(31) قاعدة لا ضرر.
(32) المتعة.
(33) رسالة في المشتق.
(34) المكاسب.
وهو نفسه المتاجر، وهو من الكتب الدرسية في الحوزات العلمية.
(35) مناسك الحج.
(36) منجزات المريض.
(37) قاعدة من ملك شيئا ملك الاقرار به.
(38) المواسعة والمضايقة.
(39) النكاح.
(40) الوصية وأحكامها.
واستنسخ الشيخ قرآنا بخطه المبارك، والوافية للفاضل التوني، وحواشي المحقق القمي على كتابه القوانين.
أقوال العلماء في حقه:
مدح شيخنا الانصاري كثير من العلماء الربانيين، منهم:
استاذه الملا أحمد النراقي - في إجازته له - قال:... وكان ممن جد في الطلب، وبذل الجهد في هذا المطلب، وفاز بالحظ الاوفر الاسنى، وحظي بالنصيب المتكاثر الاهنى، من ذهن ثاقب وفهم صائب، وتدقيق وتحقيق ودرك عائر رشيق، والورع والتقوى والتمسك بتلك العروى الوثقى، العالم النبيل والمهذب الاصيل، الفاضل الكامل والعالم العامل، حاوي المكارم والمناقب والفائز بأسنى المواهب، الالمعي المؤيد والسالك من طرق الكمال للاسد، ذو الفضل والنهى والعلم والحجى... أيده الله بتأييداته وجعله من كمل عبيده، وزاد الله في علمه وتقاه وحباه بما يرضيه ويرضاه...
الميرزا محمد حسين الآشتياني، قال:... فان ما ذكرنا من التحقيق رشحة من
وقال أيضا:.... مع ما هو عليه من التفرد في دقة النظر واستقامة الرأي، والاطلاع على فتاوى الفقهاء - رضوان الله عليهم - في عصره، فجزاه الله عن الاسلام خيرا، وحشره في حظيرة قدسه مع نبيه وآله الطيبين سلام الله عليهم أجمعين.
الميزرا حبييب الله الرشتي، قال:... هو تال العصمة علما وعملا... مع أنه في جودة النظر يأتي بما يقرب من شق القمر...
والي العراق، قال - عندما سأله السلطان العثماني عنه -: هو والله الفاروق الاعظم.
النائب السياسي لبريطانيا، قال - عندما رآه في الصحراء قاصدا زيارة سلمان -: اقسم بالله هو عيسى بن مريم أو نائبه الخاص.
المحدث النوري، قال:... ومن آثار إخلاص إيمانه وعلائم صدق ولائه - أي جابر بن عبد الله الانصاري - أن تفضل الله تعالى عليه وأخرج من صلبه من نصر الملة والدين، بالعلم والتحقيق، والدقة والزهد، والورع والعبادة والكياسة، بما لم يبلغه من تقدم عليه، ولا يحوم حوله من تأخر عنه، وقد عكف على كتبه ومؤلفاته وتحقيقاته كل من نشأ بعده من العماء الاعلام والفقهاء الكرام، وصرفوا هممهم وبذلوا مجهودهم، وحبسوا أفكارهم وأنظارهم فيها وعليها، وهم بعد ذلك معترفون بالعجز عن بلوغ مرامه فضلا عن الوصول إلى مقامه، جزاه الله تعالى عن الاسلام والمسلمين خير جزاء المحسنين.
الخوانساري، قال:.... ومن جملة أعاظم تلاميذه - أي: تلاميذ الملا أحمد النراقي - الذي انتهت إليه رئاسة الامامية في زمانه، وصار مسلما للكل في كمال فضله، وجلالة شأنه، ورشاقة جميع ما كتبه في الفقه والاصول، وخصوصا ما يتعلق من أصوله بأدلة العقول....
