الصفحة 24

21 - حدثنا أبو الحسين محمد بن علي بن الشاه الفقيه بمرو الروذ، قال:

حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله النيسابوري، قال: حدثنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد ابن عباس الطائي بالبصرة، قال: حدثني أبي في سنة ستين ومائتين، قال: حدثني علي بن موسى الرضا عليهما السلام، سنة أربع وتسعين ومائة(1) قال: حدثني أبي موسى ابن جعفر، قال: حدثني أبي جعفر بن محمد، قال: حدثني أبي محمد بن علي قال:

حدثني أبي علي بن الحسين، قال: حدثني أبي الحسين بن علي، قال: حدثني أبي علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يقول الله جل جلاله: (لا إله إلا الله) حصني، فمن دخله أمن من عذابي.

22 - حدثنا أبو سعيد محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق المذكر النيسابوري بنيسابور، قال: حدثني أبو علي الحسن بن علي الخزرجي الأنصاري السعدي(2) قال: حدثنا عبد السلام بن صالح أبو الصلت الهروي، قال: كنت مع علي بن موسى الرضا عليهما السلام، حين رحل من نيسابور وهو راكب بغلة شهباء، فإذا محمد بن رافع و أحمد بن حرب ويحيى بن يحيى وإسحاق بن راهويه وعدة من أهل العلم قد تعلقوا بلجام بغلته في المربعة(3) فقالوا: بحق آبائك المطهرين حدثنا بحديث قد سمعته من أبيك، فأخرج رأسه من العمارية وعليه مطرف خز ذو وجهين وقال: حدثني أبي العبد الصالح موسى بن جعفر، قال: حدثني أبي الصادق جعفر بن محمد، قال:

حدثني أبي أبو جعفر محمد بن علي باقر علم الأنبياء، قال: حدثني أبي علي بن -

____________

(1) في النسخ سنة أربع وستين ومائة وهو تصحيف، صححناه من كتاب العيون ص 194.

(2) في نسخة (ب) و (ه‍) (الحسن بن علي الخزرجي الأنصاري السعيدي). وفي العيون كما في المتن.

(3) المربعة بفتح الأول يحتمل أن يكون اسما للمكان الذي فيه اليربوع أي الفار البري، وذكر العلامة المجلسي - رحمه الله - في البحار في الصفحة السادسة من الجزء السادس من الطبعة الحديثة بعد ذكر هذا الحديث وجوها لها.


الصفحة 25
الحسين سيد العابدين، قال: حدثني أبي سيد شباب أهل الجنة الحسين، قال:

حدثني أبي علي بن أبي طالب عليهم السلام، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: قال الله جل جلاله: إني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدوني، من جاء منكم بشهادة أن لا إله إلا الله بالاخلاص دخل في حصني ومن دخل في حصني أمن من عذابي.

23 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه، قال: حدثنا أبو الحسين محمد بن جعفر الأسدي، قال: حدثنا محمد بن الحسين الصوفي، قال: حدثنا يوسف ابن عقيل، عن إسحاق بن راهويه، قال: لما وافى أبو الحسن الرضا عليه السلام بنيسابور وأراد أن يخرج منها إلى المأمون اجتمع إليه أصحاب الحديث فقالوا له: يا ابن رسول الله ترحل عنا ولا تحدثنا(1) بحديث فنستفيده منك؟ وكان قد قعد في العمارية، فأطلع رأسه وقال: سمعت أبي موسى بن جعفر يقول: سمعت أبي جعفر بن محمد يقول:

سمعت أبي محمد بن علي يقول: سمعت أبي علي بن الحسين يقول: سمعت أبي الحسين ابن علي بن أبي طالب يقول: سمعت أبي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: سمعت جبرئيل يقول: سمعت الله جل جلاله يقول: لا إله إلا الله حصني فمن دخل أمن من عذابي.

قال: فلما مرت الراحلة نادانا. بشروطها وأنا من شروطها.

قال مصنف هذا الكتاب: من شروطها الاقرار للرضا عليه السلام بأنه إمام من قبل الله عز وجل على العباد، مفترض الطاعة عليهم.

24 - حدثنا أبو نصر محمد بن أحمد بن تميم السرخسي، قال: حدثنا أبو لبيد محمد بن إدريس الشامي، قال: حدثنا إسحاق بن إسرائيل، قال: حدثنا حريز(2) عن عبد العزيز، عن زيد بن وهب، عن أبي ذر - رحمه الله - قال: خرجت ليلة من الليالي فإذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمشي وحده ليس معه إنسان، فظننت أنه يكره أن يمشي معه أحد، قال: فجعلت أمشي في ظل القمر، فالتفت فرآني، فقال: من

____________

(1) في نسخة (ط) و (ن) (ولم تحدثنا).

(2) أخرجه البخاري في صحيحه ج 8 ص 116 عن حريز عن زيد عن أبي ذر رضي الله عنه.


