الصفحة 207
والإمامة من بعده إلى علي بن أبي طالب، ثم إلى الحسن، ثم إلى الحسين، وقد قتل أبوك (صلوات الله عليه)، وأنا عمك وصنو أبيك، وولادتي من علي بن أبي طالب مثل ولادة أبيك، فأنا أحق بالوصية منك مع حداثتك، فلا تنازعني الوصية والإمامة، ولا تحاربني (1).

فقال له علي بن الحسين (عليه السلام): يا عم، لا تدع ما ليس لك بحق، إني أعظك أن تكون من الجاهلين.

إن أبي (صلوات الله عليه) أوصى إلي قبل أن يتوجه إلى العراق، وعهد إلي قبل أن يستشهد بساعة، وهذا سلاح رسول الله عندي، فلا تتعرض لهذا الأمر وتنكره، فإني أخاف عليك - يا عم - نقص العمر وتشتت الحال.

إن الله (تعالى) - لما صنع الحسن (عليه السلام) مع معاوية ما صنع - جعل الوصية والإمامة في عقب الحسين (عليه السلام)، فإن أردت أن تعلم حقيقة قولي فانطلق معي إلى الحجر الأسود حتى نتحاكم إليه ونسأله عن ذلك.

قال أبو جعفر (عليه السلام): وكان الكلام بينهما بمكة، فانطلقا حتى أتيا الحجر الأسود، فقال علي (عليه السلام) لمحمد بن الحنفية: ابتهل إلى الله (تعالى)، واسأله أن ينطق لك الحجر. فابتهل محمد بالدعاء، وسأل الله، وكلم الحجر فلم يجبه.

فقال علي بن الحسين (عليه السلام): أما إنك - يا عم - لو كنت وصيا وإماما لأجابك.

قال: فقال محمد: فكلمه أنت - يا بن أخي - وسله.

فدعا الله علي بن الحسين (عليه السلام) بما أراد، ثم قال: أسألك بالذي جعل فيك ميثاق الأنبياء والناس أجمعين لما أخبرتنا من الوصي والإمام بعد الحسين.

فتحرك الحجر حتى كاد أن يزول عن موضعه، وأنطقه الله (عز وجل) بلسان عربي مبين، وقال: اللهم إن الوصية والإمامة بعد الحسين بن علي (عليه السلام) إلى علي بن الحسين بن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله).

____________

(1) في " ع، م ": ولا تحادثني، وفي البصائر: ولا تجانبني، وفي الإمامة والتبصرة: ولا تخالفني.


الصفحة 208
فانصرف محمد بن الحنفية وهو يتولى علي بن الحسين (عليه السلام) (1).

130 / 20 - وروى فضالة بن أيوب، عن أبان بن عثمان الأحمر، عن أبي عبد الله بن سليمان، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام)، قال: حضر علي بن الحسين (عليهما السلام) الموت، فقال: يا محمد، أي ليلة هذه؟ قال: ليلة كذا وكذا.

قال: وكم مضى من الشهر؟ قال: كذا وكذا.

قال: وكم بقي؟ قال: كذا وكذا.

قال: إنها الليلة التي وعدتها.

قال: ودعا بوضوء فقال إن فيه لفأرة. فقال بعض القوم (2): إنه ليهجر. فقال:

هاتوا المصباح فنظروا فإذا فيه فأرة، فأمر بذلك الماء فأهريق، وأتوه بماء آخر، ثم توضأ وصلى، حتى إذا كان آخر الليل توفي (صلوات الله عليه) (3).

131 / 21 - أخبرني أبو الحسين محمد بن هارون، قال: حدثني أبي، قال:

حدثنا أبو علي محمد بن همام، قال: حدثني عبد الله بن العلاء، قال: حدثني محمد بن الحسن بن شمون، قال: حدثنا عبد الله بن يزيد بن حماد الكاتب، عن أبيه يزيد بن حماد، عن عمر بن عبد العزيز، عن جبير بن الطحان، عن يونس بن ظبيان، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إن أول ما استدل به أبو خالد الكابلي عليه من علامات علي بن الحسين (عليه السلام) أنه دق عليه بابه فخرج إليه الغلام، فقال له: من أنت؟ فقال: أنا أبو خالد الكابلي.

فقال علي (عليه السلام): قل له: ادخل يا كنكر.

قال أبو خالد: فارتعدت فرائصي ودخلت فسلمت، فقال لي: يا أبا خالد: أريد أن أريك الجنة وهي مسكني الذي إذا شئت دخلت فيه، فقلت: نعم أرنيه.

