150 / 14 - وأخبرني أبو الحسن علي بن هبة الله، قال: حدثنا أبو جعفر، قال:
حدثنا أبي، عن سعد بن عبد الله، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، قال: حدثنا الحسين بن سعيد، قال: حدثنا الحسن (1) بن علي، عن (2) كرام، عن عبد الله بن طلحة، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الوزغ، فقال هو رجس مسخ، فإذا قتلته فاغتسل.
ثم قال: إن أبي (عليه السلام) كان قاعدا في الحجر، ومعه رجل يحدثه، وإذا وزغ يولول بلسانه، فقال أبي للرجل: أتدري ما يقول هذا الوزغ؟ فقال: لا.
قال: يقول: والله لئن ذكرت عثمان لأذكرن عليا حتى تقوم من ها هنا.(3)
151 / 15 - وروى الحسن بن أحمد بن سلمة، عن محمد بن المثنى، عن عثمان ابن عيسى، عمن حدثه، عن جابر (4)، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: شكوت إليه الحاجة، فقال: يا جابر، ما عندنا درهم.
قال: فلم ألبث أن دخل الكميت بن زيد (5) الشاعر، فقال له: جعلني الله فداك أتأذن لي أن أنشدك قصيدة قلتها فيكم؟
فقال له: هاتها. فأنشده قصيدة أولها:
من لقلب متيم مستهام (6)
____________
(1) في " ط ": الحسين.
(2) في النسخ: بن، وهو تصحيف صوابه ما في المتن، وكرام لقب عبد الكريم بن عمرو بن صالح الخثعمي، انظر رجال النجاشي: 245، معجم رجال الحديث 10: 65 و 14: 111.
(3) بصائر الدرجات: 373 / 1، الاختصاص: 301، الخرائج والجرائح 2: 823 / 36، مناقب ابن شهرآشوب 4: 189، مدينة المعاجز: 324 / 18.
(4) في البصائر والاختصاص: محمد بن المثنى، عن أبيه، عن عثمان بن يزيد، عن جابر، والظاهر صحته، انظر معجم رجال الحديث 14: 178 و 17: 184، والحديث (26) من دلائل الإمام السجاد (عليه السلام).
(5) في " ع، م ": يزيد. وهو تصحيف، انظر سير أعلام النبلاء 5: 388، معجم رجال الحديث 14: 125.
(6) وهي أولى قصائده المعروفة بالهاشميات، ويبلغ عدد أبياتها مائة وثلاثة، انظر شرح هاشمياته لأبي رياش أحمد بن إبراهيم القيسي: 11 - 42.
فقال له: جعلت فداك، إن رأيت أن تأذن لي في أخرى. فقال له: هاتها. فأنشده أخرى، فأمر له ببدرة أخرى، فأخرجت له من البيت.
ثم قال له: الثالثة. فأذن له، فأمر له ببدرة ثالثة، فأخرجت له.
فقال له الكميت: يا سيدي، والله ما أنشدك طلبا لعرض من الدنيا، وما أردت بذلك إلا صلة لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، وما أوجبه الله علي من حقكم.
فدعا له أبو جعفر، ثم قال: يا غلام، رد هذه البدر في مكانها. فأخذها الغلام فردها.
قال جابر: فقلت في نفسي: شكوت إليه الحاجة فقال: ما عندي شئ، وأمر للكميت بثلاثين ألف درهم!
وخرج الكميت فقال: يا جابر، قم فادخل ذلك البيت.
قال: فدخلت فلم أجد فيه شيئا، فخرجت فأخبرته، فقال: يا جابر، ما سترنا عتك أكثر مما أظهرناه لك.
ثم قام وأخذ بيدي فأدخلني ذلك البيت وضرب برجله الأرض فإذا شبه عنق البعير قد خرج من ذهب (3)، فقال: يا جابر، انظر إلى هذا ولا تخبر به إلا من تثق به من إخوانك.
يا جابر، إن جبرئيل أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله) غير مرة بمفاتيح خزائن الأرض وكنوزها، وخيره من غير أن ينقصه الله مما أعد له شيئا، فاختار التواضع لربه (عز وجل)، ونحن نختاره (4).
