وقال أبو عمر: «أما الصحابة فإنهم اختلفوا في نكاح المتعة، فذهب ابن عباس إلى إجازتها، فتحليلها لا خلاف عنه في ذلك، وعليه أكثر أصحابه، منهم: عطاء بن أبي رباح، وسعيد بن جبير، وطاووس. وروي تحليلها أيضاً وإجازتها عن أبي سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله»(2).
وقال ابن قدامة: «.. وحكي عن ابن عباس أنها جائزة.. وعليه أكثر أصحابه: عطاء، وطاووس، وفيه قال ابن جريج. وحكي ذلك عن أبي سعيد الخدري وجابر، وإليه ذهب الشيعة لأنه قد ثبت أن النبي (صلى الله عليه وآله) أذن فيها»(3).
وقال القرطبي: قال أبو بكر الطرسوسي: «ولم يرخص في نكاح المتعة إلا عمران بن حصين، وابن عباس، وبعض الصحابة،
____________
(1) البداية والنهاية ج 4 ص 318.
(2) التمهيد ج 9 ص 111 و 112 والبناية في شرح الهداية ج 4 ص 98.
(3) المغني لابن قدامة ج 7 ص 571.
السواد من الأمة قائلون بالتحليل:
قال الرازي، وغيره حول آية المتعة: «.. اختلفوا في أنها هل نسخت أم لا؟ فذهب السواد الأعظم من الأمة إلى أنها صارت منسوخة. وقال السواد منهم: إنها بقيت مباحة كما كانت»(2).
وقال الترمذي: «أكثر أهل العلم على تحريم المتعة»(3). مما يعني أن الكثيرين من أهل العلم الذين هم في مقابل الأكثر، قائلون بحليتها.
الأوائل يرخصون بالمتعة:
والشوكاني والعسقلاني يقولان: «اختلف السلف في نكاح المتعة. قال ابن المنذر: جاء عن الأوائل الرخصة فيها، ولا أعلم
____________
(1) تفسير القرطبي ج 5 ص 133 والغدير ج 6 ص 231 عنه.
(2) تفسير الرازي ج 10 ص 49 ط سنة 357 وتفسير النيسابوري [مطبوع بهامش جامع البيان ج 5 ص 16 والقدير ج 6 ص 222].
(3) الجامع الصحيح ج 3 ص 430.
مكة والمدينة واليمن والحجاز وأكثر الكوفيين:
وقال أبو عمر وقريب منه قال الزيلعي، وابن رشد وغيرهم: «أصحاب ابن عباس، من أهل مكة، واليمن، كلهم يرون المتعة حلالاً، على مذهب ابن عباس»(2).
وعن الزهري: «ينبغي للناس أن يدعوا من حديث أهل المدينة حديثين، ومن حديث أهل مكة حديثين، ومن حديث أهل العراق حديثين، ومن حديث أهل الشام حديثين. فأما حديثا أهل المدينة، فالسماع والقيان.
____________
(1) فتح الباري ج 9 ص 150، ونيل الأوطار ج 6 ص 271، وكلام ابن المنذر أيضاً في أوجز المسالك ج 9 ص 404.
(2) الجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 133 والإستذكار ج 16 ص 295، ونيل الأوطار ج 6 ص 272، وبداية المجتهد ج 2 ص 57، وفتح الباري ج 9 ص 150 و 142، والغدير ج 6 ص 223 عن تبيان الحقائق للزيلعي، ولكنه قال: أكثر أصحاب الخ.. وراجع شرح الموطأ للزرقاني ج 4 ص 47 والمنتقى للفقي ج 2 هامش ص 520.
وقال الزمخشري: «وقيل: أربع في أهل المدينة: الغناء، والمتعة، والماء من الماء والوضوء مما مسته النار»(2).
وقال أبو عبد الله الحاكم: قال الاوزاعي: «يترك من قول أهل الحجاز خمس؛ فذكر منها متعة النساء من قول أهل مكة، وإتيان النساء في أدبارهن من قول أهل المدينة»(3).
وقال أبو عمر أيضاً: «وقد كان العلماء قديماً وحديثاً يحذرون الناس، من مذهب المكيين، أصحاب ابن عباس، ومن سلك سبيلهم في المتعة والصرف الخ..»(4).
