الصفحة 54
الأشياء أودها(1) ونهى معالم حدودها، ولأم بقدرته بين متضادتها(2) ووصل أسباب قرائنها(3) وخالف بين ألوانها، وفرقها أجناسا مختلفات في الأقدار والغرائز والهيئات، بدايا خلائق أحكم صنعها، وفطرها على ما أراد إذ ابتدعها، انتظم علمه صنوف ذرئها، وأدرك تدبيره حسن تقديرها.

أيها السائل إعلم من شبه ربنا الجليل بتباين أعضاء خلقه وبتلاحم أحقاق مفاصلهم المحتجبة بتدبير حكمته أنه لم يعقد غيب ضميره على معرفته(4) ولم يشاهد قلبه اليقين بأنه لا ند له، وكأنه لم يسمع بتبري التابعين من المتبوعين وهم يقولون:

(تالله أن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين)(5) فمن ساوى ربنا بشئ فقد عدل به، والعادل به كافر بما نزلت به محكمات آياته، ونطقت به شواهد حجج بيناته، لأنه الله الذي لم يتناه في العقول فيكون في مهب فكرها مكيفا، وفي حواصل رويات همم النفوس محدودا مصرفا(6) المنشئ أصناف الأشياء بلا روية احتاج إليها، ولا قريحة غريزة أضمر عليها، ولا تجربة أفادها من مر حوادث

____________

(1) في نسخة (ط) و (ن) و (ب) (وأقام - الخ).

(2) في النهج والبحار وفي نسخة (ب) و (و) (ولاءم بقدرته - الخ) من باب المفاعلة.

(3) في نسخة (و) (ووصل أسباب قرابتها).

(4) التلاحم: الالتصاق والالتيام بين الأجسام، وأحقاق جمع حق بالضم وهو رأس الورك الذي فيه عظم الفخذ ورأس العضد الذي فيه الوابلة، أي أن من شبه ربنا الجليل بالخلق ذي الأعضاء المتباينة والأحقاق المتلاحمة المحتجبة بالجلد واللحم كائنا ذلك بتدبير حكمته أنه لم يعرفه بقلبه، وأن هذه خبر لأن الأولى. و (من) الموصولة بعدها اسمها.

(5) الشعراء: 98.

(6) حواصل جمع حوصلة وهي في الطيور بمنزلة المعدة، وإضافتها إلى الرويات من قبيل إضافة الظرف إلى المظروف وفيها لطف.


الصفحة 55
الدهور(1) ولا شريك أعانه على ابتداع عجائب الأمور، الذي لما شبهه العادلون بالخلق المبعض المحدود في صفاته، ذي الأقطار والنواحي المختلفة فطبقاته، و كان عز وجل الموجود بنفسه لا بأداته، انتفى أن يكون قدروه حق قدره(2) فقال تنزيها لنفسه عن مشاركة الأنداد وارتفاعا عن قياس المقدرين له بالحدود من كفرة العباد: (وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيمة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون)(3) ما دلك القرآن عليه من صفته فاتبعه ليوصل بينك وبين معرفته(4) وأتم به(5) واستضئ بنور هدايته، فإنها نعمة وحكمة أوتيتهما فخذ ما أوتيت وكن من الشاكرين، وما دلك الشيطان عليه مما ليس في القرآن عليك فرضه ولا في سنة الرسول وأئمة الهدى أثره فكل علمه إلى الله عز وجل، فإن ذلك منتهى حق الله عليك.

واعلم أن الراسخين في العلم هم الذين أغناهم الله عن الاقتحام في السدد المضروبة دون الغيوب فلزموا الاقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب

____________

(1) أقادها أي اقتناها واكتسبها، وفي نسخة (ج) و (و) و (ب) أفادها من موجودات الدهور، وفي حاشية نسخة (د) و (ب) (استفادها من موجودات الدهور) وفي النهج (أفادها من حوادث الدهور).

(2) قوله: (وكان عز وجل الموجود - الخ) عطف على مدخول (لما) أي الموجود بذاته الواحدة وحده حقيقية لا بأجزاء هي أداته وآلاته للإدراك والفعل كالإنسان، وفي نسخة (و) و (د) (لا بآياته) التي هي مخلوقاته فيكون موجودا بالغير، فإن الوجود ينقسم إلى ما بالذات وما بالغير، وقوله: (انتفى) جواب لما، أي امتنع عن أن يكون في تقدير مقدر و تحديد محدد.

(3) الزمر: 67.

(4) في نسخة (و) و (ج) (لتوسل بينك - الخ).

(5) في نسخة (ط) و (ن) (فأتم به).


