الصفحة 115
ما شهد به الكتاب والسنة فنحن القائلون به.

14 - حدثنا محمد بن محمد بن عصام الكليني رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن يعقوب الكليني، عن علي بن محمد، عن سهل بن زياد وغيره، عن محمد بن سليمان عن علي بن إبراهيم الجعفري، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:

قال: إن الله عظيم، رفيع، لا يقدر العباد على صفته، ولا يبلغون كنه عظمته، ولا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير، ولا يوصف بكيف ولا أين ولا حيث(1) فكيف أصفه بكيف وهو الذي كيف الكيف حتى صار كيفا، فعرفت الكيف بما كيف لنا من الكيف، أم كيف أصفه بأين وهو الذي أين الأين حتى صار أينا، فعرفت الأين بما أين لنا من الأين، أم كيف أصفه بحيث وهو الذي حيث الحيث حتى صار حيثا، فعرفت الحيث بما حيث لنا من الحيث، فالله تبارك وتعالى داخل في كل مكان، وخارج من كل شئ، لا تدركه الأبصار، وهو يدرك الأبصار، لا إله إلا هو العلي العظيم، وهو اللطيف الخبير.

15 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن إبراهيم بن هاشم، عن ابن أبي نجران، عن محمد بن سنان، عن إبراهيم والفضل ابني محمد الأشعريين عن عبيد بن زرارة، عن أبيه، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك الغشية التي كانت تصيب رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أنزل عليه الوحي؟ فقال: ذاك إذا لم يكن بينه وبين الله أحد، ذاك إذا تجلى الله له، قال: ثم قال: تلك النبوة يا زرارة، و اقبل متخشع(2).

____________

(1) المراد به الزمان على ما قيل: أنه يأتي له قليلا، أو المراد به اختلاف الجهات والحيثيات في ذات الشئ الموجب للتكثر.

(2) يحتمل أن يكون (أقبل) فعل ماض من الاقبال وضميره يرجع إلى الإمام عليه السلام أي وأقبل عليه السلام إلى الله تعالى حين التكلم بهذا الكلام بحالة التخشع والخضوع، وفي نسخة (د) و (ب) و (و) (يتخشع) على صيغة المضارع. ويحتمل أن يكون فعل أمر من القبول خطابا لزرارة أي واقبل ما قلت بقلبك بتخشع وخضوع. إلا أنه لا يناسب نسخة (يتخشع)، وفي نسخة (ج) وحاشية نسخة (و) (وقال يتخشع) أي وقال زرارة: يتخشع الإمام عليه السلام حين التكلم بهذا الكلام.


الصفحة 116
حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا إبراهيم بن هاشم، عن ابن أبي عمير، عن مرازم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: رأى رسول الله صلى الله عليه وآله ربه عز وجل يعني بقلبه(1). وتصديق ذلك:

17 - ما حدثنا به محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن محمد بن الفضيل قال: سألت أبا الحسن عليه السلام هل رأى رسول الله صلى الله عليه وآله ربه عز وجل؟ فقال: نعم بقلبه رآه، أما سمعت الله عز وجل يقول: (ما كذب الفؤاد ما رأى) أي لم يره بالبصرة، لكن رآه بالفؤاد.

18 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن القاسم بن محمد الإصفهاني عن سليمان بن داود المنقري، عن حفص بن غياث أو غيره، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: (لقد رأى من آيات ربه الكبرى)(2) قال: رأى جبرئيل على ساقه الدر مثل القطر على البقل، له ستمائة جناح قد ملأ ما بين السماء إلى الأرض.

19 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قال: حدثنا محمد بن هارون الصوفي، قال: حدثنا عبيد الله بن موسى الروياني، قال: حدثنا عبد العظيم بن عبد الله بن علي بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام، عن إبراهيم بن أبي محمود، قال: قال علي بن موسى الرضا عليهما السلام في قول الله عز وجل: (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة)(3) يعني مشرقة تنتظر ثواب ربها.

____________

(1) كلام المؤلف رحمه الله.

(2) النجم: 18.

(3) القيامة: 23.


الصفحة 117
20 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا موسى بن عمران النخعي، عن الحسين بن يزيد النوفلي، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال:

قلت له: أخبرني عن الله عز وجل هل يراه المؤمنون يوم القيامة؟ قال: نعم، وقد رأوه قبل يوم القيامة، فقلت: متى؟ قال: حين قال لهم: (ألست بربكم قالوا بلى) ثم سكت ساعة، ثم قال: وإن المؤمنين ليرونه في الدنيا قبل يوم القيامة، ألست تراه في وقتك هذا؟ قال أبو بصير: فقلت له: جعلت فداك فأحدث بهذا عنك؟ فقال لا، فإنك إذا حدثت به فأنكر منكر جاهل بمعنى ما تقوله ثم قدر أن ذلك تشبيه كفر(1) وليست الرؤية بالقلب كالرؤية بالعين، تعالى الله عما يصفه المشبهون والملحدون.