____________
(1) البدرة: كيس فيه مقدار من المال يتعامل به ويقدم في العطايا، ويختلف باختلاف العهود، والغالب أنه عشرة آلاف درهم.
(2) في " ع، م ": ووضعها عنده.
(3) في " ط ": منها ذهبا.
(4) في " ط ": ينقصه الله شيئا مما أعد له فاختار تركها ونحن نختار ذلك.
152 / 16 - وروى محمد بن الحسين، عن إبراهيم بن أبي البلاد، عن سدير الصيرفي (2)، قال: أوصاني أبو جعفر (عليه السلام) بحوائج له بالمدينة، فبينا أنا في فج الروحاء (3) على راحلتي إذا إنسان يلوي ثوبه.
قال: فقمت له وظننت أنه عطشان، فناولته الإداوة فقال: لا حاجة لي بها.
وناولني كتابا طينه رطب، فنظرت إلى الخاتم وإذا هو خاتم أبي جعفر (عليه السلام) [فقلت:
متى عهدك بصاحب الكتاب؟ قال: الساعة، وإذا في الكتاب أشياء يأمرني بها، ثم التفت فإذا ليس عندي أحد.
قال: ثم قدم أبو جعفر (عليه السلام)] (4) فلقيته فقلت: جعلت فداك، رجل أتاني بكتاب وطينه رطب! فقال: إذا عجل بنا أمر أرسلت بعضهم - يعني الجن - (5).
153 / 17 - وروى علي بن الحكم، عن مثنى الحناط، عن أبي بصير، قال:
دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) فقلت له: أنتم ورثة رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ قال: نعم.
قلت: ورسول الله وارث الأنبياء على ما علموا وعملوا؟ قال لي: نعم.
قلت: فأنتم تقدرون على أن تحيوا الموتى، وتبرؤوا الأكمه والأبرص؟ قال: نعم، بإذن الله.
ثم قال: ادن مني يا أبا محمد. فدنوت، فمسح يده على عيني ووجهي فأبصرت الشمس والسماء والأرض والبيوت وكل شئ في الدار.
قال: فقال: تحب أن تكون على هذا ولك ما للناس وعليك ما عليهم يوم
____________
(1) بصائر الدرجات: 395 / 5، الاختصاص: 271، مدينة المعاجز: 326 / 24.
(2) في " ط ": شديد القرضي، وفي " م ":... الصرخي، وفي " ع ":... بن الصرخي، تصحيف صوابها ما في المتن من الكافي، وراجع معجم رجال الحديث 8: 38.
(3) قرية على ليلتين من المدينة " الروض المعطار: 277 ".
(4) أثبتناه من الكافي.
(5) الكافي 1: 325 / 4، مدينة المعاجز: 327 / 25.
قلت: أعود كما كنت.
قال: فمسح يده على عيني فعدت كما كنت.(1)
154 / 18 - وروى محمد بن الحسن بن فروخ، عن عاصم بن حميد، عن محمد ابن مسلم بن رباح الثقفي، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول لرجل من أهل إفريقية: ما حال راشد؟ قال: خلفته صالحا يقرئك السلام.
قال: رحمه الله. قال: أو مات؟! قال: نعم رحمه الله.
قال: ومتى مات؟
قال: قبل خروجك بيومين.
قال: لا والله، ما مرض ولا كانت به علة!
قال: وإنما يموت من يموت من غير علة أكثر.
فقلت: أيما كان من الرجال الرجل؟
فقال: كان لنا وليا ومحبا من أهل إفريقية.
ثم قال: يا محمد بن مسلم، لئن كنتم ترون أنا ليس معكم بأعين ناظرة وآذان (2) سامعة لبئس ما رأيتم، والله من (3) خفي ما غاب، فأحضروا لي (4) جميلا، وعودوا ألسنتكم الخير، وكونوا من أهله تعرفوا (5) به.(6)
155 / 19 - وعنه، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم وعلي بن جرير،
____________
(1) بصائر الدرجات: 289 / 1، الكافي 1: 391 / 3، الهداية الكبرى: 243، إثبات الوصية: 152، رجال الكشي: 174 / 298، عيون المعجزات: 76، إعلام الورى: 267، مناقب ابن شهرآشوب 4: 184.
(2) في " ع، م ": واسماع.
