الصفحة 239

ثم بعثه على حماره بعينه وطعامه وشرابه، فعاد إلى داره وعزرة أخوه لا يعرفه، فاستضافه فأضافه، وبعث إلى ولد عزرة وولد ولده (1) وقد شاخوا، وعزير شاب في سن ابن خمس وعشرين سنة، فلم يزل عزير يذكر أخاه وولده وقد شاخوا، وهم يذكرون ما يذكرهم (2)، ويقولون: ما أعلمك بأمر قد مضت عليه السنون والشهور (3)؟! ويقول له عزرة وهو شيخ ابن مائة وخمس وعشرين سنة: ما رأيت شابا في سن خمس وعشرين سنة أعلم بما كان بيني وبين أخي عزير أيام شبابي منك، فمن أهل السماء أنت أم من أهل الأرض؟

فقال عزير لأخيه عزرة: أنا عزير، سخط الله علي بقول قلته بعد أن اصطفاني وهداني، فأماتني مائة سنة، ثم بعثني لتزدادوا بذلك يقينا أن الله على كل شئ قدير، وها هو حماري وطعامي وشرابي الذي خرجت به من عندكم، أعاده الله لي كما كان، فعندها أيقنوا (4)، فأعاشه الله بينهم خمسا وعشرين سنة ثم قبضه الله وأخاه في يوم واحد.

فنهض عالم النصارى عند ذلك قائما، وقام النصارى على أرجلهم فقال لهم عالمهم:

جئتموني بأعلم مني وأقعدتموه معكم حتى يهتكني ويفضحني، وأعلم المسلمين أن لهم من أحاط بعلومنا وعنده ما ليس عندنا، لا والله لا أكلمكم من رأسي كلمة، ولا قعدت لكم إن عشت سنة.

فتفرقوا وأبي قاعد مكانه وأنا معه، ورفع ذلك في الخبر إلى هشام بن عبد الملك، فلما تفرق الناس نهض أبي وانصرف إلى المنزل الذي كنا فيه، فوافانا (5) رسول هشام بالجائزة، وأمرنا أن ننصرف إلى المدينة من ساعتنا ولا نحتبس، لأن الناس ماجوا وخاضوا فيما جرى بين أبي وبين عالم النصارى.

____________

(1) في " ط ": وبعث إلى أولاده وأحفاده.

(2) في " م، ط ": يذكره.

(3) (ويقولون... الشهور) ليس في " ط ".

(4) في " ط ": كان بقدرته.

(5) في " م ": فإذا.


الصفحة 240
فركبنا دوابنا منصرفين، وقد سبقنا بريد من عند هشام إلى عامل مدين (1) على طريقنا إلى المدينة (2): " إن ابني أبي تراب الساحرين (3) محمد بن علي وجعفر بن محمد الكذابين - بل هو الكذاب (لعنه الله) - فيما يظهران من الاسلام وردا علي، فلما صرفتهما إلى المدينة مالا إلى القسيسين والرهبان من كفار النصارى (4)، وتقربا إليهم بالنصرانية، فكرهت أن أنكل بهما لقرابتهما، فإذا قرأت كتابي هذا فناد (5) في الناس: برئت الذمة ممن يشاريهما، أو يبايعهما، أو يصافحهما، أو يسلم عليهما، فإنهما قد ارتدا عن الاسلام، ورأي أمير المؤمنين أن تقتلهما ودوابهما وغلمانهما ومن معهما شر قتلة ".

قال: فورد البريد إلى مدين، فلما شارفنا مدينة مدين قدم أبي غلمانه ليرتادوا له منزلا ويشتروا لدوابنا علفا، ولنا طعاما.

فلما قرب غلماننا من باب المدينة أغلقوا الباب في وجوهنا وشتمونا، وذكروا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه)، وقالوا: لا نزول لكم عندنا، ولا شراء ولا بيع، يا كفار، يا مشركين، يا مرتدين، يا كذابين، يا شر الخلائق أجمعين.

فوقف غلماننا على الباب حتى انتهينا إليهم، فكلمهم أبي ولين لهم القول، وقال لهم: اتقوا الله ولا تغلطوا، فلسنا كما بلغكم ولا نحن كما تقولون، فاسمعونا، فأجابوه بمثل ما أجابوا الغلمان، فقال لهم أبي: فهبنا كما تقولون، افتحوا لنا الباب، وشارونا وبايعونا كما تشارون وتبايعون اليهود والنصارى والمجوس.

فقالوا: أنتم أشر من اليهود والنصارى والمجوس، لأن هؤلاء يؤدون الجزية وأنتم ما تؤدون.

