القسم الرابع
  جهد العاجز


الفصل الأول: تحريم النبي (صلى الله عليه وآله) أم تحريم عمر؟!

الفصل الثاني: في أجواء التحريم.

الفصل الثالث: المتعة رخصة للمضطر.

الفصل الرابع: اشكالات هي أشبه بالمغالطات.


الصفحة 6

الصفحة 7


الفصل الأول
تحريم النبي (صلى الله عليه وآله)
أم تحريم عمر؟!





الصفحة 8

الصفحة 9

الاجتهاد في مقابل النص:

لقد أورد القوشجي قول عمر: «ثلاث كن على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأنا أحرمهن وأعاقب عليهن: متعة النساء، ومتعة الحج، وحي على خير العمل»، ثم قال: «إن ذلك ليس مما يوجب قدحاً فيه، فإن مخالفة المجتهد لغيره في المسائل الاجتهادية ليس ببدع»(1).

وهو كلام عجيب حقاً: فهل تحريم الرسول الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، كان رأياً واجتهاداً منه (صلى الله عليه وآله)، حتى يعارضه القوشجي باجتهاد آخرين؟!.

____________

(1) شرح القوشجي ص 484، وعد المعتزلي في شرح نهج البلاغة ج 3 ص 363 تحريم عمر للمتعة من اجتهاده..


الصفحة 10
وهل يصح اجتهاد عمر في مقابل النص القرآني، والتشريع النبوي؟!

وإذا كان عمر قد اجتهد في هذا الأمر، ولنفرض أن الرسول (صلى الله عليه وآله) قد اجتهد فيه أيضاً ـ نعوذ بالله من خطل القول ـ فأيهما أحق أن يتبع؟ وأيهما قال الله في حقه: ما آتاكم الرسول فخذوه.. ؟.

وماذا على من ترك اجتهاد عمر لعمر، وأخذ بالنص القرآني، والتشريع الإلهي الوارد على لسان النبي الأمي؟!.

وماذا يصنع القوشجي بقول الرازي: إن ذلك «يوجب تكفير الصحابة، لأن من علم أن النبي (صلى الله عليه وآله) حكم بإباحة المتعة، ثم قال: إنها محرمة محظورة، من غير نسخ لها، فهو كافر بالله»(1).

ومن الواضح: أن القوشجي، وصاحب المنار، والرازي، وغيرهم لم يستطيعوا أن يدركوا وجه العذر لعمر في إقدامه على تحريم المتعة وغيرها، فتشبثوا بالطحلب، بل صدر منهم ما فيه

____________

(1) التفسير الكبير ج 10 ص 50.


الصفحة 11
أيضاً نيل من كرامة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)، وتصغير لشأنه، من حيث يعلمون، أو من حيث لا يعلمون.

عمر لم يحرم المتعة، وإنما نهى عن الحرام:

يقول البعض: «إن نهي عمر عن المتعة صحيح، ومستفيض، لكن هذا لا يدل على حليتها، بل هو يدل على أنها كانت محرمة، لكن كان ثمة من يمارسها دون علم الحاكم، فلما علم عمر بالأمر منع من ذلك، من باب النهي عن المنكر.

وأما ما ينسب إليه من أنه هو الذي أعلن تحريم المتعة، فذلك بعيد جداً، لأن عمر لم ينصب نفسه في يوم من الأيام مشرعاً أو متشرعاً مكان رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وإنما كان عمر بوصفه خليفة، ينفذ أحكام الله، ويمنع من مخالفتها..»(1) وقالوا أيضاً: «إن عمر قد نهى عن المتعتين، ولم يحرمهما، لأن التحريم لا يجوز شرعاً، ولا يحـتمل ذلك في حقه.

____________

(1) زواج المتعة حلال ص 142 و 143 عن الشيخ قاسم الشماعي الرفاعي..


الصفحة 12
ولأجل ذلك نجده قد قال: متعتان كانتا على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وأنا أنهى عنهما، وأعاقب عليهما: متعة النساء، ومتعة الحج ولم يقل: كانتا محللتين. أو كانتا حلالاً، أو حلالين أو أحرمهن»(1)

ونقول:

1 ـ إن ذلك لا يتلاءم مع قول الخليفة: «متعتان كانتا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنا أحرمهما، وأعاقب عليهما..».

ولا يتلاءم أيضاً مع قول جابر بن عبد الله الأنصاري: «تمتعنا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وعلى عهد أبي بكر، ونصف من خلافة عمر، فنهانا عمر، فلم نعد». أو نحو ذلك..

