2 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، قال: حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن علي بن أسباط، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل:
(قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا)(1) قال: بأعمالهم شقوا.
3 - حدثنا الشريف أبو علي محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: حدثنا علي بن محمد ابن قتيبة النيسابوري، عن الفضل بن شاذان، عن محمد بن أبي عمير، قال: سألت أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام عن معنى قول رسول الله صلى الله عليه وآله: (الشقي من شقي في بطن أمه والسعيد من سعد في بطن أمه) فقال: الشقي من علم الله وهو في بطن أمه أنه سيعمل أعمال الأشقياء(2) والسعيد من علم الله وهو في بطن أمه أنه سيعمل أعمال السعداء، قلت له: فما معنى قوله صلى الله عليه وآله: (اعملوا فكل ميسر لما خلق الله)؟ فقال: إن الله عز وجل خلق الجن والإنس ليعبدوه ولم يخلقهم ليعصوه، وذلك قوله عز وجل: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)(3) فيسر كلا لما خلق له، فالويل لمن استحب العمى على الهدى.(4)
____________
(1) المؤمنون: 106.
(2) في نسخة (ط) و (ن) في الموضعين: (من علمه الله).
(3) الذاريات: 56.
(4) في نسخة (و) بعد الحديث الرابع هكذا: (قال مصنف هذا الكتاب: ولهذا الحديث معنى آخر وهو أن أم الشقي جهنم، قال الله عز وجل: (وأما من خفت موازينه فأمه هاوية) والشقي من جعل في الهاوية، والسعيد من أسكن الجنة).
أقول: وله معنى آخر مذكور في بعض الأخبار، وهو أن ملك الأرحام يكتب له بإذن الله بين عينيه أنه سعيد أم شقي وهو في بطن أمه، ومعنى آخر أن المراد بالأم دار الدنيا فإنه كما يولد من بطن أمه إلى الدنيا يولد من الدنيا إلى الآخرة فإحديهما حاصلة له في الدنيا بأعماله.
5 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن يعقوب بن يزيد، عن صفوان بن يحيى، عن منصور بن حازم، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: إن الله عز وجل خلق السعاة والشقاوة قبل أن يخلق خلقه(3) فمن علمه الله سعيدا لم يبغضه أبدا، وإن عمل شرا أبغض عمله ولم
____________
(1) هو أبو عثمان معلى بن عثمان الأحول الكوفي الثقة الذي روي عن أبي عبد الله عليه السلام بلا واسطة أيضا، وفي نسخة (و) و (ه) عن معلى بن عثمان، وأما معلى بن أبي عثمان كما في بعض النسخ فالظاهر أنه خطأ.
(2) الختم بالسعادة أو الشقاوة منوط بخير القلب وعدمه، وهو ما أنبأ عنه في قوله تعالى: (لو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم) وقوله: (إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا) وهذا الخير هو ميل القلب إلى الحق وحبه له كائنا ما كان وإن لم يعرف مصداقه واشتبه عليه الباطل به، فإن على الله الهدى إن علم ذلك من عبده.
(3) في الكافي: (فمن خلقه الله سعيدا لم يبغضه أبدا - الخ) (وإن كان شقيا لم يحبه أبدا - الخ) أقول: لا شبهة أن السعادة التي هي الفوز بالمطلوب والشقاوة التي هي الحرمان عنه لاحقتان بالعبد إثر عقيدته وعمله كما صرح به في الحديث الأول، فمعنى خلقهما قبل خلق الخلق خلق عللهما وأن لا تتم إلا باختيار العبد، أو المعنى أنه تعالى خلقهما بخلق الإنسان الذي هو موضوعهما في العوالم السالفة كالميثاق والأرواح قبل أن يخلقه خلقة هذه النشأة، أو معنى خلقهما تقديرهما في ألواح التقدير لا إيجادهما في موضوعهما.
6 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، وسعد بن عبد الله جميعا، قالا: حدثنا أيوب بن نوح، عن محمد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل: (واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه)(1) قال: يحول بينه وبين أن يعلم أن الباطل حق(2) وقد قيل: إن الله تبارك وتعالى يحول بين المرء وقلبه بالموت(3) وقال أبو عبد الله عليه السلام: إن الله تبارك وتعالى ينقل العبد من الشقاء إلى السعادة ولا ينقله من السعادة إلى الشقاء.(4)
____________
(1) الأنفال: 24.
