كلمتنا:
الحمد لله محيي قلوب العارفين بحياة التوحيد، ومخلص خواطر المحققين من مضائق الأوهام إلى فسح التجريد، والصلاة والسلام على رسوله المؤيد بالآيات والأملاك وغيرها من صنوف التأييد، وعلى آله المعصومين الذين بولائهم نجاة - الناجي وسعادة السعيد.
أما بعد: فهذا السفر الكريم من أحسن ما ألف في المعارف العالية الآلهية، يتراءى لمن طالعة أصول علمية مبنية على أساس وثيق، من البراهين المأثورة العقلية المؤيدة بالآيات، والأخبار الإرشادية المروية عن الأئمة الأطهار عليهم صلوات الله الملك الجبار، فيه أبحاث ضافية ترشد إلى مهيع الحق، وحجج بالغة تدل على منهج الصواب في الأصول الاعتقادية ومعرفة الله سبحانه ببيان متين، وقول سديد وطريق لاحب، ومسلك جدد، ومن سلك الجدد أمن العثار، ومن مال عنه إلى غيره تحير في واد السدر، وبنى أمره على شفا جرف هار، أو تطلب في الماء جذوة نار.
ومصنفه أبو جعفر الصدوق - رضوان الله عليه - محدث فقيه، عالم رباني بتمام معنى الكلمة، والذي يستفاد من آرائه ومعتقداته المبثوثة في تضاعيف كتبه، ويظهر من رحلاته إلى الأرجاء، وتحمله المشاق فيها لأخذ العلم وترويج المذهب، ومناظراته مع المخالفين، ومرجعيته العامة أنه رجل زكي الوجدان، ثابت الجنان، قوي الإرادة، عالي الهمة، نقي الذمة، ذكي الفؤاد، رفيع العماد، واضح الأخلاق، طاهر الأعراق، متكلم كثير الحفظ، صريح اللسان فصيحه، سديد الرأي حصيفه، عصامي النفس مع كونه معروف النسب سني الحسب، عارف بالدين أصولا وفروعا، عالم بما تحتاج إليه الأمة، ساع إلى نشر العلم في ربوعها، غير متقاعس عما يفيدها ويعلي شأنها. وقد مثل الحق في هذا الكتاب عيانا، وبين غوامض العلم بيانا، فسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا.
ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
والواجب علي في هذه العجالة، وختام هذه المقالة أن أنوه بذكر الشابين الفاضلين الألمعيين: (حسين آقا أستاذ ولي) و (محسن آقا الأحمدي) وفقهما الله لمرضاته حيث وازراني في عمل هذا المشروع فلله درهما وعلى الله برهما.
علي أكبر الغفاري
إيران - طهران
غرة ذي الحجة 1398 - ق
تطابق 11 / 8 / 1357 - ش
كلمات حول الكتاب:
الحمد لمن نطق الكائنات بوجوده، ومد على الممكنات ظل رحمته وجوده.
الذي فات لعلوه على أعلى الأشياء مواقع رجم المتوهمين. وارتفع عن أن تحوي كنه عظمته فهاهة رويات المتفكرين، وتجلى بنور الفطرة عند العقول، ورأته بحقيقة الإيمان القلوب. وأبدع الأشياء عن حكمته، وخلق الخلائق لرحمته. وعاملهم بعد عدله بفضله، وأعطى كلا حسب تقديره من نواله. وسلامه وصلواته على أقرب الخلق إليه، المبدع من نور عظمته. المخلوق من أشرف طينته رحمته للعالمين، وسراجه للمهتدين، وعلى عترته أهل بيته بيت النبوة الذين هم هو إلا النبوة.