21 - حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رحمه الله، قال: حدثنا علي ابن إبراهيم، عن أبيه إبراهيم بن هاشم، عن عبد السلام بن صالح الهروي، قال:

قلت لعلي بن موسى الرضا عليهما السلام،: يا ابن رسول الله ما تقول في الحديث الذي يرويه أهل الحديث أن المؤمنين يزورون ربهم من منازلهم في الجنة؟ فقال عليه السلام:

يا أبا الصلت إن الله تبارك وتعالى فضل نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم على جميع خلقه من النبيين والملائكة، وجعل طاعته طاعته ومتابعته متابعته وزيارته في الدنيا والآخرة زيارته فقال عز وجل: (من يطع الرسول فقد أطاع الله)، وقال: (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم) وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (من زارني في حياتي أو بعد موتي فقد زار الله) درجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الجنة أرفع الدرجات، فمن زاره إلى درجته في الجنة من منزله فقد زار الله تبارك وتعالى.

قال: فقلت له: يا ابن رسول الله فما معنى الخبر الذي رووه أن ثواب لا إله إلا الله النظر إلى وجه الله؟ فقال عليه السلام: يا أبا الصلت من وصف الله بوجه كالوجوه فقد كفر ولكن وجه الله أنبياؤه ورسله وحججه صلوات الله عليهم، هم الذين بهم

____________

(1) (كفر) فعل ماض جواب إذا.


الصفحة 118
يتوجه إلى الله وإلى دينه ومعرفته، وقال الله عز وجل: (كل من عليها فان و يبقى وجه ربك)(1) وقال عز وجل: (كل شئ هالك إلا وجهه)(2) فالنظر إلى أنبياء الله ورسله وحججه عليهم السلام في درجاتهم ثواب عظيم للمؤمنين يوم القيامة، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (من أبغض أهل بيتي وعترتي لم يرني ولم أره يوم القيامة) وقال عليه السلام: (إن فيكم من لا يراني بعد أن يفارقني) يا أبا الصلت إن الله تبارك و تعالى لا يوصف بمكان، ولا تدركه الأبصار والأوهام.

فقال: قلت له: يا ابن رسول الله فأخبرني عن الجنة والنار أهما اليوم مخلوقتان؟ فقال: نعم، وأن رسول الله صلى الله عليه وآله قد دخل الجنة ورأى النار لما عرج به إلى السماء، قال: فقلت له: إن قوما يقولون: إنهما اليوم مقدرتان غير مخلوقتين، فقال عليه السلام: ما أولئك منا ولا نحن منهم، من أنكر خلق الجنة والنار فقد كذب النبي صلى الله عليه وآله وكذبنا، ولا من ولايتنا على شئ، ويخلد في نار جهنم، قال الله عز وجل: (هذه جهنم التي يكذب بها، المجرمون يطوفون بينها وبين حميم آن)(3) وقال النبي صلى الله عليه وآله: (لما عرج بي إلى السماء أخذ بيدي جبرئيل فأدخلني الجنة فناولني من رطبها فأكلته فتحول ذلك نطفة في صلبي، فلما أهبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة عليها السلام، ففاطمة حوراء إنسية، وكلما اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي فاطمة عليها السلام.

22 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله قال: حدثنا علي بن الحسين السعدآبادي، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه محمد بن خالد، عن أحمد ابن النضر، عن محمد بن مروان، عن محمد بن السائب، عن أبي الصالح، عن عبد الله بن عباس في قوله عز وجل: (فلما أفق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين)(4) قال: يقول: سبحانك تبت إليك من أن أسألك الرؤية وأنا أول المؤمنين بأنك لا ترى.

____________

(1) الرحمن: 27.

(2) القصص: 88.

(3) الرحمن: 44.

(4) الأعراف: 143.


الصفحة 119
قال محمد بن علي بن الحسين مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه: إن موسى عليه السلام علم أن الله عز وجل لا يجوز عليه الرؤية، وإنما سأل الله عز وجل أن يريه ينظر إليه عن قومه حين ألحوا عليه في ذلك، فسأل موسى ربه ذلك من غير أن يستأذنه، فقال: رب أرني أنظر إليك، قال: لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه في حال تزلزله فسوف تراني، ومعناه أنك لا تراني أبدا لأن الجبل لا يكون ساكنا متحركا في حال أبدا، وهذا مثل قوله عز وجل: (ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط)(1) ومعناه أنهم لا يدخلون الجنة أبدا كما لا يلج الجمل في سم الخياط أبدا، فلما تجلى ربه للجبل أي ظهر للجبل بآية من آياته وتلك الآية نور من الأنوار التي خلقها ألقى منها على ذلك الجبل جعله دكا وخر موسى صعقا من هول تزلزل ذلك الجبل على عظمه وكبره(2) فلما أفاق قال: سبحانك إني تبت إليك أي رجعت إلى معرفتي بك عادلا عما حملني عليه قومي من سؤالك الرؤية، ولم تكن هذه التوبة من ذنب لأن الأنبياء لا يذنبون ذنبا صغيرا ولا كبيرا، ولم يكن الاستيذان قبل السؤال بواجب عليه، لكنه كان أدبا يستعمله ويأخذ به نفسه متى أراد أن يسأله، على أنه قد روي قوم أنه قد استأذن في ذلك فأذن له ليعلم قومه بذلك أن الرؤية لا تجوز على الله عز وجل وقوله: وأنا أول المؤمنين يقول: وأنا أول المؤمنين من القوم الذين كانوا معه وسألوه أن يسأل ربه أن يريه ينظر إليه بأنك لا ترى.

