ونحن نقول:
إن المهر يلزم بالوطء فيه لأجل الشبهة، التي سقط الحد لأجلها عنه.
فهو كما لو وجد امرأة نائمة على فراشه فوطأها معتقداً أنها زوجته، فإنه يجب عليه مهر مثلها لأجل الشبهة، فكذلك ههنا»(1).
ونقول:
إن ذلك لا يصح، وذلك لما يلي:
أولاً:
إنه تعالى لم يشر إلى حرمة هذا الزواج في هذه الآية لا من قريب ولا من بعيد؛ فمن أين استنبط: أن الحديث إنما هو في صورة ما لو ارتكب الحرام من ذلك [أي من زواج المتعة] ووطأ فيه..
____________
(1) تحريم المتعة للمحمدي ص 117. وراجع نكاح المتعة للأهدل ص246 عن منهاج السنة لابن تيمية ج2 ص156.
ثانياً:
إن هذه الآية واردة في سورة النساء، التي نزلت في أوائل الهجرة، ولا شك في بقاء حلية هذا الزواج إلى زمن خيبر، ثم إلى عام الفتح، بل إلى حجة الوداع، كما ذكر في بعض الروايات فلم يكن زواج المتعة حراماً حين نزول هذه الآية، لكي تتحدث هذه الآية عن أحكام الوطء شبهة فيه..
ثالثاً:
إن هذا القول معناه: أن الآية تتحدث عن زواج المتعة ـ الذي هو محرم بزعمه ـ ولم يزل هؤلاء ينكرون دلالة الآية عليه ويدّعون أن المراد بها خصوص النكاح الدائم، فبأي كلاميهم نأخذ، يا ترى؟!
كلمة «إلى أجل» منسوخة:
ويقولون: إن كلمة «إلى أجل» ليست ثابتة الآن في القراءة المشهورة فإن كانت مما أنزله الله، فعدم ثبوتها في القراءة المشهورة يكشف عن أنها قد أنزلت حين كانت المتعة مباحة، ثم جاء الناسخ فنسخ هذه الكلمة وذلك حين حرمت المتعة(1).
____________
(1) راجع: المصدر السابق ص 116.
ونقول:
أولاً:
إن عدم ثبوتها في القراءة المشهورة لا يدل على نسخها، لأننا نقول إنها من القراءات التفسيرية، التي ليست جزءاً من القرآن، فلا ينالها النسخ.
ثانياً:
إن هناك حرصاً شديداً على استبعاد هذه القراءة من بين القراءات المشهورة وما نجده من تمحلات ومن إصرار على إثارة الشبهات حول هذا الموضوع خير دليل على ما نقول.. فعدم ذكرها في القراءات المشهورة لا يدل على النسخ.
ثالثاً:
إن هناك من ينكر هذا النسخ المدعى فكيف يمكن إثباته بمثل هذه التوجيهات والتأويلات.
وبعبارة أخرى:
إن حلية هذا الزواج ثابتة بلا شك عند كل أحد.. ودعوى أنه قد طرأ عليه النسخ والتحريم أول الكلام. فعلى مدعيها أن يثبتها.. فلا مجال لإرسالها إرسال المسلمات هنا. فإن الدعوى لا يمكن أن تكون هي الدليل.. ومجرد عدم ثبوت كلمة «إلى أجل» في القراءة المشهورة لا يدل على ذلك.. وذلك لما ذكرناه فيما جاء بعنوان: «أولاً.. وثانياً»..
دليل التحريم يعارض قرآءة «إلى أجل»:
وذكروا أيضاً: أننا لو فرضنا أن قراءة «إلى أجل» تدل على الحلية، فإن دليل التحريم لهذا الزواج يعارض هذا الدليل على الحلية. فيلزم تقديم دليل الحرمة منهما لأن الحظر مقدم على الإباحة أصولياً لأن تقديم المحرم قد يؤدي إلى ترك المباح لكن تقديم المبيح قد يؤدي إلى ارتكاب الحرام(1).
