الصفحة 236
لا شريك له. وأما الياء فيد الله باسطة على خلقه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: هذا هو القول الذي رضي الله عز وجل لنفسه من جميع خلقه، فأسلم اليهودي.

33 - باب تفسير حروف الجمل


1 - حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه، قال: حدثنا أحمد بن محمد الهمداني مولى بني هاشم، قال: حدثنا جعفر بن عبد الله بن جعفر بن عبد الله بن جعفر بن محمد بن علي بن أبي طالب عليه السلام، قال: حدثنا كثير بن عياش القطان، عن أبي الجارود زياد بن المنذر، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهم السلام، قال: لما ولد عيسى بن مريم عليه السلام كان ابن يوم كأنه ابن شهرين، فلما كان ابن سبعة أشهر أخذت والدته بيده وجاءت به إلى الكتاب(1) وأقعدته بين يدي المؤدب فقال له المؤدب:

قل بسم الله الرحمن الرحيم، فقال عيسى عليه السلام: بسم الله الرحمن الرحيم، فقال له المؤدب: قل: أبجد، فرفع عيسى عليه السلام رأسه فقال: هل تدري ما أبجد؟ فعلاه بالدرة ليضربه، فقال: يا مؤدب لا تضربني، إن كنت تدري وإلا فاسألني حتى أفسر لك، قال: فسره لي، فقال عيسى عليه السلام: الألف آلاء الله، والباء بهجة الله، والجيم جمال الله، والدال دين الله. (هوز) الهاء هول جهنم، والواو ويل لأهل النار، والزاي زفير جنهم. (حطي) حطت الخطايا عن المستغفرين. (كلمن) كلام الله لا مبدل لكلماته. (سعفص) صاع بصاع والجزاء بالجزاء. (قرشت) قرشهم فحشرهم، فقال المؤدب: أيتها المرأة خذي بيد ابنك فقد علم ولا حاجة له في المؤدب.

2 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، قال: حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، وأحمد بن الحسن بن

____________

(1) ليس المراد أنه نشأ في كل يوم كنشئ غيره في شهرين في كل شئ حتى يكون في سبعة أشهر على صورة رجل ذي خمس وثلاثين سنة، بل المعنى أنه كان ابن يوم كأنه ابن شهرين في نموه ورشد بدنه إلى مدة حتى كان في الشهر السابع كالطفل المميز القابل لأن يجاء به إلى الكتاب، والكتاب بضم الكاف وتشديد التاء مفرد المكتب جمعه الكتاتيب.


الصفحة 237
علي بن فضال، عن علي بن أسباط، عن الحسن بن زيد(1) قال: حدثني محمد بن سالم، عن الأصبغ بن نباتة، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: سأل عثمان بن عفاف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن تفسير أبجد، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: تعلموا تفسير أبجد فإن فيه الأعاجيب كلها، ويل لعالم جهل تفسيره، فقيل: يا رسول الله: ما تفسير أبجد؟

فقال صلى الله عليه وآله وسلم: أما الألف فآلاء الله حرف من حروف أسمائه(2). وأما الباء فبهجة الله، وأما الجيم فجنة الله وجلال الله وجماله، وأما الدال فدين الله، وأما (هوز) فالهاء هاء الهاوية فويل لمن هوى في النار، وأما الواو فويل لأهل النار، وأما الزاي فزاوية في النار فنعوذ بالله مما في الزاوية يعني زوايا جهنم، وأما (حطي) فالحاء حطوط الخطايا عن المستغفرين في ليلة القدر وما نزل به جبرئيل مع الملائكة إلى مطلع الفجر، وأما الطاء فطوبى لهم وحسن مآب وهي شجرة غرسها الله عز وجل ونفخ فيها من روحه وإن أغصانها لترى من وراء سور الجنة تنبت بالحلي والحلل متدلية على أفواهم، وأما الياء فيد الله فوق خلقه سبحانه وتعالى عما يشركون، وأما (كلمن) فالكاف كلام الله لا مبدل لكلمات الله ولن تجد من دونه ملتحدا، وأما اللام فإلمام أهل الجنة بينهم في الزيارة والتحية والسلام، وتلاوم أهل النار فيما بينهم، وأما الميم فملك الله الذي لا يزول ودوام الله الذي لا يفنى، وأما النون فنون والقلم وما يسطرون، فالقلم قلم من نور وكتاب من نور في لوح محفوظ يشهده المقربون وكفى بالله شهيدا، وأما (سعفص) فالصاد صاع بصاع وفص بفص يعني الجزاء بالجزاء، وكما تدين تدان، إن الله لا يريد ظلما للعباد، وأما (قرشت) يعني قرشهم الله فحشرهم ونشرهم إلى يوم القيامة فقضى بينهم بالحق وهم لا يظلمون.(3)

____________

(1) في نسخة (ط) و (ج) (عن الحسين بن يزيد).

(2) في البحار في أواخر الجزء الثاني من الطبعة الحديثة وفي نسخة (و) و (ج) و (د) حرف من أسمائه.

