294 / 37 - وروى الحسن، قال: أخبرنا أحمد بن محمد، عن محمد بن علي الصيرفي، عن علي، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي بصير، قال:
دخلت على أبي الحسن (عليه السلام)، فقلت: جعلت فداك، بم يعرف (2) الإمام؟
قال: بخصال، أما أولهن فبشئ تقدم من أبيه فيه، وعرفه الناس، ونصبه لهم علما حتى يكون عليهم حجة، لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نصب أمير المؤمنين (عليه السلام) علما، وعرفه الناس، وكذلك الأئمة، يعرفونهم الناس، وينصبونهم لهم حتى يعرفوهم، ويسأل فيجيب، ويسكت عنه فيبتدئ، ويخبر الناس بما في غد، ويكلم الناس بكل لسان.
قلت: بكل لسان؟
قال: نعم. قلت: فأعطني علامة.
قال: نعم الساعة قبل أن تقوم أعطيك علامة تطمئن إليها.
قال: (3) ثم إنه مر علينا رجل من أهل خراسان، فكلمه الخراساني بالعربية، فأجابه بالفارسية. قال الخراساني: والله، ما منعني أن أكلمك بكلامي إلا أني ظننت أنك لا تحسن أن تجيبني.
قال: سبحان الله! إذا كنت لا أحسن أن أجيبك فما فضلي عليك؟! ثم قال: يا أبا محمد، إن الإمام لا يخفى عليه كلام أحد من الناس، ولا طير، ولا بهيمة، ولا شئ
____________
(1) مناقب ابن شهرآشوب 4: 294، مدينة المعاجز: 435 / 31، ونحوه في قرب الإسناد: 140، وإثبات الوصية: 165، وإعلام الورى: 305، والخرائج والجرائح 1: 315 / 8.
(2) في " ع، م ": نعرف.
(3) في " ط ": قلت: نعم.
295 / 38 - وروى الحسن، قال: أخبرنا أحمد بن محمد، عن محمد بن علي، عن علي، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، قال: كنت عند أبي الحسن (عليه السلام) إذ دخل عليه ثلاثون مملوكا من الحبش، قد اشتروهم له، فكلم غلاما منهم، وكان جميلا من الحبش، ثم خرجوا، فقلت: جعلت فداك، لقد رأيتك تكلم هذا الغلام بالحبشية فبماذا أمرته؟
قال: أمرته أن يستوصي بأصحابه خيرا، ويعطيهم في كل هلال ثلاثين درهما، وذلك لما نظرت إليه علمت أنه غلام عاقل من أبناء ملوكهم، وأوصيته بجميع ما أحتاج، فقبل وصيتي، ومع هذا فهو غلام صدوق.
ثم قال: لعلك عجبت من كلامي بالحبشية! لا تعجب، فما يخفى عليك من أمر الحجة أكثر من ذلك وأعجب، وما هذا من الحجة في علمه إلا كطائر أخذ بمنقاره من البحر قطرة من ماء، أفترى الذي أخذ بمنقاره نقص من البحر شيئا؟! إن الإمام بمنزلة البحر، لا ينفد ما عنده، وعجائبه أكثر من ذلك.(2)
296 / 39 - وروى الحسن، قال: أخبرنا أحمد بن محمد، عن محمد بن علي، عن علي، عن الحسن، عن الحسين بن أبي العلاء، قال: كنت عنده ذات يوم وقد اشتريت له جارية نوبية، فقال لها: ما اسمك؟ قالت: مؤنسة.
قال لها: اسمك فلانة، وإنك كما سميت.
ثم قال: يا حسين، أما إنها ستلد غلاما لا يكون في ولدي أسخى منه، ولا أرق وجها، ولا أقضى للحاجة منه.
قلت: فما اسمه؟
قال: إبراهيم.
قال علي بن أبي حمزة: والله، إني أتيته بمنى مع أصحابي، إذ أتاني رسوله فقال
____________
(1) قرب الإسناد: 146، الكافي 1: 225 / 7، إثبات الوصية: 167، عيون المعجزات: 99، روضة الواعظين: 213، إعلام الورى: 304، الخرائج والجرائح 1: 333 / 24، مناقب ابن شهرآشوب 4: 299.
(2) قرب الإسناد: 144، الخرائج والجرائح 1: 312 / 5، الصراط المستقيم 2: 190 / 5.
قلت: أحبهما إليك.