وقولي بعد ذاك إن التوحيد قطب عليه تدور كل فضيلة. وبه يتزكى الإنسان عن كل رذيلة، وبه نيل العز والشرف، ويسعد الموجود في كل ناحية وطرف. إذ عليه فطرته. وعلى الفطرة حركته، وبالحركة وصوله إلى كماله وبكماله سعادته وبحرمانه عنه شقاوته ثم إن الباب الذي لا ينبغي الدخول لهذا المغزى في غيره هو الباب الذي فتحه الله عز وجل بعد رسوله المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم على العباد، وحثهم على الاتيان إليه لكل أمر في المبدء والمعاد. فإنك إن أمعنت النظر ودققته، وأعطيت فكرك حقه وتأملت بالغور في كلماتهم عليهم السلام، وائتجعت في رياضها، ورويت من حياضها، وجدت ما طلبت فوق ما تمنيت خالصا عن كدورات أوهام المتصوفة، وزلالا عن شبهات المتفلسفة، كافيا بل فوقه في هذا السبيل، مرويا لكل غليل، شافيا من داء الجهل كل
بلى، بلى، أيها السالك سبيل الحكمة والطالب بالعرفان طريق السعادة، إليهم، إليهم فإن عندهم الحكمة، وباتباعهم تحصل السعادة، وبهم عرف الله وبهم عبد الله، ولولاهم لا.
فانظر ماذا ترى فإنك ترى بين يديك سفرا كريما من غرر حكمتهم، و بحرا عظيما من لئالي كلماتهم، ألفته يمين فريد من جهابذة العلم، كبير من أعلام الدين - قلما أتى الدهر بمثله - فخر الشيعة، أحد حفاظ الشريعة، الشيخ الأجل الأسعد أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي - قدس الله نفسه، ونور رمسه - فإنه كتاب يحتوي على أحاديث قيمة ثمينة عن رسول الله وأهل بيته صلوات الله عليه وعليهم في مطالب التوحيد ومعرفة صفات الله عز وجل وأسمائه وأفعاله وكثير من المباحث الحكمية والكلامية التي دارت عليها الأبحاث بين أهل العلم وفي مؤلفاتهم منذ القرن الأول إلى الآن كما ترى ذلك في تفصيل المطالب بلحاق الكتاب، ولعمري إنه جدير بأن يوضع هذا المزبور في المجامع العلمية للتدريس ويحث المشتغلون ورواد العلم على تحقيق مطالبه وتخريج مغازي كلماته مستمدين من تحقيقات أعلام السلف في زبرهم حول تلك المطالب العلمية العالية فإن الحكمة حقا ما أخذ من عين صافية، نبعت عن ينابيع الوحي، والعلم حقيقة ما يؤخذ من نواميس الدين، الذين هم وسائط بين الحق والخلق.
ثم إن مؤلف الكتاب - رضوان الله تعالى عليه - من الاشتهار والمعرفة
(كتاب التوحيد)
واشتهر بتوحيد الصدوق وتوحيد ابن بابويه، يجمع من مطالب التوحيد ما يكتفي به الطالب، ويرشد به المسترشد، وينتجع في رياضها العارف، ويرتوي من حياضه عطشان المعارف، فإنه لم يوجد في مؤلفات أهل العلم والحديث كتاب جامع لأحاديث التوحيد ومطالبه وما يرتبط به من صفات الله وأسمائه وأفعاله مثل هذا الكتاب، وأحاديثه وإن كان بعض منها ليس على حد الصحة المصطلحة، ولكن شامة المتضلع من معارف كلمات أهل البيت عليهم السلام تستشم الصحة من متونها، و بنور الولاية يستخرج المعارف الحقة من بطونها، مع أن أكثر أحاديثه مذكورة متفرقة في غيره من الكتب المعتبرة المعتمد عليها كنهج البلاغة والكافي والمحاسن وبعض كتب المؤلف كالعيون ومعاني الأخبار وغيرهما بأسانيد متعددة.
فالكتاب كغيره من كتب المؤلف من الأصول المعتبرة كان مورد الاستناد لمن تأخر عنه من العلماء.
