الصفحة 370
قبل أن أكتب منه شيئا، معه منديل وخاتم، فقال: يأمرك أن تضع المصحف فيه، وتختمه بهذا الخاتم، وتبعث به إليه. ففعلت ذلك.(1)

326 / 24 - وروى أبو حامد السندي بن محمد، قال: كتبت إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام) أسأله دعاء، فدعا لي، وقال: لا تؤخر صلاة العصر، ولا تحبس الزكاة.

قال أبو حامد: وما كتبت إليه بشئ من هذا، ولم يطلع عليه أحد إلا الله.

قال أبو حامد: وكنت أصلي العصر في آخر وقتها، وكنت أدفع الزكاة بتأخير الدارهم من أقل وأكثر، بعد ما تحل، فابتدأني بهذا.(2)

327 / 25 - وروى الهيثم النهدي، عن محمد بن الفضيل، قال دخلت على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) فسألته عن أشياء، وأردت أن أسأله عن السلاح، فأغفلته، فخرجت من عنده ودخلت إلى منزل الحسن بن بشير، فإذا غلامه ورقعته:

" بسم الله الرحمن الرحيم، أنا بمنزلة أبي، ووارثه، وعندي ما كان عنده (عليه السلام) ".(3)

328 / 26 - وروى عباد بن سليمان، عن سعد بن سعد، عن أحمد بن عمر، قال: سمعته يقول - يعني أبا الحسن الرضا (عليه السلام) -: إني طلقت أم فروة بنت إسحاق بعد موت أبي بيوم.

قلت: جعلت فداك، طلقتها وقد علمت بموت أبي الحسن موسى (عليه السلام)؟!

قال: نعم.(4)

329 / 27 - وأخبرني أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى، عن أبيه، قال:

أخبرني أبو جعفر محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، عن معمر بن خلاد، قال:

سألني ريان بن الصلت أن أستأذن له على أبي الحسن (عليه السلام) بخراسان حين أراد

____________

(1) بصائر الدرجات: 266 / 8.

(2) مدينة المعاجز: 479 / 36.

(3) بصائر الدرجات: 272 / 5، الخرائج والجرائح 2: 663 / 6، الصراط المستقيم 2: 198 / 21.

(4) بصائر الدرجات: 487 / 4، الكافي 1: 312 / 3، مدينة المعاجز: 512 / 153.


الصفحة 371
أن يخرج إلى نعيم بن حازم، لما ألت (1) على الخليفة، إن وجدت إلى ذلك سبيلا، وأن أسأله أن يكسوه قميصا يكون في أكفانه إن حدث به حدث، ويهب له (2) من الدراهم التي ضربت باسمه.

فلما صرت إلى المنزل جاءني رسول أبي الحسن (عليه السلام)، فلما أتيته قال لي: أين كنت؟ قلت: كنت عند ريان.

فقال: متى يخرج؟

فقلت له: زعم أن ذا الرئاستين أمره بأن يخرج غدا مع زوال الشمس.

فقال أبو الحسن: اشتهى أن يلقاني؟

قلت: نعم، جعلت فداك.

قال: اشتهى أن أكسوه؟ فسبحت، فقال: مالك تسبح؟

فقلت: جعلت فداك، ما كنا إلا في هذا!

فقال: يا معمر، إن المؤمن موفق إن شاء الله، قل له يأتيني الليلة.

فلما خرجت أتيته فوعدته حتى يلقاه بالليل، فلما دخل عليه جلس قدامه، وتنحيت أنا ناحية، فدعاني فأجلسني معه، ثم أقبل على ريان بوجهه، فدعا له بقميص.

فلما أراد أن يخرج وضع في يده شيئا، فلما خرج نظرت فإذا ثلاثون درهما من دراهمه، فاجتمع له جميع ما أراد من غير طلبه.(3)

330 / 28 - وبإسناده عن أبي جعفر بن الوليد، عن علي بن حديد، عن مرازم، قال: أرسلني أبو الحسن الأول (عليه السلام) وأمرني بأشياء، فأتيت المكان الذي بعثني إليه، فإذا أبو الحسن الرضا (عليه السلام). قال: فقال لي: فيم قدمت؟

قال: فكبر علي أن لا أخبره حين سألني، لمعرفتي بحاله عند أبيه (عليه السلام)، ثم قلت له: ما أمرني أن أخبره، وأنا مردد ذلك في نفسي.

____________

(1) ألت عليه: قصده، أو حط من قدره.

(2) في " ع، م ": لي.

(3) نحوه في قرب الإسناد: 148، ورجال الكشي: 546 / 1035، و 1036، كشف الغمة 2: 299.