فمسح يده على عيني، فصرت في الجنة، فنظرت إلى قصورها وأنهارها وما شاء

____________

(1) بصائر الدرجات: 522 / 3، الكافي 1: 282 / 5، الإمامة والتبصرة: 60 / 49، الاحتجاج 316، إعلام الورى: 258 قطعة منه، مختصر بصائر الدرجات: 14 و 170، وقطعة منه في مناقب ابن شهرآشوب 4: 147.

(2) في " ط ": العواد.

(3) الهداية الكبرى: 224 نحوه، فرج المهموم: 228 عن الدلائل.


الصفحة 209
الله أن أنظر، فمكثت ما شاء الله، ثم نظرت بعد فإذا أنا بين يديه (صلى الله عليه وعلى آبائه) (1).

132 / 22 - وحدثني أبو المفضل محمد بن عبد الله، قال: حدثني أبو النجم بدر ابن الطبرستاني، قال: حدثني أبو جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) قال: روي عن أبي خالد الكابلي أنه قال: كنت أقول بمحمد بن الحنفية فلقيني يحيى بن أم الطويل فدعاني إلى علي ابن الحسين (عليه السلام)، فامتنعت عليه، فقال لي: ما يضرك أن تقضي حقي بأن تلقاه لقية واحدة! فصرت معه إليه، فوجدته (عليه السلام) جالسا في بيت مفروش بالمعصفر (2) ملبس الحيطان (3) وعليه ثياب مصبغة، فلم أطل (4) عنده، فلما نهضت قال لي: صر إلينا في غد إن شاء الله. فخرجت من عنده.

فقلت ليحيى: أدخلتني إلى رجل يلبس المصبغات! وعزمت أن لا أرجع إليه، ثم فكرت أن رجوعي غير ضائر، فصرت إليه في الوقت فوجدت الباب مفتوحا، ولم أر أحدا فهممت بالرجوع، فناداني من داخل الدار: ادخل. ثلاثة أصوات فظننت أنه يريد غيري، فصاح: يا كنكر (5)، ادخل. وهذا الاسم كانت أمي سمتني به، ولم يسمعه منها أحد غيري، فدخلت إليه فوجدته جالسا في بيت مطين، على حصير بردي، وعليه قميص كرابيس (6)، فقال لي: يا أبا خالد، إني قريب عهد بعرس، وإن الذي رأيت بالأمس من آلة المرأة، ولم أحب خلافها.

فما برحت ذلك اليوم من عنده حتى أراني الأعاجيب، فقلت بإمامته، وهداني الله به وعلى يديه (7).

____________

(1) مدينة المعاجز: 299 / 23.

(2) أي المصبوغ بالعصفر، وهو صبغ أحمر غالبا ما يصبغ به الحرير يتخذ من زهر نبات العصفر.

انظر " المعجم الوسيط 2: 605 ".

(3) في " ط ": قد لبس الحيطان بذلك، وفي العيون: مكلس الحيطان.

(4) في " ع، م ": آكل.

(5) في " ع ": يا كنفر، وفي " م ": يا كنص.

(6) الكرابيس، جمع كرباس: وهو القطن " مجمع البحرين 4: 100 ".

(7) عيون المعجزات: مدينة المعاجز: 299 / 24.


الصفحة 210
133 / 23 - وبإسناده قال أبو خالد الكابلي: إن رجلا أتى علي بن الحسين (عليه السلام) وعنده أصحابه، فقال له: من أنت؟ فقال: أنا منجم وأبي عراف. فنظر إليه ثم قال له: هل أدلك على رجل قد مر منذ دخلت علينا في أربعة آلاف (1) عالم؟

فقال: من هو.

فقال له: إن شئت أنبأتك بما أكلت وما ادخرت في بيتك.

فقال له: أنبئني.

فقال له: أكلت في هذا اليوم حيسا (2)، وأما ما في بيتك فعشرون دينارا، منها ثلاثة دنانير دارية.

فقال له الرجل: أشهد أنك الحجة العظمى، والمثل الأعلى، وكلمة التقوى.

فقال له: أنت صديق امتحن الله قلبك (3).

134 / 24 - أخبرني أخي (رضي الله عنه)، قال: حدثني أبو الحسن أحمد بن علي، المعروف بابن البغدادي، ومولده بسوراء (4)، في يوم الجمعة لخمس بقين من جمادى الأولى سنة خمس وتسعين وثلاثمائة، قال:

وجدت في الكتاب الملقب ب (كتاب المعضلات) رواية أبي طالب محمد بن الحسين بن زيد، قال: حدث أبوه، عن ابن رياح، يرفعه عن رجاله، عن محمد بن ثابت، قال:

كنت جالسا في مجلس سيدنا أبي الحسن علي بن الحسين زين العابدين (صلوات الله عليه) إذ وقف به (5) عبد الله بن عمر بن الخطاب فقال له يا علي بن

____________

(1) في " ع، م ": أربعة عشر ألف.