____________

(1) مدينة تجاه تبوك بين المدينة والشام " آثار البلاد: 261 ".

(2) في " ط " زيادة: يذكر له.

(3) في " ط ": الساحر.

(4) في الأمان زيادة: وأظهرا لهما دينهما ومرقا من الاسلام إلى الكفر - دين النصارى -.

(5) في " ط ": فإذا مرا بانصرافهما عليكم فليناد.


الصفحة 241
فقال لهم أبي: افتحوا لنا الباب وأنزلونا، وخذوا منا الجزية كما تأخذون منهم.

فقالوا: لا نفتح، ولا كرامة لكم حتى تموتوا على ظهور دوابكم جياعا نياعا (1) وتموت دوابكم تحتكم. فوعظهم أبي فازدادوا عتوا ونشوزا.

قال: فثنى أبي رجله عن سرجه ثم قال لي: مكانك - يا جعفر - لا تبرح. ثم صعد الجبل المطل على مدينة مدين، وأهل مدين ينظرون إليه ما يصنع، فلما صار في أعلاه استقبل بوجهه المدينة وحده، ثم وضع إصبعيه في أذنيه ثم نادى بأعلى صوته:

* (وإلى مدين أخاهم شعيبا - إلى قوله (عز وجل) - بقيت الله خير لكم إن كنتم مؤمنين) * (2) نحن والله: بقية الله في أرضه.

فأمر الله (تعالى) ريحا سوداء مظلمة، فهبت واحتملت صوت أبي فطرحته في أسماع الرجال والنساء والصبيان (3)، فما بقي أحد من الرجال والنساء والصبيان إلا صعد السطوح وأبي مشرف عليهم.

وصعد فيمن صعد شيخ من أهل مدين كبير السن، فنظر إلى أبي على الجبل، فنادى بأعلى صوته: اتقوا الله يا أهل مدين، فإنه قد وقف الموقف الذي وقف فيه شعيب (عليه السلام) حين دعا على قومه، فإن أنتم لم تفتحوا له الباب ولم تنزلوه، جاءكم من الله العذاب وأتى عليكم، وقد أعذر من أنذر. ففزعوا وفتحوا الباب وأنزلونا.

وكتب العامل (4) بجميع ذلك إلى هشام فارتحلنا في اليوم الثاني، فكتب هشام إلى عامل مدين يأمره بأن يأخذ الشيخ فيطمره (5)، فأخذوه فطمروه (رحمة الله عليه).

وكتب إلى عامل مدينة الرسول أن يحتال في سم أبي في طعام أو شراب، فمضى هشام ولم يتهيأ له في أبي شئ من ذلك.(6)

163 / 27 - وحدثنا أبو المفضل محمد بن عبد الله، قال: حدثنا أبو العباس

____________

(1) النائع: العطشان، والمتمايل جوعا. " المعجم الوسيط 2: 963 ".

(2) هود 11: 84 - 86.

(3) في " ط " زيادة: والإماء.

(4) (العامل) ليس في " ع، م ".

(5) أي يدفنه، انظر " القاموس المحيط - طمر - 2: 81 ".

(6) نوادر المعجزات: 127 / 1، الأمان من الأخطار: 66، البحار 46: 306 / 1، مدينة المعاجز: 332 / 44.


الصفحة 242
أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة، عن يحيى بن زكريا، عن الحسن بن محبوب الزراد، عن محمد بن سنان، عن المفضل بن عمر الجعفي، عن جابر بن يزيد الجعفي، قال:

مررت بعبد الله بن الحسن بن الحسن فلما رآني سبني وسب الباقر (عليه السلام)، فجئت إلى أبي جعفر (عليه السلام) فلما بصرني قال: يا جابر - متبسما - مررت بعبد الله بن الحسن فسبك وسبني.

قال: قلت: نعم يا سيدي، فدعوت الله عليه.

فقال لي: أول داخل يدخل عليك هو. فإذا هو قد دخل، فلما جلس قال له الباقر (عليه السلام): ما جاء بك يا عبد الله؟

قال: أنت الذي تدعي ما تدعي.

قال له الباقر (عليه السلام): ويلك، قد أكثرت فقال: يا جابر. قلت: لبيك.

قال: احفر في الدار حفيرة، قال: فحفرت، ثم قال: ائتني بحطب فألقه فيها.

قال: ففعلت، ثم قال: اضرمه نارا. ففعلت، ثم قال: يا عبد الله بن الحسن، قم فأدخلها واخرج منها إن كنت صادقا.