ونقول:
أولاً:
إن هذا الدليل المدعى على حرمة زواج المتعة غير تام لا سنداً ولا دلالة فلا يصلح لمعارضته دليل التحليل الثابت بصورة قطعية. وسيأتي الكلام في اسانيد ودلالات الروايات التي اعتمد عليها مدّعو النسخ.. فانتظر.
ثانياً:
إنما يلاحظ التكافؤ بين الدليلين في صورة كونهما في مرتبة واحدة وأما إذا كان أحد الدليلين قطعياً وثابتاً وقد أثبت الحكم وعملت به الأمة ثم جاء ضعيف يدعي أنه ينسخه، وقد عورض دليل النسخ بما يدل على تأكيد البقاء، فإن دليل النسخ ليس في مرتبة دليل أصل التشريع لكي يدعى المعارضة بينهما
____________
(1) راجع نكاح المتعة للأهدل ص246 عن روح المعاني ج6 ص7 وتحريم المتعة للمحمدي.
الآية لا تدل على حلية المتعة «إلى أجل»:
ويقولون أيضاً: «ليس في الآية ما يدل على أن الاستمتاع إلى أجل مسمى حلال، فإنه تعالى لم يقل: وأحل لكم أن تستمتعوا بهن إلى أجل، بل قال تعالى: فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن»(1).
ونقول:
أولاً:
سيأتي أن قرينة السياق تدل على أن المراد بها ذلك.
ثانياً:
كما أن قراءة الصحابة الآية بإضافة كلمة «إلى أجل مسمى» التفسيرية قرينة أخرى على المراد بها..
ثالثاً:
عدا ذلك، فإن نفس قوله تعالى: (فما استمتعتم به منهن) يدل على أن الأجور تثبت بحصول مقدار من الاستمتاع ولو كان يسيراً.. وهذا إنما يكون في خصوص حالة توقيت
____________
(1) تحريم المتعة للمحمدي ص 116.
والتفريق في التعبير الذي ذكره المستشكل لا يصلح فارقاً. بل هو على خلاف مقصوده أدل.. لأن العبارة القرآنية تفيد أن أي مقدار من الاستمتاع يوجب ثبوت المهر. وليس الأمر كذلك في النكاح الدائم.
قراءة ابن مسعود خبر واحد:
وقالوا عن قراءة ابن مسعود: إنها ليست بحجة لأنها من أخبار الآحاد، ولا يلزم العمل بخبر الواحد في مثل هذه النقول على أنه قرآن على الصحيح من القول في ذلك.
فالمخالف ملزم بإثبات: أن ابن مسعود كان يقرأ بهذه القراءة على أنها قراءة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وإن نسبت بعض الكتب التفسير ذلك القول إليه. فإذا لم يثبت ذلك فيلزم أن يفتري على الله ورسوله ويلزم المسلمين بقراءة شاذة لا يستطيع
ونقول:
أولاً:
قد قلنا أكثر من مرة إن المقصود من إيراد هذه القراءة هو تأييد كون الآية الشريفة المذكورة تتكفل ببيان حكم زواج المتعة. وليس المقصود اعتبار كلمة «إلى أجل مسمى» من القرآن ثم الاستدلال بها على هذا الأساس. ويكفي في ذلك خبر الواحد.. ولا حاجة إلى أزيد من ذلك..
بل لا حاجة لإثبات أنها قراءة لرسول الله (صلى الله عليه وآله).. فإن فهم الصحابة لذلك أو فهم فريق منهم له كاف في إثبات هذا الأمر.. خصوصاً إذا كان هذا الأمر من الأمور التوقيفية التي لا ينالها الاجتهاد، بل تحتاج إلى دلالة من المعصوم.
ثانياً:
إن من يدعي نسخ حكم قطعي الثبوت بخبر الواحد.. ألا يكون ممن يفتري على الله ورسوله، ويلزم المسلمين بأمر لا يستطيع هو أن يثبت أنه صادر عن النبي (صلى الله عليه وآله) بصورة قطعية؟!
____________
(1) راجع: تحريم المتعة للمحمدي ص 123.