وقال أيضا:.... وكلي المرتضى العالم من غير سلسلة السادات والاكارم منحصر
الشيخ محمد حرز الدين، قال:... كان فقيها أصوليا متبحرا في الاصول، لم يسمح الدهر بمثله، صار رئيس الشيعة الامامية، وكان يضرب به المثل أهل زمانه في زهده وتقواه وعبادته وقداسته، وقد أدركت زمانه وشاهدت طلعته ونظرت إلى مجلس بحثه، ورأيته يوما ورجل يمشي إلى جنبه، وأتذكر أنه أبيض اللون نحيف الجسم خضب كريمته بالحناء، يلبس لباس الفقراء وعليه عباءة صوف غليظة كدرة، وكان مدرسا بارعا تتلمذ عليه عيون العلماء والاساتذة، وحدثوا أنه كان متقنا للنحو والصرف والمنطق والمعاني والبيان، وسمع أنه استطرق كتاب المطول للتفتازاني أربعين مرة ما بين بحث ودرس وتدريس، وله في التدريس طريق خاص وأسلوب فقده معاصروه، من طلاقة في القول، وفصاحة في المنطق، وحسن تقريب آراء المحققين، وبيان رأي المحتكر من المبتكر، وإبراز المآرب، والاستدلال عليها بأحسن بيان وأقطع برهان... وقد جمع بين الحفظ، وسرعة الانتقال، واستقامة الذهن، وقوة الغلبة على من يحاوره... وكان عالي الهمة أبيا، ومن علو همته أنه كان يعيش عيشة الفقراء، ويبسط البذل على الفقراء والمحتاجين سرا.
الشيخ الطهراني، قال: حتى اجتمع - أي: الميرزا الشيرازي - مع الشيخ المرتضى الانصاري، فرآه من أهل الانظار العالية، والتحقيقات الجيدة، فعزم على المقام في النجف لاجله، وعدل عن الرجوع إلى إصفهان، وأخذ بالخوض في مطالب الشيخ بغاية جهده وكده، والغوص فيها بقاطع ضرسه، حتى اغتنم كنوزها، وحقق حقائقها...
السيد الامين، قال: الاستاذ الامام المؤسس، شيخ مشايخ الامامية.... وضع أساس علم الاصول الحديث عند الشيعة وطريقته الشهيرة المعروفة، إلى أن انتهت إليه رئاسة الامامية العامة في شرق الارض وغربها... وصار على كتبه و دراستها معول أهل العلم، لم يبق أحد لم يستفد منها، وإليها يعود الفضل في تكوين النهضة العلمية
وفي نظم الآل، قال: انتهت إليه رئاسة الامامية بعد مشايخنا الماضين، وهو بها حقيق، إذ لا يباريه أحد في التقى وكثرة الصلاة والصلات والعلم أصولا وفروعا والعمل وحسن الاخلاق، له كتب في الاصول والفقه لا يسع الواقف عليها وعلى ما فيها من الدقائق العجيبة والتحقيقات الغريبة، مع لزوم الجادة المستقيمة والسليقة المعتدلة، لا الالتزام لما يرى بالموافقة والتسليم حتى يرى المجتهد الناظر في ذلك نفسه كالمقلد، وذلك أقل شئ يقال في حقه، فقد اشتهر أمره في الآفاق وذكره على المنابر على وضع لم يتفق قبله لغيره، وكان مرجعا للشيعة قاطبة في دينهم ودنياهم.
الميرزا نصر الله الدزفولي، قال: استاذ الاساتيذ، مفخر العلماء الزاهدين، الاستاذ المفخم.... كان في الاخلاق الاوحد في العالم، وفي العلم والزهد والتقوى لا يوجد له نظير، وكان كثير التعظيم والتوقير للعلماء عند ذكر أساميهم.
الزركلي، قال: فقيه ورع إمامي....
الشيخ مرتضى - حفيد الشيخ منصور أخي المترجم - قال: كان رأس العلماء الامامية وأكمل فقهاء الشيعة، وكان نابغة من بين كبار العلماء، اشتهر صيته ومكانه الشامخ ومرتبته العلمية بين جميع أهل العلم والفضل، حتى سماه بعض الفقهاء: خاتمة الفقهاء والمجتهدين.
