر محمد ابن علي بن الحسين القمي، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن الوليد، قال: حدثنا محمد ابن الحسن الصفار، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، قال: حدثنا علي بن مسكان، عن محمد بن سنان، عن المفضل بن عمر، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عن جده علي بن الحسين (عليهم السلام)، قال: قال لي أبي الحسين بن علي (عليهما السلام).
لما قبضت فاطمة (عليها السلام) دفنها أمير المؤمنين (صلوات الله عليه)، وعفى على موضع قبرها بيده، ثم قام فحول وجهه إلى قبر النبي (صلى الله عليه وآله)، وقال:
" السلام عليك يا رسول الله عني والسلام عن (5) ابنتك وزائرتك، والبائتة في
____________
(1) في " ع، م ": السيف على غابر الآخر.
(2) في " ط ": وبحق فاطمة.
(3) في " ط ": لسنا.
(4) بحار الأنوار 43: 171.
(5) في " ع ": عني والسلام على.
يا رسول الله، أما حزني فسرمد، وأما ليلي فمسهد، ولا يبرح ذلك من قلبي أو (2) يختار الله لي دارك التي أنت بها، كمد مبرح (3) وهم مهيج، سرعان ما فرق بيننا، فإلى الله أشكو.
وستنبئك ابنتك بتظافر أمتك على هضمها، فأحفها السؤال، واستخبرها الحال، فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلا، فستقول وبحكم الله، وهو خير الحاكمين.
والسلام عليك (4) سلام مودع لا قال ولا سئم، فإن أنصرف فلا عن ملال، وإن أقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين.
آه آه لولا غلبة المستولين لجعلت هنا المقام، والتزمت لزاما معكوفا (5)، ولأعولت إعوال الثكلى على الرزية، فبعين الله تدفن ابنتك سرا، وتهضم حقها، وتمنع إرثها، ولم يبعد بك العهد، ولا اخلولق منك الذكر، فإلى الله - يا رسول الله - المشتكى، وفيك أجمل العزاء، صلوات الله عليك وعليها معك، والسلام " (6).
____________
(1) في " ع ": النائية في الثرى ببقيعك.
(2) في " ط ": حتى، وكلاهما بمعنى، قال الشاعر:
وكنت إذا غمزت قناة قوم | كسرت كعوبها أو تستقيما |
أي: كسرت كعوبها حتى تستقيم. والفعل بعدها منصوب بأن واجبة الاضمار.
(3) (مبرح) ليس في " ع، م "، وفي الكافي، مقيح.
(4) (والسلام عليك) ليس في " ع، م ".
(5) في " ط ": التزمت الحزم أشد لزام عكوفا، وفي الكافي: واللبث لزاما معكوفا.
(6) الكافي 1: 381 / 3، أمالي المفيد: 281، أمالي الطوسي 1: 107.
أخبار في (1) مناقبها (صلوات الله عليها)
47 / 47 - حدثني أبو الحسن أحمد بن الفرج بن منصور بن محمد، قال: حدثنا أبو الحسن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن سعيد الثقفي، قال: حدثني عثمان بن سعيد، قال: حدثنا أحمد بن حماد بن أحمد الهمداني، قال: حدثنا عمرو بن ثابت، عن أبيه، عن محمد بن علي بن الحسين بن علي (عليهم السلام)، قال:
بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) سلمان (رضي الله عنه) إلى منزل فاطمة لحاجة.
قال سلمان: فوقفت بالباب وقفة حتى سلمت، فسمعت فاطمة تقرأ القرآن من جوا، والرحى تدور من برا، ما عندها أنيس.
قال: فعدت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقلت: يا رسول الله، رأيت أمرا عظيما!
فقال: هيه يا سلمان، تكلم بما رأيت وسمعت.
قال: وقفت بباب ابنتك يا رسول الله، وسلمت، فسمعت فاطمة تقرأ القرآن من جوا، والرحى تدور من (2) برا ما عندها أنيس!
قال: فتبسم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال: يا سلمان، إن ابنتي فاطمة ملأ الله قلبها وجوارحها إيمانا إلى مشاشها (3)، فتفرغت لطاعة الله (عز وجل) فبعث الله ملكا اسمه (روفائيل) - وفي رواية أخرى: (رحمة) - فأدار (4) لها الرحى فكفاها الله (عز وجل) مؤنة الدنيا مع مؤنة الآخرة (5).