ولا مع قول الإمام علي (عليه السلام): «لولا أن عمر نهى عن المتعة، ما زنى إلا شقي أو إلا شفا»..

إلى غير ذلك من نصوص تعد بالعشرات ذكرناها في الفصل الذي خصصناه لها في هذا الكتاب.

2 ـ قوله: «إن عمر لم ينصب نفسه في يوم من الأيام

____________

(1) راجع: تحريم المتعة في الكتاب والسنة للمحمدي ص181/ 182 بتصرف وتلخيص.


الصفحة 13
مشرعاً ولا متشرعاً..» نقول في جوابه:

أولاً:

إن ذلك ينافيه إقدامه على التحليل والتحريم في أكثر من مورد، مثل: متعة الحج، وحذف حي على خير العمل من الأذان، واستبدالها بعبارة: الصلاة خير من النوم، وتشريعه لصلاة التراويح، ولغيرها مما ذكره العلامة الأميني في كتابه «الغدير» وما ذكره العلامة السيد عبد الحسين شرف الدين في النص والاجتهاد، والعلامة المظفر في دلائل الصدق.. وغيرهم..

ثانياً:

قولهم: لا يحتمل في حق عمر إقدامه على تحريم ما أحله الله.. لا يصح إطلاقه على سبيل الجزم و الحتم في حق شخص لا يدعي له أحد العصمة ولا يصح ادعاؤها من قبل من لا يعلم الغيب، ولا يعرف كثيراً من الماضي والحاضر.

3 ـ ولنفرض أنه لم يشرع أي حكم آخر، ولا تدخل في تشريعه إثباتاً أو نفياً، لكن ذلك لا يمنع من أن يكون قد تَدَخل وشَرّع في خصوص هذا المورد.

4 ـ على أن المنع من ممارسة ما هو جائز لا يلازم إرادة التشريع، وأخذ مقام النبي (صلى الله عليه وآله) فقد يرى أن ثمة ضرورة للمنع المؤقت من ممارسة ما هو حلال

الصفحة 14
ليتجنب أمراً طارئاً يقتضي ذلك أو تخيل أنه يقتضيه..

5 ـ إن فرضه العقوبة على فعل ما هو حلال، وهو متعة الحج، والتهديد بالرجم في متعة النساء دليل على أن هذا الرجل يقدم على أمور هي أكثر من خطيرة، وأكثر من كونها مجرد مخالفة في شؤون الدين، فراجع الروايات التي أشارت إلى تهديداته بالرجم وبالعقوبة في فصل النصوص والآثار رقم: 17 / 19 / 20/ 67/ 68/ 69/ 74/ 80/ 81/ 83/ 84/ 99/ 100/ 106/ 108.

وراجع أيضاً: رواية الطبري ج3 ص290 ط الاستقامة حول أن الأمة قد أخذت عليه أموراً هي: تحريمه متعة النساء، ومتعة الحج، وعتق الأمة الحامل بمجرد وضع حملها بغير عتاقة سيدها..

6 ـ بالنسبة لقولهم: إنه قال: أنهى، ولم يقل: أحرم.. نقول: هناك نصوص دلت على أنه قد حرم المتعتين، فراجع: الرواية رقم: [76 و77 و82] وهي رواية الطبري المشار إليها آنفاً حيث أنكرت عليه الأمة تحريمه متعة النساء وغيرها.

7 ـ إن علياً (عليه السلام) قد اعتبر تحريم عمر للمتعة رأياً لعمر، حيث قال حسبما روي عنه: «لولا ما سبق من رأي

الصفحة 15
عمر بن الخطاب لأمرت بالمتعة ثم ما زنى إلا شقي..» وهي الرواية رقم: [76] في الفصل السابق.

8 ـ قد ذكرنا في كتابنا الحياة السياسية للإمام الحسن (عليه السلام): أن هذا الرجل قد كان يرى أنه يحق له ممارسة التشريع وأورد لهذا الأمر العديد من الشواهد، فراجع.

ونذكر من النصوص التي تشير إلى ذلك، ما يلي:

1 ـ إن عمر يصر على رأيه في من تحيض بعد الإفاضة، رغم أنهم أخبروه بقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيها(1).

2 ـ وحينما أخبروه بقضاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المرأة التي قتلت أخرى بعمود «كبَّر، وأخذ عمر بذلك، وقال: لو لم أسمع بهذا لقلت فيه»(2).

3 ـ وحين اعترض على من كنّى نفسه بأبي عيسى، وأخبروه بأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد أذن لهم بذلك.. غير أنه لم يتزحزح عن موقفه على الرغم من أنه قد صدقهم فيما نقلوه

____________

(1) راجع: الغدير ج 6 ص 111 و 112 عن العديد من المصادر.

