الصفحة 371

10 - وبهذا الإسناد قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: الدنيا كلها جهل إلا مواضع العلم، والعلم كله حجة إلا ما عمل به، والعمل كله رياء إلا ما كان مخلصا، و الاخلاص على خطر حتى ينظر العبد بما يختم له.

11 - حدثنا الحسين بن إبراهيم بن أحمد المؤدب رضي الله عنه، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن علي بن معبد، عن الحسين بن خالد، عن علي بن موسى الرضا، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه علي ابن أبي طالب عليهم السلام، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: قال الله جل جلاله:

من لم يرض بقضائي ولم يؤمن بقدري فليلتمس إلها غيري، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

في كل قضاء الله خيرة للمؤمن.(1)

12 - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن محمد بن عذافر، عن أبيه، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم في بعض أسفاره إذا لقيه ركب فقالوا: السلام عليك يا رسول الله، فالتفت إليهم فقال: ما أنتم؟ فقالوا: مؤمنون، فقال: ما حقيقة إيمانكم. قالوا: الرضا بقضاء الله والتسليم لأمر الله والتفويض إلى الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: علماء حكماء كادوا أن يكونوا من الحكمة أنبياء، فإن كنتم صادقين فلا تبنوا ما لا تسكنون، ولا تجمعوا ما لا تأكلون، واتقوا الله الذي إليه ترجعون.

13 - حدثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني، قال: حدثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال، عن أبيه، عن هارون

____________

(1) في نسخة (د) (في كل قضاء الله عز وجل خيرة للمؤمنين).


الصفحة 372
ابن مسلم(1) عن ثابت بن أبي صفية، عن سعد الخفاف، عن الأصبغ بن نباتة، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام لرجل: إن كنت لا تطيع خالقك فلا تأكل رزقه(2) وإن كنت واليت عدوه فاخرج عن ملكه، وإن كنت غير قانع بقضائه وقدره فاطلب ربا سواه.

14 - وبهذا الإسناد، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: قال الله تبارك وتعالى لموسى عليه السلام: يا موسى احفظ وصيتي لك بأربعة أشياء: أولهن ما دمت لا ترى ذنوبك تغفر فلا تشغل بعيوب غيرك(3) والثانية ما دمت لا ترى كنوزي قد نفدت فلا تغتم بسبب رزقك، والثالثة ما دمت لا ترى زوال ملكي فلا ترج أحدا غيري، والرابعة ما دمت لا ترى الشيطان ميتا فلا تأمن مكره.

15 - وبهذا الإسناد عن الإصبع بن نباتة، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام:

أما بعد فإن الاهتمام بالدنيا غير زائد في الموظوف وفيه تضييع الزاد، والاقبال على الآخرة غير ناقص من المقدور(4) وفيه إحراز المعاد، وأنشد:


(لو كان في صخرة في البحر راسيةصماء ملمومة ملس نواحيها)
(رزق لنفس يراها الله لا نفلقتعنه فأدت إليه كل ما فيها)
(أو كان بين طباق السبع مجمعهلسهل الله في المرقى مراقيها)
(حتى يوافي الذي في اللوح خط لهإن هي أتته وإلا فهو يأتيها)(5)

____________

(1) في نسخة (و) و (ط) و (ن) (عن مروان بن مسلم).

(2) في نسخة (ط) و (ن) (فلا تأكل من رزقه).

(3) في النسخ المخطوطة عندنا: (فلا تشتغل - الخ)، وما هنا أبلغ.

(4) في نسخه (و) و (ه‍) و (ج) (غير ناقص في المقدور).

(5) قوله: (فأدت إليه) هكذا في النسخ، والقاعدة تقتضي إليها، أي فأدت تلك الصخرة إلى تلك النفس، وكذا الكلام في الضمير المستتر في يوافي والضمير المجرور باللام بعده لأن مرجعهما النفس، والتذكير يمكن أن يكون باعتبار صاحب النفس، وقوله: (مجمعه) اسم مكان والضمير يرجع إلى رزق، وفي نسخه (و) و (ب) وحاشية نسخة (ن) (مجمعة) بالتاء مكان الضمير، وهو اسم مكان أيضا، أي مجمعة له، وقوله: (وفي المرقى مراقيها) أي لسهل الله في السماء صعود مدارج السماوات السبع لمن رزقه فيها، والمصراع الأخير نظير قوله عليه السلام في النهج: (الرزق رزقان: رزق تطلبه ورزق يطلبك، فإن لم تأته أتاك) والضمائر المؤنثة في المصراع الأخير راجعة إلى النفس والمذكرة إلى الرزق.


