الصفحة 321

قال: رأيت من ورائي أفعى تضرب بنابها وتقول: أجبه بالطاعة وإلا بلعتك.

ففزعت منها فأجبته.(1)

267 / 10 - قال أبو جعفر: حدثنا عبد الله بن محمد البلوي، قال: حدثنا غالب ابن مرة ومحمد بن غالب، قالا: كنا في حبس الرشيد، فأدخل موسى بن جعفر (عليه السلام)، فأنبع الله له عينا وأنبت له شجرة، فكان منهما يأكل ويشرب ونهنيه، وكان إذا دخل بعض أصحاب الرشيد غابت حتى لا ترى.(2)

268 / 11 - قال أبو جعفر: حدثنا أبو محمد سفيان، عن وكيع، قال: قال الأعمش: رأيت موسى بن جعفر (عليه السلام) وقد أتى شجرة مقطوعة موضوعة فمسها بيده فأورقت، ثم اجتنى منها ثمرا وأطعمني.(3)

269 / 12 - قال أبو جعفر: حدثنا هشام بن منصور، عن رشيق مولى الرشيد، قال: وجه بي الرشيد في قتل موسى بن جعفر (عليه السلام)، فأتيته لأقتله، فهز عصا كانت في يده فإذا هي أفعى، وأخذت هارون الحمى، ووقعت الأفعى في عنقه حتى وجه إلي بإطلاقه فأطلقت عنه.(4)

270 / 13 - قال أبو جعفر: حدثنا علقمة بن شريك بن أسلم، عن موسى بن هامان (5)، قال: رأيت موسى بن جعفر (عليه السلام) في حبس الرشيد وتنزل عليه مائدة من السماء، ويطعم أهل السجن كلهم ثم يصعد بها من غير أن ينقص منها شئ.(6)

271 / 14 - قال أبو جعفر: حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد البلوي، قال:

حدثنا عمارة بن زيد، قال: قال إبراهيم بن سعد: أدخل إلى موسى بن جعفر (عليه السلام)

____________

(1) نوادر المعجزات: 163 / 5.

(2) نوادر المعجزات: 163 / 6، إثبات الهداة 5: 567 / 119، مدينة المعاجز: 427 / 7.

(3) نوادر المعجزات: 164 / 7.

(4) نوادر المعجزات: 164 / 8.

(5) في " م ": ماهان.

(6) نوادر المعجزات: 164 / 9، إثبات الهداة 5: 567 / 122، مدينة المعاجز: 427 / 8.


الصفحة 322
بسباع لتأكله، فجعلت تلوذ به وتبصبص له، وتدعو له بالإمامة، وتعوذ به من شر الرشيد، فلما بلغ ذلك الرشيد أطلق عنه، وقال: أخاف إن يفتنني ويفتن الناس ومن معي.(1)

272 / 15 - قال أبو جعفر: حدثنا سفيان، قال: حدثنا وكيع، عن إبراهيم بن الأسود، قال: رأيت موسى بن جعفر (عليه السلام) صعد إلى السماء ونزل ومعه حربة من نور فقال: أتخوفونني بهذا؟! - يعني الرشيد - لو شئت لطعنته بهذه الحربة. فأبلغ ذلك الرشيد فأغمي ثلاثا وأطلقه.(2)

273 / 16 - أخبرني أبو الحسين محمد بن هارون، قال: حدثنا أبي (رضي الله عنه)، قال: حدثنا أبو علي أحمد بن محمد العطار، قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عمران ابن الحجاج، قال: حدثنا إبراهيم بن الحسن بن راشد، عن علي بن يقطين، قال:

كنت واقفا بين يدي الرشيد إذ جاءته هدايا من ملك الروم، كانت فيها دراعة (3) ديباج مذهبة سوداء، لم أر شيئا أحسن منها، فنظر إلي وأنا أحد إليها النظر، فقال: يا علي، أعجبتك؟

قلت: إي والله يا أمير المؤمنين. قال: خذها. فأخذتها وانصرفت بها إلى منزلي، وشددتها في منديل، ووجهتها إلى المدينة، فمكثت ستة أشهر - أو سبعة أشهر - ثم انصرفت يوما من عند هارون، وقد تغديت بين يديه، فقام إلي خادمي الذي يأخذ ثيابي بمنديل على يديه، وكتاب مختوم، وطينه رطب، فقال: جاء بهذه الساعة رجل، فقال: ادفع هذا إلى مولاك ساعة يدخل. ففضضت الكتاب، فإذا فيه: " يا علي، هذا وقت حاجتك إلى الدراعة ".

فكشفت طرف المنديل عنها، ودخل علي خادم هارون فقال: أجب أمير المؤمنين. فقلت: أي شئ حدث؟ قال: لا أدري، فمضيت ودخلت عليه، وعنده عمر

____________

(1) نوادر المعجزات: 165 / 10، مدينة المعاجز: 428 / 10.

(2) نوادر المعجزات: 163 / 4، مدينة المعاجز: 428 / 11.