(2) وكذا أن يعلم أن الحق باطل، وهذا عام لكل أحد من الناس، وذلك لأن اليقين من صنع الرب تعالى، ولا يصنع في عبده اليقين بما خالف الحق، بل إما يصنع اليقين أو لا يصنع، ولما رواه العياشي في تفسيره عن الصادق عليه السلام أنه قال (لا يستيقن القلب إن الحق باطل أبدا ولا يستيقن أن الباطل حق أبدا) فأما المخالفون للحق الآخذون الباطل مكان الحق أو الحق مكان الباطل فهم إما مستيقنون بأنفسهم جاحدون بألسنتهم أو شاكون وإن استدلوا على ما بأيديهم، وإلا لم يتم الحجة عليهم لأن اليقين حجة بنفسه مع أن لله تعالى الحجة البالغة على جميع خلقه، والحاصل أن متعلق يقين القلب حق أبدا، وأما الأباطيل فهي وراء اليقين، فمن ادعى اليقين بباطل فهو كذاب مفتر.
(3) الظاهر أن نقل هذا القيل من الصدوق رحمه الله.
(4) إن قلت: إن كان المراد بالشقاوة والسعادة بحسب ما يراه الناس فالنقل ثابت من كل منهما إلى الآخر كما نطق به الحديث وشهد به الواقع، وإن كان المراد بهما بحسب ما في علم الله فلا نقل أصلا لأن ما علمه تعالى لا يتغير، قلت: إن الكلام منصرف عن هذا البحث بل المراد أن الله تعالى يلطف بأمور لبعض من يسلك سبيل الشقاوة فيقربه من سبيل السعادة لمصالح لشخصه أو لغيره سواء ختم أمره بالسعادة أو بالشقاوة، ولا يمكر بمن يسلك سبيل السعادة بأمر فيقربه من سبيل الشقاوة سواء أيضا ختم أمره بها أو بها. والشاهد له الحديث السابع من الباب التالي، ولا يبعد أن يكون الكلام ناظرا إلى مسألة البداء.
59 - باب نفي الجبر والتفويض
1 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: إن الله عز وجل خلق الخلق فعلم ما هم صائرون إليه، وأمرهم ونهاهم، فما أمرهم به من شئ فقد جعل لهم السبيل إلى الأخذ به، وما نهاهم عنه من شئ فقد جعل لهم السبيل إلى تركه، ولا يكونوا آخذين ولا تاركين إلا بإذن الله(1).
2 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن حفص بن قرط، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من زعم أن الله تبارك وتعالى يأمر بالسوء والفحشاء فقد كذب على الله، و من زعم أن الخير والشر بغير مشية الله فقد أخرج الله من سلطانه، ومن زعم أن المعاصي بغير قوة الله فقد كذب على الله، ومن كذب على الله أدخله الله النار. يعني بالخير والشر: الصحة والمرض، وذلك قوله عز وجل: (ونبلوكم بالشر والخير فتنة)(2).
____________
(1) هذا هو الحديث الثامن من الباب السادس والخمسين بسند آخر، وفي نسخة (و) هنا: يعني بعلمه كما هناك.
(2) الأنبياء: 35، والظاهر أن قوله: (يعني بالخير - الخ) من الصدوق فإن الحديث مروي بعين السند في باب الجبر والقدر من الكافي إلى قوله: (أدخله النار) ثم إن مفاد الكلام أعم من هذا التفسير، بل هو رد على المفوضة القائلين بأن مشيئة الله غير متعلقة بأفعال العباد.
4 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا الحسن ابن متيل(2) عن أحمد بن أبي عبد الله، عن علي بن الحكم، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: الله تبارك وتعالى أكرم من أن يكلف الناس ما لا يطيقونه والله أعز من أن يكون في سلطانه ما لا يريد 5 - حدثنا علي بن عبد الله الوراق رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن جعفر ابن بطة، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، ومحمد بن علي بن محبوب، ومحمد بن الحسين بن عبد العزيز، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن حماد ابن عيسى الجهني، عن حريز بن عبد الله، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: إن الناس في القدر على ثلاثة أوجه: رجل يزعم أن الله عز وجل أجبر الناس على المعاصي فهذا قد ظلم الله في حكمه فهو كافر، ورجل يزعم أن الأمر مفوض إليهم فهذا قد أوهن
____________
(1) سعته باعتبار مشيئة الله العامة لكل شئ في الوجود، فإن الجبرية ضيقوا مشيئته تعالى لأنهم يقولون لا تتعلق بمشيئة العبد لفعله إذ لا مشيئة له، والقدرية ضيقوها لأنهم يقولون لا تتعلق بها إذا لعبد مستقل في مشيئته، ويرد قول الفريقين الحديث القدسي المشهور المروي عن النبي والأئمة عليهم السلام: (يا ابن آدم بمشيئتي كنت أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء) وقد مضى في الباب الخامس والخمسين.