والأخبار التي رويت في هذا المعنى وأخرجها مشايخنا رضي الله عنهم في مصنفاتهم عندي صحيحة، وإنما تركت إيرادها في هذا الباب خشية أن يقرأها جاهل بمعانيها فيكذب بها فيكفر بالله عز وجل وهو لا يعلم.

والأخبار التي ذكرها أحمد بن محمد بن عيسى في نوادره والتي أوردها محمد بن

____________

(1) الأعراف: 40.

(2) في نسخة (و) و (ج) (تدكدكه وتدكدك ذلك الجبل) مكان (تزلزله وتزلزل ذلك الجبل) في الموضعين.


الصفحة 120
أحمد بن يحيى في جامعه في معنى الرؤية صحيحة لا يردها إلا مكذب بالحق أو جاهل به وألفاظها ألفاظ القرآن، ولكل خبر منها معنى ينفي التشبيه والتعطيل ويثبت التوحيد، وقد أمرنا الأئمة صلوات الله عليهم أن لا نكلم الناس إلا على قدر عقولهم.

ومعنى الرؤية الواردة في الأخبار العلم، وذلك أن الدنيا دار شكوك و ارتياب وخطرات، فإذا كان يوم القيامة كشف للعباد من آيات الله وأموره في ثوابه وعقابه ما يزول به الشكوك ويعلم حقيقة قدرة الله عز وجل، وتصديق ذلك في كتاب الله عز وجل (لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد)(1) فمعنى ما روي في الحديث أنه عز وجل يرى أي يعلم علما يقينا، كقوله عز وجل: (ألم تر إلى ربك كيف مد الظل)(2) وقوله: (ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه)(3) وقوله: (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت)(4) وقوله: (ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل)(5) وأشباه ذلك من رؤية القلب وليست من رؤية العين، وأما قول الله عز وجل: (فلما تجلى ربه للجبل) فمعناه لما ظهر عز وجل للجبل بآية من آيات الآخرة التي يكون بها الجبال سرابا والتي ينسف بها الجبال نسفا تدكدك الجبل فصار ترابا لأنه لم يطق حمل تلك الآية، وقد قيل: إنه بدا له من نور العرش.

23 - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا سعد بن عبد الله عن القاسم بن محمد الإصفهاني، عن سليمان بن داود المنقري، عن حفص بن غياث النخعي القاضي، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام، عن قول الله عز وجل: (فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا) قال: ساخ الجبل في البحر فهو يهوي حتى الساعة(6).

____________

(1) ق: 22.

(2) الفرقان: 45.

(3) البقرة: 258.

(4) البقرة: 243.

(5) الفيل: 1.

(6) لا بعد في ذلك فإن الأرض كروية يهوى فيها دورا، ولو كان هوية بالاستقامة لكان في غاية البطء، ولا ظاهر من العبارة أنه يهوى في البحر خاصة دون أعماق الأرض بعد الوصول إلى قعر البحر، وحكمه الهوى خافية علينا، وحفص بن غياث عامي المذهب، كان قاضيا من قبل هارون، وهذا الحديث معترض بين ما ذكره وبين تصديق ما ذكره.


