الزواج المؤقت عند غير المسلمين:
ونذكر هنا عينات تظهر لنا: أن بعض الحكومات غير الإسلامية، وبعض المفكرين من غير المسلمين قد بدأوا يتنبهون إلى هذا النوع من الزواج، ويعتمدونه، أو يدعون إلى اعتماده كحل لما يعانون منه من مشكلات حادة في هذا الاتجاه..
والعينات هي التالية:
1 ـ إن حكومة الاتحاد السوفياتي قد سنت قانوناً يبيح للرجل والمرأة أن يتزوجا على سبيل التجربة، بعقد يعقد بينهما لثلاث سنوات، فإذا رأى الزوجان بعد انقضاء هذه المدة أنهما اتفقا مشربا، وأخلاقاً، جدّدا ميثاق الزواج على مدى الحياة.
أما إذا تبين لهما: أنهما غير متفقين، وأنه يتعذر عليهما أن يعيشا معاً لسبب من الأسباب، طلبا نقض العهد، فيجابان إلى طلبهما بلا صعوبة، ولا عذاب، وإذا رزقا أولاداً خلال هذه الفترة، فالقانون الجديد ينص على أن يوقف الوالد ثلث دخله
2 ـ ويشيع في اليابان زواج باسم «آشي ايرو» حيث إنهم من أجل معرفة إن كانت الزوجة موافقة للزوج، فإن الزوجة تنتقل إلى منزل الزوج لمدة شهر واحد.. ويعيشان الحياة الزوجية بكل مضمونها وتكون هذه المدة بمثابة اختبار، إن توافقا فبها، وإن لم يحصل توافق بينهما وكان ثمة حمل، فإن الولد يلحق بالأب، وتعتد هي بستة أشهر، ثم يكون لها الخيار بالزواج ممن تشاء(2).
3 ـ كما أن الدكتور برتراند راسل، الفيلسوف الأوروبي المعاصر قد نحا إلى هذا النحو من الزواج في كتابه المشهور: الزواج والأخلاق، وإن كان لم يستطع أن يأتي بالتحديد الكافي والوافي للزواج الذي دعا إليه، والذي يشبه زواج المتعة إلى حد
____________
(1) الزواج تأليف عمر رضا كحالة ج1 ص 180 عن مجلة المصور، العدد 81 و 185 سنة 1926 و 1928.
(2) راجع: متعه وآثار حقوقي آن ص 251 «فارسي».
4 ـ وقد سبق راسل للدعوة إلى هذا النوع من الزواج، القاضي الشرعي الأمريكي «ليند زي». وإنما اعتمد راسل في ما دعا إليه على اقتراحات هذا القاضي المذكور(2).
5 ـ وقد ذكر البعض: أن قسطا بن لوقا البعلبكي، وهو مسيحي النحلة وقد عاش في زمن المقتدر بالله، قد كانت له كتب كثيرة، منها كتاب في المتعة(3).
____________
(1) الزواج تأليف كحالة ج 1 ص 180 و 181 عن مجلة: السيدات والرجال سنة 1931، وحقوق زن در إسلام «فارسي»، ص 30، والمتعة للفكيكي ص 124، والزواج المؤقت ص 15، والفلسفة القرآنية للعقاد ص 78، وزواج المتعة حلال ص 182.
(2) حقوق زن در إسلام ص 30.
(3) عيون الأنباء في طبقات الأطباء ص 330.
ملحق
الفصل الأول
علي (عليه السلام) وابن عباس
1 علي (عليه السلام):
وبعد.. فإن عمدة ما استند إليه الذين نسبوا القول بنسخ تشريع زواج المتعة إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، هو حديث النسخ يوم خيبر، وأنه قال لابن عباس: إنك أمرؤ تائه.. ثم أخبره بوقوع النسخ وتحريم الحمر الأهلية يوم خيبر.
وقد ظهر مما تقدم: أنه حديث لا يصح، ولا يمكن التعويل عليه.. وسيأتي المزيد مما يؤكد ذلك أيضاً، في نفس هذا الملحق، وفيما يأتي من فصول..
ويكفي في ذلك: الحديث المأثور والمشهور عن علي (عليه السلام): «لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي».
أو: «ما زنى فتيانكم هؤلاء»(1).
ومهما يكن من أمر، فإن تحليل المتعة معروف ومشهور من مذهب أهل البيت (عليهم السلام).. ولا نظن أن ثمة داع لحشد المزيد من النصوص لهذا الأمر..