(3) الدراعة: جبة مشقوقة المقدم.


الصفحة 323
ابن بزيع واقفا بين يديه، فقال: يا علي، ما فعلت الدراعة التي وهبتها لك؟

قلت: ما كساني أمير المؤمنين أكثر من ذلك، فعن أي دراعة تسألني يا أمير المؤمنين؟

قال: الدراعة الديباج السوداء المذهبة.

قلت: ما عسى أن يصنع مثلي بمثلها؟! إذا انصرفت من دار أمير المؤمنين دعوت بها فلبستها، وصليت بها ركعتين - أو أربع ركعات - ولقد دخل علي الرسول ودعوت بها لأفعل ذلك.

فنظر إلى عمر بن بزيع وقال: أرسل من يجيئني بها. فأرسلت خادمي، فجاءني بها، فلما رآها قال: يا عمر، ما ينبغي لنا أن نقبل قول أحد على علي بعد هذا. وأمر لي بخمسين ألف درهم، فحملتها مع الدراعة، وبعثت بها وبالمال من يومي ذلك.(1)

274 / 17 - وروى الحسين بن محمد بن عامر، عن المعلى بن محمد، عن الوشاء، عن محمد بن علي، عن خالد الجوان، قال: دخلت على أبي الحسن (عليه السلام) وهو في عرصة داره، وهو يومئذ بالرميلة، فلما نظرت إليه قلت في نفسي: بأبي وأمي سيدي، مظلوم مغصوب مضطهد، ثم دنوت منه فقبلت بين عينيه، ثم جلست بين يديه، فالتفت إلي ثم قال: يا خالد، نحن أعلم بهذا الأمر، فلا يضيقن هذا في نفسك.

قلت: جعلت فداك، والله، ما أردت بهذا شيئا.

فقال: نحن أعلم بهذا الأمر من غيرنا، وإن لهؤلاء القوم مدة وغاية، لا بد من الانتهاء إليها.

قلت: لا أعود، ولا أضمر في نفسي شيئا.(2)

275 / 18 - أخبرني أبو الحسن علي بن هبة الله، قال: حدثنا أبو جعفر محمد ابن علي بن الحسين بن موسى، عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد،

____________

(1) الارشاد: 293، عيون المعجزات: 99، إعلام الورى: 302، الخرائج والجرائح 1: 334 / 25، كشف الغمة 2: 224، الصراط المستقيم 2: 192 / 20.

(2) بصائر الدرجات: 146 / 7، الخرائج والجرائح 2: 869 / 86، الثاقب في المناقب: 437 / 372.


الصفحة 324
عن محمد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم، قال: دخلت على عبد الله بن جعفر بن محمد بعد موت أبي عبد الله (عليه السلام) وكان ادعى الإمامة، فسألته عن شئ من الزكاة، فقلت له: كم في المائة؟

فقال: خمسة دراهم.

قلت: وكم في نصف المائة؟

قال: درهمين ونصف.

فقلت: ما قال بهذا أحد من الأمة. فخرجت من عنده إلى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) مستغيثا برسول الله، فقلت: يا رسول الله، إلى من؟ إلى القدرية؟ إلى الحرورية؟ (1) إلى المرجئة؟ إلى الزيدية؟ فإني لكذلك إذ أتاني رسول أبي الحسن (عليه السلام)، غلام صغير دون الخماسي، فقال: أجب مولاك موسى بن جعفر.

فأتيته فلما بصر بي من صحن الدار ابتدأني فقال: يا هشام! قلت: لبيك. قال:

لا إلى القدرية، ولا إلى الحرورية، ولا إلى المرجئة، ولا إلى الزيدية، ولكن إلينا. فقلت:

أنت صاحبي، فسألته فأجابني عن كل ما أردت (2).

276 / 19 - وبإسناده إلى محمد بن أبي عمير، عن سليم مولى علي بن يقطين، قال: أردت أن أكتب إليه أسأله: هل يتنور الرجل وهو جنب؟

فكتب إلي (عليه السلام) قبل أن أكتب إليه مبتدئا: " النورة تزيد الجنب نظافة ولكن لا يجامع الرجل مختضبا، ولا تجامع المرأة مختضبة ".(3)

277 / 20 - وروى عبد الله بن إبراهيم، عن إبراهيم بن محمد، قال: حدثنا

____________

(1) أي الخوارج.

(2) في " ط ": سألته.

بصائر الدرجات: 270 / 1 نحوه في الكافي 1: 285 / 7، والارشاد: 291، والخرائج والجرائح 1: 331 / 23، ومناقب ابن شهرآشوب 4: 290، وحلية الأبرار 2: 233.

(3) بصائر الدرجات: 271 / 3، التهذيب 1: 377 / 22، الخرائج والجرائح 2: 652 / 4، الثاقب في المناقب: 438 / 374، الصراط المستقيم 2: 193 / 24.