الصفحة 372
فقال: قدمت يا مرازم، في كذا وكذا. قال: فقص ما قدمت له.(1)

331 / 29 - وأخبرني أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى، عن أبيه، عن أبي علي محمد بن همام، قال: حدثني أحمد بن الحسين المعروف بابن أبي القاسم، قال:

حدثني أبي، عن الحسن بن علي الحراني، عن محمد بن حمران، عن داود بن كثير الرقي أنه سمع أبا الحسن (عليه السلام) يقول: إن يحيى بن خالد، صاحب أبي، أطعمه ثلاثين رطبة منزوعة الاقماع، مصبوب فيها السم.

قال: فقلت: جعلت فداك، إن كان يحيى بن خالد صاحبه، فأنا أشتري نفسي لله، فأتولى قتله، فإني أرجو الظفر به.

فقال لي: لا تتعرض له، فإن الذي ينزل به وبولده من صاحبه شر مما تريد أن تصنعه به.

وأخبرت أبا الحسن (عليه السلام) بكلام داود، فقال لي: صدق داود عني، فقد رأيت ما صنع بالظالم وانتصر منه.

وقال: كلما يبلغك عن شرطة الخميس، وما يحكى عن أمير المؤمنين (عليه السلام) من الأعاجيب، فقد والله أرانيه أبو الحسن - يعني الرضا (عليه السلام) - ولكني أمرت أن لا أحكيه، ولو حكيته لأحد لأخبرتك به.(2)

332 / 30 - وبإسناده عن داود الرقي، قال: لأبي الحسن (عليه السلام) في السنة التي مات فيها هارون أنه قد دخل في الأربع والعشرين، وأخاف أن يطول عمره، فقال: كلا والله، إن أيادي الله عندي وعند آبائي قديمة، لن يبلغ الأربع والعشرين سنة.(3)

333 / 31 - وأخبرني أبو الحسين محمد بن هارون، عن أبيه، عن أبي جعفر ابن الوليد، عن أبي محمد محمد بن أبي نصر (4)، قال: حدثني مسافر قال: أمر أبو

____________

(1) مدينة المعاجز: 487 / 80.

(2) مدينة المعاجز: 487 / 81.

(3) مدينة المعاجز: 488 / 86.

(4) في إثبات الوصية: عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، ولعل ما في المتن هو محمد بن أبي نصر الذي عده البرقي في رجاله: 57 من أصحاب الإمام الجواد (عليه السلام).


الصفحة 373
إبراهيم أبا الحسن (عليهما السلام) حين حمل إلى العراق أن ينام على بابه في كل ليلة، فكنا في كل ليلة نفرش له في الدهليز، ثم يأتي بعد العشاء الآخرة، فينام، فإذا أصبح أنصرف إلى منزله، وكنا ربما خبأنا الشئ مما يؤكل فيجئ حتى يخرجه، ويعلمنا أنه قد علم به.

فمكث على هذه الحال نحو أربع سنين، وأبو إبراهيم (عليه السلام) مقيم في يد السلطان ذاهبا جائيا في حال رفاهة وإكرام، وكان الرشيد يرجع إليه في المسائل، فيجيبه عنها.

ثم كان من البرامكة ما كان في السعي على دمه، والاغراء به، حتى حبسه في يد السندي بن شاهك، وأمره الرشيد بقتله في السم.

فلما كان في ليلة من الليالي وقد فرشنا لأبي الحسن الرضا (عليه السلام) على عادته أبطأ عنا، فلم يأت كما كان يأتي، فاستوحش العيال وذعروا، وداخلنا من إبطائه أمر عظيم.

فلما أصبحنا أتى الدار، ودخل قاصدا إليها من غير إذن، ثم أتى أم حميد (1) فقال لها: هات الذي أودعك أبي (عليه السلام). وسماه لها، فصرخت ولطمت، وشقت ثيابها، وقالت: مات، والله، سيدي. فكفها، وقال لها: لا تكلمي بهذا، ولا تظهريه (2) حتى يجئ الخبر إلى والي المدينة.

فأخرجت إليه سفطا فيه تلك الوديعة والمال، وهو ستة آلاف دينار، وسلمته إليه، وكتمت الأمر، فورد الخبر إلى المدينة، فنظر فيه، فوجد قد توفي في الوقت، صلى الله عليه (3).

334 / 32 - وروى محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن محمد بن الفضيل، قال: لما كان في السنة التي بطش فيها هارون بجعفر بن يحيى، وحبس يحيى

____________

(1) في " ط ": أم حميدة، وفي المصادر: أم أحمد.

(2) في " ع، م ": ولا تظهروه.

(3) الكافي 1: 312 / 6، إثبات الوصية: 168، الخرائج والجرائح 1: 371 / 29.


الصفحة 374
ابن خالد، ونزل بالبرامكة ما نزل، كان الرضا (عليه السلام) واقفا بعرفة يدعو، ثم طأطأ رأسه حتى كادت جبهته تصيب قادمة الرحل، ثم رفع رأسه فسئل عن ذلك، فقال:

إني كنت أدعو على هؤلاء القوم - يعني البرامكة - منذ فعلوا بأبي ما فعلوا، فاستجاب الله لي اليوم فيهم.