قال: مكة خير لك. وانصرف، فقال لي عمران: تدري أين نزلنا العام؟
قلت: منزل أبي عبد الله (عليه السلام).
قال: لا، نزلنا العام في ذي طوى (3).
قلت: لا أعرف منزلكم.
قال: تعرف المسجد الصغير الذي على ظهر الطريق، الذي تصلي فيه المارة؟
قلت: نعم.
قال: اقعد لي ثم حتى آتيك.
فلما انصرفنا من منى أخذت طريقي إلى الموعد، فما استويت قاعدا حتى جاءني عمران، فقال: أجب. فأتيته، فوجدته في ظهر داره، في مسجد، قاعد، قد صلى المغرب، فلما دنوت منه، قال: اخلع نعليك فإنك بالواد المقدس طوى. فخلعت نعلي، وتخطيت المسجد، فقعدت معه، وأوتيت بخوان من خبيص مجفف بتمر، فأكلنا أنا وهو، وهو يقول لي: يا علي، كل تمرا. فأكلت، ثم رفع الخوان، فقال: يا علي، هلم الحديث، فوالله ما أنا بناعس ولا كسلان. وكنت أحدثه ثم غشيني النعاس (4)، فقال لي: قد
____________
(1) في " م، ط ": يشاهدوني.
(2) صحف في " م، ط، ع ": قرير المعالب، وفي مدينة المعاجز: قريش المقالب، وكذا في الموضع الآتي والظاهر صحة ما في المتن، وهو جبل قرب منى، بينه وبين مسجد منى ألف وخمسمائة وثلاثون ذراعا. راجع أخبار مكة للأزرقي 2: 185، الأعلاق النفيسة لابن رسته: 60.
(3) ذو طوى: موضع عند مكة، معجم البلدان 4: 45.
(4) في " ط ": ولا كسلان. فسألته سالبة من الليل ثم غشيني النعاس.
قلت: جعلت فداك، ما غمضت البارحة.
قال: إن أم ولد لي من أكرم أمهات أولادي، ضربها الطلق، فحملتها إلى قرين الثعالب، مخافة أن يسمع الناس صوته، فرزقني الله في ليلتي هذه غلاما - كما بشرني - وقد سميته إبراهيم.
فلم يكن في ولد أبيه أحسن وأسخى منه، ولا أرق وجها، ولا أشجع منه.(1)
297 / 40 - وروى الحسن، قال: حدثنا أحمد بن محمد، عن محمد بن علي، عن علي، عن الحسن، عن عاصم الحناط (2)، عن إسحاق بن عمار (3)، قال: كنت عنده إذ دخل عليه رجل من أهل خراسان، فكلمه بكلام لم أسمع قط كلاما كان أعجب منه، كأنه كلام الطير، فلما خرج قلت: جعلت فداك، أي لسان هذا؟
قال: هذا كلام أهل الصين (4).
ثم قال: يا إسحاق، ما أوتي العالم من العجب أعجب وأكثر مما أوتي من هذا الكلام.
قلت: أيعرف الإمام منطق الطير؟
قال: نعم، ومنطق كل شئ، ومنطق كل ذي روح، وما سقط عليه شئ من الكلام.(5)
298 / 41 - وروى أحمد بن الحسن، عن الحسن بن برة، عن عثمان بن
____________
(1) الخرائج والجرائح 1: 310 / 4، الصراط المستقيم 2: 190 / 4، إثبات الهداة 5: 569 / 130.
(2) في " ع، م ": الخياط، تصحيف، صوابه ما في المتن راجع رجال النجاشي: 301، معجم رجال الحديث 9: 180.
(3) صحف في النسخ: عمران، وما في المتن هو الصواب، وهو إسحاق بن عمار الصيرفي، من أصحاب الإمام الكاظم (عليه السلام)، راجع رجال النجاشي: 71، معجم رجال الحديث 3: 52 و 61.
(4) في " م، ط ": الطير.
(5) الخرائج والجرائح 1: 313 / 6، الثاقب في المناقب 462 / 391، كشف الغمة 2: 247، الصراط المستقيم 2: 190 / 6.
فقلت: عثمان بن عيسى من أوجع الناس، فقال: قل له يخرج.
ثم قال: من هاهنا؟ فعددت عليه ثمانية، فأمر بإخراج أربعة، وكف عن أربعة، فما أمسينا من غد حتى دفنا الأربعة الذين كف عن إخراجهم.
