وأما المقام الثاني:
فنقول: إن الظاهر ترتيب آثار العمل الباطل على الواقع تقية وعدم ارتفاع الآثار بسبب التقية إذا كان دليل تلك الآثار عاما لصورتي الاختيار والاضطرار، فإن من احتاج لاجل التقية إلى التكتف في الصلاة، أو السجود على ما لا يصح السجود عليه، أو الاكل في نهار رمضان، أو فعل بعض ما يحرم على المحرم، فلا يوجب ذلك ارتفاع أحكام تلك الامور بسبب وقوعها تقية.
نعم، لو قلنا بدلالة حديث رفع التسعة (1) على رفع جميع الآثار، تم ذلك في الجملة.
لكن الانصاف ظهور الرواية في رفع المؤاخذة، فمن اضطر إلى الاكل والشرب تقية أو التكتف في الصلاة، فقد اضطر إلى الافطار وإبطال الصلاة، لانه مقتضى عموم الادلة، فتأمل.
____________
(1) راجع: هامش (4) من صفحة (40).
المقام الثالث:
في حكم الاعادة والقضاء إذا كان المأتي به تقية من العبادات.
فنقول: إن الشارع إذا أذن في إتيان واجب موسع على وجه التقية - إما بالخصوص كما لو أذن في الصلاة متكتفا حال التقية، وإما بالعموم كأن يأذن بإمتثال أوامر الصلاة أو مطلق العبادات على وجه التقية، كما هو الظاهر من أمثال قوله عليه السلام: " التقية في كل شئ إلا في النبيذ والمسح على الخفين " (1) ونحوه (2) - ثم ارتفعت التقية قبل خروج الوقت، فلا ينبغي الاشكال في إجزاء المأتي به وإسقاطه، للامر، كما تقرر في محله: من أن الامر بالكلي كما يسقط بفرده الاختياري كذلك يسقط بفرده الاضطراري إذا تحقق الاضطرار الموجب للامر به، فكما أن الامر بالصلاة يسقط بالصلاة مع الطهارة المائية كذلك يسقط مع الطهارة الترابية إذا وقعت على الوجه المأمور به.
أما لو لم يأذن في امتثال الواجب الموسع في حال التقية خصوصا أو عموما على الوجه المتقدم، فيقع الكلام في أن الوجوب في الواجب الموسع هل يتعلق بإتيان هذا الفرد المخالف للواقع بمجرد تحقق التقية في جزء من الوقت، بل في مجموعه؟ وبعبارة أخرى: الكلام في أنه هل يحصل من الاوامر المطلقة بضميمة أوامر التقية أمر بامتثال الواجبات على وجه التقية أو لا؟ بل غاية الامر سقوط الامر عن المكلف في حال التقية ولو استوعب الوقت.
والتحقيق: أنه يجب الرجوع في ذلك إلى أدلة تلك الاجزاء والشروط المتعذرة لاجل التقية.
____________
(1) الكافي 2 / 172 حديث 2 باب التقية.
(2) انظر: وسائل الشيعة 11 / 467 باب 25 من أبواب الامر بالعروف والنهي عن المنكر.
وإن اقتضت مدخليتها في العبادة بشرط التمكن منها دخلت المسألة في مسألة اولي الاعذار: في أنه إذا استوعب العذر الوقت لم يسقط الامر رأسا، وإن كان في جزء من الوقت - مع رجاء زواله في الجزء الآخر، أو مع عدمه - جاء فيه الخلاف المعروف في اولي الاعذار، وأنه هل يجوز لهم البدار أم يجب عليهم الانتظار.
فثبت من جميع ما ذكرنا أن صحة العبادة المأتي بها على وجه التقية تتبع إذن الشارع في امتثالها حال التقية.
والاذن متصور بأحد أمرين:
أحدهما: الدليل الخارجي الدال على ذلك، سواء كان خاصا بعبادة أو كان عاما لجميع العبادات.
والثاني: فرض شمول الاوامر العامة بتلك العبادة لحال التقية.