الصفحة 373
قال مصنف هذا الكتاب: كل ما مكننا الله عز وجل من الانتفاع به ولم يجعل لأحد منعنا منه فقد رزقناه وجعله رزقا لنا، وكل ما لم يمكننا الله عز وجل من الانتفاع به وجعل لغيرنا منعنا منه فلم يرزقناه ولا جعله رزقا لنا.(1)

16 - حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن إبراهيم بن هاشم، عن أحمد بن سليمان، قال: سأل رجل أبا الحسن عليه السلام وهو في الطواف فقاله له: أخبرني عن الجواد، فقال له: إن لكلامك وجهين: فإن كنت تسأل عن المخلوق فإن الجواد الذي يؤدي ما افترض الله عز وجل عليه، والبخيل من بخل بما افترض الله عليه، وإن كنت تعني الخالق فهو الجواد إن أعطى وهو الجواد إن منع لأنه إن أعطى عبدا أعطاه ما ليس له وإن منع ما ليس له.

17 - حدثنا أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبيد الله ابن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، قال: حدثني جدي

____________

(1) أقوله: الله تعالى خالق الخلق ورازقهم، والخلق هو الايجاد، والرزق هو إيصال ما ينتفع به الموجود إليه، وكما يطلق الخلق على المخلوق يطلق الرزق على المرزوق أي ما ينتفع به الموجود، وهذا أمر تكويني داخل تحت القدر والقضاء، يستوي فيه الإنسان و غيره والمكلف وغيره وكاسب الحلال وغيره، فإن على الله رزق كل موجود إن أراد بقاءه، ثم إن من الرزق ما يكتسب بأسباب في أيدي المكلفين من المعاملات وغيرها، وبعض تلك الأسباب ممضى من الشارع وبعضها غير ممضى، وما يكتسب بالأول فهو الحلال وما يكتسب بالثاني فهو الحرام، فاختلف المسلمون فالمعتزلة وفاقا للإمامية إلى أن الحلال رزق والحرام لا يسمى رزقا، والأشاعرة إلى أن كليهما رزق، ولكل من الفريقين متمسكات من الكتاب والسنة، وقول المصنف هنا: (ولم يجعل لأحد منعنا منه) لإخراج الحرام. وتفصيل الكلام في محله.


الصفحة 374
يحيى بن الحسن، قال: حدثنا يعقوب بن يزيد، قال: حدثني ابن أبي عمير و عبد الله بن المغيرة، عن أبي حفص الأعشى، عن أبي حمزة، عن علي بن الحسين عليهما السلام، قال:

خرجت حتى انتهيت إلى هذا الحائط فاتكيت عليه، فإذا رجل عليه ثوبان أبيضان ينظر في وجهي، ثم قال لي: يا علي بن الحسين ما لي أراك كئيبا حزينا، أعلى الدنيا حزنك؟

فرزق الله حاضر للبر والفاجر، فقلت: ما على هذا أحزن وإنه لكما تقول، قال:

أفعلى الآخرة حزنك؟ فهو وعد صادق يحكم فيه ملك قاهر، قلت: ما على هذا أحزن وإنه لكما تقول: قال: فعلى ما حزنك؟ فقلت: أنا أتخوف من فتنة ابن الزبير(1) فضحك، ثم قال: يا علي بن الحسين هل رأيت أحدا خاف الله تعالى فلم ينجه. قلت: لا، قال: يا علي بن الحسين هل رأيت أحدا سأل الله عز وجل فلم يعطه؟ قلت: لا، قال عليه السلام: ثم نظرت فإذا ليس قدامي أحد.

18 - حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمه الله، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن المفضل بن صالح، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام، قال:

إن موسى بن عمران عليه السلام قال: يا رب رضيت بما قضيت، تميت الكبير وتبقي الصغير، فقال الله جل جلاله: يا موسى أما ترضاني لهم رازقا وكفيلا؟ قال: بلى يا رب، فنعم الوكيل أنت ونعم الكفيل.

19 - حدثنا حمزة بن محمد بن أحمد بن جعفر بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب عليهم السلام، وأحمد بن الحسن القطان، ومحمد بن إبراهيم بن أحمد المعاذي، قالوا: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني مولى بني هاشم، قال:

حدثنا يحيى بن إسماعيل الجريري(2) قراءة، قال: حدثنا الحسين بن إسماعيل قال: حدثنا عمرو بن جميع، عن جعفر بن محمد، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن

____________

(1) في نسخة (ط) (فقلت: لما أتخوف من فتنة ابن الزبير) فمن بيانية، وفي نسخه (ج) (إنا نتخوف - الخ).