فلما انصرفنا لم نلبث إلا أياما حتى بطش بجعفر، وحبس يحيى، وتغيرت حالاتهم.(1)

335 / 33 - وروى محمد بن عيسى، عن محمد بن أبي يعقوب، عن موسى بن مهران، قال: رأيت الرضا (عليه السلام)، ونظر إلى هرثمة بالمدينة، فقال: كأني به وقد حمل إلى مرو فضربت عنقه. فكان كما قال.(2)

336 / 34 - قال: وكتب إليه موسى بن مهران يسأله أن يدعو لابن له عليل، فكتب إليه: " وهب الله لك ولدا صالحا " فمات ابنه وولد له ابن آخر.(3)

337 / 35 - وروى الحسن بن علي الوشاء، المعروف بابن بنت إلياس، قال:

شخصت إلى خراسان ومعي حلة وشي وحبرة (4)، فوردت مرو ليلا، وكنت أقول بالوقف، فوافق موضع نزولي غلام أسود كأنه من أهل المدينة، فقال لي: سيدي يقول لك: وجه إلي بالحبرة التي معك، لأكفن بها مولى لنا توفي.

فقلت: ومن سيدك؟

فقال: علي بن موسى.

فقلت: ما بقي معي حبرة، ولا حلة إلا وقد بعتها في الطريق فعاد إلي فقال:

بلى، قد بقيت الحبرة قبلك. فحلفت له أني لا أعلمها معي. فمضى وعاد الثلاثة، فقال:

هي في عرض السفط الفلاني.

____________

(1) عيون المعجزات: 108 (2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 210 / 14، مناقب ابن شهرآشوب 4: 335، كشف الغمة 2: 304.

(3) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 221 / 38.

(4) الحبرة والحبرة: ضرب من برود اليمن منمر " لسان العرب - حبر - 4: 159 ".


الصفحة 375
فقلت في نفسي: إن صح هذا، فهي دلالة. وكانت ابنتي دفعت إلي الحبرة وقالت: بعها وابتع بثمنها فيروزجا وشيحا (1) من خراسان: فقلت لغلامي: هات السفط، فلما أخرجه وجدتها في عرضه، فدفعتها إليه، وقلت: لا آخذ لها ثمنا.

فقال: هذه دفعتها إليك ابنتك فلانة، وسألتك أن تبتاع لها بثمنها فيروزجا وشيحا، فابتع لها بهذا.

فعجبت مما ورد علي، وقلت: والله، لأكتبن له مسائل أسأله فيها، ولأمتحننه في مسائل كنت أسأل أباه عنها، فأثبت ذلك في درج وغدوت إلى بابه، والدرج في كمي، ومعي صديق لي لا يعلم شرح هذا الأمر.

فلما صرت إلى بابه رأيت القواد والعرب والجند والموالي يدخلون إليه، فجلست ناحية وقلت في نفسي: متى أصل أنا إلى هذا؟ فأنا أفكر في ذلك إذ خرج خارج يتصفح الوجوه، ويقول: أين ابن بنت إلياس؟

فقلت: ها أنا ذا. وأخرج من كمه درجا، وقال: هذا تفسير مسائلك. ففتحته فإذا فيه تفسير ما معي (2) في كمي، فقلت: أشهد الله ورسوله أنك حجة الله، وقمت، فقال لي رفيقي: إلى أين أسرعت؟ فقلت: قضيت حاجتي.(3)

338 / 36 - وحدثني أبو المفضل محمد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن همام، قال: حدثني أحمد بن الحسين، المعروف بابن أبي القاسم، قال: حدثني أبي، عن بعض رجاله، عن الهيثم بن واقد، قال: كنت عند الرضا (عليه السلام) بخراسان، وكان العباس يحجبه، فدعاني وإذا عنده شيخ أعور يسأله، فخرج الشيخ، فقال لي رد علي الشيخ.

فخرجت إلى الحاجب فسألته، فقال: لم يخرج علي أحد.

فقال الرضا (عليه السلام): أتعرف الشيخ؟ فقلت: لا.

____________

(1) الشيح: ضرب من برود اليمن مخطط، ونبات سهلي له رائحة طيبة " لسان العرب - شيح - 2: 501 و 502 ".

في " م، ط ": مسائلي.

(3) عيون المعجزات: 108، وقطعة منه في إعلام الورى: 321، ومناقب ابن شهرآشوب 4: 341.


