لكني كنت معه عليه السلام وقد جاءه سبخت وكان رجلا من ملوك فارس وكان ذربا، فقال: يا محمد إلى ما تدعوه؟ قال: أدعو إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، فقال سبخت: وأين الله يا محمد؟ قال: هو في كل مكان موجود بآياته، قال: فكيف هو؟ فقال: لا كيف له ولا أين لأنه عز وجل كيف الكيف وأين الأين، قال: فمن أين جاء؟ قال: لا يقال له: جاء، وإنما يقال:
جاء للزائل من مكان إلى مكان، وربنا لا يوصف بمكان ولا بزوال، بل لم يزل بلا مكان ولا يزال، فقال: يا محمد إنك لتصف ربا عظيما بلا كيف، فكيف لي أن أعلم أنه أرسلك؟ فلم يبق بحضرتنا ذلك اليوم حجر ولا مدر ولا جبل ولا شجر ولا حيوان إلا قال مكانه: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وقلت أنا أيضا: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله، فقال: يا محمد من هذا؟ فقال:
هو خير أهلي وأقرب الخلق مني، لحمه من لحمي، ودمه من دمي، وروحه من روحي، وهو الوزير مني في حياتي(1) والخليفة بعد وفاتي، كما كان هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، فاسمع له وأطع فإنه على الحق، ثم سماه عبد الله.
45 - باب معنى (سبحان الله)
1 - حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب السجزي بنيسابور، قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبد الله بن حمزة الشعراني العماري من ولد عمار بن ياسر رحمه الله قال: حدثنا أبو محمد عبيد الله بن يحيى بن عبد الباقي الأذني بأذنة(2) قال: حدثنا علي بن الحسن المعاني(3) قال: حدثنا عبد الله بن يزيد، عن يحيى -
____________
(1) في نسخة (ج) و (ط) (وهذا الوزير مني - الخ).
(2) قد مر ضبطه في الحديث الرابع في الباب الثامن والثلاثين.
(3) قال في المراصد: معان بالفتح وآخره نون مدينة في طرف بادية الشأم تلقاء الحجاز من نواحي البلقاء، وهي الآن خراب منها ينزل حاج الشأم إلى البر.
إن في هذا الحائط رجلا كان إذا سئل أنبأ، وإذا سكت ابتدأ، فدخل الرجل فإذا هو علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: يا أبا الحسن ما تفسير سبحان الله؟ قال: هو تعظيم جلال الله عز وجل وتنزيهه عما قال فيه كل مشرك، فإذا قالها العبد صلى عليه كل ملك.
2 - حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن يونس بن عبد الرحمن، عن هشام بن الحكم، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن سبحان الله، فقال عليه السلام: أنفة لله عز وجل(2).
3 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله قال: حدثنا علي بن الحسين السعدآبادي، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني عن علي بن أسباط، عن سليمان مولى طربال(3) عن هشام الجواليقي، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل (سبحان الله) ما يعني به؟ قال: تنزيهه.
46 - باب معنى (الله أكبر)
1 - حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رحمه الله، قال: حدثنا أبي، عن
____________
(1) يحيى بن عقبة بن أبي العيزار أبو القاسم كوفي، والعيزار بالفتح فالسكون الرجل الصلب الشديد والغلام الخفيف الروح واسم شجر وطائر.
(2) الآنفة بالفتحات مصدر بمعنى التنزه والاستنكاف، والمراد أن من قال: سبحان الله قال باستنكافه وتنزهه وتعاليه تعالى عن شبه المخلوق.
(3) في معاني الأخبار وفي نسخة (و) (سليم مولى طربال). وقال الأردبيلي في جامع الرواة: الظاهر اتحاد سليم وسليمان مولى طربال واشتباه أحدهما بالآخر بقرينة اتحاد الراوي والمروي عنه والخبر. بل الظاهر اتحادهما مع سليم وسليمان الفراء أيضا على ما بيناه في ترجمة حريز بن عبد الله والله أعلم. إنتهى.
