الصفحة 256

قال: صدق والله، لقد كانوا إلى غير هذا أحوج، وإياك أن يسمع هذا الكلام منك إنسان (1).

182 / 18 - وعنه، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن علي، عن علي، عن إسماعيل ابن زيد (2) عن شعيب بن ميثم، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): يا شعيب، ما أحسن بالرجل يموت وهو لنا ولي، ويوالي ولينا ويعادي عدونا.

قلت: والله، إني لأعلم أن من مات على هذا أنه لعلى حال حسنة.

قال: يا شعيب، أحسن إلى نفسك، وصل قرابتك، وتعاهد إخوانك، ولا تستبدل بالشئ تقول: أدخر لنفسي وعيالي، إن الذي خلقهم هو الذي يرزقهم.

قلت في نفسي: نعى إلي والله نفسي.

قال إسماعيل: فرجع شعيب بن ميثم، فما لبث إلا شهرا حتى مات (3).

183 / 19 - وعنه، قال: أخبرني أحمد بن محمد، عن محمد بن علي، عن علي ابن محمد، عن الحسن، عن أبيه، عن أبي بصير، قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال: ما فعل أبو حمزة الثمالي؟ قلت: خلفته صالحا.

قال: إذا رجعت فأقرئه السلام، وأعلمه أنه يموت في شهر كذا، وفي يوم كذا.

قال أبو بصير: جعلت فداك، والله لقد كان فيه أنس، وكان لكم شيعة.

قال: صدقت، ما عند الله خير له.

قلت: شيعتكم معكم؟

قال: إذا هو خاف الله، وراقب الله، وتوقى الذنوب، فإذا فعل ذلك كان له درجتنا.

قال: فرجعت تلك السنة، فما لبث أبو حمزة إلا يسيرا حتى توفي (رحمه الله) (4).

____________

(1) الخرائج والجرائح 2: 646 / 55.

(2) في " ع ": يزيد، ولعل ما في المتن هو الصواب، انظر معجم رجال الحديث 3: 135.

(3) مناقب ابن شهرآشوب 4: 223، مدينة المعاجز: 392 / 112.

(4) بصائر الدرجات: 283 / 6، الهداية الكبرى: 253، مناقب ابن شهرآشوب 4: 222، الثاقب في المناقب: 411 / 344، كشف الغمة 2: 190، مدينة المعاجز: 392 / 113.


الصفحة 257
184 / 20 - وعنه، قال: أخبرنا أحمد بن محمد، عن محمد بن علي، عن علي بن محمد، عن الحسين بن أبي العلاء وأبي المغرا، جميعا عن أبي بصير، قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فجرى ذكر المعلى بن خنيس، قال: يا بني، اكتم ما أقول لك في المعلى.

قلت: أفعل.

قال: إنه ما كان ينال درجتنا إلا بما ينال داود بن علي منه.

قلت: وما الذي ينال داود بن علي منه؟

قال: يدعو به - (لعنه الله) - ويأمر به فيضرب عنقه، ويصلبه. قال: إنا لله وإنا إليه راجعون. قال: ذلك في قابل.

فلما كان في قابل ولي (1) المدينة، فقصد [قتل] (2) المعلى، فدعاه وسأله عن شيعة أبي عبد الله أن يكتبهم له، قال: ما أعرف من أصحابه أحدا، وإنما أنا رجل (3) اختلف في حوائجه وما يتوجه إلي، ولست أعرف له صاحبا.

قال: أما إنك إن كتمتني قتلتك.

قال: بالقتل تهددني! والله لو كانوا تحت قدمي ما رفعت قدمي عنهم لك، ولئن قتلتني ليسعدني الله إن شاء الله ويشقيك الله.

قال: فقتله.(4)

185 / 21 - وعنه، قال: أخبرنا أحمد بن محمد، عن محمد بن علي، عن علي بن محمد، عن صندل، عن سورة (5) بن كليب، قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): يا سورة، كيف حججت العام؟

قال: قلت: استقرضت حجتي، والله إني لأعلم أن الله (تعالى) سيقضيها عني، وما

____________

(1) أي داود بن علي. وفي " ط ": جاء والي.

(2) أثبتناه من الخرائج.

(2) في " ط " زيادة: واحد.

(4) الهداية الكبرى: 253، رجال الكشي: 381 / 713، الخرائج والجرائح 2: 647 / 57، مناقب ابن شهرآشوب 4: 225، فرج المهموم: 229.

(5) في " ط ": سودة، وكذا في باقي الموارد.