(3) في " ط ": ما.
(4) في " ع ": فاحضروني.
(5) في " ع، م ": تقربوا.
(6) الخرائج والجرائح 2: 595 / 7 نحوه، وقطعة منه في مناقب ابن شهرآشوب 4: 193، والثاقب في المناقب: 383 / 315، مدينة المعاجز: 330 / 37.
قلت: نعم، جعلت فداك، من هؤلاء؟
قال: إخوانكم من الجن أتونا يستفتونا في حلالهم وحرامهم كما تأتونا وتستفتونا في حلالكم وحرامكم.
فقلت: جعلت فداك، ويظهرون لكم؟ قال: نعم.(4)
156 / 20 - وروى الحسن بن علي الوشاء، عن عبد الصمد بن بشير، عن عطية أخي أبي العوام (5)، قال: كنت مع أبي جعفر (عليه السلام) في مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله) إذ أقبل أعرابي على لقوح (6) له، فعقلها ثم دخل، فضرب ببصره يمينا وشمالا كأنه طائر العقل، فهتف به أبو جعفر فلم يسمعه، فأخذ كفا من حصا فحصبه، فأقبل الأعرابي حتى نزل بين يديه، فقال له: يا أعرابي من أين أقبلت؟
قال: من أقصى الأرض.
فقال له أبو جعفر: أوسع من ذلك، فمن أين أقبلت؟
قال: من أقصى الدنيا، وما خلفي من شئ، أقبلت من الأحقاف.
قال: أي الأحقاف؟
قال: أحقاف عاد.
قال: يا أعرابي، فما مررت به في طريقك؟
قال: مررت بكذا. فقال أبو جعفر: ومررت بكذا، فقال الأعرابي: نعم، ومررت
____________
(1) في " ط ": لي.
(2) في " ع، م " زيادة: دوابر.
(3) في " ع، م ": صفر، فما احتبسوا حتى.
(4) بصائر الدرجات: 117 / 5، مدينة المعاجز: 328 / 29.
(5) في رجال الطوسي: 260 / 619: العرام، وانظر معجم رجال الحديث 11: 146 و 147.
(6) اللقوح: الناقة التي تقبل اللقاح، وقيل: الناقة الحلوب.
قال أبو جعفر (عليه السلام): ومررت بكذا؟. فلم يزل الأعرابي يقول: إني مررت، ويقول له أبو جعفر: ومررت بكذا، إلى أن قال له أبو جعفر: فمررت بشجرة يقال لها:
(شجرة الرقاق)؟
قال: فوثب الأعرابي على رجليه ثم صفق بيديه وقال: والله، ما رأيت رجلا أعلم بالبلاد منك، أوطأتها؟
قال: لا يا أعرابي، ولكنها عندي في كتاب.
يا أعرابي، إن من ورائكم لواد يقال له (برهوت) تسكنه البوم والهام (1)، تعذب فيه أرواح المشركين إلى يوم القيامة.(2)
157 / 21 - أخبرني أبو الحسن علي بن هبة الله، قال: حدثنا أبو جعفر محمد ابن علي، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن محمد بن خالد البرقي، عن الحسن بن علي بن فضال، عن بعض أصحابنا، عن أبي بصير، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): مررت (3) بالشام وأنا متوجه إلى بعض ملوك (4) بني أمية، فإذا قوم يمرون (5)، فقلت: أين تريدون؟ قالوا: إلى عالم لنا لم نر مثله، يخبرنا بمصلحة شأننا.
قال: فأتبعتهم حتى دخلوا برجا (6) عظيما، فيه بشر كثير، فلم ألبث أن خرج شيخ كبير متوكئ على رجلين، قد سقط حاجباه على عينيه، فشدهما (7) حتى بدن عيناه، فنظر إلي فقال: أمنا أنت أم من الأمة المرحومة؟
____________
(1) البوم طائر معروف، والهام أنثاه، أو هما اسمان يقعان على طيور الليل عامة، انظر " لسان العرب - بوم - 12: 61، حياة الحيوان 1: 226 و 2: 386 ".
(2) مدينة المعاجز: 330 / 38.
(3) في " ع، ط ": كنت.
(4) في " ع ": خلفاء.