الصفحة 26
هذا؟ قلت: أبو ذر جعلني الله فداك، قال: يا أبا ذر تعال، فمشيت معه ساعة، فقال:

إن المكثرين هم الأقلون(1) يوم القيامة إلا من أعطاه الله خيرا فنفح منه بيمينه وشماله(2) وبين يديه ووراءه وعمل فيه خيرا، قال: فمشيت معه ساعة، فقال:

اجلس ههنا، وأجلسني في قاع حوله حجارة، فقال لي: إجلس حتى أرجع إليك، قال: وانطلق في الحرة حتى لم أره وتوارى عني، فأطال اللبث، ثم إني سمعته صلى الله عليه وآله وسلم وهو مقبل وهو يقول: وإن زنى أن سرق، قال: فلما جاء لم أصبر حتى قلت: يا نبي الله جعلني الله فداك من تكلمه في جانب الحرة؟ فإني ما سمعت أحدا يرد عليك من الجواب شيئا، قال: ذاك جبرئيل عرض لي في جانب الحرة، فقال: بشر أمتك أنه من مات لا يشرك بالله عز وجل شيئا دخل الجنة، قال:

قلت: يا جبرئيل وإن زنى وإن سرق؟ قال: نعم وإن شرب الخمر(3).

قال مصنف هذا الكتاب: يعني بذلك أنه يوفق للتوبة حتى يدخل الجنة.

25 - حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب الأنماطي، قال أخبرنا أبو عمرو أحمد بن الحسن بن غزوان، قال: حدثنا إبراهيم بن أحمد، قال: حدثنا داود بن عمرو، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بينا رجل مستلق على ظهره ينظر إلى

____________

(1) الأقلون جمع الأقل وهو صفة مشبهة على نحو أحمر وأحمق بمعنى المقل الذي لا شئ عنده. وفي صحيح البخاري (هم المقلون).

(2) النفح بالحاء المهملة: الضرب والرمي كما في النهاية الأثيرية وفي الصحيح (فنفح فيه يمينه وشماله) أي ضرب يديه فيه بالعطاء. وعلى ما في المتن (من) للتبعيض والضمير المجرور بها يرجع إلى المال المدلول عليه في الكلام لا إلى (خيرا) لأن المراد منه التوفيق وحب الإنفاق الناشئ من الإيمان بالله واليوم الآخر، والباء للظرفية، ومعنى الكلام:

إلا من أعطاه الله التوفيق وحب الإنفاق فأخرج بعضا من ماله فيمن حوله من الفقراء و الجيران، وفي نسخة (ط) و (ن) و (ج) و (ه‍) (فنفخ) بالخاء المعجمة.

(3) هذا الحديث بعينه سندا ومتنا مذكور في الباب الثالث والستين. وليس بمذكور ههنا في نسخة (ب) و (د).


الصفحة 27
السماء وإلى النجوم ويقول: والله إن لك لربا هو خالقك اللهم اغفر لي، قال:

فنظر الله عز وجل إليه فغفر له.

قال مصنف هذا الكتاب: وقد قال الله عز وجل: (أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شئ)(1) يعني بذلك: أولم يتفكروا في ملكوت السماوات والأرض وفي عجائب صنعها، أولم ينظروا في ذلك نظر مستدل معتبر، فيعرفوا بما يرون ما أقامه الله عز وجل من السماوات والأرض مع عظم أجسامها وثقلها على غير عمد وتسكينه إياها بغير آله، فيستدلوا بذلك على خالقها ومالكها ومقيمها أنه لا يشبه الأجسام ولا ما يتخذ الكافرون إلها من دون الله عز وجل، إذ كانت الأجسام لا تقدر على إقامة الصغير من الأجسام في الهواء بغير عمد وبغير آلة، فيعرفوا بذلك خالق السماوات والأرض وسائر الأجسام، ويعرفوا أنه لا يشبهها و لا تشبهه في قدرة الله وملكه(2) وأما ملكوت السماوات والأرض فهو ملك الله لها و اقتداره عليها، وأراد بذلك، أولم ينظروا ويتفكروا في السماوات والأرض في الخلق الله عز وجل إياهما على ما يشاهدونهما عليه، فيعلموا أن الله عز وجل هو مالكها والمقتدر عليها لأنها مملوكة مخلوقة، وهي في قدرته وسلطانه وملكه، فجعل نظرهم في السماوات والأرض وفي خلق الله لها نظرا في ملكوتها وفي ملك الله لها لأن الله عز وجل لا يخلق إلا ما يملكه ويقدر عليه، وعنى بقوله: (وما خلق الله من شئ) يعني: من أصناف خلقه، فيستدلون به على أن الله خالقها وأنه أولى بالإلهية من الأجسام المحدثة المخلوقة.

26 - حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن محمد بن أبي عمير، عن محمد بن حمران، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: من قال. لا إله إلا الله مخلصا دخل الجنة وإخلاصه أن تحجزه لا إله إلا الله عما حرم

____________

(1) الأعراف: 185.

(2) لم أعلم لهذا القيد وجها لأنه تعالى لا يشبهه شئ في شئ، إلا أن يتعلق الظرف بقوله: (يعرفوا) على وجه بعيد.