روايات التحريم عن علي (عليه السلام) أصح:
وقد زعم بعضهم أن علياً (عليه السلام) لا يقول بحلية المتعة، واحتج لذلك بما رواه أهل السنة عن موقفه من ابن عباس فيها. وبما روي من طرق الاسماعيلية، والزيدية وبما رواه أهل السنة عنه من تحريم المتعة يوم خيبر ولحوم الحمر الأهلية وبما رواه الشيخ بإسناده عن عمرو بن خالد، عن زيد بن علي، عن آبائه عن علي (عليه السلام) قال: حرم رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم خيبر لحوم الحمر الأهلية، ونكاح المتعة(2).
فحديث علي في تحريم متعة النساء عن رسول الله (صلى
____________
(1) سيأتي هذا الحديث مع مصادره إن شاء الله تعالى.
(2) راجع: تحريم المتعة في الكتاب والسنة ص 151 ـ 153.
«بينما الحديث الذي أخرجه الثعلبي في تفسيره، والسيوطي في الدر المنثور بعدة طرق، والرازي، وأبو حيان. ورواه ابن جرير الطبري في تفسيره بإسناد منقطع.. ضعيف.
ومن المعلوم: أن كتب التفسير تحوي الغث والسمين فإذا عرفت هذا فكيف يزعمون: أن الرواية عن ابن الحنفية عن أبيه (عليه السلام) موضوعة، وما هو دليلهم؟!»(1).
ونقول:
1 ـ بالنسبة لما جاء في مصادر أهل السنة من أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد حرم المتعة يوم خيبر، فقد تقدم في الجزء الأول من هذا الكتاب أنه لا يمكن أن يصح.
2 ـ قوله: إن كتب التفسير تحوي الغث والسمين.. لا يثبت أن هذا الحديث هو من الغث..
3 ـ إنه كما أن كتب التفسير تحوي الغث والسمين.. فإن
____________
(1) راجع: تحريم المتعة في الكتاب والسنة ص 151 ـ 153.
وأمثال هذه الروايات في هذا الكتاب وفي غيره كثير..
4 ـ ما ذكر من موقف لعلي (عليه السلام) من ابن عباس حين بلغه قوله في المتعة. وكذا ما روي من طرق الاسماعيلية والزيدية، وأهل السنة حول تحريم المتعة فقد عرفت في الجزء الأول من هذا الكتاب، وكذا في سائر أجزائه أنه غير صحيح لأسباب عديدة.. فلا حاجة إلى التكرار.
5 ـ وأما ما رواه الشيخ الطوسي بإسناده عن عمرو بن
____________
(1) راجع صحيح البخاري ج4 ص98 وج3 ص124، وراجع أيضاً: ج4 ص184 و176 ط سنة 1309 ومسند أحمد ج3 ص13 وج2 ص369 و507 وعن صحيح مسلم، الجنة 35 و37 و38 والترمذي، جنة/ 20 وتفسير سورة ق.
6 ـ إن الحديث عن علي (عليه السلام) لا ينحصر بما رواه الطبري عنه بإسناد منقطع، فهناك ما رواه الشيعة بطرق صحيحة عن أئمة أهل البيت عنه (عليهم السلام).. وكفى بها حجة بعد سقوط ما رواه أهل السنة وغيرهم عنه في خلاف ذلك عن الاعتبار.
وحين يروي القائلون بالتحريم بطرقهم عنه ما يدل على التحليل فإن ذلك يمثل اعترافاً منهم بذلك..
7 ـ على أن الدليل على تحليل هذا الزواج لا ينحصر بما روي عن علي (عليه السلام)، بل الرواية عنه تمثل مفردة من عشرات أمثالها من الروايات الصحيحة وغيرها مما إذا انضم
____________
(1) تهذيب الأحكام ج2 ص186 والإستبصار ج3 ص142 وعن الوسائل ج4 ص 441.
(2) راجع قاموس الرجال ج7 ص 145 و 146.