الصفحة 258
كان أعظم حجتي إلا شوقا إليك، بعد المغفرة، وإلى حديثك.

قال: أما حجتك فقد قضاها الله من عندي.

ثم رفع مصلى تحته، فأخرج دنانير، وعد عشرين دينارا، وقال: هذه حجتك. وعد عشرين دينارا، وقال: هذه معونة لك، تكفيك حتى تموت.

قلت: جعلت فداك، أخبرني، إن أجلي قد دنا؟

قال: يا سورة، أما ترضى أن تكون معنا ومع إخوانك فلان وفلان؟! قلت: نعم.

قال صندل: فما لبث إلا بقية الشهر حتى مات.(1)

186 / 22 - وعنه - قال: أخبرنا أحمد بن محمد، عن محمد بن علي، عن علي بن محمد، عن عبد الحميد، قال: كان صديقا لمحمد بن عبد الله بن علي بن الحسين، وأخذه أبو جعفر فحبسه زمانا في المطبق (2). فحج، فلما كان يوم عرفة لقيه أبو عبد الله (عليه السلام) في الموقف، فقال: يا محمد، ما فعل صديقك عبد الحميد؟

قال: حبسه أبو جعفر في المطبق منذ زمان.

فرفع أبو عبد الله (عليه السلام) يده فدعا ساعة ثم التفت إلي وقال: يا محمد، قد والله خلي سبيل صاحبك.

قال محمد: فسألت عبد الحميد: أي ساعة أخرجك أبو جعفر؟

قال: أخرجني يوم عرفة بعد العصر.(3)

187 / 23 - وعنه، قال: أخبرنا أحمد بن محمد، عن محمد بن علي الصيرفي، عن محمد بن سنان، عن ابن مسكان وأبي سعيد المكاري وغير واحد من أصحابنا، عن عبد الأعلى بن أعين، قال: قال مرازم:

بعثني أبو جعفر الخليفة، وهو معي، إلى أبي عبد الله (عليه السلام) وهو بالحيرة، ليقتله، فدخلنا عليه في رواقه ليلا، فنلنا منه حاجتنا ومن ابنه إسماعيل، ثم رفعنا إليه فقلنا: قد

____________

(1) نوادر المعجزات: 143 / 12، الاختصاص: 84، مناقب ابن شهرآشوب 4: 223، مدينة المعاجز:

392 / 114.

(2) المطبق: السجن تحت الأرض.

(3) مناقب ابن شهرآشوب 4: 234، مدينة المعاجز: 392 / 115.


الصفحة 259
فرغنا مما أمرتنا به.

قال: فأصبحنا من الغد، فوجدناه في رواقه جالسا، فبقينا متحيرين.(1)

188 / 24 - وعنه، قال: أخبرنا أحمد بن محمد، عن محمد بن علي، عن محمد بن سنان، عن بعض أصحابنا، قال: قال أبو جعفر لحاجبه: إذا دخل علي جعفر بن محمد فادخل واقتله قبل أن يصل إلي.

قال: فدخل أبو عبد الله (عليه السلام) فجلس. قال: فأرسل إلى الحاجب فدعاه، فنظر إليه وأبو عبد الله (عليه السلام) قاعد، ثم قال لي: عد إلى مكانك. وأقبل يضرب بيده على الأخرى.

فلما قام أبو عبد الله (عليه السلام) وخرج دعا حاجبه فقال: بأي شئ أمرتك؟ قال:

لا والله، ما رأيته حيث خرج، ولا رأيته وهو قاعد عندك.(2)

189 / 25 - وعنه، قال: أخبرنا أحمد بن محمد، عن محمد بن علي، عن محمد بن عمرو بن ميثم، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه خرج إلى ضيعة له مع بعض أصحابه، فبينا هم يسيرون إذا ذئب قد أقبل عليه (3) فلما رأى غلمانه أقبلوا إليه، قال: دعوه، فإن له حاجة. فدنا منه حتى وضع كفه على دابته، وتطاول بخرطمه (4)، وطأطأ رأسه أبو عبد الله (عليه السلام)، فكلمه الذئب بكلام لا يعرف، فرد عليه أبو عبد الله (عليه السلام) مثل كلامه، فرجع يعدو.

فقال له أصحابه: قد رأينا عجبا!

فقال: إنه أخبرني أنه خلف زوجته خلف هذا الجبل في كهف، وقد ضربها الطلق، وخاف عليها، فسألني الدعاء لها بالخلاص، وأن يرزقها الله ذكرا يكون لنا وليا ومحبا، فضمنت له ذلك.