الصفحة 28
الله عز وجل.

27 - حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، والحسن بن علي الكوفي، وإبراهيم بن هاشم كلهم، عن الحسين ابن سيف، عن سليمان بن عمرو، عن المهاجر بن الحسين(1)، عن زيد بن أرقم، عن النبي صلى الله عليه وآله، قال: من قال: لا إله إلا الله مخلصا دخل الجنة، وإخلاصه أن تحجزه لا إله إلا الله عما حرم الله عز وجل.

28 - حدثنا أبو علي الحسن بن علي بن محمد بن علي بن عمرو العطار ببلخ، قال: حدثنا محمد بن محمود، قال: حدثنا حمران، عن مالك بن إبراهيم بن طهمان، عن (أبي) حصين، عن الأسود بن هلال(2)، عن معاذ بن جبل، قال: كنت رديف النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: يا معاذ هل تدري ما حق الله عز وجل على العباد؟ - يقولها ثلاثا -، قال: قلت: الله ورسوله أعلم، فقال رسول الله: حق الله عز وجل على العباد أن لا يشركوا به شيئا، ثم قال صلى الله عليه وآله: هل تدري ما حق العباد على الله عز وجل إذا فعلوا ذلك؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: أن لا يعذبهم، أو قال: أن لا يدخلهم النار.

29 - حدثنا أبو أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري: قال: حدثنا محمد بن أحمد بن حمران القشيري، قال: حدثنا أبو الجريش أحمد بن عيسى الكلابي قال: حدثنا موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام سنة خمسين ومائتين، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن جده جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه عن علي عليهم السلام، في قول الله عز وجل: (هل جزاء الاحسان إلا الاحسان) قال علي عليه السلام: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إن الله عز وجل قال: ما جزاء من أنعمت عليه بالتوحيد إلا الجنة.

____________

(1) في نسخة (د) و (ب) و (و) (المهاجر بن الحسن).

(2) الأسود بن هلال هو المحاربي أبو سلام الكوفي مخضرم ثقة جليل مات سنة أربع وثمانين كما في التقريب لابن حجر والخبر رواه مسلم عن أبي حصين، عن الأسود عن معاذ.


الصفحة 29
30 - حدثنا الحاكم عبد الحميد بن عبد الرحمن بن الحسين، قال: حدثنا أبو يزيد بن محبوب المزني، قال: حدثنا الحسين بن عيسى البسطامي، قال:

حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: حدثنا شعبة، عن خالد الحذاء، عن أبي بشر العنبري، عن حمران، عن عثمان بن عفان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من مات وهو يعلم أن الله حق دخل الجنة.(1)

31 - حدثنا حمزة بن محمد بن أحمد بن جعفر بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: أخبرني علي بن إبراهيم بن هاشم، قال: حدثني إبراهيم بن إسحاق النهاوندي، عن عبد الله بن حماد الأنصاري، عن الحسين بن يحيى بن الحسين، عن عمرو بن طلحة، عن أسباط بن نصر، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: والذي بعثني بالحق بشيرا لا يعذب الله بالنار موحدا أبدا، وإن أهل التوحيد ليشفعون فيشفعون، ثم قال عليه السلام: إنه إذا كان يوم القيامة أمر الله تبارك وتعالى بقوم ساءت أعمالهم في دار الدنيا إلى النار، فيقولون يا ربنا كيف تدخلنا النار وقد كنا نوحدك في دار الدنيا؟ وكيف تحرق بالنار ألسنتنا وقد نطقت بتوحيدك في دار الدنيا؟ وكيف تحرق قلوبنا وقد عقدت على أن لا إله إلا أنت؟ أم كيف تحرق وجوهنا وقد عفرناها لك في التراب؟ أم كيف تحرق أيدينا وقد رفعناها بالدعاء إليك، فيقول الله جل جلاله: عبادي ساءت أعمالكم في دار الدنيا فجزاؤكم نار جهنم، فيقولون: يا ربنا عفوك أعظم أم خطيئتنا؟ فيقول عز وجل: بل عفوي، فيقولون: رحمتك أوسع أم ذنوبنا؟ فيقول عز وجل: بل رحمتي، فيقولون: إقرارنا بتوحيدك أعظم أم ذنوبنا؟ فيقول عز وجل: بل إقراركم بتوحيدي أعظم، فيقولون: يا ربنا فليسعنا عفوك ورحمتك التي وسعت كل شئ، فيقول الله جل جلاله، ملائكتي وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا أحب إلي من المقرين لي بتوحيدي وأن لا إله غيري، وحق علي أن لا أصلي بالنار أهل توحيدي ادخلوا عبادي الجنة.

____________

(1) أخرجه مسلم في صحيحه ج 1 ص 41 بإسناده عن خالد الحذاء - الخ).