(5) في " ط ": قوم في جانبي.
(6) في " ع، م ": بهوا، والبهو: البيت المقدم أمام البيوت.
(7) في " ع، م ": قد شد حاجبيه.
فقال: أمن علمائها (1) أم من جهالها؟
قال: قلت: لا من علمائها ولا من جهالها.
فقال: أنتم الذين تزعمون أنكم تذهبون إلى الجنة فتأكلون وتشربون ولا تحدثون؟
قال: قلت: نعم.
قال: فهات على هذا برهانا.
قال: قلت: الجنين يأكل في بطن أمه من طعامها، ويشرب من شرابها ولا يحدث.
قال: أليس زعمت أنك لست من علمائها!
قال: قلت لك: ولا من جهالها.
قال: فأخبرني عن ساعة ليست من النهار ولا من الليل.
قال: قلت: هذه الساعة التي هي من طلوع (2) الفجر إلى طلوع الشمس، لا نعدها من ليلنا ولا من نهارنا، وفيها تفيق (3) مرضانا.
قال: فنظر إلي النصراني متعجبا، ثم قال: أليس زعمت أنك لست من علمائها!
ثم قال: أما والله لأسألنك عن مسألة ترتطم فيها ارتطام الثور (4) في الوحل، أخبرني عن رجلين ولدا في ساعة واحدة، وماتا في ساعة واحدة، عاش أحدهما خمسين ومائة سنة، وعاش الآخر خمسين سنة.
قال: قلت: ثكلتك أمك، ذلك عزير وعزرة، عاش هذا خمسين عاما، ثم أماته الله مائة عام، ثم بعثه فقال: كم لبثت؟ قال: يوما أو بعض يوم. وعاش خمسين ومائة عام، ثم ماتا جميعا.
فقال النصراني: لا والله لا أكلمكم كلمة ولا رأيتم لي وجها اثني عشر شهرا،
____________
(1) في " ع ": علمائهم، وكذا بقية الضمائر في الكلمات الآتية.
(2) في " ع، م ": هذه ساعة من طلوع.
(3) في " م ": يعتق.
(4) في " ع، م ": تربط فيها أو تظام فيها كالثور.
158 / 22 - وروى محمد بن عبد الجبار، عن محمد بن إسماعيل، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن أبي مرض مرضا شديدا حتى خفنا عليه، فبكى بعض أصحابنا عند رأسه، فنظر (عليه السلام) إليه وقال له: إني لست بميت من وجعي هذا، فبرئ ومكث ما شاء الله أن يمكث.
فبينا هو صحيح ليس به بأس حتى قال لي: يا بني، إن اللذين أتياني في شكايتي التي قمت منها أتياني فخبراني أني ميت من وجعي هذا في يوم كذا وكذا.
قال: فمات (عليه السلام) في ذلك اليوم.(2)
159 / 23 - أخبرني أبو الحسين محمد بن هارون، عن أبيه أبي محمد، قال:
حدثنا (3) أبو القاسم جعفر بن محمد العلوي الموسائي (4)، قال: حدثنا عبد الله (5) بن أحمد بن نهيك - أبو العباس النخعي الشيخ الصالح - عن محمد بن أبي عمير، عمن أخبره، عن سيف بن عميرة، عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال:
أسري برجل منا فمر برجل منكم حتى أتى الرجل الذي يعذب، فإذا هو في قرية موكل به سبعة رجال كل يوم، كلما هلك رجل جعل مكانه رجل، يستقبلون به عين الشمس حيث دارت، يصبون عليه في الشتاء الماء البارد، والماء الحار في الصيف،
____________
(1) في " ع، م ": حيث دخلوا بأبي جعفر (عليه السلام) معهم.
مدينة المعاجز: 331 / 43.
(2) - مدينة المعاجز: 335 / 45، بصائر الدرجات: 501 / 2.
(3) في " ط ": أخبرنا.
(4) نسبة إلى الإمام موسى الكاظم (عليه السلام)، وهو أبو القاسم جعفر بن محمد بن إبراهيم بن عبيد الله بن موسى الكاظم (عليه السلام)، روى عنه التلعكبري، وكان سماعه منه سنة (340) بمصر وله منه إجازة، أنساب السمعاني 5: 405. ويقال له الموسوي أيضا، انظر معجم رجال الحديث 4: 101.