وإني كنت كثيرا مشتغلا بمطالعته. ملتذا بمعاينته، مستنيرا من أنوار حقائقه، مستفيدا من غرر فوائده، ولعلو قدره وغلاء قيمته أتعبت نفسي كثير إتعاب في تصحيحه، وصححته سندا ومتنا على عدة نسخ مطبوعة ومخطوطة تطلع بمنظر القارئ قريبا، ولتكثير الفائدة جعلت على مواضع من أحاديثه بيانات و توضيحات موجزة وتعليقات مفيدة حسب ما اقتضى الكتاب من التطفل وإلا فشرحه كملا يستدعي أوراقا كثيرة، ومجلدات ضخمة إلى أن من الله تعالى بتسبيب طبعه
كلمة المجلسي رحمه الله حول كتب المؤلف
بعد أن عد في الفصل الأول من مقدمته على بحار الأنوار قبل سائر الأصول والكتب كتبه التي منها كتاب التوحيد قال في أول الفصل الثاني: (إعلم أن أكثر الكتب التي اعتمدنا عليها في النقل مشهورة معلومة الانتساب إلى مؤلفيها ككتب الصدوق رحمه الله فإنها سوى الهداية وصفات الشيعة وفضائل الشيعة ومصادقة الإخوان وفضائل الأشهر - لا تقصر في الاشتهار عن الكتب الأربعة التي عليها المدار في هذه الأعصار وهي داخلة في إجازاتنا، ونقل منها من تأخر عن الصدوق من الأفاضل الأخيار، ولقد يسر الله لنا منها كتبا عتيقة مصححة - الخ).
* (شروح الكتاب) *
1 - شرح للمولى الحكيم العارف القاضي محمد سعيد بن محمد مفيد القمي تلميذ المحدث الفيض الكاشاني، وهو شرح كبير جيد لطيف أورد فيه المطالب الحكمية والعرفانية والكلامية بوجه حسن وبيان مستحسن، فرغ منه سنة 1099 ه.
2 - شرح للمحدث الجزائري السيد نعمة الله ابن عبد الله التستري المتوفى سنة 1112 ه، اسمه (أنس الوحيد في شرح التوحيد).
3 - شرح للأمير محمد علي نائب الصدارة بقم المشرفة.
4 - شرح فارسي للمولى المحقق محمد باقر بن محمد مؤمن السبزواري المدفون
كذا في الذريعة ملخصا مع زيادة.
أقول: هذه الشروح غير مطبوعة، وعلى الكتاب ترجمة في خلالها شروح يسيرة لمحمد علي بن محمد حسن الأردكاني، (اسمه أسرار توحيد) طبع قبل سنوات والظاهر أن المترجم كان من علماء القرن الثالث عشر. ولي عليه ترجمة ستطبع إن شاء الله تعالى.
* (طبعاته) *
1 - بطهران، سنة 1285 ه طبعا حجريا، بلحاقه حديث الشبلي عن الإمام سيد الساجدين في أسرار الحج وآدابه، رمزها في التعليقة (ط).
2 - بهند، سنة 1321 بالطبع الحجري، بلحاقه رسالة في السير والسلوك للعلامة المجلسي - رحمه الله تعالى -، رمزها (ن).
3 - بطهران، سنة 1375 بالحروف، لم نرمزها لتقاربها مع الأولى 4 - هذه الطبعة، ونكتفي عن ذكر امتيازاتها بما يرى القارئ فيها.
عدد الأبواب والأحاديث
إن أبواب الكتاب سبعة وستون، والظاهر من كثير من النسخ أنها ستة وستون بجعل الباب الثالث والأربعين في بعض النسخ وجعل التاسع والأربعين في بعض آخر مع قبله واحدا، ولكن كل منهما في الموضعين باب على حدته لاختلاف موضوعه مع ما قبله، والمؤلف رحمه الله لم يعنون حديثي ذعلب وحديثي سبخت بالباب، ولكن جعلنا لفظ (باب) في الموضعين لحصول الاطراد، ثم إن عناوين الأبواب في بعض النسخ مصدرة بلفظة (في) لكن تركناها طبقا لأكثر النسخ وسائر كتب الصدوق رحمه الله تعالى.
وأما عدد الأحاديث فخمسمائة وثلاثة وثمانون (583).
مراجع التصحيح ورموزها
1 - نسخة مصححة مخطوطة في القرن الحادي عشر (11) ه ق، عليها في مواضع كثيرة مختلفات النسخ وحواش يسيرة مفيدة من الحكيم النوري بقلمه - رحمه الله - وفي آخره (تم كتاب التوحيد بعون الملك المجيد) رمزها (ب) انظر ص 9 و 10.