قال عبد الله: قم فادخل أنت قبلي.

فقام أبو جعفر (عليه السلام) ودخلها، حتى لم يزل يدوسها برجل، ويدور فيها حتى جعلها رمادا رمددا (1) ثم خرج فجاء وجلس، وجعل يمسح العرق والعرق ينضح (2) من وجهه.

ثم قال: قم قبحك الله، فما أقرب ما يحل بك كما حل بمروان بن الحكم وبولده! (3)

164 / 28 - وأخبرني أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى، قال: حدثنا أبي (رضي الله عنه)، قال: أخبرني أبو جعفر محمد بن أحمد بن الوليد، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن فروخ، عن عبد الله بن الحجال، عن ثعلبة، عن أبي حازم يزيد غلام

____________

(1) الرماد الرمدد: المتناهي في الاحتراق والدقة " لسان العرب - رمد - 3: 185 ".

(2) في " ط ": ينضج منه فيمسحه.

(3) إثبات الهداة 5: 319 / 87، مدينة المعاجز: 340 / 62.


الصفحة 243
عبد الرحمن، قال: كنت مع أبي جعفر (عليه السلام) بالمدينة فنظر إلى دار هشام بن عبد الملك التي بناها بأحجار الزيت، فقال: أما والله لتهدمن، أما والله لتندر (1) أحجار الزيت (2)، أما والله إنه لموضع النفس الزكية.

فسمعت هذا منه وتعجبت، وقلت: من يهدم هذه الدار وهشام بناها، وهو أمير المؤمنين! ورأت عيني حيث مات هشام بعث الوليد بن يزيد فهدمها، ونقلها حتى ندرت أحجار الزيت.(3)

____________

(1) ندر الشئ: سقط (لسان العرب - ندر - 5: 199).

(2) موضع بالمدينة داخلها (معجم البلدان 1: 109).

(3) كشف الغمة 2: 137، مدينة المعاجز: 340 / 63.


الصفحة 244

الصفحة 245

أبو عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام)

معرفة ولادته

قال أبو محمد الحسن بن علي الثاني (عليه السلام): ولد (عليه السلام) بالمدينة سنة ثلاث وثمانين من الهجرة (1).

وأقام مع جده علي بن الحسين اثنتي عشرة سنة، ومع أبيه بعد جده تسع عشرة سنة، وعاش بعد أبيه أيام إمامته أربعا وثلاثين سنة.(2)

وكانت مدة إمامته ملك (3) إبراهيم بن الوليد، وملك مروان بن محمد الحمار، ثم سارت المسودة من أرض خراسان مع أبي مسلم سنة ثلاثين ومائة، وملك أبي العباس السفاح أربع سنين وأربعة أشهر، وأيام ملك أخيه أبي (4) عبد الله المعروف بأبي جعفر

____________

(1) تاريخ الأئمة: 10، الكافي 1: 393، الارشاد: 271، روضة الواعظين: 212، وروي أيضا سنة (80 هـ) انظر: تاريخ مواليد الأئمة: 185، كشف الغمة 2: 155.

(2) إعلام الورى: 272، مناقب ابن شهرآشوب 4: 280، وروي غير ذلك في هذه التواريخ، انظر تاريخ الأئمة: 11، تاريخ مواليد الأئمة: 186.

(3) ذكر في إعلام الورى: 272 وتاج المواليد: 119 و 120 قبل إبراهيم بن الوليد: بقية ملك هشام بن عبد الملك، وملك الوليد بن يزيد ويزيد بن الوليد، وهو الصواب لأن إمامته (عليه السلام) بدأت سنة 114 هـ وامتد ملك هشام بين (105 - 125 هـ).

(4) في " ط ": السفاح سنة اثنتين وثلاثين وذلك أربع سنين وأربعة أشهر، ثم ملك أخيه.


الصفحة 246
المنصور إحدى وعشرين سنة وأحد عشر شهرا وأياما (1).

وبعد ما مضت عشر سنين من ملكه، قبض ولي الله جعفر بن محمد في شوال (2) سنة ثمان وأربعين ومائة من الهجرة، سمه المنصور فقتله (3).

ومضى وقد كمل عمره خمسا وستين سنة (4).

وروى أبو الحسين يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبيد الله (5) أنه قبض وهو ابن ثمان وستين سنة. (6) ويروى سبع وستين، والأول أصح، لأنني نقلته من أصل لأبي علي محمد ابن همام (7) (رحمه الله).

ودفن بالبقيع مع جده وأبيه (8).

وبوابه:

المفضل بن عمر (9).