(2) بفتح الميم، وقيل بضمها، وفي نسخه (و) وصفة بالدقاق، قال في قاموس الرجال:
إن المصنف (يعني الممقاني) زاد في عنوانه الدقاق القمي، والدقاق يستفاد من خبر مزار التهذيب وأما القمي فلم يعلم مستنده.
6 - حدثنا علي بن عبد الله الوراق رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن إسماعيل بن سهل، عن عثمان بن عيسى، عن محمد بن عجلان، قال: قلت لأبي - عبد الله عليه السلام: فوض الله الأمر إلى العباد؟ فقال: الله أكرم من أن يفوض إليهم، قلت: فأجبر الله العباد على أفعالهم؟ فقال: الله أعدل من أن يجبر عبدا على فعل ثم يعذبه عليه.
7 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا: سعد بن عبد الله، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن سليمان بن جعفر الجعفري، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام، قال: ذكر عنده الجبر والتفويض، فقال: ألا أعطيكم في هذا أصلا لا تختلفون فيه ولا تخاصمون عليه أحدا إلا كسرتموه، قلنا: إن رأيت ذلك، فقال: إن الله عز وجل لم يطع بإكراه، ولم يعص بغلبة(1) ولم يهمل العباد في ملكه، هو المالك لما ملكهم، والقادر على ما أقدرهم عليه، فإن ائتمر العباد بطاعته لم يكن الله عنها صادا ولا منها مانعا وإن ائتمروا بمعصيته فشاء أن يحول بينهم وبين ذلك فعل وإن لم يحل وفعلوه فليس هو الذي أدخلهم فيه، ثم قال عليه السلام: من يضبط حدود هذا الكلام فقد خصم من خالفه(2).
____________
(1) قوله: (لم يطع بإكراه) رد على الجبرية، وقوله: (لم يعص بغلبه) رد على القدرية وفي نسخة و (و) و (ط) و (ن) (لم يطع بالاكراه).
(2) حاصل كلامه عليه السلام: أنه تعالى قادر على كل شئ ومالك كل شئ حتى إرادات ذويها فإنها بيده يمنع ويعطي فلا معنى لقول القدرية المفوضة، لكنه تعالى يخلي بين العبد و بين إرادته في مقام الطاعة فيفعل فيستحق، ويخلي بينه وبينها في مقام المعصية تارة ويحول أخرى بسلب مقدمة من المقدمات الخارجية أو الداخلية، فإن حال فهو لطف من الله لعبده، وإن لم يحل وفعل العبد فإنما فعل بإرادته التي جعلها الله تعالى من حيث الفعل والترك بيده، لا أنه تعالى أكرهه على ذلك، فليس على الله شئ، إذ ليس من حق العبد على الله عز وجل أن يحول بينه وبين معصيته، فلا معنى لقول الجبرية.
9 - حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق المؤدب رحمه الله، قال: حدثنا أحمد ابن علي الأنصاري، عن عبد السلام بن صالح الهروي، قال: سمعت أبا الحسن علي بن موسى بن جعفر عليهم السلام يقول: من قال بالجبر فلا تعطوه من الزكاة ولا تقبلوا له شهادة، إن الله تبارك وتعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها، ولا يحملها فوق طاقتها(2) ولا تكسب كل نفس إلا عليها، ولا تزر وازرة وزر أخرى.(3)
10 - حدثنا جعفر بن محمد بن مسرور رحمه الله قال: حدثنا الحسين بن محمد ابن عامر، عن معلى بن محمد البصري، عن الحسن بن علي الوشاء، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام، قال: سألته فقلت له: الله فوض الأمر إلى العباد؟ قال: الله أعز
____________
(1) بيانه أنك حيث نهيته فلم ينته فتركته على عمله لست أنت الذي أمرته بالمعصية، كذلك الله تعالى حيث نهى العبد عن المعصية فلم ينته فتركه وخلى بينه وبين عمله ليس هو الذي أدخله فيها وأجبره عليها، فالله خلاه فلا جبر، وقادر على منعه إن شاء فلا تفويض.