2 - نسخة مخطوطة في آخرها هذه العبارة: (تم الكتاب المبارك بحمد الله وحسن توفيقه - والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين الطيبين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم - بقلم الحقير الفقير تراب أقدام المؤمنين إسماعيل بن الشيخ إبراهيم في اليوم السابع والعشرين من شهر ربيع الأول من سنة ثلاث وسبعين بعد الألف (1073) رمزها (ج) - انظر ص 11.
3 - نسخة مخطوطة في آخرها هذه العبارة: (تم الكتاب بعون الله الملك الوهاب على يد العبد الضعيف أعظم في شهر ذي العقدة سنة 1074) رمزها (د) انظر ص 12. تفضل بهذه النسخ الثلاث المفضال الألمعي، العالم البارع الحاج الشيخ حسن المصطفوي التبريزي دام عزه.
4 - نسخة مخطوطة في آخرها هذه العبارة: (عارضت الكتاب من أوله إلى أول الباب الأخير وهو باب النهي عن الكلام والجدال والمراء في الله تعالى بنسخ متعددة تزيد على اثنتي عشرة وبالغت في التصحيح قدر الوسع والطاقة إلا مواضع يسيرة بقي لي اشتباه فيها وقد كتبت عليها علامة تنظر، منها في باب العرش وصفاته منها في بحث عمران الصابئ، ومنها في غيرها، وكان ذلك في مشهد مولانا ثامن الأئمة الأطهار في شهور سنة 1083، كتب ذلك بيمناه الداثرة أحوج المفتاقين إلى رحمة ربه الغفور المنعم موسى الحسيني المدرس الخادم بلغه الله تعالى أقصى ما يتمناه والحمد لله أولا وآخرا) رمزها (ه) انظر ص 13 و 14.
وهذه النسخة الآن في مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام العامة بالنجف الأشرف.
وهذه النسخة عندي في مكتبتي.
6 - النسخ المطبوعة الثلاث التي مر ذكرها، ولم أكتف بذلك، بل قابلت أحاديث الكتاب بما في الكافي والعيون والبحار وغيرها من الكتب التي ذكرت أحاديث الكتاب فيها، والحمد لله على توفيقه.
يوم الاثنين - 20 / 6 / 1387 هـ. ق.
مطابق 3 / 6 / 1346 هـ. ش.
يوم ميلاد أم الأئمة الطاهرين صلوات الله عليهم
السيد هاشم الحسيني الطهراني
الحمد لله الواحد الأحد الذي لا شريك له، الفرد الصمد الذي لا شبيه له، الأول القديم الذي لا غاية له، الآخر الباقي الذي لا نهاية له، الموجود الثابت الذي لا عدم له، الملك الدائم الذي لا زوال له، القادر الذي لا يعجزه شئ، العليم الذي لا يخفى عليه شئ، الحي لا بحياة، الكائن لا في مكان، السميع البصير الذي لا آلة له ولا أداة، الذي أمر بالعدل، وأخذ بالفضل، وحكم بالفصل، لا معقب لحكمه، ولا راد لقضائه، ولا غالب لإرادته، ولا قاهر لمشيته، وإنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون، فسبحان الذي بيده ملكوت كل شئ، وإليه المرجع والمصير.
وأشهد أن لا إله إلا الله رب العالمين، وأشهد أن محمد عبده ورسوله سيد النبيين وخير خلقه أجمعين، وأشهد أن علي بن أبي طالب سيد الوصيين وإمام المتقين و قائد الغر المحجلين، وأن الأئمة من ولده بعده حجج الله إلى يوم الدين، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
قال الشيخ أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي الفقيه نزيل الري مصنف هذا الكتاب - أعانه الله تعالى على طاعته، ووفقه لمرضاته - إن الذي دعاني إلى تأليف كتابي هذا أني وجدت قوما من المخالفين لنا ينسون عصابتنا إلى القول بالتشبيه والجبر لما وجدوا في كتبهم من الأخبار التي جهلوا تفسيرها ولم يعرفوا معانيها ووضعوها في غير موضعها(1) ولم يقابلوا بألفاظها ألفاظ القرآن فقبحوا بذلك عند الجهال صورة مذهبنا، ولبسوا عليهم طريقتنا، وصدوا -
____________
(1) في (ب) و (د) و (و) (ووضعوها غير مواضعها) في (ج) (ووضعوها غير موضعها).