(2) المصنف لعبد الرزاق ج 10 ص 57.


الصفحة 16
عن رسول الله لكنه اعتبره ذنباً مغفوراً له..

4 ـ وفي حادثة أخرى نجد عمر يصر على أن يخالف الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)(1)، حتى يستدل عليه بعض الحاضرين بقول الله تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)(2).

5 ـ وقضية إمضاء عمر للطلاق الثلاث؛ بحجة أنهم قد استعجلوا في ذلك(3)، معروفة ومشهورة وهي تدل على أنه كان يرى لنفسه الحق في ذلك..

6 ـ وقد تقدمت الرواية التي يقول فيها عمر: «أنا زميل محمد» حينما أخبره ذلك الرجل أن أمته نقمت عليه أربعاً، وعد منها تحريم زواج المتعة..

____________

(1) راجع: سنن أبي داود ج 4 ص 291 والسنن الكبرى للبيهقي ج 9 ص 310 وتيسير الوصول ط الهند ج 1 ص 25 والنهاية لابن الأثير ج 1 ص 283 والإصابة ج 3 ص 388 والغدير ج 6 ص 319 / 320 عنهم، وعن الأسماء والكنى للدولابي ج 1 ص 85.

(2) المصنف للحافظ عبد الرزاق ج 1 ص 382.

(3) راجع: تفسير القرآن العظيم [الخاتمة] ج 4 ص 22 والغدير ج6 ص178 ـ 183 عن مصادر كثيرة.


الصفحة 17
والشواهد على ذلك كثيرة جداً، لا مجال لاستقصائها في هذه العجالة(1).

عمر يضيف النهي إلى نفسه:

وعن سؤال: لماذا يضيف عمر النهي إلى نفسه، ولا ينسبه إلى النبي (صلى الله عليه وآله) ألا يعني ذلك: أنه هو الذي يصدر النهي، أو أنه ينقله عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)..

نقول:

قد أجاب المقدسي الشافعي عن ذلك بما ملخصه: أن عمر مع علمه وزهده واتباعه لرسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يقدم على تحريم ما أحله الله ورسوله، لا سيما وأنه كان يعاقب من يخالف شيئاً من سنته (صلى الله عليه وآله)، ويأمر بالالتزام بها، ولو رام تحريم ما أحله الله لم يقره

____________

(1) راجع: المصنف لعبد الرزاق ج 11 ص 258 / 259 و ج 9 ص 88 و 475 / 476، والطبقات الكبرى لابن سعد ج 2 ق 2 ص 134 ـ 136 ط ليدن. وراجع: كتاب: النص والاجتهاد ودلائل الصدق ج 3، و كتاب الغدير للأميني ج 6 وغير ذلك..


الصفحة 18
الصحابة عليه، وقد اعترضوا عليه فيما هو أيسر من ذلك.. وإنما أراد عمر أنها كانت مباحة أول الإسلام، وقد نسخ النبي هذه الإباحة..

ومتعة الحج كانت منسوخة، وإنما أبيحت للركب الذين كانوا مع رسول الله في تلك السنة، فإنه أمرهم بالإحرام بالحج، ثم أمرهم بفسخه إلى العمرة، وهذا لا يجوز لمن بعدهم بالإجماع.

فعمر لم يرد المنع من المتعة التي ورد بها القرآن: (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي)، وإنما أراد فسخ الحج الذي أجازه النبي (صلى الله عليه وآله) لأصحابه، حيث أمر أصحابه أن يفسخوا إحرامهم، لأنهم كانوا يستعظمون فعل العمرة في أشهر الحج، فأمرهم أن يفسخوا الحج ويجعلوها عمرة لتأكيد البيان، وإظهار الإباحة، ثم نسخ ذلك وحرمه كما حرمت متعة النساء. انتهى كلام المقدسى بتصرف وتلخيص(1).

____________

(1) تحريم نكاح المتعة ص 107 و 110.


الصفحة 19
ثم استشهد لما ذكره عن فسخ الحج برواية عن أبي ذر.

وقال ابن قدامة المقدسي: «.. وأما حديث عمر، إن صح عنه، فالظاهر: أنه إنما قصد الإخبار عن تحريم النبي (صلى الله عليه وآله) لها ونهيه (صلى الله عليه وآله) عنها، إذ لا يجوز أن ينهى عما كان النبي (صلى الله عليه وآله) أباحه، وبقي على إباحته»(1).