الصفحة 121
24 - وتصديق ما ذكرته ما حدثنا به تميم بن عبد الله بن تميم القرشي رضي الله عنه، قال: حدثني أبي، عن حمدان بن سليمان النيسابوري، عن علي بن محمد بن الجهم، قال: حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا علي بن موسى عليهما السلام، فقال له المأمون: يا ابن رسول الله أليس من قولك أن الأنبياء معصومون؟ قال: بلى، فسأله عن آيات من القرآن، فكان فيما سأله إن قال له: فما معنى قول الله عز وجل: (ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني - الآية) كيف يجوز أن يكون كليم الله موسى بن عمران عليه السلام لا يعلم أن الله تعالى ذكره لا يجوز عليه الرؤية حتى يسأله هذا السؤال؟ فقال الرضا عليه السلام: إن كليم الله موسى بن عمران عليه السلام علم أن الله، تعالى عن أن يرى بالأبصار، و لكنه لما كلمه الله عز وجل وقربه نجيا رجع إلى قومه فأخبرهم أن الله عز وجل كلمه وقربه وناجاه، فقالوا: لن نؤمن لك حتى نسمع كلامه كما سمعت، و كان القوم سبعمائة ألف رجل، فاختار منهم سبعين ألفا، ثم اختار منهم سبعة آلاف ثم اختار منهم سبعمائة، ثم اختار منهم سبعين رجلا لميقات ربه، فخرج بهم إلى طور سيناء، فأقامهم في سفح الجبل، وصعد موسى عليه السلام إلى الطور وسأل الله تبارك و تعالى أن يكلمه ويسمعهم كلامه، فكلمه الله تعالى ذكره وسمعوا كلامه من فوق وأسفل ويمين وشمال ووراء وأمام، لأن الله عز وجل أحدثه في الشجرة، ثم جعله منبعثا منها حتى سمعوه من جميع الوجوه، فقالوا: لن نؤمن لك بأن هذا الذي سمعناه كلام الله حتى نرى الله جهرة، فلما قالوا هذا القول العظيم واستكبروا وعتوا، بعث الله عز وجل عليهم صاعقة فأخذتهم بظلمهم فماتوا، فقال موسى: يا رب ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم وقالوا: إنك ذهبت بهم فقتلتهم لأنك لم تكن

الصفحة 122
صادقا فيما ادعيت من مناجاة الله إياك، فأحياهم الله وبعثهم معه، فقالوا: إنك لو سألت الله إن يريك أن تنظر إليه لأجابك وكنت تخبرنا كيف هو فنعرفه حق معرفته، فقال موسى عليه السلام: يا قوم إن الله لا يرى بالأبصار ولا كيفية له، وإنما يعرف بآياته ويعلم بأعلامه، فقالوا: لن نؤمن لك حتى تسأله، فقال موسى عليه السلام يا رب إنك قد سمعت مقالة بني إسرائيل وأنت أعلم بصلاحهم، فأوحى الله جل جلاله إليه: يا موسى اسألني ما سألوك فلن أؤاخذك بجهلهم، فعند ذلك قال موسى عليه السلام: (رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه (وهو يهوي) فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل (بآية من آياته) جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك (يقول: رجعت إلى معرفتي بك عن جهل قومي) وأنا أول المؤمنين) منهم بأنك لا ترى، فقال المأمون:

لله درك يا أبا الحسن. والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة، وقد أخرجته بتمامه في كتاب عيون أخبار الرضا عليه السلام.

ولو أوردت الأخبار التي رويت في معنى الرؤية لطال الكتاب بذكرها و شرحها وإثبات صحتها، ومن وفقه الله تعالى ذكره للرشاد آمن بجميع ما يرد عن الأئمة عليهم السلام بالأسانيد الصحيحة، وسلم لهم، ورد الأمر فيما اشتبه عليه إليهم إذ كان قولهم قول الله وأمرهم أمره، وهم أقرب الخلق إلى الله عز وجل وأعلمهم به صلوات الله عليهم أجمعين.

9 - باب القدرة


1 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن محمد بن أبي إسحاق الخفاف، قال: حدثني عدة من أصحابنا أن عبد الله الديصاني أتى هشام بن الحكم فقال له: ألك رب؟ فقال: بلى، قال:

قادر؟ قال: نعم قادر، قاهر، قال: يقدر أن يدخل الدنيا كلها في البيضة لا يكبر البيضة ولا يصغر الدنيا؟ فقال هشام: النظرة، فقال له: قد أنظرتك حولا، ثم

الصفحة 123
خرج عنه، فركب هشام إلى أبي عبد الله عليه السلام فاستأذن عليه فأذن له فقال: يا ابن رسول الله أتاني عبد الله الديصاني بمسألة ليس المعول فيها إلا على الله وعليك، فقال له أبو عبد الله عليه السلام: عماذا سألك؟ فقال: قال لي كيت وكيت، فقال أبو عبد الله عليه السلام: يا هشام كم حواسك؟ قال: خمس، فقال: أيها أصغر؟ فقال الناظر، فقال: وكم قدر الناظر؟ قال: مثل العدسة أو أقل منها، فقال: يا هشام فانظر أمامك وفوقك وأخبرني بما ترى، فقال: أرى سماء وأرضا ودورا وقصورا وترابا وجبالا وأنهارا، فقال له أبو عبد الله عليه السلام: إن الذي قدر أن يدخل الذي تراه العدسة أو أقل منها قادر أن يدخل الدنيا كلها البيضة لا يصغر الدنيا ولا يكبر البيضة(1) فانكب هشام عليه وقبل يديه ورأسه ورجليه، وقال: حسبي يا ابن رسول الله فانصرف إلى منزله، وغدا إليه الديصاني(2) فقال: يا هشام إني جئتك مسلما ولم أجئك متقاضيا للجواب، فقال له هشام: إن كنت جئت متقاضيا فهاك الجواب، فخرج عنه الديصاني، فأخبر أن هشاما دخل على أبي عبد الله عليه السلام فعلمه الجواب فمضى عبد الله الديصاني حتى أتى باب أبي عبد الله عليه السلام فاستأذن عليه فأذن له، فلما قعد قال له: يا جعفر بن محمد دلني على معبودي، فقال له أبو عبد الله عليه السلام:

ما اسمك؟ فخرج عنه ولم يخبره باسمه، فقال له أصحابه: كيف لم تخبره باسمك؟!

