فقلت له: إنه قد أمرني أن أضرب معولا واحدا في قبلة قبر (1) أبيك هارون الرشيد، لا أضرب غيره.
قال: إذا ضربت يا هرثمة، يكون ماذا؟
فقلت له: أخبرني أنه لا يجوز أن يكون قبر أبيك قبلة لقبره، وإنني إذا ضربت هذا المعول الواحد يصير القبر محفورا من غير يد تحفره، ويأتي ضريح في وسطه.
قال المأمون: سبحان الله! ما أعجب هذا الكلام، ولا عجب من أمر أبي الحسن، فاضرب حتى نرى (2).
قال هرثمة: فأخذت المعول بيدي، فضربت في قبلة قبر هارون، قال: فانفرج القبر محفورا، والضريح في وسطه قائما، والناس ينظرون.
قال: أنزله يا هرثمة. فقلت: يا سيدي، إنه أمرني أن لا أنزله حتى ينفجر من أرض هذا القبر ماء أبيض، فيمتلئ به القبر مع وجه الأرض، ثم يظهر فيه حوت بطول القبر، فإذا غاب الحوت، وغار الماء، وضعته على جانب القبر (3)، وخليت بينه وبين ملحده.
قال: فافعل يا هرثمة ما أمرت. قال: فانتظرت حتى ظهر الماء والحوت، وانتظرت الحوت حتى غاب، وغار الماء، والناس ينظرون، ثم جعلت النعش إلى جانب القبر، وسجف من فوقه سجف لم أبسطه أبيض، ثم أنزل إلى القبر بغير يدي ولا يد أحد ممن حضر، فأشار المأمون إلى الناس أن أهيلوا (4) بأيديكم التراب فاطرحوا فيه.
فقلت: لا تفعل يا أمير المؤمنين.
فقال: ويحك فبم يمتلئ (5)؟
____________
(1) (قبر) ليس في " ع، م ".
(2) في " ط " زيادة: ما قال.
(3) في " م ": قبره.
(4) في " ط ": هيلوا، وفي " ع ": هاتوا.
(5) في " ع، م ": يعلى.
فرموا ما في أيديهم من التراب، ثم امتلأ القبر، وأنطبق، وتربع على وجه الأرض، وانصرف المأمون، وانصرفنا.
فدعاني وأخلى مجلسه، ثم قال: والله يا هرثمة، لتصدقني بجميع ما سمعته من أبي الحسن علي بن موسى الرضا.
قال: فقلت: أخبرت أمير المؤمنين بما قال لي.
قال: لا والله، لتصدقني بما أخبرك به غير ما قلت لي.
قال: قلت: يا أمير المؤمنين، فعم تسألني؟
قال: بالله يا هرثمة، أسر إليك شيئا غير هذا؟ فقلت: نعم.
قال: فما هو؟
قلت: خبر العنب والرمان، فأقبل يتلون ألوانه بصفرة وحمرة وسواد، ثم مد نفسه كالمغشي عليه. قال: وسمعته في غشيته، وهو يقول: ويل للمأمون من الله، ويل للمأمون من رسول الله، ويل للمأمون من علي بن أبي طالب، ويل للمأمون من فاطمة، ويل للمأمون من الحسن و (1) الحسين، ويل للمأمون من علي بن الحسين، ويل للمأمون (2)، ويل لأبيه هارون من موسى بن جعفر، هذا والله الخسران حقا، يقول هذا القول ويكرره، فلما رأيته قد أطال ذلك وليت عنه، فجلست في بعض الدار.
قال: فجلس فدعاني، ودخلت عليه وهو كالسكران، فقال: والله، ما أنت علي أعز منه، ولا جميع من في الأرض، فوالله (3) لئن بلغني أنك أعدت ما سمعت ورأيته، ليكونن (4) هلاكك أهون علي مما لم يكن.
____________
(1) في " ط ": بن علي ويل للمأمون من.
(2) (أبي طالب، ويل للمأمون... ويل للمأمون) ليس في " ع ".
(3) في " ط ": الأرض من قومه.