المقدسي وقراءة «إلى أجل»:
وقد حاول نصر بن ابراهيم المقدسي الشافعي التملّص والتخلّص من تبعات الالتزام بالقراءة التفسيرية للآية من قبل ابن عباس متعلّلا بما يلي:
أولاً:
إن الرواية عن ابن عباس قد اختلفت، حيث روي عنه أنها حرام كالميتة، والدم، ولحم الخنزير. فإذا ثبت أنه رجع عن التحليل إلى التحريم لم يصح التعلق بروايته(1).
أضاف البعض قوله: «وانتقده جماعة من الصحابة وغيرهم على الترخيص فيها عند الضرورة، ولم يسلم له رأيه»(2).
ثانياً:
لو كان هذا تفسيراً لوجب نسخه بما روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: «ثم هي حرام إلى يوم القيامة، نهيت عنها وعن لحوم الحمر الأهلية» وكذلك هي منسوخة بالنكاح والطلاق، والعدة، والميراث، والظهار، والاستباحة وغير ذلك.
ثالثاً:
إن من المفسرين من قال إن المراد بها هو النكاح،
____________
(1) وراجع أيضاً في ذلك: نكاح المتعة للأهدل ص307.
(2) نكاح المتعة للأهدل ص 307.
وروي أن المراد بالآية تقدير الصداق.. وقد روي عن الحسن وقتادة أنهما قالا في هذه الآية إلى موت أو طلاق.
وعن قتادة: (فآتوهن أجورهن فريضة) أي بما تراضوا عليه من قليل أو كثير فقد أحل الله ذلك لهما.
رابعاً:
لو سلمنا الزيادة في القراءة، فلا تدل الآية على حلية المتعة، بل تدل على وجوب المهر ـ أي مهر المثل ـ على من ارتكب الحرام من ذلك ووطأ فيه.
ونحن نقول به:
أي أنه يلزم المهر بالوطء في المتعة لأجل الشبهة التي اسقطت الحد عنه وثبت لها مهر المثل، ولو أن الأمر اقتصر على العقد فإنه يفرق بينهما، ولا يجب شيء لا المسمى ولا غيره.. فهو نظير امرأة أجنبية نائمة ظن أنها زوجته فيجب مهر المثل لأجل الشبهة.
خامساً:
إن الزيادة المذكورة لا تدل على إباحة المتعة لقوله تعالى: (أن تبتغوا بأموالكم محصنين)، لأن الإحصان لا يحصل بالمتعة، بل بالدائم ولأن المتعة سفاح وليس نكاحاً، والله سبحانه
فالمباح هو النكاح بشرط الإحصان وعدم السفاح، فالإباحة معلّقة على شرط، فإذا انتفى الشرط ـ كما هو الحال في المتعة ـ انتفت الإباحة وصار كأنه منهي عنه بهذه الآية.
وذلك كله يبين لنا أن الآية واردة لدفع شبهة سقوط مهر المثل عمن ارتكب هذا الزواج المحرم، فبينت الآية أن المتعة ليست كالزنا الذي لا مهر فيه ـ لا المثل ولا المسمى ـ بل هي من قبيل وطء الشبهة..
فهي من قبيل قوله تعالى في قتل المحرم للصيد وذلك حرام عليه: (ومن قتله منكم متعمداً فجزاء مثل ما قتل من النعم).
انتهى كلامه بتصرف وتلخيص وإيضاح(1).
كلام المقدسي في الميزان:
ونقول:
إن جميع ما ذكره هذا الرجل لا يصح الإستناد إليه، ونحن نناقش كلامه ضمن العناوين التالية:
____________
(1) راجع: رسالة تحريم نكاح المتعة ص 90 ـ 96.
1 ـ اختلاف الرواية عن ابن عباس:
يرد على دليله الأول؛ وهو الاختلاف في الرواية عن ابن عباس:
1 ـ إن المدار على ما هو ثابت عنه، وقد ثبت عنه التحليل بطرق صحيحة، حتى ادعوا: أن علياً عليه السلام قال له: إنك امرؤ تائه إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نهى عن المتعة يوم خيبر..
