وعدم معاشرتهن(1).
وتحمل ما يكره منهن.
والإحصان.
والأولاد.
والمواريث.
والمهور.
وما يحل التزوج به من النساء.
وإبطال بعض عادات الجاهلية منه، مثل نكاح زوجة الأب. والجمع بين الأختين. [ثم نبه هذا الرجل على أن الزواج هو للإحصان، وليس للشهوة وحسب].
وتنهى ـ أي الآيات ـ:
عن قصد السفاح.
والمخادنة.
____________
(1) لعله يقصد: أن لا يتخذها عشيقة لمجرد سفح الماء.
1 ـ إن المتعة ليست زواجاً في معناه ومداه الصحيح.
2 ـ إن المتعة ليست إحصاناً في معناه ومداه الصحيح أيضاً.
3 ـ إن المتعة لا تخرج عن كونها نوعاً من أنواع المخادنة.
4 ـ ليس في المتعة قصد تأسيس علاقة زوجية ثابتة.
5 ـ ليس فيها قصد إقامة كيان أسروي، وإنجاب ذرية، وهذا ما هو منطوٍ في الآيات.
ثم هو يخلص إلى القول:
إن حل المتعة وتحريمها متصل بما روي من أحاديث أكثر مما هي منطوية في الجملة القرآنية.
ثم احتمل أن يكون النبي (صلى الله عليه وآله) قد أباحها في ظرف، ثم نهى عنها.. وأنه (صلى الله عليه وآله) توفي وهي على ذلك.. واعتبر هذا الرأي هو الأقوى والأوثق.
ونقول:
لقد ادعى هذا الرجل كما ترى أن الأمور الخمسة الأخيرة قد انطوت الآيات الشريفة عليها.
وقد عرفنا ولسوف يأتي المزيد من الحديث عن أن المتعة زواج في معناه ومداه الصحيح.
وعرفنا المراد بالإحصان في الآية الشريفة، وأن المتعة إحصان بهذا المعنى في معناه ومداه الصحيح..
ولسوف يأتي في هذا الكتاب لا سيما في القسم الأخير منه، الكثير من الشواهد والدلائل الدالة على أن زواج المتعة ليس من المخادنة، ولا هو نوع من أنواعها لا من قريب ولا من بعيد.
ويكفي اعتراف هذا الرجل نفسه بأن النبي (صلى الله عليه وآله) قد أحل هذا الزواج، فهل يصح لمسلم أن يقول: إنه قد أحل الزنا والمخادنة للأمة؟!.
وأما الأمران الأخيران.. فقد تقدم بعض الكلام فيهما وسيأتي في القسم الأخير من هذا الكتاب ما يدفع كل شبهة، ويزيل كل ريب إن شاء الله تعالى. ولولا حب الإبتعاد عن التكرار الموجب للملال لذكرنا ذلك
تقرير آخر لسياق الآية:
يقول البعض: إن السياق يمنع من أن تكون الآية ناظرة إلى المتعة، لأن الله سبحانه عدّد المحرمات بقوله تعالى: (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم..) أي التزوج بهن ذلك الزواج الدائم المعهود في الإسلام. ثم قال تعالى: (وأحل لكم ما وراء ذلكم..) أي أحل لكم التزوج بالدائم بما عدا المذكورات قبل أن تبتغوا بأموالكم على طبق ما شرّع الله تعالى النكاح لأجله، من الإحصان والتناسل، دون مجرد سفح الماء ـ كما يفعل الزناة ـ فالآية تدل على المنع عن وضع المرأة موضع المخانة بأن يجعلها لمجرد سفح الماء.
وبعبارة أخرى:
قد حرم الزواج الدائم بالمذكورات، وأحل
ويقول مصطفى شلبي أيضاً:
[إن الفاء] تجعل ما بعدها مربوطاً بما قبلها، والآية من أولها في النكاح المشروع.
وهذا يجعل قوله تعالى: (فما استمتعتم به..) في التمتع بالنساء بطريق النكاح لا بالمتعة(2).
وقال يوسف جابر المحمدي ما ملخصه: إن السياق في الآية خاص بالنكاح الدائم، فلا يعقل أن يقحم نكاح المتعة في وسطها، لأن الله سبحانه ذكر لفظة النكاح ثلاث مرات: (لا تنكحوا ما نكح آباؤكم) و (من لم يستطع منكم طولاً أن ينكح) و (فانكحوهن بإذن أهلهن) فيصرف قوله: (فما استمتعتم) إلى النكاح الدائم «لأن العطف بالفاء من قطع المعنى
____________
(1) راجع التفسير الكبير ج 10 ص 53.