(5) في بعض المصادر والمعاجم الرجالية: عبيد الله، مصغرا، روى عن ابن أبي عمير، ووصفه النجاشي بالشيخ الصدوق، وقال: اشتملت إجازة أبي القاسم جعفر بن محمد بن إبراهيم الموسوي - وأراناها - على سائر ما رواه عبيد الله بن أحمد بن نهيك، انظر رجال النجاشي: 232، معجم رجال الحديث 10 / 107.
فقال: ما تدري لأنك أكيس الناس، أو لأنك أحمق الناس، ما يزال يأتينا الرجل منكم في السنين فلا يسأل عن هذا (2).
فخرجت من الفج فالتفت فإذا راكب خلفي يوضع (3) ويشير إلي، فظننت أن الرجل عطشان، فتناولت إداوتي فأهويت بها إليه.
قال: فناولني كتابا صغيرا طينه رطب، وكتابته رطبة، فإذا فيه إنفاذ بعض ما أمرني به، ونقل شئ إلى شئ فأمضيت الذي في الكتاب، وقلت للرجل: متى عهدك؟
قال: الساعة.
قال: وحفظت الساعة واليوم، فلما قدم أبو جعفر (عليه السلام) أخبرته بخبر الكتاب والطين واليوم والساعة، فقال: إنا أهل البيت أعطينا أعوانا من الجن، إذا عجلت بنا الحاجة بعثناهم فيها.(4)
160 / 24 - وروى محمد بن الحسن، عن حماد بن عيسى، عن الحسين بن المختار، عن أبي بصير، قال: كنت اقرئ امرأة وأعلمها (5) القرآن، فمازحتها بشئ، فقدمت على أبي جعفر (عليه السلام)، فقال لي: يا أبا بصير، أي شئ قلت للمرأة؟ فقلت بيدي هكذا على وجهي - يعني غطيت وجهي -.
قال: فقال: لا تعد إليها.(6)
161 / 25 - وعنه: عن حماد بن عيسى، عن الحسين بن مختار، عن أبي بصير، قال: قدم بعض أصحاب أبي جعفر (عليه السلام) فقال لي: لا والله، لا ترى أبا جعفر أبدا.
____________
(1) في " ط ": فسألهم لم يفعلون.
(2) في " ع، م ": فقال: لأنك أكيس الناس أو لأنك لأحمق الناس، ما يزال ما بين الرجل منكم في السنين ما قال هذا أحد.
(3) الوضع: سرعة السير " الصحاح - وضع - 3: 1300 ".
(4) مدينة المعاجز 328 / 31.
(5) في " م ": كنت أعلمها.
(6) الخرائج والجرائح 2: 594 / 5، الصراط المستقيم 2: 183 / 14، مدينة المعاجز: 340 / 60.
فقلت: جعلت فداك، إن فلانا قال لي: لا والله، لا تراه أبدا.(1)
162 / 26 - وروى الحسن بن معاذ الرضوي، قال: حدثنا لوط بن يحيى الأزدي، عن عمارة بن زيد الواقدي، قال: حج هشام بن عبد الملك بن مروان سنة من السنين، وكان قد حج في تلك السنة محمد بن علي الباقر وابنه جعفر (عليهم السلام)، فقال جعفر في بعض كلامه (2):
الحمد لله الذي بعث محمدا بالحق نبيا، وأكرمنا به، فنحن صفوة الله على خلقه، وخيرته من عباده، فالسعيد من اتبعنا، والشقي من عادانا وخالفنا، ومن الناس من يقول إنه يتولانا وهو يوالي أعداءنا ومن يليهم من جلسائهم وأصحابهم، فهو لم يسمع كلام ربنا ولم يعمل به.
قال أبو عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام) فأخبر مسيلمة أخاه بما سمع (3)، فلم يعرض لنا حتى انصرف إلى دمشق، وانصرفنا إلى المدينة، فأنفذ بريدا إلى عامل المدينة بإشخاص أبي وإشخاصي معه، فأشخصنا، فلما وردنا دمشق حجبنا ثلاثة أيام، ثم أذن لنا في اليوم الرابع، فدخلنا وإذا هو قد قعد على سرير الملك، وجنده وخاصته وقوف على أرجلهم سماطين متسلحين، وقد نصب البرجاس (4) حذاءه، وأشياخ قومه يرمون.