(3) عدم ذكر ثخذ وضظغ لما ذكره ابن النديم في أول الفهرست فراجع، وللمجلسي رحمه الله حل إشكال عن الأبجد في البحار في الباب الثالث عشر من الجزء العاشر من الطبعة الحديثة.


الصفحة 238

34 - باب تفسير حروف الأذان والإقامة


1 - حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الرحمن المروزي الحاكم المقرئ، قال:

حدثنا أبو عمرو محمد بن المقرئ الجرجاني، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن الحسن الموصلي ببغداد، قال: حدثنا محمد بن عاصم الطريفي، قال: حدثنا أبو زيد عياش ابن يزيد بن الحسن بن علي الكحال مولى زيد بن علي، قال: أخبرني أبي يزيد بن الحسن، قال: حدثني موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، قال: كنا جلوسا في المسجد إذا صعد المؤذن المنارة فقال: الله أكبر الله أكبر، فبكى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وبكينا ببكائه، فلما فرغ المؤذن قال: أتدرون ما يقول المؤذن؟! قلنا: الله ورسوله ووصيه أعلم، فقال: لو تعلمون ما يقول لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، فلقوله: (الله أكبر) معان كثيرة: منها أن قول المؤذن: (الله أكبر) يقع على قدمه وأزليته وأبديته وعلمه وقوته وقدرته وحلمه وكرمه وجوده وعطائه وكبريائه، فإذا قال المؤذن (الله أكبر) فإنه يقول: الله الذي له الخلق والأمر، و بمشيته كان الخلق، ومنه كان كل شئ للخلق، وإليه يرجع الخلق، وهو الأول قبل كل شئ لم يزل، والآخر بعد كل شئ لا يزال، والظاهر فوق كل شئ لا يدرك، والباطن دون كل شئ لا يحد، فهو الباقي وكل شئ دونه فان، والمعنى الثاني (الله أكبر) أي العليم الخبير علم ما كان وما يكون قبل أن يكون، والثالث (الله أكبر) أي القادر على كل شئ، يقدر على ما يشاء، القوي لقدرته، المقتدر على خلقه، القوي لذاته، قدرته قائمة على الأشياء كلها، إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون، والرابع (الله أكبر) على معنى حلمه وكرمه يحلم كأنه لا يعلم ويصفح كأنه لا يرى ويستر كأنه لا يعصى، لا يعجل بالعقوبة كرما وصفحا وحلما، والوجه الآخر في معنى (الله أكبر) أي الجواد جزيل العطاء كريم الفعال، والوجه الآخر (الله أكبر) فيه نفي كيفيته كأنه يقول: الله أجل من أن يدرك الواصفون قدر صفته التي هو موصوف بها وإنما يصفه الواصفون على قدرهم لا على قدر عظمته وجلاله، تعالى الله عن

الصفحة 239
أن يدرك الواصفون صفته علوا كبيرا، والوجه الآخر (الله أكبر) كأنه يقول: الله أعلى وأجل وهو الغني عن عباده لا حاجة به إلى أعمال خلقه، وأما قوله: (أشهد أن لا إله إلا الله) فإعلام بأن الشهادة لا تجوز إلا بمعرفة من القلب، كأنه يقول: اعلم أنه لا معبود إلا الله عز وجل وأن كل معبود باطل سوى الله عز وجل وأقر بلساني بما في قلبي من العلم بأنه لا إله إلا الله، وأشهد أنه لا ملجأ من الله إلا إليه ولا منجى من شر كل ذي شر وفتنة كل ذي فتنة إلا بالله، وفي المرة الثانية (أشهد أن لا إله إلا الله) معناه أشهد أن لا هادي إلا الله، ولا دليل لي إلا الله، وأشهد الله بأني أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد سكان السماوات وسكان الأرضين وما فيهن من الملائكة والناس أجمعين، وما فيهن من الجبال والأشجار والدواب والوحوش وكل رطب ويابس بأني أشهد أن لا خالق إلا الله، ولا رازق ولا معبود ولا ضار ولا نافع ولا قابض ولا باسط ولا معطي ولا مانع ولا دافع ولا ناصح ولا كافي ولا شافي ولا مقدم ولا مؤخر إلا الله، له الخلق والأمر وبيده الخير كله، تبارك الله رب العالمين، وأما قوله:

(أشهد أن محمد رسول الله) يقول: أشهد الله أني أشهد أن لا إله إلا هو، وأن محمد عبده ورسوله ونبيه وصفيه ونجيه أرسله إلى كافة الناس أجمعين بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، وأشهد من في السماوات والأرض من النبيين والمرسلين والملائكة والناس أجمعين أني أشهد أن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم سيد الأولين والآخرين، وفي المرة الثانية (أشهد أن محمدا رسول الله) يقول: أشهد أن لا حاجة لأحد إلى أحد إلا إلى الله الواحد القهار مفتقرة إليه سبحانه(1) وأنه الغني عن عباده والخلائق أجمعين، وأنه أرسل محمدا إلى الناس بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، فمن أنكره وجحده ولم يؤمن به أدخله الله عز وجل نار جهنم خالدا مخلدا لا ينفك عنها أبدا، وأما قوله: (حي على الصلاة) أي هلموا إلى خير أعمالكم ودعوة ربكم، وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وإطفاء ناركم التي

____________

(1) قوله: مفتقرة بالنصب حال من حاجة باعتبار ذيها، أو بالرفع خبر لمبتدأ محذوف أي كل نفس، وليس في النسخ المخطوطة عندي (مفتقرة إليه سبحانه وأنه).