الصفحة 56
فقالوا: (آمنا به كل من عند ربنا)(1) فمدح الله عز وجل اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علما، وسمى تركهم التعمق في ما لم يكلفهم البحث عنه منهم رسوخا، فاقتصر على ذلك، ولا تقدر عظمة الله (سبحانه) على قدر عقلك فتكون من الهالكين. 14 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدثني علي بن العباس، قال: حدثني جعفر بن محمد الأشعري، عن فتح بن يزيد الجرجاني، قال: كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام أسأله عن شئ من التوحيد فكتب إلي بخطه - قال جعفر: وإن فتحا أخرج إلى الكتاب فقرأته بخط أبي - الحسن عليه السلام:

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الملهم عباده الحمد، وفاطرهم على معرفة ربوبيته، الدال على وجوده بخلقه، وبحدوث خلقه على أزله، وبأشباههم على أن لا شبه له، المستشهد آياته على قدرته، الممتنع من الصفات ذاته(2) ومن الأبصار رؤيته، ومن الأوهام الإحاطة به لا أمد لكونه ولا غاية لبقائه لا يشمله المشاعر و لا يحجبه الحجاب فالحجاب بينه وبين خلقه لامتناعه مما يمكن في ذواتهم ولا مكان ذواتهم مما يمتنع منه ذاته، ولافتراق الصانع والمصنوع والرب والمربوب، والحاد والمحدود، أحد لا بتأويل عدد، الخالق لا بمعنى حركة(3) السميع لا بأداة، البصير لا بتفريق آلة، الشاهد لا بمماسة، البائن لا ببراح مسافة(4) الباطن لابا جتنان،

____________

(1) الغيب المحجوب هنا والغيب المكنون الذي ذكر في الحديث الثالث هو مقام ذات الواجب الذي لا يناله أحد حتى الراسخين في العلم. والآية في آل عمران: 7.

(2) أي من الوصف إذ لا يدرك ذاته حتى توصف، أو المعنى ليس مقام أحدية ذاته مقام الصفات والأسماء إذ ليس في ذلك المقام الشامخ اسم ولا صفة ولا إشارة ولا معرفة.

(3) أي ليس إيجاده بالحركة كإيجادنا.

(4) البراح بمعنى الزوال أي بائن عن خلقه لا ببعده عنهم بالمسافة، وفي الكافي في باب جوامع التوحيد في حديث عن أبي عبد الله عليه السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام وفي نهج البلاغة (لا بتراخي مسافة).


الصفحة 57
الظاهر لا بمحاذ، الذي قد حسرت دون كنهه نواقد الأبصار(1) وامتنع وجوده جوائل الأوهام(2) . أول الديانة معرفته، وكمال المعرفة توحيده، وكمال التوحيد نفي الصفات عنه، لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف، وشهادة الموصوف أنه غير الصفة، و شهادتهما جميعا على أنفسهما بالبينة الممتنع منها الأزل(3) فمن وصف الله فقد حده ومن حده فقد عده، ومن عده فقد أبطل أزله، ومن قال: كيف فقد استوصفه، و من قال: على م فقد حمله، ومن قال: أين فقد أخلى منه، ومن قال: إلى م فقد وقته، عالم إذ لا معلوم، وخالق إذ لا مخلوق، ورب إذ لا مربوب، وإله إذ لا مألوه وكذلك يوصف ربنا، وهو فوق ما يصفه الواصفون.

15 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، قال حدثنا علي بن العباس، قال: حدثنا الحسن بن محبوب، عن حماد بن عمرو النصيبي، قال: سألت جعفر بن محمد عليهما السلام عن التوحيد، فقال: واحد، صمد، أزلي، صمدي(4)

____________

(1) في نسخة (د) و (ب) (الظاهر الذي قد حسرت دون كنهه نوافذ الأبصار) وفي الكافي (قد حسر كنهه نوافذ الأبصار).

(2) في البحار وفي نسخة (ب) (واقمع وجوده - الخ)، وفي الكافي (وقمع وجوده - الخ) وفي نسخة (د) وحاشية نسخة (ب) (واقمع وجوده جوائد الأوهام).

(3) البينة كالجلسة مصدر بمعنى البينونة، وفي الكافي (بالتثنية الممتنعة من الأزل) وفي نسخة (ط) (بالبينة الممتنع فيها الأزل) وفي حاشية نسخة (ن) (بالبينة الممتنع بها الأزل).

(4) النسبة للمبالغة كالأحدي، وكذا فرداني وديمومي، ولعله عليه السلام أراد به معنى و بما قبله معنى آخر فإن للصمد معاني تصح على الله تعالى يأتي ذكرها في الباب الرابع.