(2) إشارة إلى قوله تعالى: (ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به)، والفقرات الثلاث الأخر مذكورة في الكتاب.
(3) في نسخه (و) و (ن) و (ه) بعد الحديث التاسع هذا الحديث: (حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله، فقال: يا رسول الله أرسل ناقتي وأتوكل أو أعقلها وأتوكل؟
فقال: لا، بل اعقلها وتوكل).
قال الله عز وجل: يا ابن آدم أنا أولى بحسناتك منك، وأنت أولى بسيئاتك مني، عملت المعاصي بقوتي التي جعلتها فيك.
11 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا أحمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد، قال:
حدثنا أبو عبد الله الرازي، عن الحسن بن الحسين اللؤلؤي، عن ابن سنان، عن مهزم، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: أخبرني عما اختلف فيه من خلفت من موالينا، قال: قلت: في الجبر والتفويض، قال: فسلني، قلت: أجبر الله العباد على المعاصي؟
قال: الله أقهر لهم من ذلك(1) قال: قلت: ففوض إليهم؟ قال: الله أقدر عليهم من ذلك، قال: قلت: فأي شئ هذا أصلحك الله؟ قال: فقلب يده مرتين أو ثلاثا، ثم قال: لو أجبتك فيه لكفرت.
12 - حدثنا أحمد بن هارون الفامي رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن عبد الله ابن جعفر الحميري، عن أبيه، قال: حدثنا إبراهيم بن هاشم، عن علي بن معبد، عن الحسين بن خالد، عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام، قال: قلت له: يا ابن رسول الله إن الناس ينسبوننا إلى القول بالتشبيه والجبر لما روي من الأخبار في ذلك عن آبائك الأئمة عليهم السلام، فقال: يا ابن خالد أخبرني عن الأخبار التي رويت عن آبائي الأئمة عليهم السلام في التشبيه والجبر أكثر أم الأخبار التي رويت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك؟! فقلت: بل ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك أكثر، قال: فليقولوا: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول بالتشبيه والجبر إذا، فقلت له:
إنهم يقولون: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يقل من ذلك شيئا وإنما روي عليه، قال:
____________
(1) كأن القائل بالجبر يقول: إن الله تعالى لو جعل عباده مختارين لفات عنه انفاذ مشيئته فيهم كما ذهب إليه المفوضة، فقال عليه السلام: أنه تعالى أقهر لهم من ذلك، وليست الملازمة ثابتة، بل هو قاهر عليهم مع اختيارهم، وفي نسخة (و) (الله أرحم لهم من ذلك) والعجب أن كلا من الفريقين على حسب سلوكهم لو جازوا عن مقامهم وقعوا في مهوى الآخرين، و ذلك لأنهم لم يطلبوا العلم عن باب مدينته حتى يستقيموا على الطريقة الوسطى.
60 - باب القضاء والقدر والفتنة والأرزاق والأسعار والآجال
1 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن دراج، عن زرارة، عن عبد الله بن سليمان، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سمعته يقول: إن القضاء والقدر خلقان من خلق الله، والله يزيد في الخلق ما يشاء.(1)
____________
(1) قال المجلسي رحمه الله ذيل هذا الحديث في البحار القضاء والقدر: (خلقان من خلق الله) بضم الخاء أي صفتان من صفات الله، أو بفتحهما أي هما نوعان من خلق الأشياء وتقديرها في الألواح السماوية، وله البداء فيها قبل الايجاد، فذلك قوله: (يزيد في الخلق ما يشاء) أو المعنى مرتبتان من مراتب خلق الأشياء فإنها تتدرج في الخلق إلى أن تظهر في الوجود العيني.
أقول: ولا يبعد أن يكون المراد بهما موجودين من الملائكة أو غيرهم يجري على أيديهم قضاؤه تعالى وقدره كالنازلين ليلة القدر، مع أن إطلاق الخلق على نفس القضاء والقدر صحيح باعتبار جريانهما في الممكنات كالمشيئة على ما في الحديث الثامن في الباب الخامس والخمسين.