(2) الحيس: هو الطعام المتخذ من التمر والأقط - أي اللبن المحمض المجمد - والسمن " لسان العرب - حيس - 6: 61 ".

(3) بصائر الدرجات: 420 / 13، الاختصاص: 320 نحوه، فرج المهموم: 111، مدينة المعاجز 299 / 25 وإثبات الهداة 5: 257 / 66 قطعة منه.

(4) في " ط ": بسوري، سوراء: موضع يقال هو إلى جنب بغداد، وقيل: هو بغداد نفسها. وسورا بالألف المقصورة:

موضع بالعراق قرب بابل " معجم البلدان 3: 278 ".

(5) في " ط ": عليه.


الصفحة 211
الحسين، بلغني أنك تدعي أن يونس بن متى عرضت عليه ولاية أبيك فلم يقبلها (1)، فحبس في بطن الحوت.

قال له علي بن الحسين (عليه السلام) يا عبد الله بن عمر، وما أنكرت من ذلك؟

قال: إني لا أقبله.

فقال: أتريد أن يصح لك ذلك؟

قال له: نعم، قال له: اجلس.

ثم دعا غلامه فقال له: جئنا بعصابتين. وقال لي: يا محمد بن ثابت، شد عين عبد الله بإحدى العصابتين واشدد عينك بالأخرى، فشددنا أعيننا فتكلم بكلام، ثم قال: حلوا أعينكم. فحللناها فوجدنا أنفسنا على بساط ونحن على ساحل البحر.

ثم تكلم (2) بكلام فاستجاب له حيتان البحر إذ ظهرت بينهن حوتة عظيمة فقال لها: ما اسمك؟ فقالت: اسمي نون.

فقال لها: لم حبس يونس في بطنك؟

فقالت: عرضت عليه ولاية أبيك فأنكرها، فحبس في بطني، فلما أقر بها وأذعن أمرت فقذفته، وكذلك من أنكر ولايتكم أهل البيت يخلد في نار الجحيم:

فقال له: يا عبد الله (3) أسمعت وشهدت؟ فقال له: نعم. فقال: شدوا أعينكم.

فشددناها فتكلم بكلام ثم قال: حلوها. فحللناها، فإذا نحن على البساط في مجلسه، فودعه عبد الله وانصرف.

فقلت له: يا سيدي، لقد رأيت في يومي عجبا، فآمنت به، فترى عبد الله بن عمر يؤمن بما آمنت به؟

فقال لي: لا، أتحب أن تعرف ذلك؟ فقلت: نعم. قال: قم فاتبعه وماشيه واسمع ما يقول لك.

____________

(1) في " ط ": يقبل.

(2) في " ع، م ": فتكلم.

(3) في " ط ": الجحيم، فالتفت إلى عبد الله وقال له.


الصفحة 212
فتبعته في الطريق ومشيت معه، فقال لي: إنك لو عرفت سحر عبد المطلب لما كان هذا بشئ (1) في نفسك، هؤلاء قوم يتوارثون السحر كابرا عن كابر، فعند ذلك علمت (2) أن الإمام لا يقول إلا حقا.(3)

135 / 25 - وحدثني أبو طاهر عبد الله بن أحمد الخازن، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن عمر بن سلم (4) التميمي، قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا إبراهيم بن أحمد بن جبرويه (5)، قال: حدثنا محمد بن أبي البهلول، قال:

حدثنا صالح بن أبي الأسود، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام)، قال:

خرج أبو محمد علي بن الحسين (عليه السلام) إلى مكة في جماعة من مواليه وناس من سواهم، فلما بلغ عسفان ضرب مواليه فسطاطه في موضع منها، فلما دنا علي بن الحسين (عليه السلام) من ذلك الموضع قال لمواليه: كيف ضربتم في هذا الموضع؟ هذا موضع قوم من الجن هم لنا أولياء ولنا شيعة، وذلك يضر بهم ويضيق عليهم؟! فقالوا: ما علمنا ذلك. وعزموا (6) على قلع الفساطيط، وإذا هاتف يسمع صوته، ولا يرى شخصه، وهو يقول: يا بن رسول الله، لا تحول فسطاطك من موضعه، فإنا نحتمل ذلك لك، وهذا الطبق قد أهديناه إليك، نحب أن تنال منه لنتشرف بذلك.

فنظرنا فإذا بجانب الفسطاط طبق عظيم، وأطباق معه، فيها عنب ورمان وموز وفاكهة كثيرة، فدعا أبو محمد (عليه السلام) من كان معه فأكل، وأكلوا معه من تلك الفاكهة (7).