____________

(1) مدينة المعاجز: 392 / 116.

(2) كشف الغمة 2: 191.

(3) في " ع ": إليه.

(4) الخرطم: لغة في الخرطوم، وهو الأنف، وقيل: مقدمه " لسان العرب - خرطم - 12: 173 ".


الصفحة 260
قال: فانطلق أبو عبد الله (عليه السلام) وانطلقنا معه إلى ضيعته، وقال: إن الذئب قد ولد له جرو ذكر.

قال: فمكثنا في ضيعته معه شهرا، ثم رجع مع أصحابه، فبينا هم راجعون إذا هم بالذئب وزوجته وجروه يعوون في وجه أبي عبد الله (عليه السلام) فأجابهم بمثله، ورأي أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) الجرو، وعلموا أنه قد قال لهم الحق.

وقال لهم أبو عبد الله (عليه السلام): تدرون ما قالوا؟ قالوا: لا.

قال: كانوا يدعون الله لي ولكم بحسن الصحبة، ودعوت لهم بمثله، وأمرتهم أن لا يؤذوا لي وليا ولا لأهل بيتي، فضمنوا لي ذلك.(1)

190 / 26 - وعنه، قال: أخبرنا أحمد بن محمد، عن محمد بن علي، عن علي بن الحسن، عن أبيه، والحسين بن أبي العلاء (2)، قال: كنا مع أبي عبد الله (عليه السلام) إذ أقبل رجل من أهل خراسان فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): ما فعل فلان بن فلان؟ قال: لا علم لي به.

قال: لكن أخبرك أن فلان بن فلان بعث معك بجارية إلي، فلا حاجة لي فيها.

قال الرجل: ولم؟

قال: لأنك لم تراقب الله فيها، ولا حيث عملت ما عملت ليلة نهر بلخ، حيث صنعت ما صنعت. فسكت الرجل، وعلم أنه قد أخبره بأمر قد فعله.(3)

191 / 27 - وعنه، قال: أخبرنا أحمد بن محمد، قال: أخبرنا محمد بن علي، عن علي بن محمد، عن عبد المؤمن، عن ابن مسكان، عن سليمان بن خالد، قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) جالسا، إذ دخل آذنه فقال: قوم من أهل البصرة يستأذنون عليك.

قال: كم عددهم؟ قال: لا أدري.

قال: اذهب فعدهم وأخبرني.

____________

(1) مدينة المعاجز: 392 / 127.

(2) في " ع، م ": حسين عن العلاء، والحديث مروي في الخرائج عن الحسين بن أبي العلاء.

(3) الخرائج والجرائح 2: 610 / 5، مدينة المعاجز: 393 / 119.


الصفحة 261
قال: فلما مضى الغلام قال أبو عبد الله (عليه السلام): عدة القوم اثنا عشر رجلا، وإنما أتوا يسألوني عن حرب طلحة والزبير، ودخل آذنه فقال: القوم اثنا عشر رجلا.

فأذن لهم، فدخلوا، فقالوا: نسألك. فقال: سلوا.

قالوا: ما تقول في حرب علي وطلحة والزبير وعائشة؟

قال: ما تريدون بذلك؟

قالوا: نريد أن نعلم ذلك.

قال: إذن تكفرون يا أهل البصرة. فقالوا: لا نكفر.

قال: كان علي (عليه السلام) مؤمنا منذ بعث الله نبيه إلى أن قبضه الله إليه، لم يؤمر عليه النبي (صلى الله عليه وآله) أحدا قط، ولم يكن في سرية إلا كان أميرها، وإن طلحة والزبير أتياه لما قتل عثمان فبايعاه أول الناس طائعين غير كارهين، وهما أول من غدر به، ونكثا عليه، ونقضا بيعته، وهما به (1) كما هم به من كان قبلهما، وخرجا بعائشة معهما يستعطفانها الناس، وكان من أمرهما وأمره ما قد بلغكم.

قالوا: فإن طلحة والزبير صنعا ما صنعا، فما حال عائشة؟ (2)

قال: عائشة كبير جرمها، عظيم إثمها، ما أهرقت محجمة من دم إلا وإثم ذلك في عنقها وعنق صاحبيها، ولقد عهد إليه النبي (صلى الله عليه وآله) وقال: " لا بد من أن تقاتل الناكثين " وهم أهل البصرة، " والقاسطين " وهم أهل الشام، " والمارقين " وهم أهل النهروان، فقاتلهم علي (عليه السلام) جميعا.