الصفحة 376
فقال: هذا رجل من الجن، سألني عن مسائل، وكان فيما سألني عنه مولودان ولدا في بطن ملتزقين، مات أحدهما، كيف يصنع به؟ قلت: ينشر الميت عن الحي.(1)

339 / 37 - وأخبرني أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى، عن أبيه (رضي الله عنه)، قال: حدثنا أبو علي محمد بن همام، قال: حدثنا أحمد، عن أبيه، عن الحسن بن علي، عن محمد بن صدقة، قال: دخلت على الرضا (عليه السلام) فقال: لقيت رسول الله، وعليا، وفاطمة، والحسن، والحسين، وعلي بن الحسين، ومحمد، وجعفر، وأبي (صلى الله عليهم أجمعين) في ليلتي هذه، وهم يحدثون الله (عز وجل)، فقلت: الله!

قال: فأدناني رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأقعدني بين أمير المؤمنين وبينه، فقال لي:

كأني بالذرية من أزل (2) قد أصاب لأهل السماء ولأهل الأرض، بخ بخ لمن عرفوه حق معرفته، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، العارف به خير من كل ملك مقرب، وكل نبي مرسل، وهم، والله، يشاركون الرسل في درجاتهم.

ثم قال لي: يا محمد، بخ بخ، لمن عرف محمدا وعليا، والويل لمن ضل عنهم، وكفى بجهنم سعيرا.(3)

340 / 38 - وحدثني أبو الحسن علي بن هبة الله بن عثمان بن أحمد بن إبراهيم ابن الرائقة الموصلي، قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه الفقيه القمي (رحمه الله)، قال: حدثنا أبو الحسن محمد بن القاسم (رضي الله عنه)، قال:

حدثنا يوسف بن محمد بن زياد وعلي بن محمد بن سيار، عن أبويهما، عن الحسن بن علي العسكري، عن أبيه علي بن محمد، عن أبيه محمد بن علي الجواد (عليه السلام)، قال:

لما جعل المأمون أبي ولي عهده حبست السماء قطرها في ذلك العام، فجعل بعض حاشية المأمون والمتعصبون على علي الرضا (عليه السلام) يقولون: انظروا لما جاءنا من علي ابن موسى، صار ولي عهدنا، فحبس عنا المطر. واتصل الخبر بالمأمون، فاشتد ذلك

____________

(1) مدينة المعاجز: 492 / 101.

(2) في النوادر: أول.

(3) نوادر المعجزات: 171 / 10.


الصفحة 377
عليه، وعظم، فقال للرضا (عليه السلام): قد احتبس المطر عنا، فلو دعوت الله (عز وجل) أن يمطر الناس.

فقال الرضا (عليه السلام): نعم، أنا أفعل ذلك.

قال: فمتى تفعل ذلك؟ وكان يوم الجمعة.

فقال الرضا (عليه السلام): يوم الاثنين، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتاني البارحة في منامي ومعه أمير المؤمنين (عليه السلام)، وقال: يا بني، انتظر إلى يوم الاثنين، وأخرج إلى الصحراء واستسقي فإن الله (عز وجل) سيسقيهم، وأخبرهم بما يريد الله مما لا يعلمون حاله (1)، ليزداد علمهم بفضلك ومكانك من ربك (عز وجل).

فلما كان يوم الاثنين غدا أبو الحسن الرضا (عليه السلام) إلى الصحراء، وخرج الخلائق ينظرون، فصعد الرضا (عليه السلام) المنبر، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال:

يا رب أنت عظمت حقنا أهل البيت، فتوسلوا بنا كما أمرت، وأملوا فضلك ورحمتك، وتوقعوا إحسانك ونعمتك، فاسقهم سقيا نافعا عاما، غير رائث (2) ولا ضائر، وليكن ابتداء مطرهم بعد انصرافهم من مشهدهم هذا إلى منازلهم ومقارهم.

قال: فوالذي بعث محمدا بالحق نبيا لقد نسجت الرياح في الهواء الغيوم، وأرعدت وأبرقت، فتحرك الناس كأنهم يريدون التنحي عن المطر، فقال الرضا (عليه السلام): على رسلكم يا أيها الناس، فليس هذا الغيم لكم، إنما هو لأهل بلد كذا وكذا. فمضت السحابة وعبرت.

ثم جاءت سحابة أخرى تشتمل على رعد وبرق، فتحركوا للانصراف، فقال (عليه السلام): على رسلكم، فما هذه لكم، وإنما هي لأهل بلد كذا وكذا. فما زال حتى جاءت عشر سحابات وعبرت، فكل يقول الرضا (عليه السلام): على رسلكم، ليست هذه لكم، إنما هي لأهل بلد كذا وكذا.

____________

(1) في عيون الأخبار: بما يريك الله مما لا يعلمون من حالهم.

(2) أي غير بطئ متأخر. " النهاية 2: 287 ".


الصفحة 378
ثم أقبلت السحابة الحادية عشرة، فقال: أيها الناس، هذه بعثها الله لكم، واشكروا الله على فضله عليكم، وقوموا إلى مقاركم ومنازلكم، فإنها مسامتة لرؤوسكم ممسكة عنكم إلى أن تدخلوا مقاركم، ثم يأتيكم من الخير ما يليق بكرم الله (جل جلاله).