الصفحة 325
علي بن المعلى، قال: حدثنا ابن أبي حمزة، عن سيف بن عميرة، عن إسحاق بن عمار، قال: سمعت العبد الصالح (عليه السلام) يقول ونعى إلى رجل نفسه، فقلت في نفسي: والله، إنه ليعلم متى يموت الرجل من شيعته! فقال شبه المغضب: يا إسحاق، قد كان رشيد الهجري يعلم علم المنايا والبلايا، والإمام أولى بعلم ذلك.(1)

278 / 21 - وبإسناده عن سيف بن عميرة، عن إسحاق بن عمار (2)، قال:

سمعت العبد الصالح (عليه السلام) ينعى إلى رجل نفسه، قلت في نفسي: إنه ليعلم متى يموت الرجل من شيعته! فالتفت إلي شبه المغضب، فقال: يا إسحاق، كان رشيد الهجري من المستضعفين، وكان يعلم علم المنايا والبلايا، والحجة أولى بعلم ذلك.

ثم قال: يا إسحاق، اصنع ما أنت صانع، عمرك قد فني، وأنت تموت إلى سنتين، وأخوك وأهل بيتك لا يلبثون إلا يسيرا حتى تفترق كلمتهم، ويخون بعضهم بعضا.

قال إسحاق: فقلت: إني استغفر الله مما عرض في صدري.

قال سيف: فلم يلبث إسحاق بن عمار إلا يسيرا حتى مات، وما ذهبت الأيام حتى أفلس ولد عمار، وقاموا بأموال الناس.(3)

279 / 22 - أخبرني أبو الحسين محمد بن هارون، عن أبيه، قال: حدثنا أبو القاسم جعفر بن محمد العلوي، قال: حدثنا عبيد الله بن أحمد بن نهيك أبو العباس النخعي، عن محمد بن أبي عمير، عن هشام بن الحكم، عن عمر بن يزيد، قال:

سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: لا يشهد أبو جعفر (4) بالناس موسما بعد السنة.

____________

(1) بصائر الدرجات: 284 / 9، الكافي 1: 404 / 7، إثبات الوصية: 166، كشف الغمة 2: 242، ونحوه في رجال الكشي: 409 / 768، وإعلام الورى: 305، والخرائج والجرائح 2: 712 / 9، (2) (عن إسحاق بن عمار) ليس في " ع، م "، والصواب إثباته كما في الحديث السابق والمصادر.

(3) عيون المعجزات: 98، ونحوه في الخرائج والجرائح 1: 310 / 3، والثاقب في المناقب: 434 / 366، وإثبات الهداة 5: 504 / 16، ومدينة المعاجز: 459 / 94.

(4) وهو عبد الله بن محمد المنصور الخليفة العباسي، بويع له سنة (136) وحج في خلافته مرتين، وفي الثالثة أصيب بإسهال شديد فمات في بئر ميمون قبل أن يصل مكة سنة (158)، راجع تاريخ بغداد 10: 53 - 61، سير أعلام النبلاء 7: 83، الجوهر الثمين 1: 116 - 118، مآثر الإنافة 1: 175.


الصفحة 326
وكان حج في تلك السنة، فذهب عمر فخبر (1) أنه يموت في تلك السنة، وكانت تسع عشرة.

وكان يروى أنه لا يملك عشرين سنة.(2)

280 / 23 - وبإسناده عن محمد بن أبي عمير، عن عثمان بن عيسى، عن إبراهيم بن عبد الحميد، قال: أرسل إلي أبو الحسن (عليه السلام) أن " تحول عن منزلك " فشق ذلك علي، فقلت: نعم. ولم أتحول فأرسل إلي " تحول " فطلبت منزلا فلم أجد، وكان منزلي موافقا لي، فأرسل إلي الثالثة (3) أن " تحول عن منزلك ".

قال عثمان: فقلت: لا والله، لا أدخل عليك هذا المنزل أبدا. قال: فلما كان بعد يومين عند العشاء إذا أنا بإبراهيم قد جاء، فقال: ما تدري ما لقيت اليوم؟ فقلت: وما ذاك؟

قال: ذهبت استقي ماء من البئر، فخرج الدلو ملآن عذرة، وقد عجنا من البئر، فطرحنا العجين، وغسلنا ثيابنا، فلم أخرج منذ اليوم، وقد تحولت إلى المنزل الذي اكتريت.

فقلت له: وأنت أيضا تتحول. وقلت له: إذا كان غدا - إن شاء الله - حين ننصرف من الغداة نذهب إلى منزلك، فندعو لك بالبركة.

فلما خرجت من المنزل سحرا، فإذا إبراهيم عند القبر، فقال: تدري ما كان الليلة؟ فقلت: لا والله. فقال: سقط منزلي العلو والسفل (4).

281 / 24 - وحدثني أبو المفضل محمد بن عبد الله، قال: حدثني أبو النجم بدر ابن الطبرستاني، قال: حدثني أبو جعفر محمد بن علي الشلمغاني (5)، رفعه إلى

____________

(1) في " ع، م ": فخبر عمر.

(2) مدينة المعاجز: 431 / 17.

(3) (الثالثة) ليس في " ط ".

