ليس من المستبعد ان يكون ابو بكر قد لام عمر وقرعه، لانه تعجل وشرع باحراق منزل اهل بيت النبوه على من فيه وهم احياء!! صحيح ان ابا بكر قد طلب من عمر ان ياتيه بعلى باعنف العنف، ولكن من الموكد ان ابا بكر اشد ادراكا من ان يقصد باعنف العنف حرق منزل اهل بيت محمد على من فيه وهم احياء، وصحيح ايضا ان ابا بكر قد امر بحرق (الفجاءه)، وهو حى مقموط، وحرق فعلا بالنار، وشمت الجموع المويده رائحه شواء جسد الفجاءه، وصفقت للخليفه واركان دولته، ولم يقل احد منها هذا معروف، او هذا منكر! لكن ابا بكر يعلم علم اليقين ان عليا ليس كالفجاءه، فعلى هو سيد المسلمين وسيد العرب، وولى المومنين حسب تقييم محمد الرسول، الذى جاء ابو بكر ليخلفه.

ثم ان عليا وفاطمه والحسن والحسين وآل محمد ليسوا مغمورين فالعالم كله يعرفهم وحرق المنزل عليهم وحرقهم احياء سيثير زوبعه كبرى يسمع بها العالم كله، وصحيح ان الجموع المويده للانقلابيين سكرى وان الكثير يقولون بقلوبهم اللهم: ان هذا منكر لا نرضى به!! ولكن قد يعموا السكارى!! وقد يجهر المنكرون فى قلوبهم، فيهب اعصار لا يبقى ولا يذر، وليس من المستبعد ان يكون عمر قد قبل اللوم والتقريع، صحيح ان ابا بكر واجهه، وان الحاكم الفعلى هو عمر فقد قاد الحزب والانقلاب معا، ولكن عمر تعود ان يكون تابعا غير متبوع، وتعود ان يزاود، وتعود ان يكتشف خطاه بعد كل مزاوده وان يتقبل اللوم، وليس من المستبعد ان عمر قد استوعب لوم الخليفه الجديد، وانهما قد اقتنعا ان احراق منزل اهل بيت محمد على من فيه، فكره غير معقوله، وليست عمليه ولا يمكن السيطره على آثارها، وان هنالك اساليب اكثر نجاعه من الحريق والقتل واعظم مردودا فلم لا يجربونها؟! لذلك صمما على ان يذهبا الى بيت على بن ابى طالب ليعتذرا له وفاطمه عن فعلتهما بالشروع باحراق منزل اهل البيت على من فيه وهم احياء!! وذهب الاثنان الى بيت على، فاستاذنا فلم تاذن لهما فاطمه، فوسطا عليا وكلماه، فادخلهما، فلما قعدا حولت وجهها الى الحائط، فسلما عليها فلم ترد عليهما السلام.. فقالت فاطمه (ارايتكما ان حدثتكما حديثا عن رسول اللّه تعرفانه وتفعلان به؟ قالا: نعم.

قالت نشدتكما اللّه الم تسمعا رسول اللّه يقول: رضا فاطمه من رضاى وسخط فاطمه من سخط‏ى، فمن احب فاطمه ابنتى فقد احبنى، ومن ارضى فاطمه فقد ارضانى، ومن اسخط فاطمه فقد اسخطنى قال الاثنان:

سمعناه من رسول اللّه!! قالت فاطمه: فانى اشهد اللّه وملائكته انكما اسخطتمانى وما ارضيتمانى، ولئن لقيت النبى لاشكونكما اليه)!! هذه اقوال لا توثر بعمر فقد واجه النبى فى بيته، واسخطه شخصيا وهو فى بيته، وكسر بخاطره، وقال له:

انت تهجر، فمثل هذه الاحاديث لا تلفت نظر عمر حتى لو قالها له رسول اللّه شخصيا.

اما ابو بكر فقد انتحب يبكى حتى كادت نفسه ان تزهق وكلمات فاطمه تلاحقه (واللّه لادعون عليك فى كل صلاه اصليها، وخرج ابو بكر باكيا، وخلفه عمر، واكتشف ابو بكر بانه واجهه لمعاداه اهل بيت النبوه والتنكيل بهم، وكان اركان حزب عمر الذين تحولوا الى اركان دوله متحلقين حول بيت على حرصا على الخليفه ونائبه، ولمعرفه نتيجه المحادثات فلما خرج الاثنان تجمع اركان الدوله فقال ابو بكر مخاطبا اركان الدوله: (يبيت كل رجل منكم معانقا حليلته مسرورا باهله، وتركتمونى وما انا فيه، لا حاجه لى فى بيعتكم اقيلونى بيعتى) (469).. من الطبيعى ان لا ترضى الجموع المويده بذلك، ومن الطبيعى ان لا يرضى عمر، لان قبول عمر واركان حزبه باستقاله ابى بكر بهذه المرحله يعنى فشل الانقلاب، ويعنى ضياع تعب اركان الحزب، وضياع الاحلام والامال التى عقدوها على نجاح الانقلاب، او بتعبير ادق يعنى ذلك ضياع مصالحهم حسب رايهم، وعوده الامور الى نصابها الشرعى الذى بينه اللّه ورسوله، ويعنى ان يصبح عليا بن ابى طالب هو الامام لنفرض ان عمر قد قبل -وهذا غير وارد- فكيف يقبل المنافقون!! واكتشف ابو بكر الحقيقه انه ليس اكثر من واجهه، وانه اذا اصر على الاستقاله فسيقتلونه وينكلون به، لذلك اعطاهم قياده، وسحب استقالته، وتابع معهم، وبهم دوره اكتمال الاحداث!

القرارات الاقتصاديه ادركت السلطه الانقلابيه الجديده ان العنف لن يركع اهل بيت النبوه، وان المفاوضه مع اهل بيت النبوه لن تجدى، بل ستطلع الناس على عداله قضيتهم، وان التهديد لن يرهب اهل بيت النبوه بل سيزيدهم عزما وتمسكا بحقهم، لذلك فكرت السلطه الانقلابيه، ودبرت، ثم اصدرت مجموعه من القرارات الاقتصاديه اسفرت تلك القرارات عن مصادره ممتلكات اهل بيت النبوه، وحرمانهم من تركه النبى، وحرمانهم من حقهم فى الخمس.

والسبب ان الخليفه الجديد واركان دولته يعرفون ان المال سلاح جبار فى منطقه الجزيره الفاصله خاصه، لذلك قررت السلطه الجديده ان تجرد عليا واهل بيت النبوه من سلاح المال، وان تعزلهم اجتماعيا تمهيدا لتجريدهم من كافه حقوقهم المدنيه والسياسيه، وتحويلهم الى مجرد ارقام وافراد جد عاديين من الرعيه.

القرار الاول: مصادره الترك النبى لم يكن الشروع بحرق منزل اهل بيت النبوه على من فيه وهم احياء كافيا، ولم يكن تهديد على بن ابى طالب بالقتل مجديا، ولا اجدت زياره الخليفه ونائبه لمنزل على ولا محاولاتهم لترضيه فاطمه الزهراء بنت محمد رسول اللّه.

اذا فصراع اهل بيت النبوه مع السلطه صراع طويل ومديد، لذلك يجب تقليم اظفار اهل بيت النبوه وتجريدهم من كافه ممتلكاتهم.

وفى هذا السياق، قررت السلطه الانقلابيه حرمان اهل بيت النبوه من تركه محمد، ومصادره هذه التركه فورا، حتى لا توول الى اهل بيت النبوه، وبدون سوال ولا جواب، اصدرت السلطه الانقلابيه الجديده قرارا بحرمان اهل بيت النبوه من ميراثهم من تركه النبى، ووضعت يدها على الفور على تركه النبى، واخذت السلطه تتصرف بهذه التركه تصرف المالك، واحس اهل البيت بحدوث شى‏ء، فاستفسروا وعلموا من الناس ان السلطه قررت مصادره تركه النبى، وحرمان ورثه النبى من هذه التركه!