قال رجل عنده. (الله أكبر) فقال: الله أكبر من أي شئ؟! فقال: من كل شئ فقال أبو عبد الله عليه السلام: حددته، فقال الرجل: كيف أقول؟ فقال: قل: الله أكبر من أن يوصف.
2 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أبيه، عن مروك بن عبيد(1) عن جميع بن عمرو(2) قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: أي شئ (الله أكبر)؟! فقلت:
الله أكبر من كل شئ، فقال: وكان ثم شئ فيكون أكبر منه؟! فقلت: فما هو؟
قال: الله أكبر من أن يوصف(3)
47 - باب معنى (الأول والآخر)
1 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله قال: حدثنا علي بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذنية، عن محمد بن حكيم، عن الميمون البان قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام وقد سئل عن قوله عز وجل: هو الأول والآخر، فقال عليه السلام: الأول لا عن أول كان قبله ولا عن بدئ سبقه، والآخر لا عن نهاية كما يعقل من صفة المخلوقين، ولكن قديم أول آخر لم يزل ولا يزال بلا بدء ولا
____________
(1) في نسخة (د) و (ب) (هارون بن عبيد).
(2) في معاني الأخبار والكافي باب معاني الأسماء في حاشية نسخة (و) جميع بن عمير.
(3) حاصل بيانه عليه السلام في هذا الباب أن وصفه تعالى بأنه أكبر من الأشياء يستلزم أن يكون مبائنا عنها بحيث يكون بينه وبينها حد فاصل ليتصور هو بحده وهي بحدودها فيحكم بأنه أكبر منها ولولا الحد بين الشيئين لا يتصور الأكبرية والأصغرية بينهما مع أنه تعالى مع كل شئ قيوما قائما كل شئ به بحيث يضمحل الكل في جنبه تعالى، وإلى هذا أشار عليه السلام بقوله استنكارا: (وكان ثم شئ الخ) فتدبر، فهو أكبر من أن يوصف لامتناع محدوديته واضمحلال كل محدود في جنب عظمته وكبريائه.
2 - حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمه الله، عن أبيه، عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان بن يحيى، عن فضيل بن عثمان، عن ابن أبي يعفور، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: (هو الأول والآخر) وقلت: أما الأول فقد عرفناه، وأما الآخر فبين لنا تفسيره، فقال: إنه ليس شئ إلا يبيد أو يتغير أو يدخله الغير(1) والزوال أو ينتقل من لون إلى لون، ومن هيئة إلى هيئة، ومن صفة إلى صفة، ومن زيادة إلى نقصان، ومن نقصان إلى زيادة إلا رب العالمين، فإنه لم يزل ولا يزال واحدا(2) هو الأول قبل كل شئ وهو الآخر على ما لم يزل، لا تختلف عليه الصفات والأسماء ما يختلف على غيره مثل الإنسان الذي يكون ترابا مرة، ومرة لحما، ومرة دما، ومرة رفاتا ورميما، وكالتمر الذي يكون مرة بلحا، ومرة بسرا، ومرة رطبا، ومرة تمرا، فيتبدل عليه الأسماء والصفات، والله عز وجل بخلاف ذلك(3).
____________
(1) الغير بالفتح فالسكون مصدر واسم مصدر بمعنى تغير الحال وانتقالها، وبالكسر فالفتح اسم جمع بمعنى الأحداث المغيرة لحال الشئ، وفي نسخة (د) وحاشية نسخة (ب) (أو يدخله التغير).
(2) في نسخة (ط) و (ن) (فإنه لم يزل ولا يزال بحاله واحدا).
(3) للأول والآخر معان ذكرت في العلوم العقلية، والأولية في حقه تعالى هي الحقيقة وهي بحسب الوجود وهي مساوقة لمعنى القدم، والآخرية بمعنى البقاء بعد كل شئ بال تغير وتحول كما فسره الإمام عليه السلام في هذا الخبر من لوازم الأولية الحقيقية، لأن ما ثبت قدمه امتنع عدمه وتغيره، فمعنى الأولية والآخرية له تعالى أزليته وأبديته من دون تغير وزوال، وإذ أنه واحد ولا في مرتبته شئ فليس لشئ سواه هذا الشأن فصح كلية قوله عليه السلام: (إنه ليس شئ إلا يبيد أو يتغير - الخ).