(2) في نسخة (د) و (ب) (الحريزي) بالزاي المعجمة قبل الياء الأخيرة.


الصفحة 375
جده عليهم السلام قال: دخل الحسين بن علي عليهما السلام، على معاوية(1) فقال له: ما حمل أباك على أن قتل أهل البصرة ثم دار عشيا في طرقهم في ثوبين؟! فقال عليه السلام: حمله على ذلك علمه أن ما أصابه لم يكن ليخطئه(2) وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، قال:

صدقت، قال: وقيل لأمير المؤمنين عليه السلام لما أراد قتال الخوارج: لو احترزت يا أمير المؤمنين فقال عليه السلام:


أي يومي من الموت أفرأيوم لم يقدر أم يوم قدر
يوم ما قدر لا أخشى الردىوإذا قدر لم يغن الحذر(3)

20 - حدثنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن أحمد الإصبهاني، قال: حدثنا مكي بن أحمد بن سعدويه البرذعي، قال: أخبرنا أبو منصور محمد بن القاسم بن عبد الرحمن العتكي، قال: حدثنا محمد بن أشرس، قال: حدثنا إبراهيم بن نصر قال: حدثنا وهب بن وهب بن هشام أبو البختري، قال: حدثنا جعفر بن محمد(4) عن أبيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب عليهم السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: يا علي إن اليقين أن لا ترضي أحدا على سخط الله، ولا تحمدن أحدا على ما آتاك الله، ولا تذمن أحدا على ما لم يؤتك الله، فإن الرزق لا يجره حرص حريص ولا يصرفه كره كاره، فإن الله عز وجل بحكمته وفضله(5) جعل الروح والفرج(6) في

____________

(1) النسخ متفقة في هذه العبارة مع أنه لا يستقيم ارجاع ضمير جده إلى جعفر بن محمد وهذا ظاهر، ولا إلى (أبي) لأن الجد حينئذ هو الحسين بن علي، ولا إلى أبيه وهذا أيضا ظاهر، فعن جده إما زيادة أو صاحب القصة الحسن دون الحسين عليهما السلام مع ارجاع الضمير إلى أبي، والله العالم.

(2) قوله: (أن - الخ) بالفتح معمول لعلمه، ويحتمل الكسر، وفي نسخة (د) (على أن ما أصابه - الخ) فيكون جوابا آخر.

(3) في نسخة (و) (لا أخشى الورى).

(4) في نسخة (ب) و (ج) و (د) و (ه‍) (حدثني جعفر بن محمد).

(5) في نسخة (و) و (ه‍) (بحكمه وفضله).

(6) في نسخة (ج) و (د) و (ط) و (ن) (جعل الروح والفرج) بالجيم.


الصفحة 376
اليقين والرضا، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط، إنه لا فقر أشد من الجهل(1) ولا مال أعود من العقل، ولا وحدة أوحش من العجب، ولا مظاهرة أوثق من المشاورة، ولا عقل كالتدبير، ولا ورع كالكف عن المحارم، ولا حسب كسن الخلق، ولا عبادة كالتفكر، وآفة الحديث الكذب، وآفة العلم النسيان وآفة العبادة الفترة، وآفة الظرف الصلف، وآفة الشجاعة البغي، وآفة السماحة المن، وآفة الجمال الخيلاء، وآفة الحسب والفجر.

21 - حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمه الله، قال: حدثنا أبي، قال:

حدثنا محمد بن أبي الصهبان، قال: حدثنا أبو أحمد محمد بن زياد الأزدي، قال:

حدثني أبان الأحمر، عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام، أنه جاء إليه رجل فقال له:

بأبي أنت وأمي عظني موعظة، فقال عليه السلام، إن كان الله تبارك وتعالى قد تكفل بالرزق فاهتمامك لماذا، وإن كان الرزق مقسوما فالحرص لماذا، وإن كان الحساب حقا فالجمع لماذا، وإن كان الخلف من الله عز وجل حقا فالبخل لماذا(2) وإن كانت العقوبة من الله عز وجل النار فالمعصية لماذا، وإن كان الموت حقا فالفرح لماذا وإن كان العرض على الله عز وجل حقا فالمكر لماذا، وإن كان الشيطان عدوا فالغفلة لماذا، وإن كان الممر على الصراط حقا فالعجب لماذا، وإن كان كل شئ بقضاء وقدر فالحزن لماذا، وإن كانت الدنيا فانية فالطمأنينة إليها لماذا؟!.