(4) قرب الإسناد: 145 " نحوه ".

(5) في " ع، م ": بن الشلمغان.


الصفحة 327
يعقوب السراج، قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) وهو واقف على أبي الحسن موسى (عليه السلام)، وهو في المهد فجعل يساره طويلا، فلما فرغ قال لي: ادن فسلم على مولاك. فدنوت فسلمت عليه، ثم قال لي: إمض فغير اسم ابنتك. وكنت قد سميتها باسم الحميراء فغيرته.(1)

282 / 25 - وبإسناده عن أبي جعفر محمد بن علي، قال: إن أبا حنيفة صار إلى باب أبي عبد الله (عليه السلام) ليسأله عن مسألة، فلم يأذن له، فجلس ينتظر الإذن، فخرج أبو الحسن (عليه السلام)، وسنه خمس سنين، فدعاه وقال له: يا غلام، أين يضع المسافر خلاه في بلدكم هذا؟

فاستند أبو الحسن (عليه السلام) إلى الحائط، وقال له: يا شيخ، يتوقى شطوط الأنهار، ومساقط الثمار، ومنازل النزال، وأفنية المساجد، ولا يستقبل القبلة، ولا يستدبرها، ويتوارى خلف جدار، ويضعه حيث شاء.

فانصرف أبو حنيفة في تلك السنة، ولم يدخل على أبي عبد الله (عليه السلام).(2)

283 / 26 - وبإسناده عن أبي جعفر محمد بن علي، رفعه إلى علي بن أبي حمزة، قال: كنت عند أبي الحسن (عليه السلام) إذ أتاه رجل من أهل الري، يقال له (جندب) فسلم عليه وجلس، فسأله أبو الحسن (عليه السلام) فأحسن السؤال، فقال له: ما فعل أخوك؟ فقال: بخير، جعلت فداك، وهو يقرئك السلام.

قال: يا جندب، أعظم الله أجرك في أخيك.

فقال: ورد، والله، علي كتابه لثلاثة (3) عشر يوما بالسلامة. فقال: يا جندب، إنه، والله، مات بعد كتابه بيومين، ودفع إلى امرأته مالا، وقال: ليكن هذا عندك، فإذا قدم أخي فادفعيه إليه، وقد أودعته الأرض، في البيت الذي كان هو فيه، فإذا أنت أتيتها

____________

(1) الكافي 1: 247 / 11، إثبات الوصية: 162، الارشاد: 290، إعلام الورى: 299، مناقب ابن شهرآشوب 4: 287، الثاقب في المناقب: 433 / 365، كشف الغمة 2: 221، الصراط المستقيم 2: 163، (2) الكافي 3: 16 / 5، إثبات الوصية: 162، تحف العقول: 411، الفصول المختارة من العيون والمحاسن: 43، أمالي المرتضى 1: 151، التهذيب 1: 30 / 18، إعلام الورى: 308، (3) في " ط ": بعد ثلاثة، وفي " ع ": بعهد ثلاثة.


الصفحة 328
فتلطف لها، وأطمعها في نفسك، فإنها ستدفعه إليك.

قال علي بن أبي حمزة: فلقيت جندبا بعد ذلك، فسألته عما كان قال أبو الحسن (عليه السلام)، فقال: صدق، والله، سيدي، ما زاد ولا نقص.(1)

284 / 27 - وأخبرني علي بن هبة الله الموصلي، قال: حدثني أبو جعفر محمد ابن علي بن الحسين بن موسى القمي، عن أبيه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أبي عبد الله محمد بن خالد البرقي، قال: حدثنا حماد بن عيسى الجهني، قال: دخلت على أبي الحسن موسى (عليه السلام)، فقلت له: جعلت فداك، ادع الله أن يرزقني دارا، وزوجة، وولدا، وخادما، وأحج في كل سنة.

فرفع يده ثم قال: اللهم صل على محمد وآل محمد، وارزقه دارا، وزوجة، وولدا، وخادما، والحج خمسين سنة.

قال حماد: فحججت ثمان وأربعين سنة، وهذه زوجتي وراء الستر تسمع كلامي، وهذا ابني، وهذا خادمي.

وحج بعد هذا الكلام حجتين، ثم خرج بعد الخمسين فزامل أبا العباس النوفلي، فلما صار في موضع الاحرام دخل يغتسل، فجاء الوادي فحمله، فغرق، فمات، ودفن بسيالة (2).

285 / 28 - وروى الحسن، قال: أخبرنا أحمد، قال: حدثنا محمد بن علي الصيرفي، عن علي بن محمد، عن الحسن، عن أبيه، عن أبي بصير، قال: سمعت العبد الصالح (عليه السلام) يقول: لما حضر أبي الموت قال: يا بني لا يلي غسلي غيرك، فإني غسلت أبي، وغسل أبي أباه، والحجة يغسل الحجة.

____________

(1) إثبات الوصية: 166، عيون المعجزات: 98، الخرائج والجرائح 1: 317 / 10، الثاقب في المناقب:

462 / 392، فرج المهموم: 230، كشف الغمة 2: 241، الصراط المستقيم 2: 190 / 7.