قال القوم: إن كان هذا قاله النبي فقد (3) دخل القوم جميعا في أمر عظيم.

قال أبو عبد الله (عليه السلام): إنكم ستنكرون (4).

قالوا: إنك جئتنا بأمر عظيم لا نحتمله.

____________

(1) في " ط " زيادة: الهموم.

(2) في " ط ": المرأة بدل (عائشة)، في الموضعين.

(3) في " ع، م ": لقد.

(4) في " ط ": ستكفرون.


الصفحة 262
قال: وما طويت عنكم أكثر، أما إنكم سترجعون إلى أصحابكم وتخبرونهم بما أخبرتكم، فتكفرون أعظم من كفرهم.

قال: فلما خرجوا قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): يا سليمان بن خالد، والله ما يتبع قائمنا من أهل البصرة إلا رجل واحد، لا خير فيهم، كلهم قدرية وزنادقة، وهي الكفر بالله.(1)

192 / 28 - وعنه، قال: أخبرنا أحمد بن محمد، عن محمد بن علي، عن علي بن محمد، عن عبد المؤمن، عن ابن مسكان، عن سليمان بن خالد، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال لي سيدي: ما أحسن الحق والزمه (2)! قلت: ليستو في جهدي.

قال: يا بن خالد، لا تدخل في وصية من أراد أن يوصي إليك، فتقع أبعد من السماء.

قلت: والله، لقد أرسل إلي فلان وجهد كل جهد أن أدخل في وصيته فأبيت عليه.

قال: إن ماله حرام، وكان يأكل الحرام ويستحله، ويدين لله بذلك، وقد هلك بعدك يا سليمان.

قلت: خلفته في حد (3) الموت.

قال: قد لحق بالله، فتعسا له.

قلت: قد كان يظهر لنا خيركم!

قال: هيهات، كان والله لنا عدو، كفى الله أمره.(4)

____________

(1) نوادر المعجزات: 144 / 13، مدينة المعاجز: 393 / 120.

(2) في " ط ": والذمة.

(3) في " ط ": حدة.

(4) مدينة المعاجز: 393 / 121.


الصفحة 263
193 / 29 - وعنه، قال: أخبرنا أحمد بن محمد، عن محمد بن علي، عن علي ابن محمد، عن الحسن، عن أبيه، عن أبي بصير، قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) إذ قال: يا أبا محمد، هل تعرف إمامك؟

قلت: إي والله الذي لا إله إلا هو، وإنك هو. ووضعت يدي على ركبته.

فقال: يا أبا محمد، صدقت، قد عرفت فاستمسك به.

قلت: جعلت فداك، أعطني علامة الإمامة.

قال: ليس بعد المعرفة علامة.

قلت: أزداد يقينا وأمنا، ويطمئن قلبي.

قال: يا أبا محمد، ترجع إلى الكوفة وقد ولد لك عيسى، وعبد عيسى محمد، وبعدهما ابنين، واعلم أن اسمك مثبت عندنا في الصحيفة الجامعة من أسماء الشيعة وأسماء آبائهم وأجدادهم وأبنائهم وما يلدون إلى يوم القيامة.

قال: وإنما هي صحيفة صفراء متوجة (1).

194 / 30 - وروى عمار بن موسى الساباطي، قال: كنت لا أعرف شيئا من هذا الأمر، وكان من عرفه عندنا رافضيا، فخرجت حاجا، فإذا أنا بجماعة من الرافضة، فقالوا: يا عمار، أقبل علينا (2).

فقلت: ما يريد مني هؤلاء، فما في إتيانهم خير ولا ثواب، ولكني أصير (3) إليهم فانظر ما يريدون.

فأقبلت إليهم، فقالوا: يا عمار، خذ هذه الدنانير فادفعها إلى أبي عبد الله جعفر بن محمد. فقلت: إني أخشى أن يقطع على دنانيركم.

____________

(1) كذا في النسخ، وفي الخرائج: مدرجة، أي مطوية، انظر " لسان العرب - درج - 2: 269 ".

الهداية الكبرى: 252، الخرائج والجرائح 2: 636 / 37، كشف الغمة 2: 190، إثبات الهداة 5: 451 / 222، مدينة المعاجز: 393 / 122.

(2) في " ع ": إلينا.

(3) في " ط ": أصبو.


الصفحة 264
فقالوا: خذها ولا تخش أن يقطع عليك.