نسبه

جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم.

____________

(1) مناقب ابن شهرآشوب 4: 280.

(2) وقيل في النصف من رجب، انظر مناقب ابن شهرآشوب 4: 280، إعلام الورى: 271، مصباح الكفعمي: 523، تاج المواليد: 120.

(3) مناقب ابن شهرآشوب 4: 280.

(4) تاريخ الأئمة: 10، الكافي 1: 393، الارشاد: 271، روضة الواعظين: 212.

(5) ترجم له النجاشي في رجاله: 441 ووصفه بالعالم الفاضل الصدوق، وذكر له كتابا في نسبة آل أبي طالب.

(6) تاريخ مواليد الأئمة: 185، كشف الغمة 2: 161.

(7) قال النجاشي في رجاله: 379: شيخ أصحابنا ومتقدمهم، له منزلة عظيمة... له كتاب الأنوار في تاريخ الأئمة (عليه السلام).

(8) تاريخ الأئمة، 31، الكافي 1: 393، الارشاد: 271، تاج المواليد: 120، تاريخ مواليد الأئمة: 187.

(9) تاريخ الأئمة: 33، نور الأبصار: 294، والذي في مناقب ابن شهرآشوب 4: 280: محمد بن سنان.


الصفحة 247

ويكنى:

أبا عبد الله (1).

ولقبه:

الصادق، والعاطر، والطاهر (2).

وإليه تنسب الجعافرة (3)، والشيعة الجعفرية (4).

نقش خاتمه (عليه السلام)

وكان له خاتم نقشه: الله ربي، عصمني من خلقه (5).

ذكر ولده

إسماعيل، وموسى الإمام (عليه السلام)، ومحمد، وعلي، و عبد الله، وإسحاق، وابنه اسمها أم فروة، وهي التي زوجها من ابن عمه الخارج مع زيد بن علي (عليه السلام) (6).

____________

(1) ويكنى (عليه السلام) أيضا بأبي إسماعيل وأبي موسى. انظر: تاريخ مواليد الأئمة: 188، مناقب ابن شهرآشوب 4: 281، كشف الغمة 2: 155.

(2) ويلقب (عليه السلام) أيضا بالفاضل والقائم والكافل والمنجي والصابر. انظر: تاريخ مواليد الأئمة: 187، مناقب ابن شهرآشوب 4: 281، كشف الغمة 2: 155.

(3) في " ع، م ": الجعافير.

(4) (الجعفرية) ليس في " ع، م ".

(5) العدد القوية: 148 / 65، وفيه: ربي عصمني من خلقه: وقيل: أنت ثقتي فاعصمني من خلقك، وقيل: الله عوني وعصمتي من الناس.

(6) زيد في بعض المصادر: العباس ويحيى وأسماء وفاطمة وفاطمة الصغرى. انظر الارشاد: 284، مناقب ابن شهرآشوب 4: 280، كشف الغمة 2: 161.


الصفحة 248

وأمه:

فاطمة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر وتكنى أم فروة وأمها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر (1).

وروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: إذا ولد جعفر بن محمد بن علي ابن الحسين ابني فسموه (الصادق) (2) فإنه يولد من ولد ابنه ولد يقال له (جعفر الكذاب) ويل له من جرأته على الله وتعديه على أخيه صاحب الحق، وإمام زمانه وأهل بيتي (3).

فلأجل ذلك سمي الصادق (4).

ذكر معجزاته (عليه السلام)

165 / 1 - قال أبو جعفر: حدثنا أبو محمد عبد الله، قال: قال لي عبد الله بن بشر: سمعت الأحوص (5) يقول: كنت مع الصادق (عليه السلام) إذ سأله قوم عن كأس الملكوت، فرأيته وقد تحدر نورا، ثم علا حتى أنزل تلك (6) الكأس فأدارها على أصحابه، وهي كأس مثل البيت الأعظم (7)، أخف من الريش، من نور محضور (8)، مملوء شرابا.

ثم قال (عليه السلام) (9): لو علمتم بنور الله لعاينتم هذا في الآخرة.(10)

166 / 2 - قال أبو جعفر: وحدثنا سفيان، عن وكيع، عن الأعمش، عن قيس ابن خالد، قال: رأيت الصادق (عليه السلام) وقد رفع منارة النبي (صلى الله عليه وآله) بيده

____________

(1) تاريخ الأئمة: 25، الكافي 1: 393، الارشاد: 271.

(2) في " ط ": بالصادق.

(3) (وأهل بيتي) ليس في " ط ".