1 - باب ثواب الموحدين والعارفين
1 - قال أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي رضي الله عنه: حدثنا أبي - رضي الله عنه - قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد ابن أبي عبد الله البرقي، قال: حدثني أبو عمران العجلي، قال: حدثنا محمد بن سنان قال: حدثنا أبو العلاء الخفاف، قال: حدثنا عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما قلت ولا قال القائلون قبلي مثل لا إله إلا الله.
2 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد ابن الحسن الصفار، قال: حدثنا إبراهيم بن هاشم، عن الحسين بن يزيد النوفلي عن إسماعيل بن مسلم السكوني، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: خير العبادة قول لا إله إلا الله.
____________
(1) التوحيد في اصطلاح المتكلمين اسم للعلم الذي يبحث فيه عن الله تعالى وصفاته و أفعاله، فكتابه هذا كله في التوحيد بهذا المعنى، وأما نفي التشبيه فهو من باب ذكر الخاص بعد العام لأهميته، وكذا الجبر فإنه داخل في مبحث أفعاله تعالى.
إعلم أن الناس في كل من المباحث الثلاثة ثلاثة: ففي مبحث إثبات الصانع ذهبت فرقة إلى الإبطال، وفرقة إلى التشبيه والتجسيم، وفرقة - هي النمط الأوسط - على أنه تعالى ثابت موجود بلا تشبيه، وفي مبحث صفاته فرقة إلى زيادة الصفات على الذات في الحقيقة كالأشاعرة وفرقة إلى سلبها عنها ونيابة الذات عن الصفات كالمعتزلة، وآخرون إلى أن ذاته تعالى مطابق كل من صفاته فإنه بوجوده الخاص به مصداق للعلم والقدرة والحياة وغيرها. وفي مبحث الأفعال فرقة إلى الجبر، وأخرى إلى التفويض، وآخرون إلى أمر بين أمرين، والتفصيل موكول إلى محله.
4 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن جعفر الأسدي، قال: حدثني موسى بن عمران النخعي، عن عمه الحسين بن يزيد النوفلي، عن محمد بن سنان، عن المفضل بن عمر، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إن الله تبارك وتعالى ضمن للمؤمن ضمانا، قال: قلت: وما هو؟ قال: ضمن له - إن هو أقر له بالربوبية ولمحمد صلى الله عليه وآله وسلم بالنبوة ولعلي عليه السلام بالإمامة وأدى ما افترض عليه - أن يسكنه في جواره، قال: قلت: فهذه والله الكرامة التي لا يشبهها كرامة الآدميين(2) قال: ثم قال أبو عبد الله عليه السلام: اعملوا قليلا تتنعموا كثيرا.
5 - حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه، قال حدثنا علي ابن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن إبراهيم بن زياد الكرخي عن أبي عبد الله، عن أبيه، عن جده عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من مات ولا يشرك بالله شيئا أحسن أو أساء دخل الجنة.
6 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد ابن الحسن الصفار، قال: حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن علي بن -
____________
(1) قد تبين في محله أن شرف كل معرفة بحسب شرف المعروف لأن مطلوب العارف بالذات هو لاهي وإن ضلت أقوام إذ أخذوا ما بالعرض مكان ما بالذات، فلأن الله تعالى لا يعدله شئ فمعرفته لا يعدلها شئ مما يحصل للإنسان من المعارف والأعمال، فهي أعظم ثوابا من كل ما يثاب به الإنسان، بل لا ثواب لغيرها من دونها لأن أول الديانة معرفته.
(2) هذا الحديث مقيد لسائر الأحاديث المطلقة في هذا الباب وشارح لها، ومن هذا وغيره بل من بعض الآيات القرآنية يظهر أن السيئات ما لم تصل إلى حد ينافي إحدى هذه الأربع لا تمنع من دخول الجنة، إلا أن السيئة كائنة ما كانت لا بد أن تمحى بأمر من الأمور في الدنيا أو في البرزخ أو في القيامة، ثم يدخل صاحبها الجنة.