48 - باب معنى قول الله عز وجل
(الرحمن على العرش استوى)
1 - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن سهل بن زياد الآدمي، عن الحسن بن محبوب، عن محمد بن مارد أن أبا عبد الله عليه السلام سئل عن قول الله عز وجل: (الرحمن على العرش استوى) فقال: استوى من كل شئ، فليس شئ هو أقرب إليه من شئ.
2 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن محمد بن الحسين(1) عن صفوان بن يحيى، عن عبد الرحمن بن الحجاج، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: (الرحمن على العرش استوى(2)) فقال: استوى من كل شئ، فليس شئ أقرب إليه من شئ، لم يبعد منه بعيد، ولم يقرب منه قريب، استوى من كل شئ(3).
____________
(1) في نسخة (ط) وحاشية نسخة (ن) و (ه) (عن محمد بن الحسن).
(2) طه: 5.
(3) استعمل الاستواء في معان: استقرار شئ على شئ وهذا ممتنع عليه تعالى كما نفاه الإمام عليه السلام في أخبار من هذا الباب لأنه من خواص الجسم. والعناية إلى الشئ ليعمل فيه، وعليه فسر في بعض الأقوال قوله تعالى: (ثم استوى إلى السماء). والاستيلاء على الشئ كقول الشاعر:
فلما علونا واستوينا عليهم | تركناهم صرعى لنسر وكاسر |
والآية التي نحن فيها فسرت به في بعض الأقوال وفي الحديث الأول من الباب الخمسين.
والاستقامة، وفسر بها قوله تعالى: (فاستوى على سوقه) وهذا قريب من المعنى الأول.
والاعتدال في شئ وبه فسر قوله تعالى: (ولما بلغ أشده واستوى). والمساواة في النسبة، وهي نفيت في الآيات عن أشياء كثيرة كقوله تعالى: (وما يستوي الأحياء ولا الأموات) وفسر الإمام عليه السلام الآية بها في هذا الباب وظاهره مساواة النسبة من حيث المكان لأنه تعالى في كل مكان وليس في شئ من المكان بمحدود، ولكنه تعالى تساوت نسبته إلى الجميع من جميع الحيثيات، وإنما الاختلاف من قبل حدود الممكنات، ولا يبعد الروايات من حيث الظهور عن هذا المعنى.
4 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن موسى الخشاب، عن بعض
____________
(1) الصغد بالضم فالسكون قرى بين بخارا وسمرقند.
5 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله قال: حدثنا الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن عاصم بن حميد، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: من زعم أن الله عز وجل من شئ أو في شئ أو على شئ فقد كفر، قلت: فسر لي، قال: أعني بالحواية من الشئ له، أو بإمساك له، أو من شئ سبقه.
6 - وفي رواية أخرى قال: من زعم أن الله من شئ فقد جعله محدثا، ومن زعم أنه في شئ فقد جعله محصورا، ومن زعم أنه على شئ فقد جعله محمولا.
7 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله قال: حدثنا عبد الله بن جعفر، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، قال: حدثني مقاتل بن سليمان، قال:
سألت جعفر بن محمد عليهما السلام، عن قول الله عز وجل: (الرحمن على العرش استوى) فقال:
استوى من كل شئ، فليس شئ أقرب إليه من شئ.
8 - وبهذا الإسناد، عن الحسن بن محبوب، عن حماد، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: كذب من زعم أن الله عز وجل من شئ أو في شئ أو على شئ.
9 - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله، عن عمه محمد بن أبي القاسم، عن أحمد ابن أبي عبد الله، عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: من زعم أن الله عز وجل من شئ أو في شئ أو على شئ فقد أشرك، ثم قال:
من زعم أن الله من شئ فقد جعله محدثا، ومن زعم أنه في شئ فقد زعم أنه محصور(1)، ومن زعم أنه على شئ فقد جعله محمولا.