2 ـ ابن عباس:
لقد اشتهر قول ابن عباس بتحليل زواج المتعة، وشاع وذاع، واتبعه طائفة كبيرة من الفقهاء في ذلك، وشاع أيضا عمل الناس بهذه الفتوى حتى سارت بفتواه الركبان، وحتى قال القائل وابن عباس حي:
أقول للركب إذ طال الثواء بنــا | يا صاح هل لك في فتيا ابن عباس |
في بضة رخصة الأطراف ناعمة | تكون مثواك حتى مرجع الناس(1) |
____________
(1) راجع الجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 133، والسرائر ص 311، وفتح القدير ج 1 ص 455، وفتح الملك المعبود ج 3 ص 227، والاعتبار في الناسخ والمنسوخ ص 179، وغاية المأمول شرح التاج الجامع للأصول ج 3 ص 335، والسنن الكبرى ج 7 ص 205، ونصب الراية ج 3 ص 181، ونيل الأوطار ج 6 ص 270، وعيون الأخبار لابن قتيبة ج 4 ص 95، ومجمع الزوائد ج 4 ص 265 و 264، وراجع: التمهيد ج 9 ص 117، والإستذكار ج 6 ص..، وفقه السنة ج 2 ص 43 عن الخطابي، والمنتقى ج 2 هامش ص 521، وجواهر الأخبار ج 4 ص 23، وعون المعبود ج 6 ص 83 و 84، وغير ذلك.
فدفعهم ذلك إلى: تلمس المخارج والتأويلات، بادعاء أنه إنما أحلها للضرورة تارة.. وادعاء رجوعه عن القول بالتحليل أخرى.. ونحن نجمل الحديث في ذلك على النحو التالي:
1 ـ يروى أنه رجع عن ذلك عند موته، وقال: «اللهم إني أتوب إليك من قولي بالمتعة، وقولي في الصرف»(1).
وعن جابر بن زيد: «ما خرج ابن عباس (رض) من الدنيا حتى رجع عن قوله في الصرف والمتعة»(2).
2 ـ وقالوا أيضاً: «أفتى بحلها للضرورة، فلما توسع
____________
(1) راجع: أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي ط دار الجيل ـ بيروت ج 2 ص 79 والتسهيل لعلوم التنزيل ص 115 ط دار الكتاب العربي بيروت والكشاف ج 1 ص 519 ط دار المعرفة ـ بيروت.
(2) المبسوط للسرخسي ج 5 ص 152.
وعن الزهري قال: «ما مات ابن عباس حتى رجع عن هذه الفتيا»(2).
3 ـ وذكروا أيضاً: «أن ابن عباس قد رجع عن قوله بالحلية حينما أخبره علي (عليه السلام) بالنسخ يوم خيبر»(3).
4 ـ وقال محمد عزت دروزة: «عزي إلى ابن عباس أقوال فيها تناقض، وتضارب ليس منها شيء وارد في كتب الحديث المعتبرة»(4).
____________
(1) راجع شرح العناية للباربرتي ج 3 ص 151 [بهامش فتح القدير] وزاد المعاد ج 4 ص 28.
(2) التلخيص الحبير ج3 ص158.
(3) مصادر هذا الحديث موجودة في أكثر من موضع من هذا الكتاب.. وقد تقدم شطر منها في الحديث عن النسخ يوم خيبر، وسيأتي في فصل النصوص والآثار بعض من ذلك إن شاء الله.
(4) التفسير الحديث ج 9 ص 53، وراجع المرأة في القرآن والسنة ص 159.
6 ـ قال المطيعي وغيره: «كان ابن عباس يفتي بجوازها قبل أن يبلغه حديث التحريم، فلما بلغه رجع، وأفتى بالحرمة، عملاً بالحديث»(2).
وقال الحازمي: «.. أما ما يحكى عن ابن عباس، فإنه كان يتأول في إباحته للمضطرين إليه بطول العزبة، وقلة اليسار والجدة، ثم توقف عنه وأمسك عن الفتوى به. ويوشك أن يكون سبب رجوعه عنه قول علي رضي الله عنه، وإنكاره عليه»(3).
____________
(1) عيون الأخبار لابن قتيبة ج 4 ص 95 ونكاح المتعة للأهدل ص263 عن التلخيص الحبير 2/1/158.
(2) سلم الوصول إلى نهاية السؤول ج 3 ص 388 وتحفة الأحوذي ج4 ص268 وأحكام القرآن ج2 ص152 لكنه زعم: أنه حين استقر عنده تحريمها بتواتر الأخبار من جهة الصحابة رجع عنها. وهو عجيب، فكيف يستطيع أن يثبت أنه رجع عنها؟ وكيف يستطيع أن يثبت أن الأخبار عن الصحابة تواترت عنده؟! وهل يمكنه أن يبين لنا أين توجد هذه الأخبار المتواترة عن الصحابة؟!