7 - حدثنا محمد بن أحمد الشيباني(1) رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن أبي - عبد الله الكوفي، قال: حدثنا موسى بن عمران النخعي، عن عمه الحسين بن يزيد النوفلي، عن علي بن سالم، عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إن الله تبارك وتعالى حرم أجساد الموحدين على النار.
8 - حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سيف، عن أخيه علي، عن أبيه سيف بن عميرة، قال: حدثني الحجاج بن أرطاة، قال: حدثني أبو الزبير، عن جابر بن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: الموجبتان(2) من مات يشهد أن لا إله إلا الله (وحده لا شريك له)(3) دخل الجنة، ومن مات يشرك بالله دخل النار.
- حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد
____________
(1) هذا الرجل يلقب بالسناني أيضا كما في بعض أحاديث الكتاب. ولعل الشيباني مصحف السناني وهو أبو عيسى محمد بن أحمد بن محمد بن سنان الزاهري نزيل الري المترجم في رجال الشيخ في باب من لم يرو عنهم. والسناني نسبة إلى جده الأعلى.
(2) الموجبتان مبتدء وما بعده خبره، وهي على صيغة الفاعل عبارة أخرى عن القضية الشرطية التي توجب حقيقة مقدمها حقيقة تاليها، أي الموت على التوحيد يوجب دخول الجنة وهو على الاشراك يوجب دخول النار، وروى الصدوق في معاني الأخبار ص 183 والكليني في الكافي ج 3 ص 343 عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: (لا تنسوا الموجبتين أو قال عليكم بالموجبتين في دبر كل صلاة، قلت: وما الموجبتان؟ قال: تسأل الله الجنة وتتعوذ به من النار).
(3) ما بين القوسين زيادة في نسخة (ج) و (و).
10 - حدثنا جعفر بن علي بن الحسن بن علي بن عبد الله بن المغيرة الكوفي رضي الله عنه، قال: حدثني جدي الحسن بن علي الكوفي، عن الحسين بن سيف، عن أخيه علي، عن أبيه سيف بن عميرة، عن عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: جاء جبرئيل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال:
يا محمد طوبى لمن قال من أمتك: لا إله إلا الله وحده وحده وحده.
11 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن أبي جميلة، عن جابر، عن أبي عبد الله جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أتاني جبرئيل بين الصفا والمروة، فقال: يا محمد طوبى لمن قال من أمتك: لا إله إلا الله وحده مخلصا.
12 - حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا علي بن الحسين الكوفي، عن أبيه، عن الحسين بن سيف، عن أخيه علي، عن أبيه سيف بن عميرة، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي الطفيل، عن علي عليه السلام قال: ما من عبد مسلم يقول:
لا إله إلا الله إلا صعدت تخرق كل سقف لا تمر بشئ من سيئاته إلا طلستها حتى تنتهي إلى مثلها من الحسنات فتقف.
13 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن الحسين بن سيف، عن أخيه علي، عن المفضل بن صالح، عن عبيد بن زرارة، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: قول لا إله إلا الله ثمن الجنة.
14 - حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد ابن عيسى، عن الحسين بن سيف، عن سليمان بن عمرو، قال: حدثني عمران بن أبي عطاء، قال: حدثني عطاء، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ما من الكلام
15 - حدثنا أبو نصر محمد بن أحمد بن تميم السرخسي الفقيه بسرخس، قال:
حدثنا أبو لبيد محمد بن إدريس الشامي، قال: حدثنا هارون بن عبد الله الجمال، عن أبي أيوب، قال: حدثني قدامة بن محرز الأشجعي، قال: حدثني مخرمة بن بكير بن عبد الله بن الأشج(2)، عن أبيه، عن أبي حرب بن زيد بن خالد الجهني، قال: أشهد على أبي زيد بن خالد لسمعته يقول: أرسلني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لي:
بشر الناس أنه من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له فله الجنة.
16 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه، قال: حدثنا علي بن الحسين السعدآبادي، قال: حدثنا أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن محمد بن زياد، عن أبان وغيره، عن الصادق عليه السلام قال: من ختم صيامه بقول صالح أو عمل صالح(3) تقبل الله منه صيامه، فقيل له: يا ابن رسول الله ما القول الصالح؟ قال:
شهادة أن لا إله إلا الله، والعمل الصالح إخراج الفطرة.