____________

(1) (بشئ) ليس في " ع، م ".

(2) في " ط ": فرجعت وأنا عالم.

(3) نوادر المعجزات: 117 / 10، مناقب ابن شهرآشوب 4: 138 نحوه، إثبات الهداة 5: 258 / 67، مدينة المعاجز: 299 / 26.

(4) في " ط ": سالم، وقد ورد في المعاجم الرجالية بهذين الضبطين، راجع سير أعلام النبلاء 16: 88 ومعجم رجال الحديث 17: 66.

(5) في " م ": جيرويه.

(6) في " ع، م ": وعملوا.

(7) الأمان من الأخطار: 135، مدينة المعاجز: 300 / 27.


الصفحة 213
136 / 26 - وأخبرني أبو الحسين محمد بن هارون، قال: حدثنا أبي (رضي الله عنه)، قال: حدثنا أبو علي محمد بن همام، عن محمد بن مثنى، عن أبيه، عن عثمان بن زيد (1)، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال:

دخلت حبابة الوالبية ذات يوم على علي بن الحسين (عليه السلام) وهي تبكي، فقال لها: ما يبكيك؟

قالت: جعلني الله فداك يا بن رسول الله، أهل الكوفة يقولون: لو كان علي ابن الحسين إمام عدل من الله (2) كما تقولين لدعا الله أن يذهب هذا الذي في وجهك.

قال: فقال لها: يا حبابة، ادني مني. فدنت منه، فمسح يده على وجهها ثلاث مرات، ثم تكلم بكلام خفي، ثم قال: يا حبابة، قومي وادخلي إلى النساء فسلمي عليهن، وانظري في المرآة، هل ترين بوجهك شيئا.

قالت: فدخلت على النساء، فسلمت عليهن، ثم نظرت في المرآة فكأن الله لم يخلق في وجهي شيئا مما كان. وكان بوجهها برص (3).

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليما.

____________

(1) في " ط ": يزيد، راجع معجم رجال الحديث 11: 109 و 129.

(2) في " ط ": إمام حق.

(3) نوادر المعجزات: 119 / 11، إثبات الهداة 5: 258 / 68، مدينة المعاجز: 300 / 28.


الصفحة 214

الصفحة 215

أبو جعفر محمد الباقر (عليه السلام)

معرفة ولادته

قال أبو محمد الحسن بن علي الثاني (عليه السلام): ولد (عليه السلام) بالمدينة يوم الجمعة غرة رجب (1) سنة سبع وخمسين من الهجرة (2)، قبل (3) قتل الحسين (عليه السلام) بثلاث سنين، فأقام مع جده ثلاث سنين، ومع أبيه علي أربعا وثلاثين سنة وعشرة أشهر.

وعاش بعد أبيه أيام إمامته بقية ملك الوليد، وملك سليمان بن عبد الملك، وملك عمر بن عبد العزيز، وملك يزيد بن عبد الملك، وملك هشام بن عبد الملك، وملك الوليد ابن يزيد (4)، وملك إبراهيم بن الوليد.

وقبض في أول ملك إبراهيم (5)، في شهر ربيع الآخر (6) سنة مائة وأربع عشرة من الهجرة، فكانت أيام إمامته تسع عشرة سنة وشهرين، وصار إلى كرامة الله (عز وجل) وقد

____________

(1) وقيل: في الثالث من صفر. انظر: روضة الواعظين: 207، إعلام الورى: 264، مناقب ابن شهرآشوب 4: 210، كشف الغمة 2: 117، نور الأبصار: 289.

02) الكافي 1: 390، الارشاد: 262، كفاية الطالب: 455، الفصول المهمة: 211.

(3) في " ع، م " زيادة: أن.

(4) سقط هنا: يزيد بن الوليد. انظر: الجوهر الثمين 1: 103.

(5) مناقب ابن شهرآشوب 4: 210، وفي إعلام الورى: 265 وتاج المواليد: 117 أنه توفي في ملك هشام ابن عبد الملك، وهو الموافق للصواب، لأن ملكه امتد بين (105 - 125 هـ) انظر: الجوهر الثمين 1: 98.

(6) في " ط ": الأول، انظر: تاريخ أهل البيت: 80، روضة الواعظين: 207، إعلام الورى: 264.


الصفحة 216
كمل عمره سبعا وخمسين سنة (1).

وكان سبب وفاته أن إبراهيم بن الوليد سمه (2).

ودفن بالبقيع مع أبيه علي (3)، وعم أبيه الحسن (عليهما السلام) (4).

نسبه (عليه السلام)

محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف.

ويكنى:

أبا جعفر.