(3) الاعتبار ص179 ونكاح المتعة للأهدل ص164 و263 عنه.
ونقول:
إن ما ذكروه لا يمكن أن يصح وذلك لأمور كثيرة، ونذكر منها:
أولاً:
قد طعن الكثيرون في أحاديث رجوع ابن عباس، فقد قال ابن بطال: «روى أهل مكة واليمن عن ابن عباس إباحة المتعة.. وروي عنه، الرجوع بأسانيد ضعيفة، وإجازة المتعة عنده أصح»(1).
وقال أبو عمر، عما رووه من رجوع ابن عباس عن القول بتحليل المتعة: «وهي كلها آثار ضعيفة، لم ينقلها أحد يحتج به، والآثار عنه بإجازة المتعة أصح»(2).
بل لقد قال المقبلي: «لم يرو الرجوع عن جميع من أباحها، إنما روي عن ابن عباس، مع أن الأظهر ثبوته عليها، وعدم رجوعه»(3).
____________
(1) فتح الباري ج 9 ص 150 ونيل الأوطار ج 6 ص 271 وراجع: أوجز المسالك ج 9 ص 404 إلى قوله: ضعيفة، والغدير ج 6 ص 224 عن فتح الباري.
(2) الإستذكار ج 16 ص 299.
(3) المنار في المختار من جواهر البحر الزخار ج 1 ص 462.
ثانياً:
إن العلماء لم يكترثوا بأحاديث رجوعه، فنسبوا إليه الفتوى بالإباحة بصورة قاطعة وجازمة، فقال عطاء: «ابن عباس يراها الآن حلالاً»(1).
وجزم جماعة من الأئمة بتفرد ابن عباس بإباحتها(2).
وقال ابن قتيبة: «وله أقاويل في الفقه منبوذة، مرغوب عنها، كقوله في المتعة، وقوله في الصرف»(3).
وقال ابن كثير: «ومع هذا [أي مع أن علياً (عليه السلام) نهاه عن القول بحلية المتعة] ما رجع ابن عباس عما كان يذهب إليه من إباحة الحمر، والمتعة، أما النهي عن الحمر، فتأوله بأنها كانت حمولتهم، وأما المتعة فإنما كان يبيحها عند الضرورة في الأسفار»(4).
____________
(1) المصنف للحافظ عبد الرزاق ج 7 ص 498 والدر المنثور ج 2 ص 141 وراجع: أوجز المسالك ج 9 ص 404 ولسان العرب ج 8 ص 329 و 330 وشرح السنة ج 5 ص 78.
(2) أوجز المسالك ج 9 ص 404 وفتح الباري ج 9 ص 138 والمنتقى ج 2 هامش ص 520.
(3) تأويل مختلف الحديث ص 159.
(4) البداية والنهاية ج 4 ص 194 والسيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 367.
ثالثاً:
قال كمال الدين محمد بن عبد الواحد: «ويدل على أنه لم يرجع ما في صحيح مسلم عن عروة بن الزبير»(1).
هذا فضلاً عما ورد في مسند أحمد والترمذي، والمصنف للصنعاني وغيره من الروايات عنه بالتحليل.
وبعد ما ذكرناه لا يبقى معنى لقول البعض: إن روايات التحليل عنه لم ترد في الكتب المعتبرة.
رابعاً:
قد رويت مساجلته مع ابن الزبير في كثير من الكتب والمصادر وستأتي إن شاء الله مصادرها في فصل: النصوص والآثار.
وهي توضح عدم صحة قولهم: إنه قد رجع عن قوله بالتحليل حينما أخبره علي (عليه السلام) بالنسخ عام خيبر، لأن مساجلته مع ابناء الزبير قد كانت بعد وفاة أمير المؤمنين (عليه السلام) بحوالي ثلاثة عقود من الزمن.
وإن شئت قلت: إن رجوع ابن عباس إلى التحريم إن كان حين أخبره علي (عليه السلام) بتحريمها، فقد كان اللازم: أن
____________
(1) راجع: شرح فتح القدير ج 3 ص 151.
وإن كان رجوعه في زمن ابن الزبير، فروايات رجوعه حين أخبره علي (عليه السلام) بالتحريم يوم خيبر تسقط عن الاعتبار..