فذهب على وفاطمه وقابلوا الحاكم الجديد ابا بكر ليقفوا منه على الحقيقه، عندئذ اعلمهم ابو بكر انه قد حرمهم من الميراث من تركه النبى، وانه قد صادر هذه التركه، ووضع يده عليها؟ امتثالا لامر الرسول الذى قال لابى بكر شخصيا (نحن معاشر الانبياء لا نورث) (470).

ومع ان على هو مستودع على النبوه، ومع انه وزوجته وابناه كانا يقيمان مع النبى فى بيت واحد وتحت سقف واحد، ومع ان هذا الامر يهمهم وهم احق من يسمع به، الا انهم لم يسمعوا بهذا الحديث من قبل، ولا سمع به احد من الناس غير ابى بكر، فهو من احاديث الاحاد فاستغرب على واستغربت فاطمه، وظنا ان الرجل هازل فى ما يقول:

فقالت له فاطمه من يرثك اذا مت؟ فقال ابو بكر يرثنى ولدى واهلى!! فقالت فاطمه فما لنا لا نرث النبى؟! فكرر ابو بكر مقالته السابقه (471).

وعندئذ قال على لابى بكر قال تعالى:

(وورث سليمان داود) «النمل/16» وقال تعالى على لسان زكريا (يرثنى ويرث من آل يعقوب) «مريم/6» فكيف نوفق بين قولك (الانبياء لا يورثون وبين هاتين الايتين!! هذا كتاب اللّه ينطق بالحق.

فسكت ابو بكر وانصرف مصرا على قوله وقراراته) (472).

ولم تكتف فاطمه بنت الرسول بذلك انما بسطت الخصومه بينها وبين السلطه الجديده امام المهاجرين والانصار، واقامت الحجه على ابى بكر بخطبه رائعه جاء فيها افعلى عمر تركتم كتاب اللّه ونبذتموه وراء ظهوركم ان اللّه تبارك وتعالى يقول: (وورث سليمان داود) وقال عز وجل فى ما قص من خبر يحيى بن زكريا: (فهب لى من لدنك وليا يرثنى ويرث من آل يعقوب) «مريم/5 - 6»، وقال عز وجل: (واولوا الارحام بعضهم اولى ببعض فى كتاب اللّه) «الانفال/75، الاحزاب/6» وقال تعالى: (يوصيكم اللّه فى اولادكم للذكر مثل حظ الانثيين) «النساء/11» وقال تعالى: (ان ترك خيرا الوصيه للوالدين والاقربين بالمعروف حقا على المتقين) «البقره/180» وزعمتم ان لا حق ولا ارث لى من ابى، ولا رحم بيننا، افخصكم اللّه بايه اخرج منها نبيه؟!! ام تقولون اهل ملتين لا يتوارثون؟!!

او لست انا وابى من اهل مله واحده؟!!! لعلكم اعلم بخصوص القرآن وعمومه من النبى؟!! افحكم الجاهليه تبغون؟ (473).

واصر ابو بكر على رايه، وقراراته، ووقفت الجموع مع حاكمها، فهل يعقل ان يصدقوا القرآن الكريم واهل بيت النبوه، ويكذبوا حاكمهم الذى بيده المال والاعلام والنفوذ!!

حديث (نحن معاشر الانبياء لا نورث) لم يروه اصلا الا ابو بكر وعلى الرغم من اتساع دائره الجدل حول هذه الناحيه، الا ان احدا من اركان دوله الانقلاب او مواطنيها لم يقل انه قد سمع هذا الحديث من الرسول!!! ولكن فى ما بعد تبرع العشرات من الرواه فرووا عن اركان الدوله ومويدها هذا الحديث، وذلك ليصدقوا الخليفه، وليرفعوا الشك عنه.

وقد صرح ابن ابى الحديد بذلك فى شرحه لنهج البلاغه.

والسوال الذى يطرح فى هذا المقام هو:

اذا كان اولاد محمد وارحامه لا يرثونه فمن يرثه اذا؟ قال ابو بكر يرث محمد الذى يقوم مقامه، وبما ان محمدا قد مات وبما ان ابا بكر هو خليفته، فوارث النبى الوحيد هو ابو بكر!! (474).

تحقيقا للعداله، ورحمه باهل بيت النبوه، فقد قرر ابو بكر مصادره كامل تركه النبى، وحرمان ورثه النبى من هذه التركه، ولكنه تفضل واعط‏ى آله الرسول ودابته وحذاءه الى على بن ابى طالب (475)، صحيح ان دواب الرسول جزء من التركه، وان آلته، وحذاءه اجزاء من التركه، ولكن الحاكم الجديد تركها للورثه تجاوزا بالعدل الى الرحمه!

القرار الثانى: حرمان اهل بيت النبوه من منح الرسول اثناء حياه الرسول الاعظم منح منحا كثيره للناس، وصارت هذه المنح جزءا من ممتلكاتهم، ومنح اهل بيت النبوه منحا كغيرهم من الناس، فترك ابو بكر واركان دولته كافه المنح التى اعطاها رسول اللّه للناس احتراما لمشيئه رسول اللّه، وباعتبارها صارت حقا مكتسبا، وتقديرا للذين دخلوا فى طاعه الحاكم الجديد، والتزموا بجماعته.

اما المنح التى اعطاها الرسول لاى شخص من اهل بيت النبوه، فقد قرر ابو بكر واركان دولته مصادرتها على الفور ووضع اليد عليها وحرمان اهل بيت النبوه منها!! وذلك حرصا على مصلحه المسلمين.

وكانت فاطمه بنت محمد رسول اللّه اول من حرمت من منحتها، وصودرت تلك المنحه (476)، تجد ان فاطمه بنت محمد قد قالت لابى بكر اعطنى فدك، فقد جعلها رسول اللّه لى، فسالها البينه، فشهدت ام ايمن زوج الرسول ورباح مولى الرسول فقال ابو بكر: لا يجوز الا بشهاده رجل وامراتان، وشهد لها على بن ابى طالب، ولكن الخليفه كان قد قرر المصادره، ولا راد لقرار الخليفه!! لم يسال ابو بكر الناس بينه، لقد اكتفى من الناس بوضع اليد!! اما فاطمه، فتحتاج الى بينه لاثبات ان يدها مشروعه.

القرار الثالث: قرار حرمان اهل بيت النبوه من حقهم بالخمس الوارد فى القرآن الكريم (لما منعوا بنت الرسول من ارث ابيها، ومن منح الرسول، طالبتهم بسهم ذوى القربى، فقالت لابى بكر: لقد حرمتنا اهل البيت، فاعطنا سهم ذوى القربى وقرات آيه (واعلموا انهما غنمتم من شى‏ء فان للّه خمسه وللرسول ولذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ان كنتم آمنتم باللّه وما انزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان واللّه على كل شى‏ء قدير) «الانفال/41».. فقال لها ابو بكر: سمعت رسول اللّه يقول سهم ذوى القربى للقربى حال حياتى وليس لهم بعد مماتى) (477).

وهكذا تفرد ابو بكر بحديث آخر خطير لا يعلمه احد غيره فقد حرم ورثه النبى من ميراثهم بتركه النبى بناء على حديث لا يعلمه احد سواه، وحرم نفس الورثه من حقهم بالخمس الوارد بايه محكمه فى القرآن الكريم استنادا لحديث لا يعلمه احد سواه!

الحكم على اهل البيت بالموت جوعا والكارثه مع هذه القرارات ان الصدقه غير جائزه على آل محمد ولا تحل لهم.

فقد روى مسلم فى صحيحه ان النبى كان اذا اتى بطعام سال عنه، فان كان هديه اكل منها (478)، وان كان صدقه لم ياكل منها، ومر النبى بتمره بالطريق فقال: (لولا ان تكون من الصدقه لاكلتها، وان الحسن بن على اخذ تمره من تمر الصدقه فجعلها فى فيه، فقال رسول اللّه: كخ كخ ارم بها، اما علمت انا لا ناكل الصدقه).

وفى روايه (انا لا تحل لنا الصدقه) (479).

من اين ياكل اهل بيت النبوه؟ اذا حرم اهل بيت محمد من ارث محمد، وحرموا من المنح التى منحها لهم اثناء حياته، وحرموا من الخمس الوارد فى القرآن الكريم، واذا كانت الصدقه محرمه على اهل البيت، فمن اين ياكلون بحق اللّه! هل يموتون جوعا ايها الخليفه العظيم؟!

اذا اراد اهل بيت النبوه ان لا يموتوا جوعا فعليهم ان يسالموا الخليفه قال ابو بكر لفاطمه، عندما تساءلت بهذه التساولات، وبعد ان صادر الخليفه كل شى‏ء وحرمهم من كل شى‏ء، ولاسباب انسانيه تفضل ابو بكر واجاب فاطمه عن كل تساولاتها فقال:

(انى اعول من كان رسول اللّه يعول، وانفق على من كان رسول اللّه ينفق) (480) (فال محمد ياكلون ليس لهم ان يزيدوا على الماكل)! (481).

فالحاكم يقدم لاهل البيت الماكل ولا يزيدون عليه، فطوال التاريخ، يجب على اهل بيت النبوه ان يمدوا ايديهم الى الحاكم كلما جاعوا، والحاكم على استعداد ان يقدم لهم الماكل فقط!

ومن الحشمه، وحسن الخلق ان يطيع الانسان من يطعمه، فاذا عصا الانسان المطعم وولى نعمته، فان من حق ولى النعم ان يحرم هذا العاصى من طعامه! تلك هى سنه ابى بكر وعمر، وهذا هو عدلهم، وهذا هو فهمهم لحديث الثقلين! وهذا هو التجسيد العملى لاعترافهم بولايه على بن ابى طالب، الرجل الذى قدموا التهانى له فى غدير خم!

فاطمه بنت محمد تصرخ ضج اهل بيت النبوه، واحتجوا على هذه القرارات الاقتصاديه الاليمه!! والمذله، وذهبت الزهراء بنفسها، واحتجت امام المهاجرين والانصار بخطبه من عيون خطب العرب، ذكرها الجوهرى فى كتابه السقيفه (482).

وسمع الخليفه ابو بكر، وعمر واركان حزبه، ورقص المنافقون طربا وازداد ولاوهم للسلطه، ولم يستنكر المهاجرون والانصار هذه القرارات لا بيد ولا بلسان، واكتفى الخليفه وعمر واركان حزبه بالاستماع، وبقيت القرارات ساريه المفعول.

وسعد عمر بالاثر المولم الذى تركته تلك القرارات على آل محمد واكتشف عمر ان ابا بكر اعمق غورا منه، فلقد جرد آل محمد من كل اسلحتهم دون ان يضطر لحرقهم وهو احياء كما هم عمر ان يفعل!!

وتذكرت القله المخلصه من المهاجرين والانصار حصار بطون قريش ومقاطعتهم لبنى هاشم فى شعاب ابى طالب! وكيف ان بطون قريش يومها قصرت الحصار والمقاطعه على البيع والشراء والنكاح! وتمنت القله المخلصه لو ان بطون قريش بقياده ابى بكر وعمر قد طبقوا الحصار ثانيه بعد اسلافهم على اهل البيت، فبطون قريش عندما كانت على الشرك، لم تصادر تركه محمد، ولا منحه، ولا جردت الهاشميين من ممتلكاتهم، واجبرتهم يتكففون على ابواب الحكام!! وامام فشل الضجيج والاحتجاج، لم يبق امام آل محمد غير الصبر والتسليم الى حين!

عائشه لم تكتف بما فعل ابوها وصاحبه كان ام المومنين لم تكتف بما فعل ابوها وصاحبه عمر واركان حزبهم بعلى بن ابى طالب واهل بيت النبوه، وكانها اعتقدت ان مساهمتها بالانقلاب كانت متواضعه، لذلك ارادت ان تزيد اسهمها، وان تصب جام غضبها على على بن ابى طالب ومن يتعاطف معهم، لذلك صرحت مرارا وتكرارا بوصفها زوجه الرسول المحبوبه -كما صورتها وسائل اعلام دوله ابيها- فقالت:

ان رسول اللّه قد اخبرها بان عليا بن ابى طالب والعباس بن عبد المطلب من اهل النار، وانهما سيموتان على غير دين محمد (483).

وقد وصف الامام على بن ابى طالب فى ما بعد حقيقه مشاعر ام المومنين نحوه فقال فى كلامه عند مخاطبته اهل البصره على جهه اقتصاص الملاحم: (وضغن غلا فى صدرها كمرجل القين) (484) وعائشه التى اشاعت هذين الحديثين، هى نفسها التى قالت لرسول اللّه ذات يوم: (واللّه لقد عرفت ان عليا احب اليك من ابى ومنى) (485)، وتشيع احاديثها تلك، وهى تعلم فضله ومقامه عند اللّه ورسوله، وقد سقنا من البيان النبوى الذى تعرفه عائشه بما فيه الكفايه.

ولكنها تريد ان تساعد اباها وصديقه، واركان حزبهما لاطفاء نور على، واهل بيت النبوه الى الابد.

تجريد على واهل بيت النبوه من حقوقهم السياسيه القرارات الاقتصاديه التى اتخذها الخليفه الاول ونائبه واركان دولته، جردت عليا بن ابى طالب واهل بيت النبوه عمليا من كافه حقوقهم الماليه، وكانوا قد جردوا الامام من كافه حقوقه السياسيه تجريدا كاملا، حيث ابتزوا حقه، وحرفوا الامر عنه، واستبدوا به دونه، وفوق ذلك اهانوه وهددوه بالقتل ان لم يبايع، وانتهكوا حرمه منزله، وشرعوا باحراق بيته على زوجته ابنه النبى، وابنيه، وهكذا اخذوا حقه، واغتصبوا خلافته ومنصبه.

ولم يكتف ابو بكر وعمر واركان دولتهما بذلك، انما حرموا على الهاشميين ان يتولوا اى منصب من مناصب الدوله، حتى لا يدعوا لانفسهم يوما، فيجمعوا النبوه والخلافه معا، ويتجاوزوا الخط الاحمر الذى وصفه عمر وحزبه (486)، وقد وثقنا ذلك فى الصفحات السابقه من هذا الكتاب.

وقد وصف الامام على فى ما بعد الحاله التى وصل اليها واهل بيته فقال: (لما قبض رسول اللّه، وكنا اهله وورثته وعترته واولياوه لا ينازعنا سلطانه احد، ولا يطمع فى حقنا طامع، اذ انبرى لنا قومنا، فغصبونا سلطان نبينا، فصار الامر لغيرنا، وصرنا سوقه، يطمع فينا الضعيف ويتعزز علينا الذليل) (487).

تجريد من يوالى اهل بيت النبوه او يتعاطف معهم‏من حقوقه السياسيه وعلى سبيل الاحتياط، فلم يصدف وعلى الاطلاق ان ولى ابو بكر او عمر، او عثمان او الامويين اى رجل على الاطلاق موال لال محمد او متظاهر بالولاء لهم، فقد غضبوا على من يوالى عليا واهل بيت النبوه، بسبب غضبهم على على واهل البيت، وجاء زمن من الازمان اصدر فيه معاويه بن ابى سفيان مراسيم ملكيه عممها على كل مقاطعه وكوره مفادها حرفيا:

1- (ان برئت الذمه ممن روى شيئا من فضل ابى تراب او اهل بيته) فقام الخطباء على كل منبر يلعنون عليا، ويبرءون منه.

2- وكتب نسخه الى كل عماله (من قامت عليه البينه انه يحب عليا واهل البيت، فامحوه من الديوان، واسقطوا رزقه وعطاءه)، وشفع ذلك بنسخه قال فيها (من اتهمتموه بحب هولاء القوم -اهل بيت النبوه- فنكلوا به واهدموا داره) (488)، كما نقل ذلك ابن ابى الحديد عن المدائنى.

من الذى جرا معاويه على فعل ذلك؟ معاويه كما قال برسالته الى محمد بن ابى بكر (كان يرى حق ابن ابى طالب لازما لنا وفضله مبرزا علينا... حتى اذا قبض رسول اللّه فكان ابوك وفاروقه اول من ابتزه حقه وخالفه..) (489).

فعمر بالذات، وابو بكر، هما اول من جرا الناس على رسول اللّه، وعلى الولى من بعده، وعلى اهل بيت النبوه، ومن والاهم، ولولا اجتهاد ابى بكر وعمر واركان حزبهما، لما اختلف اثنان، كما قال سلمان الفارسى.

اهل بيت النبوه اجتماعيا فوجئت الامه الاسلاميه باستيلاء عمر بن الخطاب واركان حزبه على السلطه، وبتوليتهم لابى بكر، وباحتجاجهم بحجه اهل بيت النبوه وتجاهلهم التام للرجل الذى ولاه الرسول الامامه والولايه والخلافه من بعده.

وعلمت الامه علم اليقين ان الدوله الجديده قد قبضت على مفاتيح الاموال، وان السلطه والنفوذ بيدها وطوع ارادتها.

وعلمت الامه ان السلطه الجديده قد همت بحرق منزل اهل بيت النبوه على من فيه، وانها قد هددت عليا بن ابى طالب بالقتل ان لم يبايع بعد ان اقتادته مكبلا بالحبال.

وعلمت الامه علم اليقين ان السلطه الجديده قد حرمت عليا واهل بيت النبوه من تركه النبى، وصادرت المنح التى اعطاها الرسول لهم، وانها قد وضعت يدها على كافه الممتلكات، وابعد من ذلك فان السلطه قررت حرمان اهل بيت النبوه من حقهم بالخمس الوارد بايه محكمه، وعلمت الامه علم اليقين بان اهل بيت النبوه جياع بعد هذه القرارات المولمه، وانهم اذا ارادوا ان ياكلوا فعليهم ان يراجعوا الحاكم الجديد ليقدم لهم لقمه العيش بدون زياده!

وعلمت الامه ان ام المومنين عائشه ابنه الخليفه قد اصدرت بيانا قالت فيه انها سمعت رسول اللّه يقول: (بان عليا والعباس من اهل النار وانهما سيموتان على غير دين النبى)!

وعلمت الامه علم اليقين بان السلطه تتربص وتراقب لمعرفه من يوالى عليا واهل بيت النبوه او يختلط بهم!! لتعاقبه وتنكل به، وعلمت الامه علم اليقين بان للسلطه جيش مطيع ياتمر بامرها وان هذا الجيش قادر كل القدره على قطع يد من يشير الى السلطه بسوء، وقطع لسان من يذكر السلطه بشر!

وخرجت الامه بتسبيحه مفادها (اذا كانت السلطه بهذه القسوه مع على بن ابى طالب الذى عينه رسول اللّه وليا واماما وخليفه للناس من بعده!! واذا كانت السلطه بهذه القسوه مع ابنه النبى فاطمه بنت محمد ومع سبطيه الحسن والحسين، ومع اهل بيت النبوه الذين اذهب اللّه عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا واعتبرهم احد الثقلين، فكيف تكون قسوتها مع عامه المسلمين)؟! لذلك رات الامه او اكثريتها الساحقه ان مصلحتها تقضى بالابتعاد عن على واهل بيت النبوه، وبموالاه السلطه حرصا على مصالحها وارزاقها والمنافع المرتقبه من تعاونها مع السلطه الانقلابيه.

ومع ذلك ان السلطه الانقلابيه قد نجحت نجاحا ساحقا بمحاربه على واهل بيت النبوه اجتماعيا، مثلما نجحت بنقض الحكم الالهى! وبمعنى آخر لقد ارتد الناس على اعقابهم! وصار على بن ابى طالب مجرد رجل لا حول بيده ولا قوه، وليس معه الا اهل بيته بمواجهه دوله قويه متراميه الاطراف بيدها الاموال والسلطه والنفوذ، وعندها اقوى جيوش العالم!

بهذا المناخ تحرك على بن ابى طالب واهل بيت النبوه مسلحا بالشرعيه وهو يعلم علم اليقين استحاله النجاح، لكنه يريد ان يقيم الحجه على الذين ارتدوا على اعقابهم!

فلم يغد عليه الا ثلاثه قال اليعقوبى فى تاريخه (490)، وابن ابى الحديد فى شرحه (491):

اجتمع جماعه الى على بن ابى طالب يدعونه للبيعه فقال لهم:

(اغدو على محلقين رووسكم)، فلم يغدو عليه الا ثلاثه!! هذا يعنى ان الامه قد وقفت على الحياد تنتظر من يغلب حتى تكون معه.

على وزوجته وابناه يطوفون على بيوت الانصار حمل على زوجته فاطمه -الزهراء- بنت محمد، وقاد ابنيه الحسن والحسين وطاف بهم على بيوت الانصار بيتا بيتا، يسالهم على النصره، وتسالهم فاطمه الانتصار، فنسى الانصار بيعتهم لرسول اللّه بان يحموه ويحموا ذريته كما يحمون انفسهم وذراريهم، وتذكروا فقط بيعتهم لابى بكر فقالت الانصار: (قد سبقت بيعتنا لهذا الرجل ولو كان ابن عمك سبق الينا ما عدلنا به) (492).

وهكذا تاكدت حقيقه ان الناس مع من غلب، وان عليا بن ابى طالب وحيد، ليس معه الا اهل بيته، وهكذا صار على الشرعيه ان تتصارع مع الواقع، فاذا غلبت الشرعيه صفق الناس، واكلوا من ثمارها، واذا غلب الواقع صفق الناس له، واكلوا من مائدته!

الحل الذى ارتئاه الامام علم الامام بالرده السياسيه عن الاسلام، وبقوه القوى المتحالفه التى تدعم هذه الرده السياسيه عن الاسلام، وان بطون قريش كلها ال‏23 مهاجرها وطليقها، ومعهم المنافقون والمرتزقه من الاعراب يويدون الانقلاب، ويقيمون تحالفا وثيقا مع الانقلابيين، وان هذا التحالف قد استقطب اعدادا كبيره من الانصار رغبه او رهبه، وان قسما من الانصار قد تورط بالفعل مع الانقلابيين، وانه ليس له رافد ولا معين الا اهل بيته، فقدر الامام ان المواجهه مع الذين غصبوه حقه، بهذه الظروف انتحار حقيقى، ومدمره له وللاسلام، بوصفه مستودع علم النبوه، ومدمره لاهل بيت النبوه باعتبارهم شجره النبوه، والثقل الاصغر، ونجوم الهدى وسفن النجاه.

لقد استنفد الامام كافه الجهود للحصول على النصره او الانتصار، ولم يجدهما.

عندئذ قرر الامام ان يقعد فى بيته، وان يحتج على الانقلابيين احتجاجا، لا يفرق المسلمين ولا يوهن الدين، وان يسلم بالامر الواقع ما سلمت امور المسلمين، فبقى الامام فى بيته سته اشهر لم يبايع الانقلابيين، ولم يبايع اى هاشمى (493)، وهكذا ابتعد الامام عن المواجهه غير المتكافئه، اذ لو واجههم بالقوه لقتلوه وقتلوا ابنيه، وبعدها تذيع وسائل اعلام الدوله ان عليا بن ابى طالب وابنيه ماتوا على الشرك فهم (فى ضحضاج من النار مثل ابى طالب).

ومع الايام تنجح وسائل الاعلام بتحويل الشائعات الكاذبه الى قناعات مخزيه يتبناها العامه كانها وحى من اللّه، ويومها ستتاح الفرصه امام طلاب الدنيا ليحرفوا الدين على هواهم، وان يتقولوا على اللّه ورسوله دون ان يجدوا رجلا واحدا يقول لهم، ان هذا تقول!

وان الصحيح غير ما تتقولون.

ثم لنفترض ان الامام وجد فئه تقاتلهم معه، فسيقاتل الانقلابيون حتى يغلبون الامام او يقتلونه، لانهم قد صمموا على نقض عرى الاسلام عروه عروه بادئين بالحكم.

لقد ذهل الامام من موقف الاكثريه الساحقه من الامه، ومن انحراف هذه الاكثريه، لذلك صمم الامام على التصدى للانحراف سلميا، وتكوين كوادر علميه تفهم الحقائق الشرعيه وتفهمها للناس، وبدا الامام بتكوين نواه لقاعده شعبيه تفهم الاسلام على حقيقته وتتصدى لكشف الاعيب الطامعين بالسلطه وتحريفاتهم، وكعمل عاجل قرر الامام التركيز على ايجاد كوادر علميه يعينها علم النبوه لتنقله الى الاجيال اللاحقه من غير تحريف، فجلس فى بيته، يجيب اذا سئل، ويهدى اذا استهدى، وينصح اذا استنصح، بعد ان راى بام عينه اول عروه من عرى الاسلام تحل!

التركيز على اطفاء نور الامام بعد ان نجحت السلطه باغتصاب منصب الامامه والخلافه من بعد النبى، وتجريد الامام الشرعى واهل بيت النبوه من كافه ممتلكاتهم وحرمانهم من تركه الرسول ومن المنح التى اعطاها لهم حال حياته ومن تجريدهم ومن والاهم من كافه حقوقهم السياسيه، ومن حرمانهم ومن والاهم من كافه مناصب الدوله والوظائف العامه.

عمدت السلطه بعد ذلك رسميا فمنعت من كتابه وروايه احاديث الرسول.

وكانت اولى مشاريع ابى بكر ان جمع الناس بعد وفاه نبيهم، وخطب فيهم قائلا: (انكم تحدثون عن رسول اللّه احاديثا تختلفون فيها، والناس بعدكم اشد اختلافا، فلا تحدثوا عن رسول اللّه شيئا!، فمن سالكم فقولوا بيننا وبينكم كتاب اللّه) (494) وكان ابو بكر قد كتب بخط يده قرابه 500 حديث لذلك راى ان من الحكمه ان يتخلص منها فقام باتلافها.

وعندما آلت الخلافه لعمر كانت اول مشاريعه ان طلب من الناس وناشدهم لياتوه باحاديث الرسول التى كتبوها، وظن الناس انه يريد ان يجمعها فى كتاب، فاتوه بها، فلما وضعت بين يديه امر بتحريقها وحرقت فعلا (495).

وفى كنز العمال ومنتخبه (496) وانه ما مات عمر، حتى بعث الى اصحاب الرسول فجمعهم من الافاق وقال لهم: (ما هذه الاحاديث التى افشيتم عن رسول اللّه؟! ثم منعهم من الخروج ليبقوا تحت رقابته)، وروى الذهبى فى تذكره الحفاظ (497) ان عمر حبس ثلاثه بتهمه انهم اكثروا الحديث عن رسول اللّه.

ولما آلت الخلافه لعثمان كانت اول مشاريعه ان اصدر مرسوما يقضى بعدم جواز روايه اى حديث لم يسمع به فى عهد ابى بكر وعمر (498).

(ولما آلت الامور الى معاويه، ودانت له البلاد، وانقاد له العباد طوعا وكرها اوضح علنا غايه الخلفاء من منع روايه وكتابه احاديث الرسول ومن حرقهم للمكتوب منها، وكان معاويه واضحا وصريحا عندما اصدر مرسوما ملكيا بعد عام (الجماعه) وارسل نسخا من هذا المرسوم الى كل عماله حيث جاء فيه وبالحرف (ان برئت الذمه ممن روى شيئا من فضل ابى تراب واهل بيته) (499).

فمعاويه ابرز بيت القصيد، والغايه من منع كتابه احاديث الرسول، ومن احراق المكتوب منها حتى لا ينتشر فضل ابى تراب واهل بيته، وحتى لا يعرف المسلمون حقهم الثابت شرعا بقياده الامه، وحتى يخفوا آثار جريمه اغتصاب السلطه والاستيلاء عليها بالقوه والتغلب.

وحملا على المعنى وتشكيكا بالاحاديث التى وصلت الى الناس رغم الحصار، اشاع قاده الانقلاب ان الرسول بشر يتكلم فى الغضب والرضى، ولا ينبغى ان يحمل كل كلامه على محمل الجد، ولا ينبغى ان يكتب! (500).

كما اشاع قاده الانقلاب ان الرسول لم يستخلف احدا، وانه قد خلى على الناس امرهم، واول من اطلق هذه الشائعه ابوبكر (501) حيث صرح امام اركان دولته وامام العباس بقوله... فمن اللّه تعالى بمقامه بين اظهرنا حتى اختار اللّه له ما عنده، فخلى على الناس امرهم ليختاروا لانفسهم... فاختارونى ثم جاء عمر بن الخطاب فكرر الشائعه الاولى محاولا تجذيرها واخرج ابو نعيم فى حليته (502)، ومسلم فى صحيحه كتاب الاماره، باب الاستخلاف وتركه، والبيهقى فى سننه، وابن الجوزى فى سيره عمر: ان ابن عمر قال لابيه ان الناس يتحدثون انك غير مستخلف ولو كان لك راعى ابل او غنم ثم جاء وترك رعيته، رايت انه قد فرط، ورعيه الناس اشد من رعايه الابل والغنم!! ماذا تقول للّه اذا لقيته ولم تستخلف على عباده!!.. فقال عمر: واى ذلك افعل فقد سن لى ان لم استخلف فان رسول اللّه لم يستخلف وان استخلف فقد استخلف ابو بكر!!

وهكذا روى المسعودى فى مروجه (503)، اذ اجابه عمر: ان ادع فقد ودع من هو خير منى يعنى الرسول، وان استخلف فقد استخلف من هو خير منى يعنى ابا بكر.

فعمر باقواله هذه يريد ان يقنع نفسه واركان دولته والناس من بعده، بان الرسول لم يستخلف عليا بن ابى طالب كما يشيع على! وان الرسول قد ترك امته ولا راى لها من بعده!! وانت تلاحظ انه قد وقع فى مطب، اذ قد جعل فعل ابى بكر سنه، وجعل فعل النبى سنه، واعط‏ى نفسه صلاحيه اتباع اى السنتين اراد، ولم يفرق بينهما!

انظر الى قول عبداللّه ابن عمر لابيه، فهل يعقل ان يكون راعى الغنم، او الابل، او عبداللّه بن عمر، ابعد نظرا، وادرك لعواقب الامور من رسول اللّه وهو صفوه الجنس البشرى؟!

ومع الايام والضغط الاعلامى المتواصل، صارت ولايه على والاحاديث التى وردت فيها، وفيه ضربا من اوهام المعارضه، وصار حديث الثقلين مستغربا، وصار على باحسن احواله مجرد صحابى مغمور، وصار اهل بيت النبوه مجرد افراد من قريش عشيره النبى، واختصت نساء النبى بمصطلح (اهل بيت النبوه)، وتالق نجم عائشه وحفصه، وخبا نور على واهل بيت النبوه، وركضت الجموع وراء رزقها ونصيبها من السلطه والنفوذ بلا توقف.

قال حذيفه: (فلقد رايتنا ابتلينا حتى ان الرجل ليصلى وحده وهو خائف) (504)، وفى روايه مسلم ان الرسول قد قال:

(انكم لا تدرون لعلكم ان تبتلوا) قال حذيفه: فابتلينا حتى جعل الرجل لا يصلى الا سرا (505).

لقد اعمل الحكام ايديهم فعدلوا، وبدلوا بالاسلام، واحكامه، حتى صارت للحكام احكام جديده فى كل امر من الامور، او منظومه حقوقيه تقف جنبا الى جنب مع المنظومه الالهيه التى صارت قريبه ومختلفه تماما عن منظومه الحكام.

وصار النبى مجرد رمز، وصارت النبوه مجرد وسيله للملك، وصارت الفتوحات طريقا للشرك، واسلوبا لتوسيع رقعه الملك.

الفصل الرابع: استقرار الامور لصالح ‏السلطه المتغلبه

قبض اركان حزب عمر على السلطه بيد من حديد، وصارت السلطه عمليا بيد بطون قريش ال‏23 وبيد من والاهم، وهى نفس البطون التى قاومت محمدا وحاربته لمده 23 عاما، وبدون لين ولا هواده قمعت السلطه اعداءها فى الداخل، وقهرتهم قوه قوه، ودانت لهم نفس البلاد التى دانت لرسول اللّه، وانقاد لهم كل العباد الذين انقادوا لرسول اللّه طوعا او كرها، ووجدت السلطه تحت تصرفها جيشا من اعظم جيوش العالم مدربا وموهلا للغزو ومسلحا بحلم الثروه، واحلام النفوذ، ومتعطشا لحرب تحت مظله الجهاد.

فحزمت السلطه امرها وقررت ان توجه جيشها لغزو الدولتين الاعظم معا وبوقت واحد، ففى ذلك قطع لدابر الخلافات الداخليه، واشغال الناس عن الجدل، واستجابه لطموحاتهم واحلامهم بالثروه والنفوذ وتحت مظله نشر دين اللّه والجهاد فى سبيله.

وهكذا كان، اذ توجهت الجيوش بقياده ابناء البطون ومن والاهم واشتبكت مع جيوش الدولتين الاعظم.

موت الخليفه الاول والعهد لابى حفص مرض الخليفه الاول ابو بكر مرضا شديدا، بالوقت الذى كانت فيه جيوشه تشتبك مع جيوش الدولتين الاعظم بحرب مريره، فدعا ابو بكر عثمان، فقال لعثمان: اكتب انى قد وليت عليكم..

ثم اغمى عليه من شده الوجع فكتب عثمان (عمر) اى ان عثمان اكملها من تلقاء نفسه، ولما افاق ابو بكر طلب من عثمان ان يقرا له ما كتب، ولما قرا عثمان، ارتاحت نفس الخليفه، وقال له: (لو كتبت نفسك لكنت اهلا لها) (506).

وخرج شديد مولى ابى بكر ومعه العهد الذى يحمل استخلاف عمر، وهرول عمر بين يدى حامل العهد، واخذ عمر يقول: ايها الناس اسمعوا واطيعوا قول خليفه رسول اللّه، انه يقول انما لم آلكم نصحا (507).

قارن بربك بين موقف عمر عندما اراد رسول اللّه ان يكتب عهده، وبين موقف عمر عندما كتب ابو بكر عهده!! فعمر قال لرسول اللّه: انت تهجر ولا حاجه لنا بكتابك، بينما تراه يهرول بين يدى حامل العهد وهو يقول: اسمعوا واطيعوا لخليفه رسول اللّه!! قارن واستنتج كما يحلو لك.

وسمع الناس عهد الخليفه وترحموا عليه بعد ان مات، وهتفوا باسم الخليفه الجديد عمر بن الخطاب.

الخليفه الثانى عمر بن الخطاب وصار عمر بن الخطاب خليفه بعهد من الخليفه السابق، وقطف عمر ثمره كفاحه الطويل، وورث دوله مستقره اركانها من ابناء البطون ال‏23 ومن يواليهم، وكلهم كاره لولايه اهل بيت النبوه عامه ولعلى خاصه، (واتته الخلافه منقاده اليه تجرجر اذيالها) لو شاء عمر لكان هو الخليفه الاول، لكنه اراد ان يكون ابو بكر هو الواجهه وان يدعمه حتى تستقر الاوضاع، فيرث دوله مستقره لا متاعب فيها.

لما كتب ابو بكر لعيينه بن حصن والاقرع بن جالس اخذا الكتاب الى عمر ليشهد عليه، فلما قرا عمر كتاب ابى بكر لم يعجبه فاخذه منها ثم تفل فيه ومحاه، فرجعا الى ابى بكر، وقالا له: واللّه ما ندرى اانت امير ام عمر؟ فقال ابو بكر بل هو لو شاء كان!! فجاء عمر الى ابى بكر وقرعه على هذا الكتاب فقال ابو بكر: (فلقد قلت لك انك اقوى على هذا الامر منى لكنك غلبتنى) (508).

واصاب عمر بذلك، لانه قد ورث دوله مستقره، مما اتاح له فرصه للتعديل والتبديل والتنظير، والتخطيط لمستقبل الدوله ومستقبل الخلافه.

لقد رتب عمر الامور ترتيبا محكما، بحيث يستبعد على بن ابى طالب عن الخلافه، ويستبعد اهل بيت النبوه، فلا يكون منهم خليفه قط فتصبح الامور تماما كما رتب لها، النبوه لبنى هاشم لا يشاركهم فيها احد، والخلافه لبطون قريش لا يشاركهم فيها هاشمى كما وثقنا ذلك فى الصفحات السابقه، لانه يرى ان هذا الترتيب هو العدل والتوفيق والصواب! وقد وثقنا ذلك ايضا.

لقد تاكد عمر بن الخطاب ان قيادات الجيش وحكام الولايات والاقاليم كلهم، من ابناء بطون قريش ال‏23، او ممن والاهم، وان هولاء القاده والحكام المعارضين بشده لولايه على بن ابى طالب، ومن الكارهين لولايه اهل بيت النبوه عموما.

وقد تاكد عمر انه ليس فى قاده جيشه ولا حكام اقاليمه رجل واحد يقبل بولايه على بن ابى طالب او ولايه اى شخص من اهل بيت النبوه.

وتاكد عمر ان المال والنفوذ والسلطان والاعلام بيده، وبيد قادته وحكام اقاليمه، وان عليا بن ابى طالب واهل بيت النبوه ليسوا اكثر من افراد من رعايا دولته يكافحون ليدركوا العيش، وحال من يواليهم ليس اقل سوءا من حالهم.

ترتيبات عمر بن الخطاب للخلافه من بعده لما مات ابو عبيده وقع اختيار ابى بكر وعمر على عثمان ليكون الخليفه الثالث، والترتيب ان يعهد ابو بكر بالخلافه لعمر ويعهد عمر بالخلافه لعثمان، فعثمان اموى، وموتور، وثائر لقد قتل على والهاشميون سادات بنى اميه، لذلك فان عثمان كاره لولايه على وولايه اهل بيت النبوه ومن اجل هذا كان عثمان عضوا موسسا فى حزب عمر، ولهذا كان موضع سر ابى بكر وعمر فهو الذى كتب عهد ابى بكر لعمر كما راينا، وهو الذى قال له ابو بكر: (لو كتبت نفسك لكنت اهلا للخلافه) كما وثقنا سابقا، وعثمان كان اول زعيم من زعماء المهاجرين قد بايع ابا بكر، وتبعه قومه الامويون فبايعوا.

وكان عثمان موضع سر عمر فكان الناس اذا ارادوا ان يسالوا عمر شيئا رموه بعثمان، وكان عثمان يدعى فى اماره عمر بالرديف، والرديف بلسان العرب هو الرجل الذى يلى الرجل.

والعرب تقول ذلك للرجل الذى يرجونه بعد زعيمهم (509).

ثم ان عثمان اموى، والامويون صار لهم نفوذ كاسح فى دوله البطون، ولا يصعب على رجل مثل عمر ان يلحظ ذلك، وتخطيط عمر ينصب على اعداد الامويين لمواجهه اهل بيت النبوه من بعده، ثم ها هو عمر يقول بصريح العباره ان الخليفه من بعده هو عثمان، اخرج الطبرى فى (الرياض النضره) (510)، كما اخرج ابو زرعه عن ابن عمر (انه لما طعن عمر قلت يا امير المومنين لو اجهدت نفسك وامرت عليهم رجلا.. فقال عمر: والذى نفسى بيده لاردنها للذى دفعها الى اول مره).

والذى دفعها اليه اول مره هو عثمان حيث ان عثمان هو الذى كتب عهد ابى بكر باستخلاف عمر، ولما اغمى على ابى بكر كتب عثمان اسم عمر كما اسلفنا، لان هذا هو الاتفاق المبرمج بين الثلاثه وبين اركان الحزب والدوله، فالموكد ان عمر قد استخلف عثمان، وما قضيه الشورى الا لاثاره الناس ضد على واهل بيت النبوه، ليحملوا رايه المعارضه لولايه اهل بيت النبوه اذا سقطت الرايه من عند عمر بالموت!!

عهد عمر لعثمان والشورى العجيبه لقد اوضحنا ان عثمان بن عفان كان موضع سر ابى بكر وموضع سر عمر، وقد وقع اختيار الخليفتين عليه بعد موت ابى عبيده ليكون الخليفه الثالث، وذلك لدوره كعضو موسس بالحزب، ولانه من بنى اميه.

وبنو اميه هم القوه القادره على مواجهه اهل بيت محمد بعد وفاه عمر، واوضحنا ان عمر بن الخطاب وهو على فراش الموت قد اقسم باللّه ان يردها الى الذى دفعها اليه اول مره وهو عثمان بن عفان، وكان هذا التوجه العمرى معروفا لدى العامه والخاصه، لذلك كان الناس يسمون عثمان فى عهد عمر بالرديف، والناس على ثقه تامه بان الخليفه من بعد عمر هو عثمان بن عفان.

لقد عهد عمر عمليا بالخلافه من بعده لعثمان بن عفان.

الشورى!

بعد ان عهد عمر بالخلافه لعثمان بن عفان، وعرف اركان دوله عمر بان الخليفه من بعد عمر هو عثمان اختار عمر سته من الصحابه، وصفهم عمر (بان رسول اللّه مات وهو راض عنهم وفى ما بعد جعلتهم وسائل الاعلام من المبشرين فى الجنه، وهم عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن ابى وقاص والزبير بن العوام، وطلحه، وعلى بن ابى طالب).

وقال عمر: ان الخليفه يجب ان يكون واحدا من هولاء السته، وامر صهيب ان يصلى فى الناس ثلاثه ايام، وان يدخل هولاء الرهط بيتا ويقوم على رووسهم فاذا اجتمع خمسه، وابى واحد فعلى صهيب ان يقطع راس هذا الواحد واذا اتفق اربعه وابى اثنان، فعلى صهيب ان يضرب عنقى الاثنين، وان رضى ثلاثه رجلا، وثلاثه رجلا آخر، فعليه ان يكون مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف ويقتل الثلاثه الاخرين.

فسعد لا يخالف ابن عمه عبد الرحمن، وعبد الرحمن صهر عثمان، هولاء ثلاثه، فلو وقف الثلاثه الاخرون معا وايدوا عليا لم يجد تاييدهم نفعا، لان تعليمات الخليفه واضحه، فالفيصل هو عبد الرحمن بن عوف، وسعد تابع لابن عمه وعثمان مع نفسه، لذلك فان الخليفه بالضروره هو عثمان وحسب الاتفاق يقوم عثمان بالعهد الى عبد الرحمن بن عوف فى ما بعد لان عبد الرحمن بن عوف من الموسسين لحزب عمر، واحد الذين رددوا خلف عمر (ان رسول اللّه يهجر)! وهو من الكارهين لولايه على بن ابى طالب خاصه، ولولايه اهل بيت النبوه عامه، وكان احد الرجال البارزين الذين شرعوا مع عمر بن الخطاب باحراق بيت فاطمه بنت محمد على من فيه وهم احياء، لذلك فان عمر يعلم ان اللعبه تحت السيطره تماما.

لماذا هذه الشورى اذا!!

قدر عمر ان عثمان قد يموت بوقت يطول او يقصر، عندئذ سيغلب على بن ابى طالب الناس، ويكون الخليفه من بعد عثمان، وتنتقل له الخلافه بيسر وسهوله، وهنا يقع المحذور على حد تعبيره، ويجمع الهاشميون النبوه والخلافه معا، وهذا لا يجوز حسب منطق عمر بن الخطاب لذلك اختار خمسه اشخاص لينافسوا عليا، وبموت عثمان على على ابن ابى طالب ان يتنافس مع اربعه منهم، وهكذا يضمن عمر بن الخطاب هزيمه على، وعدم فوزه بالخلافه بعد موت عثمان.

ومن جهه ثانيه فعندما يقرن عمر بن الخطاب عليا بهولاء الرجال الخمسه فانه يصغر من منزله على، ويرفع من مستوى الخمسه الى مستوى على!! ثم انه يرغم انف على بطريقه غير مباشره فاذا كان على يرى انه اولى بالخلافه من ابى بكر ومن عمر نفسه، فكيف تكون مشاعره عندما يقرن بهولاء الاشخاص!؟ ومن جهه ثالثه، فان عمر يريد بعد موت هولاء السته ان يتولى ابناء الخمسه منافسه ابناء على بن ابى طالب، وهكذا يقيم عمر بن الخطاب حلفا ضمنيا من الخمسه ضد على حال حياتهم، وحلفا ضمنيا من ابناء الخمسه ضد ابناء على بعد موت السته.

وفى ذلك تجذير لوحده البطون ضد اهل بيت محمد، وهذا هو القصد من فكره الشورى.

لماذا قبل على ان يدخل معهم؟!

على بن ابى طالب يعرف قواعد اللعبه، ويعرف مقاصد عمر ومراميه فاذا قال على انه لا يريد ان يدخل معهم فى الشورى، فمعنى ذلك انه لا يريد الخلافه، وفى ذلك اعتراف ضمنى بان الرسول لم يعينه لولايه الامر والخلافه من بعده، وان ابا بكر وعمر لم يبتزا حقه بالامامه والخلافه على حد تعبير معاويه!!

لذلك راى الامام ان يدخل فى الشورى ويقيم الحجه على القوم، وكانت فرصه امام على ليفضح اركان الدوله، وليذكر بحقه الشرعى فى الامامه من بعد النبى، وليذكر بحاله الغصب التى تعرض لها حيث قال على لاهل الشورى: (بايع الناس لابى بكر وانا واللّه اولى بالامر منه، واحق به منه، فسمعت واطعت مخافه ان يرجع الناس كفارا يضرب بعضهم رقاب بعض بالسيف، ثم بايع الناس عمر وانا واللّه اولى بالامر منه واحق به منه فسمعت واطعت مخافه ان يرجع الناس كفارا يضرب بعضهم رقاب بعض بالسيف، ثم انتم تريدون ان تبايعوا عثمان اذا اسمع واطيع، ان عمر جعلنى فى خمسه نفر انا سادسهم، لا يعرف لى فضلا عليهم فى الصلاح ولا يعرفونه لى كلنا فيه شرع سواء!! وايم اللّه لو اشاء ان اتكلم ثم لا يستطيع عربيهم ولا عجميهم ولا المعاهد منهم ولا المشرك رد خصله منها لفعلت، نشدتكم باللّه ايها النفر جميعا افيكم احد آخى رسول اللّه غيرى؟، قالوا: اللهم لا) (511).

وفى الصواعق المحرقه قال: روى الدارقطنى ان عليا قال لهم:

نشدتكم باللّه هل فيكم احد قال له رسول اللّه(ص): (يا على انت قسيم الجنه والنار يوم القيامه غيرى؟ قالوا: لا.

فقال على:

افيكم احد قال له رسول اللّه: انت منى بمنزله هارون من موسى الا انه لا نبى بعدى غيرى؟ قالوا: لا.

فقال على افيكم من اوتمن على سوره براءه وقال له رسول اللّه: انه لا يودى عنى الا انا او رجل منى غيرى؟ قالوا: لا) (512).

اذا، كانت فكره قبول الدخول مع اهل الشورى فكره عبقريه، لقد اقام الامام الحجه على القوم، وخالفوا رسول اللّه مع سبق الاصرار، وكانت مناسبه لتسريب بعض الحقائق الشرعيه للاجيال القادمه، ولما اعلن عبد الرحمن انتهاء التمثيليه، واختياره لعثمان بن عفان، قال على لعبد الرحمن: حبوته حبو حبو دهر ليس هذا اول يوم تظاهرتم فيه علينا فصبر جميل، واللّه المستعان على ما تصفون.

من هو على؟ ومن هم اهل البيت؟ قال المقداد بن عمرو: يا عبد الرحمن اما واللّه لقد تركته (يعنى عليا)، وانه من الذين يقضون بالحق وبه يعدلون.

فقال عبد الرحمن: لقد اجتهدت للمسلمين، فقال المقداد: ما رايت مثلى ما اوتى الى اهل هذا البيت بعد نبيهم! انى لاعجب من قريش انهم تركوا رجلا ما اقول ان احدا اعلم.

ولا اقضى بالعدل منه، اما واللّه لو اجد عليه اعوانا.. فقال عبد الرحمن بن عوف: يا مقداد، اتق اللّه فانى خائف عليك الفتنه.. وكان يسمع هذا الحوار رجل بمستوى المقداد وعبد الرحمن فسال الرجل المقداد قائلا (يرحمك اللّه من اهل هذا البيت؟ ومن هذا الرجل؟ فقال المقداد: اهل بيت بنو عبد المطلب، والرجل هو على بن ابى طالب) (513).

عثمان الاموى يصبح خليفه!

بكت الجموع واركان الدوله زعيمها وحبيبها الخالد عمر بن الخطاب بنفس الوقت الذى هتفت فيه باسم زعيمها الجديد عثمان بن عفان الاموى، لقد ورثه عثمان دوله مستقره، ناتج عن تحالف حقيقى بين ابناء بطون قريش ال‏23 التى قاومت رسول اللّه وحاربته طوال 21 عاما، او 23 عاما لان ابا بكر وعمر قد قدرا ان وحده هذه البطون ضد ولايه على واهل بيت النبوه هى الضمان الوحيد لاستمرار حكم ابناء البطون وتداولهم للخلافه.

ولما قبض عثمان على مقاليد الامور بدا يخطط لضرب التحالف بين البطون ال‏23 الذى اوجده الخليفتان، ولجعل الدوله امويه من جميع الوجوه، فجمع حوله كل الامويين الصالح منهم والطالح، بما فيهم اعداء اللّه كعمه الحكم بن العاص، وابن عمه مروان بن الحكم، واخوه عبداللّه بن ابى سرح، ولم يمض وقت طويل حتى صارت الدوله امويه من جميع الوجوه، فلا تجد اقليما او ولايه او مصرا من الامصار الا وواليه اموى، او متشيع لبنى اميه، وانفك التحالف عمليا بين ابناء البطون ال‏23، وتالق معاويه، واتسعت امارته، وزادت ملايينه، وتذكر معاويه نصيحه ابيه وهو يامر باطاعه عمر بن الخطاب واركان دولته (فلا تخالفهم فانك تجرى الى امد، فان بلغته اورثته عقبك) (514)، وتذكر عثمان نصيحه ابى سفيان عندما خاطب الامويين فى بيت عثمان قائلا: (يا بنى اميه تلقفوها تلقف الكره، فوالذى يحلف به ابو سفيان، ما زلت ارجوها لكم ولتصيرن الى صبيانكم وراثه، بذات الوقت الذى وقف فيه ابو سفيان على قبر حمزه وخاطبه قائلا: يا ابا عماره، ان الامر الذى عليه امس قد صار فى يد غلماننا اليوم يتلعبون به (515)، والذى قاله ابو سفيان حقيقه، فقد صارت الخلافه امويه بيد غلمان بنى اميه يلعبون بها.

وبمعنى آخر فان الخلافه صارت بيد بطن من اشد بطون قريش بغضا لاهل بيت النبوه، قال رسول اللّه: (ان اشد قومنا لنا بغضا بنو اميه، وبنو المغيره، وبنو مخزوم) (516).

لقد صار الامويون طبقه حاكمه ومميزه، فبيدهم اموال الدوله، ونفوذها، وسلطانها، وتحت سيطرتهم وسائل اعلامها!! ولم يجد مروان بن الحكم غضاضه من ان يصرح علنا ويخاطب الصحابه قائلا: شاهت الوجوه تريدون ان تنزعوا منا ملكنا!! كما يروى ابن الاثير فى تاريخه قبيل مقتل عثمان.

مع ان رسول اللّه قد وصف مروان هذا (بانه الوزغ ابن الوزغ اللعين ابن اللعين).

وعلى الرغم من وضوح بيان الرسول، الا ان عثمان بن عفان زوجه ابنته، وجعله رئيسا لوزرائه، ومن بعد صار خليفه رسول اللّه!!

والجد الاعظم لملوك او خلفاء بنى اميه!! لقد اختلت المعادله، والتحالف الذى اوجده ابو بكر وعمر بين بطون قريش ال‏23 بشكواهم وتذمرهم، وتبعتهم الجموع، فتجرات على الخليفه عثمان فقتلته شر قتله.

ولم يستخلف عثمان احدا، ولان البطون ال‏22 لا طاقه لها بالبطن الاموى، فليس فيهم من يقوى على(تعليق الجرس) (517)، ولان البطن الاموى هو المسيطر فعليا على الدوله، ولان الاقاليم والولايات كلها محكومه من امويين او من مواليين لبنى اميه، ولان الاموال كلها بيد بنى اميه بالاضافه للنفوذ، ولان الانصار قد اكتشفوا انهم قد فرطوا فى جنب اللّه، وآذوا رسوله يوم خذلوا عليا، ولان على بن ابى طالب هو الاقوى والاقدر، والاجدر بمواجهه بنى اميه وتعليق الجرس، وقسما آخرين من الناس كان يعتقد ان الفرصه لاعاده الشرعيه الى الحكم قد لاحت.

لكل هذه الاسباب، هرع الناس الى على بن ابى طالب، والحوا عليه ليقبل الخلافه، وكان اكثرهم الحاحا طلحه والزبير!