فقلت: لأجربن القوم، فقلت: هاتوها، وأخذتها في يدي. فلما صرت إلى بعض الطريق قطع علينا، فما ترك معنا شئ إلا أخذ، فاستقبلنا غلام أبيض مشرب حمرة، عليه ذؤابتان، فقال: عمار! قطع عليك؟

قلت: نعم.

فقال: اتبعوني معشر القافلة. فتبعناه حتى جاء إلى حي من أحياء العرب، فصاح بهم: ردوا إلى (1) القوم متاعهم. فلقد رأيتهم يبادرون من الخيم حتى ردوا جميع ما أخذ منا، لم يدعوا منه شيئا.

فقلت عند ذلك: لأسبق الناس إلى المدينة حتى أستمكن من قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله). فسبقت الناس، فقمت أصلي عند قبر النبي، فصليت ثمان ركعات، وإذا بمناد ينادي: يا عمار، رددنا عليكم متاعكم، فلم لا ترد دنانيرنا؟ فالتفت فلم أر أحدا، فقلت: هذا عمل الشيطان.

ثم قمت أصلي، فصليت أربع ركعات، فإذا برجل قد وكزني وأمعض (2) قفاي (3)، ثم قال: يا عمار، رددنا عليكم متاعكم، ولا ترد دنانيرنا!

فالتفت وإذا بالغلام الأبيض المشرب الحمرة، فقادني كما يقاد البعير، وما أقدر أن أمتنع عليه حتى أدخلني إلى أبي عبد الله (عليه السلام) فقال: يا أبا الحسن، معه سبحة مائة دينار.

فقلت في نفسي: هؤلاء محدثين، والله ما سبقني رسول ولا كتاب، فمن أين علم أن معي مائة دينار؟!

____________

(1) في " ع ": على.

(2) الوكز: الدفع والضرب والطعن، وقيل: الوكز بجميع اليد، أو بالعصا. انظر " لسان العرب - وكز - 5:

430 ".

وأمعضه: أوجعه " أقرب الموارد 2: 1225.

(3) في " م ": لفقاري.


الصفحة 265
فقال: لا تزيد حبة ولا تنقص حبة. فحسبتها (1)، فوالله ما زادت ولا نقصت.

ثم قال: يا عمار، سلم علينا.

قلت: السلام عليك (2) ورحمة الله وبركاته.

فقال: ليس هكذا يا عمار.

فقلت: السلام عليك يا بن عم رسول الله.

فقال: ليس هكذا يا عمار.

قلت: السلام عليك يا بن رسول الله.

فقال: ليس هكذا يا عمار.

فقلت: السلام عليك يا وصي رسول الله. قال: صدقت يا عمار.

ثم وضع يده على صدري وقال: ما حان لك أن تؤمن؟!

فوالله ما خرجت من عنده حتى توليت وليه، وتبرأت من عدوه.(3)

195 / 31 - وحدثنا أبو المفضل محمد بن عبد الله الشيباني، قال: حدثنا محمد ابن جعفر الزيات، عن محمد بن الحسين بن (4) أبي الخطاب، عن الحسن بن محبوب، عن مالك بن عطية، عن أبي بصير، قال: دخلت أبي عبد الله (عليه السلام) وأنا أريد أن يعطيني دلالة مثل ما أعطاني أبو جعفر (عليه السلام).

فلما دخلت عليه قال: يا أبا محمد، ما كان لك فيما كنت فيه شغل؟!

تدخل على إمامك وأنت جنب؟!

قال: قلت: جعلت فداك، ما فعلت إلا على عمد.

قال: أولم تؤمن؟

قال: قلت: بلى، ولكن ليطمئن قلبي.

____________

(1) في " ع، م ": تنقص، فوضع.

(2) في " ط ": عليكم.

(3) مدينة المعاجز: 393 / 123.

(4) (بن) ليس في " ع ".


الصفحة 266
قال: قم يا أبا محمد فاغتسل. فاغتسلت وعدت إلى مجلسي، فعلمت عند ذلك أنه الإمام.(1)

196 / 32 - وعنه، قال: حدثنا ماجيلويه (2)، قال: حدثنا أحمد بن أبي عبد الله محمد بن خالد البرقي، عن أبيه، عن صفوان بن يحيى، عن جعفر بن الأشعث، قال:

أتدري ما كان سبب دخولنا في هذا الأمر ومعرفتنا به، وما كان عندنا منه خبر ولا ذكر ولا معرفة شئ مما عند الناس؟

قلت: وكيف كان ذلك؟

قال: إن أبا جعفر المنصور قال لأبي محمد بن الأشعث: أبغني رجلا له عقل يؤدي عني.