17 - حدثنا أبو منصور أحمد بن إبراهيم بن بكر الخوري بنيسابور، قال:
حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن هارون الخوري، قال: حدثنا جعفر بن محمد ابن زياد الفقيه الخوري، قال: حدثنا أحمد بن عبد الله الجويباري، ويقال له:
الهروي والنهرواني والشيباني، عن الرضا علي بن موسى، عن أبيه، عن آبائه، عن علي عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما جزاء من أنعم الله عز وجل عليه
____________
(1) في نسخة (ج): (كما يتناثر ورق الشجرة تحتها).
(2) عنونه ابن حجر في التقريب وقال: مخرمة بن بكير بن عبد الله بن الأشج أبو - المسور المدني صدوق.
(3) الترديد بحسب أفراد المكلفين فإن من لم يقدر على إخراج الفطرة فليختم صيامه بشهادة أن لا إله إلا الله، وهذا الحديث ذكره الصدوق في معاني الأخبار بالواو في هذا الموضع مكان أو.
18 - وبهذا الإسناد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن لا إله إلا الله كلمة عظيمة كريمة على الله عز وجل، من قالها مخلصا استوجب الجنة، ومن قالها كاذبا عصمت ماله ودمه، وكان مصيره إلى النار.
19 - وبهذا الإسناد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من قال: لا إله إلا الله في ساعة من ليل أو نهار طلست(1) ما في صحيفته من السيئات.
20 - وبهذا الإسناد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله عز وجل عمودا من ياقوتة حمراء(2) رأسه تحت العرش، وأسفله على ظهر الحوت في الأرض السابعة السفلى.
فإذا قال العبد: لا إله إلا الله اهتز العرش(3) وتحرك العمود وتحرك الحوت، فيقول الله تبارك وتعالى: اسكن يا عرشي، فيقول: كيف أسكن وأنت لم تغفر لقائلها(4) فيقول الله تبارك وتعالى: اشهدوا سكان سماواتي أني قد غفرت لقائلها.
____________
(1) أي محيت.
(2) ذكر العمود في الأحاديث كثير، وهذا الكلام تمثيل لوضع عمود الأمر النازل من عرش الله تعالى على كاهل صاحب الأمر عليه السلام الذي عبر عنه بالحوت كما عبر عن النبي صلى الله عليه وآله بالنون، وإطلاق العمود على الأمر القائم عليه أمر آخر من الأمور المجردة غير قليل في لسان الشرع وغيره كما ورد في الحديث (الصلاة عمود الدين) والمراد من العمود هنا كما يستفاد من أخبارنا هو علم الإمام الذي عليه يقوم أمر الخلائق من التكوين والتشريع، وكونه من ياقوتة حمراء تعبير عن تلك الحقيقة بأنفس جوهر من الجواهر الجسمانية كما هو الشأن في السنة أصحاب الوحي إذا حاولوا بيان حقائق العوالم التي فوق عالمنا هذا، فإنهم يعبرون عن تلك الحقائق بنفائس جواهر هذا العالم إذ ليست عندنا ألفاظ ومفاهيم تحكى عن تلك الحقائق، والأرض السابعة هي هذه الأرض التي هي قرار الإنسان وغيره مما يحتاج إليه لحياته الدنيوية وهي سابعة الأراضي السبع التي ست منها في السماوات على ما فصل في حديث مذكور عن الإمام الرضا عليه السلام.
(3) الاهتزاز البهجة والسرور، وهذا تمثيل لتأثير حقيقة التوحيد في جميع الكائنات.
(4) هذا تمثيل لاستدعاء العرش لأن يشمل رحمة الحق تعالى وغفرانه الداخل في حيطة التوحيد، والعرش يطلق على معان: منها جميع الخلق باعتبار ملك الحق عليه ونفاذ سلطانه فيه، والأنسب في هذا الحديث هذا المعنى، والذي ذكرت في تفسير الحديث يستفاد من أحاديثنا والمتتبع غير جاهل به.