الصفحة 240
أوقدتموها على ظهوركم، وفكاك رقابكم التي رهنتموها بذنوبكم ليكفر الله عنكم سيئاتكم، ويغفر لكم ذنوبكم، ويبدل سيئاتكم حسنات، فإنه ملك كريم ذو الفضل العظيم، وقد أذن لنا معاشر المسلمين بالدخول في خدمته والتقدم إلى بين يديه، وفي المرة الثانية (حي على الصلاة) أي قوموا إلى مناجاة ربكم وعرض حاجاتكم على ربكم وتوسلوا إليه بكلامه وتشفعوا به وأكثروا الذكر والقنوت والركوع والسجود والخضوع والخشوع، وارفعوا إليه حوائجكم فقد أذن لنا في ذلك، وأما قوله: (حي على الفلاح) فإنه يقول: أقبلوا إلى بقاء لا فناء معه ونجاة لا هلاك معها، وتعالوا إلى حياة لا موت معها، وإلى نعيم لا نفاذ له، وإلى ملك لا زوال عنه، وإلى سرور لا حزن معه، وإلى أنس لا وحشة معه، وإلى نور لا ظلمة معه(1) وإلى سعة لا ضيق معها، وإلى بهجة لا انقطاع لها، وإلى غنى لا فاقة معه، و إلى صحه لا سقم معها، وإلى عز لا ذل معه، وإلى قوة لا ضعف معها، وإلى كرامة يا لها من كرامة، وعجلوا إلى سرور الدنيا والعقبى ونجاة الآخرة والأولى، وفي المرة الثانية (حي على الفلاح) فإنه يقول: سابقوا إلى ما دعوتكم إليه، وإلى جزيل الكرامة وعظيم المنة وسني النعمة والفوز العظيم ونعيم الأبد في جوار محمد صلى الله عليه وآله وسلم في مقعد صدق عند مليك مقتدر. وأما قول: (الله أكبر) فإنه يقول: الله أعلى وأجل من أن يعلم أحد من خلقه ما عنده من الكرامة لعبد أجابه وأطاعه و أطاع ولاة أمره وعرفه وعبده واشتغل به وبذكره وأحبه وأنس به واطمأن إليه ووثق به وخافه ورجاه واشتقاق إليه ووافقه في حكمه وقضائه ورضي به، وفي المرة الثانية (الله أكبر) فإنه يقول: الله أكبر وأعلى وأجل من أن يعلم أحد مبلغ كرامته لأوليائه وعقوبته لأعدائه، ومبلغ عفوه وغفرانه ونعمته لمن أجابه و أجاب رسوله، ومبلغ عذابه ونكاله وهو أنه لمن أنكره وجحده، وأما قوله: (لا إله إلا الله) معناه: لله الحجة البالغة عليهم بالرسل والرسالة والبيان والدعوة وهو أجل من أن يكون لأحد منهم عليه حجة، فمن أجابه فله النور والكرامة ومن

____________

(1) في نسخة (ط) و (ن) (وإلى نور لا ظلمة له).


الصفحة 241
أنكره فإن الله غني عن العالمين، وهو أسرع الحاسبين، ومعنى (قد قامت الصلاة) في الإقامة أي حان وقت الزيارة والمناجاة وقضاء الحوائج ودرك المنى، والوصول إلى الله عز وجل، وإلى كرامته وغفرانه وعفوه ورضوانه.

قال مصنف هذا الكتاب: إنما ترك الراوي لهذا الحديث ذكر (حي على خير العمل) للتقية.

2 - وقد روي في خبر آخر أن الصادق عليه السلام سئل عن معنى (حي على خير العمل) فقال: خير العمل الولاية. وفي خبر آخر خير العمل بر فاطمة وولدها عليهم السلام(1).

35 - باب تفسير الهدى والضلالة والتوفيق والخذلان من الله تعالى


1 - حدثنا علي بن عبد الله الوراق، ومحمد بن أحمد السناني، وعلي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمهم الله، قالوا: حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى بن زكريا القطان، قال: حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب، قال: حدثنا تميم بن بهلول، عن أبيه، عن جعفر بن سليمان البصري، عن عبد الله بن الفضل الهاشمي قال: سألت أبا عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام، عن قول الله عز وجل: (من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا)(2) فقال: إن الله تبارك وتعالى يضل الظالمين يوم القيامة عن دار كرامته، ويهدي أهل الإيمان والعمل الصالح إلى جنته كما قال عز وجل: (ويضل الله الضالمين ويفعل الله ما يشاء)(3) وقال عز وجل (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار

____________

(1) أقول: ويحتمل أن أمير المؤمنين عليه السلام لم يفسرها لأنه عليه السلام فسر ما قال المؤذن و المؤذن من العامة لم يكن يقولها، وأما الشهادة بالولاية فشاعت بين الشيعة بإذن وترغيب من الصادق عليه السلام على ما في حديث مذكور في محله.