2 ـ لو كان الاختلاف المزعوم موجباً لرد روايته بالحلية لكان لا بد من رد رواية سبرة بن معبد التي اختلفت اختلافاً فاحشاً، ولكان اللازم رد رواية التحريم يوم خيبر، وسائر روايات التحريم المتناقضة.. وتبقى قراءة غيره ممن لم تتناقض الرواية عنهم على حالها من الاعتبار.
3 ـ إن هذا المستدل ـ وأعني به المقدسي ـ لا يرضى حتى بأن يقال: ان ابن عباس قد أحلها للمضطر، كالميتة، والدم، ولحم الخنزير، حيث رفض الاستدلال برواية ابن ميسرة عن ابن عباس قال: «قيل له: إنك تفتي بإحلال المتعة حتى قالوا فيها الشعر، وأنشد بعض ما قالوا، فقال: ما لهم قاتلهم الله،
مع أنه هو نفسه يستدل على رجوعه بحديث سعيد بن جبير عنه، مع أن حديثه لا يختلف عن حديث ابن المنذر في شيء.
ولكننا لم نجد أثراً لهذا الرجوع، بل وجدناه يصر في مقابل ابن الزبير على بقاء الحلية، رغم تهديد ابن الزبير له.. وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى.
لكننا نجد في المقابل: أن الذين اعتذروا باختلاف الرواية عن ابن عباس قد اعترفوا بأن أصح الروايات عنه هي تلك التي تقول: إنه كان يحلها للمضطر(2). فشتان بين موقف المقدسي وبين موقف هؤلاء..
____________
(1) تحريم نكاح المتعة ص 92.
(2) نكاح المتعة للأهدل ص307.
4 ـ إن ابن عبد البر وغيره ـ حسبما ذكرناه في موضع آخر من هذا الكتاب ـ قد صرحوا بأن روايات التحريم عن ابن عباس ضعيفة.. وروايات التحليل عنه أصح.
5 ـ إن رواية سعيد بن جبير نفسها تدل على بقاء الحلية للمضطر كما هو ظاهر.
6 ـ قول بعضهم: إنه لم يسلم لابن عباس رأيه لا يوجب الوهن في رأي ابن عباس، وسنعرف أن دعوى اعتراض علي (عليه السلام) عليه، غير ثابتة، بل هي لا تصح أصلاً.
وأما اعتراض ابن الزبير فهو غير ضائر فإن ابن الزبير لم يكن فقيهاً، ولا عالماً، وإنما كان عدواً لبني هاشم، وقد كان يسعى للحصول على أية فرصة ممكنة لإيصال الأذى إليهم. وقد جمعهم في الشعب ليحرقهم فخلصهم جيش المختار من براثنه.
فأين هي تلك الجماعة التي يدعونها، وما معنى دعوى انتقاد جماعة من الصحابة لرأي ابن عباس؟!
2 ـ لو كانت «إلى أجل» تفسيراً لكانت منسوخة:
أما بالنسبة لقوله: لو كانت كلمة «إلى أجل» تفسيراً لوجب نسخها بما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) فيرد عليه:
1 ـ إن حديث النسخ عن النبي (صلى الله عليه وآله) قد اختلف وتناقض فلا يصح الإعتماد عليه.
2 ـ بالنسبة للنسخ بالآيات القرآنية قد ذكرنا في هذا الكتاب فيما يأتي عدم صحة ذلك، فلا حاجة للتكرار، بل نكل الحديث في ذلك إلى موضعه.
3 ـ لا يجوز نسخ الكتاب بخبر الواحد.
4 ـ لا معنى لنسخ آية المتعة بآية النكاح الدائم، لأن المتعة نكاح، ولأن النكاح الدائم كان مشرعاً قبل وبعد تشريع المتعة.
5 ـ من قال: إن الظهار لا يقع في زواج المتعة؟.
3 ـ المراد بالآية النكاح الدائم:
أما بالنسبة لقوله: إن المراد بالآية النكاح الدائم أو تقدير الصداق، نقول:
2 ـ إن القول بأن المراد بالآية هو النكاح الدائم يلزم منه التكرار في الآيات كما سنرى.