فلما دخل أبي وأنا خلفه ما زال يستدنينا منه حتى حاذيناه وجلسنا قليلا، فقال لأبي: يا أبا جعفر، لو رميت (5) مع أشياخ قومك الغرض. وإنما أراد أن يهتك (6) بأبي
____________
(1) بصائر الدرجات: 268 / 13، مدينة المعاجز: 340 / 61.
(2) في " ع، م ": فقال جعفر بن محمد (عليه السلام).
(3) في " ط ": مسيلمة بن عبد الملك أخاه.
(4) غرض في الهواء يرمى به " لسان العرب - برجس - 6: 26 ".
(5) في " ع، م ": فلما دخلنا وأبي أمامي يقدمني عليه وأنا خلفه على يد أبي حين حاذيناه فنادى أبي: يا محمد، ارم.
(6) في " ط ": يضحك.
فقال: وحق من (2) أعزنا بدينه ونبيه محمد (صلى الله عليه وآله) لا أعفيك. ثم أومأ إلى شيخ من بني أمية أن أعطه قوسك.
فتناول أبي عند ذلك قوس الشيخ، ثم تناول منه سهما فوضعه (3) في كبد القوس ثم انتزع ورمى وسط الغرض فنصبه فيه، ثم رمى فيه الثانية فشق فوق سهمه إلى نصله، ثم تابع الرمي حتى شق تسعة أسهم (4) بعضها في جوف بعض، وهشام يضطرب في مجلسه، فلم يتمالك أن قال: أجدت يا أبا جعفر، وأنت أرمى العرب والعجم، كلا زعمت أنك قد كبرت عن الرمي. ثم أدركته ندامة على ما قال.
وكان هشام لا يكني أحدا قبل أبي ولا بعده في خلافته، فهم به وأطرق إطراقة يرتأي فيه رأيا، وأبي واقف بحذائه مواجها له، وأنا وراء أبي.
فلما طال وقوفنا بين يديه غضب أبي فهم به، وكان أبي إذا غضب نظر إلى السماء نظر غضبان يتبين للناظر الغضب في وجهه، فلما نظر هشام ذلك من أبي قال له: يا محمد، اصعد، فصعد أبي إلى سريره وأنا أتبعه، فلما دنا من هشام قام إليه فاعتنقه وأقعده عن يمينه، ثم اعتنقني وأقعدني عن يمين أبي، ثم أقبل على أبي بوجهه فقال له: يا محمد، لا تزال العرب والعجم تسودها قريش ما دام فيهم مثلك، ولله درك، من علمك هذا الرمي؟ وفي كم تعلمته؟
فقال له أبي: قد علمت أن أهل المدينة يتعاطونه، فتعاطيته أيام حداثتي، ثم تركته، فلما أراد أمير المؤمنين مني ذلك عدت إليه (5).
فقال له: ما رأيت مثل هذا الرمي قط مذ عقلت، وما ظننت أن في الأرض أحدا
____________
(1) في " ع، م ": وظن.
(2) في " ط ": تعفيني فلم يقبل وقال: لا والذي.
(3) في " ط ": فتناولها منه أبي وتناول منه الكنانة فوضع سهما.
(4) في " ط " زيادة: فصار.
(5) في " ع، م ": فيه.
فقال: إنا نحن نتوارث الكمال والتمام اللذين أنزلهما الله على نبيه (عليه السلام) في قوله: * (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا) * (1) والأرض لا تخلو ممن يكمل (2) هذه الأمور التي يقصر عنها غيرنا.
قال: فلما سمع ذلك من أبي انقلبت عينه اليمنى فاحولت واحمر وجهه، وكان ذلك علامة غضبه إذا غضب، ثم أطرق هنيئة، ثم رفع رأسه فقال لأبي: ألسنا بنو عبد مناف نسبنا ونسبكم واحد؟ فقال أبي: نحن كذلك، ولكن الله (جل ثناؤه) اختصنا من مكنون سره وخالص علمه، بما لم يختص أحدا به غيرنا.