فقال عثمان بن عيسى: وخرجت أنا فأصبحت معافى.(3)
299 / 42 - وروى محمد بن الحسين، عن عبد الله بن سعيد (4) الدغشي، عن الحسن بن موسى، قال: اشتكى عمي محمد بن جعفر، حتى خفت عليه الموت.
قال: فكنا مجتمعين عنده إذ دخل أبو الحسن (عليه السلام) فقعد إلى ناحية (5)، وإسحاق عمي عند رأسه يبكي، فقعد قليلا ثم قام، فتبعته فقلت: جعلت فداك، يلومك إخوتك وأهل بيتك، ويقولون دخلت على عمك وهو في الموت، ثم خرجت.
فقال: ادن مني أخي، أرأيت هذا الباكي؟ سيموت وسيبكي عليه هذا.
قال: فبرأ محمد بن جعفر، واشتكى إسحاق فبكى عليه محمد.(6)
300 / 43 - وروى أبو حمزة، عن أبيه (7)، قال: كنت في مسجد الكوفة معتكفا
____________
(1) زاد في البحار والعوالم الناقلين عن البصائر: عن الحارث بن المغيرة النضري، والظاهر صحته كما يبدو ذلك من سياق الكلام، والسؤال والجواب. وفي سند البصائر: 284 / 11: عن خالد.
(2) ذكر الطبري في تاريخه 10: 53 في حوادث هذه السنة وقوع الوباء بمكة، فراجعه.
(3) بصائر الدرجات: 284 / 11 و: 285 / 16، الخرائج والجرائح 2: 714 / 12، مدينة المعاجز:
439 / 39، البحار 48: 55 / 61، عوالم الإمام الكاظم (عليه السلام): 105 / 14.
(4) في " ع، م ": سعد، راجع معجم رجال الحديث 10: 197.
(5) في " ع ": ناحيته.
(6) فرج المهموم: 231.
(7) في المناقب: علي بن أبي حمزة، والظاهر الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه.
قال: فأخذت الكتاب وأدخلته بيت بزي (1)، فجعلته في جوف صندوق مقفل، في جوف قمطر (2) مقفل، وبيت البز مقفل، ومفاتيح هذه الأقفال في حجرتي، فإذا كان الليل فهي تحت رأسي، وليس يدخل بيت بزي أحد غيري.
فلما حضر الموسم خرجت إلى مكة ومعي جميع ما كتب لي من حوائجه، فلما دخلت عليه قال: يا علي، ما فعل الكتاب الصغير الذي كتبت إليك، وقلت احتفظ به؟
قلت: جعلت فداك، عندي.
قال: أين؟ قلت: في بيت بزي، قد أحرزته، والبيت لا يدخله غيري.
قال: يا علي، إذا نظرت إليه أليس تعرفه؟
قلت: بلى، والله، لو كان بين ألف كتاب لأخرجته. فرفع مصلى تحته فأخرجه إلي، فقال: قلت: إن في البيت صندوق، في جوف قمطر مقفل، وفي جوف القمطر حق مقفل، وهذه المفاتيح معي في حجرتي بالنهار، وتحت رأسي بالليل؟
ثم قال: يا علي، احتفظ به، فلو تعلم ما فيه لضاق ذرعك.
قلت: قد وصفت لك، فما أغنى إحرازي.
قال علي: فرجعت إلى الكوفة والكتاب معي محتفظ به في (3) جبتي. فكان الكتاب مدة حياة علي في جبته، فلما مات جئت أنا ومحمد (4)، فلم يكن لنا هم إلا الكتاب، ففتقنا الجبة موقع الكتاب، فلم نجده، فعلمنا بعقولنا أن الكتاب قد صار إليه كما صار في المرة الأولى.(5)
____________
(1) أي ثيابي " لسان العرب - بزز - 5: 311 ".
(2) هو ما تصان فيه الكتب " لسان العرب - قمطر - 5: 117 ".
(3) في " ع، م " زيادة: يد.
(4) هما محمد والحسن ابنا علي بن أبي حمزة، كما في المناقب.
(5) الهداية الكبرى: 267، مناقب ابن شهرآشوب 4: 304 " نحوه "، إثبات الهداة: 5: 569 / 131، مدينة المعاجز: 439 / 41.
قلت: الله ورسوله ووليه أعلم.