(2) الكهف: 17.

(3) إبراهيم عليه السلام: 27.


الصفحة 242
في جنات النعيم)(1) قال: فقلت: قوله عز وجل: (وما توفيقي إلا بالله)(2) وقوله عز وجل: (إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده)(3) فقال: إذا فعل العبد ما أمره الله عز وجل به من الطاعة كان فعله وفقا لأمر الله عز وجل وسمي العبد به موفقا، وإذا أراد العبد أن يدخل في شئ من معاصي الله فحال الله تبارك وتعالى بينه وبين تلك المعصية فتركها كان تركه لها بتوفيق الله تعالى ذكره، ومتى خلى بينه وبين تلك المعصية فلم يحل بينه وبينها حتى يرتكبها فقد خذله ولم ينصره ولم يوفقه(4).

2 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا الحسين ابن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن محمد بن أبي عمير، عن أبي عبد الله الفراء، عن محمد بن مسلم ومحمد بن مروان، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: ما علم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن جبرئيل من قبل الله عز وجل إلا بالتوفيق.

3 - حدثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا الحسن بن علي السكري قال حدثنا أبو عبد الله محمد بن زكريا البصري، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن عمارة عن أبيه، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام، قال سألته عن معنى (لا حول ولا قوة إلا بالله) فقال: معناه لا حول لنا عن معصية الله إلا بعون الله، ولا قوة لنا على طاعة الله إلا بتوفيق الله عز وجل.

4 - حدثنا عبد الواحد بن محمد بن عبدوس العطار رضي الله عنه بنيسابور سنة

____________

(1) يونس: 9.

(2) هود: 88.

(3) آل عمران: 160.

(4) التوفيق هو تهيئة الأسباب نحو الفعل، والأسباب بعضها بيد العبد وبعضها ليس كذلك.

وما بيد العبد ينتهي أيضا إليه تعالى منعا وإعطاء، فلذلك: (ما توفيقي إلا بالله) والتوفيق للطاعة هو اجتماع أسباب الفعل كلها، والتوفيق لترك المعصية هو فقدان بعض الأسباب، فإن كان بيد العبد فهو الانقياد فيهما وإلا فهو اللطف من الله تعالى، وعدم التوفيق والخذلان في الطاعة وترك المعصية على عكس ذلك.


الصفحة 243
اثنتين وخمسين وثلاثمائة، قال: حدثنا علي بن محمد بن قتيبة، عن حمدان بن سليمان النيسابوري، قال: سألت أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام، (بنيسابور)(1) عن قول الله عز وجل: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام)(2) قال: من يرد الله أن يهديه بإيمانه في الدنيا إلى جنته ودار كرامته في الآخرة يشرح صدره للتسليم لله والثقة به والسكون إلى ما وعده من ثوابه حتى يطمئن إليه، ومن يرد أن يضله عن جنته ودار كرامته في الآخرة لكفره به وعصيانه في الدنيا يجعل صدره ضيقا حرجا حتى يشك في كفره، ويضطرب من اعتقاده قلبه حتى يصير كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون(3).

36 - باب الرد على الثنوية والزنادقة


1 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا أبو القاسم العلوي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدثنا الحسين ابن الحسن، قال: حدثني إبراهيم بن هاشم القمي، قال: حدثنا العباس بن عمرو الفقيمي، عن هشام بن الحكم في حديث الزنديق الذي أتى أبا عبد الله عليه السلام فكان من قول أبي عبد الله عليه السلام له: لا يخلو قولك: إنهما اثنان، من أن يكونا قديمين قويين أو يكونا ضعيفين أو يكون أحدهما قويا والآخر ضعيفا، فإن كانا قويين فلم لا يدفع كل واحد منهما صاحبة ويتفرد بالتدبير، وإن زعمت أن أحدهما قوي و الآخر ضعيف ثبت أنه واحد كما نقول، للعجز الظاهر في الثاني، وإن قلت:

إنهما اثنان لم يخل من أن يكونا متفقين من كل جهة أو مفترقين من كل جهة

____________

(1) ليس في البحار ولا في النسخ الخطية عندي لفظة بنيسابور.

(2) الأنعام: 125.

(3) الهداية على ست مراحل: هداية التكوين، هداية العقل، هدايه الدعوة، هداية التشريع، هداية اللطف، هداية الجزاء، ولكل من هذه آيات في الكتاب، وتحقق كل منها مشروط بما قبلها، وللتفصيل محل آخر.