فقال: أليس الله (جل ثناؤه) بعث محمدا (صلى الله عليه وآله) من شجرة عبد مناف إلى الناس كافة، أبيضها وأسودها وأحمرها، من أين ورثتم ما ليس لغيركم؟ ورسول الله مبعوث إلى الناس كافة، وذلك قول الله (تبارك وتعالى): * (ولله ميراث السماوات والأرض) * (3) إلى آخر الآية، فمن أين ورثتم هذا العلم وليس بعد محمد نبي ولا أنتم أنبياء؟
فقال: من قوله (تعالى) لنبيه (عليه السلام): * (لا تحرك به لسانك لتعجل به) * (4) فالذي أبداه فهو للناس كافة، والذي لم يحرك به لسانه، أمر الله (تعالى) أن يخصنا به من دون غيرنا.
فلذلك كان يناجي أخاه عليا من دون أصحابه، وأنزل الله بذلك قرآنا في قوله (تعالى): * (وتعيها أذن واعية) * (5) فقال رسول الله لأصحابه: سألت الله (تعالى) أن يجعلها أذنك يا علي، فلذلك قال علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه) بالكوفة: علمني رسول الله (صلى الله عليه وآله) ألف باب من العلم يفتح من كل باب ألف باب، خصه به رسول
____________
(1) المائدة 5: 3.
(2) في " ط ": يعني ورضيت لكم الاسلام دينا فالأرض ممن يكمل دينه لا تخلو، فكان ذلك علامة، وفي " م ":
والأرض لا تخلو ممن يكمل وجهه، وكان ذلك علامة.
(3) آل عمران 3: 180، الحديد 57: 10.
(4) القيامة 75: 16.
(5) الحاقة 69: 12.
فقال له هشام: إن عليا كان يدعي علم الغيب، والله لم يطلع على غيبه أحدا فمن أين ادعى ذلك؟
فقال أبي: إن الله (جل ذكره) أنزل على نبيه كتابا بين فيه ما كان وما يكون إلى يوم القيامة، في قوله: * (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين) * (1).
وفي قوله: * (كل شئ أحصيناه في إمام مبين) * (2).
وفي قوله: * (ما فرطنا في الكتاب من شئ) * (3).
وفي قوله: * (وما من غائبة في السماء والأرض إلا في كتاب مبين) * (4).
وأوحى الله (تعالى) إلى نبيه (عليه السلام) أن لا يبقي في غيبه وسره ومكنون علمه شيئا إلا يناجي به عليا، فأمره أن يؤلف القرآن من بعده، ويتولى غسله وتكفينه وتحنيطه من دون قومه، وقال لأصحابه: حرام على أصحابي وأهلي أن ينظروا إلى عورتي غير أخي علي، فإنه مني وأنا منه، له مالي وعليه ما علي، وهو قاضي ديني ومنجز موعدي.
ثم قال لأصحابه: علي بن أبي طالب يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت (5) على تنزيله.
ولم يكن عند أحد تأويل القرآن بكماله وتمامه إلا عند علي (عليه السلام)، ولذلك قال رسول الله لأصحابه: أقضاكم علي، أي هو قاضيكم.
وقال عمر بن الخطاب: لولا علي لهلك عمر. أفيشهد (6) له عمر ويجحد غيره؟!
____________
(1) النحل 16: 89، وفي " م، ط، ع ": (هدى وموعظة للمتقين).
(2) يس 36: 12.
(3) الأنعام 6: 38.
(4) النمل 27: 75.
(5) في " م ": قاتل.
(6) في " ع، م ": يشهد.
فقال: خلفت أهلي وعيالي مستوحشين لخروجي.
فقال: قد آمن الله وحشتهم برجوعك إليهم ولا تقم أكثر من يومك. فاعتنقه أبي ودعا له وودعه، وفعلت أنا كفعل أبي، ثم نهض ونهضت معه.
وخرجنا إلى بابه وإذا ميدان ببابه، وفي آخر الميدان أناس قعود عدد كثير، قال أبي: من هؤلاء؟ قال الحجاب: هؤلاء القسيسون والرهبان، وهذا عالم لهم، يقعد لهم في كل سنة يوما واحدا يستفتونه فيفتيهم.