(4) في " ط " زيادة: هذا الكلام.
قال: لا والله، إلا أن تعطيني عهدا وميثاقا أنك تكتم هذا ولا تعيده.
قال: فأخذ مني العهد والميثاق، وأكثره علي، فلما وليت عنه صفق بيده، وسمعته يقول * (يستخفون من الناس) * (1) إلى آخر الآية.(2)
ولدعبل بن علي في معنى القبرين:
حويت قبرين: (3) خير الناس كلهم | وقـبـر شـرهــم هـذا مـن العبـر |
ما ينفع الرجس من قرب الزكي ولا | على الزكي بقرب الرجس من ضرر (4) |
306 / 4 - وأنشدني أبو أحمد عبد السلام البصري، قال: أنشدني أبو عبيد الله محمد بن عمران بن موسى المرزباني، قال: أنشدني أحمد بن محمد المكي، قال: أنشدنا يحيى بن الحسن العلوي، قال: أنشدنا دعبل بن علي لنفسه:
مدارس آيات خلت من تلاوة | ومنزل وحي مقفر العرصات (5) |
قال أبو أحمد عبد السلام: لما بلغ إنشاده لي هذه القصيدة وبلغ منها إلى هذا الموضع:
وقبر ببغداد لنفس زكية | تضمنها الرحمن في الغرفات |
قال أبو عبيد الله المرزباني: لما دخل دعبل على علي بن موسى الرضا (عليه السلام) بطوس وأنشده هذه القصيدة، وبلغ إلى هذا الموضع، قال علي بن موسى الرضا (عليه السلام):
وقبر بطوس يا لها من مصيبة | تردد بين الصدر واللهوات |
إلى الحشر حتى يبعث الله قائما | يفرج عنا الهم والكربات |
فقال دعبل: لا أعرف قبرا بطوس. قال (عليه السلام): بلى، قبري بها.
____________
(1) النساء 4: 108.
(2) الهداية الكبرى: 282 " نحوه "، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 245 / 1.
(3) في الديوان وعيون الأخبار: قبران في طوس.
(4) الديوان: 198، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 251.
(5) انظر الديوان: 124.
فلولا الذي أرجوه في اليوم أو غد | تقطع نفسي بينهم حسرات |
خروج إمام لا محالة خارج | يقوم على اسم الله والبركات (1) |
فلما فرغ من إنشاده قام الرضا (عليه السلام) فدخل منزله، وبعث إليه خادما بخرقة حرير فيها ستمائة دينار، وقال للخادم: قل له: يقول لك مولاي: استعن بهذا على سفرك، وأعذرنا.
فقال له دعبل: لا والله، ما هذا أردت، ولا له خرجت، ولكن قل له: أكسني ثوبا من أثوابك. وردها عليه، فردها إليه الرضا (عليه السلام) وقال له: خذها. وبعث إليه بجبة من ثيابه.
فخرج دعبل حتى ورد قم، فنظر أهل قم إلى الجبة، فأعطوه بها ألف دينار، فأبى عليهم، وقال: لا والله، ولا خرقة منها بألف دينار. ثم خرج من قم، فتبعوه فقطعوها عليه، وأخذوا الجبة، فرجع إلى قم، فكلمهم فيها، فقالوا: ليس إليها سبيل، ولكن إن شئت فهذه الألف دينار. قال لهم: وخرقة من الجبة. فأعطوه ألف دينار وخرقة من الجبة.(2)
نسبه (عليه السلام)
وهو: علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف.
____________
(1) في عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 266 / 35 بالإسناد عن دعبل الخزاعي، قال: فلما انتهيت إلى قولي:
خروج إمام لا محالة خارج | يقوم على اسم الله والبركات |
بكى الرضا (عليه السلام) بكاء شديدا، ثم رفع رأسه إلي، فقال لي: " يا خزاعي، نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين، فهل تدري من هذا الإمام؟ " الحديث، ويتضمن النص على القائم (عليه السلام).