3 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن خالد البرقي، عن عبد الملك بن عنترة الشيباني، عن أبيه، عن جده، قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن القدر، قال عليه السلام: بحر عميق فلا تلجه، قال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن القدر، قال عليه السلام: طريق مظلم فلا تسلكه، قال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن القدر، قال عليه السلام: سر الله فلا تكلفه(3) قال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن القدر، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أما إذا أبيت فإني سائلك، أخبرني أكانت رحمة الله للعباد قبل أعمال العباد أم كانت أعمال العباد قبل رحمة الله؟! قال: فقال له الرجل: بل كانت رحمة الله للعباد قبل أعمال العباد، فقال أمير المؤمنين عليه السلام:
قوموا فسلموا على أخيكم فقد أسلم وقد كان كافرا، قال: وانطلق الرجل غير بعيد، ثم انصرف إليه فقال له: يا أمير المؤمنين أبا لمشية الأولى نقوم ونقعد ونقبض ونبسط؟ فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: وإنك لبعد في المشية(4) أما إني سائلك عن
____________
(1) في نسخة (و) و (ج) و (ه) (عن ابن أذينة، عن زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام).
(2) بيانه أنه تعالى لا يسأل العباد يوم القيامة عما قضى عليهم قضاء تكوينيا حتى نفس أفعالهم الصادرة عنهم لأنها من حيث هي هي أشياء تقع في الوجود تبعا لعللها فليست خارجة عن حيطة قدره تعالى وقضائه. بل مورد السؤال يوم القيامة هو أفعالهم من حيث الموافقة و المخالفة لقضائه التشريعي الذي هو التحليل والتحريم، وهذا هو العهد.
(3) في البحار باب القضاء والقدر: (فلا تتكلفه).
(4) في نسخة (ط) و (ن) (وإنك لبعيد في المشيئة).
لما شاء، قال عليه السلام: يأتونه يوم القيامة كما شاء أو كما شاؤوا؟ قال: يأتونه كما شاء، قال عليه السلام: قم فليس إليك من المشية شئ.(1)
4 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن القاسم بن محمد الإصبهاني عن سليمان بن داود المنقري، عن سفيان بن عيينة(2) عن الزهري، قال: قال رجل لعلي بن الحسين عليهما السلام،: جعلني الله فداك أبقدر يصيب الناس ما أصابهم أم بعمل؟
فقال عليه السلام: إن القدر والعمل بمنزلة الروح والجسد، فالروح بغير جسد لا تحس والجسد بغير روح صورة لا حراك بها(3) فإذا اجتمعا قويا وصلحا، وكذلك العمل والقدر، فلو لم يكن القدر واقعا على العمل لم يعرف الخالق من المخلوق وكان
____________
(1) إن السائل توهم أن أعمال العباد لو كانت واقعة بقدر الله تعالى لزم الظلم إذا عذبوا عليها إذ لا محيص لهم عن القدر، كما أن هذا التوهم ألجأ المفوضة إلى التفويض ونفي القدر فأجاب عليه السلام أن أعمال العباد مسبوقة برحمته، مرتبطة بها، مقدرة بها كسائر الأشياء، فإن رحمته وسعت كل شئ، فإن كانت مقدرة بها فلا معنى لأن يكون في التقدير ظلم، فالجواب يرجع إلى نفي الملازمة بإثبات ضد الظلم في القدر، وحيث إنه عليه السلام نفي التفويض وأثبت القدر توهم الجبر فرجع وقال: (أبا لمشيئة الأولى - الخ) إذ إثبات القدر في الأعمال يستلزم كونها بمشيئته، وهذا من عجيب أمر هذا المبحث إذ نفي أحد الطرفين يجر إلى الطرف الآخر والقرار في الوسط يحتاج إلى قريحة لطيفة وفكرة دقيقة، فأثبت عليه السلام للعبد مشيئة ولله تعالى المشيئة إلا أنها متقدمة حاكمة عليها مؤثرة فيها. وقوله: (فليس إليك من المشيئة شئ) أي ليس شئ من مشيئتك مفوض إليك من دون تأثير مشيئته، وهذا هو الأمر بين أمرين، وفي نسخة (ب) و (د) (فليس إليك في المشيئة شئ) وفي نسخة (ن) (فليس لك من المشيئة شئ) و في نسخة (ج) (ليس لك في المشيئة شئ).