الصفحة 58
لا ظل له يمسكه، وهو يمسك الأشياء بأظلتها(1) عارف بالمجهول، معروف عند كل جاهل(2) فرداني، لا خلقه فيه ولا هو في خلقه، غير محسوس ولا مجسوس ولا تدركه الأبصار، علا فقرب، ودنا فبعد، وعصى فغفر، وأطيع فشكر، لا تحويه أرضه، ولا تقله سماواته، وإنه حامل الأشياء بقدرته، ديمومي، أزلي، لا ينسى، ولا يلهو(3) ولا يغلط، ولا يلعب، ولا لإرادته فصل(4) وفصله جزاء، و أمره واقع، لم يلد فيورث، ولم يولد فيشارك، ولم يكن له كفوا أحد.

16 - وبهذا الإسناد، عن علي بن العباس، قال: حدثنا يزيد بن عبد الله عن الحسين بن سعيد الخزاز، عن رجاله، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: الله غاية من غياه، والمغيى، غير الغاية، توحد بالربوبية، ووصف نفسه بغير محدودية، فالذاكر الله غير الله، والله غير أسمائه(5) وكل شئ وقع عليه اسم شئ سواه فهو

____________

(1) للظل معان، والكلام من العلماء والمفسرين في تفسير الظل في الكتاب والأحاديث كثير مختلف، والأنسب الأقرب هنا أن يقال: الظل من كل شئ كنهه ووقاؤه الذي يصان به عن الفساد والبطلان، وكل موجد إنما يصان عن الفساد والعدم بعلته ومبدئه فالمعنى أنه تعالى لا مبدأ له يمسكه ويصونه عن العدم. بل هو موجود بنفسه ممتنع عليه العدم وهو تعالى مبدء الأشياء يمسكها ويقيمها ويصونها عن التلاشي والعدم مع أظلتها أي مع مباديها الوسطية التي هي أيضا من جملة الأشياء الممكنة.

(2) أي عارف بما يجهله غيره، ويعرفه كل أحد بفطرته وإن كان من الجهال.

(3) وفي نسخة (ب) (ولا يلهم) على بناء المجهول من الالهام.

(4) أي لا فصل بين إرادته، ومراده، أو لا مانع لإرادته بل هي نافذة في الأشياء كلها.

(5) النغيية جعل الشئ غاية للسلوك والحركة، والغاية لا بد أن تقع في الذهن ابتداء السلوك حتى تكون باعثة له، فمعنى الكلام أن الله تعالى يصح أن يجعله الإنسان غاية لسلوكه الانساني ولكن المغيي أي الذي يقع في الذهن قبل السلوك غير الله الذي هو غاية موصول بها بعد السلوك لأن ما هو واقع في الذهب محدود. والله تعالى وصف نفسه بغير محدودية فالذاكر الله الذي هو مفهوم واقع في ذكرك وذهنك ويوجب توجهك وسلوكك إلى الله تعالى غير الله الذي هو مصداق تام حقيقي لهذا المفهوم وموصل وموصول لك في سلوكك إليه، فإذا كان هذا المفهوم غير الله فأسمائه التي تحكي عن هذه المفاهيم غير الله بطريق أولى، بل هي مضافة إليه إضافة ما، فما ذهب إليه قوم من اتحاد الاسم والمعنى باطل.


الصفحة 59
مخلوق(1) ألا ترى قوله: (العزة لله، العظمة لله)، وقال: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها)(2) وقال: (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياما تدعوا فله الأسماء الحسنى)(3) فالأسماء مضافة إليه، وهو التوحيد الخالص(4).

17 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي أبو الحسين(5)، قال: حدثني موسى بن عمران، عن الحسين ابن يزيد، عن إبراهيم بن الحكم بن ظهير، عن عبد الله بن جرير العبدي، عن جعفر بن محمد عليهما السلام أنه كان يقول: الحمد لله الذي لا يحس، ولا يجس، ولا يمس

____________

(1) قد استعمل الاسم في لسان الشرع الأقدس في اللفظ الدال وفي مفهوم اللفظ، وبمعنى العلامة وفي صفة الشئ، والمناسب هنا الأول والثاني، فمعنى الكلام أن كل شئ وقع عليه لفظ الشئ أو مفهوم الشئ سوى الله تعالى فهو مخلوق وإن كان ذلك الشئ اسما من أسمائه تعالى أو مفهوما ينطبق عليه، واستدل عليه السلام للثاني بإضافة العزة والعظمة إلى الله تعالى فإن الإضافة تدل على المغايرة لأن الشئ لا يضاف إلى نفسه، واستدل للأول بالآيتين فإن المدعو غير المدعو به.

(2) الأعراف: 180.

(3) الإسراء: 110.