وقد حاول أبو عمر أن يوجه قول عمر في شأن ربيعة بن أمية: هذه المتعة، ولو كنت تقدمت فيها لرجمت، بأن قوله يحتمل وجهين:

الأول:

أن يكون ذلك تغليظاً في النهي لكي يرتدع الناس عن سوء مذاهبهم، وقبيح تأويلاتهم.

والآخر:

أن يكون تقدمه بإقامة الحجة من الكتاب والسنة على تحريم نكاح المتعة، «لأنه لا ميراث فيه، ولا طلاق، ولا عدة، وأنه ليس بنكاح، وهو سفاح.. إلخ»(2).

____________

(1) الشرح الكبير ـ مطبوع بذيل المغني ـ ج 7 ص 538.

(2) الاستذكار ج 16 ص 305.


الصفحة 20
وقال أبو عمر أيضاً: «معنى قوله: كانتا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، يعني ثم نهى عنهما رسول الله (صلى الله عليه وآله)»(1).

ونقول:

إن ذلك كله لا يصح، وذلك لكثير مما تقدم، ونذكر هنا ما يلي:

1 ـ قد استدل المأمون على جواز المتعة، وهمّ أن يحكم بها استناداً إلى قول عمر نفسه: «متعتان كانتا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وعلى عهد أبي بكر رضي الله عنه، وأنا أنهى عنهما»(2).

لكن يحيى بن أكثم خوّفه من عواقب حكمه ذاك.

2 ـ قال الباقوري: «.. وقد أضاف عمر النهي عن المتعتين إلى نفسه، فقد دل

____________

(1) الاستذكار ج 16 ص 294.

(2) الغدير ج 6 ص 211، وراجع: وفيات الأعيان ج 2 ص 218 ط سنة 1310 هـ. ق، والسيرة الحلبية ج 3 ص 46، وقاموس الرجال ج 9 ص 397 عن الخطيب في تاريخ بغداد، والنص والاجتهاد ص 193.


الصفحة 21
ذلك على أن هذا من عنده، وأنه رأيٌ له»(1).

وقريب منه: ما قاله محمد رشيد رضا في المجلدين الثالث والرابع من المنار، لكنه عاد وقال في تفسير المنار نفسه:

«ثم تبين لنا أن ذلك خطأ، فنستغفر الله منه، وإنما ذكرنا ذلك على سبيل الشاهد والمثال، لا التمحيص للمسألة، على طريق الاستدلال»(2).

والحقيقة هي: أن ما ذكره أولاً كان هو الحق الذي لا محيص عنه، ولعله قد تراجع عنه بعد ذلك بسبب ضغوطات نحتمل أنه قد تعرض لها، والله العالم بحقيقة أمره وحاله.

3 ـ ونقل ابن القيم عن جماعة قولهم عن حديث سبرة بن معبد: «لو صح، لم يقل عمر: إنها كانت على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأنا أنهى عنهما، وأعاقب عليها، بل كان يقول: إنه

____________

(1) مع القرآن ص 174.

(2) تفسير المنار ج 5 ص 16.


الصفحة 22
حرمها ونهى عنها»(1).

4 ـ قال السيد المرتضى رحمه الله تعالى: «فلو كان ثمة رواية عن النبي (صلى الله عليه وآله) لكان اللازم أن ينسبه (أي التحريم) إلى النبي (صلى الله عليه وآله)، لأنه أبلغ في الانتهاء»(2).

5 ـ لو كان ثمة نهي من رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يصح من عمران بن الحصين أن ينفي ذلك بضرس قاطع ويقول: «مات ولم ينهنا عنها قال رجل برأيه ما شاء».

6 ـ لنفترض أن عمر بن الخطاب قد روى لهم النهي عن النبي (صلى الله عليه وآله)، فإن علياً (عليه السلام)، وعمران بن الحصين، وابن عباس، وعشرات آخرين قد رووا لهم بقاء التحليل، وانكروا وجود هذا النهي، فليكن هذا من هؤلاء معارضاً لما يدعيه أولئك عن عمر، ومقدماً عليه، وذلك بسبب تفرّد عمر به، وكثرة مخالفيه فيه.

7 ـ نضيف إلى ذلك: أنه لو كان ثمة نهي من النبي (صلى

____________

(1) زاد المعاد ج 2 ص 184.

(2) تلخيص الشافي ج 4 ص 29 ودلائل الصدق ج 3 ص 103.