3 ـ إنه لا معنى للإصرار على أن المراد بالآية هو خصوص الدائم مع عدم وجود قرينة في الآية على هذا التخصيص، فلماذا لا يعترفون على الأقل بأن الآية تتحدث عن مطلق النكاح سواء أكان دائماً أم منقطعاً؟!
4 ـ قال سبرة: الاستمتاع ـ يومئذٍ ـ التزويج، فليس المراد به التلذذ الموجب لاستحقاق المهر.
5 ـ ليس كل تلذذ واستمتاع يوجب المهر، بل هو تلذذ خاص وهو الدخول، ومن الواضح أن الاستمتاع لا ينحصر بذلك
6 ـ إن التعبير في الآية الكريمة بقوله: (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن) ظاهر بأن أي استمتاع يحصل مهما كان ضئيلاً يوجب مقداراً من الأجر بحسبه وهذا لا يكون إلا في نكاح المتعة.
ومع الاصرار على عدم التبعيض في المهر وعلى أن المقصود هو تمام الاستمتاع الذي يبلغ ذروته بالدخول كما يدعون، فإن عليهم أن يقبلوا بأن ذلك يلزم منه التحكم وفرض الرأي بلا مبرر فإن كلمة الاستمتاع أعم من الدخول وعدمه.. فلا معنى للتخصيص بالدخول.
كما أنه يحصر إرادة التعميم من حيث الكمية في مرات الدخول لا التعميم في مقدار الاستمتاع الذي يبدأ بالنظرة ثم باللمسة والقبلة.. وهكذا إلى أن يبلغ ذروته بالدخول.. والتعميم من حيث مقدار ما تفي به المتمتع بها من المدة فتستحق ما يوازيها من المهر.
فإن قلنا: بأن المراد بالآية المتعة، فالتعميم الأخير هو المراد والتعميم الذي سبقه لا ينافيه..
وإن قلنا: بما يقولون به فإن الأمر ينحصر في مرات
كما أن إرادة تمام المهر من قوله (فآتوهن أجورهن) خلاف الظاهر أيضاً. بل المقصود هو الأجور التي تناسب مقدار الاستمتاع..
4 ـ الآية تدل على وجوب المهر بالدخول:
أما بالنسبة لقوله: إن المهر إنما يلزم بالدخول، ويسقط الحد لأجل الشبهة، فيرد عليه:
1 ـ لو كان المقصود مهر المثل، فما معنى قوله تعالى: (ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة)، فإن الفريضة هي المهر المسمى، كما هو ظاهر.
2 ـ إن هذه الآية قد وردت في سورة النساء ولا شك أنها قد نزلت قبل خيبر، والفتح، وحجة الوداع، وحنين، وو.. وقد ثبت التحليل للمتعة في هذه المواطن، فما معنى تشريع مهر المثل، واعتبار المتعة وطء شبهة مع أن الحلية كانت موجودة آنئذٍ.
نعم، لو كانت هذه الآية قد نزلت بعد حجة الوداع لأمكن
3 ـ إن قياس المقام على وطء المرأة الأجنبية النائمة غير صحيح، لأن الآية إن كانت قد وردت بعد النسخ والتحريم، فلا شبهة في البين لورود البيان، بل هو زنا صريح، يوجب الحد بالرجم، أو الجلد، فجعل الوطء شبهة يسهل على الناس ارتكاب هذا الزنا المحرم الذي لا شبهة فيه أصلاً.
5 ـ الإحصان في زواج المتعة:
أما بالنسبة لقوله: إن المتعة من قبيل وطء الشبهة وأنها لا توجب إحصاناً فسيأتي الحديث عنه تحت عنوان المتعة لا توجب إحصاناً لكننا نكتفي هنا بما يلي:
1 ـ إن المتعة توجب إحصاناً عند بعض الفقهاء، كما ذكره الرازي(1).
2 ـ إنها حتى لو لم توجب ذلك لم يكن ذلك مضراً في
____________
(1) التفسير الكبير ج 1 ص 53.
والمسافر أيضاً لو زنى لا يرجم لعدم تحقق الإحصان فيه، مع أنه متزوج بالدائم.