قال: لو كنت قلت له: (عبد الله) كان يقول: من هذا الذي أنت له عبد؟ فقالوا له:

____________

(1) على نحو ما أدخل في حدقة العين، ولم يرجع السائل بالاعتراض وقنع بالجواب وقنع هشام أيضا لأنه يدل على ما أنكره السائل من قدرة الله، ونظير ذلك الجواب الذي في الحديث الخامس والعاشر، والجواب الحكمي هو ما في الحديث التاسع من أن ذلك محال لا يتعلق به القدرة، ولا يلزم من ذلك قصور فيها بل هو قاصر غير قابل لها كسائر الممتنعات.

(2) في البحار باب القدرة والإرادة وفي نسخة (د) و (و) وحاشية نسخة (ب) (و غدا عليه الديصاني)، وعلى ما قال بعض الأساتيذ ديصان اسم رجل صاحب مذهب قريب من مذهب ماني وكانا يقولان بأصلين النور والظلمة، وبينهما فرق في بعض الفروع.


الصفحة 124
عد إليه فقل له يدلك على معبودك ولا يسألك عن اسمك، فرجع إليه فقال له: يا جعفر دلني على معبودي ولا تسألني عن اسمي، فقال له أبو عبد الله عليه السلام: اجلس، وإذا غلام له صغير في كفه بيضة يلعب بها، فقال أبو عبد الله عليه السلام: ناولني يا غلام البيضة فناوله إياها فقال أبو عبد الله عليه السلام: يا ديصاني هذا حصن مكنون(1) له جلد غليظ وتحت الجلد الغليظ جلد رقيق، وتحت الجلد الرقيق ذهبة مايعة وفضة ذائبة، فلا الذهبة المايعة تختلط بالفضة الذائبة ولا الفضة الذائبة تختلط بالذهبة المايعة، هي على حالها لم يخرج منها مصلح فيخبر عن إصلاحها ولا دخل فيها مفسد فيخبر عن فسادها، لا يدري للذكر خلقت أم للأنثى، تنفلق عن مثل ألوان الطواويس، أترى لها مدبرا؟(2) قال: فأطرق مليا؟ ثم قال: أشهد أن لا إله ألا الله وحده لا شريك له، وأن محمد عبده ورسوله، وأنك إمام وحجة من الله على خلقه، وأنا تائب مما كنت فيه.

2 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن خالد، عن بعض أصحابنا، قال: مر أبو الحسن الرضا عليه السلام بقبر من قبور أهل بيته فوضع يده عليه، ثم قال:

إلهي بدت قدرتك ولم تبد هيئة فجهلوك(3) وقدروك والتقدير على غير ما به

____________

(1) في نسخة (ب) (هذا حص مكنون) والحص بالحاء المهملة المضمومة والصاد المشددة بمعنى اللؤلؤة، وهو أنسب بالاستعارات المذكورة.

(2) حاصل الكلام أنه لا يكون تحت تدبير أحد منا ولا لنا علم بحاله وما له ويمتنع أن لا يكون له مدبر حكيم عالم ببدئه وخاتمه فله مدبر غيرنا وهو الله تعالى.

(3) (هيئة) منصوب على التميز وفاعل (لم تبد) ضمير يرجع إلى القدرة، وفي البحار عن الأمالي باب نفي الجسم والصورة وفي نسخة (ن) (ولم تبد هيئته) مضافا إلى ضمير يرجع إلى القدرة ولا بأس بعدم تطابق الضمير والمرجع، والهيئة بمعنى الكيفية، ومعنى الكلام إلهي بدت قدرتك في الأشياء وما بدت كيفيتها، ويحتمل أن يكون لم تبد مخاطبا والهيئة حينئذ بمعنى الصورة، والمعنى أنك لم تظهر بالصورة لأنها عليك ممتنعة فجهلوك، وهذا أنسب بالتفريع ولكنه لا يلائم نسخة الأمالي لكون الضمير المجرور غائبا، وفي نسخة (ب) و (د) و حاشية نسخة (ط) (ولم تبد واهية) أي قدرتك وهذا أقرب.


الصفحة 125
وصفوك(1) وإني برئ يا إلهي من الذين بالتشبيه طلبوك، ليس كمثلك شئ، إلهي ولن يدركوك، وظاهر ما بهم منعمتك دليلهم عليك لو عرفوك، وفي خلقك يا إلهي مندوحة أن يتناولوك(2) بل سووك بخلقك، فمن ثم لم يعرفوك، واتخدوا بعض آياتك ربا فبذلك وصفوك، تعاليت ربي عما به المشبهون نعتوك.