(4) أي تنزيهه تعالى عن أن يكون متحدا مع الاسم، أو أن يكون هو تعالى ما يقع في الذهن، هو التوحيد الخالص فإن كل ما صورتموه بأوهامكم في أدق المعاني فهو مخلوق لكم مردود إليكم فهو تعالى ذات ليست بنفس هذه الأسماء ولا هذه المفاهيم ولا بمصداقها على حد ما نتصوره من المصاديق الممكنة، بل هو شئ لا كالأشياء، وعالم لا كالعلماء، وحي لا كالأحياء، وقادر لا كالقادرين، وهكذا.

(5) هو محمد بن جعفر بن محمد بن عون الأسدي الكوفي، ثقة.


الصفحة 60
لا يدرك بالحواس الخمس، ولا يقع عليه الوهم، ولا تصفه الألسن، فكل شئ حسته الحواس أو جسته الجواس أو لمسته الأيدي فهو مخلوق، والله هو العلي حيث ما يبتغى يوجد، والحمد لله الذي كان قبل أن يكون كان(1) لم يوجد لوصفه كان(2) بل كان أولا كائنا(3) لم يكونه مكون، جل ثناؤه، بل كون الأشياء قبل كونها(4) فكانت كما كونها، علم ما كان وما هو كائن، كان إذ لم يكن شئ ولم ينطق فيه ناطق(5) فكان إذ لا كان.

18 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدثنا الحسين بن الحسن بن بردة(6)، قال: حدثني العباس بن عمرو الفقيمي، عن

____________

(1) هذه والجملة الأخيرة في الحديث والتي قبلها بمثابة واحدة، أي كان قبل أن يكون شئ، يقال فيه: كان كذا وكذا، وكان إذ لا شئ، يقال فيه: كان كذا وكذا، كما يقال: صرت إلى كان وكنت أي صرت إلى أن يقال فيك: كان فلان كذا وكذا وكنت أنا فيما كنت من قبل، وحاصل الكلام كله نفي أن يكون معه تعالى في أزليته شئ.

(2) أي لم يوجد لوصفه تغير فيقال: كان كذا ثم صار كذا، وفي نسخة (و) و (ب) و (د) (لا يوجد - الخ).

(3) في البحار في الجزء الثالث من الطبعة الحديثة ص 298 (بل كان أزلا كان كائنا - الخ) وفي نسخة (ط) (بل كان أزلا كائنا - الخ).

(4) قبلية التأثير على الأثر التي يقال لها التقدم بالعلية، لا قبلية بالزمان فإن تكوين الشئ يمتنع أن يكون قبل كونه زمانا.

(5) أي في الله تعالى، ويحتمل رجوع الضمير إلى شئ أي كان إذ لم يكن شئ ولم يكن ناطق فينطق في ذلك الشئ.

(6) في نسخة (ب) و (د) (الحسين بن بردة) وفي الكافي باب حدوث العالم روي حديثا عن الرضا عليه السلام مع رجلا من الزنادقة سنده هكذا: حدثني محمد بن جعفر الأسدي عن محمد بن إسماعيل البرمكي الرازي، عن الحسين بن الحسن بن برد (بدون التاء في آخر الكلمة) الدينوري - الخ، وما في الكافي مذكور في الكتاب في الباب السادس والثلاثين وليس في سنده هذا الرجل، ولم أجد له ذكرا فيما عندي من كتب الرجال.


الصفحة 61
أبي القاسم إبراهيم بن محمد العلوي، عن الفتح بن يزيد الجرجاني، قال: لقيته عليه السلام(1) على الطريق عند منصرفي من مكة إلى خراسان وهو سائر إلى العراق فسمعته يقول: من اتقى الله يتقى، ومن أطاع الله يطاع.

فتلطفت في الوصول إليه فوصلت فسلمت فرد علي السلام ثم قال: يا فتح من أرضى الخالق لم يبال بسخط المخلوق، ومن أسخط الخالق فقمن أن يسلط عليه سخط المخلوق، وإن الخالق لا يوصف إلا بما وصف به نفسه وأنى يوصف الذي تعجز الحواس أن تدركه، والأوهام أن تناله، والخطرات أن تحده، والأبصار عن الإحاطة به؟ جل عما وصفه الواصفون، وتعالى عما ينعته الناعتون، نأى في قربه، وقرب في نأيه، فهو في بعده قريب، وفي قربه بعيد، كيف الكيف فلا يقال له: كيف وأين الأين فلا يقال له أين، إذ هو مبدع الكيفوفية والأينونية(2) يا فتح كل جسم مغذي بغذاء إلا الخالق الرزاق، فإنه جسم الأجسام، وهو ليس بجسم ولا صورة، لم يتجزأ، ولم يتناه، ولم يتزايد، ولم يتناقص، مبرء من ذات ما ركب في ذات من جسمه(3) وهو اللطيف الخبير السميع البصير الواحد الأحد الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، منشئ الأشياء(4) ومجسم الأجسام، و مصور الصور، لو كان كما يقول المشبهة لم يعرف الخالق من المخلوق، ولا الرازق من المرزوق، ولا المنشئ من المنشأ لكنه المنشئ، فرق بين من جسمه وصوره و

____________

(1) يعني أبا الحسن الرضا عليه السلام بشهادة الحديث الرابع عشر.