الصفحة 23
الله عليه وآله)، فلماذا اختص بمعرفته عمر، دون سواه؟ وكيف خفي عن جميع الصحابة، حتى عن كبارهم، أمثال علي (عليه السلام)، وجابر، وابن مسعود، وابن عباس، وغيرهم؟ وقد ذكرنا في هذا الكتاب أسماء طائفة منهم، بالإضافة إلى رواياتهم في حلية المتعة، حسبما ذكرناه في فصل النصوص والآثار.

8 ـ إن هذا التوجيه لكلام عمر بن الخطاب يتعارض مع الروايات التي تقول: إن عمر بن الخطاب قد نهى عن المتعة بسبب عدم الإشهاد.. ومنها رواية الشامي، الذي تمتع في عهد عمر، واحتج عليه بأنه قد تمتع في عهد النبي (صلى الله عليه وآله)، ثم في عهد أبي بكر، ثم في صدر من خلافة عمر نفسه، ولم ينهه النبي، ولا أبو بكر، ولا عمر، فلم يجبه عمر بشيء غير أنه قال له: لو كنت تقدمت في نهي لرجمتك. بينوا حتى يعرف النكاح من السفاح.

وثمة روايات أخرى: تتحدث عن ذلك فلتراجع في فصل النصوص والآثار.

وذلك يشير إلى: أن النهي من عمر إنما كان منه على سبيل الاجتهاد لا النقل عن رسول الله (صلى الله عليه وآله).


الصفحة 24
بل إن ذلك يدل على أنه كان حينئذ يقول بتحليل زواج المتعة في صورة الإشهاد.. فلعله تدرّج في إظهار اجتهاداته في هذا المجال، فطورها حتى انتهى به الأمر إلى المنع، ثم العقوبة..

9 ـ هذا كله.. عدا عن أن ثمة نصوصاً تصرح بإقرار عمر بحلية المتعة في عهد الرسول (صلى الله عليه وآله) وعهد أبي بكر. هذا فضلاً عن تصريح جابر وغيره بالحلية قبل نهي عمر.

10 ـ بالنسبة إلى ما ذكره المقدسي حول نسخ متعة الحج، فقد تحدثنا عنه فيما يأتي، فانتظر.

فذلكات في سبب إضافة عمر النهي إلى نفسه:

بالنسبة لإضافة عمر النهي إلى نفسه، حيث قال: أنا أنهى عنهما.

زعم بعضهم: أن السبب في ذلك هو أنه قد حرم المتعتين: ـ الحج والنساء ـ معاً. والمنسوخ هو متعة النساء فقط. أما متعة الحج فلم يرد فيها نهي من النبي.. فلا يجوز لعمر أن يقول: نهى رسول الله عن المتعتين لأنه إنما نهى عن واحدة فقط.. بل

الصفحة 25
عليه أن يقول: أنا أنهى عنهما.. فهو ينهى عن متعة النساء لأنها منسوخة، وينهى عن متعة الحج لكي تفرد بسفر آخر، ليكثر زيارة البيت.

إذن، فلا يصح الاعتراض على عمر: بأنه لو كان التحريم من النبي لكان على عمر أن يقول: نهى النبي عنهما، لأن النبي إنما نهى عن واحدة منهما فقط ولم ينه عن المتعتين، فلو قال عمر ذلك لكان مفترياً على رسول الله (صلى الله عليه وآله)(1).

ويقول البعض أيضاً: «لما كان نهيه عن متعة الحج إنما هو رأي رآه واختاره، غير مستند إلى نص كمتعة النساء، لم يسلم الصحابة ذلك، حتى قال عمران بن حصين: نزلت آية المتعة ـ أي متعة الحج ـ في كتاب الله، ففعلناها مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولم ينزل قرآن يحرمه، ولم ينه عنها حتى مات، قال رجل برأيه ما شاء.

ومع أن نهي عمر لم يكن على وجه التحريم، والحتم،

____________

([1]) راجع: تحريم المتعة ص 181 بتصرف وتلخيص.


الصفحة 26
وإنما كان ينهى عنها لتفرد عن الحج بسفر آخر، ليكثر زيارة البيت».

إلى أن قال: «ولكن رغم ذلك خالفه الصحابة. وهذا يؤكد ما قلناه في بداية البحث: أن عمر لو رام تحريم ما أحله الله لم يقره الصحابة عليه».

قال ابن تيمية: «وعمر لما نهى عن المتعة خالفه غيره من الصحابة كعمران بن حصين، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن عباس وغيرهم، وهذا بخلاف نهيه عن متعة النساء، فإن علياً وسائر الصحابة وافقوه على ذلك»(1).