لكن يشترط في كل منهما بعض ما لا يشترط في الآخر:
فيشترط في الثاني كون الشرط أو الجزء المتعذر للتقية من الاجزاء والشرائط الاختيارية، وأن لا تكون للمكلف مندوحة: بأن لا يتمكن من الاتيان بالعمل الواقعي في مجموع الوقت، أو في الجزء الذي يوقعه مع اليأس من التمكن منه فيما بعده أو مطلقا على التفصيل والخلاف في اولي الاعذار، وهذان الامران غير معتبرين في الاول، بل يرجع فيه إلى ملاحظة ذلك الدليل الخارجي، وسيأتي أن الدليل الخارجي الدال على الاذن في التقية في الاعمال لا يعتبر فيه شئ
ويشترط في الاول أن تكون التقية من مذهب المخالفين، لانه المتيقن من الادلة الواردة في الاذن في العبادات على وجه التقية، لان المتبادر التقية من مذهب المخالفين، فلا يجري في التقية عن الكفار أو ظلمة الشيعة، لكن في رواية مسعدة بن صدقه (1) الآتية ما يظهر منه عموم الحكم لغير المخالفين (2)، مع كفاية عمومات التقية في ذلك، بعد ملاحظة عدم اختصاص التقية في لسان الائمة صلوات الله عليهم بالمخالفين، لما يظهر بالتتبع في أخبار التقية التي جمعها في الوسائل (3).
وكذا لا إشكال في التقية عن غير مذهب المخالفين، مثل التقية في العمل على طبق عمل عوام المخالفين الذين لا يوافق مذهب مجتهدهم، بل وكذا التقية في العمل على طبق الموضوع الخارجي الذي اعتقدوا تحققه في الخارج مع عدم تحققه في الواقع، كالوقوف بعرفات يوم الثامن والافاضة منها ومن المشعر يوم التاسع موافقا للعامة إذا اعتقدوا رؤية هلال ذي الحجة في الليلة الاخيرة من ذي القعدة.
____________
(1) هو: أبو محمد أو أبو بشر مسعدة بن صدقة العبدي أو العسيدي، له كتب، روى عنه هارون بن مسلم، وهو إما تبري أو عامي.
رجال ابن داود: 188 و 278، نقد الرجال: 343.
(2) راجع: هامش (5) من صفحة (58).
(3) الوسائل 11 / 459 - 483، من باب 24 إلى باب 32 من أبواب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر. والوسائل هو أحد الجوامع المتأخرة الكبرى، واسمه تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، ويقال له الوسائل تخفيفا.
وهو تأليف الشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن بن علي المشغري، عالم عامل محدث جليل القدر، توفى سنة 1104، ودفن في الصحن المطهر للامام الرضا عليه السلام، وله مقبرة تزار وتقصد لحد الآن.
هدية الاحباب: 123، الوسائل 4 / 352.
نعم، العمل على طبق الموضوعات العامة الثابتة على مذهب المخالفين داخل في التقية عن المذهب، فيدخل في الاطلاق لو فرض هناك إطلاق، كالصلاة عند اختفاء الشمس، لذهابهم إلى أنه هو المغرب.
ويمكن إرجاع الموضوع الخارجي أيضا في بعض الموارد إلى الحكم، مثل ما إذا حكم الحاكم بثبوت الهلال من جهة شهادة من لا تقبل شهادته إذا كان مذهب الحاكم القبول، فإن ترك العمل بهذا الحكم قدح في المذهب، فيدخل في أدلة التقية.
وكيف كان ففي هذا الوجه لا بد من ملاحظة إطلاق دليل الترخيص لاتيان العبادة على وجه التقية وتقييده والعمل على ما يقتضيه الدليل.
وأما في الوجه الثاني، فهذا الشرط غير معتبر قطعا، لان مبناه على العمل المخالف للواقع من جهة تعذر الواقع، سواء كان تعذره للتقية من مخالف أو كافر أو موافق، وسواء كان في الموضوع أم في الحكم.
كل ذلك لان المناط في مسألة اولي الاعذار العذرية، من غير فرق بين الاعذار.
بقي الكلام: في اعتبار عدم المندوحة الذي اعتبرناه في الوجه الثاني.
فإن الاصحاب فيه بين غير معتبر له، كالشهيدين (1) والمحقق
____________
(1) مرت ترجمة الشهيد الاول، وهو صاحب كتاب البيان الذي نقل عنه هنا، وكتاب البيان في الفقه خرج منه الطهارة والصلاة والزكاة والخمس وأول الاركان الاربعة من الصوم فيما يجب الامساك عنه.
وأما الشهيد الثاني فهو: الشيخ زين الدين بن علي بن أحمد بن محمد العاملي، عالم كبير من أعيان هذه الطائفة ورؤسائها وأعاظم فضائلها وثقاتها، له عدة مؤلفات، منها: روض الجنان في شرح إرشاد
=>
وبين معتبر له، كصاحب المدارك (5).