3 - حدثنا أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن أحمد بن أبي نصر، قال: جاء قوم من وراء النهر إلى أبي الحسن عليه السلام، فقالوا له: جئناك نسألك عن ثلاث مسائل، فإن أجبتنا فيها علمنا أنك عالم، فقال: سلوا، فقالوا: أخبرنا عن الله أين كان، وكيف كان، وعلى أي شئ كان اعتماده؟ فقال: إن الله عز وجل كيف الكيف فهو بلا كيف، وأين الأين فهو بلا أين، وكان اعتماده على قدرته، فقالوا: نشهد أنك عالم.

قال مصنف هذا الكتاب: يعني بقوله: (وكان اعتماده على قدرته) أي على ذاته لأن القدرة من صفات ذات الله عز وجل(3).

4 - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله عن عمه محمد بن أبي القاسم، عن

____________

(1) أي وتقديرهم إياك بأقدار الخلق من التجسم والتمكن والتزمن والرؤية وغيرها يكون على غير ما وصفوك به من صفة الربوبية أي ينافي ذلك ويناقضه.

(2) المندوحة: السعة أي وفي خلقك سعة لهم إن أرادوا معرفتك بأن يتفكروا فيه فيعرفوك بأفعالك وآياتك من أن يتناولوا ذاتك ويتفكروا في حقيقتك وكنهك، بل بسبب تفكرهم في ذاتك سووك بخلقك - الخ.

(3) كأن المصنف رحمه الله فهم أن اعتماده في ذاته على أي شئ؟ وظاهر الكلام اعتماده في فعله.


الصفحة 126
أحمد بن محمد بن خالد، عن محمد بن علي الكوفي، عن عبد الرحمن بن محمد بن أبي هاشم عن أحمد بن محسن الميثمي، قال: كنت عند أبي منصور المتطبب، فقال: أخبرني رجل من أصحابي قال: كنت أنا وابن أبي العوجاء وعبد الله بن المقفع في المسجد الحرام، فقال ابن المقفع: ترون هذا الخلق؟ وأومأ بيده إلى موضع الطواف - ما منهم أحد أوجب له اسم الإنسانية إلا ذلك الشيخ الجالس - يعني جعفر بن محمد عليهما السلام - فأما الباقون فرعاع وبهائم، فقال له ابن أبي العوجاء: وكيف أوجبت هذا الاسم لهذا الشيخ دون هؤلاء؟ قال: لأني رأيت عنده ما لم أر عندهم، فقال ابن أبي - العوجاء: ما بد من اختبار ما قلت فيه منه، فقال له ابن المقفع: لا تفعل، فإني أخاف أن يفسد عليك ما في يدك، فقال: ليس ذا رأيك، ولكنك تخاف أن يضعف رأيك عندي في إحلالك إياه المحل الذي وصفت، فقال ابن المقفع: أما إذا توهمت على هذا فقم إليه، وتحفظ ما استطعت من الزلل، ولا تثن عنانك إلى استرسال يسلمك إلى عقال، وسمه ما لك أو عليك(1) قال: فقام ابن أبي العوجاء، و بقيت أنا وابن المقفع، فرجع إلينا، فقال: يا ابن المقفع ما هذا ببشر، وإن كان في الدنيا روحاني يتجسد إذا شاء ظاهرا ويتروح إذا شاء باطنا فهو هذا، فقال له:

وكيف ذاك؟ فقال: جلست إليه، فلما لم يبق عنده غيري ابتدأني فقال: إن يكن الأمر على ما يقول هؤلاء وهو على ما يقولون يعني أهل الطواف فقد سلموا وعطبتم

____________

(1) (لا تثن) فعل نهي من الثنى بمعنى العطف، والاسترسال بمعنى التنازل والانقياد للخصم، ويسلمك مجزوما من باب التفعيل جواب النهي، أي لا تعطف ولا ترخ عنانك إلى قبول ما يلقى إليك فإنك إن فعلت ذلك يعقلك في مقام الجدال بما قبلت منه. وسمه عطف على لا تثن، وهو فعل أمر من وسم يسم سمة بمعنى جعل العلامة، والضمير راجع إلى الكلام وهو غير مذكور لفظا، وقوله: (ما لك أو عليك) بدل عن الضمير، أي أعلم كلامك علامة وميز ما فيه نفعك أو ضررك في مقام المجادلة والمحاجة حق التمييز حتى تتكلم ما فيه نفعك وتسكت عما فيه ضررك.