فقال: يقول: يا مولاي، إن حية تريد أن تأكل فراخي في البيت، فقم بنا ندفعها عنه، وعن فراخه.
فقمنا ودخلنا البيت، فإذا حية تجول في البيت، فقتلناها.(1)
302 / 45 - وحدثني أبو عبد الله الحسين بن عبد الله الحرمي، قال: حدثني أبو محمد هارون بن موسى بن أحمد التلعكبري، قال: حدثني أبو علي محمد بن همام، قال:
حدثنا جعفر بن محمد بن مالك الفزاري، عن أبي عقيلة، عن أحمد التبان، قال: كنت نائما على فراشي، فما أحسست إلا ورجل قد رفسني برجله، فقال لي: يا هذا، ينام شيعة آل محمد؟ فقمت فزعا، فلما رآني فزعا ضمني إلى صدره، فالتفت فإذا إنا بأبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام)، فقال: يا أحمد، توضأ للصلاة.
فتوضأت، وأخذني بيدي، فأخرجني من باب داري، وكان باب الدار مغلقا، ما أدري من أين أخرجني! فإذا أنا بناقة معقلة له، فحل عقالها وأردفني خلفه، وسار بي غير بعيد، فأنزلني موضعا فصلى بي أربعا وعشرين ركعة. ثم قال: يا أحمد، تدري في أي موضع أنت؟
قلت: الله، ورسوله، ووليه، (2) وابن رسوله، أعلم.
قال: هذا قبر جدي الحسين بن علي (عليه السلام).
ثم سار غير بعيد حتى أتى الكوفة، وإن الكلاب والحرس لقيام، ما من كلب ولا حارس يبصر شيئا، فأدخلني المسجد، وإني لأعرفه وأنكره، فصلى بي سبع عشرة
____________
(1) بصائر الدرجات: 365 / 19، الخرائج والجرائح 1: 359 / 13، مناقب ابن شهرآشوب 4: 334، كشف الغمة 2: 305، الصراط المستقيم 2: 197 / 10.
(2) (ووليه) ليس في " م ".
قلت: الله، ورسوله، وابن رسوله، أعلم.
قال: هذا مسجد الكوفة، وهذه الطست.
ثم سار غير بعيد وأنزلني، فصلى بي أربعا وعشرين ركعة. ثم قال: يا أحمد، أتدري أين أنت؟
قلت: الله، ورسوله، وابن رسوله، أعلم.
قال: هذا قبر جدي علي بن أبي طالب (عليه السلام).
ثم سار بي غير بعيد، فأنزلني، فقال لي: أين أنت؟
قلت: الله، ورسوله، وابن رسوله، أعلم.
قال: هذا الخليل إبراهيم.
ثم سار بي غير بعيد، فأدخلني مكة، وإني لأعرف البيت وبئر زمزم وبيت الشراب، فقال لي: يا أحمد، أتدري أين أنت؟
قلت: الله، ورسوله، وابن رسوله، أعلم.
قال: هذه مكة، وهذا البيت، وهذه زمزم، وهذا بيت الشراب.
ثم سار بي غير بعيد، فأدخلني مسجد النبي (صلى الله عليه وآله) وقبره، فصلى بي أربعا وعشرين ركعة. ثم قال لي: أتدري أين أنت؟
قلت: الله، ورسوله، وابن رسوله، أعلم.
قال: هذا مسجد جدي رسول الله وقبره.
ثم سار بي غير بعيد، فأتى بي الشعب، شعب أبي جبير، فقال: يا أحمد، تريد أريك من دلالات الإمام؟ قلت: نعم.
قال: يا ليل، أدبر. فأدبر الليل عنا، ثم قال: يا نهار، أقبل. فأقبل النهار إلينا بالنور العظيم، وبالشمس حتى رجعت بيضاء نقية، فصلينا الزوال، ثم قال: يا نهار أدبر، يا ليل أقبل. فأقبل علينا الليل حتى صلينا المغرب، قال: يا أحمد، أرأيت؟ قلت:
حسبي هذا يا بن رسول الله.
قلت الله، ورسوله، وابن رسوله، أعلم.
قال: هذا جبل محيط بالدنيا. وإذا أنا بقوم عليهم ثياب بيض، فقال: يا أحمد، هؤلاء قوم موسى، فسلم عليهم. فسلمت عليهم فردوا علينا السلام.
قلت: يا بن رسول الله، قد نعست.
قال: تريد أن تنام على فراشك؟ قلت: نعم.