ونقول:

1 ـ إن هؤلاء يريدون الجمع بين قولهم: إن عمر لا يحرم ما أحل الله، وبين قولهم: إن متعة الحج حلال، و إن متعة النساء حرام.. وبين قول ثالث لهم، وهو أن عمر قد نهى عنهما معاً. فهل يمكن الجمع بين ذلك كله؟!.

____________

(1) تحريم المتعة للمحمدي ص 178، وقال: إن كلام ابن تيمية في الفتاوى 33/96.


الصفحة 27
ومهما يكن من أمر فإننا نقول: إذا كان نهيه عن متعة الحج رأياً رآه، فما الذي يؤمننا من أن يكون نهيه عن متعة النساء رأياً رآه أيضاً؟!.

2 ـ لو كانت متعة النساء منسوخة وقد استند عمر فيها إلى النص عن الرسول (صلى الله عليه وآله) فلماذا أضاف النهي إلى نفسه فقال: أنا أنهى عنهما أو أنا أحرمهن.. مع أن نسبة النص إلى الرسول (صلى الله عليه وآله) أدعى للامتناع، وللامتثال والانصياع.

3 ـ إذا كانت متعة الحج حلالاً، وقد أحب أن تكثر زيارة البيت. فلماذا توعد فاعلها بالعقاب؟! فهل يجوز العقاب على فعل الحلال؟!

4 ـ وإذا جاز النهي عن الحلال والعقوبة على فعله، فلم لا يجوز الأمر بفعل الحرام، والعقوبة على تركه؟! وما الفرق؟!.

5 ـ إن جمعه بين المنسوخ وهو متعة النساء، وبين الثابت وهو متعة الحج ليس وحياً من الله، إذ قد كان بإمكانه أن يفرق بينهما، فيقول عن هذه أنا أنهى عنها، وعن تلك، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نهى عنها.


الصفحة 28
6 ـ قولهم: إن عمران بن الحصين قد اعترض على متعة الحج ولم يعترض على متعة النساء، ما هو إلا مجرد دعوى وافتراض، وتفسير لكلامه من عند أنفسهم.. وإلا، فإنه هو نفسه قد صرح في الرواية المتقدمة رقم 56 بأنه إنما يعترض على عمر في تحريمه للمتعتين معاً.. فتكون هذه الرواية صريحة في بيان المراد، ويجب أن تحمل عليها سائر الروايات التي أغفلت التصريح، وأفسحت المجال لتكهن الرواة.

7 ـ إذا كان النهي نهي تحريم في متعة النساء، فلماذا لا يكون كذلك في متعة الحج؟!، وإذا كان في متعة الحج نهي ترجيح، فلماذا لا يكون كذلك في متعة النساء؟!، مع أنه قد عبر عنهما معاً بكلمة واحدة..

ومن الواضح: أن استعمال المشترك في أكثر من معنى غير ممكن، فلا يصح أن يستعمل النهي ويريد به معنى يستبطن المنع عن الترك، ومعنى آخر يستبطن الرخصة بالترك..

إلا أن يقال: إنه قد استعمل اللفظ في التحريم الحقيقي المستبطن للمنع عن الترك في كلا المتعتين لكن في إحداهما، من حيث هو ناقل للمنع النبوي، وفي الآخر من حيث هو سلطان يريد أن يلزم الناس بذلك لمصلحة يراها.. ولأجل ذلك قرر العقوبة

الصفحة 29
على فاعله..

أو يقال: إنه قد استعمله في القدر المشترك، وهو مطلق الكراهة، لكن يفهم الالزام في إحداهما، والرخصة في الآخر بواسطة قرينة خارجية.

ويجاب عن هذا الأخير: بأن التوعد بالعقاب عليهما معاً يدل على أنه لا يسمح بالترك فيهما معاً، فلا معنى للرخصة سواء بواسطة قرينة، أو بدونها.

ويجاب عن الأول: بأن المعترض نفسه يصرح بأن نهي عمر عن متعة الحج لم يكن على وجه التحريم والحتم.

8 ـ إنهم يقولون: إن عمران قد اعترض على عمر في متعة النساء، ويضيف ابن تيمية علياً (عليه السلام) وابن عباس..

ونقول:

أ: لا دليل كما قلنا على أن اعتراض عمران كان على خصوص متعة النساء. بل الدليل موجود على أنه قد اعترض على المتعتين معاً كما تقدم في الفصل السابق في الحديث رقم: [56].


الصفحة 30
ب: إن الصحابة ليسوا هم خصوص علي (عليه السلام) وابن عباس، بل كانوا يعدون بالألوف. فلماذا لم يعترضوا عليه حين أعلن ذلك؟!. وأين هي الروايات المثبتة لتلك الاعتراضات؟!