لقبه

الباقر، لأنه بقر علوم النبيين، والشاكر (5)، والهادي، والأمين، ويدعى: الشبيه، لأنه كان يشبه رسول الله (صلى الله عليه وآله) (6).

نقش خاتمه (عليه السلام)

وكان له خاتم نقشه: العزة لله (7).

____________

(1) الكافي 1: 390، الارشاد: 262، مناقب ابن شهرآشوب 4: 210، كفاية الطالب: 455، كشف الغمة 2: 123، الصواعق المحرقة: 201.

(2) مناقب ابن شهرآشوب 2: 210، الفصول المهمة: 221.

(3) (علي) ليس في " ط ".

(4) تاريخ الأئمة: 31، الكافي 1: 390، الهداية الكبرى: 238، الارشاد: 262، تاج المواليد: 117.

(5) في مناقب ابن شهرآشوب: الشاكر لله.

(6) مناقب ابن شهرآشوب 4: 210، تذكرة الخواص: 336، الفصول المهمة: 211، نور الأبصار: 288.

(7) الكافي 6: 473 / 2، وروي فيه غير ذلك، انظر: مكارم الأخلاق: 92، كشف الغمة 2: 119.


الصفحة 217

بوابه

جابر بن يزيد الجعفي (1).

ذكر ولده (عليه السلام)

جعفر الإمام الصادق (عليه السلام)، وعلي، و عبد الله، وإبراهيم، وابنته: أم سلمة فقط (2).

وأمه:

فاطمة بنت الحسن بن علي (عليهما السلام) (3)، ويروى فاطمة أم الحسن بنت الحسن (4)، وهي أول علوية ولدت لعلوي (5).

ويروى أنه تزوج [أبو محمد علي بن الحسين (عليهما السلام] (6) بأم عبد الله بنت الحسن بن علي، وهي أم أبي جعفر، وكان يسميها الصديقة.

ويقال: إنه لم يدرك في [آل] الحسن [امرأة] مثلها (7).

____________

(1) تاريخ الأئمة: 33، مناقب ابن شهرآشوب 4: 211، الفصول المهمة: 211، نور الأبصار: 289.

(2) تاريخ الأئمة: 19، الارشاد: 270، تاريخ مواليد الأئمة: 184، مناقب ابن شهرآشوب 4: 210، تذكرة الخواص: 341، كشف الغمة 2: 119، نور الأبصار: 292، ينابيع المودة: 380.

(3) في " ع، م ": بنت الحسن ويروى فاطمة بنت علي، وفي " ط ": بنت الحسن ويروى بنت علي، وما أثبتناه هو الموافق لسائر المصادر، انظر: تاريخ الأئمة: 24، الكافي 1: 390، روضة الواعظين: 207، تاج المواليد:

115، تاريخ مواليد الأئمة: 184، إعلام الورى: 264، كشف الغمة 2: 117، نور الأبصار: 289.

(4) في " ع، م ": فاطمة بنت الحسن بن الحسين، وفي " ط ": فاطمة بنت الحسن بن الحسن، وما أثبتناه هو الصواب، انظر: تاج المواليد: 115، تاريخ مواليد الأئمة: 184، كشف الغمة 2: 117.

05) في " ط ": ولدت علويا.

(6) ما بين المعقوفتين أثبتناه من الهداية الكبرى: 240.

(7) أثبتناه من الكافي 1: 390، الهداية الكبرى: 240، دعوات الراوندي: 69 / 165.


الصفحة 218
وروي أنها كانت عند جدار فتصدع الجدار فقالت بيدها: لا وحق المصطفى، ما أذن الله لك في السقوط. فبقي معلقا في الجو حتى جازت، فتصدق عنها علي بن الحسين (عليه السلام) بمائة دينار (1).

137 / 1 - وأخبرني أبو طالب محمد بن عيسى القطان، قال: أخبرني أبو محمد هارون بن موسى، قال: حدثنا أبو علي محمد بن همام، عمن رواه، عن الصادق (2) (عليه السلام) قال:

جاء علي بن الحسين بابنه محمد الإمام إلى جابر بن عبد الله الأنصاري، فقال له: سلم على عمك جابر.

فأخذه جابر فقبل ما بين عينيه، وضمه إلى صدره، وقال: هكذا أوصاني رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقال لي: يا جابر، يولد لعلي بن الحسين زين العابدين ولد، يقال له محمد، فإذا رأيته يا جابر فأقرئه مني السلام، واعلم يا جابر، أن مقامك بعد رؤيته قليل.

قال: فعاش جابر بعد أن رآه أياما يسيرة، ومات (رضي الله عنه) (3).