(4) الهداية الكبرى: 248، مناقب ابن شهرآشوب 4: 272.

(5) في " ع، م ": الأخوص.

(6) في " ع، م ": ذلك.

(7) في " ط ": العظيم.

(8) في " ط ": محصور، وفي " م ": محفور.

(9) في " ع، م ": فقال لي.

(10) نوادر المعجزات: 136 / 1، مدينة المعاجز: 356 / 4.


الصفحة 249
اليسرى، وحيطان القبر بيده اليمنى، ثم بلغ بهما عنان السماء ثم قال (عليه السلام): أنا جعفر، أنا النهر الأغور (1)، أنا صاحب الآيات الأقمر (2)، أنا ابن شبير وشبر.(3)

167 / 3 - قال أبو جعفر: وحدثنا أبو محمد، قال: حدثنا عمارة بن زيد، قال:

حدثنا إبراهيم بن سعد، قال: رأيت الصادق (عليه السلام) وقد جئ إليه بسمك مملوح، فمسح يده على سمكة فمشت بين يديه، ثم ضرب بيده إلى الأرض فإذا دجلة والفرات تحت قدميه، ثم أرانا سفن البحر، ثم أرانا مطلع الشمس ومغربها في أسرع من لمح البصر (4).

168 / 4 - قال أبو جعفر: وحدثنا أبو محمد سفيان، عن وكيع، عن عبد الله بن قيس، عن أبي مناقب (5) الصدوحي، قال: رأيت أبا عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام) وقد سئل عن مسألة، فغضب حتى امتلأ منه مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله) وبلغ أفق السماء، وهاجت لغضبه ريح سوداء حتى كادت تقلع المدينة، فلما هدأ، هدأت لهدوئه، فقال (عليه السلام): لو شئت لقلبتها (6) على من عليها، ولكن رحمة الله وسعت كل شئ (7).

169 / 5 - قال أبو جعفر: وحدثنا عبد الله، قال: حدثنا عمارة بن زيد، قال:

حدثنا إبراهيم بن سعد، قال: قلت للصادق (عليه السلام): أتقدر أن تمسك الشمس بيدك؟

فقال (عليه السلام): لو شئت لحجبتها عنك. فقلت: أفعل. قال: فرأيته وقد جرها كما تجر الدابة بعنانها، فاسودت وانكسفت (8)، وذلك بعين أهل المدينة كلهم حتى ردها (9).

170 / 6 - قال أبو جعفر: وحدثنا أبو محمد سفيان، عن أبيه، عن الأعمش،

____________

(1) في " ط ": الأزخر، والأغور: العميق، والأزخر: الممتلئ.

(2) أي الأبيض.

(3) نوادر المعجزات: 137 / 2، إثبات الهداة 5: 453 / 227، مدينة المعاجز: 356 / 5.

(4) نوادر المعجزات: 137 / 3، إثبات الهداة 5: 453 / 228، مدينة المعاجز: 357 / 6.

(5) في " ط ": أبي قباقب، وفي " ع ": أبي قناقب.

(6) في " ع، م ": قلبتها.

(7) نوادر المعجزات: 138 / 4، إثبات الهداة 5: 453 / 229، مدينة المعاجز: 357 / 7.

(8) في " ط ": وانكشفت.

(9) نوادر المعجزات: 138 / 5، إثبات الهداة 5: 453 / 230، مدينة المعاجز: 357 / 8.


الصفحة 250
عن إبراهيم بن وهب، قال: أوتي أبو عبد الله بشاة عجفاء (1) حائل (2)، فمسح ضرعها فدرت لبنا واستوت (3).

171 / 7 - قال أبو جعفر: وحدثنا أبو محمد سفيان، عن أبيه، عن الأعمش، عن قبيصة بن وائل، قال: كنت مع الصادق (عليه السلام) حتى غاب، ثم رجع ومعه عذق من الرطب، وقال: كانت رجلي اليمنى على كتف (4) جبرئيل، واليسرى على كتف ميكائيل، حتى لحقت بالنبي (5) وعلي وفاطمة والحسن والحسين وعلي وأبي (عليهم السلام) فحبوني (6) بهذا لي ولشيعتي (7).