الصفحة 30
32 - حدثنا أحمد بن الحسن القطان: حدثنا الحسن بن علي السكري، قال: حدثنا محمد بن زكريا الجوهري البصري، قال: حدثنا جعفر ابن محمد بن عمارة، عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من مات لا يشرك بالله شيئا أحسن أو أساء دخل الجنة.

33 - حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم و أبي أيوب، قالا: قال أبو عبد الله عليه السلام: من قال: لا أله إلا الله مائة مرة كان أفضل الناس ذلك اليوم عملا إلا من زاد.

34 - حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثني أحمد بن هلال، عن أحمد بن صالح، عن عيسى بن عبد الله من ولد عمر بن علي، عن آبائه، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وآله قال: قال الله جل جلاله لموسى:

يا موسى لو أن السماوات وعامريهن والأرضين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة مالت بهن لا إله إلا الله(1).

35 - حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن عبد العزيز العبدي، عن عمر بن يزيد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: من قال في يوم: (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلها واحدا أحدا صمدا لم يتخذ صاحبة ولا ولدا) كتب الله عز وجل له خمسة وأربعين ألف ألف حسنة، ومحا عنه خمسة وأربعين ألف ألف سيئة، ورفع له في الجنة خمسة وأربعين ألف ألف درجة، وكان كمن قرأ القرآن اثنتي عشرة مرة، وبنى الله بيتا في الجنة.

____________

(1) لأن الموجودات قائمة بحقيقة التوحيد الذي أجراه الله تعالى عليها كما في الحديث السابع من الباب العاشر والقائم يقصر عن الذي قام به.


الصفحة 31

2 - باب التوحيد ونفي التشبيه


1 - حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه محمد بن خالد البرقي، عن أحمد بن النضر، وغيره، عن عمرو بن ثابت، عن رجل - سماه - عن أبي إسحاق السبيعي، عن الحارث الأعور قال: خطب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يوما خطبة بعد العصر، فعجب الناس من حسن صفته وما ذكر من تعظيم الله جل جلاله، قال: أبو إسحاق: فقلت للحارث: أوما حفظتها؟ قال: قد كتبتها، فأملاها علينا من كتابه:

الحمد لله الذي لا يموت، ولا تنقضي عجائبه، لأنه كل يوم في شأن من إحداث بديع لم يكن(1) الذي لم يولد فيكون في العز مشاركا، ولم يلد فيكون موروثا هالكا، ولم يقع عليه الأوهام فتقدره شبحا ماثلا(2) ولم تدركه الأبصار فيكون بعد انتقالها، حائلا(3) الذي ليست له في أوليته نهاية، ولا في آخريته حد ولا غاية، الذي لم يسبقه وقت، ولم يتقدمه زمان، ولم يتعاوره(4) زيادة ولا نقصان، ولم يوصف بأين ولا بمكان(5) الذي بطن من خفيات الأمور، وظهر في العقول بما يرى في

____________

(1) أي هو تعالى في كل وقت يوجد فيه بديعا من خلقه يكون في شأن إيجاد ذلك البديع فاليوم يوم ذلك الموجود البديع ووقته.

(2) في نسخة (ج) (مماثلا).

(3) أي فيكون تعالى بعد انتقال الأبصار متحولا متغيرا عن الحالة التي كان عليها من المقابلة والوضع الخاص والمحاذاة للأبصار، وبعض الأفاضل قرأ بضم الأول على أن يكون مصدرا لبعد يبعد وفسر الحائل بالحاجز أي فيكون بعد انتقال الأبصار حاجزا من رؤيته تعالى، وبعضهم قرأ خائلا بالخاء المعجمة أي متمثلا في القوة المتخيلة.

(4) تعاور القوم الشئ: تعاطوه وتداولوه. والتعاور: الورود على التناوب.

(5) في الكافي في باب جوامع التوحيد وفي البحار في الصفحة 265 من الجزء الرابع من الطبعة الحديثة وفي نسخة (ط) و (ن) (ولم يوصف بأين ولا بما ولا بمكان) أي ليست له ماهية وراء حقيقة الوجود حتى يسأل بما هو ويجاب بما هو، والمراد بها الماهية بالمعنى الأخص المقابل للوجود، وأما الماهية بالمعنى الأعم فلا شئ بدونها كما أثبتها له الإمام الصادق عليه السلام في جواب السائل بقوله: (لا يثبت الشئ الابانية ومائية) في الحديث الأول من الباب السادس والثلاثين.


الصفحة 32
خلقه من علامات التدبير، الذي سئلت الأنبياء عنه فلم تصفه بحد ولا بنقص(1) بل وصفته بأفعاله، ودلت عليه بآياته(2) ولا تستطيع عقول المتفكرين جحده، لأن من كانت السماوات والأرض فطرته وما فيهن وما بينهن وهو الصانع لهن، فلا مدفع لقدرته(3) الذي بان من الخلق فلا شئ كمثله، الذي خلق الخلق لعبادته(4) وأقدرهم على طاعته بما جعل فيهم، وقطع عذرهم بالحجج، فعن بينة هلك من هلك وعن بينة نجا من نجا، ولله الفضل مبدئا ومعيدا.