3 ـ دعوى أن زواج المتعة سفاح وليس بنكاح(1) أول الكلام، لأن الله تعالى، قد شرعها، وعمل بها الناس، ولا يعقل أن يشرّع الله السفاح. أضف إلى ذلك أن سبرة بن معبد يقول في رواية التحريم يوم الفتح: «والاستمتاع يومئذ التزويج» فاشتراط التأبيد في النكاح ليس له ما يبرره.. نعم هو شرط في الدائم لا في مطلق النكاح.
4 ـ تشبيه المتعة بقتل المحرم صيداً، فإن ذلك حرام عليه، وذلك لا ينافي نزول آية تبين حكم من فعل ذلك.. في غير محله، فإن السفاح حكمه الرجم أو الجلد، وليس في السفاح مهر أصلاً، وقد ثبت ذلك بأدلة النسخ فما معنى إعطاء المهر للزانية؟.
____________
(1) راجع أيضاً: تحريم نكاح المتعة ص 96.
الفصل الثاني
آية المتعة.. وشبهاتهم
الصحابة لم يرووا نزول الآية في المتعة:
وقد ذكر بعضهم: «أن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين لم يقولوا فيما يروونه عن الرسول (صلى الله عليه وآله): أن الآية نزلت في المتعة، وخير مثال نضربه، ونلقم المخالف حجراً قول الإمام علي رضي الله عنه الذي يعتبره أتباع المتعة حجة، وأنه الإمام المعصوم، والوصي الأول، وكان أعلم الصحابة بمواقع التنزيل، ومعرفة التنزيل، فإن السنة والشيعة لم يرووا عنه بأن هذه الآية نازلة في المتعة، مع أنه كان يعلم نزول كل آية زماناً ومكاناً(1)».
ثم ذكر أن عمر قال: إن المقصود بالآية هو النكاح الأول..
وأن ابن مسعود قال: إنها محمولة على الاستمتاع بهن في النكاح، وقول ابن مسعود «إلى أجل مسمى يعني به المهر دون
____________
(1) تحريم المتعة في الكتاب والسنة ص 76.
ونقول:
أولاً:
لماذا هذه الحدة التي يظهرها هؤلاء في مناقشاتهم لهذه المسألة، حتى يبلغ بهم الأمر إلى حدّ أنهم يريدون أن يلقموا المخالف حجراً؟!!
مع أنهم غير قادرين على تقديم أي شيء يفيد الإقناع، بما يلزمون أنفسهم به. حتى إن دعواهم العريضة ـ هنا ـ تدحضها الأدلة القاطعة الكثيرة.. ما دام أن عدداً من الصحابة قد رووا نزول هذه الآية في زواج المتعة. فابن عباس.. يقول: إنهم كانوا يقرؤون آية المتعة بإضافة كلمة «إلى أجل»، حسبما تقدم.
وسيأتي في فصل النصوص والآثار: أن عمران بن حصين ـ وهو من الصحابة ـ قد ذكر أن هذه الآية قد نزلت في المتعة، ولم تنزل آية تنسخها، وأنه (صلى الله عليه وآله) مات ولم ينههم عنها، قال رجل برأيه ما شاء..
وروي ذلك أيضاً عن أبي بن كعب، كما أسلفنا. وعن ابن مسعود..
____________
(1) المصدر السابق ص 77.
ثانياً:
إن استدلاله بقول عمر بن الخطاب: إن آية المتعة يراد بها النكاح الـدائــم لا يصح، لأن عمر هـو الذي حرم المتعة ـ كما سيأتي في نصوص كثيرة جداً ـ فلا نتوقع منه أن يفسر الآية الشريفة بها، لأن ذلك معناه أنه يدين نفسه.
ثالثاً:
ما ذكره عن ابن مسعود من أنه يفسر الآية بالنكاح الدائم، لا يصح أيضاً، فإن قراءته الآية بإضافة كلمة «إلى أجل» خير شاهد على أن نسبة هذا التفسير إليه غير صحيحة. وتبرير ذلك بأن كلمة «إلى أجل مسمى، يعني به المهر، دون العقد» غير صحيح أيضاً؛ إذ إن ذلك لا يستقيم من الناحية اللغوية، حيث لم يتقدم ذكر للمهر لتكون هذه الكلمة قيداً له..