وحتى هؤلاء المعترضون، فإنهم لم يعترضوا عليه حينما أعلن ذلك، ولا ردوا عليه قوله. وإنما قرروا هم أنفسهم الالتزام بحكم الله. ولما طولبوا بذلك، سجلوا موقفهم هذا.

9 ـ قول ابن تيمية إن سائر الصحابة وعلياً قد وافقوا عمر على موقفه من متعة النساء.. قد أظهرت الروايات والفصول المتقدمة أنه غير صحيح أبداً.. وموقف ابن عباس كالنار على المنار وكالشمس في رابعة النهار.

10 ـ إن إعلانه للمنع عن متعة الحج إذا لم يكن على وجه التحريم كما ذكره المعترض. فقد كان بالإمكان أن يعترض عليه الحاضرون بأنه لا معنى لمعاقبة الفاعل، لأن هذا يمثل جهراً بالتصميم على التعدي على الناس.

فعدم اعتراضهم هذا يدل على خوفهم الشديد منه، فإذا خافوا من الاعتراض عليه في هذا الأمر البديهي، فهل يمكنهم الاعتراض عليه في غيره؟!.


الصفحة 31

ما شرّع عمر بل بلّغ:

يدعي البعض: أن الصحابة الذين ثبتوا على حلية المتعة في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبعد موته إلى آخر أيام عمر، ما كانوا يعرفون بالنسخ المؤبد، ومن علم به حجة على من لم يعلم، واستمرار من استمر عليها، إنما كان لعدم علمه بالناسخ(1).

وربما يقال أيضاً: بأن الحديث الذي يرويه بعض الصحابة ويقول: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد أحل المتعة، ثم لم ينهنا عنها حتى مات.. لا يدل على أن النبي (صلى الله عليه وآله) لم يحرم المتعة، بل يدل على أنهم لم يعرفوا بورود التحريم أو النسخ على ذلك التحليل وتلك الرخصة..

فنهي عمر بن الخطاب بعد ذلك عن المتعة إنما هو إعلان لمن لم يعرف بذلك التحريم أو النسخ، فيطلع عليه من خلال كلام عمر ونهيه عنه في خلافته.

____________

(1) راجع: فتح الملك المعبود ج 3 ص 226.


الصفحة 32

ونقول:

1 ـ إن هذا لا ينسجم مـع قول الصحابي المعروف عمران بن حصين: «.. ثم لم ينهنا عنها حتى مات، قال رجل برأيه ما شاء» تعريضاً منه بعمر، فإن كلمة: «برأيه» وكلمة: «ما شاء» تدلان على أن تحريم عمر لم يكن لتأكيد التحريم الصادر من النبي (صلى الله عليه وآله) فيما سبق، بل كان قولاً برأيٍ من عمر نفسه.

2 ـ كما أن ذلك لا ينسجم مع نسبة التحريم لنفسه حيث قال: «وأنا أحرمهما» ولم يقل حرّمهما رسول الله. بل إن هذا اعتراف منه بعدم النسخ، وبقاء الحكم الأصلي، ومن المعلوم أن حلال محمد حلال إلى يوم القيامة، وحرامه حرام إلى يوم القيامة.

3 ـ وهو لا ينسجم أيضاً مع قول علي (عليه السلام): «لولا ما سبق من نهي ابن الخطاب ما زنى إلا شقي أو إلا شفا» وغير ذلك من نصوص تشير إلى هذا المعنى أو تدل عليه صراحة.

إذن.. فلا مجال للأخذ بقول عمر، الذي هو اجتهاد

الصفحة 33
منه في مقابل النص، وليس هو من قبيل الاجتهاد في النص.

ولو كان ثمة نص عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لقال عمر: حرمتا على عهد رسول الله، وأنا أنهى عنهما، وأعاقب من خالف نهي رسول الله عنهما، ولكان ذلك أبعد أثراً في دفع الناس إلى الالتزام بمقتضى النهي، ولكان ذلك أغناه عن التهديد والوعيد الذي لم يترك الأثر الذي توخاه منه.. بل استمر الناس على العمل بهذا التشريع.

عمر ينسب التحريم للنبي (صلى الله عليه وآله):

وهنا سؤال يقول: كيف ينسب عمر التحريم إلى نفسه ويقول: «وأنا أحرمهما، وأعاقب عليهما» مع أنه ليس بنبي، وقد أجاب البعض برواية رواها ابن ماجة عن عمر، تقول: «إنه لما ولي خطب الناس فقال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أذن لنا في المتعة ثلاثاً ثم حرمها، والله لا أعلم أحداً يتمتع وهو محصن إلا رجمته بالحجارة، إلا أن يأتيني بأربعة يشهدون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحلها بعد أن حرمها.