(2) في نخسة (ب) و (د) وحاشية نسخة (ن) و (ط) (عن سيف بن عيينة).
(3) في نسخة (ب) و (ط) و (ن) (لا حراك لها).
5 - حدثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا أحمد بن يحيى بن زكريا القطان، قال: حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب، قال: حدثنا علي بن زياد، قال:
حدثنا مروان بن معاوية، عن الأعمش، عن أبي حيان التيمي(4)، عن أبيه - و
____________
(1) بيان كلامه عليه السلام: إن القدر يضاف إلى الله تعالى وهو هندسة الشئ ووضع حدوده وجودا وعدما، ويضاف إلى الأمر المقدر وهو تعينه وتقدره بتلك الهندسة والحدود، فما لم يكن القدر من الله تعالى لشئ لعدم تحقق بعض ما له دخل فيه لم يتعين ذلك الشئ ولم يوجد (وهذا معنى قوله عليه السلام: (لم يمض ولم يتم) ولم يعرف الخالق منه ولم يكن قدر الله فيه محسوسا، ثم إن العمل حيث إن له دخلا فيما يصيب الإنسان في دنياه وآخرته وإنه جزء لقدر ما يصيبه قال عليه السلام: (ولكنهما باجتماعهما قويا) وصارا منشأ لتحقق ما يصيب الإنسان (وصلحا) لحصوله. والحاصل إنا كل شئ خلقناه بقدر، فلولا القدر لم يكن مخلوقا ولا القدر فيه محسوسا ولا المقدر منه معروفا، وعمل الإنسان له دخل فيما له وما عليه، فلذلك لم يتم قدر الله لما يصيب الإنسان إلا بالعمل، إلا أن القدر هو الأصل في ذلك لمكان التمثيل ولأن العمل أيضا موقع للقدر، ثم إن قوله: (لا نحس - ولا يحس) في الموضعين على بناء المجهول، والضمير المجرور في قوله: (ولله فيه العون) يرجع إلى العمل.
(2) في نسخة (ج) (فأبصر بهما الغيب).
(3) أي فتح عيني القلب وتركه من القدر، وفي هذا الكلام إشارة إلى أن المعرفة بسر القدر والرضا به لمن فتحت عين قلبه.
(4) هو أبو حيان يحيى بن سعيد بن حيان التيمي الكوفي، ثقة مات سنة خمس و أربعين. كما قال ابن حجر والذهبي. وفي نسخة (ب) (عن أبي حنان التيمي).
6 - حدثنا أبي، ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمهما الله قالا: حدثنا محمد بن يحيى العطار، وأحمد بن إدريس جميعا، عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري، عن إبراهيم بن هاشم، عن علي بن معبد، عن عمر بن أذينة، عن زرارة قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: كما أن بادي النعم من الله عز وجل وقد نحلكموه، فلذلك الشر من أنفسكم وإن جرى به قدره(3).
7 - أبي رحمه الله، قال: حدثنا أحمد بن إدريس، قال: حدثنا محمد بن أحمد، عن يوسف بن الحارث، عن محمد بن عبد الرحمن العرزمي، عن أبيه عبد الرحمن بإسناده رفعه إلى من قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: قدر الله المقادير قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة.
____________
(1) بالرفع على أن يكون علما للسيف، وفي نسخة (و) و (ب) (ذا الفقار) بالنصب فهو وصف له.
(2) أي أشقى الأمة أو أشقى الفرقة المارقة أو أشقى الثلاثة المتعاهدين.
(3) في نسخه (ج) (وإن جرى به القدر) وفي نسخة (ه) (وإن جرى بيده قدره).
9 - حدثنا أبو الحسن محمد بن عمرو بن علي البصري(4) قال: حدثنا أبو الحسن علي بن الحسن المثنى(5) قال: حدثنا أبو الحسن(6) علي بن مهرويه القزويني، قال: حدثنا أبو أحمد الغازي، قال: حدثنا علي بن موسى الرضا
____________
(1) في نسخة (ب) (ابن مقيرة القزويني) بالقاف والياء المثناة من تحت، وفي نسخة (د) و (ه) وحاشية نسخة (ن) كما في المتن والبقية (ابن مغيرة القزويني) بالغين والياء.