قال مصنف هذا الكتاب: إن المشبهة تتعلق بقوله عز وجل (إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا)(2) ولا حجة لها في ذلك لأنه عز وجل عني بقوله: (ثم استوى على
____________
(1) في نسخة (ج) (ومن زعم أنه في شئ فقد جعله محصورا).
(2) الأعراف: 54.
____________
(1) محمد صلى الله عليه وآله وسلم: 31.
(2) حاصل مراده رحمه الله أن (ثم) لا يتعلق بقوله (استوى) لأنه بمعنى استولى و استيلاؤه تعالى على العرش لا يكون متأخرا عن خلق السماوات والأرض لأنه مالك ملك مستول على كل شئ أزلا، بل يتعلق بمحذوف تقديره ثم نقل العرش إلى فوق السماوات لأنه استوى عليه، وأخذ هذا التفسير من الحديث الثاني من الباب التاسع والأربعين، وقيل:
ثم أظهر استواؤه على العرش للملائكة، وقيل: ثم قصد إلى خلق العرش فخلقه بعد خلق السماوات والأرض، وقيل: ثم بين أنه استوى على العرش، وقيل: ثم صح الوصف بأنه مستو على العرش لأنه لم يكن عرش قبل وجوده، والحق أن ثم لمجرد الترتيب، والاستواء هو الاستيلاء الفعلي الظاهر عن مقام الذات في الخلق بعد الايجاد، وحاصل المعنى أنه تعالى استوى على العرش الذي هو جملة الخلق في بعض التفاسير بتدبير الأمر ونفاذه فيه بعد الايجاد ألا له خلق الأشياء وأمرها بعد إيجادها، ولا يخفى أن معنى الاستيلاء أنسب بسياق هذه الآية، ومعنى مساواة النسبة أنسب بقوله: (الرحمن على العرش استوى) ثم إن قوله: (على العرش) متعلق باستوى إن فسر بالاستيلاء، وإن فسر بمساواة النسبة فمتعلق بمحذوف و استوى حال أو خبر بعد خبر، أو ضمن معنى الاستيلاء فمتعلق به أيضا.
49 - باب معنى قوله عز وجل:
(وكان عرشه على الماء)(1)
1 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن محمد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدثنا جذعان بن نصر أبو نصر الكندي، قال: حدثني سهل بن زياد الآدمي، عن الحسن بن محبوب، عن عبد الرحمن بن كثير(2) عن داود الرقي، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قوله، عز وجل: (وكان عرشه على الماء) فقال لي: ما يقولون في ذلك؟ قلت: يقولون إن العرش كان على الماء والرب فوقه، فقال: كذبوا، من زعم هذا فقد صير الله محمولا ووصفه بصفة المخلوقين ولزمه أن الشئ الذي يحمله أقوى منه، قلت: بين لي جعلت فداك، فقال: إن الله عز وجل حمل علمه ودينه الماء(3) قبل أن تكون أرض أو سماء أو جن أو إنس أو شمس أو قمر، فلما أراد أن يخلق الخلق نثرهم بين يديه(4) فقال لهم: من ربكم؟! فكان أو من نطق رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام و الأئمة صلوات الله عليهم، فقالوا: أنت ربنا، فحملهم العلم والدين، ثم قال للملائكة: هؤلاء حملة علمي وديني وأمنائي في خلقي وهم المسؤولون(5) ثم قيل لبني -
____________
(1) هود: 7.
(2) في نسخة (ج) و (ط) وحاشية نسخة (ن) (عن عبد الله بن كثير) وهو تصحيف والخبر رواه الكليني في الكافي باب العرش والكرسي بإسناده عن عبد الرحمن عن داود.
(3) لا يبعد أن يكون المراد بالماء هنا أول ما خلقه الله الذي ذكر في الحديث العشرين من الباب الثاني، إلا أن الاحتمال الأول هناك غير آت هنا.
(4) فيه إشارة إلى عالم الذر، أي فلما أراد أن يخلق الخلق هذه الخلقة وكانوا ذرا نثرهم بين يديه - الخ.