الصفحة 244
فلما رأينا الخلق منتظما والفلك جاريا واختلاف الليل والنهار، والشمس والقمر دل صحة الأمر والتدبير وائتلاف الأمر على أن المدبر واحد(1) ثم يلزمك إن ادعيت اثنين فلا بد من فرجة بينهما حتى يكونا اثنين فصارت الفرجة ثالثا بينهما، قديما معهما، فيلزمك ثلاثة، فإن ادعيت ثلاثة لزمك ما قلنا في الاثنين حتى يكون بينهم فرجتان فيكون خمسا، ثم يتناهى في العدد إلى ما لا نهاية في الكثرة(2).

قال هشام: فكان من سؤال الزنديق أن قال: فما الدليل عليه؟ قال أبو - عبد الله عليه السلام: وجود الأفاعيل التي دلت على أن صانعا صنعها، ألا ترى أنك إذا نظرت إلى بناء مشيد مبني علمت أن له بانيا وإن كنت لم تر الباني ولم تشاهده، قال: فما هو؟ قال: هو شئ بخلاف الأشياء، ارجع بقولي: شئ إلى إثبات

____________

(1) في نسخة (ب) و (د) (دل على صحة الأمر والتدبير وائتلاف الأمر وأن المدبر واحد).

(2) إلى هنا أشار عليه السلام إلى أدلة لتوحيد الصانع: الأول إن الشقوق في الصانعين من حيث القوة التامة ثلاثة: اثنان منها ظاهرا البطلان لم يتعرض إلا لأحدهما لشدة وضوح بطلان الآخر، والشق الثالث أن يكون لكل منهما قوة تامة فيلزم أن يقوى كل منهما على دفع الآخر وإلا لم تكن قوته تامة فحينئذ يكون لكل منهما دافعا ومدفوعا وهو محال. الثاني أن الشقوق من حيث الافتراق والاتفاق أيضا ثلاثة: الأول الاتفاق من كل جهة وهذا يرفع الاثنينية لأنها لا تتصور من دون الامتياز والامتياز. لا يتصور إلا بالافتراق من جهة أو جهات. الثاني الافتراق من كل جهة فلو كان الأمر كذلك لزم الفساد في التدبير وانتفاء النظام في الخلق ولكن الخلق منتظم والتدبير صحيح، وإلى بطلان هذا التالي أشار عليه السلام بقوله: فلما رأينا الخلق منتظما الخ، الثالث الافتراق من بعض الجهات، ولم يذكره عليه السلام لأن حكمه حكم الشق الثاني.

الثالث كون الصانع اثنين يستلزم أن يكون لأحدهما لا أقل من شئ يحصل لهما الامتياز به إذ عدم الامتياز يرفع الاثنينية، والامتياز بتمام الذات معقول إلا أنه لا يتصور إلا بالاشتراك في أصل الوجود فيعود في المفروض، وحكم الثلاثة في الامتياز حكم الاثنين فيكون الثلاثة خمسة، وهكذا إلى ما لا نهاية له، فكان صانع العالم أشياء غير متناهية.


الصفحة 245
معنى، وأنه شئ بحقيقة الشيئية(1) غير أنه لا جسم ولا صورة ولا يحس ولا يجس ولا يدرك بالحواس الخمس، لا تدركه الأوهام، ولا تنقصه الدهور، ولا يغيره الزمان.

قال السائل: فتقول: إنه سميع بصير؟! قال: هو سميع بصير، سميع بغير جارحة وبصير بغير آله، بل يسمع بنفسه، ويبصر بنفسه، ليس قولي، إنه يسمع بنفسه وبصير بنفسه أنه شئ والنفس شئ آخر، ولكن أردت عبارة عن نفسي إذ كنت مسؤولا وإفهاما لك إذ كنت سائلا، وأقول: يسمع بكله لا أن الكل منه له بعض، ولكني أردت إفهاما لك والتعبير عن نفسي، وليس مرجعي في ذلك إلا إلى أنه السميع البصير العالم الخبير بلا اختلاف الذات ولا اختلاف المعنى(2).

قال السائل: فما هو؟ قال أبو عبد الله عليه السلام: هو الرب وهو المعبود وهو الله وليس قولي: (الله) إثبات هذه الحروف ألف، لام، هاء، ولكني أرجع إلى معنى(3) هو شئ خالق الأشياء وصانعها وقعت عليه هذه الحروف، وهو المعنى الذي يسمى به الله والرحمن والرحيم والعزيز وأشباه ذلك من أسمائه(4) وهو المعبود عز وجل.

قال السائل: فإنا لم نجد موهوما إلا مخلوقا، قال أبو عبد الله عليه السلام: لو كان ذلك كما تقول لكان التوحيد عنا مرتفعا لأنا لم نكلف أن نعتقد غير موهوم

____________

(1) مضت هذه الفقرة مع ذيل في الحديث الثاني من الباب السابع.