(2) في نسخة (ب) (مبدء الكيفوفية - الخ).

(3) أي هو تعالى منزه من ذوات الأشياء والأجزاء التي ركبها وجعلها في ذات من أوجده جسما.

(4) في حاشية نسخة (ب) (مشيئ الأشياء).


الصفحة 62
شيئه وبينه(1) إذ كان لا يشبهه شئ.

قلت: فالله واحد والإنسان واحد، فليس قد تشابهت الوحدانية؟ فقال: أحلت ثبتك الله(2) إنما التشبيه في المعاني فأما في الأسماء فهي واحدة(3) وهي دلالة على المسمى(4) وذلك أن الإنسان وإن قيل واحد فإنه يخبر أنه جثة واحدة وليس باثنين، والإنسان نفسه ليس بواحد، لأن أعضاءه مختلفة، وألوانه مختلفة غير واحدة، وهو أجزاء مجزأة ليس سواء(5) دمه غير لحمه، ولحمه غير دمه، وعصبه غير عروقه، وشعره غير بشره. وسواده غير بياضه، وكذلك سائر جميع الخلق، فالإنسان واحد في الاسم، لا واحد في المعنى(6) والله جل جلاله واحد لا واحد غيره، ولا اختلاف فيه، ولا تفاوت، ولا زيادة، ولا نقصان، فأما الإنسان المخلوق المصنوع المؤلف

____________

(1) قوله: (فرق) على صيغة المصدر مبتدء خبره (بين من جسمه - الخ) وقوله:

(بينه) معادلة بين الأولى، ويحتمل أن يكون ماضيا من باب التفعيل أي جعل بينه تعالى و بين من جسمه - الخ تفرقة ومباينة، ويحتمل بعيدا أن يكون قوله: (بينه) فعلا من النبيين إذ لا يناسب قوله: (إذ لا يشبهه شئ)، وقوله: (شيئه) من باب التفعيل أي جعله شيئا بالجعل البسيط أو المركب، وفي الكافي باب معاني الأسماء (وأنشأه) مكان (شيئه).

(2) أي أتيت بشئ محال.

(3) أي إنما التشبيه الذي ننفيه عنه تعالى في الحقائق فأما في الأسماء أي الألفاظ أو المفاهيم (والثاني أقرب) فالتشبيه واقع لأنها فيه تعالى وفي غيره واحدة متشابهة ولا يضر ذلك بوحدة ذاته تعالى، ويمكن أن يقرأ بالنصب أي إنما ننفي عنه التشبيه في المعاني وفي البحار وفي نسخة (ج) (وأما في الأسماء).

(4) أي والألفاظ دلالة على المفهوم أو والمفاهيم دلالة على المصداق والحقيقة، و شباهة الدال بشئ لا تستلزم شباهة المدلول للمغايرة بينهما ذاتا.

(5) قوله: (ليس سواء) خبر لهو بعد خبر، وفي الكافي وفي حاشية نسخة (ط) و (ن) (ليست بسواء) فصفة لا جزاء بعد صفة.

(6) في نسخة (ط) و (ن) فالإنسان واحد بالاسم لا واحد بالمعنى.


الصفحة 63
فمن أجزاء مختلفة وجواهر شتى غير أنه بالاجتماع شئ واحد.

قلت: فقولك: اللطيف فسره لي، فإني أعلم أن لطفه خلاف لطف غيره للفصل، غير أني أحب أن تشرح لي، فقال: يا فتح إنما قلت: اللطيف للخلق اللطيف ولعلمه بالشئ اللطيف، ألا ترى إلى أثر صنعه في النبات اللطيف وغير اللطيف، وفي الخلق اللطيف من أجسام الحيوان من الجرجس والبعوض وما هو أصغر منهما مما لا يكاد تستبينه العيون، بل لا يكاد يستبان لصغره الذكر من الأنثى، والمولود من القديم، فلما رأينا صغر ذلك في لطفه واهتدائه للسفاد والهرب من الموت والجمع لما يصلحه بما في لجج البحار(1) وما في لحاء الأشجار والمفاوز والقفار و إفهام بعضها عن بعض منطقها(2) وما تفهم به أولادها عنها، ونقلها الغذاء إليها، ثم تأليف ألوانها حمرة مع صفرة وبياض مع حمرة علمنا أن خالق هذا الخلق لطيف، وأن كل صانع شئ فمن شئ صنع(3) والله الخالق اللطيف الجليل خلق وصنع لا من شئ.