ونزل عن المنبر وانصرف الناس.

فما زالت السحابة متماسكة إلى أن قربوا من منازلهم، ثم جاءت بوابل المطر، فملأت الأودية والحياض والغدران والفلوات، فجعل الناس يقولون: هنيئا لولد رسول الله (صلى الله عليه وآله) كرامة الله (عز وجل) (1).

ثم برز إليهم الرضا (عليه السلام)، وحضرت الجماعات الكثيرة منهم، فقال (عليه السلام):

اتقوا الله في نعمكم التي أنعم الله بها عليكم، فلا تنفروها عنكم بمعاصيه، بل استديموها بطاعته، واشكروه على أياديه، واعلموا أنكم لا تشكرون الله (تعالى) بشئ بعد الإيمان به والاعتراف بحقوق أوليائه من آل محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحب إليه من معاونتكم لإخوانكم المؤمنين على دنياهم التي هي معبر لهم إلى جنان ربهم، فإن من فعل ذلك كان من خاصة الله (تعالى)، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ذلك قولا ما ينبغي لعاقل أن يزهد في فضل الله عليه فيه إن تأمله، وعمل عليه.

قيل: يا رسول الله، هلك فلان، يفعل من الذنوب كيت وكيت.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): بل نجا، ولا يختم الله عمله إلا بالحسنى، وسيمحو الله عنه السيئات، ويبدلها حسنات. وقال: فإنه كان مارا في طريق وعبر بمؤمن قد انكشفت عورته، وهو لا يشعر، فسترها عليه ولم يخبره بها مخافة أن يخجل، ثم إن ذلك المؤمن عرفه في مهواة، فقال له: أجزل الله لك الثواب، وأكرم لك المآب، ولا ناقشك في الحساب. فاستجاب الله له فيه، فهذا العبد لا يختم له إلا بخير، بدعاء ذلك المؤمن (2).

____________

(1) في " ع، م ": وكرامة لقوله.

(2) في " ع، م ": اليوم.


الصفحة 379
فاتصل قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) به، فتاب وأناب، وأقبل إلى طاعة الله (عز وجل)، ولم يأت عليه سبعة أيام حتى أغير على سرح المدينة، فوجه رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أثرهم جماعة ذلك أحدهم فاستشهد فيهم.

قال الإمام محمد بن علي الجواد (عليهما السلام): وعظم الله (تعالى) البركة في البلاد (1) بدعاء الرضا (عليه السلام)، وقد كان للمأمون من يريد أن يكون هو ولي عهده دون الرضا (عليه السلام)، وحساد كانوا بحضرة المأمون للرضا (عليه السلام) (2)، فقال للمأمون بعض أولئك: يا أمير المؤمنين، أعيذك بالله أن تكون تاريخ (3) الخلفاء في إخراجك هذا الأمر الشريف والفخر العظيم من بيت ولد العباس إلى بيت ولد علي، لقد أعنت على نفسك وأهلك، جئت بهذا الساحر ولد السحرة، وقد كان خاملا فأظهرته، ومتضعا فرفعته، ومنسيا فذكرت به، ومستخفيا فنوهت به، قد ملا الدنيا مخرقة (4) وتشوفا (5) بهذا المطر الوارد عند دعائه، ما أخوفني أن يخرج هذا الأمر من ولد العباس إلى ولد علي، بل ما أخوفني أن يتوصل بسحره إلى إزالة نعمتك والتوثب على مملكتك، هل جنى أحد على نفسه ومملكته مثل جنايتك؟!

فقال المأمون: قد كان هذا الرجل مستترا عنا، يدعو الناس إلى نفسه، فأردنا أن نجعله ولي عهدنا، ليكون دعاؤه إلينا، وليعرف أن الملك والخلافة لنا، وليعتقد فيه المعتقدون أنه ليس مما ادعى لنفسه في قليل ولا كثير، وأن هذا الأمر لنا دونه، وقد خشينا إن تركناه على تلك الحالة أن ينشق (6) علينا منه ما لا نقدر على سده، وأن يأتي علينا ما لا طاقة لنا به، والآن فإذ قد فعلنا به ما فعلنا، وأخطأنا من أمره بما قد أخطأنا،

____________

(1) (في البلاد) ليس في " ع، م ".

(2) في " ع، م ": وحيث إذ كلفوا بحضرة المأمون الرضا (عليه السلام).

(3) في " ع، م ": نازع. وفي البحار 49: 185 قوله: أن تكون تاريخ الخلفاء، كناية عن عظم تلك الواقعة وفظاعتها بزعمه، فإن الناس يؤرخون الأمور بالوقائع والدواهي.

(4) المخرقة: الشعبذة، وفي " ط ": مخرقة.

(5) في " ط ": تشوقا، وكلاهما بمعنى أي ملأ الدنيا تطلعا إليه.