(2) أحكام الأسرة في الإسلام ص 147.
ونقول:
إن سياق الآيات الشريفة يحتّم إرادة زواج المتعة، ونحن نذكر ذلك في سياق مناقشة الكلام المتقدم، فنقول:
إننا نسلم أن الفاء تعبر عن انسجام ما بعدها مع ما قبلها، لكننا نقول: إن هذا الإنسجام ليس كما ذكرتم.
فأولاً:
من الذي قال: إن المقدر في قوله تعالى: (حرمت عليكم أمهاتكم و..) هو خصوص النكاح الدائم؟.
ويشهد لذلك قول الرازي: «فكأنه تعالى ذكر أصناف من يحرم على الإنسان وطؤهن، ثم قال: وأحل لكم ما وراء هذه الأصناف، فأي فساد في هذا الكلام»(2).
ثانياً:
إننا نقول: إن الآية لا بد أن تتحدث عن مطلق
____________
(1) تحريم المتعة في الكتاب والسنة ص 96.
(2) التفسير الكبير ج 10 ص 53.
أو أن نقول:
إن التمتع بما نكح الآباء كان حلالاً في زمن الرسول؟!.
أو أن نقول:
إن التمتع بالبكر في زمن الرسول كان جائزاً ولو من دون إذن الأب؟!.
ثالثاً:
إن المراد بالإحصان هو حصن العفاف عن المآثم من خلال عقد الزواج، وهذا الأمر محقق في المتعة إذ يريد العاقد أن يجعل نفسه في حصن يمنعها من الوقوع في الحرام، ولا يريد مجرد سفح الماء ـ ولو من دون عفة ـ فإن نفس إرادة الوطء عن عقد هو دخول في دائرة التحصين عن الحرام.
رابعاً:
بالنسبة لما قاله مصطفى شلبي نقول: إنه يكفي لتحقيق التناسب فيما بين ما قبل الفاء، وما بعدها أن يكون
خامساً:
لو كان المراد بما بعد الفاء هو النكاح الدائم، فلا بد من الحكم بأن الزوجة تستحق تمام المهر والعقد حسبما تقدم مع أنها إنما تستحق نصفه فقط بخلاف ما لو قلنا بأنه يكفي في التناسب أن يكون ما بعد الفاء من أفراد ما قبلها.
سادساً:
إن سياق الآيات يؤيد إرادة خصوص المتعة، إذ إن الآيات قد تحدثت في أوائل سورة النساء عن حكم الزنا، وعن النكاح الدائم، وعن ملك اليمين.. وقد شرع بقوله: (فما استمتعتم به منهن..) ببيان حكم زواج المتعة.
وحمل هذه الفقرة على النكاح الدائم يلزم منه التكرار بدون سبب.
____________
(1) الإنتصار ص 113.
السياق يدل على المتعة فقط:
إن الآيات تحدثت أولاً، عن النكاح الدائم، حيث قالت: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) (1) ثم بينت حكم الزواج المؤقت، فقالت: (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن)(2) ثم بينت حكم التزويج بالإماء فقالت: (ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم)(3) كما أنه سبحانه وتعالى قد ذكر: المحرمات من النساء(4) ثم قال تعالى: (وأحل لكم ما وراء ذلكم)(5).
وعبر عن المهر هنا: مرة بالصداق وبالنحلة تكريماً للنكاح الدائم، وتفضيلاً له، ومرة بالأجر فيما يرتبط بالمتعة ونكاح الإماء، وإن كان قد عبر عنه في موارد أخرى بالأجر حتى
____________
(1) سورة النساء / الآية 3.
(2) سورة النساء / الآية 24.
(3) سورة النساء / الآية 25.
(4) راجع: الآيات من سورة النساء (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم) الآية 22 والآية 23 إلخ..
(5) سورة النساء / الآية 24.
وهذا الأمر يوضح:
مدى انسجام الآيات فيما بينها، أما لو كان المراد بآية الاستمتاع النكاح الدائم، فيلزم التكرار في الحديث عن هذه الأمور، بالإضافة إلى محاذير أخرى تظهر من خلال ما يأتي من مطالب..
الاستمتاع لا يدل على إنشاء عقد المتعة
وقال بعضهم أيضاً: إن القرآن قد استعمل لفظ الاستمتاع في غير عقد المتعة في العديد من الموارد.
«وأن حقيقة «الاستمتاع» في القرآن الكريم، وفي عرفه الاستعمالي لا تدل على «إنشاء عقد المتعة» أصلاً، في أي موضع من آي القرآن. ومن ذهب إلى أن المقصود بالاستمتاع هنا هو
وإنما يعبر القرآن عن إنشاء «العلاقة الزوجية الصحيحة الدائمة» إما بلفظ «النكاح» ومشتقاته، وهو الكثير الغالب، وإما بلفظ «التزويج»، فيبقى الاستمتاع إذن على معناه الحقيقي اللغوي والشرعي، حتى يقوم الدليل على صرفه عن معناه الأصلي إلخ(1).
وبتقرير آخر:
إن لفظ المتعة لم يرد في القرآن بل ورد لفظ «استمتعتم» ولم يُرَد بها في تلك الموارد المتعة اتفاقاً، ولذا اتفق جمهور المفسرين على أن المراد بالاستمتاع الانتفاع، كقوله (أذهبتم طيباتكم في الحياة الدنيا واستمتعتم بها)(1) وليس المراد مطلق الانتفاع، بل المراد الانتفاع بالوطء المباح بالعقد الدائم(2).
____________
(1) تحريم المتعة في الكتاب والسنة ص 103، وراجع: نكاح المتعة للأهدل ص302 و303.
(2) سورة الأحقاف، الآية 20.
(3) راجع: نكاح المتعة للأهدل ص304 و305.
ونقول:
إن هذا الكلام لا يصح، وذلك لما يلي:
أولاً:
إن عقد المتعة لا يحتاج إلى كلمة «متعت»، لأن المتعة تزويج ينشأ عقده بلفظي «زوجت» و «أنكحت» كما يمكن إنشاؤه بلفظ «متعت» من دون أي فرق.. فلفظا التزويج والنكاح ينشأ بهما عقد الزواج الدائم والمتعة على حد سواء..
ثانياً:
إن التعبير عن إنشاء العلاقة الدائمة بلفظي «التزويج» و «النكاح» لا يدل على عدم صحة إنشاء العلاقة في المنقطع بلفظ الاستمتاع، كما اعترف به هذا المستدل.. وذلك لأن عدم صحة أمر في مورد لا يعني عدم صحته في غيره، لجواز أن تكون ثمة خصوصية في ذلك الغير اقتضت صحة فيه..
ثالثاً:
إن قراءة عدد من الصحابة وغيرهم للآية الكريمة، بإضافة كلمة «إلى أجل» واستفادتهم مشروعية هذا الزواج منها خير دليل على أن المراد بالاستمتاع فيها عقد المتعة، فضلاً عن أن الصحابة، وغيرهم قد مارسوا هذا الزواج برهة من الزمان في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبعده. وصرحوا في كثير من النصوص بأن المراد من الآية هو هذا الزواج بالذات.
إن هذا القول يبقى بلا معنى، لأن الدليل على هذا الصرف موجود..
رابعاً:
إن الحديث في هذه الآية الكريمة إنما هو عن أصل تشريع زواج المتعة، لا عن الألفاظ التي يصح إنشاؤه بها، ولا عن أي من شرائط هذا الزواج وأحكامه الأخرى.. والفرق بين هذين الأمرين لا يخفى على ذي مسكة.
خامساً:
إن استعمال كلمة «استمتع» في مواضع أخرى من القرآن بمعنى الإلتذاذ، كقوله تعالى: (استمتعتم بخلاقكم) لا بمعنى عقد المتعة، لا يوجب أن يكون قد استعملها في نفس هذا المعنى في هذا المورد أيضاً. ولا يجعل ذلك حقيقة قرآنية أو عرفية، تمنع من استعماله في سائر المعاني.
سادساً:
إن لفظ استمتعتم أدل على إرادة زواج المتعة من غيره حيث دلت طريقة استعماله في الآية الشريفة على أن أي مقدار من الاستمتاع يوجب مقداراً من المهر. وهو أمر لا يكون
سابعاً:
لو سلمنا أن الآية لم تقيد النكاح بكونه دائماً أو منقطعاً فمن أين عرف أن القيد هو العقد الدائم؟!. فلماذا لا يكون القيد هو كلمة «العقد» التي تصلح للدائم وللمنقطع على حد سواء؟! ثم تأتي الروايات والقرائن الداخلية فتبين المراد وأنه خصوص المنقطع.
الآية لا تختص بالمتعة:
وقد حاول البعض أن يقول:
إن من أحكام المتعة: أنه لو وهبها المدة قبل الدخول، استحقت نصف المهر.. وإذا انقضت المدة بعد الدخول فلها تمام المهر..
ومن أحكام الزواج الدائم أيضاً: أنه إذا طلقها قبل الدخول استحقت نصف المهر أما بعد الدخول فلها تمام المهر.
قال: «.. وبهذا ينعدم الفرق بين المتعة والنكاح المشروع في هذه الحالة. ويصبح فهم الآية على أنها خاصة بالمتعة لا أساس له».
وهو كلام غير دقيق وغير مقبول..
فأولاً:
إن مجرد التشابه في هذا الأمر بين الزواج الدائم والمتعة لا يخرج الآية عن كونها خاصة بالمتعة، لأن اختصاصها بالمتعة منشؤه قراءة إلى أجل واشتهار أنها خاصة بهذا الزواج، الأمر الذي لا يدل على أن الصحابة قد أخذوه عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ولم ينشأ من عدم التشابه في الأحكام..
ثانياً:
إن غاية ما يدل عليه كلام المستدل هنا هو عدم اختصاص الآية بالمتعة، ولا ينفي شمولها لها بل هو يكاد يصرح بالشمول، فكيف إذا دل الدليل على هذا الشمول كفى ذلك. والمستدل إنما يريد أن ينفي دلالة الآية على زواج المتعة من الأساس.
ثالثاً:
إن من يقول بأن الآية خاصة بالمتعة، يؤكد قوله هذا بأن إرادة الدائم منها يقتضي استحقاق تمام المهر لمجرد لمسة أو تقبيلة؛ لأن الآية تقول: إن أي استمتاع منهن يوجب إعطاء أجورهن لهن..
هذا بالإضافة إلى محاذير وحيثيات أخرى تفرض إرادة
المراد بالآية: الزوجة المدخول بها.
وقد ادعى البعض، وهو ابن تيمية: «أن قوله تعالى: (فما استمتعتم به منهن) متناول لكل من دخل بها. أما غير المدخول بها فإنها لا تستحق إلا نصفه.
وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحالة وهي المطلقة قبل الدخول المسمى لها بقوله تعالى: (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن، وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم، إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح)(1).
فأما الآية: (فما استمتعتم به منهن) فهي كقوله سبحانه: (وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض، وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً).
____________
(1) سورة البقرة، الآية 237.
فتبين بذلك: أنه ليس لتخصيص المؤقت بإعطاء الأجر فيه دون النكاح المؤبد معنى. بل إعطاء الصداق كاملاً في المؤبد أولى»(1).
وهو كلام لا يصح، وذلك لما يلي:
أولاً:
إن هذا اجتهاد في مقابل النص. فإن قراءة «إلى أجل» نص صريح في خلاف دعوى إرادة النكاح الدائم بل هي خلاف دعوى احتماله أيضاً، إذ من المعلوم: أن هذه القراءة ليست اختراعاً منهم، وإنما هي مأخوذة من مصدر التشريع..
ثانياً:
إن تخصيص الآية بالزوجة المدخول بها يحتاج إلى قرينة. وهي مفقودة.. وأما الآية التي تحدثت عن أن الطلاق قبل الدخول يوجب استحقاقها لنصف المهر. فهي قد فرضت وجود نكاح دائم وطلاق. وليس في آية الاستمتاع لا حديث عن طلاق، ولا حديث عن الدخول أو عدمه.. فدعوى كون آية الطلاق قبل الدخول ناظرة لآية الاستمتاع ومخصصة لها ليس
____________
(1) تحريم المتعة في الكتاب والسنة ليوسف جابر المحمدي ص 106 ومنهاج السنة ج2 ص155 وراجع نكاح المتعة للأهدل ص306.
ثالثاً:
إن أحداً لم يدع بأن النكاح الدائم لا يعطى الأجر بل يعطى الأجر في خصوص المنقطع. كما ادعاه هذا المستدل..
بل المدعى هو أن هذه الآية قد تحدثت عن خصوص المنقطع، ولم تتعرض لحكم الدائم لا بنفي ولا إثبات. فهي لا تمنع من ثبوت الأجر في الدائم بآية أخرى أو رواية..
رابعاً:
ولو تنزلنا وسلمنا بشمول الآية للدائم، فإنها تشمله مع المنقطع أيضاً فما هو الوجه في أولوية الدائم على المنقطع فيما يرتبط بإعطاء الصداق؟!
والغريب في الأمر:
أن هذا المستدل نفسه قد صرح بأن الأمر في المتعة لا يختلف عنه في الدائم فيما يرتبط بالمهر، وذكر عن تحرير الوسيلة وزبدة الأحكام في أحكام المتعة: أنه «لو وهبها المدة، فإن كان قبل الدخول لزمه نصف المهر، وإن كان بعده لزمه الجميع».
وذكر مثل ذلك عن كتاب: المتعة ومشروعيتها في الإسلام
خامساً:
إن ثبوت الحكم بتنصيف المهر حين الطلاق قبل الدخول في آية أخرى.. أو في رواية.. لا يجعل آية (فما استمتعتم به منهن) خاصة بالنكاح الدائم، فإن هذه الآية قد بينت حكم المهر في زواج المتعة، وبينت أيضاً مشروعية هذا الزواج، وتلك الآية،و ذلك الحديث قد بين حكماً آخر في مورد آخر، وهو تنصيف المهر في الطلاق قبل الدخول.. ولا منافاة بين الحكمين، ولا بين الآيتين.
سادساً:
إن آية: (فما استمتعتم به منهن) تقول: إن أي مقدار حصل من الاستمتاع فيجب إعطاء ما يقابله من المهر.. وهذا إنما يتحقق في خصوص زواج المتعة من حيث إن ما تفي به من المدة يوجب إعطاء ما يقابله من المهر.
إذ لو كانت هذه الآية شاملة للزواج الدائم، أو كانت فيه خاصة، فإنها ستكون منافية لقوله تعالى: (وإن طلقتموهن من
سابعاً:
قوله: «ليس لتخصيص الموقت بإعطاء الأجر فيه دون النكاح المؤبد معنى.. إلخ».
غير صحيح، إذ إن إعطاء الأجر في الدائم قد أثبته القرآن، وبين أحكامه في أكثر من آية، ومنها آية سورة البقرة المذكورة آنفاً.. وقد بقي المهر في نكاح المتعة بحاجة إلى بيان وتفصيل، وقد جاء التعبير في الآية الشريفة بكيفية بينت فيها لزوم المهر، ولزوم أن يكون بمقدار الاستمتاع كما بيناه في الايراد السادس المتقدم. فهو إذن بيان لحكم تأسيسي وليس فيه إعادة لبيان ما هو مذكور في موارد أخرى، ففائدة بيانه هنا أتم، ونفعها أعم.
الآية تؤكد حق المرأة بالمهر بالدخول:
وفي مقام الإصرار على أن آية: (فما استمتعتم به منهن) خاصة بالنكاح الدائم، نجد البعض يعلل ذلك بأن عقد الزواج
____________
(1) سورة البقرة، الآية 237.
فالآية تفيد: «أن المهر يتأكد وجوبه كاملاً بالاستمتاع، لا بعقد الزواج وحده لأنه عرضة لأن يسقط نصفه بالطلاق قبل الدخول. فيتأكد حق المرأة في تمام المهر بالدخول»(1).
ونقول:
إنه كلام لا يصح وذلك لما يلي:
أولاً:
إن الآية الكريمة قد قالت (فما استمتعتم به منهن). ولم تقل: فإن استمتعتم منهن. وذلك للإشارة إلى درجة الاستمتاع.. وأن قلته وكثرته، وكونه بالدخول أو بغير الدخول.. لا يؤثر في لزوم إعطاء أجورهن إليهن كاملة غير منقوصة..
وبما أن ذلك غير متيسر في الدائم فلا بد من حملها على خصوص المنقطع، ويكون المراد كما قلنا أكثر من مرة أن أي مقدار من الاستمتاع يوجب مقداراً من المهر، والحكم في المتعة
____________
(1) راجع: تحريم نكاح المتعة ليوسف جابر ص 109.
ثانياً:
كيف عرف هذا المستدل أن المراد بما استمتعتم به منهن هو خصوص الدخول.. فإنه لو قبلها أو استمتع منها بما دون الدخول فإنه مشمول بقوله تعالى: (فما استمتعتم به منهن) فكيف أخرجه من هذا الشمول يا ترى؟!
ثالثاً:
إن تخصيصه الآية بالدائم لا شاهد له.. بل الشاهد على خلافه، وهو قراءة إلى أجل وذهاب كثيرين من علماء الأمة إلى إرادة نكاح المتعة بغض النظر عن هذه القراءة قرينة على ذلك أيضاً.
مسألة تنصيف المهر كيف تحل؟
يقول بعض من ألف في المتعة: «إذا كان أصحاب المتعة يرون عدم صلتها بالنكاح المعتاد لعدم إشارتها إلى تشطير المهر، فإننا نقول لهم: وهي بهذا الشرط لا علاقة لها بالمتعة؛ لأنها لا تختلف عن الزواج في هذا الحكم.
إنها تتحدث عن الصداق الذي هو من خواص النكاح، ولا علاقة له بمسألة الأجر المتفق عليه في المتعة موضوع البحث»(1).
ونقول: إن في ما ذكره مآخذ عدة:
فأولاً:
إن الأجر كما يعبر به عن المهر في المتعة، فإنه يعبر به عن المهر أيضاً في النكاح الدائم، فقد قال تعالى: (فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف، محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان)(2).
وقال: (والمحصنات من المؤمنات، والمحصنات من الذين اوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا
____________
(1) تحريم المتعة في الكتاب والسنة ص 108.
(2) سورة النساء، الآية 25.
وقال: (ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن)(2).
وقال: (يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللائي آتيت أجورهن)(3).
وكلمة صداق إنما تعني المهر، سواء أعطي هذا المهر في نكاح دائم، أو منقطع. فالمهر في المنقطع يقال له: صداق. والمهر في الدائم يقال له: صداق. فلا معنى للتفريق بين الأمرين، وجعل ذلك منشأً لأحكام وآثار تختلف وتتخالف.
ثانياً:
إن آية (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة)، لا تختص بالنكاح الدائم، بل عامة لكل نكاح جعل فيه مهر دائماً كان أو منقطعاً. فلا معنى لقوله: إنها تتحدث عن الصداق الذي هو من خواص
____________
(1) سورة المائدة، الآية 5.
(2) سورة الممتحنة، الآية 10.
(3) سورة الأحزاب، الآية 50.
ثالثاً:
إن قوله: إن آية: وآتوا النساء صدقاتهن.. تتحدث عن الصداق الذي هو من خواص النكاح يعطي: أن النكاح فقط ما كان دائماً.. وأن المتعة ليست نكاحاً مع أن المتعة من أقسام النكاح.. فإن النكاح مفهوم عام يشمل الدائم والمنقطع كما قلناه غير مرة..
رابعاً:
إن آية (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) إنما تتحدث عن لزوم الوفاء بالعقد وعدم جواز الانتقاص مما ثبت للزوجات في ذمم أزواجهن.. وذلك بقرينة بقية الآية التي تقول: (فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً)(1).
فهي على حد قوله تعالى: (.. وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً، أتأخذونه بهتاناً وإثماً مبيناً).
وقوله تعالى: (ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن).
____________
(1) سورة النساء، الآية 4.
وأما آية المتعة.. فقد أشارت إلى مقدار من الاستمتاع يوجب تمام المهر وذلك لأنها تقول: (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن)..
أي أنها تقول: إن الأجر ثابت بتمامه للمستمتع بها حتى ولو استمتع بها بأقل درجات الاستمتاع. ولا ينظر فيه إلى الدخول وعدمه بل إنه لو انقضت المدة أو وهبها إياها ولم يشأ أن يستمتع بها أصلاً فإن المهر كله ثابت عليه كما اعترف به هو نفسه(1) مع أن الأمر في النكاح الدائم على خلاف ذلك، حيث إن الطلاق إذا كان قبل الدخول، فإنه يوجب تنصيف المهر.
____________
(1) راجع: تحريم المتعة للمحمدي ص 117.
الفصل الثالث
نسخ المتعة بالإجماع
اليقين بالناسخ:
وبعد أن عرفنا: أن هذا التشريع ثابت في الإسلام، وأن ذلك مما أجمعت عليه الأمة، وقد نص القرآن، ودلت الأخبار الكثيرة والمتواترة عن النبي (صلى الله عليه وآله) على تشريعه وسيأتي شطر منها فإن ذلك الحكم لا يرتفع إلا بعد ورود الناسخ بصورة يقينية، فعلى مدعي النسخ إثبات ذلـك بالأدلة القاطعة والبراهين الساطعة، ومن أين له ذلك، وأنى..