ثم إن الله وله الحمد افتتح الكتاب بالحمد لنفسه، وختم أمر الدنيا ومجئ

____________

(1) الظاهر أن المراد بالحد والنقص ما هو اصطلح عليه أهل الميزان في باب الحد والرسم، ويحتمل أن يكون المراد بالحد التحدد بالحدود الجسمانية وغيرها وبالنقص الأوصاف الموجبة للنقص، وفي نسخة (ج) (ولا ببعض) أي التركب والتبعض، وكل ذلك منفى عنه تعالى لا يوصف به.

(2) كما قال الخليل: (ربي الذي يحيي ويميت). وقال الكليم في جواب فرعون حيث قال: (وما رب العالمين: رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين) وقال المسيح: (إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم) وكما قال رسول الله صلى الله عليه وآله بلسان الوحي في القرآن من آيات كثيرة في ذلك، وأبلغ ما أجيب في هذا المقام ما قاله الإمام الصادق عليه السلام في جواب الزنديق الذي سأله عنه: (هو شئ بخلاف الأشياء ارجع بقولي شئ إلى إثبات معنى وأنه شئ بحقيقة الشيئية) ويأتي هذا في الحديث الأول من الباب السادس والثلاثين.

(3) المراد به الاعتقادي الذي يرجع إلى معنى الجحد والانكار، أي فلا منكر لقدرته مع ظهور آثارها في السماوات والأرض، أو الدفع الفعلي، أي لا يمانعه ولا يدافعه أحد في قدرته لأن كل ما سواه مفطور مخلوق له، والأول أنسب بما قبله، وفي نسخة (ط) و (ن) (فلا مدافع لقدرته).

(4) ليست العبادة الغاية النهائية بل هي غاية قريبة، والنهائية هي ما تترتب على العبادة وهي القرار في جوار رحمته تعالى على ما نطق به التنزيل حيث قال تعالى:

(إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم) على ما فسرت الآية في الحديث العاشر من الباب الثاني والستين.


الصفحة 33
الآخرة بالحمد لنفسه، فقال: (وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين)(1).

الحمد لله اللابس الكبرياء بلا تجسد، والمرتدي بالجلال بلا تمثل، والمستوي على العرش بلا زوال، والمتعالي عن الخلق بلا تباعد منهم، القريب منهم بلا ملامسة منه لهم، ليس له حد ينتهي إلى حده، ولا له مثل فيعرف بمثله، ذل من تجبر غيره، وصغر من تكبر دونه، وتواضعت الأشياء لعظمته، وانقادت لسلطانه و عزته، وكلت عن إدراكه طروف العيون، وقصرت دون بلوغ صفته أوهام الخلائق، الأول قبل كل شئ والآخر بعد كل شئ، ولا يعد له شئ، الظاهر على كل شئ بالقهر له، والمشاهد لجميع الأماكن بلا انتقال إليها، ولا تلمسه لامسة ولا تحسه حاسة، وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله، وهو الحكيم العليم، أتقن ما أراد خلقه من الأشياء كلها بلا مثال سبق إليه، ولا لغوب دخل عليه في خلق ما خلق لديه، ابتدأ ما أراد ابتداءه، وأنشأ ما أراد إنشاءه على ما أراده من الثقلين الجن والإنس لتعرف بذلك ربوبيته، وتمكن فيهم طواعيته.

نحمده بجميع محامده كلها على جميع نعمائه كلها، ونستهديه لمراشد أمورنا ونعوذ به من سيئات أعمالنا، ونستغفره للذنوب التي سلفت منا، ونشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، بعثه بالحق دالا عليه وهاديا إليه، فهدانا به من الضلالة، واستنقذنا به من الجهالة، من يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما، ونال ثوابا كريما، ومن يعص الله ورسوله فقد خسر خسرانا مبينا، واستحق عذابا أليما، فانجعوا(2) بما يحق عليكم من السمع والطاعة وإخلاص النصحية وحسن المؤازرة وأعينوا أنفسكم بلزوم الطريقة المستقيمة، وهجر الأمور المكروهة، وتعاطوا

____________

(1) الزمر: 75.

(2) الانجاع: الافلاح، أو هو ثلاثي من النجعة بمعنى طلب الكلاء من موضعه، أي فاطلبوا بذلك ما ينفعكم لتعيش الآخرة كما ينفع الكلاء لتعيش الدنيا.


الصفحة 34
الحق بينكم، وتعانوا عليه، وخذوا على يدي الظالم السفيه، مروا بالمعروف، وانهو عن المنكر، واعرفوا لذوي الفضل فضلهم، عصمنا الله وإياكم بالهدي، و ثبتنا وإياكم على التقوى، وأستغفر الله لي ولكم.