فلف أبي عند ذلك رأسه بفاضل ردائه، وفعلت أنا مثل فعل أبي، فأقبل نحوهم حتى قعد عندهم (1)، وقعدت وراء أبي، ورفع ذلك الخبر إلى هشام، فأمر بعض غلمانه أن يحضر الموضع فينظر ما يصنع أبي، فأقبل وأقبل عدد من المسلمين فأحاطوا بنا، وأقبل عالم النصارى وقد شد حاجبيه بحريرة (2) صفراء حتى توسطنا، فقام إليه جميع القسيسين والرهبان مسلمين عليه، فجاء إلى صدر المجلس فقعد فيه، وأحاط به أصحابه، وأبي وأنا بينهم، فأدار نظره ثم قال لأبي: أمنا أم من هذه الأمة المرحومة؟
فقال أبي: بل من هذه الأمة المرحومة.
فقال: أمن علمائها أم من جهالها؟ فقال له أبي: لست من جهالها؟ فاضطرب اضطرابا شديدا، ثم قال له: أسألك. فقال له أبي: سل.
فقال: من أين ادعيتم أن أهل الجنة يأكلون (3) ويشربون ولا يحدثون ولا يبولون؟ وما الدليل فيما تدعونه من شاهد لا يجهل؟ فقال له أبي: دليل ما ندعي من شاهد لا يجهل (4) الجنين في بطن أمه يطعم ولا يحدث.
قال: فاضطرب النصراني اضطرابا شديدا ثم قال: كلا، زعمت أنك لست من علمائها! فقال له أبي: ولا من جهالها، وأصحاب هشام يسمعون ذلك.
____________
(1) في " ع، م ": نحوهم.
(2) في " ط ": بعصابة.
(3) في " ع " وأمان الأخطار وفي " م ": نسخة بدل زيادة: يطعمون.
(4) في " ط ": قال أبي: الدليل الذي لا ينكر مشاهدة.
فقال: من أين ادعيتم أن فاكهة الجنة أبدا غضة طرية موجودة غير معدومة عند جميع أهل الجنة، لا تنقطع، وما الدليل فيما تدعونه من شاهد لا يجهل؟
فقال له أبي: دليل ما ندعي أن ترابنا (1) أبدا غض طري موجود غير معدوم عند جميع أهل الدنيا (2) لا ينقطع.
فاضطرب النصراني اضطرابا شديدا، ثم قال: كلا، زعمت أنك لست من علمائها! فقال له أبي: ولا من جهالها.
فقال: أسألك عن مسألة. فقال له: سل.
قال: أخبرني عن ساعة من ساعات الدنيا ليست من ساعات الليل ولا من ساعات النهار.
فقال له أبي: هي الساعة التي بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، يهدأ فيها المبتلى، ويرقد فيها الساهر، ويفيق المغمى عليه، جعلها الله في الدنيا رغبة للراغبين، وفي الآخرة للعاملين لها، ودليلا واضحا وحجابا بالغا على الجاحدين المنكرين التاركين لها.
قال: فصاح النصراني صيحة، ثم قال: بقيت مسألة واحدة، والله لأسألنك عنها، ولا تهتدي إلى الجواب عنها أبدا. فأسألك؟ فقال له أبي: سل فإنك حانث في يمينك.
فقال: أخبرني عن مولودين ولدا في يوم واحد، وماتا في يوم واحد، عمر أحدهما خمسون ومائة سنة، والآخر خمسون سنة في دار الدنيا.
فقال له أبي: ذلك عزير وعزرة، ولدا في يوم واحد، فلما بلغا مبلغ الرجال خمسة وعشرين عاما، مر عزير وهو راكب على حماره بقرية بأنطاكية وهي خاوية على عروشها، فقال: أنى يحيي هذه الله بعد موتها؟! وقد كان الله اصطفاه وهداه، فلما قال ذلك القول غضب الله عليه فأماته مائة عام سخطا عليه بما قال.
____________
(1) في " ط ": الفرات، وفي " ع، م ": قرآننا. وما أثبتناه من أمان الأخطار والبحار.
(2) في " ع، م ": جميع المسلمين، وما أثبتناه من أمان الأخطار والبحار.