الصفحة 127
وإن يكن الأمر على ما تقولون وليس كما تقولون فقد استويتم أنتم وهو، فقلت له: يرحمك الله وأي شئ نقول وأي شئ يقولون؟ ما قولي وقولهم إلا واحدا، قال: فكيف يكون قولك وقولهم واحدا وهم يقولون: إن لهم معادا وثوابا و عقابا ويدينون بأن للسماء إلها وأنها عمران وأنتم تزعمون أن السماء خراب ليس فيها أحد.

قال: فاغتنمتها منه فقلت له: ما منعه إن كان الأمر كما تقول أن يظهر لخلقه و يدعوهم إلى عبادته حتى لا يختلف منهم اثنان ولم احتجب عنهم وأرسل إليهم الرسل؟!

ولو باشرهم بنفسه كان أقرب إلى الإيمان به، فقال لي: ويلك وكيف احتجب عنك من أراك قدرته في نفسك نشوءك ولم تكن(1) وكبرك بعد صغرك، وقوتك بعد ضغفك وضعفك بعد قوتك، وسقمك بعد صحتك، وصحتك بعد سقمك، ورضاك بعد غضبك وغضبك بعد رضاك، وحزنك بعد فرحك، وفرحك بعد حزنك، وحبك بعد بغضك وبغضك بعد حبك، وعزمك بعد إبائك، وإبائك بعد عزمك وشهوتك بعد كراهتك وكراهتك بعد شهوتك، ورغبتك بعد رهبتك، ورهبتك بعد رغبتك، ورجاءك بعد يأسك، ويأسك بعد رجائك، وخاطرك بما لم يكن في وهمك، وعزوب ما أنت معتقده عن ذهنك، وما زال يعد علي قدرته التي هي في نفسي التي لا أدفعها حتى ظننت أنه سيظهر فيما بيني وبينه.

5 - حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رحمه الله، قال: حدثني سعد بن عبد الله، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن محمد بن أبي عمير، عمن ذكره، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن إبليس قال: لعيسى بن مريم عليه السلام: أيقدر ربك على أن يدخل الأرض بيضة لا يصغر الأرض ولا يكبر البيضة؟ فقال عيسى عليه السلام ويلك على أن الله لا يوصف بعجز، ومن أقدر ممن يلطف الأرض ويعظم البيضة.

6 - حدثنا أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا يعقوب ابن يزيد، عن حماد بن عيسى، عن ربعي بن عبد الله، عن الفضيل بن يسار قال:

____________

(1) نشوءك والمعطوفات عليه إلى آخر الكلام بدل اشتمال من قدرته.


الصفحة 128
سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن الله عز وجل لا يوصف. قال: وقال زرارة: قال أبو جعفر عليه السلام: إن الله عز وجل لا يوصف(1) وكيف يوصف وقد قال في كتابه:

(وما قدروا الله حق قدره)(2) فلا يوصف بقدرة إلا كان أعظم من ذلك.

7 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن جعفر بن بشير، عن الحسين ابن أبي حمزة، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: قال أبي عليه السلام: إن محمد بن علي ابن الحنفية كان رجلا رابط الجاش - وأشار بيده - وكان يطوف بالبيت فاستقبله الحجاج، فقال: قد هممت أن أضرب الذي فيه عيناك، قال له محمد: كلا، إن الله تبارك اسمه في خلقه كل يوم ثلاثمائة لحظة أو لمحة، فلعل إحداهن تكفك عني(3).

8 - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله، عن محمد بن أبي القاسم، عن محمد ابن علي الصيرفي، عن علي بن حماد، عن المفضل بن عمر الجعفي، عن أبي - عبد الله عليه السلام، قال: إن الله تبارك وتعالى لا تقدر قدرته، ولا يقدر العباد على صفته ولا يبلغون كنه علمه ولا مبلغ عظمته، وليس شئ غيره، هو نور ليس فيه ظلمة وصدق ليس فيه كذب، وعدل ليس فيه جور، وحق ليس فيه باطل، كذلك لم

____________

(1) في البحار باب القدرة والإرادة: (لا يوصف بعجز) والظاهر أنه الصحيح.

(2) الأنعام: 91، والحج: 74، والزمر: 67.

(3) ابن الحنفية بالنصب وصف لمحمد لا لعلي عليه السلام، والجأش بمعنى القلب أي مطمئن القلب ساكنة عند الواردات لشجاعته فكأنه ربط قلبه بركن شديد، وقوله: (أشار بيده) جملة معترضة، وضمير أشار يرجع إلى أبي أي وقال أبو عبد الله عليه السلام وأشار أبي بيده إلى موضع الطواف حين نقل هذه الحكاية لأنها وقعت هناك، هذا إذا حكى عليه السلام هذه الواقعة في المسجد الحرام، أو أشار بيده إلى قلبه فإن الإنسان إذا أراد يصف عضوا من غيره يشير إلى ذلك العضو من نفسه.


الصفحة 129
يزل ولا يزال أبد الآبدين، وكذلك كان إذ لم يكن أرض ولا سماء ولا ليل ولا نهار ولا شمس ولا قمر ولا نجوم ولا سحاب ولا مطر ولا رياح، ثم إن الله تبارك وتعالى أحب أن يخلق خلقا يعظمون عظمته ويكبرون كبرياءه ويجلون جلاله.