فركض برجله ركضة، ثم قال: نم (2). فإذا أنا في منزلي نائم، وتوضأت وصليت الغداة في منزلي.(3)
والحمد لله أولا وآخرا.
____________
(1) السكرجة: إناء صغير يؤكل فيه الشئ القليل من الأدم " مجمع البحرين - سكرج - 2: 310 ".
(2) في " ع، م ": قم.
(3) نوادر المعجزات: 160 / 3، مدينة المعاجز: 440 / 44.
أبو محمد علي بن موسى الرضا (عليه السلام)
معرفة ولادته
قال أبو محمد الحسن بن علي الثاني (عليه السلام): ولد بالمدينة سنة ثلاث وخمسين ومائة من الهجرة.(1)
ويروى سنة ست بعد وفاة جده أبي عبد الله (عليه السلام) بخمس سنين (2).
وأقام مع أبيه تسعا وعشرين سنة وأشهرا.
وأقام بعد أبيه سني إمامته: بقية ملك الرشيد، ثم ملك محمد بن هارون الأمين ثلاث سنين وثمانية عشر يوما، ثم خلع واجلس عمه إبراهيم بن شكلة أربعة عشر يوما، ثم ملك المأمون عشرين سنة وثلاثة وعشرين يوما، ووجه إلى أبي الحسن (عليه السلام) فحمله إلى خراسان (3).
____________
(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 18، تاريخ مواليد الأئمة: 192، مناقب ابن شهرآشوب 4: 367، كشف الغمة 2: 259، الفصول المهمة: 244.
(2) لم نجد هذه الرواية، والمروي سنة 148 هـ، وقيل: سنة 151 هـ، انظر الكافي 1: 406، الارشاد: 304، مناقب ابن شهرآشوب 4: 367، وفيات الأعيان 3: 270.
(3) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 19، تاج المواليد: 125، مناقب ابن شهرآشوب 4: 367.
خبر أمه (عليه السلام:)
303 / 1 - حدثني أبو المفضل محمد بن عبد الله، قال: حدثني أبو النجم بدر ابن عمار (1) الطبرستاني، قال: حدثني أبو جعفر محمد بن علي، رفعه إلى هشام بن أحمد، قال: قال لي أبو الحسن موسى (عليه السلام): قد قدم رجل من المغرب نخاس، فامض بنا إليه. فمضينا، فعرض علينا رقيقا، فلم يعجبه، قال لي: سله عما بقي عنده، فسألته، فقال: لم تبق إلا جارية عليلة. فتركناه وانصرفنا، فقال لي: عد إليه وابتع تلك الجارية منه بما يقول لك فإنه يقول لك كذا وكذا.
فأتيت النخاس فكان كما قال: وباعني الجارية، ثم قال لي: بالله، هي لك؟
قلت: لا.
قال: لمن هي؟ قلت: لرجل من بني هاشم.
قال: أخبرك أني اشتريت هذه الجارية من أقصى المغرب، فلقيتني امرأة من أهل الكتاب، فقالت: ما هذه الجارية معك؟ قلت: اشتريتها لنفسي.
قالت: ما ينبغي أن تكون هذه إلا عند خير أهل الأرض، ولا تلبث عنده إلا قليلا حتى تلد له غلاما يدين له شرق الأرض وغربها. فحملتها ولم تلبث إلا قليلا (2) حتى حملت بأبي الحسن (عليه السلام).
وكان يقال لها: تكتم (3).
وقال أبو الحسن (عليه السلام) لما ابتعت هذه الجارية، لجماعة من أصحابه: والله، ما اشتريت هذه الجارية إلا بأمر الله ووحيه.
فسئل عن ذلك فقال: بينا أنا نائم إذ أتاني جدي وأبي، ومعهما شقة حرير،
____________
(1) في " ط ": عمارة.
(2) (حتى تلد... قليلا) ليس في " ع ".
(3) في " ع، م ": قليم، وما في المتن هو المشهور في اسمها، وراجع " مجمع البحرين - كتم - 6: 151 ".