خامساً:
قولهم: إنه لما رأى عدم اقتصار الناس على موضع الضرورة أمسك عن فتياه، ورجع عنها.. معناه:
أن رجوعه كان اجتهاداً منه، لا لأجل ظهور النسخ له.
سادساً:
ما نسب إليه من أنه قال: إن آية الأزواج قد نسخت آية المتعة، قد تقدم أنه لا يصح، لا نقلاً، ولا استدلالاً، وكذا الحال بالنسبة لآية الميراث، والطلاق، والعدة وغير ذلك مما تقدم.
سابعاً:
قولهم: إنه إنما أحل المتعة في حالات الضرورة وحسب، سيأتي بطلانه في فصل: تمحلات لا تجدي، وسنذكر هناك ـ إن شاء الله ـ وجوهاً عديدة تدل على عدم صحة هذا القول.
ونضيف هنا: أن هذا يعني: أن تشريع المتعة لم ينسخ كما
ثامناً:
بالنسبة لما رواه سعيد بن جبير، من أن ابن عباس قد نهاه عن المتعة وكرهها نقول:
لو صح هذا النقل ـ ولا نراه يصح بعد كل ما قدمناه وما سيأتي ـ فلا بد أن يحمل على نهي الكراهة، كما ورد صريحاً في النص المنقول.. لا على نهي التحريم.
هذا، مع العلم أن سعيد بن جبير نفسه كان يرى أن هذا الزواج أحل من شرب الماء. وقد مارسه بنفسه حسبما تقدم في فصل: النصوص والآثار.
ملاحظة:
هناك تأويلات باردة، وتوجيهات واهية لقول ابن عباس: لولا نهي عمر عن المتعة ما زنى إلا شقي.. وإشكالات زائفة على ما جرى بينه وبين ابن الزبير يجدها القارئ ـ إن شاء الله ـ فيما يأتي من فصول.
الشيعة هم نسبوا الحلّية إلى ابن عباس:
ومن غريب ما قرأناه في هذا المجال: أن البعض يريد أن يتهم الشيعة بأنهم هم وراء نسبة القول بحلية زواج المتعة إلى ابن عباس(1).
ولكن قد بات واضحاً من النصوص والمصادر التي قرأناها حول تفسير آية المتعة بكلمة «إلى أجل»، وكذا ما ذكرناه في فصل النصوص والآثار وفي سائر الفصول: أن ذلك ثابت ومقطوع به عنه وعن غيره من الصحابة من طرق غير الشيعة قبل أن يكون من طرق الشيعة.
____________
(1) مجلة الهلال المصرية عدد 13 جمادى الأولى سنة 1397. أول مايو سنة 1977.
الفصل الثاني
روايات التشريع عند الشيعة
تجاهل العارف:
إن من غريب المفارقات في هذا الموضوع الذي نحن بصدده: أن نرى البعض يحاول أن يوهم: أنه لا توجد حتى عند الشيعة روايات عن أهل البيت (عليهم السلام) تدل على تحليل زواج المتعة، حيث نجده يقول:
«وتقول الشيعة: إن لديهم روايات عن آل البيت (عليهم السلام)، قاطعة بإباحة المتعة، ولم نطلع على هذه الروايات، وأسانيدها..»(1).
ثم نسب التحريم إلى علي أمير المؤمنين (عليه السلام)، هكذا على خلاف ما تواتر عنه، وعن أهل بيته الطاهرين.
____________
(1) هو محمد رشيد رضا في كتاب المنار ج 5 ص 16.
فليراجع مثلاً: كتاب وسائل الشيعة، أبواب نكاح المتعة، ومستدرك الوسائل [ج 2]، والبحار [ج 100]، والوافي والكافي، وأي كتاب حديثي آخر ليجد ما شاء وأراد، وليراجع أيضاً كتب أهل السنة، ومصادرهم، وهذا الكتاب حافل بجانب وافٍ منها، ليجد كيف أنهم يذكرون قول علي (عليه السلام) حول: «لولا تحريم عمر للمتعة ما زنا إلا شقي، أو شفا»، وليراجع المصادر الكثيرة المتقدمة عن أهل السنة، حول: أن حلية المتعة، مذهب أكثر الصحابة والتابعين، وأهل البيت (عليهم السلام).