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 263، كمال الدين وتمام النعمة 2: 372 / 6، مناقب ابن شهرآشوب 4: 338، ينابيع المودة: 454، " نحوه " وانظر إعلام الورى: 329، وكشف الغمة 2: 263 و 318، العدد القوية: 283 / 15.
ويكنى:
أبا الحسن، والخاص: أبا محمد (1).
ولقبه:
الرضا، والصابر (2)، والوفي، ونور الهدى، وسراج الله، والفاضل، وقرة عين المؤمنين، ومكيد الملحدين (3).
[اسم أمه]: قيل: إن اسم أمه: سكن النوبية، ويقال لها: الخيزران، ويقال: صفراء (4)، وتسمى:
أروى، وأم البنين (5).
[نقش خاتمه (عليه السلام)]
وكان له خاتم، نقش فصه: العزة لله (6).
قال أبو الحسن بن عباد: قال لي الرضا (عليه السلام) مرارا: أنا والرشيد كهاتين.
وأومأ بإصبعيه السبابة والوسطى، فلم أدر ما قال، ومنعتني هيبته أن أسأله، حتى مضى فقبروه إلى جانب الرشيد (7).
وبوابه (عليه السلام):
محمد (8) بن الفرات (9).
ذكر ولده (عليه السلام):
أبو جعفر محمد بن علي الإمام (عليه السلام) (10).
____________
(1) الهداية الكبرى: 279.
(2) في " ط " زيادة: والضامن.
(3) تاريخ الأئمة: 28، تاريخ مواليد الأئمة: 194، مناقب ابن شهرآشوب 4: 366، تذكرة الخواص: 351، كشف الغمة 2: 260، الفصول المهمة: 244، نور الأبصار: 309.
(4) في المناقب: صقر، وفي كشف الغمة والفصول المهمة وتاريخ مواليد الأئمة، شقراء.
(5) الكافي 1: 406، تاريخ مواليد الأئمة: 193، مناقب ابن شهرآشوب 4: 367، تذكرة الخواص: 351، كشف الغمة 2: 259، المستجاد من كتاب الارشاد: 492، نور الأبصار: 309.
(6) في الفصول المهمة: 244 ونور الأبصار: 309: حسبي الله.
(7) الارشاد: 316، كشف الغمة 2: 282، نور الأبصار: 325.
(8) في " ع، م ": عمر.
(9) تاريخ الأئمة: 33، الفصول المهمة: 244، نور الأبصار: 309.
(10) أضيف في بعض المصادر: الحسن وجعفر وإبراهيم والحسين وعائشة: انظر: تاريخ مواليد الأئمة:
193، كشف الغمة 2: 267، الفصول المهمة: 246.
ذكر معجزاته (عليه السلام)
307 / 5 - وعنه، قال: حدثني أبو علي محمد بن زيد القمي، قال: حدثني محمد ابن منير، قال: حدثني محمد بن خلف الطوسي، قال: حدثني هرثمة بن أعين، قال:
دخلت على سيدي الرضا علي بن موسى (عليه السلام)، وقد ذكر أنه قد مات، ولم يصح، فدخلت أريد الإذن عليه.
وكان في بعض ثقات خدم المأمون خادم يقال له (صبيح الديلمي) وكان يتولى سيدنا الرضا علي بن موسى (عليه السلام) حق الولاء (1).
قال: وإذا أنا بصبيح قد خرج، فلما رآني قال لي: يا هرثمة، ألست تعلم أنني ثقة المأمون على سره وعلانيته؟ قال: قلت: بلى.
قال: اعلم يا هرثمة، أن المأمون دعاني وثلاثين غلاما من ثقاته على سره وعلانيته، في الثلث الأول من الليل، فدخلت وقد صار نهارا من الشموع وبين يديه سيوف مستلة مشحوذة مسمومة، فدعا بنا غلاما غلاما، فأخذ علينا العهد والميثاق بلسانه، وليس بحضرته أحد من خلق الله غيرنا، فقال لنا: إن هذا (2) لازم لكم، أنكم تفعلون ما آمركم به، ولا تخلفوا عنه.