172 / 8 - قال أبو جعفر: حدثنا أبو محمد عبد الله، قال: حدثني عمارة، عن ابن سعد، قال: كنت عند أبي عبد الله جعفر الصادق (عليه السلام) وقد أظلتنا هاجرة صعبة، فاظهر لنا ثلجا وعسلا ونهرا يجري في داره بالمدينة من غير حفر حيث (8) لا ثلج ولا عسل ولا ماء جاريا.(9)

173 / 9 - قال أبو جعفر: وحدثنا أحمد بن منصور الرمادي (10)، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: حدثنا مهلب بن قيس، قال: قلت للصادق (عليه السلام): بأي شئ يعرف العبد إمامه؟

قال: أن يفعل كذا. ووضع يده على حائط، فإذا الحائط ذهب، ثم وضع يده

____________

(1) العجفاء: المهزولة.

(2) الحائل: التي لا تلد من الإناث.

(3) نوادر المعجزات: 139 / 6، إثبات الهداة 5: 454 / 231، مدينة المعاجز: 357 / 9. وهذا الحديث ساقط من " ع ".

(4) في " ط ": كف، وكذا في الموضع الآتي.

(5) في " ط ": ميكائيل، فصرت إلى النبي.

(6) حباه: أعطاه.

(7) في " ع، م ": فحبوني لتطعم أوليائي وشيعتي. نوادر المعجزات: 139 / 7، إثبات الهداة 5: 454 / 232، مدينة المعاجز: 357 / 10.

(8) في " ع، م ": داره في غير حفر وذلك بالمدينة حيث.

(9) نوادر المعجزات: 140 / 8، إثبات الهداة 5: 454 / 233، مدينة المعاجز: 357 / 11.

(10) في " ط ": الرشادي.


الصفحة 251
على أسطوانة فأورقت من ساعتها (1)، ثم قال: بهذا يعرف الإمام.(2)

174 / 10 - قال أبو جعفر: حدثنا عبد الله، قال: حدثنا عمارة بن زيد، قال:

حدثنا إبراهيم بن سعد، قال: حدثنا الليث بن إبراهيم، قال: صحبت جعفر بن محمد (عليه السلام) حتى أتى الغري في ليلة من المدينة، وأتى الكوفة ثم رأيته مشى على الماء، وعاد إلى المدينة ولم ينقض (3) من الليلة شئ (4).

175 / 11 - وروى عبد الله بن حماد، عن أبي بصير وداود الرقي ومعاوية بن عمار و عبد الله بن سنان، جميعا قالوا: كنا بالمدينة حين بعث داود بن علي إلى المعلى بن خنيس (رضي الله عنه) فقتله، فجلس عنه أبو عبد الله (عليه السلام) شهرا لم يأته، فبعث إليه ودعاه، فأبى أن يأتيه، فبعث إليه عشرة نفر من الحرس وقال لهم: ائتوني به، فإن أبى فآتوني برأسه.

فدخلوا عليه وهو يصلي، ونحن معه، صلاة الزوال، فقالوا له: أجب الأمير داود ابن علي. فأبى، فقالوا: إن لم تجب قتلناك.

فقال: ما أظنكم تقتلون ابن رسول الله.

فقالوا: ما ندري ما تقول، وما نعرف إلا الطاعة.

قال: انصرفوا فإنه خير لكم.

قالوا: لا نرجع إليه إلا بما أمرنا.

فلما علم أن القوم لا ينصرفون إلا بما أمروا به رأيناه وقد رفع يديه إلى السماء ثم وضعهما على منكبيه، ثم بسطهما، ثم دعا مشيرا بسبابته، فسمعنا: الساعة الساعة.

حيت سمعنا صراخا عاليا فقالوا: قم.

فقال: إن (5) صاحبكم قد مات، وهذا الصراخ عليه. فانصرفوا والناس قد

____________

(1) في " ط ": الأسطوانة فأورقت لساعتها.

(2) نوادر المعجزات: 140 / 9، إثبات الهداة 5: 454 / 234، مدينة المعاجز: 357 / 12.

(3) في " ع، م ": ينقص.

(4) نوادر المعجزات: 141 / 10، إثبات الهداة 5: 454 / 235، مدينة المعاجز: 357 / 13.

(5) في " ط ": صراخا بالمدينة عاليا فقال لهم: انصرفوا فإن.


الصفحة 252
حضروه، فقالوا: انشقت مثانته فمات.

قال أبو عبد الله (عليه السلام): دعوت الله باسمه الأعظم وابتهلت إليه، فبعث إليه [ملكا] (1) فطعنه بحربة في مذاكيره فكفانا شره.

قالوا: فقلنا: ما الابتهال؟

قال: رفع اليدين إلى جنب المنكبين.