(2) مضت هذه الفقرة في الحديث العاشر من الباب الحادي عشر.

(3) في الكافي وفي نسخة (ج) (ولكن ارجع إلى معنى - الخ).

(4) قوله: (وهو المعنى الذي - الخ) من باب القلب، والأصل وهو المعنى الذي يسمى بالله - الخ)، وفي نسخة (ج) (وهو المعنى الذي سمي به الله - الخ) وفي نسخة (ب) (وهو المعنى الذي يسمى الله والرحمن - الخ) أي يجعل هذه الأسماء أسماء له، وفي نسخة (و) (وهو المعنى الذي يسمى به، هو الله والرحمن والرحيم - الخ) وفي الكافي باب إطلاق القول بأنه شئ: (وهو المعنى سمي به الله والرحمن والرحيم - الخ) وهذا أيضا من باب القلب.


الصفحة 246
ولكنا نقول: كل موهوم بالحواس مدرك، فما تجده الحواس وتمثله فهو مخلوق(1) ولا بد من إثبات صانع الأشياء خارج من الجهتين المذمومتين(2) إحديهما النفي إذ كان النفي هو الإبطال والعدم، والجهة الثانية التشبيه إذ كان التشبيه من صفة المخلوق الظاهر التركيب والتأليف، فلم يكن بد من إثبات الصانع لوجود المصنوعين، والاضطرار منهم إليه أثبت أنهم مصنوعون، وأن صانعهم غيرهم وليس مثلهم إذ كان مثلهم شبيها بهم في ظاهر التركيب والتأليف وفيما يجري عليهم من حدوثهم بعد أن لم يكونوا، وتنقلهم من صغر إلى كبر، وسواد إلى بياض، وقوة إلى ضعف، وأحوال موجودة لا حاجة لنا إلى تفسيرها لثباتها ووجودها.

قال السائل: فقد حددته إذ أثبت وجوده، قال أبو عبد الله عليه السلام: لم أحده ولكن أثبته إذ لم يكن بين الاثبات والنفي منزلة.

قال السائل: فله إنية ومائية؟ قال: نعم، لا يثبت الشئ إلا بإنية و مائية(3).

____________

(1) أي لو لم نتوهمه تعالى بعنوان من العناوين الصادقة على ذاته لما كلفنا بتوحيده ومعرفته لأن الذات غير معقولة لنا لأن ما يعقل بذاته محدود ومخلوق فبقي تعلقنا له بالعناوين كالشئ والموجود والصانع والرب والرحمن والرحيم وأشباه ذلك كما صرح به الإمام عليه السلام في الحديث السادس من الباب السابع فنتوجه إليه بها وهي غيره، وفي البحار باب احتجاج الصادق عليه السلام وفي نسخة (ج) و (و) ولكنا نقول: (كل موهوم بالحواس مدرك، فما تحده الحواس وتمثله فهو مخلوق) وفي البحار باب إثبات الصانع: (ولكنا نقول: كل موهوم بالحواس مدرك بها تحده الحواس ممثلا، فهو مخلوق) وفي نسخة (ن) (ولكنا نقول: كل موهوم بالحواس مدرك بها تحده الحواس وتمثله، فهو مخلوق) وفي نسخة (ط) (ولكنا نقول: كل موهوم بالحواس مدرك، فما تجده بالحواس وتمثله فهو مخلوق).

(2) في البحار باب احتجاج الصادق عليه السلام وفي نسخة (ن) (ولا بد من إثبات صانع للأشياء خارج - الخ) وفي البحار باب إثبات الصانع: (ولا بد من إثبات صانع الأشياء خارجا - الخ).

(3) الماهية بالمعنى الأعم، وهي فيه تعالى عين آنيته على ما ذكر في محله.


الصفحة 247
قال السائل: فله كيفية؟ قال: لا لأن الكيفية جهة الصفة والإحاطة(1) ولكن لا بد من الخروج من جهة التعطيل والتشبيه لأن من نفاه أنكره ورفع ربوبيته وأبطله ومن شبهه بغيره فقد أثبته بصفة المخلوقين المصنوعين الذين لا يستحقون الربوبية، ولكن لا بد من إثبات ذات بلا كيفية لا يستحقها غيره ولا يشارك فيها ولا يحاط بها ولا يعلمها غيره(2).

قال السائل: فيعاني الأشياء بنفسه؟(3) قال أبو عبد الله عليه السلام: هو أجل من أن يعاني الأشياء بمباشرة ومعالجة لأن ذلك صفة المخلوق الذي لا يجئ الأشياء له إلا بالمباشرة والمعالجة، وهو تعالى نافذ الإرادة المشية فعال لما يشاء.

قال السائل: فله رضى وسخط؟ قال أبو عبد الله عليه السلام: نعم، وليس ذلك على

____________

(1) أي جهة توجب إمكان توصيف المكيف والإحاطة به إدراكا.