الرسول لم يفسر آية المتعة:
وقد استدل بعضهم على عدم كون آية (فما استمتعتم به
ونقول:
أولاً:
إن عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود. فكيف صح له نفي أن يكون (صلى الله عليه وآله) قد قال بنزول الآية في نكاح المتعة؟
ثانياً:
إن ما ذكره ابن عباس، وعمران بن الحصين، وابن مسعود، وغيرهم، وقراءتهم الآية بإضافة كلمة «إلى أجل» التي لم يكونوا ليتفتئتوها من عند أنفسهم، بل هو علم أخذوه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يؤكد: على أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد أعلمهم بنزولها في هذا الزواج بالذات، وأنهم قد أخذوا تفسيرها بكلمة «إلى أجل» منه (صلى الله عليه وآله).
القرطبي وآية المتعة
قال القرطبي: «ولا يجوز أن تحمل الآية يعني آية: (فما
____________
(1) تحريم المتعة في الكتاب والسنة ص 75.
ونقول:
أولاً:
إن نهي رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن نكاح المتعة، لا يدل على عدم كون المقصود بالآية هو ذلك، فإن النهي لا يلازم التحريم، فلعله كان نهي تنزيه، أو لعله كان نهياً تدبيرياً حين رأى أنهم لا يمارسون هذا الزواج وفق الضوابط والشرائط.
هذا بالإضافة إلى عدم ثبوت هذا النهي كما سيتضح في الفصول الآتية، لأن الآية قد نزلت في أوائل الهجرة، والنهي المزعوم قد كان في عام خيبر، أو الفتح أو بعد ذلك.. وقد زعموا أن هذا النهي نسخ لذلك التحليل الثابت بالآية وغيرها..
وإن كان سيأتي: أن القرآن لا ينسخ بالسنة عندهم:
____________
(1) الجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 129 و 130.
وثانياً:
إن تحريم النبي (صلى الله عليه وآله) لهذا الزواج ـ لو صح ـ فإنما كان بعد الإذن فيه بلا ريب، وبإجماع الأمة..
وثالثاً:
لا ربط لإذن الأهل بشرعية الزواج وعدمه، فإنه لا بد من استئذان ولي البكر، سواء أكان الزواج دائماً أو منقطعاً، أما الثّيب فلا ولاية لأحد عليها، سواء في الدائم أو في المنقطع..
ورابعاً:
يفهم من كلام القرطبي: أن عدم مشروعية زواج المتعة تستند إلى أنه ليس بولي وشاهدين.. وعلى هذا الأساس يرد عليه:
1 ـ إن كان مراده أن طبيعة زواج المتعة هي ذلك، فيرد سؤال: كيف أذن النبي (صلى الله عليه وآله) به وشرّعه في أول الإسلام، قبل النسخ المدعى؟ وهل إن إذنه (صلى الله عليه وآله) به، وتشريعه له، لم يجعله شرعيا؟!.
وإن كان مراده: أنه زواج صحيح ومشروع لو كان بولي وشاهدين.. فإن القرطبي يكون بذلك من القائلين ببقاء مشروعية هذا الزواج. مع أنه لا يرضى بنسبة ذلك إليه.
وقد أشرنا آنفاً إلى أننا نشترط إذن الولي بالنسبة للبكر، سواء في الدائم أو المنقطع..
وأما بالنسبة للإشهاد على النكاح، فقد دل الدليل على عدم اشتراطه في الدائم(1) فضلاً عن المنقطع أيضاً.
نعم قد دلّ الدليل أيضاً على استحباب ذلك.
ولو سلمنا أنه شرط فيهما.. عند هذا القائل.. فلا ضير في ذلك بل يكون من القائلين بمشروعية زواج المتعة إذا أشهدا على هذا النكاح!!