ذكر معجزاته (عليه السلام)

138 / 2 - قال أبو جعفر: حدثنا أبو محمد سفيان، عن أبيه، عن الأعمش، قال: قال قيس بن الربيع: كنت ضيفا لمحمد بن علي (عليه السلام) وليس في منزله غير لبنة (4)، فلما حضر العشاء قام فصلى وصليت معه، ثم ضرب بيده إلى اللبنة فأخرج منها قنديلا مشعلا ومائدة مستو عليها كل حار وبارد، فقال لي: كل، فهذا ما أعده الله

____________

(1) الكافي 1: 39 / 1، الهداية الكبرى: 241، الدعوات للراوندي 68 / 165.

(2) في " ط " زيادة: جعفر بن محمد.

(3) مدينة المعاجز: 322 / 2، ونحوه في كشف الغمة 2: 119، والفصول المهمة: 215، ونور الأبصار:

288.

(4) اللبنة: التي يبنى بها، وما ضرب من الطين مربعا " لسان العرب - لبن - 13: 375 ".


الصفحة 219
لأوليائه. فأكل وأكلت، ثم رفعت المائدة في اللبنة، فخالطني الشك، حتى إذا خرج لحاجته قلبت اللبنة فإذا هي لبنة صغيرة، فدخل وعلم ما في قلبي، فأخرج من اللبنة أقداحا وكيزانا (1) وجرة فيها ماء، فشرب وسقاني، ثم أعاد ذلك إلى موضعه، وقال:

مثلك معي مثل اليهود مع المسيح (عليه السلام) حين لم يثقوا (2) به. ثم أمر اللبنة أن تنطق فتكلمت (3).

139 / 3 - قال أبو جعفر: وحدثنا سفيان، عن وكيع، عن الأعمش، قال: قال لي المنصور - يعني أبا جعفر الدوانيقي -: كنت هاربا من بني أمية، أنا وأخي أبو العباس، فمررنا بمسجد المدينة ومحمد بن علي الباقر جالس، فقال لرجل إلى جانبه:

كأني بهذا الأمر وقد صار إلى هذين. فأتى الرجل فبشرنا به، فملنا إليه، وقلنا: يا بن رسول الله، ما الذي قلت؟

فقال: هذا الأمر صائر إليكم عن قريب، ولكنكم تسيئون إلى ذريتي وعترتي، فالويل لكم عن قريب. فما مضت الأيام حتى ملك (4) أخي وملكتها (5).

140 / 4 - قال أبو جعفر: وحدثنا الحسن بن عرفة العبدي، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: حدثنا العلاء بن محرز، قال: شهدت محمد بن علي الباقر (عليه السلام) وبيده عرجونة - يعني قضيبا دقيقا - يسأله عن أخبار بلد بلد، فيجيبه ويقول: زاد الماء بمصر كذا، ونقص بالموصل كذا، ووقعت الزلزلة بإرمينية، والتقى حادن وحورد (6) في موضع - يعني جبلين - ثم رأيته يكسرها ويرمي بها فتجمع فتصير (7) قضيبا (8).

____________

(1) الكيزان: جمع كوز، إناء يحفظ فيه الماء.

(2) في " ع، م ": يثق.

(3) نوادر المعجزات: 133 / 2، إثبات الهداة 5: 315 / 78، مدينة المعاجز: 322 / 3.

(4) في " ط ": أيام حتى هلك.

(5) إثبات الهداة 5: 316 / 79، مدينة المعاجز: 323 / 4.

(6) في " ع، م ": حارث وجويرد.

(7) في " ط ": بها فتعود.

(8) نوادر المعجزات: 134 / 3، إثبات الهداة 5: 317 / 80، مدينة المعاجز: 323 / 5.


الصفحة 220
141 / 5 - قال أبو جعفر: وحدثنا أحمد بن منصور الرمادي (1)، قال: حدثنا شاذان بن عمر (2)، قال: حدثنا مرة بن قبيصة بن عبد الحميد، قال: قال لي: جابر بن يزيد الجعفي: رأيت مولاي الباقر (عليه السلام) وقد صنع فيلا من طين فركبه وطار في الهواء حتى ذهب إلى مكة عليه ورجع، فلم أصدق ذلك منه حتى رأيت الباقر (عليه السلام)، فقلت له: أخبرني جابر عنك بكذا وكذا، فصنع مثله وركب وحملني معه إلى مكة وردني (3).