قال: فحلفنا له، فقال: يأخذ كل واحد منكم من الأسياف سيفا بيده، وامضوا حتى تدخلوا على علي بن موسى في حجرته، فإن وجدتموه قائما، أو قاعدا، أو نائما، فلا تكلموه وضعوا أسيافكم هذه عليه، فرضوه رضا بها، حتى تخلطوا لحمه ودمه وشعره وعظمه ومخه، ثم أدرجوا عليه بساطه، وامسحوا أسيافكم وصيروا إلي، فقد جعلت لكل واحد منكم على هذا الفعل وكتمانه عشرة آلاف درهم، وعشر ضياع منتخبة، والحظوة مني ما حييت وبقيت.
قال: فأخذنا الأسياف بأيدينا، ودخلنا عليه في حجرته، فوجدناه مضطجعا يقلب طرفه ويده، ويتكلم كلاما لا نعقله. قال: فبادرت الأسياف إليه، حتى فعل ذلك،
____________
(1) (حق الولاء) ليس في " ع ".
(2) في " ع ": فقال: هذا.
قال: فقال: أيكم كان أسرع إليه بسيفه، قالوا: صبيح الديلمي، يا أمير المؤمنين. فجزاني خيرا. ثم قال: لا تعيدوا شيئا مما جرى فتبخسوا (1) حظكم مني، وتعجلوا الفناء، وتخسروا الآخرة والأولى.
قال: فلما كان انبلاج (2) الفجر خرج المأمون فجلس في مجلسه، مكشوف الرأس، محلول الأزرار، وأظهر الحزن، وقعد للتعزية، وقبل أن يصل إليه الناس قام حافيا فمشى إلى الدار، لينظر (3) إليه، وأنا بين يديه فلما دخل في حجرته سمع همهمة فارتعد، ثم قال: من عنده؟
فقلنا: لا علم لنا به يا أمير المؤمنين. قال: أسرعوا. قال صبيح: فأسرعنا إليه فإذا نحن بسيدي جالس في محرابه، مواصل تسبيحه، فقلنا: يا أمير المؤمنين، هو ذا نرى شخصا جالسا في محرابه يصلي ويسبح.
قال: فانتفض المأمون وارتعد، ثم قال: غدرتم، لعنكم الله. قال: ثم التفت إلي من بينهم فقال: يا صبيح، أنت تعرفه، فانظر من المصلي عنده. قال صبيح: فدخلت وولى المأمون راجعا، فلما صرت بعتبة الباب قال لي: يا صبيح! قلت: لبيك يا مولاي، وسقطت لوجهي.
فقال: قم رحمك الله، فارجع وقل له: * (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون) * (4) فرجعت إلى المأمون فوجدت وجهه كقطع الليل المظلم، فقال لي: يا صبيح، ما وراءك؟
____________
(1) في " ع، م ": فتخيبوا.
(2) في " ع، م ": انسلاخ.
(3) في " ط ": وأنا أنظر.
(4) الصف 61: 8.
قال: ثم شد أزراره، وأمر برد أثوابه، وقال: قولوا: إنه قد كان غشي عليه، وقد أفاق من غشيته.
قال هرثمة: فدخلت على سيدي الرضا (عليه السلام)، فلما رآني قال: يا هرثمة، لا تحدث بما حدثك به صبيح الديلمي إلا من قد امتحن الله قلبه بمحبتنا، ووالانا، فقلت:
نعم يا سيدي.
وقال لي: يا هرثمة، والله، لا يضرنا كيدهم شيئا حتى يبلغ الكتاب أجله.(1)
308 / 6 - قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري: حدثنا عبد الله بن محمد، قال: حدثنا عمارة بن زيد، قال: رأيت علي بن موسى الرضا (عليه السلام) وقد اجتمع إليه وإلى المأمون ولد العباس ليزيلوه عن ولاية العهد، ورأيته يكلم المأمون ويقول:
يا أخي، مالي إلى هذا من حاجة، ولست متخذ الظالمين عضدا. وإذا على كتفه الأيمن أسد، وعلى يساره أفعى، يحملان على كل من حوله.
