ولا يعتد بالإنكار بلا مبرر بل على المنكر أن يقدم ما يبرر إنكاره مما هو مقبول ومعتد به في الاحتجاج العلمي.
2 ـ إنه يلزم من إرادة النكاح الدائم في قوله: (فما استمتعتم) تكرار النكاح الدائم في الآية كما سيأتي بيانه.
3 ـ قولهم: إن الآيات أولاً وآخراً تتحدث عن النكاح الصحيح، وهو خصوص الدائم.. غير صحيح.. فإن عقد المتعة أيضاً نكاح صحيح شرعه الله تعالى.. فلماذا هذا الإصرار على الباطل؟
4 ـ قولهم: إن الآيات ناظرة أولاً وآخراً إلى الدائم هو محل النزاع فكيف تصبح الدعوى دليلاً على نفسها؟
5 ـ إن أول الآيات يتحدث عن الدائم وآخرها يتحدث عن نكاح الإماء، ووسطها يتحدث عن زواج المتعة، بقرينة السياق الدال على أن مقدار ما يحصل من الاستمتاع وتفي به من المدة، فإنه يجب إعطاء مقابله من المهر؛ فإن قوله (فما استمتعتم به منهن) بمثابة قولك أي مقدار حصل من الاستمتاع
6 ـ إن ما ذكره من الفرق بين كلمة التمتع ونكح متعة، لا أثر له في ما نحن فيه. إذ لا بد من تقدير كلمة عقد على كل حال. وكلمة استمتع حتى لو أريد به الانتفاع والالتذاذ فإن طبيعة تركيب الجملة إنما تناسب عقد المتعة حسبما أوضحناه في الفقرة الخامسة الآنفة الذكر.
7 ـ إن المضمر إذا كان هو عقد النكاح، فهو عام يشمل الدائم والمنقطع، فيحتاج تعيين أحد القسمين وإخراج ما عداه إلى قرينة، مثل كلمة «الدائم»، أو كلمة «إلى أجل».
ومع كون النكاح إلى أجل له قرينة، وهو أنه بمقدار ما تفي به من المدة يجب إعطاء ما يقابله من المهر.. كان هذا قرينة على أن المراد خصوص المتعة. وعلى أن الآية لا تشمل حتى النكاح الدائم ولو من خلال الإطلاق.. هذا بالإضافة إلى قراءة إلى أجل التي زادت الأمر وضوحاً. فمن أين عرفوا أن الآية منحصرة في النكاح الدائم؟ فإن الانحصار يحتاج إلى دليل.
2 ـ قرائن على أن الاستمتاع هو النكاح الدائم:
قال أحمد بن عيسى بن زيد حول الآية: «الاستمتاع هو الدخول بهن على وجه النكاح الصحيح. و [إيتاؤهن أجورهن] هو إعطاؤهن مهورهن، إلا ما وهبن بطيبة من أنفسهن. والتراضي هو التعاطي»(1).
وقال غيره: إن قوله تعالى: (وأحل لكم ما وراء ذلكم) معناه: أحل لكم النكاح الدائم، والمراد به النكاح الحلال، للإشارة إلى أن المدخول بها تستحق تمام المهر، لاستمتاعه المتعة الكاملة، فإن طلق قبل الدخول فلها نصف المهر(2).
وروي ذلك عن عمر بن الخطاب والحسن بن أبي الحسن(3).
____________
(1) كتاب العلوم ج 3 ص 14، وأحكام الأسرة في الإسلام لمصطفى شلبي ص 148 دار النهضة العربية.
(2) راجع: شرح الموطأ للزرقاني ج 4 ص 48، وراجع أيضا: التفسير الكبير للرازي ج 10 ص 49، والتمهيد ج 9 ص 118 و 119، ولسان العرب ج 8 ص 329 عن الزجاج وزاد المسير ج 2 ص 54.
(3) راجع: التمهيد ج 9 ص 118 و 119، والاستذكار ج 16 ص 298.
إذن: المراد بالاستمتاع هو: الكناية عن الوطء، والمراد بالأجر هو: المهر، وليس أمراً آخر(2).
ونقول في الجواب:
1 ـ إن البعض يقول: «إن المهر ليس مقابل الوطء فقط، وإنما هو لتوطيد الميثاق الزوجي بصورة عامة، فإن المفسرين جميعهم أرادوا الكلام في سياق الآية على نكاح المتعة»(3).