فقال: كونا ظلين، فكانا كما قال الله تبارك وتعالى(1).

قال مصنف هذا الكتاب: معنى قوله: هو نور، أي هو منير وهاد(2) ومعنى قوله: كونا ظلين، الروح المقدس والملك المقرب، والمراد به أن الله كان ولا شئ معه، فأراد أن يخلق أنبيائه وحججه وشهداءه، فخلق قبلهم الروح المقدس وهو الذي يؤيد الله عز وجل به أنبياءه وحججه وشهداءه صلوات الله عليهم، وهو الذي يحرسهم به من كيد الشيطان ووسواسه ويسددهم ويوفقهم ويمدهم بالخواطر الصادقة ثم خلق الروح الأمين الذي نزل على أنبيائه بالوحي منه عز وجل، وقال لهما:

كونا ظلين ظليلين لأنبيائي ورسلي وحججي وشهدائي، فكانا كما قال الله عز وجل ظلين ظليلين لأنبيائه ورسلي وحججه وشهدائه، يعينهم بهما وينصرهم على أيديهم و يحرسهم بهما، وعلى هذا المعنى قيل للسلطان العادل: إنه ظل الله في أرضه لعباده، يأوي إليه المظلوم، ويأمن به الخائف الوجل، ويأمن به السبل، وينتصف به الضعيف من القوي، وهذا هو سلطان الله وحجته التي لا تخلو الأرض منه إلى أن تقوم الساعة.

____________

(1) قد مر تفسير الظل في ذيل الحديث الخامس عشر من الباب الثاني والمراد بهما ههنا بشهادة أخبار أخر حقيقة محمد وعلي صلوات الله عليهما وعلى آلهما لأن خلقها قبل خلق الكل، وتفسير المصنف - قدس سره - لا شاهد له، بل الشاهد على خلافه، على أن الأمر في (كونا ظلين) تكويني لا تشريعي كما زعمه.

(2) تفسير النور بالهادي قد ورد في أخبارنا في تفسير آية النور، لكنه لا يناسب ههنا لأنه لا يقبل الذوق العلمي أن يقال: هو هاد ليس فيه ظلمة، بل المراد نور الحقيقة الوجودية الذي ليس فيه شائبة العدم والامكان الذي به تنور وتحقق كل موجود، والشاهد عليه أخبار مضت وأخبار تأتي في هذا الكتاب لا سيما في الباب الحادي عشر.


الصفحة 130
9 - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله، عن عمه محمد بن أبي القاسم، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن أبي أيوب المدني(1) عن محمد بن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قيل لأمير المؤمنين عليه السلام: هل يقدر ربك أن يدخل الدنيا في بيضة من غير أن يصغر الدنيا أو يكبر البيضة؟ قال: إن الله تبارك وتعالى لا ينسب إلى العجز، والذي سألتني لا يكون.

10 - حدثنا جعفر بن محمد بن مسرور رحمه الله قال: حدثنا الحسين بن محمد بن عامر، عن عمه عبد الله بن عامر، عن ابن أبي عمير، عن أبان بن عثمان، عن أبي - عبد الله عليه السلام قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: أيقدر أن يدخل الأرض في بيضة ولا يصغر الأرض ولا يكبر البيضة؟ فقال: ويلك، إن الله لا يوصف بالعجز ومن أقدر ممن يلطف الأرض ويعظم البيضة.

11 - حدثنا علي بن أحمد بن عبد الله البرقي رحمه الله، قال: حدثنا أبي، عن جده أحمد بن أبي عبد الله، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، قال: جاء رجل إلى الرضا عليه السلام فقال: هل يقدر ربك أن يجعل السماوات والأرض وما بينهما في بيضة؟ قال:

نعم، وفي أصغر من البيضة، قد جعلها في عينك وهي أقل من البيضة، لأنك إذا فتحتها عاينت السماء والأرض وما بينهما، ولو شاء لأعماك عنها.

12 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا أبو القاسم العلوي، عن محمد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدثنا الحسين بن الحسن قال: حدثنا محمد بن عيسى، عن محمد بن عرفة، قال: قلت للرضا عليه السلام خلق الله الأشياء بالقدرة أم بغير القدرة؟ فقال: لا يجوز أن يكون خلق الأشياء بالقدرة لأنك إذا قلت: خلق الأشياء بالقدرة فكأنك قد جعلت القدرة شيئا غيره، وجعلتها آلة له بها خلق الأشياء، وهذا شرك، وإذا قلت: خلق الأشياء بقدرة فإنما تصفه أنه جعلها باقتدار عليها وقدرة، ولكن ليس هو بضعيف ولا عاجز ولا محتاج

____________

(1) النسخ ههنا مختلفة والصحيح ما أثبتناه.