(6) في " ع، م ": ينبش.


الصفحة 380
وأشرفنا على الهلاك بالتنويه على ما أشرفنا، فليس يجوز التهاون في أمره، ولكنا نحتاج إلى أن نضع منه قليلا قليلا حتى نصوره عند الرعايا بصورة من لا يستحق هذا الأمر، ثم ندبر فيه بما يحسم عنا مواد بلائه.

قال الرجل: يا أمير المؤمنين، فولني مجادلته، فإني أفحمه وأضع من قدره، فلولا هيبتك في صدري لأنزلته منزلته، وبينت للناس قصوره عما رسخ له في قلوبهم.

قال المأمون: ما (1) شئ أحب إلي من ذلك.

قال: فاجمع وجوه أهل مملكتك من القواد، والخاصة، والقضاة، والفقهاء لأبين نقصه بحضرتهم، فيكون تأخيره عن محله الذي أحللته فيه، على علم منهم بصواب فعلك.

قال: فجمع الخلق الفاضلين من رعيته في مجلس له واسع، وقعد فيه لهم، وأقعد الرضا بين يديه في مرتبته التي جعلها له، فابتدأ هذا الحاجب المتضمن للوضع من الرضا، وقال له: إن الناس قد أكثروا الحكايات وأسرفوا في وصفك، فما أرى أنك إن وقفت عليه إلا وبرئت منه إليهم، وأول ذلك أنك قد دعوت الله في المطر المعتاد مجيئه، فجاء، فجعلوه آية معجزة لك، أوجبوا لك بها أن لا نظير لك في الدنيا، وهذا أمير المؤمنين - أدام الله ملكه وبقاءه - لا يوازن بأحد إلا رجح، وقد أحلك المحل الذي قد عرفت، فليس من حقه عليك أن تسوغ للكذابين لك فيما يدعونه.

قال الرضا (عليه السلام): ما أدفع عباد الله أن يتحدثوا بنعم الله (عز وجل)، وإن كنت لا أبغي بذلك بطرا ولا أشرا، وأما ذكرك أن صاحبك أحلني هذا المحل، فما أحلني إلا المحل الذي أحله ملك مصر يوسف الصديق (عليه السلام)، وكانت حالهما ما قد عرفت.

فغضب الحاجب عند ذلك فقال: يا بن موسى، لقد عدوت طورك، وتجاوزت قدرك أن بعث الله مطرا مقدرا وقته، لا يتقدم الساعة ولا يتأخر، جعلته آية تستطيل بها، وصولة تصول بها، كأنك جئت بمثل آية الخليل إبراهيم (عليه السلام) لما أخذ رؤوس الطير بيده ودعا أعضاءها التي فرقها على الجبال فأتينه سعيا، وتركبن على الرؤوس،

____________

(1) في " م، ط " زيادة: من.


الصفحة 381
وخفقت طائرة بإذن الله (عز وجل)، فإن كنت صادقا فيما توهم، فأحيي هاتين (1) الصورتين وسلطهما علي، فإن ذلك يكون حينئذ آية ومعجزة، وأما المطر المعتاد فلست بأحق أن يكون جاء بدعائك دون دعاء غيرك من الذين دعوا كما دعوت.

وكان الحاجب أشار إلى أسدين مصورين على مسند المأمون الذي كان مستندا إليه، وكانا متقابلين على المسند، فغضب علي بن موسى (عليه السلام) وصاح بالصورتين: دونكما الفاجر، فافترساه، ولا تبقيا له عينا ولا أثرا، فوثبت الصورتان وقد عادتا أسدين، فتناولا الحاجب ورضضاه وهشماه، وأكلاه ولحسا دمه، والقوم متحيرون ينظرون. فلما فرغا منه أقبلا على الرضا (عليه السلام)، وقالا: يا ولي الله في أرضه، ماذا تأمرنا أن نفعل بهذا، أنفعل به ما فعلناه بصاحبه؟ وأشارا بالقول إلى المأمون، فغشي عليه مما سمع منهما، فقال الرضا (عليه السلام) لأصحاب المأمون وحاشيته: أفيضوا عليه ماء الورد والطيب. ففعلوا به ذلك، فأفاق من غشيته، وعاد الأسدان يقولان: إئذن لنا أن نلحقه بصاحبه الذي أفنيناه.

قال: لا، فإن لله (عز وجل) فيه تدبيرا هو ممضيه.

قال الأسدان: فما تأمرنا؟

قال: عودا إلى مقركما كما كنتما. فعادا إلى المسند، وصارا صورتين كما كانا.

فقال المأمون: الحمد لله الذي كفاني شر حميد به مهران - يعني بذلك الرجل المفترس -.

ثم قال للرضا (عليه السلام): يا بن رسول الله، هذا الأمر لجدكم رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم لكم، ولو شئت لنزلت لك عنه.