____________
(1) راجع: مجلة الهادي الصادرة في قم سنة 1392هـ. ق ـ السنة الثانية، العدد الأول، ص 110 ـ 124 والعدد الثاني من ص 25حتى 37، فهناك مقالان للسيد محمد بحر العلوم بعنوان: المذاهب الإسلامية السبعة ووجوب الإشهاد على الزواج والطلاق والرجعة، مقارناً بالقوانين الوضعية.
آية الاستمتاع تفيد النكاح الدائم لوجوه أربعة:
روى مجاهد(1) والحسن(2)، في قوله تعالى: (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن..)(3) قالوا: النكاح، وقالوا: إن مرادهما به هو خصوص الدائم.
ونقول:
لا يمكن الجزم بذلك، لأن الاستمتاع أيضاً نكاح كما سترى.
غير أن الأمر لا ينحصر بهؤلاء، فإن البعض من غيرهم أيضاً(4) قد ذهبوا إلى إرادة النكاح الدائم، استناداً إلى قرينة السياق.. قبلها وبعدها، حيث إنه تعالى: إنما يتحدث عن الزواج الدائم مع ملاحظة التفريع بالفاء، ثم ترتيب الإحصان على الاستمتاع.
____________
(1) التمهيد ج 9 ص 122، وفتح القدير ج 1 ص 449.
(2) فتح القدير ج 1 ص 449.
(3) سورة النساء / الآية 24.
(4) هو الجصاص في أحكام القرآن ج 2 ص 179 و 180 وقال في البحر الزخار ج 4 ص 22 حول الآية: «قلنا: أراد النكاح، جمعاً بين الأدلة» ونسب الرازي ذلك في التفسير الكبير ج 10 ص 49 إلى أكثر علماء الأمة، وراجع شرح الموطأ للرزقاني ج 4 ص 47، والاعتصام بحبل الله المتين ج 3 ص 201، وزاد المسير في علم التفسير ج 2 ص 54، وروح المعاني ج 5 ص 7.
1 ـ الاستمتاع هو التلذذ:
قالوا: الاستمتاع في الآية يراد به معناه اللغوي وهو التلذذ.
والأخذ بظاهر الآية يقتضي أن يعطي المرأة أجراً على كل تلذذ، وذلك لا يجوز إجماعاً.. حيث لابد من لفظ عقد يصحّح ذلك، فتحتاج الآية إلى إضمار ما يشير إلى العقد، أي فما استمتعتم به منهن بعقد النكاح فآتوهن أجورهن.. ولو كان المراد نكاح المتعة لاحتاج إلى إضمار ثان وهو كلمة «إلى أجل» والإضمار الأول مجمع عليه، والإضمار الثاني مختلف فيه، فيؤخذ بالقدر المتيقن، فمن ادعى الزيادة فعليه الدليل(1).
وقالوا: إن الذي اقتضى هذا الاضمار أمور:
الأول:
إن المذكور في أول الآيات وآخرها هو النكاح فهو
____________
(1) تحريم نكاح المتعة ص 88 و89. وراجع: نكاح المتعة للأهدل ص301 و302.
الثاني:
إن هناك فرقاً بين قولك «نكح فلان متعة» فينصرف إلى النكاح الموقت، وبين قولك «استمتع فلان بالنكاح» فيراد به معنى الاستلذاذ والانتفاع والآية من قبيل الثاني لا من قبيل الأول.
الثالث:
إنه لا بد والحالة هذه من إضمار كلمة «عقد» ليتقيد به الانتفاع والالتذاذ لئلا يقتضي ظاهر الآية جواز كل تلذذ بأجر، ولو بدون عقد، وهذا باطل جزماً(2).
والجواب:
1 ـ إن الدليل على أن المراد بالآية هو عقد المتعة موجود، وهو قراءة أبي بن كعب، وابن عباس، وغيرهما مما تقدم، ومجرد المكابرة في إنكاره لا يجعله مختلفاً فيه، فإن الميزان هو قيام الحجة عليه.
____________
(1) نكاح المتعة للأهدل ص302 عن أحمد الحصري في كتاب: النكاح والقضايا المتعلقة به ص178 و179.
(2) راجع فيما تقدم: نكاح المتعة للأهدل ص301 و302.