(5) إشارة إلى قوله تعالى: (فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) روي الكليني - رحمه الله - في كتاب الحجة من الكافي باب إن أهل الذكر هم الأئمة عليهم السلام بالإسناد عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (إن من عندنا يزعمون أن قول الله عز وجل:
(فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) إنهم اليهود والنصارى، قال: إذا يدعونكم إلى دينهم، قال: قال بيده إلى صدره: (نحن أهل الذكر ونحن المسؤولون).
2 - حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي قال: حدثنا أبي، عن أحمد بن علي الأنصاري، عن أبي الصلت عبد السلام بن صالح الهروي قال: سأل المأمون أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام، عن قول الله عز وجل: (وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا) فقال: إن الله تبارك وتعالى خلق العرش والماء والملائكة قبل خلق السماوات والأرض، وكانت الملائكة تستدل بأنفسها وبالعرش والماء على الله عز وجل، ثم جعل عرشه على الماء ليظهر بذلك قدرته للملائكة فيعلموا أنه على كل شئ قدير، ثم رفع العرش بقدرته ونقله فجعله فوق السماوات السبع(2) وخلق السماوات والأرض في ستة أيام، وهو مستول على عرشه، وكان قادرا على أن يخلقها في طرفة عين، ولكنه عز وجل خلقها في ستة إيام ليظهر للملائكة ما يخلقه منها شيئا بعد شئ وتستدل بحدوث ما يحدث على الله تعالى ذكره مرة بعد مرة، ولم يخلق الله العرش لحاجة به إليه لأنه غني عن العرش وعن جميع ما خلق، لا يوصف بالكون على العرش لأنه ليس بجسم، تعالى الله عن صفة خلقه علوا كبيرا. وأما قوله عز وجل: (ليبلوكم
____________
(1) الأعراف: 173، ويقولوا في الموضعين في النسخ بالياء إلا نسخة (ب) و (و) ففيهما بالتاء، والقراءات بالتاء إلا أبا عمرو فإنه قرأ بالياء.
(2) الذي أفهم من هذا الكلام بشهادة الكلام بشهادة أحاديث أن للعرش رفعة وتفوقا على السماوات والأرض من حيث شؤونه، وليس الكلام نصا بل ولا ظاهرا في الرفع الجسماني والنقل المكاني.
50 - باب العرش وصفاته
1 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، قال:
حدثنا الحسين بن الحسن، قال: حدثني أبي، عن حنان بن سدير، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن العرش والكرسي، فقال: إن للعرش صفات كثيرة مختلفة، له في كل سبب وضع في القرآن صفة على حدة(1) فقوله: (رب العرش العظيم) يقول: الملك العظيم، وقوله: (الرحمن على العرش استوى) يقول: على الملك احتوى، وهذا ملك الكيفوفية الأشياء(2) ثم العرش في الوصل متفرد من الكرسي(3) لأنهما بابان من أكبر أبواب الغيوب، وهما جميعا غيبان، وهما
____________
(1) (سبب) مضاف إلى (وضع) بصيغة المصدر، أي للعرش في كل مورد في القرآن اقتضى سبب وضعه وذكره في ذلك المورد صفة على حدة، وفي نسخة (ه) (له في كل سبب وضع في القرآن وصفة على حدة) وفي نسخة (ط) والبحار (له في كل سبب وصنع في القرآن صفة على حدة). وبعض الأفاضل قرأ الجملة (في كل سبب وضع) على صيغة المجهول.
(2) الكيفوفية بمعنى الكيفية مأخوذة من الكيف، وهو سؤال عن حال الشئ يقال:
كيف أصبحت أي على أي حال أصبحت، فملك الكيفوفية ملك الأحوال الواقعة في الأشياء و الأمور الحاصلة فيها بعد إيجادها، فإنه تعالى مالك الايجاد ومالك ما يقع في الموجودات بعد الايجاد (ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين).