قلت: جعلت فداك وغير الخالق الجليل خالق؟ قال: إن الله تبارك وتعالى يقول: (تبارك الله أحسن الخالقين)(4) فقد أخبر أن في عباده خالقين(5) منهم عيسى ابن مريم، خلق من الطين كهيئة الطير بإذن الله فنفخ فيه فصار طائرا بإذن الله، والسامري خلق لهم عجلا جسدا له خوار، قلت: إن عيسى خلق من الطين طيرا

____________

(1) في البحار (سما في لجج البحار) وفي الكافي (وما في لجج البحار) (2) استعمل الأفهام ههنا بمعنى التفاهم إذ تعدى بعن.

(3) قوله: (وإن كل صانع شئ - الخ) جملة مستأنفة، ويحتمل بعيدا عطفه على مدخول علمنا.

(4) المؤمنون: 14.

(5) هذا لا ينافي قوله تعالى: (الله خالق كل شئ) إذ هو تعالى خالق كل شئ بواسطة أو بلا واسطة، فإسناد خلق بعض الأشياء إلى الوسائط لا يخرجه عن كونه مخلوقا له تعالى.


الصفحة 64
دليلا على نبوته، والسامري خلق عجلا جسدا لنقض نبوة موسى عليه السلام، وشاء الله أن يكون ذلك كذلك؟ إن هذا لهو العجب، فقال: ويحك يا فتح إن لله إرادتين ومشيتين إرادة حتم وإرادة عزم(1) ينهى وهو يشاء، ويأمر وهو لا يشاء، أوما رأيت أنه نهى آدم وزوجته عن أن يأكلا من الشجرة وهو شاء ذلك، ولو لم يشأ لم يأكلا ولو أكلا لغلبت مشيتهما مشية الله(2) وأمر إبراهيم بذبح ابنه إسماعيل عليهما السلام، و شاء أن لا يذبحه، ولو لم يشأ أن لا يذبحه لغلبت مشية إبراهيم مشيئة الله عز وجل(3)

____________

(1) إن لله تعالى إرادة عزم سماها المتكلمون بالإرادة التشريعية هي أمره ونهيه بل نفس تشريعه، والتشريع هو تعليم الله تعالى عبادة كيفية سلوكهم في طريقة العبودية وهذه لا تأثير لها في شئ من أفعال العباد إلا أن لها شأنية بعثهم للأفعال والتروك. وإرادة حتم سموها بالتكوينية ولها تعلق بأفعالهم بمعنى أنه تعالى يريد أفعالهم من طريق اختيارهم وإرادتهم، وبعبارة أخرى أن فعل العبد لا يقع في ملكه تعالى إلا بإرادته تعالى جميع مقدماته التي منها اختيار العبد الموهوب من عند الله تعالى، فإن الله تعالى يريد فعل العبد هكذا وإذا لم يرده يبطل بعض المقدمات فيبقى عاجزا، فالعبد دائما مقهور في فعله تحت إرادة الله لأن بيده الاختيار فقط الذي هو موهوب من الله تعالى وباقي المقدمات خارج من يده، فإن تمت واختار العبد وقع الفعل وإلا فلا، والمدح والذم دائما يتوجهان إلى العبد في فعله وتركه لأنه عند نقصان المقدمات لا يذم ولا يمدح لعجزه عن إتيان الفعل وتركه بل تارك قهرا وعند تمامها يختار أو لا يختار فيمدح أو يذم، وباقي الكلام في الأبواب الآتية المناسبة له.

(2) أي ولو أكلا مع عدم مشية الله تعالى للأكل بإبطال بعض المقدمات لغلبت الخ.

(3) أي شاء عدم الذبح بتحقيق علته وهي عدم علة الذبح التامة فإن علة عدم الشئ عدم علته، وعدم علة الذبح تحقق بإبطال تأثير السكين، وأما إبراهيم عليه السلام فشاء أن يذبحه فوقع ما شاء الله ولم يقع ما شاء إبراهيم وإن كان مأمورا بإيقاعه، ولو لم يشأ الله أن لا يذبحه وشاء إبراهيم أن لا يذبحه في هذه الصورة التي لم يقع الذبح لغلبت مشيئة إبراهيم مشية الله.