هذا بالإضافة إلى ما قدمناه في فصل: النسخ بالأخبار،

الصفحة 34
فليراجعها من أراد، فذلك يدل على أن عمر لم يحرم بل نقل التحريم».

ونقول:

أما بالنسبة للروايات التي تقدمت في فصل النسخ بالأخبار؛ فلا نرى أننا بحاجة إلى الحديث عنها، فإن ما قدمناه في هذا الكتاب لايترك مجالاً للشك بعدم صحة الاستناد إلى تلك الروايات..

أما بالنسبة للرواية المذكورة آنفاً عن ابن ماجة، فإننا نقول أيضاً:

إنها لا يمكن أن تصح، وذلك للأمور التالية:

أ ـ لقد ادعوا: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد أحلها أكثر من مرة.. وليس ثلاثة أيام فقط.

ب ـ إن المتمتع لا يرجم..

ج ـ إن حديث عمر هذا ـ لو صح ـ معارض بأحاديث جابر، وابن مسعود، وابن عباس، وابن الحصين، وغيرهم كثيرون، تقدمت رواياتهم..


الصفحة 35
د ـ إنه قد نقل حكماً ونسبه إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهو شخص واحد.. فلماذا يحتاج الراوي لخلافه إلى أكثر من واحد، فإنه تكفي رواية صحابي آخر لتسقط رواية هذا الرجل عن الاعتبار.

هـ ـ إن هذا الحديث يدل على أن تحريمها من قبل عمر لم يكن مؤبداً، فإن قوله: إلا أن يأتيني بأربعة يشهدون: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله).. إلخ، فإن هذا يدل على أنه كان يترقب حلها بمجرد شهادة أربعة من الناس، والروايات التي ذكرناها في فصل: النصوص والآثار.. وكذلك الفصل الذي سبقه، تدل على ورود هذا التحليل لهذا الزواج.

وبالمناسبة نشير إلى أن هذه الرواية ـ لو صحت ـ فهي تدل على أن عمر بن الخطاب لم يكن على علم بما يزعمونه أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد حرم المتعة إلى يوم القيامة في خطبته بين الركن والمقام كما يرويه سبرة بن معبد وحده، دون كل أحد من ذلك الجيش العرمرم الذي حضر فتح مكة، وأحل النبي (صلى الله عليه وآله) له المتعة؟!!!.

و ـ لماذا لا بد من أربعة يشهدون على التحليل، بعد

الصفحة 36
التحريم، فإنه يكفي في ذلك شهادة الثقة الواحد، فإن هذه ليست شهادة على زنا، وإنما هي لإثبات حكم شرعي، ولماذا لم يكتف باثنين، أو بثلاثة، لا سيما مع قولهم: إن الصحابة كلهم عدول، وقد اثبتوا عدم توريث الأنبياء بخبر واحد وهو أبو بكر!!!.

ز ـ إن قوله: «إلا أن يأتيني بأربعة يشهدون ـ إلخ» يشير إلى أنه لم يكن متيقناً من استمرار النهي ـ أو أنه يشير إلى أنه لا يتيقن كون النهي تحريمياً، فلعله كان نهياً تدبيرياً للحفاظ على حق النساء اللواتي سيتركهن أزواجهن، حيث يرجعون من الغزو إلى بلادهم.

عمر يقول: هدم المتعة النكاح والطلاق:

بل إن قول عمر: هدم المتعة النكاح والطلاق، والعدة، والميراث، يدل على أن نهيه كان اجتهاداً منه..

ولا يؤاخذ المجتهد باجتهاده، بل هو إن أخطأ فله أجر، وإن أصاب فله أجران..


الصفحة 37

والجواب:

أولاً:

لابد من إثبات أن عمر يملك القدرة على الاجتهاد، وفق القواعد الصحيحة.

ثانياً:

لامجال للاجتهاد في مقابل النص. والنص موجود، وهو نفسه يقر بوجوده، ويعلن أنه يسعى لإبطاله..

ثالثاً:

إنه توجيه لا يرضى به صاحبه، إذ أن لنا إن نسأل: هل لم يكن قبل هذا الوقت طلاق، وعدّة، وميراث، وهل ليس في المتعة عدّة ولا عقد.

رابعاً:

إن هذه الرواية تدل على أن النكاح الذي كان شائعاً هو نكاح المتعة، ثم جاء النكاح الدائم فهدمه..

ولا ريب في عدم صحة هذه المقولة..