إن الله (عز وجل) سيظهر به العدل والرأفة والرحمة، طوبى لمن صدقه، وويل لمن عاداه وكذبه وعانده.(2)
خبر خروجه إلى خراسان:
304 / 2 - حدثني أبو المفضل محمد بن عبد الله، قال: حدثني أبو النجم بدر، قال: حدثني أبو جعفر محمد بن علي، قال: روى محمد بن عيسى، عن أبي محمد الوشاء، ورواه جماعة من أصحاب الرضا عن الرضا (عليه السلام)، قال:
لما أردت الخروج من المدينة جمعت عيالي وأمرتهم أن يبكوا علي حتى أسمع بكاءهم، ثم فرقت فيهم اثني عشر ألف دينار، ثم قلت لهم: إني لا أرجع إلى عيالي أبدا.
ثم أخذت أبا جعفر فأدخلته المسجد، ووضعت يده على حافة القبر، وألصقته به واستحفظته رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فالتفت أبو جعفر فقال لي: بأبي أنت وأمي، والله تذهب إلى عادية (3).
وأمرت جميع وكلائي وحشمي له بالسمع والطاعة، وترك مخالفته، والمصير إليه عند وفاتي، وعرفتهم أنه القيم مقامي.
وشخص على طريق البصرة إلى خراسان، واستقبله المأمون، وأعظمه وأكرمه، وعزم عليه في أمره، فقال له: إن هذا أمر ليس بكائن إلا بعد خروج السفياني. فألح عليه، فامتنع، ثم أقسم عليه فأبر قسمه، وعقد له الأمر، وجلس مع المأمون للبيعة.
____________
(1) في " ع ": وقال.
(2) إثبات الوصية: 170، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 17 / 4، الارشاد: 307، أمالي الطوسي 2: 331، عيون المعجزات: 106، الخرائج والجرائح 2: 653 / 6، كشف الغمة 2: 272، حلية الأبرار 2: 296.
(3) في " ع، م ": هادمة.
فلما خرج من بابه ضج الناس بالبكاء، وكاد البلد يفتتن، واتصل الخبر بالمأمون، فبعث إليه: كنت أعلم مني بما قلت، فارجع. فرجع ولم يصل بالناس.(1)
ثم زوجه ابنته، وسأله أن يخطب، فقال: الحمد لله الذي بيده مقادير الأقدار، وبمشيئته تتم الأمور، وأشهد أن لا إله إلا الله، شهادة يواطئ القلب اللسان، والسر الاعلان، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، انتجبه رسولا فنطق البرهان بتحقيق نبوته، بعد أمر لم (2) يأذن الله فيه، وقرب أمر مآب (3) مشيئة الله إليه، ونحن نتعرض بالدعاء لخيرة القضاء، والذي يذكر أم حبيب بنت أمير المؤمنين، صلة الرحم، وأمشاج للشبكة (4)، وقد بذلت لها خمسمائة درهم، فزوجتني يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم.
قال: قد قبلت ورضيت.(5)
وجعله ولي عهده في حياته، وضرب الدراهم على اسمه، وهي: (الدراهم الرضوية) تعرف بذلك.
وجمع بني العباس وناظرهم، وألزمهم الحجة، وبين فضل الرضا، ورد فدك على ولد فاطمة (صلوات الله عليها).
ثم غدر به، وفكر في قتله، فقتله بطوس من خراسان، واستشهد ولي الله وقد كمل عمره تسعة وأربعين سنة وستة أشهر، في شهر رمضان يوم الجمعة سنة اثنتين ومائتين من الهجرة.
____________
(1) مدينة المعاجز: 502 / 117.
(2) في " ع، م ": بعد أمركم.
(3) في " ط ": أومأت.
(4) الأمشاج: جمع مشيج أو مشج، أي المختلط. والشبكة: القرابة، واشتبكت بينهم الأرحام: توشجت.
(5) إثبات الوصية: 179.
وكان سبب وفاته أن المأمون سمه.(3)
305 / 3 - وهو ما رواه أبو الحسن بن عباد، قال: حدثني أبو علي محمد بن مرشد (4) القمي، قال: حدثنا محمد بن منير، قال: حدثني محمد بن خالد الطاطري، قال: حدثني هرثمة بن أعين، قال: كنت بين يدي المأمون إلى أن مضى من الليل أربع ساعات، ثم أذن بالانصراف، فانصرفت إلى منزلي.