قلنا: والبصبصة؟

فقال: رفع الإصبع وتحريكها يعني السبابة.(2)

176 / 12 - وروى أبو القاسم علي بن الحسن بن القاسم، المعروف بابن الطبال اليشكري (3) الخزاز، - قال: مولدي سنة إحدى وثلاثين ومائتين. وتوفي في سنة تسع وعشرين وثلاثمائة، - من حفظه، قال: سمعت أبا جعفر محمد بن معروف الهلالي، وكان ينزل في عبد القيس، وهو الخزاز، وكان قد أتى عليه من السنين مائة وثمان وعشرون سنة.

قال: مضيت إلى أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام) إلى الحيرة ثلاثة أيام فما قدرت عليه من كثرة الناس، فحيث كان اليوم الرابع أدناني ومضى إلى قبر أمير المؤمنين (عليه السلام)، فمضيت معه فحيث (4) صار في بعض الطريق غمزه (5) البول، فاعتزل عن الجادة فبال، ثم نبش الرمل، فخرج له ماء فتطهر للصلاة، وقام فصلى ركعتين، ودعا ربه.

وكان من دعائه: اللهم لا تجعلني ممن تقدم فمرق، ولا ممن تخلف فمحق،

____________

(1) من البصائر.

(2) نحوه في بصائر الدرجات: 237 / 2، ومناقب ابن شهرآشوب 4: 230، مدينة المعاجز: 358.

(3) كذا في " ع، م " وفرحة الغري، وفي " ط ": البكري، وفي رجال الطوسي: 481، القشيري، وقال: روى عنه التلعكبري وسمع منه سنة تسع وعشرين وثلاثمائة، وذكر أنه سمع منه أحاديث محمد بن معروف الهلالي، عن أبي عبد الله (عليه السلام).

(4) أي فحين، انظر " لسان العرب - حيث - 2: 141 و - حين - 13: 135 ".

(5) في " ط ": وهو بالحيرة فما استطعت أن أصل إليه من كثرة الزحام ثلاثة أيام، ثم ساپرته فغمزه.


الصفحة 253
واجعلني من النمط الأوسط.

وقال لي [يا] (1) غلام: لا تحدث بما رأيت.

وقال (عليه السلام): ليس للبحر جار، ولا للملك صديق، ولا للعافية ثمن، وكم من نائم و [هو] (2) لا يعلم [ما يلقى] (3).

177 / 13 - حدثنا القاضي أبو الفرج المعافى، قال: حدثنا الحسين بن القاسم الكوكبي، قال: حدثنا أبو جعفر أحمد بن وهب، قال: حدثنا عمرو بن محمد الأزدي عن ثمامة بن أشرس، عن محمد بن راشد، عن أبيه، قال: جاء رجل إلى أبي عبد الله (عليه السلام) فقال: يا بن رسول الله، إن حكيم بن عباس الكلبي ينشد الناس بالكوفة هجاءكم.

فقال: هل علقت (4) منه بشئ؟ قال: بلى. فأنشده:


صلبنا لكم زيدا على جذع نخلةولم نر مهديا على الجذع يصلب
وقستم بعثمان عليا سفاهةوعثمان خير من علي وأطيب

فرفع أبو عبد الله (عليه السلام) يديه إلى السماء وهما ينتفضان رعدة، فقال: اللهم إن كان كاذبا فسلط عليه كلبا من كلابك.

قال (5): فخرج حكيم من الكوفة فأدلج (6)، فلقيه الأسد فأكله، فجاءوا بالبشير لأبي عبد الله (عليه السلام) وهو في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأخبره بذلك فخر لله ساجدا، وقال: الحمد لله الذي صدقنا وعده.(7)

178 / 14 - أخبرني أبو الحسين محمد بن هارون، قال: أخبرني أبي، قال:

____________

(1 - 3) أثبتناه من فرحة الغري.

الثاقب في المناقب: 158 / 147، مناقب ابن شهرآشوب 4: 238، فرحة الغري: 59، مدينة المعاجز:

365 / 31.

(4) أي تعلمت، انظر " لسان العرب - علق - 10: 270 ".

(5) في " ع، م ": عليه كلبك.

(6) أي سار آخر الليل، أو الليل كله، انظر " لسان العرب - دلج - 2: 272 ".

(7) نوادر المعجزات: 142 / 11، مدينة المعاجز: 391 / 111، ونحوه في مناقب ابن شهرآشوب 4: 234، وكشف الغمة 2: 203.


الصفحة 254
أخبرني أبو جعفر محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد القمي، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، قال: حدثنا محمد بن خالد البرقي، قال: حدثنا إبراهيم بن محمد الأشعري، عن أبي كهمس، قال: كنت بالمدينة نازلا في دار وفيها وصيفة تعجبني، فانصرفت ليلة ممسيا، فاستفتحت الباب، ففتحت لي، فمددت يدي إلى ثدييها فقبضت عليهما.