وبين مفصل، كما عن المحقق الثاني: بأنه إذا كان متعلق التقية مأذونا فيه بخصوصه كغسل الرجلين في الوضوء والتكتف في الصلاة، فإنه إذا فعل على الوجه المأذون فيه كان صحيحا مجزيا، وإن كان للمكلف مندوحة، التفاتا إلى أن الشارع أقام ذلك مقام المأمور به حين التقية، فكان الاتيان به امتثالا، وعلى هذا فلا تجب الاعادة وإن تمكن من فعله على غير وجه التقية قبل خروج الوقت.
قال: ولا أعلم خلافا في ذلك بين الاصحاب.
وأما إذا كان متعلقها مما لم يرد فيه نص بالخصوص، كفعل الصلاة إلى غير القبلة والوضوء بالنبيذ ومع الاخلال بالموالاة فيجف الوضوء كما يراه بعض
____________
<=
الاذهان، وهو شرح مزجي خرج منه مجلد في الطهارة والصلاة، استشهد مظلوما سنة 966 ه.
لؤلؤة البحرين: 28، الذريعة 3 / 174 و 11 / 275.
(1) هو: الشيخ نور الدين علي بن الحسين بن عبد العالي الكركي، ويعرف بالمحقق الثاني، شيخ الطائفة وعلامة وقته صاحب التحقيق والتدقيق، له عدة مؤلفات، منها: جامع المقاصد في شرح القواعد، وهو شرح مبسوط خرج منه ست مجلدات مع أنه لم يتجاوز مبحث تفويض البضع من كتاب النكاح، توفي سنة 940 في النجف.
نقد الرجال: 238، هدية الاحباب: 236، الذريعة 5 / 72.
(2) البيان: 10.
(3) روض الجنان: 37.
(4) جامع المقاصد 1 / 222.
(5) المدارك: 33.
وكتاب مدارك الاحكام في شرح عبارات شرائع الاسلام في الفقه، خرج منه العبادات إلى آخر كتاب الحج في ثلاث مجلدات.
وهو تأليف السيد محمد بن علي بن الحسين بن أبي الحسن الموسوي العاملي، عالم عامل زاهد صاحب تأليفات وتحقيقات قيمة، توفي سنة 1009 ه.
هدية الاحباب: 119، الذريعة 20 / 239.
ثم نقل عن بعض اصحابنا القول بعدم وجوب الاعادة، لكون المأتي به شرعيا.
ثم رده: بأن الاذن في التقية من جهة الاطلاق لا يقتضي أزيد من إظهار الموافقة مع الحاجة (1)، انتهى.
أقول: ظاهر قوله في المأذون بالخصوص لا تجب فيه الاعادة وإن تمكن من فعله قبل خروج الوقت، أن عدم التمكن من فعله على غير وجه التقية حين العمل معتبر، وأن من كان في سوق وأراد الصلاة وجب عليه مع التمكن الذهاب إلى مكان مأمون فيه.
وحينئذ فمعنى قوله قبل ذلك: وإن كان للمكلف مندوحة عن فعله، ثبوت المندوحة بالتأخير إلى زمان ارتفاع التقية، لا وجودها بالنسبة إلى زمان العمل.
وحينئذ يكون هذا قولا باعتبار عدم المندوحة على الاطلاق كصاحب المدارك، إذ ليس مراد صاحب المدارك بعدم المندوحة عدم المندوحة في مجموع الوقت، إذ الظاهر أنه مما لم يعتبره أحد، لما سيجئ من مخالفته لظواهر الاخبار، بل لصريح بعضها.
ومراد القائل بعدم اعتباره عدم اعتباره في الجزء الذي يقع الفعل فيه، فمن تمكن من الصلاة في بيته مغلقا عليه الباب لا يجب عليه ذلك، بل يجوز له الصلاة تقية في مكانه ودكانه بمحضر المخالفين.
____________
(1) رسائل المحقق الكركي - الرسالة الثامنة في التقية - 2 / 51 و 52.
وعلى أي تقدير فيرد على ما ذكره المحقق في القسم الثاني:
أنه إن أراد من عدم ورود نص بالخصوص في الاذن في متعلق التقية: عدم النص الموجب للاذن في امتثال العمل على وجه التقية.