22 - حدثنا أبو منصور أحمد بن إبراهيم بن بكر الخوري بنيسابور، قال:

حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن هارون الخوري، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن زياد الفقيه الخوري، قال: حدثنا أحمد بن عبد الله الجويباري الشيباني، عن علي بن موسى الرضا، عن أبيه، عن آبائه، عن علي عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الله عز وجل قدر المقادير ودبر التدابير قبل أن يخلق آدم بألفي

____________

(1) في نسخة (ج) و (ط) و (ن) (فإنه لا فقر - الخ).

(2) المعنى أنه تعالى إن كان يخلف على العبد ما أنفقه ويعوضه أضعاف ما صرفه في سبيله فالبخل لماذا؟.


الصفحة 377
عام(1).

23 - حدثنا أبو عبد الله الحسين بن محمد الأشناني الرازي العدل ببلخ، قال: حدثنا علي بن مهرويه القزويني(2) قال: حدثنا علي بن موسى الرضا، عن أبيه، عن آبائه، عن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، قال: إن يهوديا سأل علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: أخبرني عما ليس لله وعما ليس عند الله وعما لا يعلمه الله، فقال عليه السلام: أما ما لا يعلمه الله عز وجل فذلك قولكم يا معشر اليهود:

إن عزيرا ابن الله والله لا يعلم له ولدا، وأما قولك ما ليس لله فليس لله شريك، و قولك: ما ليس عند الله فليس عند الله ظلم للعباد، فقال اليهودي: أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.

24 - حدثنا محمد بن إبراهيم بن أحمد بن يونس الليثي، قال: حدثنا أحمد ابن محمد بن سعيد الهمداني مولى بني هاشم، قال: أخبرني الحارث بن أبي أسامة قراءة، عن المدائني، عن عوانة بن الحكم، وعبد الله بن العباس بن سهل الساعدي،

____________

(1) قد مضى في الحديث السابع تقدير المقادير قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، والاختلاف يدل على تعدد التقدير للكل، أو أن التقدير لبعض الأشياء قبل بعضها، وفي حاشية نسخة (ط) و (ن) (قبل أن يخلق العالم - الخ).

(2) في نسخة (و) و (ه‍) (حدثنا علي بن مهرويه القزويني قال: حدثنا داود بن سليمان الغزاء (بالغين المعجمة والزاي المعجمة مبالغة الغازي) قال: حدثنا علي بن موسى الرضا - الخ) وهذا هو الصحيح، وهذا الرجل هو أبو أحمد الغازي المذكور في الحديث التاسع، ولا يبعد أن يكون ملقبا بالغزاء والغازي معا، ولا يخفى أن الرجل مذكور في الحديث الرابع والعشرين من الباب الثاني، والحديث السابع عشر من الباب الثامن والعشرين بلقب الفراء بالفاء والراء المهملة، ولا شبهة أنه تصحيف الغزاء، ونحن أبقيناه عليه لاتفاق النسخ عليه، وقال في قاموس الرجال: داود بن سليمان بن وهب الغازي روى عن الرضا عليه السلام حديث الإيمان كما يظهر من لئالي السيوطي وروى الخصال عنه حديث رواية أربعين حديثا إلا أن النساخ صحفوا الغازي فيه بالفراء، أقول: الأقرب أن صحفوا الغزاء به كما قلنا.


الصفحة 378
وأبي بكر الخراساني مولى بني هاشم، عن الحارث بن حصيرة، عن عبد الرحمن بن جندب، عن أبيه وغيره أن الناس أتوا الحسن بن علي بعد وفاة علي عليهما السلام، ليبايعوه فقال: الحمد لله على ما قضى من أمر، وخص من فضل، وعم من أمر، وجلل من عافية(1) حمدا يتمم به علينا نعمه ونستوجب به رضوانه، إن الدنيا دار بلاء وفتنة وكل ما فيها إلى زوال، وقد نبأنا الله عنها كيما نعتبر، فقدم إلينا بالوعيد كي لا يكون لنا حجة بعد الانذار، فازهدوا فيما يفنى، وارغبوا فيما يبقى، وخافوا الله في السر والعلانية، إن عليا عليه السلام في المحيا والممات والمبعث عاش بقدر و مات بأجل، وإني أبايعكم على أن تسالموا من سالمت وتحاربوا من حاربت، فبايعوه على ذلك.