142 / 6 - قال أبو جعفر: وحدثنا أبو محمد، قال: حدثنا إبراهيم بن سعد، قال: حدثنا حكيم بن أسد، قال: لقيت أبا جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) وبيده عصا يضرب بها الصخر فينبع منه الماء، فقلت: يا بن رسول الله ما هذا؟ قال: نبعة من عصا موسى (عليه السلام) التي يتعجبون منها.(4)

143 / 7 - قال أبو جعفر: وحدثنا أحمد بن عامر، قال: حدثنا عبد الحميد (5) بن سويد، قال: حدثنا شهر (6) بن وائل، قال: لقيت الباقر (عليه السلام) وبيده قصعة (7) من خشب يشعل (8) فيها النار ولا تحترق القصعة، فقلت: يا بن رسول الله، ما هذا؟

فقال: لأرضة (9) الأرض قرضت (10) تلك النار منها، فقدرت أن القصعة قد

____________

(1) في " ط ": الرماني، وهو أحمد بن منصور الرمادي المتوفى سنة (265 هـ) عن 83 سنة كما في معجم البلدان 3: 66 والظاهر صحته لمعاصرة الطبري الكبير معه ولو في شطر من عمره. انظر سير أعلام النبلاء 12:

389 / 170، تهذيب التهذيب 1: 83، معجم المؤلفين 9: 146.

(2) في " ع، م ": عمرو.

(3) نوادر المعجزات: 135 / 4، إثبات الهداة 5: 317 / 81، مدينة المعاجز: 323 / 6.

(4) نوادر المعجزات: 135 / 5، إثبات الهداة 5: 317 / 82، مدينة المعاجز: 323 / 7.

(5) في " ع، م ": عبد الحي.

(6) في " ع ": سهر.

(7) القصعة: وعاء يؤكل فيه، وغالبا ما يتخذ من الخشب.

(8) في " ع، م ": تشتعل.

(9) الأرضة: دويبة تأكل الخشب.

(10) في " ط ": فقال: التظت الأرض فارفضت.


الصفحة 221
احترقت فلم يؤثر فيها شئ (1).

144 / 8 - قال أبو جعفر: وحدثنا سفيان، عن وكيع، عن الأعمش، قال:

حدثنا منصور، قال: كنت أريد أن أركب البحر فسألت الباقر (عليه السلام)، فأعطاني خاتما، فكنت أطرحه في الزورق إذا شئت فيقف، وإذا شئت أطلقه، وإني جئت الدور (2)، فسقط لأخ لي كيس في دجلة، فألقيت ذلك الخاتم فخرج وأخرج الكيس بإذن الله (تعالى) (3).

145 / 9 - قال أحمد بن جعفر: حدثنا عدة من أصحابنا، عن جابر بن يزيد (رحمه الله)، قال: خرجت مع أبي جعفر (عليه السلام) وهو يريد الحيرة، فلما أشرفنا على كربلاء قال لي: يا جابر، هذه روضة من رياض الجنة لنا ولشيعتنا، وحفرة من حفر جهنم لأعدائنا.

ثم إنه قضى ما أراد، ثم التفت إلي وقال: يا جابر. فقلت: لبيك سيدي.

قال لي: تأكل شيئا. قلت: نعم سيدي.

قال: فأدخل يده بين الحجارة، فأخرج لي تفاحة لم أشم قط رائحة مثلها، لا تشبه رائحة فاكهة الدنيا، فعلمت أنها من الجنة، فأكلتها، فعصمتني من الطعام أربعين يوما، لم آكل ولم أحدث (4).

146 / 10 - وروى موسى بن الحسن، عن أحمد بن الحسين، عن أحمد بن إبراهيم، عن علي بن حسان (5)، عن عبد الرحمان بن كثير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال:

____________

(1) إثبات الهداة 5: 318 / 83، مدينة المعاجز: 323 / 8.

(2) الدور: تطلق على سبعة مواضع بأرض العراق، من نواحي بغداد. مراصد الاطلاع 2: 539.

(3) إثبات الهداة 5: 318 / 84، مدينة المعاجز: 323 / 9.

(4) نوادر المعجزات: 135 / 6، إثبات الهداة 5: 318 / 85، مدينة المعاجز: 323 / 10.

(5) في النسخ: خالد بن حسان، تصحيف، صحيحه ما أثبتناه، وهو علي بن حسان الذي قيل: إنه لا يروي إلا عن عمه عبد الرحمن، وكلاهما ضعيف، انظر رجال النجاشي: 235 و 251، ومعجم رجال الحديث 9: 343 و 11: 311.