فقال المأمون: أتلومونني على محبة هذا. ثم رأيته وقد أخرج من حائط رطبا فأطعمهم.(2)
309 / 7 - قال أبو جعفر: حدثنا سفيان، قال: حدثنا وكيع، قال: رأيت علي بن موسى الرضا (عليه السلام) في آخر أيامه فقلت: يا بن رسول الله، أريد أن أحدث عنك معجزة فأرنيها. فرأيته أخرج لنا ماء من صخرة فسقانا وشربت.(3)
310 / 8 - قال أبو جعفر: حدثنا عبد الله بن محمد البلوي، قال: قال عمارة بن زيد، رأيت علي بن موسى الرضا (عليه السلام) فكلمته في رجل أن يصله بشئ، فأعطاني مخلاة (4) تبن، فاستحييت أن أراجعه، فلما وصلت باب الرجل فتحتها فإذا كلها دنانير،
____________
(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 214 / 22، مدينة المعاجز: 482 / 54.
(2) نوادر المعجزات: 166 / 1.
(3) نوادر المعجزات: 166 / 2.
(4) المخلاة: ما يوضع فيه العلف للدابة.
311 / 9 - قال أبو جعفر: حدثنا علي بن قنطر (3) الموصلي، قال: حدثنا سعد بن سلام، قال: أتيت علي بن موسى الرضا (عليه السلام) وقد حاس (4) الناس فيه وقالوا: لا يصلح للإمامة، فإن أباه لم يوص إليه. فقعد منا عشرة رجال فكلموه، فسمعت الجماد الذي من تحته يقول: هو إمامي وإمام كل شئ، وإنه دخل المسجد الذي في المدينة - يعني مدينة أبي جعفر المنصور - فرأيت الحيطان والخشب تكلمه وتسلم عليه.(5)
312 / 10 - قال أبو جعفر: حدثنا عبد الله بن محمد، قال: حدثنا عمارة بن زيد، قال: رأيت علي بن موسى الرضا (عليه السلام) على منبر العراق في مدينة المنصور، والمنبر يكلمه. فقلت له: وهل كان معك أحد يسمع؟
فقال عمارة: وساكن السماوات، لقد كان معي من دونه من حشمه يسمعون ذلك.(6)
313 / 11 - قال أبو جعفر: حدثنا معلى بن الفرج، قال: أخبرنا معبد بن جنيد (7) الشامي، قال: دخلت على علي بن موسى الرضا (عليه السلام) فقلت له: قد كثر الخوض فيك وفي عجائبك، فلو شئت أنبأتني بشئ أحدثه عنك.
فقال: وما تشاء؟
فقلت: تحيي لي أبي وأمي.
فقال: انصرف إلى منزلك فقد أحييتهما. فانصرفت والله وهما في البيت أحياء، فأقاما عندي عشرة أيام، ثم قبضهما الله (تبارك وتعالى).(8)
____________
(1) في " ط ": دنانير.
(2) نوادر المعجزات: 166 / 3.
(3) في " ط ": قنطرة.
(4) حاس الناس فيه: أي بالغوا في النكاية فيه، وفي " ط ": جاش.
(5) نوادر المعجزات: 167 / 4.
(6) نوادر المعجزات: 167 / 5.
(7) في " ع ": حنيذ.
(8) نوادر المعجزات: 168 / 6، فرج المهموم: 231.
من أركبك هذا، وتزعم أكثر شيعتك أن أباك لم يوصك ولم يقعدك هذ المقعد، وادعيت لنفسك ما لم يكن لك.
فقال لي: وما دلالة الإمام عندك؟
قلت: أن يكلم بما (1) وراء البيت، وأن يحيي ويميت.
فقال: أنا أفعل، أما الذي معك فخمسة دنانير، وأما أهلك فإنها ماتت منذ سنة وقد أحييتها الساعة وأتركها معك سنة أخرى، ثم أقبضها إلي لتعلم أني إمام بلا خلاف. فوقعت علي الرعدة فقال: أخرج (2) روعك فإنك آمن.