قال محمد بن علي بن الحسين مصنف هذا الكتاب: أجل موت الإنسان هو وقت موته، وأجل حياته هو وقت حياته وذلك معنى قول الله عز وجل: (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون)(2) وإن مات الإنسان حتف أنفه على فراشه أو قتل فإن أجل موته هو وقت موته، وقد يجوز أن يكون المقتول لو لم يقتل لمات من ساعته، وقد يجوز أن يكون لو لم يقتل لبقي(3) وعلم ذلك مغيب عنا

____________

(1) في نسخة (و) (الحمد لله على ما قضى من أمره - الخ) وفي نسخة (د) (الحمد لله على ما قضى من أمر ورخص من فضل وعم من أمر وحلل من غاية).

(2) الأعراف: 34، والنحل: 61.

(3) يقال الأجل لنفس المدة كقوله تعالى (أيما الأجلين قضيت) ولمنتهى المدة كقوله تعالى: (إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى) فأجل الإنسان منتهى مدة حياته الذي يقع فيه موته بالقتل أو بحتف الأنف، وأجل أمة وقت فنائهم، وقال قوم من المعتزلة: إن أجل المقتول ليس الوقت الذي يقتل فيه بل الوقت الذي لو لم يقتل لبقي إليه هو أجله، وقد ورد في آيات وأخبار أن الأجل أجلان: المقضى والمسمى، وتفصيل الكلام في محله، وقال العلامة رحمه الله في شرح التجريد: اختلف الناس في المقتول لو لم يقتل فقالت المجبرة: إنه كان يموت قطعا وهو قول أبي الهذيل العلاف، وقال بعض البغداديين: إنه كان يعيش قطعا، وقال أكثر المحققين: إنه كان يجوز أن يعيش ويجوز له أن يموت.


الصفحة 379
وقد قال الله عز وجل: (قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم)(1) وقال عز وجل: (قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل)(2) ولو قتل جماعة في وقت لجاز أن يقال: إن جميعهم ماتوا بآجالهم وإنهم لو لم يقتلوا لماتوا من ساعتهم، كما كان يجوز أن يقع الوبا في جميعهم فيميتهم، في ساعة واحدة، وكان لا يجوز أن يقال: إنهم ماتوا بغير آجالهم، وفي الجملة أن أجل الإنسان هو الوقت الذي علم الله عز وجل أنه يموت فيه أو يقتل، وقول الحسن عليه السلام في أبيه عليه السلام (إنه عاش بقدر ومات بأجل) تصديق لما قلناه في هذا الباب والله الموفق للصواب بمنه.

25 - حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب السجزي بنيسابور، قال:

أخبرنا أبو نصر منصور بن عبد الله بن إبراهيم الإصبهاني، قال: حدثنا علي بن عبد الله، قال: حدثنا الحسن بن أحمد الحراني، قال: حدثنا يحيى بن عبد الله بن الضحاك، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، قال: قيل لأمير المؤمنين عليه السلام:

ألا نحرسك، قال: حرس كل امرء أجله.

26 - حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب قال: حدثنا منصور بن عبد الله، قال: حدثنا علي بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: حدثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن وهب، قال: كنا مع سعيد بن قيس بصفين ليلا والصفان ينظر كل واحد منهما إلى صاحبه حتى جاء أمير المؤمنين عليه السلام فنزلنا على فنائه فقال له سعيد بن قيس: أفي هذه الساعة يا أمير المؤمنين؟! أما خفت شيئا، قال: وأي شئ أخاف؟! إنه ليس من أحد إلا و معه ملكان موكلان به أن يقع في بئر أو تضربه دابة أو يتردى من جبل حتى يأتيه القدر، فإذا أتى القدر خلوا بينه وبينه.

27 - حدثنا أبو نصر محمد بن أحمد بن إبراهيم بن تميم السرخسي بسرخس قال: حدثنا أبو لبيد محمد بن إدريس الشامي، قال: حدثنا إبراهيم بن سعيد

____________

(1) آل عمران: 154.

(2) الأحزاب: 16.


الصفحة 380
الجوهري، قال: حدثنا أبو ضمرة أنس بن عياض، عن أبي حازم، عن عمر وبن شعيب(1) عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا يؤمن أحدكم حتى يؤمن بالقدر خيره وشره وحلوه ومره.