ففيه: أنه لا دليل حينئذ على مشروعية الدخول في العمل المفروض امتثالا للاوامر المطلقة المتعلقة بالعمل الواقعي، لان الامر بالتقية لا يستلزم الاذن في امتثال تلك الاوامر، لان التحفظ عن الضرر إن تأدى بترك ذلك العمل رأسا - بأن يترك الصلاة في تلك الحال - وجب، ولا يشرع الدخول في العمل المخالف للواقع بعد تأدي التقية بترك الصلاة رأسا، وإن فرضنا أن التقية ألجأته إلى الصلاة ولا تتأدى بترك الصلاة كانت الصلاة المذكورة واجبة عينا، لانحصار التقية فيها، فهي امتثال لوجوب التقية عينا لا للوجوب الموسع المتعلق بالصلاة الواقعية.
وإن أراد به: عدم النص الدال على الاذن في هذه العبادة بالخصوص، وإن كان هناك نص عام دال على الاذن في إمتثال أوامر مطلق العبادات على وجه التقية.
ففيه: أن هذا النص كما يكفي للدخول في العبادة امتثالا للأمر المتعلق بها، كذلك يوجب موافقة الاجزاء وعدم وجوب الاعادة في الزمن الثاني إذا ارتفعت التقية.
والحاصل: أن الفرق بين كون متعلق التقية مأذونا فيه بالخصوص أو بالعموم لا يفهم (1) له وجه، كما اعترف به بعض، بل كلما يوجب الاذن في
____________
(1) في (ط): لا نفهم.
اللهم إلا أن يكون مراده من الامر العام أوامر التقية، ومن وجوب العمل على وجه التقية إذا اقتضت الضرورة هو هذا الوجوب العيني لا الوجوب التخييري الحاصل من الوجوب الموسع، فيكون حاصل كلامه الفرق بين الاذن في العمل إمتثالا للاوامر المتعلقة بالعبادة وبين الاذن في العمل إمتثالا لاوامر التقية.
لكن ينبغي حينئذ تقييده بغير ما إذا كانت التقية في الاجزاء والشروط الاختيارية، وإلا فتدخل المسألة في مسألة اولي الاعذار، ويصح الاتيان بالعمل المذكور امتثالا للاوامر المتعلقة بذلك العمل مع تعذر تلك الاجزاء والشرائط لاجل التقية، على الخلاف والتفصيل المذكور في مسألة اولي الاعذار.
ومما ذكرنا يظهر أن ما أجاب به بعض عن هذا التفصيل - بأن المسألة مسألة ذوي الاعذار، وأن الحق فيها سقوط الاعادة بعد التمكن من الشرط المتعذر - لا وجه له على إطلاقه.
ثم إن الذي يقوى في النظر في أصل مسألة اعتبار عدم المندوحة:
أنه إن اريد عدم المندوحة بمعنى عدم التمكن حين العمل من الاتيان به موافقا للواقع - مثل أنه يمكنه عند إرادة التكفير للتقية من الفصل بين يديه: بأن لا يضع بطن أحدهما على ظهر الاخرى، بل يقارب بينهما، وكما إذا تمكن من صبه الماء من الكف إلى المرفق لكنه ينوي الغسل عند رجوعه من المرفق إلى الكف - وجب ذلك ولم يجز العمل على وجه التقية، بل التقية على هذا الوجه غير
وإن أريد به عدم التمكن من العمل على طبق الواقع في مجموع الوقت المضروب لذلك العمل - حتى لا يصح العمل تقية إلا لمن لم يتمكن في مجموع الوقت من الذهاب إلى موضع مأمون - فالظاهر عدم اعتباره، لان حمل أخبار الاذن في التقية في الوضوء والصلاة على صورة عدم التمكن من إتيان الحق في مجموع الوقت مما يأباه ظاهر أكثرها، بل صريح بعضها، ولا يبعد أيضا كونه وفاقيا.
وإن اريد عدم المندوحة حين العمل من تبديل موضوع التقية بموضوع الامن - كأن يكون في سوقهم ومساجدهم، ولا يمكن في ذلك الحين من العمل على طبق الواقع إلا بالخروج إلى مكان خال أو التحيل في إزعاج من يتقي منه عن مكانه لئلا يراه - فالاظهر في أخبار التقية عدم اعتباره، إذ الظاهر منها الاذن بالعمل على التقية في أفعالهم المتعارفة من دون إلزامهم بترك ما يريدون فعله بحسب مقاصدهم العرفية، أو فعل ما يجب تركه كذلك مع لزوم الحرج العظيم في ترك مقاصدهم ومشاغلهم لاجل فعل الحق بقدر الامكان، مع أن التقية إنما شرعت تسهيلا للامر على الشيعة ورفعا للحرج عنهم، مع أن التخفي عن المخالفين في الاعمال ربما يؤدي إلى اطلاعهم على ذلك، فيصير سببا لتفقدهم ومراقبتهم للشيعة وقت العمل، فيوجب نقض غرض التقية.