2 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن عمر والكاتب، عن محمد بن زياد القلزمي(1)، عن محمد بن أبي زياد الجدي صاحب الصلاة بجدة، قال: حدثني محمد بن يحيى بن عمر بن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: سمعت أبا الحسن الرضا عليه السلام يتكلم بهذا الكلام عند المأمون في التوحيد، قال ابن أبي زياد: ورواه لي أيضا أحمد بن عبد الله العلوي مولى لهم وخالا(*) لبعضهم عن القاسم بن أيوب العلوي أن المأمون لما أراد أن يستعمل الرضا عليه السلام على هذا الأمر جمع بني هاشم فقال: إني أريد أن أستعمل الرضا على هذا الأمر من بعدي، فحسده بنو هاشم، وقالوا: أتولي رجلا جاهلا ليس له بصر(2) بتدبير الخلافة؟!

فابعث إليه رجلا يأتنا فترى من جهله ما يستدل به عليه، فبعث إليه فأتاه، فقال له بنو هاشم: يا أبا الحسن اصعد المنبر وانصب لنا علما(3) نعبد الله عليه، فصعد عليه السلام المنبر، فقعد مليا لا يتكلم مطرقا، ثم انتفض انتفاضة(4). واستوى قائما، وحمد الله وأثنى عليه، وصلى على نبيه وأهل بيته.

ثم قال: أول عبادة الله معرفته، وأصل معرفة الله توحيده، ونظام توحيد -

____________

(1) في نسخة (ب) و (و) وحاشية (ط) (محمد بن زياد القلمزي) بتقديم الميم على الزاي، وفي (د) (العلوي) وفي (ج) (العامري) وفي عيون أخبار الرضا عليه السلام (القلوني) و في نسخة منه (العرزمي) ولم أجده.

(*) كذا.

(2) وهكذا في العيون وفي نسخة (ب) و (و) و (د) (ليس له بصيرة).

(3) بالفتحتين، ويحتمل كسر الأول وسكون الثاني.

(4) نفض الثوب: حركة لينتفض، ونفض المكان نظر جميع ما فيه حتى يتعرفه. و نفض الطريق تتبعها.


الصفحة 35
الله تفي الصفات عنه(1) لشهادة العقول أن كل صفة وموصوف مخلوق(2) وشهادة كل مخلوق أن له خالقا ليس بصفة ولا موصوف، وشهادة كل صفة وموصوف بالاقتران، وشهادة الاقتران بالحدث، وشهادة الحدث بالامتناع من الأزل الممتنع من الحدث، فليس الله عرف من عرف بالتشبيه ذاته، ولا إياه وحده من اكتنهه(3) ولا حقيقة أصاب من مثله، ولا به صدق من نهاه(4) ولا صمد صمده من أشار إليه(5) ولا إياه عنى من شبهه، ولا له تذلل من بعضه، ولا إياه أراد من توهمه، كل معروف بنفسه مصنوع(6) وكل قائم في سواه معلول، بصنع الله يستدل عليه و بالعقول يعتقد معرفته، وبالفطرة تثبت حجته(7). خلق الله حجاب بينه

____________

(1) هذا الكلام كثير الدور في الكلمات أئمتنا سلام الله عليهم، والمراد به أنه تعالى ليس له صفة مغايرة لذاته بالحقيقة بل ذاته المتعالية نفس كل صفة ذاتية كما يأتي التصريح به في بعض الأخبار في باب العلم وباب صفات الذات خلافا للأشاعرة حيث قالوا: (إن كل مفهوم من مفاهيم الصفات الذاتية كالعلم والقدرة له حقيقة مغايرة لحقيقة الذات)، وفي بعض كلماتهم عليهم السلام يمكن تفسير نفي الصفات بنفي الوصف كما نزه نفسه تعالى في الكتاب عن وصف الواصفين.

(2) أي كل مركب من الصفة والموصوف.

(3) الاكتناه طلب الكنه، فإن من طلب كنهه تعالى لم يوحده بل جعله مثلا للممكنات التي يمكن اكتناهها.

(4) التنهية جعل الشئ ذا نهاية بحسب الاعتقاد أو الخارج.

(5) أي لا قصد نحوه ولم يتوجه إليه بل توجه إلى موجود آخر لأنه أينما تولوا فثم وجه الله، فليس له جهة خاصة حتى يشار إليه في تلك الجهة.

(6) أي كل ما عرف بذاته وتصور ماهيته فهو مصنوع، وهذا لا ينافي قول أمير المؤمنين عليه السلام: (يا من دل على ذاته بذاته) ولا قول الصادق عليه السلام: (اعرفوا الله بالله) لأن معنى ذلك أنه ليس في الوجود سبب لمعرفة الله تعالى إلا الله لأن الكل ينتهي إليه، فالباء هنا للالصاق و المصاحبة أي كل معروف بلصوق ذاته ومائيته ومصاحبتها لذات العارف بحيث أحاط به إدراكا فهو مصنوع، وهنالك للسببية.

(7) أي لولا الفطرة التي فطر الناس عليها لم تنفع دلالة الأدلة وحجية الحجج.