28 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رضي الله عنه، قال:

حدثنا محمد بن الحسن الطائي، قال: حدثنا أبو سعيد سهل بن زياد الآدمي، الرازي عن علي بن جعفر الكوفي، قال: سمعت سيدي علي بن محمد يقول: حدثني أبي محمد بن علي، عن أبيه الرضا علي بن موسى، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين ابن علي عليهم السلام، وحدثنا محمد بن عمر الحافظ البغدادي، قال: حدثني أبو القاسم إسحاق بن جعفر العلوي، قال: حدثني أبي جعفر بن محمد بن علي، عن سليمان ابن محمد القرشي، عن إسماعيل بن أبي زياد السكوني، عن جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام - واللفظ لعلي بن أحمد بن محمد ابن عمران الدقاق - قال: دخل رجل من أهل العراق على أمير المؤمنين عليه السلام فقال: أخبرنا عن خروجنا إلى أهل الشام أبقضاء من الله وقدر؟ فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: أجل يا شيخ، فوالله ما علوتم تلعة ولا هبطتم بطن واد إلا بقضاء من الله وقدر فقال الشيخ: عند الله أحتسب عنائي(2) يا أمير المؤمنين، فقال: مهلا يا شيخ، لعلك تظن قضاء حتما وقدرا لازما(3) لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب والأمر والنهي والزجر، ولسقط معنى الوعيد والوعد، ولم يكن على مسيئ لائمة ولا لمحسن محمدة، ولكان المحسن أولى باللائمة من المذنب والمذنب أولى بالاحسان من

____________

(1) في نسخة (ج) (عن أبي دجانة عن عمر بن شعيب)، وفي نسخة (ط) (عن أبي دجانة عن عمرو بن سعيد).

(2) أي إن كان خروجنا وجهادنا بقضائه تعالى وقدره لم نستحق أجرا فرجائي أن يكون عنائي عند الله محسوبا في عداد أعمال من يتفضل عليهم بفضله يوم القيامة.

(3) بالمعنى الذي زعمته الجبرية.


الصفحة 381
المحسن(1) تلك مقالة عبدة الأوثان وخصماء الرحمن وقدرية هذه الأمة ومجوسها يا شيخ إن الله عز وجل كلف تخييرا، ونهى تحذيرا، وأعطى على القليل كثيرا، ولم يعص مغلوبا، ولم يطع مكرها، ولم يخلق السماوات والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار(2).

قال: فنهض الشيخ وهو يقول:


(أنت الإمام الذي نرجو بطاعتهيوم النجاة من الرحمن غفرانا)(3)
(أوضحت من ديننا ما كان ملتبساجزاك ربك عنا فيه إحسانا)
(فليس معذرة في فعل فاحشة(4)قد كنت راكبها فسقا وعصيانا)
(لا لا ولا قائلا ناهيه أوقعهفيها عبدت إذا يا قوم شيطانا)
(ولا أحب ولا شاء الفسوق ولاقتل الولي له ظلما وعدوانا)
(أني يحب وقد صحت عزيمتهذو العرش أعلن ذاك الله إعلانا)

قال مصنف هذا الكتاب: لم يذكر محمد بن عمر الحافظ في آخر هذا الحديث إلا بيتين من هذا الشعر من أوله.

وحدثنا بهذا الحديث أبو الحسين محمد بن إبراهيم بن إسحاق الفارسي العزائمي، قال: حدثنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن رميح النسوي بجرجان، قال:

حدثنا عبد العزيز بن إسحاق بن جعفر ببغداد، قال: حدثني عبد الوهاب بن عيسى المروزي، قال: حدثنا الحسن بن علي بن محمد البلوي، قال: حدثنا محمد

____________

(1) لأنهما في أصل الفعل سيان، إذ ليس بقدرتهما وإرادتهما مع أن المحسن يمدحه الناس وهو يرى ذلك حقا له وليس كذلك فليستحق اللائمة دون المذنب، والمذنب يذمه الناس وهو يرى ذلك حقا عليه وليس كذلك فليستحق الاحسان كي ينجبر تحمله لأذى ذم الناس دون المحسن.

(2) كما في سورة ص: 27.

(3) في حاشية نسخة (ه‍) (يوم المعاد من الرحمن غفرانا).

(4) في نسخة (ط) و (و) (فليس معذرة في كل فاحشة).


الصفحة 382
ابن عبد الله بن نجيح، عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده عليهم السلام.