الشيخ محمد جعفر - حفيد الشيخ منصور أخي المترجم - قال: المولى القمقام، وقدوة الانام، فحل الاعلام، وفريدة الايام، الخائض في أسرار المدارك، والغائص في
الشيخ عباس القمي، قال: الشيخ الاجل الاعظم، الاعلم العالم الزاهد، وواحد هذا الدهر وأي واحد، خاتم الفقهاء والمجتهدين، وأكمل الربانيين من العلماء الراسخين، المتحلي من درر أفكاره مدلهمات غياهب الظلم من ليالي الجهالة، والمستضئ من ضياء شموس أنظاره خفايا زوايا طرق الرشد والدلالة، المنتهي إليه رئاسة الامامية في العلم والورع والاجتهاد والتقى، العالم الرباني، والمحقق بلا ثاني، شيخ الطائفة...
وقال أيضا:.... وقد يطلق الشيخ في عصرنا هذا وقبيله على الشيخ الاجل الاعظم الاعلم، خاتم الفقهاء العظام، ومعلم علماء الاسلام، رئيس الشيعة من عصره إلى يومنا هذا بلا مدافع، والمنتهي إليه رئاسة الامامية في العلم والعمل والورع والاجتهاد بغير منازع، مالك أزمة التحرير والتأسيس، ومربي أكابر أهل التصنيف والتدريس، المضروب بزهده الامثال، والمضروب إلى علمه اباط الامال، الخاضع لديه كل شريف، واللائذ إلى ظله كل عالم عريف، آية الله الباري.... الذي عكف على كتبه ومصنفاته وتحقيقاته كل من نشأ بعده من العلماء الاعلام والفقهاء الكرام.
الشيخ محمد جواد مغنية، قال: - في ختام كتابه علم الاصول في ثوبه الجديد -... وختاما فإن الغرض الاول من هذه الصفحات أن تكون تبصرة للمبتدي وتذكرة للمنتهي، فان بلغت هذه الغاية فمن توفيق الله وفضله، وإلا فهي جهد العاجز، فقد بذلت أقصى ما أملك من جهد بخاصة من أجل تفهم أقوال الشيخ الانصاري وتفهيمها بأوضح عبارة، وبصورة أخص الاصول العملية، فقد قضيت مع هذا الشيخ العظيم السنوات، وانتفعت بعلمه كما انتفع بها الكبار والصغار على مدى الاجيال....
وقال أيضا: وأيضا يظهر لي جليا من الاستقراء والاستيفاء أن كل من كتب في الاصول اللفظية من الاقطاب بعد صاحب الحاشية الكبرى على المعالم فهو عيال عليه، وأن كل من كتب في الاصول العملية منهم بعد الشيخ الانصاري فقد اغترف من بحره الزاخر...
أقول: وأجمل وصف نستطيع أن نصف به شيخنا الانصاري: أنه من شيعة الامام جعفر الصادق عليه السلام الذين وصفهم بأنهم: أهل الورع والاجتهاد، وأهل الوفاء والامانة، وأهل الزهد والعبادة، أصحاب إحدى وخمسين ركعة في اليوم والليلة، القائمون بالليل، الصائمون بالنهار، يزكون أموالهم، ويحجون البيت، ويجتنبون كل محرم.
تقواه وزهده وتواضعه:
كان الشيخ الاعظم مصداقا لجميع مكارم الاخلاق، اقتداء منه بنبيه الاكرم محمد وأئمته الاطهار سلام الله عليهم أجمعين.
فلما توفي صاحب الجواهر بعد أن ذكر للعلماء أن أعلم الناس بعده هو الشيخ الانصاري، امتنع الشيخ من الفتوى وأرسل رسالة إلى سعيد العلماء المازندراني وقال له: بأنا لما كنا في كربلاء وكنا نحضر درس شريف العلماء كانت استفادك وفهمك اكثر مني، فالآن الاولى لك أن تأتي إلى النجف وتستلم هذا الامر المهم.
فأجابه سعيد العلماء: بأن قولك صحيح، لكنك كنت في هذه المدة مشغولا بالدرس والتدريس والمباحثة، وأنا تسلمت أمور الناس، فأنت أولى مني.
ولما عرضت عليه فلوس الهند المعروفة أبى أن يقبلها، وذلك أن هذه الاموال موضوعة في أحد بنوك بريطانيا، أصلها من مال أمرأة هندية أوصت أن تصرف في كربلاء والنجف برأي المجتهدين، فطلب قنصل بريطانيا من الشيخ أن يأخذ منها شيئا ويعطيه وصولا بالتمام، فأبى، فسلمت لغيره ممن قبل ذلك.