2 ـ إن الأستاذ عبد الهادي مسعود، رفض القول بأن المراد بالآية المشار إليها هو النكاح الدائم فقد قال: «يحاول بعض الدارسين من معتنقي مذاهب أهل السنة أن يقول: بأن المتعة هنا هي الزواج الدائم.
ومثل هذا الكلام مردود، إذ من المحقق أن اصطلاح المتعة معروف ومقرر ومن المقطوع به أنه أبيح على عهد رسول الله
____________
(1) راجع: التمهيد ج 9 ص 120، وفتح القدير ج 1 ص 455 عن ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والاستذكار ج 16 ص 299.
(2) راجع المرأة في القرآن والسنة ص 178 والتفسير الحديث ج 9 ص 52.
(3) المرأة في القرآن والسنة ص 178 و 179، والتفسير الحديث ج 9 ص52.
إلى أن يقول: «نضيف إلى هذا بعد الدراسة الطويلة أن أكثر من تسعين في المائة من المجتهدين من سنة وشيعة أجمعوا على أن المتعة المذكورة في الآية الكريمة هي الزواج إلى أجل، وأن هذه الآية هي المرجع الأول في الإباحة.
أما النسخ فالمجتهدون من السنة يقررون:
أنه ورد بحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله) نهى فيه عن ممارسة هذا الحق الذي منحه القرآن الكريم. وقد عودنا القرآن حين يحرِّم شيئا أن يفصِّله ويكرِّره، ويؤكده، بل غالباً ما يضع العقوبات للمخالفين: قال تعالى: (وقد فصل لكم ما حرّم عليكم).
وترتيباً على ذلك: محال أن يحرم الله علينا ما لم يبينه لنا، وما لم يفصله على حد تعبيره تعالى في هذه الآية المحكمة.
وإذا كانت المتعة أبيحت بنص القرآن، فلا بد أن تحرم ـ
3 ـ وبعد ما تقدم نقول: إن ما استدلوا به على أن المقصود بالآية هو النكاح الدائم لا يصح وذلك لما يلي:
أ ـ أنه يلزم منه تكرار ذكر النكاح الدائم في الآية، كما أشار إليه جماعة(2) وسيأتي بيانه.
ب ـ من أين ثبت لهم أن المراد هنا هوخصوص النكاح الدائم؟ فإن الحديث عن النكاح جاء مطلقاً ولم يقيد بشيء، أي أن الآية قد قررّت أن مطلق النكاح لتلك النساء حرام، ومطلق النكاح لمن عداهن جائز.
ج ـ ولو كان المراد بالآية العقد الدائم لاستحقت المرأة تمام المهر بمجرد العقد، مع أنها لو طلقها قبل الدخول إنما تستحق نصفه فقط.. وأما إذا كان المراد نكاح المتعة بالآية فالمرأة تستحق تمام المهر بنفس العقد، سواء دخل أو لم
____________
(1) مقدمة كتاب المتعة وأثرها في الإصلاح الاجتماعي ص 12.
(2) نصب الراية ج 3 ص 178 وغيره.
ولهم على هذا الكلام إشكال سوف نورده تحت عنوان: المراد بآية الاستمتاع: الزوجة المدخول بها.
د ـ إن المراد بالاستمتاع التزويج، كما ورد في رواية سبرة في حجة الوداع، فراجع، وليس المراد به مجرد الالتذاذ ليكون هذا التعبير إشارة إلى استحقاق تمام المهر بحصول الدخول.
هـ ـ قال الفاضل المقداد: «لو لم يكن المراد المتعة المذكورة، لم يلزم شيء من المهر، من لا ينتفع من المرأة الدائمة بشيء، واللازم باطل، فكذا الملزوم. وأما بطلان اللازم، فللإجماع على أنه لو طلقها قبل أن يراها، وجب نصف مهرها، وأما بيان الملازمة، فإنه علق وجوب إيتاء الأجرة بالاستمتاع، فلا يجب بدونه..»(2).
والحاصل:
أن الاستمتاع إنما يوجب تمام المهر، إذا صاحبه الدخول، فإذا استمتع بها دون ذلك لم تستحق إلا النصف.