وحدثنا بهذا الحديث أيضا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا الحسن ابن علي السكري، قال: حدثنا محمد بن زكريا الجوهري، قال: حدثنا العباس ابن بكار الضبي، قال: حدثنا أبو بكر الهذلي، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: لما انصرف أمير المؤمنين عليه السلام من صفين قام إليه شيخ ممن شهد معه الواقعة فقال: يا أمير المؤمنين أخبرنا عن مسيرنا هذا أبقضاء من الله وقدر؟ وذكر الحديث مثله سواء، إلا أنه زاد فيه: فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين فما القضاء والقدر اللذان ساقانا وما هبطنا واديا ولا علونا تلعة إلا بهما؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام: الأمر من الله والحكم(1) ثم تلا هذه الآية: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا)(2) أي أمر ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا.

29 - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا موسى بن عمران النخعي، عن عمه الحسين ابن يزيد النوفلي، عن علي بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سألته عن الرقي(3) أتدفع من القدر شيئا؟ فقال: هي من القدر، وقال عليه السلام: إن القدرية مجوس هذه الأمة وهم الذين أرادوا أن يصفوا الله بعدله فأخرجوه من سلطانه، وفيهم نزلت هذه الآية: (يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر * إنا كل شئ خلقناه بقدر).(4)

30 - حدثنا أبو الحسين محمد بن إبراهيم بن إسحاق الفارسي العزائمي، قال: حدثني أبو سعيد أحمد بن محمد بن رميح النسوي، قال: حدثنا عبد العزيز بن يحيى التميمي بالبصرة، وأحمد بن إبراهيم بن معلى بن أسد العمي، قالا: حدثنا

____________

(1) أي قضاء وقدرا تشريعيين.

(2) الإسراء: 23.

(3) جمع رقية كغرفة، هي ما يعوذ به الصبيان وأصحاب الآفات كالحمى والصرع وغيرهما.

(4) القمر: 49.


الصفحة 383
محمد بن زكريا الغلابي(1) قال: حدثنا أحمد بن عيسى بن زيد(2) قال: حدثنا عبد الله بن موسى بن عبد الله بن حسن، عن أبيه، عن آبائه، عن الحسن بن علي ابن أبي طالب عليهما السلام، أنه سئل عن قول الله عز وجل: (إنا كل شئ خلقناه بقدر)، فقال: يقول عز وجل: إنا كل شئ خلقناه لأهل النار بقدر أعمالهم(3) 31 - حدثنا أبي رحمه الله قال: حدثنا علي بن الحسن الكوفي، عن أبيه الحسن بن علي بن عبد الله الكوفي، عن جده عبد الله بن المغيرة عن إسماعيل بن مسلم أنه سئل الصادق عليه السلام عن الصلاة خلف من يكذب بقدر الله عز وجل، قال:

فليعد كل صلاة صلاها خلفه.

32 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدثنا علي بن الحسين السعدآبادي، قال: حدثنا أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن زياد بن المنذر، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباته، قال:

قال أمير المؤمنين عليه السلام في القدر: ألا إن القدر سر من سر الله، وستر من ستر الله، وحرز من حرز الله، مرفوع في حجاب الله، مطوي عن خلق الله، مختوم بخاتم الله، سابق في علم الله، وضع الله العباد عن علمه(4) ورفعه فوق شهاداتهم ومبلغ عقولهم لأنهم لا ينالونه بحقيقة الربانية ولا بقدرة الصمدانية ولا بعظمة النورانية ولا بعزة الوحدانية، لأنه بحر زاخر خالص لله تعالى، عمقه ما بين السماء و

____________

(1) أبو عبد الله محمد بن زكريا بن دينار الغلابي أحد الرواة للسير والأحداث و المغازي وغير ذلك وكان ثقة صادقة، كذا قال ابن النديم، والغلاب بالغين المعجمة و اللام المخففة والباء الموحدة أبو قبيلة بالبصرة.

(2) في نسخة (ب) و (د) (أحمد بن عيسى بن يزيد).

(3) وأما أهل الجنة فإن لهم من الله فضلا كبيرا غير ما أعدلهم أجرا كريما.

(4) هكذا في النسخ إلا نسخة (ج) ففيها: (ومنع الله العباد عن علمه) وفي البحار باب القضاء والقدر عن إعتقادات الصدوق: (وضع الله عن العباد علمه) مع أن ما في الاعتقادات موافق لما هنا.