ثم انطلقت إلى منزلي، فإذا بأهلي جالسة، فقلت لها: ما الذي جاء بك؟ فقالت:
كنت نائمة إذ أتاني آت، ضخم، شديد السمرة - فوصفت لي صفة الرضا (عليه السلام) - فقال لي: يا هذه، قومي وارجعي إلى زوجك، فإنك ترزقين بعد الموت ولدا. فرزقت والله (3).
315 / 13 - قال أبو جعفر: حدثنا أبو محمد، قال: حدثنا عمارة بن زيد، قال:
صحبت علي بن موسى الرضا (عليه السلام) إلى مكة ومعي غلام لي، فاعتل في الطريق، فاشتهى العنب ونحن في مفازة. فوجه إلي الرضا (عليه السلام)، فقال: إن غلامك اشتهى العنب. فنظرت وإذا أنا بكرم لم أر أحسن منه، وأشجار رمان، فقطعت عنبا ورمانا وأتيت به الغلام، فتزودنا منه إلى مكة، ورجعت منه إلى بغداد، فحدثت الليث بن سعد وإبراهيم ابن سعد الجوهري، فأتيا الرضا (عليه السلام) فأخبراه فقال لهما الرضا (عليه السلام): وما هي ببعيد منكما، ها هو ذا. فإذا هم ببستان فيه من كل نوع فأكلنا وادخرنا.(4)
316 / 14 - أخبرني أبو الحسين محمد بن هارون، عن أبيه، قال: أخبرنا (5) أبو
____________
(1) في " ط ": ما.
(2) في " ع ": أفرج.
(3) نوادر المعجزات: 168 / 7.
(4) نوادر المعجزات: 169 / 8، مدينة المعاجز: 475 / 17.
(5) في " ع ": أخبرني.
فأقمت سنتين.
ثم قدمت الثالثة، فكتبت إليه أستأذنه، فكتب إلي: اخرج مباركا لك صنع الله لك. ووقع الهرج ببغداد: فسلمت من تلك الفتنة.(1)
317 / 15 - وبإسناده عن محمد بن الوليد، عن أبي محمد الكوفي، قال: دخلت على أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، قال: فأقبل يحدثني ويسائلني، إذ قال:
يا أبا محمد، ما ابتلى الله عبدا مؤمنا ببلية فصبر عليها، إلا كان له مثل أجر ألف شهيد.
قال: ولم يكن ذلك في ذكر شئ من العلل، فأنكرت ذلك من قوله أن حدثني بالوجع في غير موضعه! قال: فسلمت عليه وودعته، ثم خرجت من عنده، فلحقت أصحابي وقد رحلوا (2)، فاشتكيت رجلي من ليلتي. قال: فقلت: هذا لما تعبت، فلما كان من الغد تورمت.
قال: ثم أصبحت وقد اشتد الورم، وضرب (3) علي في الليل، فذكرت قوله: فلما وصلت إلى المدينة جرى منه القيح، وصار جرحا عظيما، لا أنام ولا أقيم (4)، فعلمت أنه حدثني لهذا المعنى.
فبقي بضعة عشر شهرا صاحب فراش، ثم أفاق، ثم نكس منها فمات.(5)
318 / 16 - وأخبرني أبو الحسين، عن أبيه، عن أبي علي محمد بن همام، قال:
حدثنا محمد بن محمد بن مسعود الربعي السمرقندي، قال: حدثني عبد (6) الله بن الحسن، عن الحسن بن علي الوشاء، قال: وجه إلي أبو الحسن علي بن موسى
____________
(1) مدينة المعاجز: 475 / 18.
(2) في " ع، م ": دخلوا.
(3) في " ع، م ": وضرت.
(4) في " ط، ع ": ولا أنيم.
(5) الهداية الكبرى: 286، الخرائج والجرائح 1: 360 / 14.
(6) في " ع ": عبيد.
يا حسن، توفي علي بن أبي حمزة البطائني في هذا اليوم، وادخل قبره في هذه الساعة، فأتياه ملكا القبر، فقالا له: من ربك؟
فقال: الله ربي.