نعم، في بعض الاخبار ما يدل على اعتبار عدم المندوحة في ذلك الجزء من الوقت وعدم التمكن من رفع موضوع التقية.
مثل رواية أحمد بن محمد بن أبي نصر (1) عن إبراهيم بن
____________
(1) هو: أبو جعفر أو أبو علي أحمد بن محمد بن أبي نصر مولى السكوني المعروف بالبزنطي، كوفي لقي الرضا عليه السلام وكان عظيم المنزلة عنده، وهو ثقة جليل القدر، وكان له اختصاص بأبي الحسن الرضا وأبي جعفر عليهما السلام، أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصح عنه وأقروا له بالفقه، توفي سنة
=>
فإن ظاهرها اعتبار تعذر ترك الصلاة معهم. ونحوها ما عن الفقه الرضوي (3) من المرسل عن العالم عليه السلام قال: " ولا تصل خلف أحد إلا خلف رجلين: أحدهما من تثق به وبدينه (4) وورعه، وآخر من تتقي سيفه وسوطه وشره وبوائقه وشنيعته (5)، فصل خلفه على سبيل التقية والمداراة، وأذن لنفسك وأقم واقرء فيها فإنه غير مؤتمن به " (6) إلى آخره.
وفي رواية معمر بن يحيى (7) الواردة في تخليص الاموال عن أيدي
____________
<=
221 ه بعد وفاة الحسن بن علي بن فضال بثمانية أشهر.
خلاصة الاقوال: 13.
(1) هو: إبراهيم بن شيبة الاصبهاني، مولى بني أسد، وأصله من قاشان، عده الشيخ الطوسي من أصحاب الامام الجواد عليه السلام وأصحاب الامام الهادي عليه السلام، وعده البرقي من أصحاب الامام الجواد عليه السلام من غير توصيف له بالاصبهاني.
رجال البرقي: 56، رجال الشيخ: 398 و 411، معجم رجال الحديث 1 / 235.
(2) التهذيب 3 / 226 حديث 807، باختلاف.
(3) وهو كتاب اختلف الاصحاب في مؤلفه، فبعض نسبه للامام الرضا عليه السلام، وبعض احتمل كونه ألف بأمر الامام الرضا عليه السلام، وبعض ذهب إلى احتمالات أخر، وعلى كل حال فهو كتاب شامل لاكثر أبواب الفقه.
(4) في المصدر: وتدين بدينه.
(5) في (ك): وشيعته، وفي المصدر: وشنعه.
(6) الفقه المنسوب للامام الرضا عليه السلام: 144 و 145.
(7) هو معمر بن يحيى بن سالم العجلي، كوفي عربي صميم ثقة متقدم، روى عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام.
رجال النجاشي: 425.
وعن دعائم الاسلام (4) عن أبي جعفر الثامن صلوات الله عليه: " لا تصلوا خلف ناصب ولا كرامية (5)، إلا أن تخافوا على أنفسكم أن تشهروا ويشار إليكم، فصلوا في بيوتكم ثم صلوا معهم، واجعلوا صلاتكم معهم تطوعا " (6).
ويؤيده العمومات الدالة على أن التقية في كل شئ يضطر إليه ابن آدم (7)، فإن ظاهرها حصر التقية في حال الاضطرار، ولا يصدق الاضطرار مع التمكن من تبديل موضوع التقية بالذهاب إلى موضع الامن مع التمكن وعدم الحرج.
نعم، لو لزم من التزام ذلك حرج أو ضيق، من تفقد المخالفين وظهور حاله في مخالفتهم سرا، فهذا أيضا داخل في الاضطرار.
وبالجملة فمراعاة عدم المندوحة في الجزء من الزمان الذي يوقع فيه الفعل
____________
(1) العشار مأخوذ من التعشير، وهو أخذ العشر من أموال الناس بأمر الظالم، مجمع البحرين 3 / 404 عشر.
(2) في (ط): أخاف، والمثبت من (ك) والمصدر.
(3) نص الحديث هكذا: عن معمر بن يحيى، قال: قلت لابي جعفر عليه السلام: إن معي بضائع للناس ونحن نمر بها على هؤلاء العشار فيحلفونا عليها فنحلف لهم، قال: " وددت أني أقدر أن اجيز أموال المسلمين كلها وأحلف عليها، كلما خاف.... " كتاب النوادر: 73 حديث 154.