ونحن رغم اقتناعنا بأن دعوى النسخ قد جاءت بهدف تبرير بعض المواقف التي لم يفهمها البعض على حقيقتها، إلا أننا نجد أن من الإنصاف التعرض لها ومناقشتها بكل تفاصيلها، وجزئياتها حتى لا يبقى عذر لمعتذر، ولا حيلة لمتطلب حيلة.
وقبل التعرض لذلك نقول:
قال الرازي هنا: إن الناسخ إن كان معلوماً بالتواتر، فإن مخالفة طائفة من الصحابة وغيرهم ممن سنذكرهم في هذا الكتاب توجب كفرهم، وخروجهم من الدين.
وإن كان الناسخ معلوماً بالآحاد يلزم جعل المظنون ناسخاً للمقطوع وهو باطل أيضاً(1).
وذلك يدفع إلى القول؛ بأن لا ناسخ في البين، وأن ما يدعونه ناسخاً لا يصلح لذلك..
لا بد من الإنصاف:
وقبل البدء في الحديث عما يقال من أن زواج المتعة منسوخ، نود أن نشير ـ بمرارة وأسف ـ إلى أن طريقتنا في الاستدلال تختلف عن طريقة أنصار نسخ هذا التشريع.
إذ إننا حين نأخذ دليل الإباحة من البخاري ومسلم وغيرهما، ونترك دليل النسخ، فإنما نتركه لأجل تناقض رواياته، وضعفها، ولغير ذلك من أمور كثيرة جداً بيناها في هذا
____________
(1) راجع: التفسير الكبير ج 10 ص 52
لكن ما يلفت نظرنا هنا هو: أننا نجد الطرف الآخر يكيل بمكيالين، حيث إنه حين يأخذ بدليل النسخ، لا ينظر فيه ليرى إن كان مما تقوم به الحجة، أو كان تام الدلالة أم لا، بل هو يتغاضى عن كل ما فيه من هنات وقد لا يشير أبداً إلى دليل الإباحة ولا يقرره تقريراً تاماً أو موضوعياً.
النسخ يقتضي جعل البديل:
لقد ادعى فريق من المسلمين أن زواج المتعة منسوخ.. ونحن قبل الشروع في بيان ما استند إليه نقول: لو افترضنا ان هذا الزواج قد نسخ بالفعل فإن نسخه ليس من قبيل التخفيف، ورفع حكم إلزامي عن هذه الأمة.
وإنما هو نسخ لحكم قد وضع لأجل حل مشكلة.
فإذا نسخ، وبقيت تلك المشكلة قائمة فيجب على الشارع أن يجعل بديلاً عن ذلك الحكم المنسوخ، خصوصاً إذا كان من يدعي النسخ يعتبر أن قوله تعالى: (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها) يشير إلى هذا النوع من النسخ..
ومعنى ذلك:
أنه لا بد من عوض وبدل عن المنسوخ، وهو المتعة هنا، ولا بد أن يكون البدل من جنس المبدل منه أو قريباً منه، كما هو الحال في نسخ القبلة عن بيت المقدس، فقد أعطى قبلة خيراً منها وهي الكعبة..
ولا نرى أنه تعالى قد أعطى بديلاً عن زواج المتعة، لا خيراً منه، ولا حتى مثله.. فإما أن تكون السنة الإلهية قد تبدلت، وزال الوعد الإلهي، أو أن النسخ المدعى غير صحيح.
ما هو ناسخ آية المتعة:
قد عرفنا أن زواج المتعة قد ثبت تشريعه في الإسلام بالكتاب والسنة، وإجماع المسلمين، فمن يدعي النسخ، فعليه إثبات ذلك بالأدلة القطعية، وقد ادعت بعض الفئات من المسلمين نسخه.
قال الفخر الرازي عن آية المتعة: «الآية على تقدير ثبوتها لا تدل إلا على أن المتعة كانت مشروعة، ونحن لا ننازع فيه، وإنما الذي نقوله: إن النسخ طرأ عليه»(1).
____________
(1) التفسير الكبير ج 10 ص 51.