قالا: فمن نبيك؟ قال: محمد.
قالا: فما دينك؟ قال: الاسلام.
قالا: ما كتابك؟ قال: القرآن.
قالا: فمن وليك؟ قال: علي.
قالا: ثم من؟ قال: ثم الحسن.
قالا: ثم من؟ قال: ثم الحسين.
قالا: ثم من؟ قال: ثم علي بن الحسين.
قالا: ثم من؟ قال: ثم محمد بن علي.
قالا: ثم من؟ قال: ثم جعفر بن محمد.
قالا: ثم من؟ قال: ثم موسى بن جعفر.
قالا: ثم من؟ فتلجلج لسانه (1)، فأعادا عليه، فسكت، قالا له: أفموسى بن جعفر أمرك بهذا؟! ثم ضرباه بإرزبة (2)، فألقياه على قبره، فهو يلتهب إلى يوم القيامة.
قال الحسن بن علي: فلما خرجت كتبت اليوم ومنزلته في (3) الشهر، فما مضت الأيام حتى وردت علينا كتب الكوفيين، بأن علي بن أبي حمزة توفي في ذلك اليوم، وادخل قبره في الساعة التي قال أبو الحسن (عليه السلام).(4)
319 / 17 - وبإسناده عن أبي علي محمد بن همام، قال: حدثنا أحمد بن هليل،
____________
(1) (لسانه) ليس في " ع ".
(2) الإرزبة: عصية من حديد " لسان العرب - رزب - 1: 416 ".
(3) في " ع ": من.
(4) نوادر المعجزات: 170 / 9، مدينة المعاجز: 478 / 30.
كنا عند الرضا (عليه السلام) مجتمعين، وكانت له جارية يقال لها (رابعة) فقال لنا (1) يوما:
إن طيرا جاءني، فوقع عندي، أصفر المنقار، ذلق اللسان، فكلمني بلسان فقال لي: أن جاريتك هذه تموت قبلك. فماتت الجارية.
وقال لي الغابر: إذا دخلت سنة ستين حدثت أمور عظام، أسأل الله كفايتها، واختلاف الموالي شديد، ثم يجمعهم الله في سنة إحدى وستين.
وكان يقول: فإذا كان كذا وكذا ينبغي للرجل يحفظ دينه ونفسه.
فقلت له: يكون لي ولد؟ فأخذ شيئا من الأرض، فصوره ووضعه على فخذي، وقال: هذا ولدك.(2)
320 / 18 - وبإسناده عن أبي علي محمد بن همام، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري، عن محمد بن عيسى، عن الحسين بن يسار، قال: قال لي الرضا (عليه السلام) في ذلك الوقت: عبد الله يقتل محمدا.
قلت له: عبد الله بن هارون يقتل محمد بن هارون؟ قال: نعم.
قلت: عبد الله بن هارون الذي بخراسان صاحب طاهر وهرثمة، يقتل محمد ابن زبيدة الذي ببغداد؟
قال: نعم. فقتله.(3)
321 / 19 - وبإسناده عن الحميري، عن أبي حبيب النباجي (4) أنه قال: رأيت في منامي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد دخل قريتي، في مسجد النباج، فجلس وأتي بأطباق فيها تمر، فدخلت إليه فقبض قبضة من ذلك التمر فدفعه إلي، فعددته فكان
____________
(1) في " م، ط ": أربعة فقال لها.
(2) مدينة المعاجز: 478 / 31.
(3) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 209 / 12.
(4) في " ع ": الساجي، وفي " م ": الساحي، وكلاهما تصحيف، والنباجي نسبة إلى النباج، قرية قرب البصرة، أنساب السمعاني 5: 453، معجم البلدان 5: 255.
فبينا أنا في أرضي إذ قيل لي: قد قدم الرضا (عليه السلام) من المدينة، ورأيت الناس يسعون (1) إليه، فصرت إليه، فإذا هو في المسجد، وبين يديه أطباق فيها تمر، فسلمت عليه، فرد علي السلام، ثم تناول قبضة من ذلك التمر، فدفعه إلي، فعددته فكان ثماني عشرة تمرة.