فقال له: قد أصبت لك، هذا فلان بن فلان مهاجر خالي، قال: فأتني به.

فأتاه بخاله، فقال له أبو جعفر: يا بن مهاجر، خذ هذا المال. وأعطاه الوفا أو ما شاء الله، فقال: ائت المدينة إلى عبد الله بن الحسن وعدة من أهل بيته، فيهم جعفر ابن محمد، فقل لهم: إني رجل غريب من أهل خراسان، وبها شيعة من شيعتكم، وقد وجهوا إليكم بهذا المال، فادفع إلى كل واحد منهم على هذا الشرط، كذا وكذا، فإذا قبضوا المال فقل: إني رسول وأحب أن يكون معي خطوطكم بقبض ما قبضتم مني.

فأخذ المال وأتى المدينة، ثم رجع إلى أبي جعفر المنصور، فدخل عليه وعنده محمد بن الأشعث، فقال له أبو جعفر: ما وراءك؟

فقال: أتيت القوم، وهذه خطوطهم بقبضهم المال (3)، خلا جعفر بن محمد، فإني أتيته وهو يصلي في مسجد الرسول (صلى الله وآله) فجلست خلفه، وقلت: ينصرف فأذكر له ما ذكرت (4) لأصحابه، فعجل وانصرف، والتفت إلي وقال لي: يا هذا، اتق الله ولا

____________

(1) الهداية الكبرى: 250، مناقب ابن شهرآشوب 4: 226، كشف الغمة 2: 188، مدينة المعاجز: 394 / 24.

(2) ماجيلويه: هو علي الراوي عن البرقي، انظر معجم رجال الحديث 12: 245.

(3) (المال) ليس في " ع، م ".

(4) في " ع، م ": ذكرته.


الصفحة 267
تغرر أهل بيت محمد، وقل لصاحبك: اتق الله ولا تغرر أهل بيت رسول الله، فإنهم قريبو عهد بدولة بني مروان، وكلهم محتاج.

فقال: قلت: وما ذاك أصلحك الله؟

فقال: ادن مني. فدنوت منه، فأخبرني بجميع ما جرى بيني وبينك، حتى كأنه كان ثالثنا.

فقال المنصور: يا بن مهاجر، إعلم أنه ليس من أهل بيت نبوة إلا وفيهم محدث، وإن جعفر بن محمد محدثنا اليوم.

وكانت هذه الدلالة سبب قولنا بهذه المقالة.(1)

197 / 33 - أخبرني أبو الحسن علي بن هبة الله، قال: حدثنا أبو جعفر محمد ابن علي بن الحسين بن موسى، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا سعيد بن عبد الله، عن محمد بن عيسى، عن محمد بن شعيب، عن أبيه شعيب العقرقوفي، قال: بعث معي رجل بألف درهم وقال: إني أحب أن أعرف فضل أبي عبد الله (عليه السلام)، فقال: خذ هذه خمسة دراهم ستوقة (2)، فاجعلها في الدراهم، وخذ من الدراهم خمسة دراهم فصيرها في لبنة (3) قميصك، فإنك ستعرف ذلك.

قال: ففعلت ذلك، ثم أتيت أبا عبد الله (عليه السلام) فنثرتها بين يديه، فأخذ الخمسة دراهم، وقال: هاك خمستك، وهات خمستنا.(4)

198 / 34 - حدثني أبو المفضل محمد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن جعفر الزيات، عن محمد بن أحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، قال: قدم علينا رجل من أهل الشام، فعرضت عليه هذا الأمر، فقبله،

____________

(1) بصائر الدرجات: 265 / 7، الكافي 1: 395 / 6، الخرائج والجرائح 2: 720 / 25، مناقب ابن شهرآشوب 4: 220، الثاقب في المناقب: 406 / 338.

(2) الستوق من الدراهم: الزيف البهرج الذي لا قيمة له. " معجم الوسيط 1: 416 ".

(3) لبنة القميص: بنيقته، وهي رقعة تزاد في نحر القميص لتوسيعه.

(4) بصائر الدرجات: 267 / 9، الخرائج والجرائح 2: 630 / 31، مناقب ابن شهرآشوب 4: 228، كشف الغمة 2: 193، الصراط المستقيم 2: 188 / 22.