(2) وهي أول مرحلة لأهل المدينة إذا أرادوا مكة. معجم البلدان 3: 292.

قرب الإسناد: 128، إثبات الوصية: 168، أمالي المفيد: 12 / 11، الاختصاص: 205، رجال الكشي:

316 / 572، مناقب ابن شهرآشوب 4: 306.


الصفحة 329
قال: فكنت أنا الذي غمضت أبي، وكفنته، ودفنته بيدي.

وقال: يا بني، إن عبد الله أخاك يدعي الإمامة بعدي، فدعه، وهو أول من يلحق بي من أهلي. فلما مضى أبو عبد الله (عليه السلام) أرخى أبو الحسن ستره، ودعا عبد الله إلى نفسه.

قال أبو بصير: جعلت فداك، ما بالك حججت العام (1)، ونحر عبد الله جزورا؟

قال: إن نوحا لما ركب السفينة وحمل فيها من كل زوجين اثنين، حمل كل شئ، إلا ولد الزنا، فإنه لم يحمله، وقد كانت السفينة مأمورة، فحج نوح فيها، وقضى مناسكه.

قال أبو بصير: فظننت أنه عرض بنفسه، وقال: أما إن عبد الله لا يعيش أكثر من سنة. فذهب أصحابه حتى انقضت السنة. قال: فهذه فيما يموت. قال: فمات في تلك السنة.(2)

286 / 29 - وعنه، قال: أخبرنا أحمد بن محمد، عن محمد بن علي، عن علي ابن محمد، عن الحسن، عن أبيه علي بن أبي حمزة، قال: كنا بمكة وأصاب الناس تلك السنة صاعقة، ومات من ذلك خلق كثير، فدخلت على أبي الحسن (عليه السلام)، فقال لي مبتدئا: يا علي، ينبغي للغريق والمصعوق أن يتربص به ثلاثا، إلا أن يجئ منه ريح يدل على موته.

قلت: جعلت فداك، كأنك تخبرني أنه قد دفن ناس كثير ما ماتوا إلا في قبورهم؟ قال: نعم.(3)

287 / 30 - وروى الحسن، قال: أخبرنا أحمد بن محمد، [عن محمد بن علي] (4)، عن علي بن محمد، عن الحسن، [عن أبيه علي بن أبي حمزة] (5)، عن

____________

(1) في إثبات الوصية: ما بالك ما ذبحت العام.

(2) إثبات الوصية: 167، مناقب ابن شهرآشوب 4: 224.

(3) الكافي 3: 210 / 6، التهذيب 1: 338 / 159، مناقب ابن شهرآشوب 4: 292.

(4) أضفناه بدلالة ما تقدم من الأسانيد في هذا الباب، وما يأتي، راجع معجم رجال الحديث 16: 289.

(5) أضفناه كما في سند الحديثين السابقين، ورجال الكشي.


الصفحة 330
الأخطل الكاهلي، عن عبد الله بن يحيى الكاهلي، قال: حججت فدخلت عليه، فقال لي: اعمل خيرا في سنتك هذه، فقد دنا أجلك. فبكيت، فقال: ما يبكيك؟ قلت: جعلت فداك، نعيت إلي نفسي.

فقال لي: أبشر، فإنك من شيعتنا، وإنك إلى خير.

قال الأخطل: لما لبث عبد الله بعد ذلك إلا يسيرا حتى مات.(1)

288 / 31 - وعنه، قال: أخبرنا أحمد بن محمد، عن محمد بن علي، عن علي ابن محمد، عن الحسن، عن عيسى شلقان، قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) أريد أن أسأله عن أبي الخطاب، فقال مبتدئا: ما يمنعك أن تلقى ابني، فتسأله عن جميع ما تريد. قال: فذهبت إليه وهو قاعد في الكتاب، وعلى شفتيه أثر مداد، فقال لي مبتدئا:

يا عيسى، إن الله (تبارك وتعالى) أخذ ميثاق النبيين على النبوة، فلن يتحولوا إلى غيرها عنها أبدا، وأخذ ميثاق الوصيين على الوصية، فلن يتحولوا عنها أبدا، وأعار قوما الإيمان زمانا، ثم سلبهم إياه، وإن أبا الخطاب ممن أعير الإيمان ثم سلبه الله إياه.

قال: فضممته إلى صدري وقبلت بين عينيه، فقلت: بأبي أنت وأمي * (ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم) * (2).

ثم رجعت إلى أبي عبد الله (عليه السلام) فقال لي: ما صنعت يا عيسى؟ قلت له: بأبي أنت وأمي، أتيته فأخبرني، مبتدئا من غير أن أسأله عن شئ، بجميع ما أردت.

قال: يا عيسى، إن ابني الذي رأيته، لو سألته عما بين دفتي المصحف لأجابك فيه بعلم.