(2) الضمائر المؤنثة راجعة إلى الذات، وفي الكافي باب أنه شئ (ولكن لا بد من إثبات أن له كيفية لا يستحقها غيره - الخ) فالضمائر راجعة إلى كيفية، وقد أثبت له تعالى كيفية في روايات ونفيت عنه في أخرى، فالمثبتة هي الوجوب الذاتي الذي هو عين وجوده وذاته وصفاته، والمنفية ما به إمكان إدراكه وتوصيفه كما في غيره.

(3) هو من المعاناة، والثلاثي منه العنى بمعنى التعب والنصب واللغوب وتحمل المشقة وهي مباشرة العمل بالآلات بحيث يتحمل الفاعل المشقة والتعب من جهة الفعل فكرا أو فعلا وهذا منفى عنه تعالى، بل إرادته نافذة (إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) من دون مس لغوب ونصب ومن دون مباشرة ومعالجة بالآلات وحاجة إلى شئ من الأسباب هكذا في الكافي والبحار باب الاحتجاج، وكثير من النسخ، وفي بعض النسخ الخطية (يعاين) في الموضعين، وهو من المعاينة وهي شهود شئ لشئ، وهذا من خطأ الناسخ لأنه غير منفي عنه تعالى لأنه شاهد كل شئ بنفسه لا ببصر غيرها بدلائل العقل والنقل كما مر في كلامه عليه السلام هنا، مع تنافر الجواب والتعليل له جدا، وعجبا من فاضل شرح هذا الحديث في آخر الجزء الأول من الكافي المطبوع حديثا فأخذ هذه اللفظة من المعاينة وأتى بما لا ارتباط له بكلام الإمام عليه السلام مع أن ما في الكافي يعاني الأشياء.


الصفحة 248
ما يوجد في المخلوقين، وذلك أن الرضا والسخط دخال يدخل عليه فينقله من حال إلى حال، وذلك صفة المخلوقين العاجزين المحتاجين، وهو تبارك وتعالى العزيز الرحيم لا حاجة به إلى شئ مما خلق، وخلقه جميعا محتاجون إليه، وإنما خلق الأشياء من غير حاجة ولا سبب اختراعا وابتداعا(1).

قال السائل: فقوله: (الرحمن على العرش استوى)(2) قال أبو عبد الله عليه السلام:

بذلك وصف نفسه وكذلك هو مستول على العرش بائن من خلقه من غير أن يكون العرش حاملا له ولا أن يكون العرش حاويا له ولا أن العرش محتاز له، ولكنا نقول: هو حامل العرش وممسك العرش، ونقول من ذلك ما قال: (وسع كرسيه السماوات والأرض)(3) فثبتنا من العرش والكرسي ما ثبته، ونفينا أن يكون العرش والكرسي حاويا له أو يكون عز وجل محتاجا إلى مكان أو إلى شئ مما خلق، بل خلقه محتاجون إليه.

قال السائل: فما الفرق بين أن ترفعوا أيديكم إلى السماء وبين أن تخفضوها نحو الأرض؟ قال أبو عبد الله عليه السلام: ذلك في علمه وإحاطته وقدرته سواء، ولكنه عز وجل أمر أولياءه وعباده برفع أيديهم إلى السماء نحو العرش لأنه جعله معدن الرزق، فثبتنا ما ثبته القرآن والأخبار عن الرسول صلى الله عليه وآله حين قال: ارفعوا أيديكم إلى الله عز وجل، وهذا يجمع عليه فرق الأمة كلها(4).

____________

(1) مضت هذه الفقرة في الحديث الثالث من الباب السادس والعشرون مع زيادة.

(2) طه: 5.

(3) البقرة: 255.

(4) في نسخة (ج) و (ط)) وهذا مجمع عليه - الخ) وبعد هذه الفقرة زيادة مذكورة.

في نسخة (ن) وفي البحار باب احتجاج الصادق عليه السلام عن بعض النسخ بعد تمام الحديث، و هي (قال السائل: فتقول: أنه ينزل إلى السماء الدنيا؟ قال أبو عبد الله عليه السلام: نقول:

ذلك لأن الروايات قد صحت به والأخبار، قال السائل: فإذا نزل أليس قد حال عن العرش؟

وحؤوله عن العرش صفة حدثت، قال أبو عبد الله عليه السلام: ليس ذلك منه على ما يوجد من المخلوق الذي ينتقل باختلاف الحال عليه والملالة والسأمة وناقل ينقله ويحوله من حال إلى حال، بل هو تبارك وتعالى لا يحدث عليه الحال ولا يجري عليه الحدوث فلا يكون نزلوه كنزول المخلوق الذي متى تنحى عن مكان إلى مكان خلا منه المكان الأول، ولكنه ينزل إلى السماء الدنيا بغير معاناة وحركة فيكون كما هو في السماء السابعة على العرش كذلك هو في السماء الدنيا، إنما يكشف عن عظمته ويرى أولياءه نفسه حيث شاء ويكشف ما شاء من قدرته، و منظره في القرب والبعد سواء)).