____________
(1) مجمع البيان ج 3 ص 32.
(2) راجع كنز العرفان ج 2 ص 149 و 150.
ويوضح ذلك:
أن المرأة تستحق من المهر في عقد المتعة بمقدار المدة التي منحته إياها، فإذا أخلت بنصف المدة مثلاً استحقت نصف المهر وإن أخلت بثلثها ذهب من المهر بمقدار ذلك، وهذا يتوافق تماماً مع قوله تعالى: (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن) وليس الأمر كذلك في الزواج الدائم حسبما أوضحه الفاضل المقداد رحمه الله.
إن قلت:
إن الآية قد جاءت لتؤكد حق الزوجة في تمام المهر إن استمتع بها الزوج(1).
فالجواب:
إن ذلك معناه أن تستحق الزوجة تمام المهر لمجرد لمسة أو تقبيلة وهو باطل.
وقد يقال:
المراد المهر المستقر، وهو إنما استقر بالدخول، فعبر عن الدخول بالاستمتاع.
فالجواب أيضاً:
أولاً:
ليس في الآية حديث عن الاستقرار بل الحديث عن
____________
(1) أحكام الأسرة في الإسلام ص 148.
ثانياً:
الآية تحدثت عن الاستمتاع ولم تذكر الدخول. والاستمتاع أعم من الدخول، والعام لا دلالة له على الخاص. ويكون تقدير الآية حينئذ فالذي استمتعتم به منهن فآتوهن مجموع أجورهن لأن الأجرة في الكل حقيقة وفي البعض مجاز فيجب تمام المهر ولو لأجل قبلة كما قلنا(1).
3 ـ غير مسافحين:
إن الاستدلال الثاني لهم على أن المراد بالآية هو النكاح الدائم هو قوله تعالى في الآية: (.. غير مسافحين) فسمي الزنا سفاحاً، لانتفاء أحكام النكاح عنده من ثبوت النسب، والعدة، والفراش، وكذلك المتعة.
كما أن سفح الماء مشترك بين المتعة والزنا، لأن المقصود في كل منهما قضاء الشهوة وسفح الماء، فإذا حرم الزنا حرمت
____________
(1) راجع كنز العمال ج 2 ص 150 وراجع تفسير النيسابوري المطبوع بهامش جامع البيان للطبري ج 5 ص 18.
ونقول:
1 ـ قد تحدثنا فيما سبق وفي القسم الأخير من هذا الكتاب:
أن النسب والعدة، وغيرهما يثبتان في الزواج المنقطع كالدائم فلا يكون سفاحاً.
2 ـ قد عرفت أن الإسلام قد شرّع هذا الزواج بالإجماع لكن الخلاف إنما هو في نسخه وناسخه، فهل يصح القول: إنه قد شرّع السفاح؟!! أو إنه قد شرّعه بدون أحكام؟!! فإن كان قد جعل له أحكاماً؟!! فإننا نلزم أنفسنا بكل ما قرره والتزم وألزم به الشارع المقدس في صدر الإسلام حيث شرع هذا الزواج.
3 ـ قولهم: إن المقصود بالمتعة هو مجرد سفح الماء قد أجبنا عنه أكثر من مرة وقلنا:
أ ـ إن الزواج الدائم باليائس والعقيم وبالتي استأصل الطبيب رحمها أو المبيض، والزواج بالصغيرة، والزواج الدائم
____________
(1) وراجع أيضاً: التفسير الكبير ج 10 ص 53 والمتعة للفكيكي ص 49. وراجع: تحريم المتعة في الكتاب والسنة للمحمدي ص 97 و98.
ب ـ إن المراد بالسفاح هو النكاح دون عقد في مقابل النكاح بعقد لا أن سفح الماء هو علة الحلية والحرمة، والمتعة نكاح بعقد شرعي وليست سفاحاً.
ج ـ قد أجاب الرازي عن هذا الدليل أيضاً فقال:
المتعة ليست كذلك فإن المقصود منها سفح الماء بطريق مشروع، مأذون فيه من قبل الله، فإن قلتم، المتعة محرمة، قلنا: هذا أول البحث، فلم قلتم: «إن الأمر كذلك؟ فظهر أن الكلام رخو»(1).
4 ـ المتعة لا توجب إحصاناً:
ومما استدلوا به على إرادة النكاح الدائم: قوله تعالى: (محصنين) فإن الإحصان لا يكون إلا في نكاح دائم، لأن المتمتع، لا يكون محصناً، فوجب حمل الآية على الدائم لتصريحها بثبوت
____________
(1) التفسير الكبير ج 10 ص 55.
وبعبارة أخرى:
لو زنى متمتع لا يرجم، ولا يعامل معاملة المحصن فهو غير متزوج.
وقد نسبوا إلى ابن عباس قوله: «كانت المتعة في أول الإسلام متعة، فكان الرجل يقدم بسلعته البلد ليس له من يحفظ عليه ضيعته، ويضم إليه متاعه، فيتزوج المرأة إلى قدر ما يرى أنه يقضي حاجته، وقد كانت تقرأ: (فما استمتعتم به منهن ـ إلى أجل مسمى ـ فآتوهن أجورهن) الآية.. حتى نزلت (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم..) وتلى إلى قوله: (محصنين غير مسافحين) فتركت المتعة، وكان الإحصان إذا شاء طلق وإذا شاء أمسك، ويتوارثان، وليس لهما من الأمر شيء»(1).
والمراد بالإحصان: صفة تحصل للمتزوج توجب إجراء
____________
(1) الاعتبار في الناسخ والمنسوخ ص 178، التفسير الكبير ج 10 ص 53، وراجع الجامع الصحيح للترمذي المطبوع مع تحفة الأحوذي ج 4 ص 269، وغاية المأمول في شرح التاج الجامع للأصول ج 2 ص 335، والمنار في المختار ج 11 ص 461 وراجع روح المعاني ج 5 ص6. وراجع: تحريم المتعة في الكتاب والسنة ص 96 و97 ونكاح المتعة للأهدل ص 303 وفي هامشه عن زاد المسير لابن الجوزي ج 2 ص 53 و54.
ونقول:
قد تقدم تحت عنوان: الإحصان في زواج المتعة.
أولاً:
قد أجاب الرازي عن ذلك بقوله: من أين ثبت: أن الإحصان خاص بالنكاح الدائم؟ بل هو موجود في المنقطع أيضاً، من غير فرق، لأن المراد بالإحصان حفظ الفرج عن ارتكاب الحرام، أي الزنا، دون النكاح مطلقاً(1).
ومن الواضح:
أن الاستمتاع من المرأة مدة معينة قد يقع بدون إنشاء العلقة الزوجية، فيكون الغرض منه مجرد سفح الماء وقضاء الشهوة وهو السفاح المحرم.
وقد يقع مع إنشاء الزواج المؤقت فيراد منه بالإضافة إلى قضاء الشهوة تحصين النفس عن الوقوع في الحرام، وهذا هو معنى الإحصان، أي تحصين النفس من الوقوع في الإثم، ويحصل بذلك السكن لهما ولو في هذه المدة القليلة جداً.
والحاصل:
أن المراد بالإحصان في الآية ليس هو ثبوت الرجم للزاني الذي هو اصطلاح فقهي.. بل له معنى آخر.. وهو
____________
(1) تفسير الرازي ج 10 ص 53.
قال البغوي في تفسير الآية: «محصنين أي متزوجين أو متعففين»(1).
وقال ابن جزي: «محصنين: هنا العفة ونصبه على الحال من الفاعل في تبتغوا»(2).
وكذا قال: السيد المرتضى رحمه الله (3).
وثانياً:
قولهم: إن الإحصان ملازم للزوجية ممنوع، إذ لا يثبت الإحصان قبل الدخول(4)، سواء في الدائمة، أو في المتمتع بها مع أن الزوجية صادقة، وثابتة في هذا الحال أيضاً، ومن وطأ زوجته في دبرها فليس بمحصن، وكذا النكاح بملك اليمين فإنه لا يوجب الإحصان بمعنى ثبوت الرجم، حتى لو وطأ جاريته في قبلها.
____________
(1) راجع تفسير البغوي ج 1 ص 413 ط دار المعرفة ـ بيروت.
(2) التسهيل لعلوم التنزيل ج 1 ص 137.
(3) الإنتصار ص 113.
(4) الفقه على المذاهب الأربعة ج5 ص 58.
وهو ممنوع صغرى وكبرى، أما صغرى فقد عرفت أن المراد بالإحصان هو مجرد التعفف.
وأما قولهم لا يتحقق ذلك في المتعة فهو ممنوع أيضاً فإنه يتحقق فيها في أحيان كثيرة.. وأيضاً هو متحقق في ملك اليمين مع أنه لا يوجب الرجم، كما قلنا.
وثالثاً:
قال الرازي: أما قوله ثانياً: الإحصان لا يكون إلا في نكاح صحيح(1) فلم يذكر عليه دليلاً(2).
ورابعاً:
لنفرض أن المراد هو الإحصان بالمعنى المصطلح. لا بمعنى التعفف، فلماذا لا نعتبر المتمتع محصناً أيضاً، لكن الأدلة خصصت الحكم بالإحصان في الدائم فيه وأسقطته من المنقطع.
خامساً:
قال العلامة الطباطبائي: «لو كان المراد إحصان
____________
(1) الظاهر أنه يقصد النكاح الدائم وراجع: تحريم المتعة في الكتاب والسنة ص97.
(2) التفسير الكبير ج 10 ص 53.
سادساً:
إن صاحبنا فيما يذكره في معنى الآية، إنما يصادر كل ما نقل عن الصحابة والتابعين في معناها، ويتجاهل كل قراءاتهم التفسيرية المتواترة عنهم بإضافة كلمة: «إلى أجل مسمى» ويرى نفسه أعرف منهم بالمقصود والمراد منها، رغم أنهم قد عاشوا مع النبي (صلى الله عليه وآله)، وتلقوا معارفهم بهذا الخصوص عنه (صلى الله عليه وآله) ومارسوا العمل بمضمون هذه الآية تحت سمعه وبصره، وتوجيهاته ثم استمروا على ذلك عشرات السنين من بعده.
سابعاً:
إن المتعة قد كانت موجودة على عهد رسول الله، وهي التي نقول ببقاء تشريعها، فإن كان زواج المتعة الذي كان على عهد رسول الله يوجب إحصاناً فنحن نقول به. وإن كان لا
____________
(1) راجع: تفسير الميزان ج 4 ص 275.
معاني الإحصان في الآيات:
وقد ذكر بعضهم: أن الإحصان في القرآن الكريم يقع على أربعة معانٍ هي: الزواج، والحرية، والإسلام، والعفاف.
والمراد بالإحصان في آية المتعة، في قوله: (محصنين غير مسافحين) هو العفة، أي متناكحين نكاحاً شرعياً صحيحاً يحصنهم، والاحصان لا يكون إلا في نكاح دائم.
ولو سلم أن المراد بالإحصان هو المعنى الأول أي إحصان التزوج. فلا بد أن ينحصر في الدائم وملك اليمين، لأن إمام الشيعة يقول: إن الإحصان والرجم لا يكون في المتعة، فلو كان نكاح المتعة صحيحاً لوجب الرجم فيها.. فبطلت المتعة. ولا بد أن يفسروا الاحصان بالنكاح الصحيح الدائم.
أضف إلى ذلك: أن الإحصان هو الدخول في الحصن، أي ما يوجب العفة ويمنع من الزنا. ولا تعف المرأة في المتعة، بل هي كل شهر تحت صاحب، وكل يوم في حجر ملاعب.
كما أن رجل المتعة لا يقصد الإحصان والعفة بل يقصد
وصاحب المتعة لا يستغني عن امرأة المتعة، ولا امرأة المتعة تستغني عن غيره. فليس هناك استغناء كل منهما بالآخر عن طلب الاستمتاع المحرم، فأي نوع من الإحصان هذا؟(1).
ونقول:
إن ذلك غير مقبول ولا معقول، وذلك للأمور التالية:
1 ـ من الذي قال لهذا البعض: إن الإحصان بمعنى العفة لا يكون إلا في نكاح دائم.. بل يكون التعفف بالدائم، و بالمنقطع، وبالوطء بملك اليمين أيضاً.
2 ـ إذا كان المراد بالإحصان إحصان التزوج، فكيف يشمل ملك اليمين؟! فإنه لا عقد زواج في ملك اليمين.
3 ـ إذا كان يوجد في المتعة عقد يحدث الزوجية، وفي الزواج الدائم عقد يحدثها كذلك، مع الاعتراف بأن المقصود بالإحصان هو الزوجية في الآية. وهي الجامع المشترك بينهما، فإذا قيل: إنهما يشتركان في إيجابهما العفة والحصانة، لم يكن
____________
(1) راجع: تحريم المتعة في الكتاب والسنة للمحمدي ص149 و150.
أما أن يقال بصورة قاطعة: إن الدائم يشارك ملك اليمين في إيجاد العفة والحصانة، ثم القول بأن الزواج المنقطع الموجد للزوجية لا يوجب الحصانة، فإن ذلك بعيد عن الإنصاف جداً.
4 ـ وفي جميع الأحوال نقول: هل كان هذا العقد في المتعة موجباً للإحصان في زمن الرسول أم لا.. فما تقولونه هناك نقوله هنا.
5 ـ ما نقله هذا المعترض عن أئمة الشيعة، من أن المتعة لا توجب إحصاناً ليس معناه أنها لا توجد زواجاً.. ولا معناه: أنها لا توجد عفة.. بل المراد به أنها لا توجد الاحصان بمعنى استحقاق الرجم.. لأن الاحصان الموجب لذلك هو خصوص الاحصان في النكاح الدائم لا مطلقاً.. فالأئمة يتحدثون عن معنى.. والمستشكل يتحدث عن معنى آخر..
6 ـ إن الإحصان إذا كان بمعنى الزوجية، فإن مطلق الزوجية لا تستلزم الرجم، بل الذي يستوجب ذلك هو الزوجية بشرط الدوام..
7 ـ قول المستشكل بأن العفة عن الزنا لا تتحقق في المتعة،
غير صحيح.. لأن العفة تتحقق في المدة المحددة، وفي زمن العدة، تماماً كما هو الحال حين حصول الطلاق في الدائم، والتحرير للأمة، فإنهما بعد انقضاء عدتهما يمكنهما التزوج بمن شاءتا.. فليست هي كل يوم ولا كل شهر عند صاحب أو ملاعب.
كما أنه لو صح هذا لورد الإشكال على تحليل المتعة حتى في زمن الرسول (صلى الله عليه وآله).
8 ـ وعدم استغناء المتمتعة برجل المتعة غير صحيح، بل هي تستغني به مدة العقد، وإلى حين انقضاء العدة.. تماماً كما هو الحال في المطلقة وفي الأمة المحررة.
9 ـ ولماذا فرض في مورد المتعة عدم الاستغناء عن الاستمتاع المحرم الذي هو الزنا؟!. فهل العاقد بالدائم، الذي يريد الطلاق بعد ساعة مستغن عن الاستمتاع المحرم والزنا أم لا؟!
ولماذا فرض الحاجة إلى الزنا المحرم، دون سواه من أوجه
من لم يستطع منكم طولاً:
وقد أورد البعض شبهة هنا مفادها: أن الله سبحانه يقول: (من لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم..) ومن يكون عاجزاً عن كفٍ من بر كيف يشتري جارية ينكحها بملك اليمين.. فقوله تعالى: (فما استمتعتم به منهن..) قبل هذه الآية لا يمكن أن يكون المراد بها الاستمتاع، ولو بكف من بر، بل المراد بها والحالة هذه هو النكاح الدائم ـ الذي يحتاج إلى تكاليف كثيرة حتى إذا عجز عنها، فإنه يشتري جارية يعف بها نفسه(1).
وعلى حد تعبير بعضهم:
«لو كانت المتعة جائزة لما نصت الآية التي بعدها صراحة على التزوج من الإماء، ولما اضطر الناس إلى ذلك, ولما جعل
____________
(1) الوشيعة لموسى جار الله ص 163.
وقال: «إن الله أمر بالاكتفاء بنكاح الإماء عند عدم الطول إلى نكاح الحرائر، فلو كان أحل المتعة في الكلام السابق، لما قال سبحانه بعده: (ومن لم يستطع) لأن المتعة في صورة عدم الطول. فمجرد نزول هذه الآية بعد قوله تعالى: (فما استمتعتم) يكفي في تحريم المتعة، فإن الآية نقلت من لا يستطيع أن ينكح الحرة المحصنة إلى ملك اليمين، ولم يذكر له ما هو عليه أقدر من ملك اليمين، فلو كان التمتع بكف من بر جائز [كذا] لذكره»(1).
ونقول:
أولاً:
الزواج الدائم أيضاً قد يكون المهر فيه كفاً من بر.. وحديث ذلك الرجل الذي لم يكن يملك شيئاً يعطيه مهراً لزوجته، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): زوجتكها بما معك من القرآن، معروف ومشهور.
____________
(1) تحريم المتعة في الكتاب والسنة ص 98.
ثانياً:
لا دليل على أن المراد بالطول هو المهر، بل لعل المراد الأعم منه، ومن الزيادة والسعة في المال، الذي يحتاج إليه للسكن، وللنفقة، أو الأعم منهما ومن عدم التمكن من الزواج ـ لا متعة ولا دائماً ـ بسبب ظروف اجتماعية أو حياتية، أو حيث لا ترضى الدائمة ولا المنقطعة بالمهر القليل. فإن جواز جعل المهر كفاً من بر ـ في الدائم والمنقطع ـ لا يلازم وجود من تقبل بهذا القليل..
وقد يكون السبب في عدم التمكن من الدائم والمنقطع هو عدم تيسّر من ترضى بالزواج الدائم أو المؤقت لعيب تراه في الرجل، أو لأي سبب آخر.. فإنه إذا عجز عن الزواج والحالة هذه ـ بقسميه المؤقت والدائم ـ فلا جناح عليه أن يتخذ سرية يتعفف بها..
وهكذا يتضح: أن هذه الآية لا تتنافى مع الزواج المنقطع بل هي منسجمة معه ومع الدائم تمام الانسجام..
تفسير آخر للآية الشريفة:
وقالوا في تفسير الآية: إن حقيقة الاستمتاع هي تحصيل المتعة واللذة، من الوطي والتقبيل وغيرهما، وقد فرعه: «بالفاء»
ويرد عليه:
أولاً:
يحتمل أن يراد بالاستمتاع معناه اللغوي، وهو اللذة والمتعة، ويحتمل إرادة عقد النكاح الدائم..
ويحتمل إرادة عقد النكاح المنقطع والأخير هو المتعين، وذلك لما يلي:
أ ـ إن المتتبع للأخبار التي تعد بالعشرات يجد أنهم يستعملون لفظ المتعة والاستمتاع في هذا المعنى المعروف وهو زواج المتعة من دون نصب أي قرينة وعليه: فما هو الدليل على حمل هذا اللفظ في الآية الكريمة على المعنى اللغوي دون المعنى الاصطلاحي المتداول فيما بينهم، وليكن حاله حال كلمة: الحج، والصلاة، والصوم، والزكاة، والبيع، والربا، وما إلى ذلك.
ب ـ سلمنا أن استعمال هذه الكلمة في زمن الرسول لم يكن بتلك المثابة، ولكن ذلك لا يجدي نفعاً هنا، إذ لا يمكن حمل
إن قلت:
الاستمتاع هنا استعمل كناية عن خصوص الوطء(1).
أجبتك:
هذا تحكم واضح، وهو ليس بأولى من حمل الكلمة على الاستمتاع بمعناه الشائع المعروف وهو زواج المتعة، ويكون ذلك الشياع قرينة على إرادة ذلك منه.
وإن عدت فقلت:
نحمل الاستمتاع على معناه اللغوي، ثم نقيده بالأدلة الدالة على إرادة خصوص الوطء.
فالجواب:
أن هذا تخصيص للأكثر، وهو غير مستساغ عند أهل اللغة.
ثانياً:
إن الضمير في كلمة: «منهن» يرجع إلى النساء، فإن كان مرجعه هو مطلق النساء، كان معنى الآية لزوم إعطاء المهر لكل امرأة تلذذ معها، واستمتع بها سواء كان ذلك مع عقد أو
____________
(1) راجع: تحريم المتعة في الكتاب والسنة ص99.