قال عيسى: ثم أخرجه ذلك اليوم من الكتاب، فعلمت عند ذلك أنه صاحب هذا الأمر.(3)

289 / 32 - وروى الحسن، قال: أخبرنا أحمد بن محمد، عن محمد بن علي،

____________

(1) رجال الكشي: 448 / 842.

(2) آل عمران 3: 34.

(3) قرب الإسناد: 143، الخرائج والجرائح 2: 653 / 5، مدينة المعاجز: 433 / 26.


الصفحة 331
عن علي، عن الحسن بن علي، عن علي بن أبي حمزة، قال: أرسلني أبو الحسن (عليه السلام) إلى رجل من أهل الوازارين، قلت: ليس يعرف الوازارين.

قال: الوازارين الذي يشتري غدد اللحم. قلت: قد عرفته.

قال: أتعرف فيه زقاقا يباع فيه الجواري؟ قلت: نعم.

قال: فإن على باب الزقاق شيخ يقعد على ظهر الطريق، بين يديه طبق فيه نبع (1)، يبيعه بنفسه للصبيان بفلس فلس، فائته واقرئه مني السلام، وأعطه هذه الثمانية عشر درهما، وقل له: يقول لك أبو الحسن: انتفع بهذه الدراهم، فإنها تكفيك حتى تموت.

قال: فأتيت الموضع، فطلبت الرجل فلم أجده في موضعه، فسألت عنه، فقالوا:

هذه الساعة يجئ، فلم ألبث أن جاء فقلت: فلان يقرئك السلام، وهذه الدنانير خذها، فإنها تكفيك حتى تموت. فبكى الشيخ، فقلت له: ما يبكيك؟ قال: ولم لا أبكي وقد نعيت إلي نفسي؟!

فقلت: ما عند الله خير لك مما أنت فيه.

قال: من أنت؟ قلت: أنا علي بن أبي حمزة.

قال: والله، ما كذبني، قال لي سيدي ومولاي: أنا باعث إليك مع علي بن أبي حمزة برسالتي.

فقلت: ومن أنت، لا أعرفك من إخواني؟

قال: أنا عبد الله بن صالح. قلت: وأين المنزل؟

قال: في سكة البربر (2)، عند دار أبي داود، وأنا معروف في منزلي، إذا سألت عني هناك.

قال: فلبثت عشرين ليلة وسألت عنه، فخبرت أنه شاك منذ أيام، فأتيت

____________

(1) النبع: شجر ينبت في قلة الجبل تتخذ منه القسي والسهام.

(2) في " ع، م ": للبربر.


الصفحة 332
الموضع الذي وصف، فإذا الرجل في حد الموت، فسلمت عليه فأثبتني (1)، فقلت له:

أوصني بما أحببت، أنفذه من مالي.

قال: يا علي، لست أخلف إلا ابنتي، وهذه الدويرة، فإذا أنا مت فزوج ابنتي ممن أحببت من إخوانك، ولا تزوجها إلا من رجل يدين الله بدينك، فإذا فعلت، فبع داري واحمل ثمنها إلى أبي الحسن (عليه السلام)، ولتشهد لي بالوصية، ولا يلي أحد غسلي غيرك حتى تدخلني قبري.

ففعلت جميع ما أوصاني به، وزوجت ابنته رجال من أصحابنا له دين، وبعت داره، وحملت الثمن إلى أبي الحسن (عليه السلام)، وأخبرته بجميع ما أوصاني به.

فقال أبو الحسن (عليه السلام): رحمه الله، قد كان من شيعتنا، وكان لا يعرف.(2)

290 / 33 - وروى الحسن، قال: أخبرنا أحمد بن محمد، عن محمد بن علي، عن علي، عن شعيب العقرقوفي، قال: بعثت مولاي إلى أبي الحسن (عليه السلام) ومعه مائتي دينار، وكتبت معه كتابا، وكان من الدنانير خمسين دينارا من دنانير أختي فاطمة، وأخذتها سرا لتمام المائتي دينار، وكنت سألتها ذلك فلم تعطني، وقالت: إني أريد أن أشتري بها قراح (3) فلان بن فلان.

فذكر مولاي أنه قدم فسأل عن أبي الحسن (عليه السلام) فقيل له: إنه قد خرج، فأسرع في السير، فقال: والله، إني لأسير من المدينة إلى مكة في ليلة مظلمة، وإذا الهاتف يهتف بي: يا مبارك، يا مبارك (4) مولى شعيب العقرقوفي! قلت: من أنت؟

قال: أنا معتب يقول لك أبو الحسن (عليه السلام): هات الكتاب الذي معك، ووافني بما معك إلى منى.

قال: فنزلت من محملي، فدفعت إليه الكتاب، وصرت إلى منى، فدخلت عليه

____________

(1) أي عرفني حق المعرفة " لسان العرب - ثبت - 2: 20 ".

(2) مدينة المعاجز: 433 / 27.

(3) القراح: المزرعة التي ليس عليها بناء ولا فيها شجر " الصحاح - قرح - 1: 396 ".

(4) (يا مبارك) ليس في " ع ".