وقال له بعض أصحابه: إنك مبالغ في إيصال الحقوق إلى أهلها، فأجابه: ليس لي بذلك فخر ولا كرامة، إذ من شأن كل عامي وسوقه أن يؤدي الامانات إلى أهلها، وهذه حقوق الفقراء أمانة عندي.
فكان رضوان الله عليه يرى مساعدة الفقراء والمحتاجين من وظائفه الواجبة، وكان هذا ديدنه من حين صغره، فلما عرف أن في ناحية من مدينته عاجزا فقيرا شرع باعطاء عشائه كل ليلة إلى الفقير وهو ينام بدون عشاء أو يكتفي بشئ يسير من الطعام.
وكان كثير من الفقراء لهم راتب خاص من الشيخ.
وكانت للشيخ اسوة بسيده أمير المؤمنين عليه السلام، فكان يذهب إلى أبواب بيوت الفقراء سرا ويوصل إليهم ما يحتاجونه من دون أن يعرفهم نفسه، وعرفوه بعد ما فارقت روحه الطيبة الحياة.
وكان رحمه الله كلما وصلت إليه هدايا ثمينة يعطيها لملا رحمة الله ليبيعها، ثم يوزع الاموال على الفقراء.
وكان مع وصول جميع حقوق الشيعة إليه، مع هذا كان يعيش عيشة الفقراء، ويكتفي من قوته بما يسد رمقه.
ولما سعي بالشيخ بأنه يخفي الاسلحة في بيته أرسل والي النجف إلى بيت الشيخ عسكرا ليفتشوا البيت، فلما ذهبوا لم يجدوا سلاحا وتعجبوا من زهد الشيخ بحيث لم يجدوا بيته مفروشا.
والشيخ مع عظمته العالية كان يصغي إلى كل من يتكلم أو يسأل في مجلس درسه وإن كان من أصاغر طلبته.
وفي مدة تدريسه حدث أن بعض الايام كان الشيخ يتأخر عن موعده للوصول إلى الدرس، فلما سئل عن سببه قال: إن أحد السادات حصلت له رغبة في تحصيل العلوم الدينية، فطلبت من عدة أشخاص أن يلتزموا بتدريسه المقدمات فلم يوافقوا، لذا شرعت بتدريسه المقدمات.
وكانت عادة الشيخ في كل ليلة جمعة أن يقيم مجلس العزاء، ثم يطعم بعض الفقراء.
وعن الشيخ محمد حسن المامقاني: أن الشيخ الانصاري قضى صلاة عمره ثلاث مراة.
وقال الشيخ علي الكني: إني عاصرت الشيخ المرتضى الانصاري قدس سره عشرين سنة في كربلاء، ولم يكن للشيخ الانصاري مما يملك من الاثاث إلا عمامة يفرشها ليلا فراشا له في الصيف ويعتم بها إذا خرج لحوائجه.
هذا شئ قليل من الحكايات الدالة على زهده ووورعه وتواضعه نكتفي به، وإلا فالكتب الكبيرة لا تسع ذكر الحكايات الدالة على كراماته وخلقه السامي وتشرفه بلقاء مولانا الحجة ابن الحسن عجل الله فرجه.
وفاته ومدفنه:
توفي شيخنا في النجف الاشرف بداره في محلة الحويش، وغسل على ساحل بحر النجف غربي البلد، نصبت له خيمة هناك، وهي أول خيمة نصبت في هذا الشأن.
وكانت وفاته بعد مضي ست ساعات من ليلة السبت الثامن عشر من جمادى الثانية سنة 1281 ه على عمر 67 سنة.
ولما سمع الناس بوفاة الشيخ هاجوا بجميع طبقاتهم من كل جانب ومكان لتشييع جثمانه، حتى اتصل السواد من سور النجف إلى ساحل البحر، ولم يكن له قدس سره قرابة وجيه في البلد سوى تقاه وعلمه الجم الذي كان يضئ.
وصلى عليه بوصية منه الحاج السيد علي الشوشتري.
ودفن في صحن أمير المؤمنين عليه السلام في الحجرة المتصلة بباب القبلة في جوار عديله في الصلاح والزهد الشيخ حسين نجف، وقبره معروف لحد الآن وعليه شباك.