فلما مضى ساعتان من آخر الليل، قرع قارع بابي، فكلمه بعض غلماني، فقال له: قل لهرثمة: أجب سيدك. فقمت مسرعا، فأخذت علي أثوابي، وأسرعت إلى سيدي، فدخل الغلام بين يدي، ودخلت وراءه، فإذا بسيدي في صحن داره جالس، فقال لي: يا هرثمة! فقلت: لبيك يا مولاي. فقال لي: اجلس. فجلست، فقال لي:
اسمع وع يا هرثمة، هذا أوان رحيلي إلى الله (عز وجل)، ولحاقي بآبائي وجدي (عليهم السلام)، وقد بلغ الكتاب أجله، وقد عزم هذا الطاغي على سمي في عنب ورمان مفروك.
فأما العنب، فإنه يغمس السلك ويجريه بالخياط في العنب ليخفى، وأما الرمان، فإنه يطرح السم في كف بعض غلمانه، ويفرك الرمان به مدة، ليتلطخ حبه في ذلك السم، وإنه سيدعوني في يومنا هذا المقبل، ويقدم إلي الرمان والعنب، ويسألني أكله، ثم ينفذ الحكم والقضاء.
فإذا أنا مت فسيقول: أنا اغسله بيدي، فإذا قال ذلك فقل له عني - بينك وبينه - أنه قال لي: قل له لا يتعرض لغسلي، ولا لتكفيني، ولا لدفني، فإنه إن فعل ذلك عاجله من العذاب ما أخر عنه، وحل به أليم ما يحذر، فإنه سينتهي.
____________
(1) في " ع ": عمره تسعة وأربعين سنة ثلاث ومائتين. ويروى يوم الثلاثاء لست ليال خلون من ذي الحجة سنة ست ومائتين من.
(2) تاريخ الأئمة: 12، الكافي 1: 406، الارشاد: 304، مسار الشيعة: 52، تاج المواليد: 126، تذكرة الخواص: 355، كفاية الطالب: 458، كشف الغمة 2: 267، المستجاد من كتاب الارشاد: 492.
(3) تذكرة الخواص: 355، المستجاد من كتاب الارشاد: 498، كشف الغمة 2: 281.
(4) في " ع ": زيد، وفي " م ": رشيد.
قال: فإذا خلى (1) بينك وبين غسلي، فيجلس في علو من أبنيته هذه، مشرفا على موضع غسلي لينظر، فلا تعرض يا هرثمة في شئ من غسلي حتى ترى فسطاطا قد ضرب في جانب الدار، أبيض، فإذا رأيت ذلك فاحملني في أثوابي التي أنا فيها، فضعني من وراء الفسطاط، وقف من ورائه، ويكون من معك دونك، ولا تكشف عن الفسطاط حتى تراني فتهلك.
فإنه سيشرف عليك ويقول لك: يا هرثمة، أليس زعمتم أن الإمام لا يغسله إلا إمام مثله؟! فمن يغسل أبا الحسن وابنه محمد بالمدينة من بلاد الحجاز ونحن بطوس؟! فإذا قال ذلك فأجبه وقل له: إنا نقول أن الإمام يجب أن يغسله الإمام، فإن تعدى متعد فغسل الإمام لم تبطل إمامة الإمام لتعدي غاسله، ولا بطلت إمامة الإمام الذي بعده بأن غلب على غسل أبيه، ولو ترك أبو الحسن علي بن موسى بالمدينة لغسله ابنه محمد ظاهرا، ولا يغسله الآن أيضا إلا هو من حيث يخفى، ما يغسله أحد غير من ذكرته.
فإذا ارتفع الفسطاط، فسوف تراني مدرجا في أكفاني، فضعني على نعشي، واحملني.
فإذا أراد أن يحفر قبري، فإنه سيجعل قبر أبيه هارون الرشيد قبلة لقبري، ولا (2) يكون ذلك أبدا، وإذا ضربوا بالمعاول فستنبو (3) عن الأرض، ولا ينفجر لهم منها ولا قلامة الظفر، فإذا اجتهدوا في ذلك وصعب عليهم، فقل لهم عني: إني أمرتك أن تضرب معولا واحدا في قبلة قبر أبيه هارون الرشيد.
فإذا ضربت انفتح في الأرض قبر محفور، وضريح قائم، فإذا انفرج ذلك القبر فلا تنزلني فيه حتى تقرب منه، فترى ماء أبيض، فيمتلئ به ذلك القبر مع وجه
____________
(1) في " ط " زيادة: بيني و.
(2) في " ع ": وأنى.
(3) يقال نبا الشئ عني: أي تجافى وتباعد " الصحاح - نبا - 6: 2500 ".
قال: قلت: نعم يا سيدي.