الصفحة 36
وبينهم(1) ومباينته إياهم مفارقته إنيتهم، وابتداؤه إياهم دليلهم على أن لا ابتداء له لعجز كل مبتدء عن ابتداء غيره، وأدوه إياهم دليل على أن لا أداة فيه لشهادة الأدوات بفاقة المتأدين(2) وأسماؤه تعبير، وأفعاله تفهيم، وذاته حقيقة، وكنهه تفريق بينه وبين خلقه، وغبوره تحديد لما سواه(3) فقد جهل الله من استوصفه، وقد تعداه من اشتمله(4) وقد أخطأه من اكتنهه، ومن قال: كيف فقد شبهه، و من قال: لم فقد علله، ومن قال: متى فقد وقته، ومن قال: فيم فقد ضمنه، ومن قال: إلى م فقد نهاه، ومن قال. حتى م فقد غياه(5) ومن غياه فقد غاياه، ومن

____________

(1) (خلق الله) على صيغة المصدر مبتدء مضاف إلى فاعله والخلق مفعوله، وحجاب خبر له. وفي نسخة (ب) و (و) و (د) (خلقة الله - الخ)، والكلام في الحجاب بينه وبين خلقه طويل عريض عميق لا يسعه التعليق وفي كثير من أحاديث هذا الكتاب مذكور ببيانات مختلفة فليراجع.

(2) آدوه على وزان فلس مصدر جعلى من الأداة مضاف إليه تعالى، أي جعله إياهم ذوي أدوات وآلات في إدراكاتهم وأفعالهم، وكذا أدوته بزيادة التاء في نسخة (و) و (د) و (ب) و (ج). والمتأدين أيضا من هذه المادة جمع لاسم الفاعل من باب التفعل أي من يستعمل الأدوات في أموره، وأما ادواؤه على صيغة المصدر من باب الأفعال كما في نسخة (ط) و (ن) وكذا (المادين) على صيغة اسم الفاعل من مد يمد كما في نسخة (ج) و (ط) و (ن) فخطأ من النساخ لعدم توافق المادة في الموضوعين وعدم تناسب المعنى. وفي العيون (وادواؤه إياهم دليلهم على أن لا أداة فيه لشهادة الأدوات بفاقة المؤدين) وهكذا في تحف العقول في خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام إلا أن فيه (وايداؤه إياهم شاهد على أن لا أداة فيه).

(3) بالباء الموحدة مصدر بمعنى البقاء أي بقاؤه الملازم لعدم محدوديته محدد لما سواه، وفي نسخة (ج) و (ط) و (و) بالياء المثناة وعلى هذا فهو مصدر بمعنى المغايرة لا جمع الغير، وفي نسخة (د) و (ب) (وغبوره تجديد لما سواه) بالجيم أي قدمه يوجب حدوث ما سواه.

(4) الاشتمال هو الإحاطة، أي من أحاط بشئ تصور أو توهم إنه الله تعالى فقد تجاوز عن مطلوبه، وفي نسخة (ب) و (د) (أشمله) من باب الأفعال.

(5) أي من توهم إنه تعالى ذو نهايات وسأل عن حدوده ونهاياته فقد جعل له غايات ينتهي إليها، ومن جعل له غايات فقد جعل المغاياة بينه وبين غيره بجعل الحد المشترك بينهما، ومن جعله كذلك فقد جعله ذا أجزاء، ومن توهمه كذلك فقد وصفه بصفة المخلوق ومن وصفه بها فقد ألحد فيه، والالحاد هو الطعن في أمر من أمور الدين بالقول المخالف للحق المستلزم للكفر.


الصفحة 37
غاياه فقد جزأه، ومن جزأه فقد وصفه، ومن وصفه فقد ألحد فيه، لا يتغير الله بانغيار المخلوق، كما لا يتحدد بتحديد المحدود، أحد لا بتأويل عدد، ظاهر لا بتأويل المباشرة، متجل لا باستهلال رؤية، باطن لا بمزايلة، مبائن لا بمسافة، قريب لا بمداناة، لطيف لا بتجسم، موجود لا بعد عدم، فاعل لا باضطرار، مقدر لا بحول فكرة(1) مدبر لا بحركة، مريد لا بهمامة، شاء لا بهمة، مدرك لا بمجسة(2) سميع لا بآلة، بصير لا بأداة.

لا تصحبه الأوقات، ولا تضمنه الأماكن، ولا تأخذه السنات(3) ولا تحده الصفات، ولا تقيده الأدوات(4) سبق الأوقات كونه. والعدم وجوده، والابتداء أزاله، بتشعيره المشاعر عرف أن لا مشعر له(5) وبتجهيره الجواهر عرف أن لا جوهر له، وبمضادته بين الأشياء عرف أن لا ضد له، وبمقارنته بين الأمور عرف أن لا قرين له ضاد النور بالظلمة، والجلاية بالبهم، والجسو بالبلل(6)، والصرد بالحرور، مؤلف بين متعادياتها، مفرق بين متدانياتها، دالة بتفريقها على مفرقها، وبتأليفها على مؤلفها، ذلك قوله عز وجل: (ومن كل شئ خلقنا زوجين

____________

(1) أي بقوة الفكرة، وفي نسخة (د) و (ن) بالجيم.