ولما توفي الشيخ كان عنده سبعة عشر تومان إيراني، وبهذا المقدار كان مقروضا بحيث لم يستطع أقر باؤه أن يقيموا العزاء عليه، فقام بنفقة عياله ومصرف فاتحته ستة أيام رجل نجفي من أهل المجد.
وأرخ وفاته بعض العلماء حيث قال:
رعاك الهدى أيها المرتضى | وقل بأني أقول رعاك |
أقمت على باب صنو النبي | وجبريل قد خط فيه ثراك |
فأصبحت بابا لعلم الوصي | وهل باب علم الوصي سواك |
كأنك موسى على طوره | تناجى به الله لما دعاك |
وليس كطورك طور الكليم | ووادي طوى منه وادي طواك |
طوى الشرع من تاريخه | " حوى الدين قبرك إذ قد حواك " |
فسلام عليه يوم ولد ويوم توفي ويوم يبعث حيا.
عملنا في الرسالة:
أول شئ عملناه في هذه الرسالة هو إخراج نصها بصورة صحيحة، فاعتمدنا
على الرسالة المطبوعة آخر كتاب الطهارة للمؤلف المطبوعة سنة 1298 ه، ورمزنا لها بحرف (ط).
وعلى الرسالة المطبوعة آخر كتاب المكاسب للمؤلف المطبوعة سنة 1375 ه بخط طاهر خوش نويس، ورمزنا لها بحرف (ك).
ثم شرعنا بتخريج أقوال الكتاب و رواياته من مصادرها الرئيسية.
فضبطنا نص الكتاب بمقابلته على النسختين و مصادره، وأثبتنا الاختلافات التي لها معنى.
ثم ترجمنا الاعلام الواردين في الرسالة، وعرفنا الكتب الورادة فيها.
سائلين الله سبحانه وتعالى القبول والتوفيق والسداد.
قم المشرفة
17 - ربيع الاول - 1410 ه
ذكرى ميلاد الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم
فارس محمد رضا الحسون
متن كتاب التقيّة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.
التقية: اسم لاتقى يتقي، والتاء بدل عن الواو كما في التهمة والتخمة.
والمراد هنا: التحفظ عن ضرر الغير بموافقته في قول أو فعل مخالف للحق..
والكلام تارة يقع في حكمها التكليفي، وأخرى في حكمها الوضعي.
والكلام في الثاني تارة من جهة الآثار الوضعية المترتبة على الفعل المخالف للحق، وأنها تترتب على الصادر تقية كما تترتب على الصادر اختيارا، أم وقوعه تقية يوجب رفع تلك الآثار، وأخرى في أن الفعل المخالف للحق هل تترتب عليه آثار الحق بمجرد الاذن فيها من قبل الشارع أم لا؟
ثم الكلام في آثار الحق الواقعي قد يقع في خصوص الاعادة والقضاء إذا
فالكلام في مقامات أربعة:
أما الكلام في حكمها التكليفي (1):
فهو أن التقية تنقسم إلى الاحكام الخمسة:
فالواجب منها: ما كان لدفع الضرر الواجب فعلا، وأمثلته كثيرة.
والمستحب: ما كان فيه التحرز عن معارض الضرر: بأن يكون تركه مفضيا تدريجا إلى حصول الضرر، كترك المداراة مع العامة وهجرهم في المعاشرة في بلادهم، فإنه ينجر غالبا إلى حصول المباينة الموجب لتضرره منهم.
والمباح: ما كان التحرز عن الضرر وفعله مساويا في نظر الشارع، كالتقية في إظهار كلمة الكفر على ما ذكره جمع من الاصحاب، ويدل عليه الخبر الوارد في رجلين أخذا بالكوفة وأمرا بسب أمير المؤمنين صلوات الله عليه (2).
والمكروه: ما كان تركها وتحمل الضرر أولى من فعله، كما ذكر ذلك بعضهم في إظهار كلمة الكفر، وأن الاولى تركها ممن يقتدي به الناس، إعلاء لكلمة الاسلام، والمراد بالمكروه حينئذ ما يكون ضده أفضل.
والمحرم منه: ما كان في الدماء.
وذكر الشهيد قدس سره (3) في قواعده:
____________
(1) هذا هو المقام الاول.