(3) أي ثم العرش في حال كونه متصلا بالكرسي مرتبطا به متفرد منه متميز عنه، أو المعنى: ثم العرش متفرد من الكرسي ومتميز عنه في وصله بالأمور الواقعة في الكون فإنه متصل بها مؤثر فيها بلا واسطة، وأما العرش فمقدم على الكرسي ومؤثر فيها بواسطته، وحاصل كلامه عليه السلام أن العرش والكرسي موجودان من الموجودات الملكوتية غائبان عن إدراكنا، في كل منهما علم الأشياء ومن كل منهما تدبيرها من حيث سلسلة عللها وخصوصياتها، إلا أن العرش مقدم في ذلك على الكرسي، ومن العرش يجري إلى الكرسي ما يجري في الأشياء، كما أن عرش السلطان يجري منه تدبير الأمور إلى الأمير صاحب الكرسي ثم منه إلى المقامات العاملة المباشرة لأمور المملكة.
جعلت فداك فلم صار في الفضل جار الكرسي؟ قال: إنه صار جاره لأن علم الكيفوفية فيه، وفيه الظاهر من أبواب البداء وأينيتها(3) وحد رتقها وفتقها،
____________
(1) في نسخة (ب) (لأن الكرسي هو التأويل الظاهر - الخ) وفي نسخة (ج) (إلا أن الكرسي - الخ).
(2) في نسخة (ب) و (ج) و (د) ((وعلم العود والبداء).
(3) من الأين أي أمكنه أبواب البداء ومواضعها، وفي نسخة (ب) و (د) (أنيتها) أي ثبوتها، وفي نسخة (و) و (ن) (أبنيتها) جمع البناء وهذا يرجع إلى المعنى الأول، و بيانه أن الكرسي صار جار العرش وقرينا له لأن علم الكيفوفية فيه كما هو في العرش أيضا، ولكنه يمتاز عن العرش بأن فيه البداء دونه، وإنما هو مكان البداء وفيه يرتق ويفتق لأن في العرش علم كل شئ مع إرساله وتعليقه، وأما الكرسي فيصل إليه علم كل شئ من العرش بالارسال سواء كان مرسلا في الواقع أو معلقا، والبداء يأتي بيانه في بابه إن شاء الله تعالى، وفي نسخة (ه) (وفيه الظاهر من أبواب البدء) وفي نسخة (ب) (وفيه الظاهر من علم أبواب البداء).
فمن اختلاف صفات العرش(4) أنه قال تبارك وتعالى: (رب العرش عما يصفون)(5) وهو وصف عرش الوحدانية لأن قوما أشركوا كما قلت لك(6) قال تبارك وتعالى: (رب العرش) رب الوحدانية عما يصفون، وقوما وصفوه بيدين فقالوا: (يد الله مغلولة) وقوما وصفوه بالرجلين فقالوا: وضع رجله على صخرة بيت المقدس فمنها ارتقى إلى السماء(7) وقوما وصفوه بالأنامل فقالوا: إن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم قال: إني وجدت برد أنامله على قلبي، فلمثل هذه الصفات قال: (رب
____________
(1) أي تعبير الحمل باعتبار صرف الكلام من غير المحسوس إلى المحسوس وبيان غير المحسوس بالمحسوس، فإنهما جاران إلا أن الكرسي قائم بالعرش كما أن المحمول من الأجسام قائم بالحامل، وفي نسخة (ب) و (و) و (ج) وحاشية نسخة (ط) والبحار (في الظرف) أي في الوعاء أي حمل صاحبه في وعاء علمه وسعة تأثيره.
(2) (مثل) بفتحتين مفرد أو بضمتين جمع المثال، و (صرف) فعل ماض من التصريف وفاعله العلماء، أي بالأمثال يصرف العلماء في الكلام حتى يقرب من الذهن ما غاب عن الحس، و يستدلون بها على صدق دعواهم.
(3) هكذا في النسخ بصيغة المثنى، ويمكن أن يكون من خطأ النساخ، ويحتمل إضافة (دعوى) إلى العرش والكرسي بالحذف والإيصال أي دعواهم فيهما، وكذا لا وجه لحذف النون من قوله: ويستدلوا، ولكن في حاشية نسخة (ط) والبحار (ليستدلوا) وعلى هذا فتقدير الكلام: وذكرت هذا البيان في العرش والكرسي ليستدل العلماء على صدق دعواهم فيهما به.