الصفحة 384
الأرض، عرضه ما بين المشرق والمغرب، أسود كالليل الدامس، كثير الحيات و الحيتان، يعلو مرة ويسفل أخرى، في قعره شمس تضيئ، لا ينبغي أن يطلع إليها إلا الله الواحد الفرد، فمن تطلع إليها فقد ضاد الله عز وجل في حكمه ونازعه في سلطانه، وكشف عن ستره وسره، وباء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير.

قال المصنف هذا الكتاب نقول: إن الله تبارك وتعالى قد قضى جميع أعمال العباد وقدرها وجميع ما يكون في العالم من خير وشر، والقضاء قد يكون بمعنى الأعلام كما قال الله عز وجل: (وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب)(1) يريد أعلمناهم، وكما قال الله عز وجل: (وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين)(2) يريد أخبرناه وأعلمناه، فلا ينكر أن يكون الله عز وجل يقضي أعمال العباد و سائر ما يكون من خير وشر على هذا المعنى لأن الله عز وجل عالم بها أجمع. ويصح أن يعلمها عباده ويخبرهم عنها، وقد يكون القدر أيضا في معنى الكتاب والإخبار كما قال الله عز وجل: (إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين))(3) يعني كتبنا وأخبرنا، وقال العجاج:


واعلم بأن ذا الجلال قد قدرفي الصحف الأولى التي كان سطر

و (قدر) معناه كتب.

وقد يكون القضاء بمعنى الحكم والالزام، قال الله عز وجل (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا)(4) يريد حكم بذلك وألزمه خلقه، فقد يجوز أن يقال: إن الله عز وجل قد قضى من أعمال العباد على هذا المعنى ما قد ألزمه عباده وحكم به عليهم وهي الفرائض دون غيرها، وقد يجوز أيضا أن يقدر الله أعمال العباد بأن يبين مقاديرها وأحوالها من حسن وقبح وفرض و نافلة وغير ذلك، ويفعل من الأدلة على ذلك ما يعرف به هذه الأحوال لهذه الأفعال فيكون عز وجل مقدرا لها في الحقيقة، وليس يقدرها ليعرف مقدارها،

____________

(1) الإسراء: 4.

(2) الحجر: 66.

(3) الحجر: 60.

(4) الإسراء: 23.


الصفحة 385
ولكن ليبين لغيره ممن لا يعرف ذلك حال ما قدره بتقديره إياه، وهذا أظهر من أن يخفى، وأبين من أن يحتاج إلى الاستشهاد عليه، ألا ترى أنا قد نرجع إلى أهل المعرفة بالصناعات في تقديرها لنا فلا يمنعهم علمهم بمقاديرها من أن يقدروها لنا ليبينوا لنا مقاديرها، وإنما أنكرنا أن يكون الله عز وجل حكم بها على عباده ومنعهم من الانصراف عنها، أو أن يكون فعلها وكونها، فأما أن يكون الله عز وجل خلقها خلق تقدير فلا ننكره.

وسمعت بعض أهل العلم يقول: إن القضاء على عشرة أوجه: فأول وجه منها العلم وهو قول الله عز وجل: (إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها)(1) يعني علمها.

والثاني الإعلام وهو قوله عز وجل: (وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب) وقوله عز وجل: (وقضينا إليه ذلك الأمر) أي أعلمناه.

والثالث الحكم وهو قوله عز وجل. (والله يقضي بالحق)(2) أي يحكم بالحق.

والرابع القول وهو قوله عز وجل: (والله يقضي بالحق)(3) أي يقول الحق.

والخامس الحتم وهو قوله عز وجل: (فلما قضينا عليه الموت)(4) يعني حتمنا، فهو القضاء الحتم.

والسادس الأمر وهو قوله عز وجل: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه) يعني أمر ربك.

والسابع الخلق وهو قوله عز وجل: (فقضيهن سبع سماوات في يومين)(5)

____________

(1) يوسف: 68.

(2) في البحار: (ويقضي ربك بالحق) وفي نسخة (ن) (وهو يقضي بالحق) وفي نسخة (و) و (ج) (يقضي بالحق) فما في النسخ كلها أما غير موجود في القرآن بعينه وأما عين ما ذكر في الوجه الرابع، فالمناسب للوجه الثالث قوله تعالى في سورة النمل: (إن ربك يقضي بينهم بحكمه وهو العزيز العليم).

(3) المؤمن: 20.

(4) سبأ: 14.

(5) فصلت: 12.