أقول: حديث نزوله تعالى مروي مأول ككثير من آيات الكتاب، وقد مر في الحديث السابع من الباب الثامن والعشرين أن النازل ملك.


الصفحة 249
قال السائل: فمن أين أثبت أنبياء ورسلا؟ قال أبو عبد الله عليه السلام: إنا لما أثبتنا أن لنا خالقا صانعا متعاليا عنا وعن جميع ما خلق وكان ذلك الصانع حكيما لم يجز أن يشاهده خلقه ولا يلامسهم ولا يلامسوه ولا يباشرهم ولا يباشروه ولا يحاجهم ولا يحاجوه(1) فثبت أن له سفراء في خلقه وعباده(2) يدلونهم على مصالحهم ومنافعهم وما به بقاؤهم وفي تركه فناؤهم، فثبت الآمرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه وثبت عند ذلك أن له معبرين وهم الأنبياء وصفوته من خلقه حكماء مؤدبين بالحكمة مبعوثين بها غير مشاركين للناس في أحوالهم على مشاركتهم لهم في الخلق والتركيب، مؤيدين من عند الله الحكيم العليم بالحكمة والدلائل والبراهين و

____________

(1) قوله: (لم يجز أن يشاهده - الخ) جواب (لما) إلا أنه جواب باعتبار الجملة الأولى، وقوله: (وكان ذلك الصانع حكيما) جملة حالية، فما يثبت به وجوب إرسال الرسل كونه تعالى متعاليا عن الخلق لا يجوز لهم مشاهدته ومكالمته ومباشرته، وكونه حكيما لا يجوز أن يتركهم سدى، فثبت أن له سفراء - الخ) وفي الكافي باب الاضطرار إلى الحجة (إنا لما أثبتنا أن لنا خالقا صانعا متعاليا عنا وعن جميع ما خلق وكان ذلك الصانع حكيما متعاليا لم يجز أن يشاهده خلقه ولا يلامسوه فيباشرهم ويباشروه ويحاجهم ويحاجوه ثبت أن له سفراء في خلقه يعبرون عنه إلى خلقه وعباده) وكذا في البحار باب احتجاج الصادق عليه السلام في خبر آخر عن كتاب الاحتجاج.

(2) في نسخة (ط) وحاشية نسخة (ب) (أن له سفراء في خلقه وعبادا يدلونهم - الخ).


الصفحة 250
الشواهد من إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص، فلا تخلو أرض الله من حجة يكون معه علم يدل على صدق مقال الرسول ووجوب عدالته.(1)

2 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن أبي عمير، عن هشام بن الحكم، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما الدليل على أن الله واحد؟ قال: اتصال التدبير وتمام الصنع كما قال عز وجل: (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا)(2).

3 - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه، عن عمه محمد بن أبي القاسم، قال: حدثني أبو سمينة محمد بن علي الصيرفي، عن محمد بن عبد الله الخراساني خادم الرضا عليه السلام، قال: دخل رجل من الزنادقة على الرضا عليه السلام وعنده جماعة، فقال

____________

(1) المراد بالحجة وصي الرسول القائم مقامه بعده ليكون بعلمه دالا على صدق مقال الرسول وأنه عادل بالدعوة الحقة لا ظالم بالدعوة الباطلة، وهذا الحجة بعلمه معجزة باقية من الرسول كالكتاب، فلذلك قال صلى الله عليه وآله: (إني تارك فيكم - الخ)، ويمكن أن يقرأ بفتحتين أي يكون معه علامة هي خصوصيات الإمام عليه السلام من العلم وسائر أوصافه وأفعاله و المواريث، وللمصنف رحمه الله بعد تمام الخبر كلام مذكور في نسخة (ن) وفي البحار باب الاحتجاج نقلا عن بعض النسخ، وهو:

(قال مصنف هذا الكتاب: قوله عليه السلام: إنه على العرش ليس بمعنى التمكن فيه لكنه بمعنى التعالى عليه بالقدرة، يقال: فلان على خير واستقامة وعلى عمل كذا وكذا، وليس ذلك بمعنى التمكن فيه والاستواء عليه، ولكن ذلك بمعنى التمكن منه والقدرة عليه، وقوله عليه السلام في النزول ليس بمعنى الانتقال وقطع المسافات، ولكنه على معنى إنزال الأمر منه إلى السماء الدنيا لأن العرش هو المكان الذي ينتهي بأعمال العباد من سدرة المنتهى إليه، وقد جعل الله عز وجل السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل وفي ليالي الجمعة مسافة الأعمال في ارتفاعها أقرب منها في سائر الأوقات إلى العرش، وقوله عليه السلام: يرى أولياءه نفسه، فإنه يعنى بإظهار بدائع فطرته، فقد جرت العادة بأن يقال للسلطان إذا أظهر قوة وقدرة و خيلا ورجلا: قد أظهر نفسه، وذلك على مستعار الكلام ومجاز اللفظ).

(2) الأنبياء: 22، وبيانه عليه السلام في الحديث إشارة إلى بطلان التالي في الآية.