الصفحة 268
فدخلت عليه وهو في سكرات الموت، فقال: يا أبا بصير، قد قبلت ما قلت لي، فكيف لي بالجنة؟ فمات.

فدخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فابتدأني فقال: يا أبا محمد، قد والله، وفي لصاحبك الجنة.(1)

199 / 35 - وروى سليمان بن خالد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كنت معه أمشي فصار معنا أبو عبد الله البجلي - (رحمه الله) - فانتهينا إلى نخلة خاوية، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): أيتها النخلة السامعة المطيعة لربها، أطعمينا مما جعل الله (تعالى) فيك.

فتساقط علينا رطب مختلف الألوان، فأكلنا حتى تضلعنا، فقال له البجلي:

جعلت فداك سنة فيكم كسنة مريم؟ فقال: نعم يا أبا عبد الله.(2)

200 / 36 - وروى مالك الجهني، قال: حضرت مجلس أبي عبد الله (عليه السلام) فجعلت أقول في نفسي: هذا الذي فضله الله وعظمه وشرفه.

فقال أبو عبد الله (عليه السلام): يا مالك، الأمر والله أعظم مما تذهب إليه.(3)

201 / 37 - وأخبرني أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى، قال: حدثنا أبي (رضي الله عنه)، قال: حدثنا أبو علي محمد بن همام، قال: حدثني أحمد بن الحسين المعروف بابن أبي القاسم، عن أبيه، عن بعض رجاله، عن الحسن بن شعيب، عن علي بن هاشم، عن المفضل بن عمر، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) جعلت فداك، ما لإبليس من السلطان؟

قال: ما يوسوس في قلوب الناس.

قلت: فما لملك الموت؟

قال: يقبض أرواح الناس.

قلت: وهما مسلطان على من في المشرق ومن في المغرب؟ قال: نعم.

____________

(1) بصائر الدرجات: 271 / 2، مدينة المعاجز: 394 / 125.

(2) بصائر الدرجات: 274 / 5، مناقب ابن شهرآشوب 4: 240.

(3) بصائر الدرجات 260 / 18، مدينة المعاجز: 380 / 67، يأتي مثله الحديث (61).


الصفحة 269
قلت: فمالك أنت - جعلت فداك - من السلطان؟

قال: أعلم ما في المشرق والمغرب، وما في السماوات والأرض، وما في البر والبحر، وعدد ما فيهن وليس ذلك لإبليس ولا لملك الموت.(1)

202 / 38 - وبهذا الاسناد إلى أحمد بن الحسين المعروف بابن أبي القاسم، عن أبيه، عن بعض رجاله، عن محمد بن سنان، عمن حدثه، عن جابر بن يزيد، قال:

كنت مع أبي عبد الله (عليه السلام) جالسا إذ دخل عليه رجل من أهل خراسان، فقال:

جعلت فداك، إني قدمت أنا وأمي قاضيين لحقك، وإن أمي ماتت دونك.

قال: فاذهب فأت بأمك.

قال جابر: فما رأيت أشد تسليما منه، مارد على أبي عبد الله (عليه السلام) حتى مضى فجاء بأمه، فلما رأت أبا عبد الله (عليه السلام) قالت: هذا الذي أمر ملك الموت بتركي.

ثم قالت: يا سيدي، أوصني.

قال: عليك بالبر للمؤمنين، فإن الإنسان يكون عمره ثلاثين سنة فيكون بارا فيجعلها ثلاث وستون سنة، وإن الإنسان يكون عمره ثلاث وستون سنة فيكون غير بار، فيبتر الله عمره فيجعلها ثلاثين سنة.(2)

203 / 39 - وبإسناده إلى أحمد بن الحسين المعروف بابن أبي القاسم، عن أبيه، عن بعض رجاله، عن الحسن بن علي بن يقطين، عن سعدان بن مسلم، عن المفضل بن عمر، قال: كان المنصور قد وفد بأبي عبد الله (عليه السلام) إلى الكوفة، فلما أذن له قال لي: يا مفضل، هل لك في مرافقتي؟ فقلت: نعم، جعلت فداك. قال: إذا كان الليلة فصر إلي.

فلما كان في نصف الليل خرج وخرجت معه، فإذا أنا بأسدين مسرجين ملجمين.

____________

(1) مدينة المعاجز: 394 / 126.

(2) مدينة المعاجز: 385 / 89.