____________
(1) في " ع، م ": خبر.
(2) (من) ليس في " ط ".
(3) المشاش، جمع مشاشة: وهي رؤوس العظام اللينة " الصحاح - مشش - 3: 1019 ".
(4) في " ط ": يدير.
(5) مناقب ابن شهرآشوب 3: 337، الثاقب في المناقب: 290 / 248.
خرجت مع رسول الله ذات يوم (3) وأنا أريد الصلاة، فحاذيت باب علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فإذا أنا بهاتف من داخل الدار وهو يقول: اشتد صداع رأسي، وخلا بطني، ودبرت كفاي من طحن الشعير، فمضني (4) القول مضا شديدا، فدنوت من الباب فقرعته قرعا خفيفا، فأجابتني فضة، جارية فاطمة (عليها السلام)، فقالت: من هذا؟
فقلت: أنا سلمان ابن الاسلام.
قالت: وراءك يا أبا عبد الله، فإن ابنة رسول الله من وراء الباب، عليها اليسير من الثياب.
فأخذت عباءتي فرميت بها داخل الباب فلبستها فاطمة (عليها السلام) ثم قالت: يا فضة، قولي لسلمان يدخل، فإن سلمان منا أهل البيت ورب الكعبة.
فدخلت فإذا أنا بفاطمة جالسة وقدامها رحى تطحن بها الشعير، وعلى عمود الرحى دم سائل قد أفضى إلى الحجر، فحانت مني التفاتة فإذا أنا بالحسن بن علي في ناحية من الدار يتضور (5) من الجوع، فقلت: جعلني الله فداك يا ابنة رسول الله،
____________
(1) في " ع ": بن محمد، ولم نعثر عليه بكلا الضبطين فيما عندنا من المعاجم الرجالية، ولعله جعفر بن محمد بن مالك الفزاري أحد مشايخ أبي المفضل، كما سيأتي في باب الجواد (عليه السلام).
(2) في " ع، م ": السابوري، ولعله تصحيف (الجنديسابوري) منسوب إلى (جند يسابور) في خوزستان.
(3) في " ط ": ليلة.
(4) المض: الحرقة والألم والوجع.
(5) في " ع ": يتضوع، وفي " م ": يتضرع.
فقالت: نعم يا أبا عبد الله أوصاني حبيبي رسول الله (1) أن تكون الخدمة لها يوم ولي يوم، فكان أمس يوم خدمتها، واليوم يوم خدمتي.
قال سلمان: فقلت: جعلني الله فداك، إني مولى عتاقة.
فقالت: أنت منا أهل البيت.
قلت: فاختاري إحدى الخصلتين: إما أن أطحن لك الشعير، أو اسكت لك الحسن.
قالت: يا أبا عبد الله، أنا اسكته فإني أرفق، وأنت تطحن الشعير.
قال: فجلست حتى طحنت جزء من الشعير، فإذا أنا بالإقامة، فمضيت حتى صليت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله).
فلما فرغت من الصلاة أتيت علي بن أبي طالب وهو بيمنة من (2) رسول الله فجذبت رداءه وقلت: أنت هاهنا وفاطمة قد دبرت كفاها من طحن الشعير؟!
فقام وإن دموعه لتحدر على لحيته، وإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لينظر إليه حتى خرج من باب المسجد، فلم يمكث إلا قليلا. فإذا هو قد رجع يتبسم من غير أن تستبين أسنانه، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا حبيبي (3) خرجت وأنت باك ورجعت وأنت ضاحك؟
قال: نعم بأبي أنت وأمي، دخلت الدار وإذا فاطمة نائمة مستلقية لقفاها، والحسن نائم على صدرها، وقدامها الرحى تدور من غير يد.
فتبسم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم قال: يا علي، أما علمت أن لله ملائكة سائرة في الأرض يخدمون محمدا وآل محمد إلى أن تقوم الساعة؟! (4)
____________
(1) في " ط ": أوصاني أبي.
(2) في " ط ": الصلاة رأيت عليا وهو على ميمنة.
(3) في " ط ": يا علي، وفي " م ": يا علي حبيبي.
(4) الخرائج والجرائح 2: 530 / 6.