فقال الرضا (عليه السلام): لو شئت لما ناظرتك ولم أسألك، فإن الله (عز وجل) أعطاني من طاعة سائر خلقه مثل ما رأيت من طاعة هاتين الصورتين، إلا جهال بني آدم، فإنهم وإن خسروا حظوظهم، فلله (عز وجل) فيهم تدبير، وقد أمرني ربي بترك الاعتراض

____________

(1) في " ع، م ": هذين.


الصفحة 382
عليك، وإظهار ما أظهرته من العمل من تحت يدك، كما أمر يوسف الصديق (عليه السلام) بالعمل من تحت يد فرعون مصر.

وأدبر المأمون ضئيلا في نفسه، إلى أن قضى في علي بن موسى الرضا (عليه السلام) (1) ما قضى.(2)

والحمد لله وحده، وصلى الله على محمد وآله.

____________

(1) في " ع، م ": إلى أن قضى به.

(2) عيون أخبار الرضا (ع) 2: 167 / 1، مناقب ابن شهرآشوب 4: 370، الثاقب في المناقب: 467 / 394 و: 469 / 395، فرائد السمطين 2: 212 / 490، الصراط المستقيم 2: 197 / 17.


الصفحة 383

أبو جعفر محمد بن علي الجواد (عليه السلام)

معرفة ولادته

قال أبو محمد الحسن بن علي العسكري الثاني (عليه السلام): ولد بالمدينة، ليلة الجمعة، النصف من شهر رمضان (1) سنة مائة وخمس وتسعين من الهجرة (2).

341 / 1 - وحدثني أبو المفضل محمد بن عبد الله، قال: حدثني أبو النجم بدر ابن عمار، قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن علي، قال: حدثني عبد الله بن أحمد، عن صفوان (3)، عن حكيمة بنت أبي الحسن موسى (عليه السلام)، قالت: كتبت لما علقت أم أبي جعفر (عليه السلام) به: " خادمتك (4) قد علقت ".

فكتب إلي " إنها علقت ساعة كذا، من (5) يوم كذا، من شهر كذا، فإذا هي

____________

(1) وقيل: في العاشر من رجب، أو النصف منه. انظر: تاج المواليد: 128، إعلام الورى: 344، مناقب ابن شهرآشوب 4: 379، كشف الغمة 2: 343.

(2) تاريخ الأئمة: 13، الكافي 1: 411، الارشاد: 316، مسار الشيعة: 43، تاريخ بغداد 3: 55، تاج المواليد: 128، إعلام الورى: 344، مناقب ابن شهرآشوب 4: 379، تذكرة الخواص: 358، كفاية الطالب:

458، كشف الغمة 2: 343 و 345، المستجاد: 500، الفصول المهمة: 266.

(3) في " ع، م " زيادة: بن يحيى.

(4) في " ط ": أم أبي جعفر كتبت إليه جاريتك سبيكة.

(5) (ساعة كذا من) ليس في " ع، م ".


الصفحة 384
ولدت فالزميها سبعة أيام ".

قالت: فلما ولدته قال: أشهد أن لا إله إلا الله. فلما كان اليوم الثالث عطس فقال: الحمد لله، وصلى الله على محمد وعلى الأئمة الراشدين.(1)

342 / 2 - وحدثني أبو المفضل محمد بن عبد الله، قال: حدثني جعفر [بن محمد] بن مالك الفزاري، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل الحسني، عن أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام)، قال: كان أبو جعفر (عليه السلام) شديد الأدمة، ولقد قال فيه الشاكون المرتابون - وسنه خمسة وعشرون شهرا - إنه ليس هو من ولد الرضا (عليه السلام)، وقالوا لعنهم الله: إنه من شنيف (2) الأسود مولاه، وقالوا: من لؤلؤ، وإنهم أخذوه، والرضا عند المأمون، فحملوه إلى القافة (3) وهو طفل بمكة في مجمع الناس بالمسجد الحرام، فعرضوه عليهم، فلما نظروا إليه وزرقوه بأعينهم خروا لوجوههم سجدا، ثم قاموا فقالوا لهم: يا ويحكم! مثل هذا الكوكب الدري والنور المنير، يعرض على أمثالنا، وهذا والله الحسب الزكي، والنسب المهذب الطاهر، والله ما تردد إلا في أصلاب زاكية، وأرحام طاهرة، ووالله ما هو إلا من ذرية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ورسول الله (عليهما السلام) فارجعوا واستقيلوا الله واستغفروه، ولا تشكوا في مثله.

وكان في ذلك الوقت سنه خمسة وعشرين شهرا، فنطق بلسان أرهف (4) من السيف، وأفصح من الفصاحة يقول:

الحمد لله الذي خلقنا من نوره بيده، واصطفانا من بريته، وجعلنا أمناءه على خلقه ووحيه.

معاشر الناس، أنا محمد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق

____________

(1) مدينة المعاجز: 515 / 1.