قال: ثم قال لي: احفظ ما عهدت إليك، واعمل ولا تخالف.
قلت: أعوذ بالله أن أخالف لك أمرا يا سيدي.
قال هرثمة: ثم خرجت باكيا حزينا، فلم أزل كالحبة على المقلاة، لا يعلم ما في نفسي إلا الله (عز وجل). ثم دعاني المأمون، فدخلت إليه، فلم أزل قائما إلى ضحى النهار، ثم قال المأمون: امض يا هرثمة إلى أبي الحسن، فأقرئه عني السلام، وقل له:
إما تصير إلينا، أو نصير إليك، فإن قال لك: بل نصير إليه فاسأله عني أن يقدم مصيره.
قال: فجئته، فلما طلعت على سيدي (عليه السلام) قال لي: يا هرثمة، أليس قد حفظت ما وصيتك به؟ قلت: بلى، قال: قدموا بغلي. وقال: علمت ما قد أرسلك به.
قال: فقدمت بغله، ومشى إليه، فلما دخل المجلس قام إليه المأمون قائما فعانقه، وقبل بين عينيه، وأجلسه إلى جانبه على سريره، وأقبل عليه يحادثه ساعة من النهار طويلة، ثم قال لبعض غلمانه: إئتونا بعنب ورمان.
قال هرثمة: فلما سمعت ذلك لم أستطع الصبر، ورأيت النفضة عرضت في جسدي، فكرهت أن يتبين، فتراجعت القهقرى حتى خرجت، فرميت نفسي في موضع من الدار، فلما قرب نحو زوال الشمس أحسست بسيدي قد خرج من عنده، ورجع إلى داره.
ثم رأينا الآمر قد خرج من عند المأمون بإحضار الأطباء والمترفقين، فقلت:
ما ذاك؟ فقيل: علة عرضت لأبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام). فكان الناس في شك وكنت في يقين، لما علمته منه.
قال: فلما كان في بعض الليل، وهو الثلث الثاني، علا الصياح وسمعت
قال: فوقفت فيمن وقف، وأنا أحس بنفسي تكاد تنفطر، فلما أصبحنا جلس المأمون لتعزيته، ثم قام يمشي إلى الموضع الذي فيه سيدنا الرضا (عليه السلام)، فقال:
أصلحوا لنا موضعا، فإني أريد أن اغسله. فدنوت منه فقلت: خلوة يا أمير المؤمنين، فأخلى نفسه، فأعدت عليه ما قاله سيدي بسبب الغسل والكفن والدفن.
فقال لي: لست أعرض في ذلك، شأنك يا هرثمة.
قال: فلم أزل قائما حتى رأيت الفسطاط الأبيض قد نصب إلى جانب الدار، فحملته ووضعته بقرب الفسطاط، وكان داخله، ووقفت من ظاهره، وكل من في الدار دوني، وأنا أسمع التكبير، والتهليل، والتسبيح، وتردد الأواني، وصوت صب الماء، وسطوع ريح طيب لم أشم مثله.
قال: فإذا أنا بالمأمون قد أشرف علي من بعض علو داره، فصاح: يا هرثمة، أليس زعمتم أن الإمام لا يغسله إلا إمام مثله، وأين ابنه محمد عنه، وهو بمدينة الرسول ونحن بطوس من أرض خراسان؟
قال: فقلت له: يا أمير المؤمنين: إنا نقول إن الإمام يجب أن يغسله إمام مثله، فإن تعدى متعد فغسل الإمام لم تبطل إمامة الإمام لتعدي غاسله، ولا بطلت إمامة الإمام الذي بعده بأن غلب على غسل أبيه، ولو ترك أبو الحسن علي بن موسى الرضا بالمدينة لغسله ابنه محمد ظاهرا، ولا يغسله الآن أيضا إلا هو من حيث يخفى.
قال: فسكت عني. ثم ارتفع الفسطاط فإذا أنا بسيدي مدرج في أكفانه فوضعته على نعشه، ثم حملناه، فصلى عليه المأمون، وجميع من حضر، ثم جئنا إلى موضع القبر، فوجدتهم يضربون المعاول من فوق قبر هارون، ليجعلوه قبلة القبر، والمعاول تنبو، فقال: ويحك يا هرثمة! أما ترى الأرض كيف تمتنع من حفر قبر له؟!
____________
(1) في " ع، م ": الوجبة.
(2) في " ط ": الإزار.