كما أننا لا نستطيع: أن نرميه بجهل حقيقة أن الشيعة يأخذون أحكام الدين من كتاب الله سبحانه، وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وعن أهل بيته الطاهرين والمعصومين، وهم الأئمة الاثنا عشر الذين تحدثت عنهم الأحاديث الكثيرة في
كما أننا لا يمكن أن نصدق أنه يجهل: أن أئمتنا (عليهم السلام) قد صرحوا بأنهم لا يأتون بشيء من عند أنفسهم بل حديث الإمام حديث أبيه وحديث أبيه حديث جده.. وهكذا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى لقد قال الشاعر:
ووال أناساً قولهم وحديثهم | روى جدنا عن جبرئيل عن الباري |
وإذا كنا لا نستطيع أن نصدق أنه يجهل ذلك كله، لأن تصديقنا ذلك لا يعدو كونه حسن ظن لا مبرر له، بعد أن كانت كتب الشيعة في متناول يد كل أحد، وكذلك سائر المصادر المشار إليها آنفاً، ونسبة الجهل بذلك بالنسبة إليه تنطوي على إهانة فاضحة لمكانته العلمية.
نعم.. إذا كان الأمر كذلك فلا يسعنا إلا أن نقول:
«لأمر مّا جدع قصير أنفه..»
ونحن لأجل ذلك سوف نكتفي بإيراد نماذج مما ورد
فنقول:
روايات من طرق أهل البيت:
1 ـ محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، وعن علي بن ابراهيم، عن أبيه جميعاً، عن ابن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن أبي بصير، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن المتعة، فقال: نزلت في القرآن: (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة، ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد
2 ـ وعن علي بن ابراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن زرارة، قال: جاء عبد الله بن عمرة الليثي إلى أبي جعفر، فقال: ما تقول في متعة النساء: قال: أحلها في كتابه، وعلى لسان نبيه (صلى الله عليه وآله)، فهي حلال إلى يوم القيامة.
فقال: يا أبا جعفر، مثلك يقول هذا، وقد حرمها عمر، ونهى عنها؟!.
فقال: وإن كان فعل؟!.
فقال: فإني أعيذك بالله من ذلك، أن تُحِلَّ شيئاً حرمه عمر!.
فقال له: أنت على قول صاحبك، وأنا على قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) فهلم ألاعنك: أن الحق ما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأن الباطل ما قال صاحبك.
____________
(1) الوسائل، باب نكاح المتعة ج 21 ص 5، والإستبصار ج 3 ص 141، والتهذيب ج 7 ص 29، والكافي ج 5ص 448، وعن نوادر أحمد بن محمد بن عيسى ص 81.
3 ـ وقال المفيد: روى ابن بابويه بإسناده.. أن علياً (عليه السلام)، قد نكح في الكوفة، امرأة من بني نهشل، متعة(2).
4 ـ وعن علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن علي بن الحسن رباط، عن حريز، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله، قال: سمعت أبا حنيفة يسأل أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) عن المتعة، فقال: عن أي المتعتين تسأل؟.
قال: سألتك عن متعة الحج، فأنبئني عن متعة النساء، أحق هي؟!.
فقال أبو حنيفة: «والله، لكأنها آية لم أقرأها قط»(1).
5 ـ علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المتعة، فقال: الق عبد الملك بن جريج، فسله عنها، فإن عنده منها علماً.
فلقيته، فأملى علي منها شيئا كثيراً، في استحلالها، فكان فيما روى لي ابن جريج..
إلى أن قال: فأتيت بالكتاب أبا عبد الله (عليه السلام)، فعرضت عليه، فقال: صدق، وأقر به الخ..(2).
6 ـ عن علي بن أسباط عن علي بن عزاقر، عمَّن ذكره،
____________
(1) فروع الكافي ج 5 ص 449 و 450، والوسائل ج 21 ص7.
(2) فروع الكافي ج 5 ص 451، والوسائل ج 21 ص 19 و 20 والبحار ج 100 ص 317 ط بيروت ومستدرك الوسائل ج 14 ص 465 و 453.
7 ـ عبد الله بن جعفر في قرب الإسناد، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، عن الرضا (عليه السلام) قال: البكر لا تتزوج متعة إلا بإذن أبيها(2).
8 ـ علي بن ابراهيم في تفسيره، عن أحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمد، عن مالك بن عبد الله بن أسلم، عن أبيه، عن رجل، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عز وجل: (ما يفتح الله للناس من رحمة، فلا ممسك لها)، قال: والمتعة من ذلك(3).
9 ـ وبأسانيد كثيرة إلى أبي عبد الرحمن بن أبي ليلى،
____________
(1) وسائل الشيعة ج 21 ص 33 ومن لا يحضره الفقيه ج 3 ص 297.
(2) وسائل الشيعة ج 21 ص 33 وقرب الإسناد ص 361 ـ 362 ط مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث سنة 1413هـ بيروت وفي هامشه عن المجلسي في البحار ج103 ص313.
(3) تفسير القمي ج 2 ص 207 ووسائل الشيعة ج 21 ص 9 ط مؤسسة آل البيت وبحار الأنوار ط بيروت ج 100 ص 298. الوسائل ج 21 ص 11.
قال: لا، ولولا نهي عمر عنها ما زنى إلا شقي(1).
10 ـ عن محمد بن اسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان بن يحيى، عن ابن مسكان، عن عبد الله بن سليمان، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: كان علي (عليه السلام) يقول: لولا ما سبقني به ابن الخطاب ما زنى إلا شقي(2).
11 ـ علي بن ابراهيم، عن ابيه، عن محمد بن عيسى، عن يونس عن الحسين [الحسن] بن زيد، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «تحل الفروج بثلاث: نكاح الميراث، ونكاح بلا ميراث، ونكاح بملك يمين»(3).
____________
(1) الوسائل ج 21 ص 440، وفي هامشه عن رسالة المتعة للمفيد..
(2) الوسائل ج 21 ص 5، والكافي ج 5 ص 448، والتهذيب ج 7 ص 250، والإستبصار ج 3 ص 141.
(3) الوسائل ج 21 ص 85 و 86 و 87، والكافي ج 5 ص 364، والفقيه ج 3 ص 382 و 297 و 241 والخصال ج1 ص119، والتهذيب ج7 ص240 و241 وللحديث نصوص ومصادر أخرى فراجع الوسائل وهامشه، والبحار ط بيروت ج 100 ص 298 و 299 عن الخصال ج 1 ص 75 وعن تحف العقول ص 355.
13 ـ وقال الشيخ المفيد في (رسالة المتعة): «روى الفضل الشيباني بإسناده إلى الباقر (عليه السلام): أن عبد الله بن عطاء المكي سأله عن قوله تعالى: (وإذ أسر النبي) الآية..؟ فقال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) تزوج بالحرة متعة، فاطلع عليه بعض نسائه، فاتهمته بالفاحشة.. فقال: إنه لي حلال، إنه نكاح بأجل فاكتميه، فأطلعت عليه بعض نسائه(2).
14 ـ قال الصدوق: وقال الصادق (عليه السلام): إني لأكره للرجل أن يموت، وقد بقيت عليه خلة من خلال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يأتها.
فقلت: فهل تمتع رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟.
قال: نعم، وقرأ هذه الآية: «وإذ أسر النبي إلى بعض
____________
(1) وسائل الشيعة ط مؤسسة أهل البيت ج 21 ص 8، ومن لا يحضره الفقيه ج 3 ص 292.
(2) وسائل الشيعة ج 21 ص 10 ط مؤسسة آل البيت.
15 ـ عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) ـ في حديث ـ قال: «وله أن يتمتع إن شاء وله امرأة، وإن كان مقيماً معها في مصره»(2).
16 ـ عن عمار الساباطي قال: «قال أبو عبد الله (عليه السلام) لي ولسليمان بن خالد: قد حرمت عليكما المتعة من قبلي ما دمتما بالمدينة، لأنكما تكثران الدخول علي، وأخاف أن تؤخذا، فيقال: هؤلاء أصحاب جعفر»(3).
ومثله عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال ذلك لاسماعيل الجعفي ولعمار الساباطي. وفي نص آخر أنه قال: «ذلك
____________
(1) وسائل الشيعة ج 21 ص 13 ط مؤسسة آل البيت. ومن لا يحضره الفقيه ج 3 ص 297 والآية في سورة التحريم 3 ـ 5 وتفسير نور الثقلين ج 5 ص 369 والبرهان في تفسير القرآن ج 4 ص 353.
(2) وسائل الشيعة ج 21 ص 23 ط مؤسسة آل البيت ومن لا يحضره الفقيه ج 3 ص 296 ونوادر أحمد بن محمد بن عيسى ص 83.
(3) وسائل الشيعة ج 21 ص 23 ط مؤسسة آل البيت. والكافي ج 5 ص 467 والبحار ط بيروت.