(4) كتاب دعائم الاسلام في معرفة الحلال والحرام والقضايا والاحكام، يشتمل على الاحاديث المأثورة عن أهل البيت عليهم السلام.
وهو تأليف القاضي أبي حنيفة نعمان بن أبي عبد الله محمد بن منصور بن أحمد بن حيون قاضي مصر من قبل الخليفة الفاطمي معز الدين، وفي مذهبة اختلاف بين العلماء، فبعض ذهب إلى أنه مالكيا ثم استبصر، وبعض طعن فيه، وبعض توقف فيه، توفي سنة 363 أو 367 ه.
الذريعة 1 / 60، 8 / 197، معجم رجال الحديث 19 / 168.
(5) في المصدر: ولا كرامة.
(6) دعائم الاسلام 1 / 151 و 152.
(7) انظر: الوسائل 11 / 467 باب 25 من أبواب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.
نعم، تأخير الفعل عن أول وقته لتحقق الامن وارتفاع الخوف مما لا دليل عليه، بل الاخبار بين ظاهر وصريح في خلافه كما تقدم.
بقي هنا أمور:
الاول: أنك قد عرفت أن صحة العبادة واسقاطها للفعل ثانيا تابع لمشروعية الدخول فيها والاذن فيها من الشارع.
وعرفت أيضا أن نفس أوامر التقية الدالة على كونها واجبة من جهة حفظ ما يجب حفظه لا يوجب الاذن في الدخول في العبادة على وجه التقية، من باب امتثال الاوامر المتعلقة بتلك العبادة، إلا فيما كان متعلق التقية من الاجزاء والشروط الاختيارية، كنجاسة الثوب والبدن ونحوها، أما ما اقتضى الدليل ولو باطلاقه مدخليته في العبادة من دون اختصاص بحال الاختيار، فمجرد الامر بالتقية لا يوجب الاذن في امتثال العبادة، فيضمن الفعل الفاقد لذلك الجزء أو الشرط تقية كما هو واضح.
ثم أن الاذن المذكور قد ورد في بعض العبادات، كالوضوء مع المسح على الخفين أو غسل الخفين (1)، والصلاة مع المخالف حيث يترك فيها بعض ماله مدخلية فيها وتوجد بعض الموانع مثل التكفير ونحوه (2).
والغرض هنا بيان أنه هل يوجد في عمومات الامر بالتقية ما يوجب الاذن في امتثال العبادات عموما على وجه التقية - بحيث لا يحتاج في الدخول في كل عبادة على وجه التقية امتثالا للأمر المتعلق بتلك العبادة إلى النص
____________
(1) انظر: الوسائل 1 / 321 باب 38 من أبواب الطهارة.
(2) انظر: الوسائل 5 / 381 باب 5 من أبواب صلاة الجماعة.
الذي يمكن الاستدلال به على ذلك أخبار:
منها: قوله عليه السلام: " التقية في كل شئ يضطر إليه ابن آدم فقد أحله الله " (1).
بناء على أن المراد ترخيص الله سبحانه في كل فعل أو ترك يضطر إليه الانسان في عمله.
فنقول: مثلا أن الانسان يضطر إلى استعمال النبيذ أو المسح على الخفين أو غسل الرجلين في وضوئه، وإلى استعمال التراب للتيمم في صلاته، وإلى التكفير وترك البسملة، وغير ذلك من الافعال والتروك الممنوعة شرعا في صلاته، فكل ذلك مرخص فيه في العمل، بمعنى ارتفاع المنع الثابت فيها لولا التقية وإن كان منعا غيريا من جهة التوصل بتركها إلى صحة العمل وأداء فعلها (2) إلى فساد العمل.
والحاصل أن المراد بالاخلال رفع المنع الثابت في كل ممنوع بحسب حاله من التحريم النفسي كشرب الخمر، والتحريم الغيري كالتكفير في الصلاة والمسح على حائل واستعمال ماء نجس أو مضاف في الوضوء.
فإن قلت: الاضطرار إلى هذه الامور الممنوعة تابع للاضطرار إلى الصلاة التي تقع هذه فيها، وحينئذ فإن فرض عدم اضطرار المكلف إلى الصلاة مع أحد هذه الامور الممنوعة فهي غير مضطر إليها، فلا ترخصها التقية، وإن فرض
____________
(1) الكافي 2 / 175 حديث 18 باب التقية.
(2) في (ط): فعله.