فلما كان من الغد دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال: يا أبا كهمس، تب إلى الله (عز وجل) مما صنعت البارحة.(1)

179 / 15 - أخبرني أبو الحسن علي بن هبة الله، قال: حدثنا أبو جعفر، قال:

حدثنا علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن أحمد ابن عبد الله، عن الحسين بن سعيد، عن إبراهيم بن أبي البلاد، عن مهزم، قال: كنا نزولا بالمدينة، وكانت جارية لصاحب الدار تعجبني، وإني أتيت الباب فاستفتحت، ففتحت الجارية، فغمزت يديها (2).

فلما كان من الغد دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال: يا مهزم، أين كان أقصى أثرك (3) اليوم؟

فقلت: ما برحت المسجد.

فقال: أو ما تعلم أن أمرنا لا ينال إلا بالورع؟! (4)

180 / 16 - وروى محمد بن عبد الجبار، عن الحسن بن الحسين اللؤلؤي، عن أحمد بن الحسن الميثمي، عن إبراهيم بن مهزم، قال: خرجت من عند أبي عبد الله (عليه السلام) ليلة ممسيا، فأتيت منزلي بالمدينة، وكانت أمي معي، فوقع بيني وبينها

____________

(1) بصائر الدرجات: 262 / 1، عيون المعجزات: 87، الخرائج والجرائح 2: 728 / 32، الثاقب في المناقب: 414 / 350.

(2) في " ط ": ثديها.

(3) في " ع، م ": يا مهزم لئن كان أقضى أمرك.

(4) بصائر الدرجات: 263 / 2، إعلام الورى: 275، الخرائج والجرائح 2: 728 / 33، مناقب ابن شهرآشوب 4: 226، الثاقب في المناقب: 413 / 348، مدينة المعاجز: 375 / 47.


الصفحة 255
كلام، فأغلظت عليها.

فلما أن كان من الغد صليت الغداة، وأتيت أبا عبد الله (عليه السلام) فقال لي مبتدئا:

يا بن مهزم، مالك وللوالدة أغلظت لها البارحة؟! أوما علمت أن بطنها منزلا قد سكنته، وأن حجرها مهدا قد مهدته، فدر ثديها وعاء قد شربته؟!

قلت: نعم. قال: فلا تغلظ لها.(1)

181 / 17 - وروى الحسين، قال: أخبرنا أحمد بن محمد، عن محمد بن علي، عن محمد بن سنان، عن مهاجر بن عثمان الخولاني، قال: بعثني أبو جعفر (2) إلى المدينة، وبعث معي مالا كثيرا وأمرني أن أتفرغ لأهل هذا البيت، وأتحفظ مواليهم، فلزمت الزاوية التي تلي المنبر، ولم أكن أتنحى عنها وقت كل صلاة، لا في ليل ولا نهار، وأقبلت أطرح إلى السؤال الذين حول القبر الدراهم، وإلى من هو فوقهم الشئ [بعد الشئ] (3)، حتى ناولت شبابا من (4) بني الحسن ومشيخة القوم حتى ألفوني وألفتهم في السر.

قال: وكنت كلما دنوت من أبي عبد الله يلاطفني ويكرمني، حتى إذا كان يوما من الأيام بعد ما نلت حاجتي ممن كنت أريد من بني الحسن وغيرهم، دنوت من أبي عبد الله وهو يصلي، فلما قضى صلاته التفت إلي فقال: يا مهاجر! - ولم أكن أتسمى باسمي ولا أتكنى بكنيتي - فقال: قل لصاحبك: يقول جعفر بن محمد: كان أهل بيتك إلى غير هذا منك أحوج منهم إلى هذا، تجئ إلى شباب محوجين مغمومين، فتدس إليهم، لعل أحدهم يتكلم بكلمة تستحل بها سفك دمه، فلو وصلتهم وتوليتهم وأنلتهم وأغنيتهم كانوا إلى هذا أحوج مما تريد منهم.

قال: فلما أتيت أبا جعفر قلت له: جئتك من عند ساحر، كان من أمره كذا وكذا.

____________

(1) بصائر الدرجات: 263 / 3، الخرائج والجرائح 2: 729 / 34، مدينة المعاجز: 375 / 48.

(2) أي أبو جعفر المنصور الخليفة العباسي.

(3) أثبتناه من الخرائج.

(4) في " ط ": حتى التفت إلي إنسان من.