(2) في " م، ط ": سنيف.

(3) القافة: جمع قائف، وهو الذي يعرف الآثار ويلحق الولد بالوالد والأخ بأخيه " مجمع البحرين - قوف - 5:

110 ".

(4) في " ع، م ": اذهب.


الصفحة 385
ابن محمد الباقر بن علي سيد العابدين بن الحسين الشهيد بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وابن فاطمة الزهراء، وابن محمد المصطفى (عليهم السلام)، ففي مثلي يشك! وعلي وعلى (1) أبوي يفترى! واعرض على القافة!

وقال: والله، إنني لأعلم بأنسابهم من آبائهم، إني والله لأعلم بواطنهم وظواهرهم، وإني لأعلم بهم أجمعين، وما هم إليه صائرون، أقوله حقا، وأظهره صدقا (2)، علما ورثناه الله قبل الخلق أجمعين، وبعد بناء السماوات والأرضين.

وأيم الله، لولا تظاهر الباطل علينا، وغلبة دولة الكفر، وتوثب أهل الشكوك والشرك والشقاق علينا، لقلت قولا يتعجب منه الأولون والآخرون. ثم وضع يده على فيه، ثم قال: يا محمد، اصمت كما صمت آباؤك * (فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ولا تستعجل لهم) * (3) إلى آخر الآية.

ثم تولى لرجل (4) إلى جانبه، فقبض على يده ومشى يتخطى رقاب الناس، والناس يفرجون له. قال: فرأيت مشيخة ينظرون إليه ويقولون: الله أعلم حيث يجعل رسالته (5). فسألت عن المشيخة، قيل: هؤلاء قوم من حي بني هاشم، من أولاد عبد المطلب.

قال: وبلغ الخبر الرضا علي بن موسى (عليه السلام)، وما صنع بابنه محمد (عليه السلام)، فقال: الحمد لله. ثم التفت إلى بعض من بحضرته من شيعته فقال: هل علمتم ما قد رميت به مارية القبطية، وما ادعي عليها في ولادتها (6) إبراهيم بن رسول الله؟

قالوا: لا يا سيدنا، أنت أعلم، فخبرنا لنعلم.

____________

(1) زاد في " ع ": أخوي و، وفي النوادر: أجدادي و.

(2) في " ط " زيادة: وعدلا.

(3) الأحقاف 46: 35.

(4) في " ع، ط ": الرجل.

(5) في " ع، م ": رسالاته، تضمين من سورة الأنعام 6: 124.

(6) في " ع ": ولادها.


الصفحة 386
قال: إن مارية لما أهديت إلى جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) أهديت مع جوار قسمهن رسول الله على أصحابه، وظن بمارية من دونهن، وكان معها خادم يقال له (جريح) يؤدبها بآداب الملوك، وأسلمت على يد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأسلم جريح معها، وحسن إيمانهما وإسلامهما (1)، فملكت مارية قلب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فحسدها بعض أزواج رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأقبلت زوجتان من أزواج رسول الله إلى أبويهما تشكوان (2) رسول الله (صلى الله عليه وآله) فعله وميله إلى مارية، وإيثاره إياها عليهما، حتى سولت لهما أنفسهما أن يقولا (3): إن مارية إنما حملت بإبراهيم من جريح، وكانوا لا يظنون جريحا خادما زمنا (4). فأقبل أبواهما إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو جالس في مسجده، فجلسا بين يديه، وقالا: يا رسول الله، ما يحل لنا ولا يسعنا أن نكتمك ما ظهرنا عليه من خيانة واقعة بك.

قال: وماذا تقولان؟!

قالا: يا رسول الله، إن جريحا يأتي من مارية الفاحشة العظمى، وإن حملها من جريح، وليس هو منك يا رسول الله، فأربد وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتلون لعظم ما تلقياه به، ثم قال: ويحكما ما تقولان؟!

فقالا: يا رسول الله، إننا خلفنا جريحا ومارية في مشربة، وهو يفاكهها ويلاعبها، ويروم منها ما تروم الرجال من النساء، فابعث إلى جريح فإنك تجده على هذه الحال، فانفذ فيه حكمك وحكم الله (تعالى).

فقال النبي (صلى الله عليه وآله): يا أبا الحسن، خذ معك سيفك ذا الفقار، حتى تمضي إلى مشربة مارية، فإن صادفتها وجريحا كما يصفان فاخمدهما ضربا.

فقام علي واتشح بسيفه (5)، وأخذه تحت ثوبه، فلما ولى ومر من بين يدي رسول

____________

(1) في " ع ": إيمانها وإسلامها.

(2) في " ع، م ": يشكون.

(3) في " ع، م ": بقول.

(4) رجل زمن أي مبتلى، ذو عاهة " لسان العرب - زمن - 13: 199 ".

(5) في " ع، م ": وامتسح سيفه.