الصفحة 270
قال: فخرجت، فضرب بيده على عيني فشدها، ثم حملني رديفا فصبح المدينة (1) وأنا معه، فلم يزل في منزله حتى قدم عياله.(2)

204 / 40 - وبإسناده إلى أحمد بن الحسين المعروف بابن أبي القاسم، عن أبيه، عن بعض رجاله، عن الحسن بن شعيب، عن محمد بن سنان، عن يونس بن ظبيان، قال: استأذنت على أبي عبد الله (عليه السلام) فخرج إلي معتب فأذن لي، فدخلت ولم يدخل معي كما كان يدخل.

فلما أن صرت في الدار نظرت إلى رجل على صورة أبي عبد الله (عليه السلام) فسلمت عليه كما كنت أفعل، قال: من أنت يا هذا؟ لقد وردت على كفر أو إيمان.

وكان بين يديه رجلان كأن على رؤوسهما الطير، فقال لي: ادخل. فدخلت الدار الثانية، فإذا رجل على صورته (صلى الله عليه)، وإذا بين يديه جمع كثير كلهم صورهم واحدة، فقال:

من تريد؟ قلت: أريد أبا عبد الله.

فقال: قد وردت على أمر عظيم، إما كفر أو إيمان.

ثم خرج من البيت رجل قد بدا به الشيب، فأخذ بيدي، وأوقفني على الباب وغشي بصري من النور، فقلت: السلام عليك يا بيت الله ونوره وحجابه.

فقال: وعليك السلام يا يونس. فدخلت البيت فإذا بين يديه طائران يحكيان، فكنت أفهم كلام أبي عبد الله (عليه السلام) ولا أفهم كلامهما.

فلما خرجا قال: يا يونس، سل، نحن نجلي النور في الظلمات، ونحن البيب المعمور الذي من دخله كان آمنا، نحن عزة الله وكبرياؤه.

قال: قلت: جعلت فداك، رأيت شيئا عجيبا، رأيت رجلا على صورتك! قال:

يا يونس، إنا لا نوصف، ذلك صاحب السماء الثالثة يسأل أن أستأذن الله له أن يصيره (3) مع أخ له في السماء الرابعة.

____________

(1) صبح المدينة: أي أتاها صباحا، انظر " لسان العرب - صبح - 2: 502 ".

(2) مدينة المعاجز: 394 / 127.

(3) في " ع، م ": يصير.


الصفحة 271
قال: قلت: فهؤلاء الذين في الدار؟

قال: هؤلاء أصحاب القائم من الملائكة.

قال: قلت: فهذان؟

قال: جبرئيل وميكائيل، نزلا إلى الأرض، فلن يصعدا حتى يكون هذا الأمر إن شاء الله (تعالى)، وهم خمسة آلاف.

يا يونس، بنا أضاءت الأبصار، وسمعت الآذان، ووعت القلوب الإيمان.(1)

205 / 41 - وحدثنا أبو المفضل محمد بن عبد الله، قال: حدثني أبو علي محمد ابن همام، قال: حدثني عبد الله بن العلاء، قال: حدثنا محمد بن الحسين، عن عبد الله ابن يزيد، عن (2) حماد، عن أبيه، عن عمر، عن بكر بن أم بكر (3)، عن شيخ من أصحابنا، قال: إني لعند أبي عبد الله (عليه السلام) إذ دخل رجل، فقال له: جعلت فداك، إن أبي مات، وكان من أنصب الناس، فبلغ من بغضه وعداوته أن كتم ماله مني في حياته، وبعد وفاته: ولست أشك أنه قد ترك مالا كثيرا.

فقال أبو عبد الله (عليه السلام): أما أنت والله مهنى لك، وإني أريد سفرا.

فقال له: جعلت فداك (4)، مالي لك.

فقال له: لا أدلك، ولكن هيئ لنا سفرة.

قال: وكان صاحب هذا الحديث يعرف بصاحب السفرة، فختم له أبو عبد الله (عليه السلام) خاتما، وقال له: اذهب بهذا الخاتم إلى برهوت، فإن روحه صارت إلى برهوت. وسمى له صاحب برهوت. ثم قال له: ناد صاحب برهوت باسمه ثلاث مرات، فإنه سيجيبك.

____________

(1) مدينة المعاجز: 394 / 128.

(2) في " م ": بن.

(3) في " م ": عن عمر بن بكر بن أم بكر، وفي " ط ": عن عمر بن بكر، عن ابن أم بكر، وفي مدينة المعاجز:

عن عمر، عن بكر بن أبي بكر. ولعله الصواب، راجع رجال الطوسي: 160 ومعجم رجال الحديث 3: 340.

(4) في " ط " زيادة: كل.