وفي الكافي باب المشيئة والإرادة: (وأمر إبراهيم أن يذبح إسحاق ولم يشأ أن يذبحه ولو شاء لما غلبت مشيئة إبراهيم مشيئة الله تعالى) أي ولو شاء لذبحه وما غلبت مشيئة إبراهيم مشيئة الله تعالى لتوافق المشيئتين، ثم إن المأمور بالذبح في رواية الكافي إسحاق، وفي نسخة (و) و (ب) و (ج) و (د) لم يذكر الاسم بل فيها هكذا: (وأمر إبراهيم بذبح ابنه عليهما السلام - الخ) لكن الأخبار الكثيرة صريحة في أن المأمور بالذبح هو إسماعيل عليه السلام.


الصفحة 65
قلت: فرجت عني فرج الله عنك، غير أنك قلت: السميع البصير، سميع بالأذن وبصير بالعين؟ فقال: إنه يسمع بما يبصر، ويرى بما يسمع، بصير لا بعين مثل عين المخلوقين، وسميع لا بمثل سمع السامعين، لكن لما لم يخف عليه خافية من أثر الذرة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء تحت الثرى والبحار قلنا: بصير، لا بمثل عين المخلوقين، ولما لم يشتبه عليه ضروب اللغات ولم يشغله سمع عن سمع قلنا: سميع، لا مثل سمع السامعين.

قلت: جعلت فداك قد بقيت مسألة، قال: هات لله أبوك. قلت: يعلم القديم الشئ الذي لم يكن أن لو كان كيف كان يكون؟(1) قال: ويحك إن مسائلك لصعبة، أما سمعت الله يقول: (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا)(2) وقوله: (ولعلا بعضهم على بعض)(3) وقال يحكي قول أهل النار: (أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل)(4) وقال: (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه)(5) فقد علم الشئ الذي لم يكن أن لو كان كيف كان يكون.

فقمت لا قبل يده ورجله، فأدنى رأسه فقبلت وجهه ورأسه، وخرجت و بي من السرور والفرح ما أعجز عن وصفه لما تبينت من الخير والحظ.

قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه: إن الله تبارك وتعالى نهى آدم وزوجته عن أن يأكلا من الشجرة، وقد علم أنهما يأكلان منها، لكنه عز وجل شاء أن لا يحول بينهما وبين الأكل منها بالجبر والقدرة(6) كما منعهما من الأكل منها

____________

(1) (أن) بالفتح مع ما بعده مأول بالمصدر وبدل اشتمال للشئ الذي هو مفعول يعلم.

(2) الأنبياء: 22.

(3) المؤمنون: 91.

(4) فاطر: 37.

(5) الأنعام: 28.

(6) هذا لازم مشيته تعالى لفعل العبد على النحو الذي بيناه.


الصفحة 66
بالنهي والزجر، فهذا معنى مشيته فيهما، ولو شاء عز وجل منعهما من الأكل بالجبر ثم أكلا منها لكانت مشيتهما قد غلبت مشيته كما قال العالم عليه السلام، تعالى الله عن العجز علوا كبيرا.

19 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثني محمد بن جعفر البغدادي، عن سهل بن زياد، عن أبي الحسن علي بن محمد عليهما السلام، أنه قال: (إلهي تاهت أوهام المتوهمين وقصر طرف الطارفين، وتلاشت أوصاف الواصفين، واضمحلت أقاويل المبطلين عن الدرك لعجيب شأنك، أو الوقوع بالبلوغ إلى علوك(1) فأنت في المكان الذي لا يتناهى(2) ولم تقع عليك عيون بإشارة ولا عبارة(3) هيهات ثم هيهات، يا أولي، يا وحداني، يا فرداني(4) شمخت في العلو بعز الكبر، وارتفعت من وراء كل غورة ونهاية بجبروت الفخر).

20 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثني محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن محمد بن إسماعيل البرمكي، عن الحسين بن الحسن، قال: حدثني أبو سمينة، عن إسماعيل بن أبان، عن زيد بن جبير، عن جابر الجعفي، قال: جاء رجل من علماء أهل الشام إلى أبي جعفر عليه السلام، فقال: جئت أسألك عن مسألة لم أجد أحدا يفسرها لي، وقد سألت ثلاثة أصناف من الناس، فقال كل صنف غير ما قال الآخر، فقال أبو جعفر عليه السلام: وما ذلك؟ فقال:

أسألك، ما أول ما خلق الله عز وجل من خلقه؟(5) فإن بعض من سألته قال:

____________

(1) أي الوقوع عليك بسبب البلوغ إلى علوك، والوقوع بمعنى الوقوف والاطلاع.

(2) في نخسة (د) و (و) و (ب) (فأنت الذي لا يتناهى).

(3) (ولا عبارة) متعلق بمحذوف إذ لا يستقيم قولنا: ولم تقع عليك عيون بعبارة أو المراد بالعيون مطلق الإدراكات.