الصفحة 333
وطرحت الدنانير عنده، فجر بعضها إليه، ودفع بعضها بيده، ثم قال لي: يا مبارك، ادفع هذه الدنانير إلى شعيب، وقل له: يقول لك أبو الحسن: ردها إلى موضعها الذي أخذتها منه، فإن صاحبتها تحتاج إليها.

قال: فخرجت من عنده، وقدمت على شعيب، فقلت له: قد رد عليك من الدنانير التي بعثت بها خمسين دينارا، وهو يقول لك: ردها إلى موضعها الذي أخذتها منه، فما قصة هذه الدنانير، فقد دخلني من أمرها ما الله به عليم.

فقال: يا مبارك، إني طلبت من فاطمة أختي خمسين دينارا لتمام هذه الدنانير، فامتنعت، وقالت: أريد أن أشتري بها قراح فلان بن فلان، فأخذتها سرا، ولم ألتفت إلى كلامها. قال شعيب: فدعوت بالميزان فوزنتها، فإذا هي خمسون دينارا، لا تزيد ولا تنقص.

قال: فوالله، لو حلفت عليها أنها دنانير فاطمة لكنت صادقا.

قال شعيب: فقلت لمبارك: هو والله إمام فرض الله طاعته، وهكذا صنع بي (1) أبو عبد الله (عليه السلام) الإمام من الإمام.(2)

291 / 34 - وروى الحسن، قال: حدثنا أحمد بن محمد، عن محمد بن علي، عن علي، عن الحسن، عن أبيه علي بن أبي حمزة، قال: قال لي أبو الحسن (عليه السلام) مبتدئا من غير أن أسأله عن شئ: يا علي، يلقاك غدا رجل من أهل المغرب، يسألك عني، فقل له: هو والله الإمام الذي قال لنا أبو عبد الله (عليه السلام)، وإذا سأل عن الحلال والحرام فأجبه عني.

قلت: ما علامته؟

قال: رجل طوال، جسيم، اسمه يعقوب، وهو رائد قومه، وإذا (3) أحب أن تدخله علي فأدخله.

____________

(1) (بي) ليس في " ط ".

(2) مناقب ابن شهرآشوب 4: 293، مدينة المعاجز: 434 / 28.

(3) في " م ": إن.


الصفحة 334
قال: فوالله، إني لفي الطواف، إذ أقبل إلي رجل طوال جسيم، فقال: إني أريد أن أسألك عن صاحبك. قلت: عن أي أصحابي؟ قال: عن فلان بن فلان. قلت: ما اسمك؟ قال: يعقوب. قلت: من أين أنت؟ قال: من المغرب. قلت: من أين عرفتني؟

قال: أتاني آت في منامي، فقال لي: الق عليا فاسأله عن جميع ما تحتاج إليه، فسألت عنك حتى دللت عليك. فقلت: اقعد في هذا الموضع حتى أفرغ من طوافي، وآتيك إن شاء الله. فطفت، ثم أتيته، فكلمت رجلا عاقلا، وطلب إلي أن أدخله على أبي الحسن (عليه السلام)، فأخذت بيده، واستأذنت، فأذن لي، فلما رآه أبو الحسن (عليه السلام) قال:

يا يعقوب: قدمت أمس، ووقع بينك وبين أخيك شر في موضع كذا وكذا، حتى شتم بعضكم بعضا، وليس هذا من ديني ولا دين آبائي، ولا نأمر بهذا أحدا، فاتق الله وحده، فإنكما ستعاقبان بموت، أما أخوك فيموت في سفره قبل أن يصل إلى أهله، و ستندم أنت على ما كان، ذلك أنكما تقاطعتما فبتر الله أعماركما.

قال الرجل: جعلت فداك، فأنا متى أجلي؟

قال: كان حضر أجلك، فوصلت عمتك بما وصلتها في منزلك كذا وكذا فأنسأ (1) الله به أجلك عشرين سنة. قال: فلقيت الرجل قابل بمكة، فأخبرني أن أخاه توفي في ذلك الوجه، ودفنه قبل أن يصل إلى أهله.(2)

292 / 35 - وروى الحسن، قال: أخبرنا أحمد بن محمد، عن محمد بن علي، عن علي، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، قال: دخلت المدينة وأنا شديد المرض، وكان أصحابنا يدخلون علي، فلم أعقل بهم، وذلك أنه أصابني حصر (3)، فذهب عقلي، فأخبرني إسحاق بن عمار أنه أقام علي بالمدينة ثلاثة أيام لا يشك أنه لا يخرج منها حتى يدفنني ويصلي علي، فخرج وأفقت بعد خروج إسحاق، فقلت لأصحابي: افتحوا كيسي وأخرجوا منه مائة درهم، واقسموها في أصحابي. ففعلوا.

____________

(1) انسأ: أي أخر " لسان العرب - نسأ - 1: 166 ".

(2) رجال الكشي: 442 / 831، الخرائج والجرائح 1: 307 / 1، مناقب ابن شهرآشوب 4: 294، كشف الغمة 2: 245، الصراط المستقيم 2: 189 / 1.