فقلت: زدني يا بن رسول الله.
فقال: لو زادك رسول الله شيئا لزدتك.(2)
322 / 20 - وبإسناده عن الحميري، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن يسار الواسطي، قال: سألني الحسين بن قياما (3) الصيرفي أن أستأذن له على الرضا (عليه السلام) ففعلت، فلما صار بين يديه قال له: أنت إمام؟ قال: نعم.
قال: فإني أشهد الله أنك لست بإمام.
قال له: وما علمك؟
قال: لأني رويت عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: " الإمام لا يكون عقيما " وقد بلغت هذا السن وليس لك ولد. فرفع الرضا (عليه السلام) رأسه إلى السماء ثم قال:
اللهم إني أشهدك أنه لا تمضي الأيام والليالي حتى أرزق ولدا يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما. فعددنا الوقت، فكان بينه وبين ولادة أبي جعفر شهور.(4)
323 / 21 - وأخبرني أبو الحسن علي بن هبة الله الموصلي، قال: أخبرنا أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي، عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أبي عبد الله محمد بن خالد البرقي، عن محمد بن حمزة الهاشمي، عن
____________
(1) في " ع ": مشيعون.
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 210 / 15، كشف الغمة 2: 313.
(3) في النسخ: قيام، تصحيف صحيحه ما أثبتناه، وهو من رؤساء الواقفة، كما وصف في عيون أخبار الرضا (عليه السلام)، وانظر: رجال الطوسي: 348 / 27، معجم رجال الحديث 6: 65.
(4) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 209 / 13، نوادر المعجزات: 172 / 11، إعلام الورى: 323، حلية الأبرار 2: 432.
فخرج ذات يوم يستقبل (1) والي المدينة، وكنت معه، فجاء فنزل تحت شجرة، ونزلت معه، ليس معنا ثالث، قلت: جعلت فداك، العيد قد أظلنا، ولا والله ما أملك درهما فما سواه.
قال: فحك بسوط دابته الأرض حكا شديدا، ثم ضرب بيده، فتناول سبيكة ذهب من موضع الحك، فقال: خذها وانتفع بها، واكتم ما رأيت علي.(2)
324 / 22 - وأخبرني أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى، عن أبيه قال:
أخبرني أبو جعفر محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد (3)، عن محمد بن عبد الله، قال: كنت عند الرضا (عليه السلام) فأصابني عطش شديد، فكرهت أن أستسقي في مجلسه، فدعا بماء، فأتاه فقال: يا محمد، اشرب فإنه بارد. فشربت.(4)
325 / 23 - وبإسناده عن أبي جعفر محمد بن الحسن بن الوليد، عن أحمد بن محمد بن الأشعري، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، قال: استقبلت الرضا (عليه السلام) إلى القادسية، فسلمت عليه، فقال: اكتر لي حجرة لها بابان: باب إلى الخان، وباب إلى الخارج، فإنه أستر عليك. وبعث إلي بمنديل فيه دنانير صالحة ومصحف، وكان يأتيني رسوله في حوائجه، فأشتري له.
وقعدت يوما وفتحت المصحف لأقرأ فيه، فنظرت في سورة * (لم يكن) * (5) فوجدتها أضعاف ما في أيدي الناس، فأخذت الدواة والقرطاس لأكتبها، فأتاني مسافر
____________
(1) في " ع، م ": استقبل.
(2) بصائر الدرجات: 394 / 2، الكافي 1: 408 / 6، الارشاد: 309، الاختصاص: 270، روضة الواعظين:
222، إعلام الورى: 326، مناقب ابن شهرآشوب 4: 344، كشف الغمة 2: 274، الصراط المستقيم 2: 194 / 1.
(3) زاد في العيون: قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، قال: حدثنا محمد ابن الحسن بن علان. ومثله في البصائر، وهو الصواب.
(4) بصائر الدرجات: 259 / 16، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 204 / 3.
(5) المراد سورة البينة.