(4) ياءات النسبة للمبالغة، وفي نسخة (ب) و (د) (يا أزلي).

(5) في نسخة (ج) فقال: (أسألك عن أول - الخ).


الصفحة 67
القدرة، وقال بعضهم: العلم، وقال بعضهم: الروح، فقال أبو جعفر عليه السلام: ما قالوا شيئا، أخبرك أن الله علا ذكره كان ولا شئ غيره، وكان عزيزا ولا عز لأنه كان قبل عزه(1) وذلك قوله: (سبحان ربك رب العزة عما يصفون)(2) وكان خالقا ولا مخلوق(3) فأول شئ خلقه من خلقه الشئ الذي جميع الأشياء منه، وهو الماء(4) فقال السائل: فالشئ خلقه من شئ أو من لا شئ؟ فقال: خلق الشئ لا من شئ كان قبله، ولو خلق الشئ من شئ إذا لم يكن له انقطاع أبدا، ولم يزل الله إذا ومعه شئ(5) ولكن كان الله ولا شئ معه، فخلق الشئ الذي جميع الأشياء، منه، وهو الماء.

21 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن الحسين ابن أبي الخطاب، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن إبراهيم بن عبد الحميد، قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول في سجوده: (يا من علا فلا شئ فوقه، يا من دنا فلا شئ دونه، اغفر لي ولأصحابي).

____________

(1) أي كان عزيزا بذاته ولم يظهر عزه على خلقه لأنه كان قبل ظهور عزه على خلقه إذ كان ولا شئ غيره.

(2) الصافات: 180.

(3) أي كان تاما بذاته في جهات الخلق والايجاد من دون توقف في خلقه على شئ ولا انتظار لشئ ولا مخلوق.

(4) إن كان المراد به الماء الجسماني فهو أول شئ من الجسمانيات، وإن استعاره لأول شئ صدر منه تعالى فهو أول الأشياء مطلقا الذي عبر عنه في أخبار بالعقل والنور، والثاني أظهر لشهادة ذيل الحديث.

(5) أجاب عليه السلام عن أول شقي الترديد في السؤال بلزوم التسلسل أو أن يكون لله تعالى ثان في الأزلية، ولم يجب عن الشق الثاني لظهور أن لا شئ لا يكون مبدءا للشئ، فتعين الشق الثالث وهو خلق الشئ لا من شئ بأن يكون هو تعالى بذاته مبدءا له، ولصاحب الكافي بيانا في باب جوامع التوحيد لنظير هذا الكلام في حديث لأمير المؤمنين عليه السلام فليراجع.


الصفحة 68
22 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا أحمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد، عن سهل ابن زياد، عن أحمد بن بشر(1) عن محمد بن جمهور العمي، عن محمد بن الفضيل بن يسار، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قال في الربوبية العظمى والإلهية الكبرى: لا يكون الشئ لا من شئ إلا الله، ولا ينقل الشئ من جوهريته إلى جوهر آخر إلا الله، ولا ينقل الشئ من الوجود إلى العدم إلا الله(2).

23 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، قال: حدثنا أبي، عن الريان بن الصلت، عن علي بن موسى الرضا عليهما السلام، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: قال الله جل جلاله، ما آمن بي من فسر برأيه كلامي، وما عرفني من شبهني بخلقي، وما على ديني من استعمل القياس في ديني.

24 - حدثنا أبو عبد الله الحسين بن محمد الأشناني الرازي العدل ببلخ، قال:

حدثنا علي بن مهرويه القزويني، عن داود بن سليمان الفراء(3) عن علي بن موسى الرضا، عن أبيه، عن آبائه، عن علي عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: التوحيد نصف الدين، واستنزلوا الرزق بالصدقة(4).

25 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدثنا علي بن الحسين

____________

(1) في نسخة (ج) (أحمد بن بشير).

(2) مضمون هذا الحديث معنى قولهم: (لا مؤثر في الوجود إلا الله) فكل ما يقع في الوجود من دون أن يكون من شئ فهو من تكوينه وإبداعه، فكل مصنوع لكل أحد إلا الله فيه شئ كان قبله وشئ حادث أفاضه الله تعالى.

(3) كذا راجع ص 377.

(4) التوحيد بشروطه من سائر الاعتقادات الحقة نصف الدين، والنصف الآخر العمل بما اقتضاه التوحيد، وقوله: (واستنزلوا - الخ) تنبيه على أن هم الرزق لا يشغلهم عن الدين وتحصيل معارفه فإنه مقسوم بينكم مضمون لكم يصل إليكم من رازقكم، فإن قدر عليكم في بعض الأحيان فاستنزلوه واطلبوا السعة بالصدقة والإنفاق كما قال تعالى: (ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله).