تقديم:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين، محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، من الأولين والآخرين، إلى قيام يوم الدين.
وبعد..
فإن بعض الموضوعات تمتاز بأهمية خاصة، لها ما يبررها في جهات كثيرة، خصوصاً تلك الموضوعات التي ترتبط بحساسيات مذهبية ذات طابع خاص. أو ما كان منها يلامس جوهر العواطف والمشاعر البشرية، ويحركها، ويثيرها، حيث تتكون روافدها من داخل الإنسان، ومن صميم ذاته، وفي عمق تكوينه الغريزي والعاطفي.
وموضوع الزواج المؤقت «زواج المتعة» يجمع كلتا الناحيتين، ومن هنا كانت له أهميته، وحساسيته إلى درجة كبيرة.
ولكن ذلك لا يعني: أن يتهيّب الباحثون الخوض في موضوعات كهذه، تحتم الضرورة معالجتها، وتبيين الصواب والخطأ فيها، إذا كان كل من الخطأ والصواب يؤثر بقوة وعمق على حياة المجتمعات الإنسانية، وعلى طبيعة علاقاتها من الداخل، ثم على مستقبلها بصورة أو بأخرى.
وزواج المتعة ليس بعيداً عن هذه الناحية، إن لم يكن في الصميم منها، فكان لا بد لنا من أن نقول كلمة الحق فيه، لأنه من الموضوعات الهامة والخطيرة، التي تمس مستقبل ابنائنا وبناتنا ومجتمعنا ـ نقولها ـ بموضوعية وتجرد، ومسؤولية، وبصراحة أيضاً.
وعلينا أن نحيط القارئ علماً بأننا كنا قد أنجزنا معالجة موجزة لهذا الموضوع قبل سنوات، وهي رغم إيجازها ربما كانت
ولكننا أدركنا أن لا بد لنا من أن نعيد تقديم هذه الدراسة إلى القارئ الكريم بحلة جديدة، وبصورة أكثر شمولية واستيعاباً، لأننا وجدنا أن الاكتفاء ببعض التقليم والتطعيم في المواد وفي المصادر لا يغني عن التوسع في البحث، والتقصّي في المعالجة، وذلك يفرض إعادة النظر في هيكلية الدراسة نفسها من الأساس.. فبادرنا إلى ذلك متكلين على الله سبحانه وتعالى، معترفين بالتقصير، سائلين الله سبحانه أن ينفع بهذا الكتاب، وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، ويجعل ثوابه لشهداء الإسلام الأبرار في إيران الإسلام والثورة، وفي جبل عامل الجريح، وسائر بقاع العالم الإسلامي، إنه ولي قدير، وبالإجابة حريّ وجدير.
حرر بتاريخ 24 شوال 1405 هـ. ق.
الموافق: 22 تير ماه 1364 هـ. ش الموافق: 13 تموز 1985 م.
وأعيد النظر فيه في صيف سنة 1422 هـ. 2001 م.
جعفر مرتضى العاملي
(والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم، كتاب الله عليكم، وأحل لكم ما وراء ذلكم: أن تبتغوا بأموالكم، محصنين غير مسافحين، فما استمتعتم به منهن، فآتوهن أجورهن فريضة، ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة، إن الله كان عليماً حكيماً..)
وروي:
«حلال محمد حلال أبداً إلى يوم القيامة، وحرامه حرام أبداً إلى يوم القيامة»
تمهيد:
دور زواج المتعة في حل مشكلة الجنس
مشكلة الجنس:
إن قضية الجنس بنظر الإسلام ليست هي مجرد إشباع رغبة، وقضاء شهوة، وإنما هي إحدى الحاجات الجسدية، والنفسية التي تمثل عنصر كمال في الشخصية الإنسانية، لأنها تمتد إلى عمق كيانه ووجوده، ولها الأثر العميق في جسده، وروحه ونفسه.
وقد أراد الإسلام للإنسان أن يتعامل مع هذه الحاجة وفق ضوابط معينة لا بد منها إن أريد لها تحقيق الغاية منها.
إن غريزة الجنس قد وجدت ونشأت وترعرعت، مع هذا الكائن منذ خلقه الله سبحانه، وحيثما نشأ، وترعرع، حتى إنها ربما سيطرت على كل وجوده وكيانه، وحتى أصبح الإحساس
وواضح أن غريزة الجنس هي هبة إلهية للإنسان أراد الله العالم الحكيم له أن يوظفها،كسائر ما أودعه الله فيه من قوى وغـرائز، في بناء الحياة، ولصالح بقاء البشرية جمعاء، ولتسهم ـ من ثم ـ في بث الراحة والسعادة، في حياة الإنسان، وفي إيصاله إلى كماله المنشود.
ولكن هذا الأمر الضروري للحياة هو نفسه قد يصبح خطراً عليها، لأن هذه الغريزة التي أراد الله لها أن تسهم في ذلك كله، وأن تقوم بدور حفظ النوع الإنساني، وبناء الحياة، قد جعلها محكومة لسلسلة من الضوابط والقوانين ومن أبرزها، إخضاعها للزواج الدائم، وتحريم الزنا، وغير ذلك.
ولكن ذلك لا يعني أن تكون جميع العوائق، والموانع، قد زالت، وأن تكون مشكلة الجنس قد انحلت بصورة نهائية وشاملة، لا سيما مع ملاحظة: عدم توفر الظروف في كثير من الأحيان، لتحمل مسؤوليات الزواج الدائم، والوفاء بالتزاماته..
وقد ازدادت هذه المشكلة عمقاً، وتعقيداً، وخطراً في عصرنا الحاضر هذا، عنها في العصور السالفة، وذلك بسبب تزايد الاختلاط بين الجنسين، في مختلف المواضع والمواقع، والذي لم يعد له حدود، ولا تقيده قيود.
وقد فرضت شؤون الحياة على هذا الإنسان، وما نشأ عن هذا المدّ الحضاري من تعقيدات، ومسؤوليات، ومن آثار وسلبيات، أنواعاً كثيرة من الروابط، والعلاقات الاجتماعية المختلفة والمتميزة، فكانت حضارة ثقيلة ومرهقة، قد أبهضت كاهل هذا الإنسان بالمسؤوليات الخطيرة، وحملته الكثير من الأعباء الكبيرة، التي لم تكن لتخطر لإنسان العصور السالفة على بال، ولا لتمر له في خيال.
ومن ذلك: أن هذه الحضارة، قد أوجدت فاصلاً كبيراً بين وقت البلوغ الطبيعي، وبين القدرة على تشكيل الأسرة، وتحمل مسؤولياتها بما يتناسب مع حاجات العصر، ومتطلبات الحياة، في ظل هذا التوسع المادي الهائل في كثير من الشؤون والمجالات.
وذلك لأنه مهما توفرت له عوامل النجاح، فإنه حين يكون طالباً ـ وأكثر شبابنا من الطلاب ـ لا يستطيع أن ينهي دراسته الجامعية، إلا بعد سن الخامسة والعشرين. ثم هو من بعد ذلك يحتاج لمزيد من الوقت والجهد ـ لو وجد العمل المناسب ـ ليهيئ الرصيد الذي يمكنه من تحمل مسؤولية بناء أسرة، ويكون رب بيت، وربما يمتد به الحال إلى سنوات عديدة ومديدة، الأمر الذي يجعل الفاصل كبيراً، يمتد إلى أكثر من خمس عشرة سنة فيما بين البلوغ الجنسي الطبيعي، والبلوغ الاجتماعي في فترة يكون الهيجان والتوتر الجنسي في أقصى مداه لدى الشباب.
وكذلك تماماً تكون الحالة بالنسبة إلى الفتاة، التي أصبحت ترى نفسها مضطرة إلى مسايرة الرجل في مجالات كثيرة، وأصبحت أسيرة لطموحاتها ولطموحات الحضارة كما هي ضحية سلبياتها. هذا كله، لو وفقت إلى الزواج برجل يناسبها وتناسبه.
ثم إن علينا أن لا ننسى أن نسبة المواليد في طرف الإناث تكون عادة أكثر منها في طرف الذكورة.
هذا كله عدا عمن تحصدهم الحروب الطاحنة التي تظهر بين وقت وآخر في هذه البقعة أو تلك، تاركة وراءها الكثير من الضحايا من الشباب، ومزيداً من الكوارث العائلية، والنكبات الاجتماعية المروّعة والمؤلمة.
وإذن.. وحين تكون الطاقة الجنسية لدى الجنسين في هذه السنين بالذات، في أوج عنفها وثوريتها، وبالغ إلحاحها.. وحين يواجه كل من الشاب والفتاة كل هذا الإعلام المسموم الذي يضج بالإغراء الجنسي ويلهب الغرائز، ويؤجّج حميمها، ويسعّر جحيمها.. وحيث لا يمكن تجاهل الضغوط الهائلة لهذه الطاقة، ولا قدرة على إسكاتها، وحيث لا نواجه بشراً معصومين، ولا هم من جنس الملائكة.. وحين لا يكون من الممكن ـ في أحيان كثيرة ـ تلبية حاجات هذه الغريزة، ولا الاستجابة لرغباتها، عن
هذا كله، بالإضافة إلى أننا نجد أنفسنا عاجزين عن التحكم بظاهرة البلوغ الجنسي لدى كل من الشاب والفتاة، ولو بتأخير ظهورها، أو الحدّ من درجة استعارها.. كما أنه ليس بإمكاننا فرض إرادتنا على الشباب، ولا بمقدورنا مراقبة كل تحركاتهم، لمقاومة كل تصرّف شاذ منهم، بالقوّة والسيطرة والقهر..
فلا يبقى أمامنا إلا أسلوب الإقناع، وكذلك أسلوب التربية الأخلاقية، وهما الأمران اللذان قد لا يكون لهما الكثير من الجدوى أو الفعالية في أحيان كثيرة ـ لظروف مختلفة ـ بالإضافة إلى أننا لا نستطيع أن نطمئن لقدرة هذين الأسلوبين الاستيعابية، والاستمرارية، وهما في مواجهة الكثير من المغريات الطاغية، والعاتية في أغلب الأحيان.
السؤال الكبير:
نعم، إننا حين نرى ذلك كله، ونواجهه، ونتفهمه بعمق ووعي، فإن السؤال الذي يواجهنا هو:
أي الحلول أنجع:
إننا أمام هذا الواقع.. إما:
1 ـ أن نطلب من الشباب، مقاومة رغباتهم، والوقوف في وجه شهواتهم، وخنقها، وممارسة الصيام الجنسي، طيلة تلك المدة المديدة، وإلى أن تتوفر لهم إمكانات الزواج الدائم، الأمر
هل تسمح لنا نظرتنا الواقعية باعتماد هذا الأسلوب كحلّ أمثل لمشكلة هي بهذه الشدة والحدّة، ولها تلك المواصفات؟! وهل أن طلباً كهذا له مبرراته الموضوعية، والواقعية؟!. وإذا جاز لنا أن نطلب منهم ذلك، فهل سيكونون على استعداد للاستجابة لنا، والقبول منا؟! وإذا كانوا على استعداد لذلك، فهل ستترك لهم الطبيعة الفرصة للتنفيذ ـ لو فرض جدلاً أنهم قادرون على التنفيذ ـ فلا تتهددهم بالأعراض النفسية، والأمراض الجسمانية، أو العقلية؟!.
وهكذا يتضح أن كبت الشهوة الجنسية لا ينسجم مع الفطرة، بل إن نتيجته قد تكون مضاعفة الأضرار النفسية، والاجتماعية، بل إن ذلك قد يؤدي إلى هزّات نفسية عميقة وعنيفة تدفع الشاب إلى الانتحار أو الانحراف، أو الإقدام على العنف الجنسي، أو غير ذلك.
2 ـ أن نعتمد الحل الغربي المعروف، وذلك بأن نقيم مراكز لطائفة من المومسات، تحت إشراف الدولة، يستطيع
ولكن.. كيف يمكننا أن نعتبر هذا حلاً مقبولاً، ومعقولاً، ونحن نرى: أنه قد فشل فشلاً ذريعاً في حل مشكلة الجنس لدى تلك المجتمعات التي قبلت به، ولجأت إليه، واعتمدته، وبقي التحلل الأخلاقي، والتفسخ والإباحية، هو الظاهرة البشعة، التي لا تزال تزداد قوة، وعنفاً، في تلك المجتمعات.
وبعد.. فلو فرض: أن هذا الأسلوب قد استطاع أن يحل المشكلة عند الشباب، فكيف يمكن حل مشكلة الجنس الآخر، أعني الفتيات، اللواتي يعانين من نفس المشكلة، ويتعرضن لنفس الخطر والمحنة؟!.
هذا.. عدا عن أن ذلك يعني: أننا لا بد أن نطلب من طائفة من النساء السيئات الحظ، أن يسلمن أنفسهن إلى براثن الشقاء والبلاء، والعار.. وأين يصبح حينئذ مقام المرأة وكرامتها؟! وأين هي فضيلتها وإنسانيتها؟!
3 ـ أن نقبل بالإباحية المطلقة، بجميع أشكالها وصورها والتمرد على كل القيم الدينية والأخلاقية وغيرها واعتبار الجنس قضية لا ربط لها بالدين، والأخلاق، والقيم..
ولا نرى أنفسنا بحاجة إلى شرح مساوئ هذا الافتراض، فإن أوار الجنس لن ينطفئ بل سوف يزداد استعاراً وعنفاً بعد أن يكون قد دمرّ كل القيم والمثل، والأخلاق..
ويكفي أن نذكر هنا: أن عقلاء جميع الأمم على اختلاف نحلهم وثقافاتهم قد أدركوا مساوئ ظاهرة التحلل الأخلاقي والإباحية الجنسية، وهم يبذلون محاولات حثيثة للتخلص منها، والقضاء عليها، أو التخفيف منها ومن حدتها.. لا سيما بعد أن أدركوا ما ينشأ عنها من أعراض وأمراض نفسية، وجسدية، زهرية وغيرها.. وأيضاً من أمراض اجتماعية واختلاط أنساب، ومشاكل أسرية، وغير ذلك.
4 ـ أن نأمر الشباب بالزواج الدائم ثم الطلاق بعد ثلاث كما في بعض الروايات عن بعض الصحابة وعلى الأخص الخليفة
وهنا نقول: إن الفتاة أو المرأة التي يفترض أن تكون طرفاً في هذا الزواج إن لم تكن على علم بذلك.. فإنه يكون نوعاً من التغرير بها، وكذلك بأهلها، حيث لا تقدم هي ولا يقدمون هم عادة على أمر كهذا لو علموا به قبل حدوثه، ومن الممكن جداً أن ينشأ عن ذلك الكثير من الإحن والأحقاد والمشاحنات، ثم العديد من السلبيات على الصعيد الاجتماعي العام.
وأما إن كانت تعلم بذلك ويعلمون.. فإن نسبة الإقدام على زواج كهذا ـ والحالة هذه ـ لسوف تكون متدنية جداً، ولا تستطيع حل مشكلة اجتماعية مستعصية، بالنسبة إلى الشباب، وبالنسبة إلى الفتيات على حد سواء..
ثم إن حلاً كهذا لن يكون بأفضل من الحل الآخر الذي ستأتي الإشارة إليه، إن لم نقل إنه يمتاز عنه بالكثير من السلبيات، والآثار التي ربما لا يرغب الكثيرون في ترتبها، بملاحظة، ظروفهم الموضوعية، التي يعانون منها، خصوصاً إذا كان يحملهم مسؤوليات كبيرة من قبيل النفقة، والإرث، والسكن، وغير ذلك..
بل إن الزواج الدائم، قد لا يحل المشكلة الجنسية لأكثر من سبب، فتبقى المشكلة قائمة، الأمر الذي قد يدفع بالزوجين أو بأحدهما إلى الانحراف أو الانفصال.
5 ـ أن نبيح لكل الشباب، والفتيات ممارسة العادة السرية كإجراء مؤقت، من شأنه أن يطفئ ثورة الطاقة الجنسية، ويحد من هيجانها.
والملفت للنظر هنا: أن بعض الناس في هذا العصر قد أصدر فتواه في هذا الأمر.
فقال: «إن الفتوى في هذا الزمن الذي تشتد فيه على الشباب العزوبية، مع توفر وسائل الفتنة، والإغراء، ينبغي ـ والحال كذلك ـ أن نعمم فتوى إباحة الاستمناء، وهو ما يسمى العادة السرية، خاصة وأن كثيراً من علماء السلف المتقين أجازوا ذلك مطلقاً، واعتبروه كالفصد، ومنهم الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه، ومستندهم عدم ورود حديث صحيح يفيد التحريم،
ونحن هنا لا نريد أن نفيض في بيان مساوئ هذا الحل، الذي تخيل صاحبه: أنه جاء بأمر مبتكر وفريد من نوعه!! ولكننا لا نجد حرجاً في أن نذكره بما ينشأ من ممارسة هذه العادة من احتقانات تترك آثاراً سلبية نفسية وجسدية على الشباب والفتيات على حد سواء.
هذا كله.. عدا عن أننا نجد: أنه رغم ممارسة الشباب في المجتمعات الغربية وغيرها للعادة السرية فإنها لم تستطع أن تحل المشكلة لهم بل لم تستطع أن تثبت قدرتها على أن تكون البديل المناسب للممارسة الجنسية الطبيعية، بل بقي التعطش والتلهف لذلك هو الصفة المميزة للشباب والفتيات في مختلف المجتمعات، هذا إن لم نقل إنه يذكي في الممارس لهذه العادة نفسه المزيد من التوثب، والتطلع لممارسة الجنس بصورة طبيعية،
____________
(1) مجلة اليقظة الكويتية العدد 778 ـ ص 33.
على أن المشكلة الاجتماعية لا تنحصر في أمر الناحية الجنسية، بل هناك حالات وحاجات متنوعة، تفرض معونة أحد الجنسين للآخر وتدفع إلى مشاركة حياتية فعلية فيما بين الشاب والفتاة، أو فقل: الرجل والمرأة بصورة عامة.
6 ـ أن نتطلع إلى نوع من الزواج قادرعلى أن يحل مشكلة الجنس، وأن يحل المشاكل الحياتية التي قد تواجه الرجل وقد تواجه المرأة أيضاً، مما يقتضي أو فقل يفرض معونة ومشاركة حياتية فعلية فاعلة ولكن من دون أن تكون له سلبيات تزيد الأمر خطورة، والمشكلة تعقيداً.
وقد طرح الإسلام «الزواج المؤقت» على أنه الحل الناجع للمشكلة، مع ضمان: أن لا تنشأ عنه عواقب ومضاعفات، من شأنها أن تعرقل المسيرة الطبيعية للحياة في المجتمعات بصورة عامة..
وهو يلتقي مع الزواج الدائم في جميع الأحكام والآثار، ولا يفترق عنه إلا في نقاط لولا المرونة فيها، لبقيت المشكلة قائمة
ومن الواضح: أن الزواج الدائم سرعان ما يتحوّل إلى زواج منقطع، بسبب عدم القدرة على تحمل المسؤوليات أو لأسباب أخرى حيث يكون الطلاق بالمرصاد فينهي العلاقة الزوجية في وقت معيّن، ويحولها إلى زواج منقطع.
.. إلى جانب هذا الزواج:
ولا تفوتنا هنا الإشارة إلى أن الإسلام، حين اعتمد «الزواج المؤقت» كحل صحيح لمشكلة الجنس، استجابة منه للمقتضيات الطبيعية، وانسجاماً مع الواقع الموضوعي.. لم يكتف به دون أن يخطّطّ إلى تزويد الشباب المؤمن بطاقات حرارية وإيمانية، عقيدياً، وإنسانياً، تسمو به عن التعلق الأعمى بهذه الحياة الدنيا، وتجعله يعتبرها وسيلة لا غاية، ومنطلقاً لا هدفاً، وأن بعدها حساباً، فإما ثواب، وإما عقاب.
ثم هو قد زوده بنصائحه الكثيرة والمتتالية، بتقوى الله سبحانه، والثقة به، والتوكل عليه، والخوف منه والرجاء له.. ثم حظّر عليه التعامل مع أي من الوسائل أو الحالات التي من
المتعة رحمة:
ولأجل ذلك نجد أن الإسلام قد اعتبر زواج المتعة رحمة رحم الله بها أمة محمد (صلى الله عليه وآله) ولو أن الناس قبلوها والتزموا بها ما زنا إلا شقي، أو إلا شفا من الناس، أي قليل.. كما سيأتي في النصوص..
تشريع زواج المتعة بين الأخذ والرد:
وحيث إن ثمة كلاماً في بقاء مشروعية هذا الزواج، بعد الاتفاق على أنه كان قد شرع في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله).. كان لا بد من التعرض لهذا الأمر، لقطع دابر الخلاف فيه.. وهذا الكتاب مخصص لهذا الأمر بالذات.
حقيقة زواج المتعة:
هذا النكاح هو: عقد زواج بين الرجل والمرأة، بمهر معيّن، يذكر في متن العقد، إلى أجل معين، وبحلول الأجل، أو بهبة الزوج المدة لها تنحلّ عقدة النكاح بلا حاجة إلى طلاق.
فتقول المرأة: «زوجتك، أو أنكحتك (1) أو متعتك نفسي بمهر قدره كذا لمدة شهر أو سنة أو أقل أو أكثر».
فيقول لها الرجل: «قبلت». فتثبت الزوجية إلى انتهاء المدة التي حُدّدت، أو إلى أن يهبها باقي المدة.
وبعد انتهاء المدة تعتد ـ كالأمة ـ بحيضتين، وقيل: بواحدة، إن كانت ممن تحيض، وبخمسة وأربعين يوماً إن كانت لا تحيض، وهي في سن من تحيض، وعدّة الحامل، والمتوفى عنها زوجها كعدّة الدائمة.
____________
(1) سيأتي إن شاء الله: أن البعض يقول: إن كانت الصيغة هي [زوجتك]، أو [أنكحتك]، كان الزواج مؤقتاً، وليس متعة، وإن كانت الصيغة هي [متعتك] كان الزواج هو زواج المتعة المحظور. وسيأتي عدم صحة هذا التفريق، إن شاء الله تعالى.
هذا بالإضافة إلى توفر سائر شرائط النكاح الدائم، حسبما هو مقرر في الكتب الفقهية.
وولد المتعة يلحق بأبيه، ويرثه، كسائر أولاده، وتشمله جميع العمومات الشرعية الواردة في الآباء والأمهات، والإخوة والأخوات، والعمات، والخالات إلخ(1).
ومهما يكن من أمر فإننا نلخص نقاط افتراق زواج المتعة عن الدائم فيما يلي:
فوارق الزواج الدائم عن زواج المتعة:
إن هذا الزواج يفترق عن الزواج الدائم في الأمور التالية:
1 ـ ميراث الزوجين، فلا يتوارثان إلا مع الشرط في ضمن
____________
(1) راجع: مسائل فقهية، للإمام السيد عبد الحسين شرف الدين [رحمه الله].
أما الولد فهو يرث والديه ويرثانه.
2 ـ يفترض في الرجل في الزواج الدائم أن يتحمل أعباء الإنفاق على المرأة باستمرار، وأن يؤمن ما تحتاج إليه من مسكن، وملبس، وغذاء، ودواء، وغير ذلك.
أما في المنقطع، فليس للزوجة أن تطالب بالسكن، والنفقة، والطبابة، ونحوها، إلا إذا اشترطت ذلك في ضمن العقد فيما لو رغبت في الاستفادة من ماله. ووجد الرجل في نفسه القدرة على تلبية رغبتها هذه.
وقد تجد لدى بعض النساء إباء عن الاستفادة من مال زوجها، وتتمحور رغبتها في أن تكون في عصمته أو أن تتحرر من طغيان الجنس، أو نحو ذلك.
3 ـ الليلة أيضاً، فلا يجب على الزوج المبيت عند المتمتع بها ليلة من أربع ليال، كما هو الحال في الدائمة.
4 ـ المضاجعة، ليس للمتمتع بها المطالبة بالمواقعة، كما أن
____________
(1) راجع: نظام حقوق المرأة في الإسلام، للشهيد العلامة الشيخ مرتضى مطهري.
أما الدائمة فلها أن تطالب بالمواقعة مرة في كل أربعة أشهر، وذلك لأدلة خاصة اقتضت ذلك، قد خصّصت تلك الأدلة العامة.
5 ـ إن زواج المتعة يحتاج إلى الصيغة وهو ينعقد بألفاظ ثلاثة هي: «زوجتك» و «أنكحتك» و«متعتك».
أما الدائم، فينعقد بالأولين وفي الثالث كلام عند الفقهاء.
6 ـ إنه يشترط في الدائم، أن تكون الزوجة مسلمة، وفي المنقطع يصح التمتع بالمسلمة، وبالكتابية أيضاً على حد سواء، ويستحب اختيار المؤمنة العفيفة.
7 ـ إن الزوجين يتحكمان معاً في الزمان ابتداءً، فيتخيران المدة حسبما تمليه عليهما ظروفهما، وبإمكانهما تمديدها بعقد جديد.
بينما في الدائم يكون الاختيار في الزمان ملكاً للرجل، ولا خيار للمرأة فيه، والخلاصة أنه لابد من تحديد الأجل طويلاً
أما ما قاله البعض من أن كتب الإمامية تذكر أن المتعة هي: «النكاح المؤقت بأمد معلوم أو مجهول وغايته إلى خمسة وأربعين يوماً» فمما لا حقيقة له، ولا يوجد في كتب الإمامية منه عين ولا أثر، فلا تصح نسبته إليهم.
8 ـ لا يقع في المنقطع طلاق، بل لزوجها أن يهبها المدة المتبقية، أو أنها حين انتهاء المدة تنقطع العلاقة الزوجية بصورة تلقائية.
9 ـ لا يقع في المنقطع لعان، أو ظهار على المشهور.
10 ـ يجوز العزل عن المتمتع بها، أما في الدائم، فالمشهور أن جواز العزل يتوقف على رضاها، وقيل يجوز، ولو لم ترض.
11 ـ عدة المتمتع بها بعد انقضاء الأجل حيضتان، وإن كانت ممن تحيض، ولم تحض، فخمسة وأربعون يوماً، والعدة في
12 ـ لا رجعة لها في أثناء عدتها، بخلاف المطلقة رجعياً في الدائم، أو المطلقة خلعياً إذا تراجعت عن البذل أثناء العدّة.
13 ـ يشترط في زواج المتعة ذكر المهر، ويتقرر بالتراضي، فإن لم يذكر بطل، وبذلك يفترق عن الزواج الدائم.
14 ـ لا يجوز الزيادة على أربع نساء في الدائم، ولا تحديد للعدد في المنقطع.
15 ـ لا يحتاج بعد الثلاث مرات إلى محلل بخلاف الدائم، فإنه إذا طلقها ثلاث مرات، فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره.
16 ـ إذا مات عنها زوجها قبل انقضاء المدة، ولم يدخل بها استحقت المهر كاملاً. أما الدائم غير المدخول بها، فتستحق نصف المهر بالموت على المشهور.
17 ـ تستحق المتمتع بها المهر كاملاً إذا انقضت مدتها،
18 ـ لا تستطيع المرأة في الزواج الدائم الامتناع عن الحمل إلا بإذن زوجها، أما في المنقطع فلكل منهما الحق في ذلك وجوداً، أو عدماً، فلهما معاً أن يقررا الحمل، ولكل منهما الحق في الامتناع عنه، بالعمل بما يوجب عدم حصوله.
ما يشترك فيه الزواج الدائم مع زواج المتعة:
ويشترك الزواج المؤقت مع الدائم في الأمور التالية:
1 ـ العقد المشتمل على الإيجاب والقبول، ولا يكفي التراضي والمعاطاة.
2 ـ العقد فيهما لا يكون إلا بلفظ الزواج، والنكاح، والمتعة، فلا يصح بلفظ الإباحة، والإجارة مثلاً.
3 ـ لو طلقها في الدائم، أو وهبها المدة في المنقطع قبل الدخول ثبت لها نصف المهر.
4 ـ لا بد من إذن العمة والخالة في ابنة أخيها أو أختها فلا يتزوجها إلا بإذنها.
6 ـ لا يجوز مقاربة المتمتع بها والدائمة في حال الحيض أو النفاس.
7 ـ الحاجة إلى العدة مع الدخول، وعدم الحاجة بدونه، أو مع اليأس.
8 ـ الزوجة فراش مع الدخول، ويلحق الولد بالزوج حتى ولو عزل.
9 ـ لحوق الأولاد بالأبوين، وترتب جميع الآثار على ذلك من الإرث والنفقة عليه، وكذا يجب عليه أن ينفق عليهما..
10 ـ الحضانة وأحكامها.
11 ـ لا يجوز للمسلمة أن تتمتع بالكافر، ولا يجوز للمسلم أن يتمتع بالمشركة وكذا الحال بالنسبة للدائم.
12 ـ الميراث بين الولد وأبويه.
13 ـ نشر الحرمة بالنسب، والمصاهرة، والرضاع.
15 ـ لا بد من توفر الشروط العامة من البلوغ والعقل والاختيار، أو تزويج الولي حين يكون ثمة مصلحة تعود للمولّى عليه.
الفرق بين الزواج المؤقت.. والمتعة:
وبعد.. فقد يحلو للبعض أن يحاول أن يجد فرقاً بين تعبيري: الزواج المؤقت، وزواج المتعة، على اعتبار أن الأول يقع بلفظ «زوجت» أو «أنكحت» أما زواج المتعة، فيقع بلفظ: «أستمتع بك» أو «أتمتع».
وفرّق بينهما في «العناية» بفرق آخر، وهو: أن المؤقت يكون بحضرة الشهود، ويذكر فيه مدة معينة، بخلاف المتعة: فإنه لو قال: أتمتع بك، ولم يذكر مدة كان متعة، وقد حكم ببطلانهما معاً(1).
____________
(1) راجع: البحر الرائق ج 3 ص 114 عن النهاية والمعراج. ومجلة: هدى الإسلام ج 19 عدد 2 ص 79، وفتح الملك المعبود ج 3 ص 223، وأوجز المسالك ج 9 ص 402، وراجع: مجمع الأنهر ج 1 ص 320
ونقول:
إن الحقيقة هي: أنه لا فرق بينهما أصلاً بل هما اسمان لمسمى واحد، فإن المتعة تقع كالزواج الدائم بالألفاظ الثلاثة، فإن شئت سمّها متعة، وإن شئت سمّهـا زواجاً مؤقتاً، أو زواجاً منقطعاً.. لا فرق.
ولأجل توضيح ذلك نسجل النقاط التالية:
1 ـ قال الجزيري: «اتفق المالكية، والشافعية، والحنابلة، على أنه لا فرق بين الاثنين، فالنكاح المؤقت هو نكاح المتعة، والمشهور عن الحنفية: أن نكاح المتعة يشترط فيه أن يكون بلفظ المتعة كأن يقول لها: متعيني بنفسك أو أتمتع بك أو متعتك بنفسي، ولكن بعضهم، حقق أن ذلك لم يثبت وعلى هذا يكون نكاح المتعة هو النكاح المؤقت بلا فرق عند الجميع» (1).
إذن، فلا صحة لما ذكره البعض من أنه لا بد في عقد المتعة
____________
(1) الفقه على المذاهب الأربعة ج 4 ص 90 وراجع ص 93 و 92.
2 ـ إن الذين يفرقون بين العقد المؤقت والمتعة ويقولون: المؤقت لا يكون بلفظ المتعة قد زعموا: أن المراد بآية (فما استمتعتم به منهن..) هو النكاح الدائم، مما يعني أن النكاح الدائم يقع بلفظ متعت بقرينة تعبير الآية بذلك، ونحن لو سلمنا إرادة النكاح الدائم منها فإن سؤالنا هو لماذا صححوا وقوع الدائم بلفظ متعت، ولم يصححوا وقوع المؤقت بلفظ متعت أيضاً.
3 ـ إذا كان الأحناف هم الذين يفرقون بين المتعة والزواج المؤقت، فإن ما يثير عجبنا هو أن الحنفية قد أفتوا بأنه لو قال لها: «يا عرسي» فقالت: «لبيك، انعقد النكاح بذلك»(2).
وكذا أفتى الأحناف بانعقاده بلفظ الهبة، والصدقة، والتمليك، والجعل(3) بل لقد رجح البعض انعقاده بلفظ البيع
____________
(1) أحمد الحصري: النكاح وقضاياه ص 168 وعنه في تحريم المتعة في الكتاب والسنة ص 4.
(2) شرح الدر المختار كتاب النكاح ص 243.
(3) الفقه على المذاهب الأربعة ج 4 ص 14.
4 ـ ولا ننسى أن نذكر هنا أن ابن نجيم قد صرح فيما يرتبط «بزواج المتعة» بأنه لو عقد بلفظ التزويج، وأحضر الشهود، كان من أفراد المتعة»(2).
وقال ابن المرتضى: «.. ويحرم نكاح المتعة، وهو المؤقت..»(3).
وقال النحاس في الناسخ والمنسوخ: «وإنما المتعة أن يقول: أتزوجك يوماً أو ما أشبه بذلك»(4).
5 ـ أضف إلى ذلك كله: أن الصحابة والتابعين، يعتبرون المتعة تزويجاً، كما يظهر من مراجعة فصل النصوص، والآثار
____________
(1) المصدر السابق.
(2) البحر الرائق ج 3 ص 114 و115 عن فتح القدير، وراجع أسفل الصفحة أيضاً، وراجع مجمع الأنهر ج 1 ص 320.
(3) البحر الزخار ج 4 ص 22، وحاشية الشيرواني على تحفة المحتاج ج 7 ص 224.
(4) الناسخ والمنسوخ ج 2 ص 193.
6 ـ قال الكاندهلوي: «ولم يعرف في شيء من الآثار لفظ واحد ممن باشرها من الصحابة [رض] بلفظ تمتعت بك ونحوها»(1).
7 ـ وقد دل حديث ابن مسعود، الذي يقول: «ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل إلخ..».
على أن المتعة من أقسام النكاح وهي نفس النكاح المؤقت، وبعد جميع ما تقدم يتضح بما لا مجال معه للشك أنه لا معنى للتفريق بين النكاح المؤقت والمتعة، والقول ببطلان الزواج إذا كان بلفظ المتعة، وصحته وبطلان الشرط ـ وهو الأجل ـ إذا كان بلفظ زوجت. وأما مسألة اشتراط الشهود في مطلق الزواج فهي مسألة خلافية ولا ربط لها في المقام.
____________
(1) أوجز المسالك ج 9 ص 402.
ما في هذا الكتاب:
إننا سوف نتحدث في هذا الكتاب عن الأمور التالية:
1 ـ قطعية تشريع هذا الزواج.
2 ـ الأقوال في نسخه.. ودعوى أنه منسوخ بالإجماع تارة، وبالآيات أخرى وبالأخبار ثالثة، وسنشير إلى قيمة هذه الدعاوي من الناحية العلمية إن شاء الله تعالى.
3 ـ ثم نتحدث عن أدلة بقاء تشريع هذا الزواج.. ونذكر طائفة من الصحابة والتابعين والفقهاء وأئمة المذاهب وغيرهم ممن قال ببقاء تشريع هذا الزواج.
4 ـ ثم نورد طائفة من الروايات التي وردت من طرق الشيعة والتي هي بعض ما يستندون إليه في حكمهم ببقاء هذا التشريع. ثم نضيف إلى ذلك فصلاً حافلاً بعشرات الروايات الواردة من طرق أهل السنة، مما دل على بقاء هذا التشريع أيضاً.
5 ـ ونعقب ذلك بذكر تحفظات أو فقل: إشكالات على آحاد من تلك الروايات، ثم نجيب عنها.. ونذكر أيضاً بعض الإيضاحات التي أحببنا إيرادها فيما يرتبط بالروايات المشار إليها.
7 ـ ثم نذكر في الفصول الثلاثة الأخيرة طائفة كبيرة من الاعتراضات أو التوجيهات غير المقبولة ولا المعقولة.. وأجوبتنا عليها.
ومن الله نستمد القوة والعون. وهو ولينا.. والهادي إلى سواء السبيل.