وإن كان المراد بالاستمتاع التلذذ، وكان الضمير يرجع إلى خصوص النساء المعقود عليهن بالدائم، فيرد عليه:
أنه لم يتقدم ذكر لهن من هذه الحيثية، فإرادة المعقود عليهن من الضمير تقييد بلا مقيد، إلا على سبيل الاستخدام حيث يراد بالمرجع المعنى العام، والضمير يرجع إليه بما هو مقيد، لأن مرجع الضمير هو قوله تعالى: (وأحل لكم ما وراء ذلكم) من دون ذلك القيد، وهو: «العقد عليهن».
ثالثاً:
إن قراءة: «إلى أجل» قرينة على أن المراد هو النكاح المنقطع دون سواه.
الفرق بين استمتعتم والمتعة:
وقد حاول بعضهم أن يتهرب من دلالة الآية على المتعة بطريقة أخرى، فقال ما ملخصه:
إن الآية لم تعبر بلفظ المصدر «الاستمتاع» ولا بكلمة «المتعة» بل استعملت كلمة: «استمتعتم» التي هي فعل ماضٍ. والفعل يدور معناه على الالتذاذ والنفع.. والقول بأنه يدل على
قال: «فهذا دليل قاطع على أن لفظ «الاستمتاع» و «التمتع» لم يقتصر في عرف الشرع على هذا العقد المعين، كما زعموا(1).
ونقول:
أولاً:
إن ذلك لا يجدي نفعاً، إذ إن الصحابة قد نقلوا لنا: أن الآية قد نزلت للدلالة على هذا الزواج، وقرأوا الآية ـ ولا شك أنهم ينقلون ذلك عن رسول الله على سبيل التفسير والتوضيح ـ هكذا: (فما استمتعتم به منهن ـ إلى أجل ـ..).
ثانياً:
إن في الآية قرائن تأبى أن يكون المراد بالاستمتاع مجرد الالتذاذ، فإن ذلك يؤدي إلى إثبات تمام المهر على المتزوج ولو بقبلة أو لمسة.. وهو غير مقبول حتى عند القائلين بنسخ هذا الزواج.
هذا بالإضافة إلى القرائن الأخرى التي ذكرناها في هذا
____________
(1) تحريم المتعة في الكتاب والسنة ص 102 و 103 ونكاح المتعة للأهدل ص302.
ثالثاً:
لم يدع أحد أن لفظ الاستمتاع والتمتع قد اقتصرا في عرف الشرع على هذا العقد المعين..
سياق الآيات لا يناسب المتعة:
يقول البعض: وبناء على ما تقدم؛ فإن النفس تطمئن بما أجمع عليه أهل السنة. ولا سيما أن الآية التي جاءت فيها العبارة والآيات السابقة لها منصبة على الزواج، وتعظيم رابطته، وحماية الحياة الزوجية، وتوطيدها ووجوب الاحتفاظ بالزوجات وعدم معاشرتهن، وتحمل ما يكره منهن والإحصان، والأولاد، والمواريث، والمهور، وما يحل التزوج به من النساء، وإبطال بعض عادات الجاهلية منه، مثل نكاح زوجة الأب والجمع بين الأختين.
وننبه على أن الزواج هو للإحصان وليس للشهوة فحسب وتنهى عن قصد السفاح والمخادنة. والمتعة على كل حال ليست زواجاً ولا إحصاناً في معناهما ومداهما الصحيحين، ولا تخرج عن كونها نوعاً من أنواع المخادنة، وليس فيها قصد تأسيس
ويتبادر لنا من كل ما روي وقيل أن مسألة المتعة وحلها وتحريمها متصلة بما روي من أحاديث أكثر مما هي منطوية في الجملة القرآنية، وأن من المحتمل أن تكون مما أباحها رسول الله في ظرف ثم نهى عنها، وأن تحريم النبي (صلى الله عليه وآله) لها ووفاته على ذلك هو الأقوى والأوثق(1).
ونقول:
إن هذا الرجل قد أنكر نزول هذه الآية الشريفة في زواج المتعة، بالاستناد إلى الأمور التالية:
إن سياق الآيات قد بيّن لنا الأمور التالية:
إن الآيات قد انصبت على الزواج، وتعظيم رابطته، وحماية الحياة الزوجية.
وتوطيدها.
ووجوب الاحتفاظ بالزوجات.
____________
(1) المرأة في القرآن والسنة ص 183 والتفسير الحديث ج 9 ص 54 و 55.