الصفحة 222
نزل أبو جعفر (عليه السلام) بواد، فضرب خباءه، ثم خرج يمشي حتى انتهى إلى نخلة يابسة، فحمد الله (عز وجل) عندها، ثم تكلم بكلام لم أسمع بمثله، ثم قال: أيتها النخلة، أطعمينا مما جعل الله (جل ذكره) فيك. فتساقط منها رطب أحمر وأصفر، فأكل، وأكل معه أبو أمية الأنصاري، فقال: يا أبا أمية، هذه الآية فينا (1) كالآية في مريم: إذ هزت إليها بالنخلة فتساقط عليها رطبا جنبا.(2)

147 / 11 - وروى الحسن، عن المثنى، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: كان أبو جعفر (عليه السلام) في مجلس له ذات يوم إذ أطرق إلى الأرض ينكت فيها مليا، ثم رفع رأسه فقال: كيف أنتم إذا جاءكم رجل يدخل عليكم في مدينتكم هذه في أربعة آلاف حتى يستقريكم (3) بسيفه ثلاثة أيام، فيقتل مقاتليكم (4) وتلقون منه ذلا (5)، لا تقدرون أن تدفعوا ذلك، فخذوا حذركم، واعلموا أن الذي قلت لكم كائن لا بد منه.

فلم يلتفت أهل المدينة إلى هذا الكلام من أبي جعفر (عليه السلام) فقالوا: لا يكون هذا أبدا. ولم يأخذوا حذرهم، إلا بنو هاشم خاصة لعلمهم أن كلامه (عليه السلام) حق من الله (عز وجل).

فلما كان من قابل حمل أبو جعفر عياله وبنو هاشم، فخرجوا من المدينة ووقع ما قال أبو جعفر (عليه السلام) في المدينة، فأصيب أهلها (6) وقالوا: والله، لا نرد على أبي جعفر شيئا نسمعه أبدا، منه سمعنا ما رأينا.

وقال بعضهم: إنما القوم أهل بيت النبوة ينطقون بالحق، ما يتعلق أحدكم على

____________

(1) في " ع، م ": منا.

(2) بصائر الدرجات: 273 / 2، الخرائج والجرائح 2: 593 / 2، مناقب ابن شهرآشوب 4: 188، الثاقب في المناقب: 374 / 308، الصراط المستقيم 2: 183 / 13، مدينة المعاجز: 323 / 11.

(3) يستقريكم: أي يتتبعكم " لسان العرب - قرا - 15: 175 ". وفي " ع، م ": يسبقونكم.

(4) في " ط ": مقاتلتكم.

(5) في " ع، م ": ملأ، وكأنها تصحيف: بلاء.

(6) في " ع، م ": وأصابوا ما قال أبو جعفر عليه السلام.


الصفحة 223
أبي جعفر بكلمة لم ير تأويلها، يقول: هذا غلط (1).

148 / 12 - وروى أحمد بن إبراهيم، عن علي بن حسان، عن عبد الرحمن ابن كثير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: كان أبو جعفر محمد بن علي الباقر في طريق مكة ومعه أبو أمية الأنصاري، وهو زميله في محمله، فنظر إلى زوج ورشان (2) في جانب المحمل معه، فرفع أبو أمية يده لينحيه، فقال له أبو جعفر: مهلا، فإن هذا الطير جاء يستجير بنا أهل البيت، فإن حية تؤذيه، وتأكل فراخه كل سنة، وقد دعوت الله له أن يدفعها (3) عنه، وقد فعل (4).

149 / 13 - وروى محمد بن الحسين، عن موسى بن سعدان، عن عبد الله بن القاسم، عن هشام بن سالم، عن محمد بن مسلم، قال: كنت مع أبي جعفر (عليه السلام) بين مكة والمدينة نسير، أنا على حمار لي، وهو على بغلة له، إذ أقبل ذئب من رأس الجبل حتى انتهى إلى أبي جعفر، فحبس له البغلة حتى دنا منه، فوضع يده على قربوس السرج، ومد عنقه إليه وأدنى أبو جعفر أذنه منه ساعة، ثم قال له: امض فقد فعلت.

فرجع مهرولا. فقلت: جعلت فداك، لقد رأيت عجيبا!

فقال: هل تدري ما قال؟

قلت: الله ورسوله وابن رسوله أعلم.

فقال: ذكر أن زوجته في هذا الجبل، وقد عسرت عليها ولادتها، فادع الله (عز وجل) أن يخلصها، وأن لا يسلط شيئا من نسلي على أحد من شيعتكم أهل البيت. فقلت:

قد فعلت.(5)

____________

(1) الخرائج والجرائح 1: 289 / 23، مناقب ابن شهرآشوب 4: 192، كشف الغمة 2: 146، الفصول المهمة: 218، مدينة المعاجز: 323 / 12، نور الأبصار: 291.

(2) الورشان: طائر من الفصيلة الحمامية، أكبر قليلا من الحمامة المعروفة، (3) في " ع، م ": يدفع.

(4) بصائر الدرجات: 364 / 16، مدينة المعاجز: 324 / 13.

(5) بصائر الدرجات: 371 / 12، الاختصاص: 300، مناقب ابن شهرآشوب 4: 189.