(4) أي فمن صفاته المختلفة المشار إليها في صدر الحديث.
(5) الأنبياء: 22، الزخرف: 82.
(6) في نسخة (و) (وهو عرش وصف الوحدانية لا قوام أشركوا - الخ)، ولفظ (قوم) في المواضع الثلاثة بعد غير مكتوب بالألف فهو مجرور أو مرفوع.
(7) مضى ذكر هذه الفرية في الحديث الثالث عشر من الباب الثامن والعشرين.
51 - باب أن العرش خلق أرباعا(5)
1 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن
____________
(1) كلمة (عن) في كلامه عليه السلام متعلقة بسبحان في الآية، أو بالأعلى في كلامه.
(2) (ما) هذه مصدرية، أي وشبهوه بالمتشابه منهم في حال جهلهم به.
(3) الأعراف: 180.
(4) يوسف: 106.
(5) إعلم أن العرش في اللغة يأتي بمعنى سرير السلطنة، ومنه قوله تعالى: (أيكم يأتيني بعرشها) وبمعنى السقف وأعالي البناء، ومنه قوله تعالى: (وهي خاوية على عروشها) ويأتي مصدرا بمعان، ويستعمل مجازا واستعارة لمعان، كل ذلك مذكور في مظانه، وأما تفسيراته في العلوم فعند أهل الحكمة والهيئة يطلق على الفلك التاسع فكونه أرباعا على هذا إنما هو لفرض دائرتين متقاطعتين على ما فصل في كتب الهيئة، أو لكونه مركبا من العقل والنفس والمادة والصورة على ما ذكر في بعض الكتب، وفسر في بعض الأخبار كالحديث الأول من الباب التاسع والأربعين بعلمه تعالى، لا علمه الذاتي الذي هو عين ذاته، بل العلم الذي أعطى أول من خلق وحمل عليه، وعلى هذا فكونه أرباعا باعتبار أصول العلم كله وأركانه التي هي أربع كلمات من كلمات التوحيد، كما أشير إلى هذا في حديث رواه العلامة المجلسي - رحمه الله - في الرابع عشر من البحار عن الفقيه والعلل والمجالس عن الصادق عليه السلام (أنه سئل لم سمي الكعبة كعبة؟ قال لأنها مربعة، فقيل له: لم صارت مربعة؟ قال لأنها بحذاء البيت المعمور وهو مربع، فقيل له: ولم صار البيت المعمور مربعا؟ قال:
لأنه بحذاء العرش وهو مربع، فقيل له: ولم صار العرش مربعا؟ قال: لأن الكلمات التي بني عليها الإسلام أربع: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. وحقيقة هذا العلم نور ينور به ما دون العرش من الموجودات كما أشير في حديث الباب وفيما رواه الكليني - رحمه الله - في باب العرش والكرسي من الكافي في حديث الجاثليق عن أمير المؤمنين عليه السلام:
(إن العرش خلقه الله من أنوار أربعة: نور أحمر منه احمرت الحمرة ونور أخضر منه اخضرت الخضرة ونور أصفر منه اصفرت الصفرة ونور أبيض البياض، وهو العلم الذي حمله الله الحملة، وذلك نور من عظمته، فبعظمته ونوره أبصر قلوب المؤمنين، و بعظمته ونوره عاداه الجاهلون، وبعظمته ونوره ابتغى من في السماوات والأرض من جميع خلائقه إليه الوسيلة بالأعمال المختلفة والأديان المشتبهة، فكل محمول، يحمله بنوره وعظمته وقدرته، لا يستطيع لنفسه ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا، فكل شئ محمول، والله تبارك وتعالى الممسك لهما أن تزولا والمحيط بهما من شئ، وهو حياة كل شئ ونور كل شئ، (سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبير).
وأما العرش بمعنى الملك وجميع الخلق والقدرة والدين وبعض الصفات كعرش الوحدانية على ما ورد كل ذلك في الأخبار فتصور تربعه بعيد، والعلم عند الله وعند صفوته.