(2) وهو الخبر الذي رواه ثقة الاسلام الكليني رحمه الله بسنده عن عبد الله بن عطاء قال: قلت لابي جعفر عليه السلام: رجلان من أهل الكوفة اخذا، فقيل لهما: ابرئا من أمير المؤمنين، فبرئ واحد منهما وأبى الآخر، فخلي سبيل الذي برئ وقتل الآخر، فقال: " أما الذي برئ فرجل فقيه في دينه، وأما الذي لم يبرأ فرجل تعجل إلى الجنة " الكافي 2 / 175 حديث 21.
(3) هو: الشيخ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن مكي العاملي الجزيني، ويعرف بالشهيد على الاطلاق أو الشهيد الاول، عالم نحرير، فضله أشهر من أن يذكر ونبله أعظم من أن ينكر، له عدة مؤلفات قيمة، منها: القواعد والفوائد، وهو مختصر مشتمل على ضوابط كلية أصولية وفرعية يستنبط منها الاحكام الشرعية، استشهد مظلوما سنة 786.
لؤلؤة البحرين: 143، الذريعة 17 / 193.
والمكروه: التقية في المستحب حيث لا ضرر عاجلا ولا آجلا، ويخاف منه الالتباس على عوام المذهب.
والحرام: التقية حيث يؤمن الضرر عاجلا وآجلا، أو في قتل مسلم.
والمباح: التقية في بعض المباحات التي ترجحها العامة ولا يصل (1) بتركها ضرر (2)، انتهى.
وفي بعض ما ذكره قدس سره تأمل.
ثم الواجب منها يبيح كل محظور من فعل الواجب وترك المحرم.
والاصل في ذلك: أدلة نفي الضرر (3)، وحديث رفع عن أمتي تسعة أشياء، ومنها: " ما اضطروا إليه " (4)، مضافا إلى عمومات التقية، مثل قوله في الخبر: " إن التقية واسعة، ليس شئ من التقية إلا وصاحبها مأجور " (5)، وغير ذلك من
____________
(1) في المصدر: ولا يحصل.
(2) القواعد والفوائد 2 / 157 و 158، باختلاف.
(3) مثل قوله عليه السلام: " لا ضرر ولا ضرار " كما ورد في عدة روايات، انظر: الكافي 5 / 280 حديث 4 و 292 حديث 2 و 293 حديث 6 و 294 حديث 8، الفقيه 3 / 45 حديث 154 حديث 154 و 59 حديث 208 و 147 حديث 648، التهذيب 7 / 146 حديث 651 و 164 حديث 727، دعائم الاسلام 2 / 499 حديث 1781 و 504 حديث 1805.
(4) روى هذا الحديث الشيخ الصدوق بسنده عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: رفع عن أمتي تسعة: الخطأ، والنسيان، وما اكرهوا عليه، وما لا يعلمون، وما لا يطيقون، وما اضطروا إليه، والحسد، والطيرة، والتفكر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق بشفة " الخصال 2 / 417 حديث 9 من باب التسعة.
(5) الكافي 3 / 380 حديث 7، التهذيب 3 / 51 حديث 177.
وجميع هذه الادلة حاكمة على أدلة الواجبات والمحرمات، فلا يعارض بها شئ منها حتى يلتمس الترجيح ويرجع إلى الاصول بعد فقده، كما زعمه بعض في بعض موارد هذه المسألة.
وأما المستحب من التقية فالظاهر وجوب الاقتصار فيه على مورد النص، وقد ورد النص: بالحث على المعاشرة مع العامة، وعيادة مرضاهم، وتشييع جنائزهم، والصلاة في مساجدهم، والاذان لهم (2)، فلا يجوز التعدي عن ذلك إلى ما لم يرد فيه النص من الافعال المخالفة للحق، كذم بعض رؤساء الشيعة للتحبب إليهم.
وكذلك المحرم والمباح والمكروه، فإن هذه الاحكام على خلاف عمومات التقية، فيحتاج إلى الدليل الخاص.
____________
(1) راجع: وسائل الشيعة 11 / 459 - 483، من باب 24 إلى باب 32 من أبواب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.
(2) راجع: المصدر السابق.