كما أن الشيخ المفيد (ره)، بعد أن ذكر عن كتاب الأقضية لأبي علي الحسين بن علي بن زيد أسماء جماعة كبيرة من الصحابة وفقهاء التابعين يقولون بحليتها قال: «وجماعة من
____________
(1) تهذيب تاريخ دمشق ج 1 ص 80.
(2) ربيع الأبرار ج 2 ص 568.
(3) معرفة علوم الحديث ص 65.
(4) التمهيد ج 9 ص 116.
وقال ابن كثير، بعد أن ذكر تحليل ابن عباس لها: «وقد تبعه على ذلك طائفة من أصحابه واتباعهم، ولم يزل ذلك مشهوراً عن علماء الحجاز إلى زمن ابن جريج وبعده»(2).
وسيأتي قول ابن حزم وغيره، وهو يُعدّد القائلين بحلية المتعة: «ومن التابعين ابن طاووس وعطاء وسعيد بن جبير، وسائر فقهاء مكة أعزها الله»(3).
وقال الأهدل: «بل هو المنقول عن سائر فقهاء مكة»(4).
وقال القرطبي: «أهل مكة كانوا يستعملونها كثيراً»(5).
وقال ابن منظور: «المتعة: التمتع بالمرأة لا تريد إدامتها
____________
(1) المسائل الصاغانية، المطبوع مع عدة رسائل للمفيد ص 238.
(2) البداية والنهاية ج4 ص 194.
(3) المحلى ج 9 ص 520 وستأتي بقية مصادر هذا النص.
(4) نكاح المتعة ص271 وارجع إلى المحلى ج9 ص633.
(5) تفسير القرطبي ج 5 ص 132، لكنه زعم أن ذلك هو سبب تحريمها في حجة الوداع، والغدير ج 6 ص 222.
بل لقد بلغ الأمر بهم، حداً دعا الاوزاعي إلى التحذير من أخذ ذلك عنهم، قال الشوكاني: «قال الأوزاعي فيما رواه الحاكم في علوم الحديث: يترك من قول أهل مكة خمس، فذكر منها متعة النساء، من قول أهل مكة..»(2).
موقوفات في المدينة على نكاح المتعة:
وقال الأسنوي المتوفي سنة 772 هـ: «أخبرني بعض من أثق به: أن قاضي المدينة أخبره أن بالمدينة مكاناً موقوفاً على نكاح المتعة، ومستحماً موقوفاً على الاغتسال من وطئها»(3)
جميع الصحابة قائلون بتحليل المتعة:
أما ابن حزم، فإنه بعد أن عد جملة من الصحابة القائلين
____________
(1) لسان العرب ج 8 ص 329.
(2) نيل الأوطار ج 6 ص 271.
(3) نهاية السؤل في شرح منهاج الأصول ج 3 ص 292.
واختلف في إباحتها، عن ابن الزبير، وعن علي فيها توقف، وعن عمر بن الخطاب: «أنه إنما أنكرها إذا لم يشهد عليها عدلان فقط، وإباحتها بشهادة عدلين.
ومن التابعين: ابن طاووس، وعطاء، وسعيد بن جبير، وسائر فقهاء مكة أعزها الله..»(1).
وقال العسقلاني، معلقاً على كلام ابن حزم هذا: «.. وأما ما ذكره عن التابعين فهو عند عبد الرزاق عنهم، بأسانيد صحيحة»(2).
أما بالنسبة لرواية جابر، لذلك عن جميع الصحابة فلعل
____________
(1) المحلى ج 9 ص 519 و 520، وفتح الباري ج 9 ص 150 والمتعة لتوفيق الفكيكي ص 44، ونيل الأوطار ج 6 ص 270 و 271 وراجع ص 272، والغدير ج 6 ص 222 كلاهما عن المحلى، وهامش المنتقى للفقي ج 2 ص 520، والبيان للخوئي ص 333، وأوجز المسالك ج 9 ص 403 و 404.
(2) فتح الباري ج 9 ص 151.
تمحلات العسقلاني لا تجدي:
لكن قد احتمل العسقلاني أن ذلك يصدق عليه لو كان وحده(1).
ونقول: إن ذلك خلاف ظاهر كلام جابر، فإنه إنما يريد أن يقرر بقاء هذا التشريع في أذهان الناس، من دون وجود أية شبهة فيه حتى أعلن عمر بن الخطاب موقفه المعروف منه.
ونضيف إلى ما ذكر عن جابر قول ابن عمر: «ما كنا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) زانين ولا مسافحين» وقول ابن مسعود: «ثم رخص لنا أن ننكح الخ..» ثم استشهاده بالآية: (لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم)..
وقول عمران بن حصين: «تمتعنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)..»
____________
(1) فتح الباري ج 9 ص 151.
الساكتون من الصحابة والتابعين:
وقد ادعى علماء أهل السنة: أن أكثر الصحابة قائلون بتحريم المتعة، فقد قال أبو عمر: «أما الصحابة، فإن الأكثر منهم على النهي عنها وتحريمها» وقريب منه قول ابن رشد(1).
وتقدم في تعابير بعضهم، ما يشير إلى قلة القائلين بتحليل هذا الزواج من الصحابة، كقول البعض: إن ستة من الصحابة وستة من التابعين قائلون بحلية هذا الزواج.
وكقول الثعلبي: لم يرخص في نكاح المتعة إلا عمران بن الحصين وابن عباس، وبعض أهل البيت.. أضاف إلى ذلك
____________
(1) الإستذكار ج 16 ص 294 وبداية المجتهد ج 2 ص 57.
وكذا قولهم: روي عن بعض الصحابة وبعض التابعين أن زواج المتعة حلال.
إلى غير ذلك مما تقدم مما يفهم منه ـ بطريقة أو بأخرى ـ أن الأكثر من الصحابة والتابعين قائلون بالتحريم..
ونقول:
إننا نسجل هنا ملاحظات:
الأولى:
إنه لا يمكن عد الساكتين من الصحابة في جملة القائلين بالتحريم. ومن أين علم هؤلاء أن الساكت ليس على مذهب علي (عليه السلام)، وابن عباس، وجابر، وابن مسعود، وأبي سعيد الخدري، وعمران بن الحصين، وغيرهم من كبار الصحابة، وكذلك الحال بالنسبة للساكتين من التابعين.
الثانية:
إن جابراً قد روى التحليل عن جميع الصحابة،
الثالثة:
إن تهديدات عمر بن الخطاب القوية والصارمة كانت تمنع الكثيرين من الجهر بموقفهم الحقيقي من هذا التشريع. وإذا أردنا أن نحسن الظن بهم فذلك يقتضي نسبة التحليل إليهم اقتداء بالرسول (صلى الله عليه وآله) وعملاً بالكتاب، لا التحريم خوفاً من تهديدات عمر.
الرابعة:
لو طلبنا من هؤلاء أن يعددوا لنا أسماء القائلين بالتحريم من الصحابة.. فكم يمكنهم أن يوردوا لنا من هذه الأسماء، رغم أن السلطة كانت إلى جانب هؤلاء في هذا الأمر وضد القائلين بخلافه، تلاحقهم وتعاقبهم وتنكل بهم؟!
الخامسة:
كيف يمكن لهؤلاء دعوى أن ستة من التابعين فقط قائلون بتحليل هذا الزواج ونحن نجد: أن سائر فقهاء
____________
([1]) راجع: المحلى ج 9 ص 519 و 520.
وستأتي حكاية ذلك عن ثلاثة من أئمة أهل المذاهب الأربعة أيضاً.
أئمة المذاهب الأربعة وزواج المتعة:
ادعى البعض: أن زواج المتعة محرّم في المذاهب الأربعة(1) وهي دعوى غير صحيحة جزماً، فإن ثلاثة منهم يقولون بحليتها، أو نسب إليهم ذلك، وهم:
1 ـ مالك بن أنس يبيح المتعة:
قالوا: إن «ابن الهمام نسب جواز هذه العلاقة إلى الإمام
____________
(1) راجع مجلة الهلال المصرية العدد13 جمادى الأولى سنة1397 هـ. أول مايو سنة: 1977م.
لكن كيف يكون خطأ وقد نقل ذلك عنه آخرون هم من كبار القوم، فقد قال السرخسي في المبسوط: «تفسير المتعة: أن يقول لامرأة: أتمتع بك كذا من المدة بكذا من المال، وهذا باطل عندنا جائز عند مالك بن أنس. وهو الظاهر من قول ابن عباس»(2).
ونقل البعض:
أن نكاح المتعة قد صار منسوخاً بإجماع الصحابة..
وقال: «فعلى هذا يلزم عدم ثبوت ما نقل من إباحته عن مالك»(3).
ونقول:
إنه استدلال عجيب وغريب، ودعوى إجماع الصحابة على النسخ أغرب وأعجب، ولا نرى أننا بحاجة إلى التعليق فإن ما ذكرناه في هذا الكتاب وما سنذكره فيه غنى
____________
(1) نكاح المتعة للأهدل ص276 عن فتح القدير ج2 ص384.
(2) الغدير ج 6 ص 222 والمبسوط للسرخسي ج 5 ص 152 ط دار المعرفة ـ بيروت، وعنه في نكاح المتعة حرام في الإسلام ص 20 تأليف محمد الحامد.
(3) مجمع الأنهر ج 1 ص 320.
وقال العلامة الأميني (قده): «وينسب جواز المتعة إلى مالك في فتاوى الفرغاني، تأليف القاضي فخر الدين حسن بن منصور الفرغاني، وفي خزانة الروايات في الفروع الحنفية تأليف القاضي جكن الحنفي، ونسب إليه أيضاً في كتاب الكافي في الفروع الحنفية..»(1).
وقال المرغيناني، والزيلعي عن نكاح المتعة: «قال مالك: هو جائز، لأنه كان مباحاً، فيبقى إلى أن يظهر ناسخه»(2).
ونسبة الجواز إلى مالك نقلت أيضاً عن التفتازاني في شرح المقاصد، وعن الزرقاني في شرح مختصر أبي الضياء..(3) فراجع.
وفي مقام الحديث، عن رجم المتمتع بعد ادّعاء انعقاد
____________
(1) الغدير ج 6 ص 222 و 223.
(2) الهداية في شرح البداية ط سنة 1356 ج 1 ص 195، وراجع مرقاة المفاتيح ج 3 ص 422، ومجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر ج 1 ص 270 وراجع ص 320، والبيان للسيد الخوئي ص 333، والغدير ج 6 ص 223، وتبيان الحقائق للزيلعي ج 2 ص 115 وراجع عون المعبود ج 6 ص 84.
(3) ذكر ذلك البهبودي في هوامش كنز العرفان ج 2 ص 255.
وقال ابن دقيق العيد: «ما حكاه بعض الحنفية عن مالك من الجواز خطأ، فقد بالغ المالكية في منع النكاح المؤقت الخ..»(2).
والاستدلال بمبالغة الحنفية بالمنع عنه، لا يصلح شاهداً على منع مالك منه بعد وجود النقل عنه، فإن ذهابهم إلى المنع قد يكون له اسباب عديدة، لا سيما وأن عدداً ممن نقل الجواز عن مالك هم من المالكية أنفسهم، فقد ذكر الزرقاني في شرحه للموطأ: أنه أحد قولي مالك(3).
وقال الجزيري: «إذا كان الأجل واسعاً لا يعيشان إليه عادة
____________
(1) الجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 133.
(2) فتح الباري ج 9 ص 150، ونيل الأوطار ج 6 ص 271 وأوجز المسالك ج 9 ص 403 وعون المعبود ج 6 ص 84.
(3) الغدير ج 6 ص 223.
الشروط لا تحتاج إلى التصريح:
قال الباجي المالكي في المنتقى: «.. ومن تزوج امرأة لا يريد إمساكها، وإنما يريد أن يستمتع بها مدة ثم يفارقها، فقد روى محمد عن مالك: أن ذلك جائز، وإن لم يكن من الجميل، ولا من أخلاق الناس..»(2) زاد الزرقاني قوله: «وشذّ الأوزاعي فقال: هو نكاح متعة، ولا خير فيه، قاله عيّاض»(3).
وعلق عليه الباقوري: بأن أهل المدينة، وأهل الحديث، لا فرق عندهم في الشروط بين القول، وبين التواطؤ والقصد، فالمتواطأ عليه كالملفوظ عندهم، والمالكية يقدمون في الاستدلال على الحكم عمل أهل المدينة على الحديث، لاحتمال نسخه(4).
____________
(1) الفقه على المذاهب الأربعة ج 4 ص 92.
(2) مع القرآن ص 176، وراجع: شرح الموطأ للزرقاني ج 4 ص 49، وقال: أجمعوا على ذلك.
(3) شرح الموطأ للزرقاني ج 4 ص 49.
(4) شرح الموطأ للزرقاني ج 4 ص 49.
2 ـ أبو حنيفة يبيح المتعة لمدة طويلة:
وروى الحسن عن أبي حنيفة: «أن المدة التي عينت في العقد، إن كانت طويلة، بحيث أن الزوجين لا يعيشان إليها في الغالب، كأن يقول للمرأة: تزوجتك لمائة سنة مثلاً، أو أكثر، صح العقد، لأنه في معنى المؤبد، وهو حسن»(1).
وعللوا ذلك: أن هذا في معنى التأبيد، فأجاب البعض
____________
(1) مجلة هدى الإسلام ج 19 عدد 2 ص 79، ونقله محمد زين الأبياني، مدرس الشريعة الإسلامية في مدرسة الحقوق الملكية في مصر، في كتابه: الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية ج 1 ص 28، والمتعة للفكيكي عنه، والبناية في شرح الهداية ج 4 ص 102، وأوجز المسالك ج 9 ص 403، ومجمع الأنهر ج 1 ص 320 عن النهاية. وبدائع الصنائع 3/1421.
ومهما يكن من أمر، فإن هذا بالذات هو رأي ابن زياد أيضاً(2) ونقله البعض عن أبي الحسن(3) فراجع.
3 ـ أحمد بن حنبل:
هذا، ومن الأمور المثيرة حقاً أن يكون إمام الحنابلة الذين يتشددون جداً الآن في المنع عن هذا الزواج، ممن يروى عنه جواز نكاح المتعة في حال الضرورة.
قال محمد زكريا الكاندهلوي: «قال الموفق: هذا نكاح باطل نص عليه أحمد فقال: نكاح المتعة حرام، وقال أبو بكر: فيه رواية أخرى: أنها مكروهة غير حرام، لأن ابن منصور سأل أحمد عنها فقال: يجتنبها أحب إليّ قال: فظاهر هذا الكراهية دون التحريم الخ..»(4).
____________
(1) أوضح المسالك ج 9 ص 403.
(2) البحر الزخار ج 4 ص 22.
(3) بلغة السالك ج 1 ص 393.
(4) أوجز المسالك ج 9 ص 403، والمغني لابن قدامة ج 7 ص 571.
وقال أيضاً: «وقد حكي عن الإمام أحمد رواية كمذهب ابن عباس».
وقال: «حاول بعض من صنف نقل رواية أخرى عن الإمام أحمد بمثل ذلك»(2).
وقال محمد مصطفى شلبي: «وفي رواية عن الإمام أحمد: أنه يكره ويصح»(3).
وقال المرداوي: «الصحيح من المذهب: أن نكاح المتعة لا يصح، وعليه الإمام أحمد رحمه الله، والأصحاب، وعنه: يكره، ويصح، ذكرها أبو بكر في الخلاف وأبو الخطاب، وابن عقيل، وقال: رجع عنها الإمام أحمد رحمه الله، وقال الشيخ تقي الدين
____________
(1) السيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 367، تفسير القرآن العظيم لابن كثير ج 1 ص 474، راجع البداية والنهاية ج 4 ص 398 ومحاسن التأويل ج 5 ص 99.
(2) البداية والنهاية ج 4 ص 194، والسيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 367.
(3) أحكام الأسرة في الإسلام ص 145 ط دار النهضة العربية ـ بيروت.
تذكير:
ولكن يبقى أن نشير: إلى أن ما ادعاه ابن كثير على طائفة من أنهم إنما أباحوها للضرورة، لا يصح، بل لا معنى له، كما سيأتي بيانه، ولسوف نشير إلى أن من أباحها للضرورة، فإنما قلد في ذلك الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، وإلا فإن أكثر الصحابة قائلون بحليتها مطلقاً، ولا يظهر منهم تخصيص بالضرورة ولا بغيرها..
أكثر المذاهب الأربعة تبيح المتعة:
فيتضح مما تقدم: أن قول البعض: إن زواج المتعة محرم في
____________
(1) الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد ج 8 ص 163.
أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم الأبرار:
وبعد كل ما تقدم، فإن جواز نكاح المتعة هو مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، ومذهب شيعتهم الأبرار، المتمسكين بحبل ولايتهم ومودتهم، الذين يرون في أهل البيت (عليهم السلام) تصديق قول الرسول (صلى الله عليه وآله) فيهم (عليهم السلام): إنهم سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق وهوى، وهم أحد الثقلين اللذين لن يضل من تمسك بهما، وهم باب حطة، إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة المتواترة عنه في حق العترة الزاكية الطاهرة، صلوات الله عليه وعليهم أجمعين.
____________
(1) مجلة الهلال المصرية، العدد الصادر في 13 ـ 5 ـ1397 هـ. ق أول مايو سنة 1977م.
من آراء الباحثين:
وإذا قد عرفنا شطراً من أقوال السلف، أو كثير منهم حول بقاء تشريع وحلية هذا الزواج، فإننا نجد في مقابل ذلك إصراراً متزايداً على دعوى نسخ هذا التشريع، وتحريم هذا الزواج، ورمي من يقول بحليته بأنه يحلل الزنا، نعوذ بالله مما يقوله الجاهلون والمبطلون، بل نجد بعضهم ـ كما قدمنا ـ يدعوا إلى تحليل الاستمناء عوضاً عن زواج المتعة!!.
إلا أننا في الآونة الأخيرة نشهد من بعض الباحثين إصراراً ودعوة أكيدة إلى هذا النوع من الزواج، واعتباره الحل الأمثل لمشكلة الجنس، وقد أثيرت في هذا الاتجاه مناقشات علمية تتسم بالموضوعية، وبالوعي، والمسؤولية، حيث وضعت علامات استفهام كبيرة حول نسبة تحريمه إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وذلك من قبل العديد من العلماء والباحثين، ومن أتباع المدرسة التي تتبنى التحريم بالذات، ممن يفترض فيهم أن يكونوا من الموافقين على دعوى النسخ لهذا الزواج.
بل لقد وجدنا بعض الحكومات، وعدداً من العلماء، والمفكرين من غير المسلمين يتبنون هذا النوع من الزواج، ويعتبرونه الحل الأمثل لمشكلة الجنس.
شخصيات تدعو إلى زواج المتعة:
ومن الشخصيات المعاصرة التي تؤيد هذا الزواج أو أكدت على ضرورة اعتماده، نذكر ما يلي:
1 ـ قال الدكتور مصطفى الرافعي: «إن هذا الزواج لا يزال باقياً على حاله، لم ينسخ. بل هو رخصة في حالة الضرورة، أو السفر، أو الغزو، أو الاضطرار»(1).
2 ـ كما أن أستاذ التاريخ الإسلامي في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور قسطنطين زريق، لم ير بأساً في زواج كهذا، ورحب بالتحقيقات العلمية حوله، وأبدى إعجابه بالحقائق التي أدت إليها(2).
3 ـ وقد ذكر الدكتور عمر رضا كحالة، أن بعض الباحثين المعاصرين قد دعا إلى هذا النوع من الزواج، ورحب بعضهم بزواج الرجل والمرأة لمدة أربع أو خمس سنوات، وبعدها
____________
(1) إسلامنا في التوفيق بين السنة والشيعة ص 52.
(2) المتعة للفكيكي ص 132 و 130.
4 ـ كما أن الكاتب المصري المعروف الأستاذ عباس محمود العقّاد، يؤيد العودة إلى زواج المتعة، كحل ناجح لمشكلة الجنس، وقد نشر ذلك في مقال له في مجلة: «المصور» تحت عنوان: «الشباب والجنس»(2).
5 ـ وصلاح الدين المنجد أيضاً يظهر منه: أنه لا يرى بهذا الزواج بأساً، وقال: إن آية المتعة في قوله تعالى: (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن..) لم تنسخ ثانية(3).
6 ـ كما أن الشيخ خطاب فصيح، وهو من علماء الأحناف في العراق قد رحب بالتحقيقات العلمية حول هذا النوع
____________
(1) راجع الزواج المؤقت، ج 1 ص 180 عن مجلة الرسالة القاهرية العدد 219.
(2) المتعة للفكيكي ص 124 عنه.