(3) الحصر: احتباس البطن " لسان العرب - حصر - 4: 194 ".


الصفحة 335
وأرسل إلي أبو الحسن (عليه السلام) بقدح فيه ماء، فقال الرسول: يقول لك أبو الحسن (عليه السلام): تشرب هذا الماء، فإن فيه شفاءك إن شاء الله (تعالى). ففعلت، فأسهل بطني وأخرج الله ما كنت أجده في بطني من الأذى.

فدخلت على أبي الحسن (عليه السلام) فقال: يا علي، كيف تجد نفسك؟

قلت: جعلت فداك، قد ذهب عني ما كنت أجده في بطني.

فقال: يا علي، أما إن أجلك كان قد حضر مرة بعد أخرى، ولكنك رجل وصول لقرابتك وإخوانك، فأنسأ الله في أجلك مرة بعد أخرى.

قال: وخرجت إلى مكة فلحقني إسحاق بن عمار، فقال: والله، لقد أقمت بالمدينة ثلاثة أيام، فأخبرني بقصتك. فأخبرته بما صنعت، وما قال لي أبو الحسن (عليه السلام).

فقال لي إسحاق بن عمار: هكذا قال لي أبو عبد الله (عليه السلام) مرة بعد أخرى، وأصابني مثل الذي أصابك (1).

293 / 36 - وروى الحسن، قال: أخبرني أحمد بن محمد، عن محمد بن علي، عن علي، عن الحسن، عن أبي خالد الزبالي، قال: مر بي أبو الحسن (عليه السلام) يريد بغداد زمن المهدي، أيام كان أخذ محمد بن عبد الله، فنزل في هاتين القبتين، في يوم شديد البرد، في سنة مجدبة، لا يقدر على عود يستوقد به تلك السنة، وأنا يومئذ أرى رأي الزيدية، أدين الله بذلك، فقال لي: يا أبا خالد، إئتنا بحطب نستوقد.

قلت: والله، ما أعرف في المنزل عودا واحدا.

فقال: كلا، خذ (2) في هذا الفج (3) فإنك تلقى أعرابيا، معه حملين، فاشترهما منه، ولا تماكسه (4).

____________

(1) رجال الكشي: 445 / 838.

(2) في " ع ": جد.

(3) أي الطريق الواسع بين جبلين.

(4) ماكسه: أي طلب منه أن ينقص الثمن.


الصفحة 336
فركبت حماري، وانطلقت نحو الفج الذي وصف لي، فإذا أعرابي معه حملين حطب، فاشتريتهما منه، وأتيته، فاستوقدوا منه يومهم، وأتيته بظرف مما عندنا، يطعم منه.

ثم قال: يا أبا خالد، انظر خفاف الغلمان ونعالهم، فأصلحها حتى نقدم عليك يوم كذا وكذا، من شهر كذا وكذا.

قال أبو خالد: وكتبت تاريخ اليوم، وليس همي غير هذه الأيام، فلما كان يوم الميعاد ركبت حماري، وسرت أميالا، ونزلت، فقعدت عند الجبل أفكر في نفسي، وأقول: والله، إن وافاني هذا اليوم الذي قال لي، فإنه الإمام الذي فرض الله طاعته على خلقه، لا يسع الناس جهله.

فقعدت حتى أمسيت، وأردت الانصراف، فإذا أنا براكب مقبل، فأشرت إليه فأقبل إلي فسلم، فرددت عليه السلام، فقلت: وراءك أحد؟

قال: نعم، قطار فيه نحو من عشرين، يشبهون أهل المدينة.

قال: فما لبثت أن ارتفع القطار، فركبت حماري وتوجهت نحو القطار، فإذا هو يهتف بي: يا أبا خالد، هل وفينا لك بما وعدناك؟

قلت: قد والله، كنت أيست من قدومك، حتى أخبرني راكب، فحمدت الله على ذلك، وعلمت أنك هو.

قال: ما فعلت القبتان اللتان كنا نزلنا فيهما؟ قلت: جعلت فداك، تذهب إليهما، وانطلقت معه حتى نزل القبتين، فأتيناه بغذاء فتغذى، وقال: ما حال خفاف الغلمان ونعالهم؟ قلت: أصلحتها، فأتيته بها، فسر بذلك، فقال: يا أبا خالد، زودنا من هذه الفسقارات (1) التي بالمدينة، فإنا لا نقدر فيها على هذه الأشياء التي تجدونها عندكم.

قال: فلم يبق شئ إلا زودته منه، ففرح وقال: سلني حاجتك. وكان معه محمد أخوه، قلت: جعلت فداك، أخبرك بما كنت فيه، وأدين الله به، إلى أن وقعت عليك، وقدمت علي، فسألتني الحطب، فأخبرتك بما أخبرتك، فأخبرتني بالأعرابي، ثم قلت لي

____________

(1) في " ط ": الفسقادات ولم نجد لها معنى مناسبا في كتب اللغة التي بين أيدينا.