(2) المجسة: آلة الجس.

(3) جمع السنة وهي النعاس، وفي حاشية نسخة (ب) و (د) (السبات) بالباء الموحدة:

على وزان الغراب وهو النوم، أو أوله أو الراحة من الحركات فيه.

(4) في نسخة (ط) (ولا تفيده الأدوات) من الإفادة.

(5) لعلو الصانع عن مرتبة ذات المصنوع وكذا فيما يشابه هذه من الفقرات الآتية.

(6) جسا يجسو جسوا: يبس وصلب.


الصفحة 38
لعلكم تذكرون)(1) ففرق بها بين قبل وبعد ليعلم أن لا قبل له ولا بعد، شاهدة بغرائزها أن لا غريزة لمغرزها، دالة بتفاوتها أن لا تفاوت لمفاوتها(2)، مخبرة بتوقيتها أن لا وقت لموقتها، حجب بعضها عن بعض ليعلم أن لا حجاب بينه وبينها غيرها(3) له معنى الربوبية إذ لا مربوب(4) وحقيقة الإلهية إذ لا مألوه(5) ومعنى العالم ولا معلوم، ومعنى الخالق ولا مخلوق، وتأويل السمع ولا مسموع(6) ليس منذ خلق استحق معنى الخالق، ولا باحداثه البرايا استفاد معنى البارئية(6) كيف(7) ولا تغيبه مذ، ولا تدنيه قد، ولا تحجبه لعل، ولا توقته متى، ولا تشمله حين،

____________

(1) الذاريات: 49، والآية إما استشهاد للمضادة فالمعنى: ومن كل شئ خلقنا ضدين كالأمثلة المذكورة بخلافه تعالى فإنه لا ضد له، أو استشهاد للمقارنة فالمعنى: ومن كل شئ خلقنا قرينين فإن كل شئ له قرين من سنخه أو مما يناسبه بخلاف الحق تعالى، والأول أظهر بحسب الكلام هنا، والثاني أولى بحسب الآيات المذكور فيها لفظ الزوجين.

(2) إثبات التفاوت هنا لا ينافي قوله تعالى: (ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت) لأن ما في الآية بمعنى عدم التناسب.

(3) في نسخة (ط) و (ن) وفي البحار: (من غيرها).

(4) كل كلام نظير هذا على كثرتها في أحاديث أئمتنا سلام الله عليهم يرجع معناه إلى أن كل صفة كمالية في الوجود ثابتة له تعالى بذاته، لا أنها حاصلة له من غيره، وهذا مفاد قاعدة (أن الواجب الوجود لذاته واجب لذاته من جميع الوجوه).

(5) الإلهية إن أخذت بمعنى العبادة فالله مألوه والعبد آله متأله، وأما بمعنى ملك التأثير والتصرف خلقا وأمرا كما هنا وفي كثير من الأحاديث فهو تعالى إله والعبد مألوه، وعلى هذا فسر الإمام عليه السلام (الله) في الحديث الرابع من الباب الحادي والثلاثين.

(6) إنما غير أسلوب الكلام وقال: (وتأويل السمع) إذ ليس له السمع الذي لنا بل سمعه يؤول إلى علمه بالمسموعات، وفي نسخة (ب) و (ج) كلمة إذ في الفقرات الثلاثة الأخيرة مكان الواو أيضا.

(6) في أكثر النسخ (البرائية) وفي نسخة (ن) والبحار (البارئية) كما في المتن.

(7) أي كيف لا يستحق معنى الخالق والبارئ قبل الخلق والحال أنه لا تغيبه مذ التي هي لابتداء الزمان عن فعله أي لا يكون فعله وخلقه متوقفا على زمان حتى يكون غائبا عن فعله بسبب عدم الوصول بذلك الزمان منتظرا لحضور ابتدائه، ولا تقربه قد التي هي لتقريب زمان الفعل فلا يقال: قد قرب وقت فعله لأنه لا ينتظر وقتا ليفعل فيه بل كل الأوقات سواء النسبة إليه، ولا تحجبه عن مراده لعل التي هي للترجي أي لا يترجى شيئا لشئ مراد له له بل (إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) ولا توقته في مبادى أفعاله (متى) أي لا يقال:

متى علم، متى قدر، متى ملك لأن له صفات كما له ومبادي أفعاله لذاته من ذاته أزلا كأزلية وجوده، ولا تشمله ولا تحدده ذاتا وصفه وفعلا (حين) لأنه فاعل الزمان، ولا تقارنه بشئ (مع) أي ليس معه شئ ولا في مرتبته شئ في شئ، ومن كان كذلك فهو خالق بارئ قبل الخلق لعدم تقيد خلقه وإيجاده بشئ غيره، فصح أن يقال: له معنى الخالق إذ لا مخلوق، وفي نسخة (ج) يغيبه وما بعدها من الأفعال بصيغة التذكير.