(3) الحياة الجنسية عند العرب ص 28 و 30، دار الكتاب الجديد، بيروت.
7 ـ أما الشيخ أحمد حسن الباقوري، فإن فتواه بحلية هذا الزواج معروفة ومشهورة حيث قال: «.. وبهذا النظر تخيرنا القول بإباحة هذا النوع من الزواج، وارتأينا ما يراه فقهاء أهل البيت (عليه السلام) من مشروعيته الدائمة غير المنسوخة فإنهم في هذا رضي الله عنهم، كانوا من سعة الأفق، وبعد النظر، بحيث لا يملك المسلم المنصف إلا أن يسلك طريقهم، ويأخذ برأيهم إيثاراً للحق، وإبتغاء لصالح المسلمين»(2)..
8 ـ وجاء في مجلة «روزاليوسف»: «إن الحالة الوحيدة التي تبرر هذا الزواج هي: تغرّب شبابنا في بلاد أجنبية لطلب العلم حماية لأخلاقهم»(3).
9 ـ وقال البعض: إنه لو ضرب في عقد المتعة أجلاً لا
____________
(1) المتعة للفكيكي ص 130 و 132.
(2) مع القرآن ص 179 و 180.
(3) روز اليوسف عدد 1931 سنة 1965 م.
10 ـ يقول الدكتور حسن الساعاتي أستاذ علم الاجتماع، وعميد كلية آداب عين شمس: «إن فكرة الزواج المؤقت خرجت من بلاد العرب منذ صدر الإسلام، لكن مفكري أوروبا لطشوها في بداية القرن العشرين، ونسبوها إلى أنفسهم، عندما خرج القاضي الأمريكي ليسن من دينفر في العشرينات الأولى من هذا القرن ينادي بالعودة إلى الزواج التجريبي بين الرجل والمرأة قبل الارتباط الرسمي، بشرط عدم إنجاب أطفال في فترة التجربة، فإما أن تنتهي العلاقة بالزواج الدائم في حالة نجاح التجربة، أو بالانفصال قبل التورط في العلاقة الزوجية الأبدية»(2).
لكن الفكرة انهارت بانهيار الأخلاق، وانتشار الإباحية
____________
(1) بلغة السالك ج 1 ص 393 نقله عن أبي الحسن.
(2) راجع: زواج المتعة حلال ص 182.
11 ـ كما أن الشيخ قاسم الشماعي الرفاعي قال: «لو أن رجلاً وقع في أمر من الأمور، وكاد أن يقع في الزنا، ولا يستطيع لشدة غلمته دفع هذا الشبق عن نفسه، ثم لا يجد طريقاً للحل من طريق الزواج الدائم باعتبار وجود النفقة، وما يتبع ذلك، فقد نسميها حالة ضرورة، إلى أن قال: فحالات الضرورة هذه كما قال حبر هذه الأمة ابن عباس هي حالات موجودة إلى يوم القيامة.
وأما بالنسبة للحل المطلق فلا حاجة له مع وجود الزواج الدائم.. الخ»(1).
فإن كان المراد بـ «المتعة» معناها اللغوي، وهو مجرد التلذذ فلا كلام لنا في ذلك، وأما إذا كان المراد هو زواج المتعة، فإن الأمر يكون طريفا ولافتاً.
12 ـ ويقول الدكتور إبراهيم عبد الحميد: «وفي الحق أن
____________
(1) زواج المتعة حلال ص 142.
____________
(1) نيل الأوطار للشوكاني: ج 6 ص 275.
ولكن سيأتي: أن عمر بن الخطاب هو الذي حرم هذا الزواج، وليست نسبة ذلك اليه غلطاً، بل هي نسبة صحيحة لا شك فيها، وقد علل البعض ذلك بأنه قد أخذته الحمية، أو أنه اعتقد وجود مفسدة في إطلاق العنان للناس في هذا المجال، وسيأتي ذلك، وأيضاً سيأتي: أنه حتى هذه التبريرات لا تصح فانتظر.
____________
(1) حياة أمير المؤمنين (عليه السلام) ص 343 و 344 عن كتاب: نظام الأسرة والتكافل الاجتماعي ص 55 للدكتور ابراهيم عبد الحميد الأستاذ في جامعة الأزهر.