(2) في نخسة (ب) (عن عمر بن ثابت) (3) أي سقوط الحائط المائل على من عنده من قضاء الله تعالى، إلا أنه لم يقدر لي فلا يقضي فلا يقع على بل المقدر لي الفرار من عنده، وهذا لا ينافي ما روي في باب فضل اليقين من الكافي عن الصادق عليه السلام: (إن أمير المؤمنين صلوات الله عليه جلس إلى حائط مائل يقضي بين الناس، فقال بعضهم: لا تقعد تحت هذا الحائط فإنه معود، فقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: حرس امرء أجله، فلما قام سقط الحائط، قال: وكان أمير المؤمنين عليه السلام يفعل هذا وأشباهه، وهذا اليقين - انتهى الحديث) لأنه عليه السلام كان عالما بأن المقدر سقوط الحائط بعد قيامه عنه والإمام عليه السلام يعمل بعض الأحيان بعلمه وإن كان الوظيفة بحسب الظاهر المعلوم الفرار عن الحائط.
(4) في نسخة (ن) و (ط) (أبو الحسين محمد بن عمر بن علي البصري).
(5) في نسخة (ه) (أبو الحسين علي بن الحسن الميثمي) وفي نسخة (و) (أبو الحسن علي بن الحسن بن المثنى، وفي نسخة (ب) أبو الحسين علي بن الحسن بن المثنى) وفي نسخة (د) (أبو الحسين علي بن الحسين بن المثنى).
(6) في نسخة (د) وحاشية نسخة (ب) (أبو الحسين).
قال مصنف هذا الكتاب: قضاء الله عز وجل في المعاصي حكمه فيها، ومشيته في المعاصي نهيه عنها، وقدره فيها علمه بمقاديرها ومبالغها(3).
____________
(1) كأنه عليه السلام أراد بالمعاصي أعم من المكروهات، ولم يدخل المباحات في القسمة.
(2) ولا برضى الله تعالى أيضا.
(3) أقول: قد ورد في الأحاديث أنه لا يكون شئ في السماوات والأرض إلا بسبع:
مشيئة، إرادة، قدر، قضاء، كتاب، أجل، إذن، وكذا ورد فيها كالحديث التاسع من الباب الرابع والخمسين أن الله تعالى علم وشاء وأراد وقدر وقضى وأمضى، وكذا أحاديث أخر دالة على أن كل شئ واقع بقضائه وقدره حتى أفعال العباد ومعاصيهم، وبالنظر في أخبار هذا الباب والأبواب السبعة قبله وغيرها ينحل ما يخطر بالبال من الشبهات في هذا المبحث، ومجمل القول: أن كل شئ حتى كل فعل صدر من العبد من حيث هو شئ إنما يقع في الخارج بعلله المنتهية إليه تعالى، وإنكار ذلك إخراج لبعض ما في ملكه عن سلطانه تعالى عن ذلك، لكنه تعالى جعل فعل العبد بيده أي بقدرته وإرادته، وإنكار قدرة العبد وإرادته سفه وإنكار لأمر وجداني، يوجب ذلك الشبهات التي تراكمت في أذهان أصحابها لانحرافهم عن الحق وأهله، مع أن قدرته وإرادته وكل شئ له محكومة بتلك الأمور، فإذا فعل فإنما فعل بقدرته وإرادته بعد مشيئة الله له وإرادته وقدره وقضائه وإذنه بأجل في كتاب، وأما أمره تعالى ونهيه فإنهما لا يتعلقان بفعل العبد من حيث ذاته وإنه شئ إذ لو لم يكن أمر ولا نهي لكان الفعل واقعا أو غير واقع من غير دخل لهما فيه، بل يتعلقان به من حيث الموافقة بمعنى أن الأمر وكذا النهي يبعث العبد مع شرائط البعث فيه على أن يجعل فعله وتركه وفقا لما أمر به ونهى عنه، والحاصل أن الفعل المأمور به أو المنهى عنه من حيث هو كذلك الذي يتحقق الطاعة بموافقته والمعصية بمخالفته ليس موردا لإرادته وقضائه وغيرهما من أسباب الخلق، نعم مورد للتشريعية منها.